معجم الأدباء/أحمد بن إبراهيم الضبي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن إبراهيم الضبي

أحمد بن إبراهيم الضبي أبو العباس الملقب بالكافي الأوحد، الوزير بعد الصاحب أبي القاسم بن عباد، لفخر الدولة أبي الحسن علي ابن ركن الدولة بن بويه، مات في صفر سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ببروجرد، من أعمال بدر بن حسنويه، على ما نذكره، ذكره الثعالبي فقال:هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم، ونهر من بحره، وخليفته النائب منابه في حياته، القائم مقامه بعد وفاته، وكان الصاحب استصحبه منذ الصبا، واجتمع فيه الرأي والهوى، فاصطنعه لنفسه، وأدبه بآدابه، وقدمه بفضل الاختصاص على سائر صنائعه وندمائه، وخرج منه صدراً يملأ الصدور كمالاً، ويجري في طريقه ترسماً وترسلاً، وفي ذرا المعالي توقلاً، ويحقق قول أبي محمد فيه من قصيدة:

تزهى بأترابها كما زهيت

ضبة بالماجد ابن ماجدها

سمائها شمسها غمامتها

هلالها بدرها عطاردها

يروى كتاب الفخار أجمع عن

كافي كفاة الورى وواحدها

وقد كانت بلاغة العصر بعد الصاحب والصابئ بقيت متماسكة بأبي العباس، فأشرفت على التهافت بموته، وكادت تشيب بعده لمم الأقلام، وتجف غدر محاسن الكلام، لولا أن الله سد ببقاء الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد ثلم الآداب والكتابة، ثم وصفه بكلام كثير. ومن شعر أبي العباس الضبي:

لا تركنن إلى الفرا

ق فإنه مر المذاق

والشمس عند غروبها

تصفر من ألم الفراق

وكتب إلى الصاحب كافي الكفاة:

أكافي كفاة الأرض ملكك خالد

وعزك موصول فأعظم بها نعمى

نثرت على القرطاس دراً مبدداً

وآخر نظماً قد فرعت به النجما

جواهر لو كانت جواهر نظمت

ولكنها الأعراض لا تقبل النظما

وهذه رسالة من نثره كتبها إلى أبي سعيد الشيبي: وقد أتاني كتاب شيخ الدولتين، فكان في الحسن روضة حزن، بل جنة عدن، وفي شرح النفس، وبسط الأنس، برد الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب، ومنها: - وبعد - فإن المنازعين للأمير حسام الدولة نسور قد اقتنصتها القصور، ودولته - حرسها الله - في إبان شبابها واعتدالها، وريعان إقبالها واقتبالها، قد أسست على صلاح وسداد، وعمارة دنيا ومعاد، وهي مؤذنه بالدوام، في ظل السلامة والسلام. وأما سبب هربه إلى بروجرد، فإن أم مجد الدولة اتهمته أن سم ابن أخيها، وطلبت منه مائتي ألف دينار، نفقة في مأتمه فلم يفعل، والتجأ إلى بروجرد، وهي من أعمال بدر بن حسنويه الكردي، ثم بدا له في الرجوع إلى الوزارة، فبذل مائتي ألف دينار ليعاد إلى وزارته لمجد الدولة، فلم يجب إلى ذلك، فلما مات احتوى ابنه أبو القاسم سعد على تركته، وكانت عظيمة، ومات بعده بشهور، فاحتوى أبو بكر محمد بن عبد العزيز بن رافع على المال، وورد تابوت أبي العباس إلى بغداد مع أحد حجابه. وكتب ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي، شيخ أصحاب أبي حنيفة، يعرفه أنه وصى بدفنه في مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما، ويسأله القيام بأمره، وابتياع تربة له، فخاطب الشريف الطاهر أبا أحمد في ذلك، وسأله أن يبيعهم تربة بخمسمائة دينار، فقال: هذا رجل التجأ إلى جوار جدي، ولا آخذ لتربته ثمناً، وكتب نفسه الموضع الذي طلب منه، وأخرج التابوت إلى برانا، وخرج الطاهر أبو أحمد ومعه الأشراف والفقهاء وصلى عليه، وأصحب خمسين رجلاً من رجاله حتى أوصلوه ودفنوه هنالك. وقد مدحه مهيار بقصائد منها:

أجيراننا بالغور والركب منهم

أيعلم خال كيف بات المتيم ؟ ؟

رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم

سواء ولكن ساهرون ونوم

فيا أنتم من ظاعنين وخلفوا

قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهم

يقون الوجوه الشمس والشمس فيهم

ويسترشدون النجم والنجم منهم

أناشد نعمان الأخابير عنهم

كفى خبرة مستفصح وهو أعجم

ولما جلا التوديع عمن أحبه

ولم يبق إلا نظرة تتغنم

بكيت على الوادي وحرمت ماءه

وكيف يحل الماء أكثره دم ؟

ونفرت بالأنفاس عني حدوجهم

كأن مطاياهم بهن توسم

وإن ملوكاً في 'بروجرد' كرمت

هم بذلوا الإنصاف فيما تكرموا

فميز من أعدائهم أولياؤهم

إذا انتقموا يوم الجزاء وأنعموا

أسادتنا والجود صيرنا لكم

عبيداً وعن قوم نعز ونكرم

إلام وكان البر منكم سجية

تواصلنا يجفى وكم نتظلم ؟

من اعتضتم عنا خطيباً لفضلكم

وهل مثل شعري عن علاكم يترجم ؟ ؟

وهل غير مدحي طبق الأرض فيكم

وإن كان ملء الأرض ما قد مدحتم ؟

ولما مات رثاه مهيار أيضاً بقصيدة منها:

أبكيك لي ولمن بلين بفرقه ال

أيتام بعدك والنساء أرامل

ولمستجير والخطوب تنوشه

متسطعم والدهر فيه آكل

ولمعشر طرق العلوم ذنوبهم

في الناس وهي لهم إليك وسائل

قد كنت ملتحفاً بمدحك حلة

فخراً تجر لها علي ذلاذل

فاليوم أشكرك الصنيع مراثياً

خرس المشبب عندها والغازل

قال هلال: في عصر الجمعة لست بقين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، توفي الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن عباد بالري، ودفن من غد في داره، ونظر في الأمور بعده أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي، المتلقب بالكافي الأوحد، ومنزلة الصاحب، وعلو قدره، وما شاع من ذكره، يغني عن الإطالة، في وصف أمره. فحدثني القاضي أبو العباس أحمد بن محمد البارودي قال: اعتل الصاحب أبو القاسم، فكان أمراء الديلم، ووجوه الحواشي، وأكابر الناس يغادون بابه ويراوحون، ويخدمونه بالدعاء، وتقبيل الأرض وينصرفون، وجاءه فخر الدولة عدة دفعات، فيقال إن الصاحب قال له وهو على يأس من نفسه: قد خدمتك أيها الأمير الخدمة التي استفرغت فيها الوسع، وسرت في دولتك وأيامك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها، فإن أديت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك، ونسب الجميل فيه إليك، واستمرت الأحدوثة الطيبة لك، ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه وسمعت أقوال من يحملك على خلافه، وتسلك به في طريقه، كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه، وقدح في دولتك ما يشيع أنفاً عنك، فقال له في جواب ذلك ما أراه به قبول رأيه.فلما كان وقد غروب الشمس من ليلة الجمعة المذكورة قضى نحبه. وكان أبو محمد خازن الكتب ملازماً داره على سبيل الخدمة له، وهو عين لفخر الدولة في مراعاة الدار وما فيها، فأنفذ في الحال وعرفه الخبر، فأنفذ فخر الدولة خواصه وثقاته حتى أحاطوا على الدار والخزائن، ووجد له كيس فيه رقاع أقوام بمائة ألف وخمسين ألف دينار مودعة عندهم، فاستدعاهم وطالبهم بذلك، فأحضروه، وكان فيه ما هو بختم مؤيد الدولة، ورجمت الظنون فيه، فقيل: إنه أخذه من خيانة، وقيل إنه أودعه مؤيد الدولة عن وصية منه إليه، ونقل ما كان في الدار والخزائن إلى دار فخر الدولة، وجهز الصاحب وأخرج تابوته وسط الناس، وقد جلس أبو العباس الضبي لعزائه، فلما بدا على أيدي الحاملين له قامت الجماعة إعظاماً له وقبلوا الأرض، ثم وقفت الصلاة عليه، وعلق بالسلاسل في بيت كبير إلى أن نقل إلى تربته بإصبهان. وكان القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد، قد قال: لا أرى الرحمة عليه، لأنه مات عن غير توبة هرت منه، فطعن عليه بذلك، ونسب إلى قلة الرعاية فيه، وقبض فخر الدولة على القاضي عبد الجبار وأصحابه، وقرر أمرهم على ثلاثة آلاف ألف درهم، فأدوا ذلك ورقاً وعيناً وقيمة عقار سلموه، وباع في جملة ما باع ألف طيلسان محشي، وألف ثوب مصري، وقلد القضاء بعده علي بن عبد العزيز، وطالب أبا العباس الضبي أن يحصل من الأعمال والمتصرفين فيها ثلاثين ألف ألف درهم، وقال له: إن الصاحب أضاع الأموال، وأهمل الحقوق، وينبغي أن يستدرك ما فات، ويتبع ما مضى، فامتنع من ذاك مع تردد القول فيه. وكتب أبو علي الحسن بن أحمد بن حمولة وكان من أعلام الكتاب المتقدمين، الذين استخصهم الصاحب وأقر لهم بالفضل، وقد قاد الجيوش الكثيرة فهزمهم، فقامت له الهيبة التامة في قلوب العساكر، والملوك المجاورين، وكان عند موت الصاحب بجرجان، مقيماً مع الجيوش لمدافعة قابوس بن وشمكير، وجيوش خراسان، فكتب يخطب الوزارة ويضمن ثمانية آلاف ألف درهم عنها، فأجيب بالحضور، فلما قرب، قال فخر الدولة لأبي العباس الضبي: قد ورد أبو علي وعزمت على الخروج من غد لتلقيه، وأمرت الجماعة من قوادي وأصحابي بالنزول له، ولا بد من خروجك وفعلك مثل ذلك، فثقل هذا القول على أبي العباس، وقال له خواصه وأصحابه: هذا ثمرة امتناعتك عليه، وتقاعدك عما دعاك له، وسيكون لهذه الحال ما بعدها، فراسل فخر الدولة وبذل له ستة آلاف ألف درهم على إقراره على الوزارة، وإعفائه من تلقي أبي علي، وخرج فخر الدولة وتلقاه، ولم يخرج أبو العباس. ورأى فخر الدولة أن من الصلاح لأمره الإشراك بينهما في وزارته، فسامح أبا علي بألفي ألف درهم من جملة الثمانية التي بذلها، وسامح أبا العباس بألفي ألف درهم من جملة الستة التي ذكرناها، وقرر عليهما عشرة آلاف ألف درهم، وجمع بينهما في النظر، وخلع عليهما خلعتين متساويتين، ورتب أمرهما على أن يجلسا في دست واحد، ويكون التوقيع لهذا في يوم، والعلامة للآخر، ويجعل الكتب باسمهما، فقدم هذا على عنواناتهما يوماً، ووقع التراضي بذلك، وجرت الحال عليه، ونظرا في الأعمال، وتحصيل الأموال، وقبضا على أصحاب الصاحب أبي القاسم ومن لحقته المسامحة في أيامه، وقررا عليهم المصادرات. وذكر القاضي أبو العباس عن أبي العلاء بن المقرن أنه حدثه أنهما استخرجا من إصبهان وحدها جملة وافرة، وجرت حال غيرها من النواحي إلى مصادرة أهلها على مثل هذه الصورة، وأنفذا أبا بكر بن رافع إلى إستراباذ ونواحيها لاستيفاء ما يستوفيه من المعاملين والتناء فيها، فقيل: إنه جمع الوجوه، وأرباب الأحوال، وأخر الإذن لهم حتى تعالى النهار، واشتد الحر، ثم أطعمهم طعاماً أكثر ملحه، ومنعهم الماء عليه وبعده، وقدم إليهم الدواة والكاغد وطالبهم بكتب خطوطهم بما يصححونه، ولم يزل يستام عليهم فيه وهم يتلهفون عطشاً، إلى أن ألزموا له عشرة آلاف ألف درهم، وتوقف العمال والمتصرفون عن الخروج إلى قزوين، لأن أهلها أهل امتناع وقوة، فبذل القارضي بن شيرمردي الخروج إليها، وذكر أنه يعرف وجوه أموال فيها، وخرج وحاول مطالبة أهلها، ومعاملتهم بمثل ما عومل به غيرهم، فاجتمعوا وهجموا عليه في داره وقتلوه. واجتمع لفخر الدولة من الأموال في الخزائن والقلاع ما كثره المقللون ثم تمزق بعد وفاته، فلم تبق منه بقية في أسرع وقت، ثم مات فخر الدولة، وولي الأمر بعده ابنه مجد الدولة أبو طالب رستم، واستولت السيدة والدته على الأمر، وأجري أمر الوزيرين على حاله في أيام فخر الدولة من التشارك في تدبير المملكة، ومزقا أموال فخر الدولة، وبذراها غاية التبذير، ثم نجم قابوس، واستولى على رججان، وضام جيوش خراسان، فدعت الضرورة إلى تجهيز جيش إليه، وأن يخرج معه أحد الوزيرين، فتقارعا على من يخرج منهما، فوقعت القرعة على الجليل أبي علي الحسن بن أحمد بن حمولة، فخرج ومعه العساكر الجمة، ووقعت بينه وبين قابوس وقائع استنفدت الأموال التي صحبته، واحتاج إلى الإمداد من الري، فتقاعد به أبو العباس الضبي، فرجع إلى الري مفلولاً، وأقاما على أمرهما من الاشتراك مدة، ثم سعت بينهما السعاة وقالوا: فساد الأمر إنما هو من اشتراكهما، واختلاف آرائهما، والرأي أن يعزل أحدهما ويبقى الآخر، وكان ابن حمولة شديد الثقة بنفسه، معتقداً أن العساكر لا تختار غيره، ولا تريد سواه، فكان متغافلاً حتى دبر أبو العباس الضبي عليه، وقبض عليه بأمر السيدة، وحمله إلى قلعة استوناوند، ثم أنفذ إليه من قتله. واستبد أبو العباس بالأمر، وجرت له خطوب، وعجز في آخرها ومات، فرأته السيدة، فاتهم أنه سقاه السم، فهرب حتى لحق بروجرد في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ملتجئاً إلى بدر بن حسنويه، فلم يزل عنده إلى أن مات في بروجرد في سنة سبع وتسعين أو ثمان وتسعين، وتبعه ابنه أبو القاسم سعد لاحقاً به، وكانت المدة قريبة بينهما. وقيل: إن أبا بكر بن رافع، واطأ أحد غلمانه فسقاه سماً كان فيه حتفه، ونهض أبو بكر من همذان إلى بروجرد لاحتمال تركته، فذكر أنه حصل له ما زاد على ستمائة ألف دينار.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي