معجم الأدباء/أحمد بن علي، أبو الحسن البتي الكاتب

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن علي، أبو الحسن البتي الكاتب

أحمد بن علي، أبو الحسن البتي الكاتب كان يكتب للقادر بالله عند مقامه بالبطيحة، ولما وصلته البيعة، كتب عنه إلى بهاء الدولة، وكان البتي حافظاً للقرآن تالياً له، مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة، ظريف المزح والمجون، قال ابن عبد الرحيم: كان البتي في بدء أمره يلبس الطيلسان، ويسمع الحديث، ويقرأ القرآن على شيوخ عصره، وكان يذكر أنه قرأ القرآن على زيد بن أبي بلال، وكان غاية في جمع خلال الأدب، يتعلق بصدور وافرة من فنون العلم، ويكتب خطاً جيداً، ويترسل ترسلاً لا بأس به، وينظم شعراً دون ما كان حظي به من العلم، ثم لبس من بعد الدراعة، وسلك في لبسه مذاهب الكتاب القدماء، وكان يلبس الخفين والمبطنة، ويتعمم العمة الثغرية، وإن لبس لالجة لم تكن الامربدية، وكان لا يتعرض لحلق شعره، جرياً على السنة السالفة، وكتب من بعد في ديوان الخلافة، وكان له حرمة بالقادر بالله رعاها له، ثم غلب على أخلاقه الهزل، وتجافى الجد بالواحدة، وانقطع إلى اللعب، وكان شكله ولفظه، وما يورده من النوادر، يدعو إلى مكاثرته، والرغبة إلى مخالطته، فحضر مجلس بهاء الدولة ف يجملة الندماء، ونفق عنده نفاقاً لا مزيد عليه، ولم يكن لأحد من الرؤساء مسرة تتم، ولا أنس يكمل إلا بحضوره، فكانوا يتداولونه ولا يفارقونه، ونادم الوزراء، حتى انتهى إلى منادمة فخر الملك، وأعجب به غاية الإعجاب، وأحسن إليه غاية الإحسان، ومات في أيامه، وكانت له نوادر مضحكة، وجوابات سريعة، لا يكاد يلحقه فيها أحد، وتعرض لغيبة الناس، تعرضاً قلما أخل به على الوجه المضحك، الذي يكون سبباً إلى تدارك تلك المنقصة، وطريقاً إلى استقالة زلته فيها، بما اعتمده من التطايب، وكان يذهب مذهب المعتزلة، ويميل إلى فقه أبي حنيفة، ويتعصب للطائي تعصباً شديداً، ويفضل البحتري على أبي تمام، ويغلو فيه غاية الغلو. فمن نوادره الشائعة أنه انحدر مع الرضي والمرتضى، وابن أبي الريان الوزير، وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرج عليهم اللصوص، ورموهم بالحراقات، وجعلوا يقولون: ادخلوا يا أزواج القحاب، فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت ؟ قال: وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب ؟ وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري، ومات في شعبان سنة ثلاث وأربعمائة، وله تصانيف منها: كتاب القادري، وكتاب العميدي، كتاب الفخري. قال الوزير أبو القاسم المغربي: كان أبو الحسن البتي أحد المتفننين في العلوم، لا يكاد يجاري في فن من العلوم فيعجز عنه، وكان مليح المحاضرة، كثير المذاكرة، طيب النادرة: مقبول المشاهدة، رأيته على باب أحد رؤساء العمال وقد حجب عنه، فكتب إليه:

على أي باب أطلب الإذن بعد ما

حجبت عن الباب الذي أنا صاحبه

فخرج الإذن له في الحال. وحدث الرئيس أبو الحسن هلال بن المحسن قال: كنت عند فخر الملك أبي غالب بن خلف بالأهواز، فكتب إلى أبي ياسر عماد بن أحمد الصيرفي: احمل إلى أبي الحسن البتي مائتي دينار مع امرأة لا يعرفها، واكتب معها رقعة غير مترجمة، وقل فيها: قد دعاني ما آثرته من مخالطتك، ورغبت فيه من مودتك، إلى استدعاء المواصلة منك، وافتتاح باب الملاطفة بيني وبينك، وقد أنفذت مع الرسول مائتي دينار، فأخذها أبو الحسن، وكتب على ظهر الرقعة: مال لا أعرف مهديه، فأشكر له ما يوليه، إلا أنه صادف إضافة دعت إلى أخذه، والاستعانة في بعض الأمور به، قلت:

ولم أدر من ألقى عليه رداءه

سوى أنه قد سل عن ماجد محض

وإذا سهل الله لي اتساعاً، رددت العوض موفوراً، وكان المبتدي بالبر مشكوراً. وكان أبو الحسن قد فطن للقصة، وكتب على بصيرة ولما أنفذ أبو ياسر بالجواب، أقرأنيه فخر الملك.فاستحسنت وقوع هذا البيت موقعه من التمثل.ومن شعر الرضي الموسوي إليه، الأبيات المشهورة:

أبا حسن أتحسب أن شوقي

يقل على مكاثرة الخطوب

يهش لكم على الفرقان قلبي

هشاشته إلى الزور القريب

وألفظ غيركم ويسوغ عندي

ودادكم مع الماء الشروب

ورثاه الموسوي بقوله:

ما للهموم كأنها

نار على قلبي تشب

والدمع لا يرقا له

غرب كأن العين غرب

ما كنت أحسب أنني

جلد على الأرزاء صعب

ما أخطأتك النائبا

ت إذا أصابت من تحب

ورثاه المرتضى أخو الرضي بقوله:

عرج على الدار مغبراً جوانبها

فاسأل بها عجلاً عن ساكن الدار

وقل لها أين ما كنا نراه على

مر المدى بك من نقض وإمرار ؟

وأين أوعية الآداب فاهقة

تجري خلالك جري الجدول الجاري

يا أحمد بن علي والردى عرض

يزور بالرغم منا كل زوار

علقت منك بحبل غير منتكث

عند الحفاظ وعود غير خوار

وقد بلوتك في سخط وعند رضىً

وبين طيٍ لأنباءٍ وإظهار

فلم تفدني إلا ما أضن به

ولم تزدني إلا طيب أخبار

لا عار فيما شربت اليوم غصته

من المنون وهل بالموت من عار ؟

ولم ينلك سوى ما نال كل فتى

عالي المكان ولاقى كل جبار

وأمر بهاء الدولة أبا الحسن البتي أن يعمل شعراً يكتب على تكة إبريسم فقال:

لم لا أتيه ومضجعي

بين الروادف والخصور ؟

وإن اتشحت فإنني

بين الترائب والنحور

ولقد نشأت صغيرة

إلفاً لربات الخدور

وله يصف كوز لافقاع:

يا رب ثدي مصصته بكراً

وقد عراني خمار مغبوق

له هدير إذا شربت به

مثل هدير الفحول في النوق

كأن ترجيعه إذا رشف الرا

شف فيه صياح مخنوق

وله أيضاً:

ما احمرت العين من دمع أضر بها

في عرصتي طلل أو إثر مرتحل

لكن رآها الذي يهوى وقد نظرت

في وجه آخر فاحمرت من الخجل

قال ابن عبد الرحيم: وكان القادر بالله استتر عنده، لما طلبه الطائع قبل انحداره، وأخذ يده أن يستلينه، فلما ولي وقضي الأمر، صرف ابن حاجب النعمان، ورتبه في كتابته، واتفق أن كان ذلك في وقت الأضحى، فخرج إليه خادم على العادة في مثل ذلك، فقال له: رسم أن تحصى أسقاط الأضاحي، فقال لغلامه: خذ الدواة، فإن القوم يريدون كراعياً، ولا يريدون كاتباً، وانصرف بهذا المزح من الخدمة، وكان الهزل قد غلب عليه، وعزب عنه الجد جملة، وكان بينه وبين الرضي مقارضة لكلام جرى بينهما، فاتفق أن اجتاز بقرب دار الرضي، عند مسجد الأنباري، فقال لغلامه: مل بنا عن تلك الدار، فإني أكره المرور بها، فالتفت فوقعت عينه على الرضي، فتمم كلامه من غير أن يقطعه وقال: فإنني لا وجه لي في لقائه، لطول جفائه، فاستحسن هذا من بديهته، ودخل دار الرضي واصطلحا. ومن نوادره: أنه سمع يوماً أصوات الملاحين، وارتفاع ضجة، فقال: ما هذا ؟ فقالوا: هؤلاء أولاد أبي الفضل، بن حاجب النعمان، وأبي سعيد بن أبي الخطاب، وجماعة أولادهم، فقال: ما بيننا وبين هؤلاء إلا موت الآباء ؟ ورأى معلماً قبيح الوجه، يعرف بنفاط الجن، وكان وحشاً انكشفت سوأته، فقال له يا هذا: استر عورتك السفلى، فإنك قد أدليت، ولكن بغير حجة، واستقبل أبا عبد الله بن الدراع، في ميدان بستان فخر الدولة، وهو متكئ على يد غلام أسود، فقال أبو عبد الله: هذا الأسود يصلح لخدمة سيدنا، فقال البتي: أي الخدم ؟ فقال: خدمة الفراش، فقال: اللهم غفراً، أرمى بالبغاء، وليس في منزلي خنفساء ؟ ويعرى منه سيدنا، وفي داره جميع بني حام. بشر ابن الحواري بمولود، وكان ابن الحواري سمج الخلقة، فقال له البتي: إن كان هذا المولود يشبهك فويه، ثم ويه. وسقاه الفقاعي في دار فخر الدولة فقاعاً، فلم يستطبه، فرد الكوز مفكراً، فقال له الفقاعي: في أي شيء تفكر ؟ فقال: في دقة صنعتك، كيف أمكنك أن تخرى في بهذه الكيزان كلها مع ضيق رأسها ؟ وأتاه غلامه في مجلس حفل فقال له: إن ابنك وقع من ثلاث درج، فقال: ويلك من ثلاث بقين ؟ أو خلون ؟ فلم يفهم عنه، فقال: إن كان خلون فسهل، وإن بقين فيحتاج إلى نائحة. ودخل الرقي العلوي على فخر الملك، فقال: - أطال الله بقاء مولانا، واسعده بهذا اليوم -، فقال له وأي يوم هذا ؟ فقال أيلون، فقال البتي بالنون، فقال: ما قرأت النحو، فقال البتي: أنت إذاً معذور، فإنك ثلاثة أرباع رقيع، أراد رقي، إذا ألحقت به العين وهو الحرف الرابع، صار رقيع. قال ابن عبد الرحيم: وكان بين البتي وبين أبي القاسم بن فهد ملاحاة ومنابذة، ثم أصلح فخر الملك بينهما، فعمل فيه أبياتاً يقول فيها:

قلت للبتي لما

رام صلحي من بعيد

وكان يرمي بالبخر، ويزن بالأبنة أيضاً، وقال فيه أيضاً:

وكل شرط للصلح أقبله

إن أنت أعفيتني من القبل

وحدث ابن عبد الرحيم قال: وكان البتي مقبولاً، مستملحاً في جميع أحواله، ولم يكن فيه أقل من شعره، فإنه كان في غاية البرد، وعدم الطبع، وكان قد عمل في فخر الملك، وهو يسد فتق النهروان قصيدة، يصف فيها السكر قال فيها:

إذا أتاه الماء من جانب

عاجله بالسد من جانب

فقال له: هذا والله أيها الأستاذ بارد، وأعاده، فحكى البيت وتأمله، وقال نعم، والله هو بارد، وجعل يعوج على نفسه، ويكرر الإنشاد مستبرداً له، فضحك فخر الملك منه، وقطع الإنشاد ولم يتممه. قال: ولم يكن يسلم أحد من لسانه، وتعويجه وثلبه له، وإذا اتفق أن يسمعه من يقول ذلك فيه، التفت إليه كالمعتذر، وقال: مولاي ههنا ؟ ما علمت بحضوره، ويجعل كونه ما عليم بحضوره اعتذاراً، كأنه مباح له ثلبه بالغيبة. قال: وكان مع ذكائه وتوقده، وكثرة طنزه وتولعه، أشد الناس غباوة في الأمور الجديات، وأبعدهم من تصورها، وكان له معرفة تامة بالغناء وصنعته، ولا تكاد المغنية تغني بصوت إلا ذكر صنعته، وشاعره وجميع ما قيل في معناه، وله من قصيدة في ابن صالحان:

سل الربع بالخبتين كيف معاهده

وأنى برجع القول منه هوامده ؟ ؟

عفت حقباً بعد الأنيس رسومه

فلم يبق إلا نؤيه وخوالده

ديار نزفت الدمع في عرصاتها

تؤاماً إلى أن أقرح الجفن فارده

أرقت دماً بعد الدموع نزحته

من القلب حتى غيضته شوارده

سأستعتب الدهر الخئون بسيد

يرد جماح الدهر إذ هو قائده

سواء عليه طارف المال في الندى

إذ ما انتحاه السائلون وتالده

وله فيه:

قرم إذا اعتذرت نوافل بره

لم يلف دافع حقها بمعاذر

من معشر ورثوا المكارم والعلا

وتقسموها كابراً عن كابر

قوم يقوم حديثهم بقديمهم

ويسير أولهم بمجد الآخر

وكان أبو إسحاق الصابئ قد عمل لأبي بشر بن طازاد نسخة كتاب أراد إنشاءه، ونحله إياه، فكتب إليه أبو الحسن البتي يعرض بذلك:

زكاة العلوم زكاة الندى

وعرف المعارف بذل الحجى

ولكن يجر به أهله

فأجر بنيلك فضل التقى

لئن كنت أوجبته قربة

لما وقع الموقع المرتضى

وما صدقاتك مقبولة

إذا ما تنكبت فيها الهدى

قد عرفت - أطال الله بقاء سيدي - العارية والمستعير، وكيف جرى الأمر في ذلك، وما ظننت أن هذا يجري مجرى الماعون الذي لا يحسن منعه، 'إذ لا يقع الغرض موقعه، بل ساء لنفرته من لابسه: '

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي