معجم الأدباء/أحمد بن علي، بن إبراهي، بن الزبير، الغساني

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن علي، بن إبراهي، بن الزبير، الغساني

أحمد بن علي، بن إبراهي، بن الزبير، الغساني الأسواني المصري، يلقب بالرشيد، وكنيته أبو الحسين.مات في سنة اثنتين وستين وخمسمائة، على ما نذكره، وكان كاتباً شاعراً، فقيها، نحوياً، لغوياً، ناشئاً، عروضياً، مؤرخاً، منطقياً، مهندساً، عارفاً بالطب، والموسيقى، والنجوم، متفنناً. قال السلفي: أنشدني القاضي أبو الحسن، أحمد بن علي ابن إبراهيم، الغساني الأسواني لنفسه بالثغر:

سمحنا لدنيانا بما بخلت به

علينا، ولم نحفل بجل أمورها

فيا ليتنا لما حرمنا سرورها

وقينا أذى آفاتها وشرورها

قال: وكان ابن الزبير هذا، من أفراد الدهر فضلاً في فنون كثيرة من العلوم، وهو من بيت كبير بالصعيد، من الممولين وولي النظر بثغر الإسكندرية والدواوين السلطانية، بغير اختياره، وله تآليف ونظم ونثر، التحق فيها بالأوائل المجيدين، قتل ظلماً وعدواناً في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وله تصانيف معروفة لغير أهل مصر، منها: كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي: تشتمل على علوم كثيرة.كتاب المقامات.كتاب جنان الجنان، وروضة الأذهان، في أربع مجلدات، يشتمل على شعر شعراء مصر، ومن طرأ عليهم.كتاب الهدايا والطرف.كتاب شفاء الغلة، في سمت القبلة.كتاب رسائله نحو خمسين ورقة، كتاب ديوان شعره، نحو مائة ورقة. ومولده بأسوان، وهي بلدة من صعيد مصر، وهاجر منها إلى مصر، فأقام بها، واتصل بملوكها، ومدح وزراءها، وتقدم عندهم، وأنفذ إلى اليمن في رسالة، ثم قلد قضاءها وأحكامها، ولقب بقاضي قضاة اليمن، وداعي دعاة الزمن.ولما استقرت بها داره، سمت نفسه إلى رتبة الخلافة، فسعى فيها، وأجابه قوم، وسلم عليه بها، وضربت له السكة، وكان نقش السكة على الوجه الواحد: 'قل هو الله أحد، الله الصمد' وعلى الوجه الآخر: الإمام الأمجد، أبو الحسين أحمد، ثم قبض عليه، وأنفذ مكبلاً إلى قوص، فحكى من حضر دخوله إليها: أنه رأى رجلاً ينادي بين يديه: هذا عدو السلطان، أحمد بن الزبير، وهو مغطى الوجه، حتى وصل إلى دار الإمارة، والأمير بها يومئذ طرخان سليط، وكان بينهما ذحول قديمة، فقال: احبسوه في المطبخ، الذي كان يتولاه قديماً، وكان بان الزبير، قد تولى المطبخ، وفي بذلك يقول الشريف الأخفش، من أبيات يخاطب الصالح بن رزيك:

يولى على الشيء أشكاه

فيصبح هذا لهذا أخا

أقام على المطبخ ابن الزبير

فولى على المطبخ المطبخا

فقال بعض الحاضرين لطرخان: ينبغي أن تحسن إلى الرجل، فإن أخاه، - يعني المهذب حسن بن الزبير، - قريب من قلب الصالح، ولا أستبعد أن يستعطفه عليه، فتقع في خجل. قال: فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين، حتى ورد ساع من الصالح بن رزيك، إلى طرخان بكتاب يأمره فيه بإطلاقه، والإحسان إليه، فأحضره طرخان من سجنه مكرماً. قال الحاكي: فلقد رأيته، وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه. وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره، ما حدثني به الشريف، أبو عبد الله، محمد بن أبي محمد العزيز الإدريسي، الحسني الصعيدي قال: حدثني زهر الدولة، حدثنا: أن أحمد بن الزبير، دخل إلى مصر بعد مقتل الظافر، وجلوس الفائز، وعليه أطمار رثة، وطيلسان صوف، فحضر المأتم، وقد حضر شعراء الدولة، فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم، فقام في آخرهم، وأنشد قصيدته التي أولها:

ما للرياض تميل سكرا

هل سقيت بالمزن خمرا

إلى أن وصل إلى قوله:

أفكر بلاء بالعرا

ق، وكربلاء بمصر أخرى ؟

فذرفت العيون، وعج القصر بالبكاء والعويل، وانثالت عليه العطايا من كل جانب، وعاد إلى منزله بمال وافر، حصل له من الأمراء والخدم، وحظايا القصر، وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال، وقيل له: لولا أنه العزاء والمأتم، لجاءتك الخلع. قال: وكان على جلالته وفضله، ومنزلته من العلم والنسب، قبيح المنظر، أسود الجلدة، جهم الوجه، سمج الخلقة، ذا شفة غليظة، وأنف مبسوط، كخلقة الزنوج، قصيراً. حدثني الشريف المذكور عن أبيه، قال: كنت أنا والرشيد بن الزبير، والفقيه سليمان الديلمي، نجتمع بالقاهرة في منزل واحد، فغاب عنا الرشيد، وطال انتظارنا له، وكان ذلك في عنفوان شبابه، وإبان صباه، وهبوب صباه، فجاءنا، وقد مضى معظم النهار، فقلنا له: ما أبطأ بك عنا ؟ فتبسم وقال: لا تسألوا عما جرى عليّ اليوم، فقلنا: لابد من ذلك، فتمنع، وألححنا عليه، فقال: مررت اليوم بالموضع الفلاني، وإذا امرأة شابة، صبيحة الوجه، وضيئة المنظر، حسانة الخلق، ظريفة الشمائل، فلما رأتني، نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه، فتوهمت أنني وقعت منها بموقع، ونسيت نفسي، وأشارت إلي بطرفها، فتبعتها وهي تدخل في سكة وتخرج من أخرى، حتى دخلت داراً، وأشارت إلي، فدخلت، ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه، ثم صفقت بيديها منادية: يا ست الدار، فنزلت إليها طفلة، كأنها فلقة قمر، وقالت لها: إن رجعت تبولين في الفراش، تركت سيدنا القاضي يأكلك، ثم التفتت وقالت: - لا أعدمني الله إحسانه، بفضل سيدنا القاضي أدام الله عزه -، فخرجت وأنا خزيان خجلاً، لا أهتدي إلى الطريق. وحدثني قال: اجتمع ليلة عند الصالح بن رزيك، هو وجماعة من الفضلاء، فألقى عليهم مسألة في اللغة، فلم يجب عنها بالصواب سواه، فأعجب به الصالح، فقال الرشيد: ما سئلت قد عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً.فقال ابن قادوس، وكان حاضراً:

إن قلت: من نار خلق

ت، وفقت كل الناس فهماً

قلنا: صدقت، فما الذي

أطفاك حتى صرت فحما ؟

وأما سبب مقتله: فلميله إلى أسد الدين شيركوه عند دخوله إلى البلاد، ومكاتبته له، واتصل ذلك بشاور وزير العاضد، فطلبه، فاختفى بالإسكندرية، واتفق التجاء الملك صلاح الدين، يوسف بن أيوب إلى الإسكندرية، ومحاصرته بها، فخرج ابن الزبير راكباً متقلداً سيفاً، وقاتل بين يديه، ولم يزل معه مدة مقامه بالإسكندرية، إلى أن خرج منها فتزايد وجد شاور عليه، واشتد طلبه له، واتفق أن ظفر به، على صفة لم تتحقق لنا، فأمر بإشهاره على جمل، وعلى رأسه طرطور، ووراءه جلواز ينال منه. وأخبرني الشريف الإدريسي، عن الفضل بن أبي الفضل، أنه رآه على تلك الحال الشنيعة، وهو ينشد:

إن كان عندك يا زمان بقية

مما تهين به الكرام فهاتها

ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن، وأمر به، بعد إشهاره بمصر والقاهرة، أن يصلب شنقاً، فلما وصل به إلى الشناقة، جعل يقول للمتولي ذلك منه: عجل عجل، فلا رغبة للكريم في الحياة بعد هذه الحال، ثم صلب. حدثني الشريف المذكور قال: حدثني الثقة حجاج ابن المسبح الأسواني: أن ابن الزبير دفن في موضع صله، فما مضت الأيام والليالي، حتى قتل شاور، وسحب فاتفق أن حفر له ليدفن، فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفوناً، فدفنا معاً في موضع واحد، ثم نقل كل واحد منهما بعد ذلك إلى تربة له بقرافة مصر القاهرة. ومن شعر الرشيد، قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها:

يا ربع، أين ترى الأحبة يمموا

رحلوا، فلا خلت المنازل منهم

ويروى: ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم

وسروا، وقد كتموا الغداة مسيرهم

وضياء نور الشمس ما لا يكتم

وتبدلوا أرض العقيق عن الحمى

روت جفوني أي أرض يمموا

نزلوا العذيب، وإنما في مهجتي

نزلوا، وفي قلب المتيم خيموا

ما ضرهم، لو ودعوا من أودعوا

نار الغرام، وسلموا من أسلموا

هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا

أو أيمنوا، أو أنجدوا، أو أتهموا،

وهم مجال الفكر من قلبي وإن

بعد المزار فصفو عيشي معهم

أحبابنا، ما كان أعظم هجركم

عندي، ولكن التفرق أعظم

غبتم، فلا والله ما طرق الكرى

جفني، ولكن سح بعدكم الدم

وزعمتم أني صبور بعدكم

هيهات، لا لقيتم ما قلتم

وإذا سئلت بمن أهيم صبابة

قلت: الذين هم الذين هم هم

النازلين بمهجتي وبمقلتي

وسط السويدا، والسواد الأكرم

لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى

أني حفظت العهد، لما خنتم

فأقمت، حين ظعنتم، وعدلت، لم

ما جرتم، وسهدت، لما نمتم

يا محرقاً قلبي بنار صدورهم

رفقاً، ففيه نار شوق تضرم

أسعرتم فيه لهيب صبابة

لا تنطفي إلا بقرب منكم

يا ساكني أرض العذيب سقيتم

دمعي، إذا ضن الغمام المرزم

بعدت منازلكم وشط مزاركم

وعهودكم محفوظة، مذ غبتم

لا لوم للأحباب فيما قد جنوا

حكمتهم في مهجتي فتحكموا

أحباب قلبي أعمروه بذكركم

فلطالما حفظ الوداد المسلم

واستخبروا ريح الصبا تخبركم

عن بعض ما يلقى الفؤاد المغرم

كم تظلمونا قادرين، وما لنا

جرم ولا سبب لمن نتظلم ؟

ورحلتم، وبعدتم، وظلمتم

ونأيتم، وقطعتم، وهجرتم

هيهات لا أسلوكم أبداً، وهل

يسلو عن البيت الحرام المحرم ؟

وأنا الذي واصلت، حين قطعتم

وحفظت أسباب الهوى، إذ خنتم

جار الزمان علي، لما جرتم

ظلماً، ومال الدهر، لما ملتم

وغدوت بعد فراقكم، وكأنني هدف يمر بجانبيه الأسهم

ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة

قل الصديق بها وقل الدرهم

في معشر خلقوا شخوص بهائم

يصدى بها فكر اللبيب ويبهم

إن كورموا لم يكرموا، أو علموا

لم يعلموا، أو خوطبوا لم يفهموا

لا تنفق الآداب عندهم ولا ال

إحسان يعرف في كثير منهم

صم عن المعروف حتى يسمعوا

هجر الكلام فيقدموا ويقدموا

فالله يغني عنهم، ويزيد في

زهدي لهم، ويفك أسري منهم

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي