معجم الأدباء/أحمد بن فارس، بن زكريا اللغوي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن فارس، بن زكريا اللغوي

أحمد بن فارس، بن زكريا اللغوي وقال ابن الجوزي: أحمد بن زكريا، بن فارس، ولا يعاج به، مات سنة تسع وستين وثلاثمائة: وقال قبل وفاته بيومين:

يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها

علماً وبي وبإعلاني وإسراري

أنا الموحد لكني المقر بها

فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري

ووجد بخط الحميدي: أن ابن فارس مات في حدود سنة ستين وثلاثمائة، وكل منهما لا اعتبار به، لأني وجدت خط كفه على كتاب 'الفصيح' تصنيفه، وقد كتبه في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وذكره الحافظ السلفي، في شرح مقدمة معالم السنن للخطابي فقال: أصله من قزوين، وقال غيره: أخذ أحمد بن فارس على أبي بكر، أحمد بن الحسن الخطيب، راوية ثعلب، وأبي الحسن، علي بن إبراهيم القطان، وأبي عبد الله، أحمد بن طاهر المنجم، وعلي بن عبد العزيز المكي، وأبي عبيد، وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وكان ابن فارس يقول:ما رأيت مثل ابن عبد الله أحمد بن طاهر، ولا رأى هو مثل نفسه. وكان ابن فارس قد حمل إلى الري بأجرة، ليقرأ عليه مجد الدولة، أبو طالب بن فخر الدولة، علي بن ركن الدولة، بن أبي الحسن بويه الديلمي صاحب الري، فأقام بها قاطناً. وكان الصاحب ابن عباد يكرمه، ويتتلمذ له، ويقول: شيخنا أبو الحسين، ممن رزق حسن التصنيف وأمن فيه من التصحيف، وكان كريماً جواداً، لا يبقي شيئاً، وربما سئل فوهب ثياب جسمه، وفرش بيته، وكان فقيهاً شافعياً، فصار مالكياً، وقال: دخلتي الحمية لهذا البلد، يعني الري، كيف لا يكون فيه رجل على مذهب هذا الرجل ؟ المقبول القول على جميع الألسنة وله من التصانيف: كتاب المجمل، وكتاب متخير الألفاظ، كتاب فقه اللغة، كتاب غريب إعراب القرآن، كتاب تفسير أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، كتاب مقدمة كتاب دار العرب، كتاب حلية الفقهاء، كتاب العرق، كتاب مقدمة الفرائض، كتاب ذخائر الكلمات، كتاب شرح رسالة الزهري إلى عبد الملك بن مروان، كتاب الحجر، كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب صغير الحجم، كتاب الليل والنهار، كتاب العم والخال، كتاب أصول الفقه، كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الصاحبي، صنفه لخزانة الصاحب، كتاب جامع التأويل في تفسير القرآن، أربع مجلدات، كتاب الثياب والحلي، كتاب خلق الإنسان، كتاب الحماسة المحدثة، كتاب مقاييس اللغة، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله، كتاب كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين. وحدث ابن فارس: سمعت أبي يقول: حججت فلقيت ناساً من هذيل، فجاريتهم ذكر شعرائهم، فما عرفوا أحداً منهم، ولكني رأيت أمثل الجماعة رجلاً فصيحاً وأنشدني:

إذا لم نحظ في أرض فدعها

وحث اليعملات على وجاها

ولا يغررك حظ أخيك فيها

إذا صفرت يمينك من جداها

ونفسك فز بها إن خفت ضيماً

وخلالدار تنعى من بكاها

فإنك واجد أرضاً بأرض

ولست بواجد نفساً سواها

ومن شعر ابن فارس:

وقالوا كيف أنت ؟ فقلت خير

تقضى حاجة ويفوت حاج

إذا ازدحمت هموم القلب قلنا

عسى يوماً يكون لها انفراج

نديمي هرتي وسرور قلبي

دفاتر لي ومعشوقي السراج

ومن شعره في همذان:

سقى همذان الغيث لست بقائل

سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم

وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة

أفدت بها نسيان ما كنت أعلم

نسيت الذي أحسنته غير أنني

مدين وما في جوف بيتي درهم

وله أيضاً:

إذا كنت في حاجة مرسلاً

وأنت بها كلف مغرم

فأرسل حكيماً ولا توصه

وذاك الحكيم هو الدرهم

وله أيضاً:

مرت بنا هيفاء مقدودة

تركية تنمى لتركي

ترنو بطرف فاتن فاتر

كأنه حجة نحوي

قال الثعالبي: حدثني ابن عبد الوارث النحوي قال: كان الصاحب منحرفاً عن أبي الحسين بن فارس، لانتسابه إلى خدمة آل العميد، وتعصبه لهم، فأنفد إليه من همذان كتاب الحجر نم تأليفه، فقال الصاحب: رد الحجر من حيث جاءك، ثم لم تطب نفسه بتركه فنظر فيه، وأمر له بصلة: ولابن فارس في اليتيمة:

يا ليت لي ألف دينار موجهة

وأن حظي منها فلس فلاس

قالوا فما لك منها ؟ قلت تخدمني

لها ومن أجلها الحمقى من الناس

وله أيضاً:

إسمع مقالة ناصح

جمع النصيحة والمقهْ

إياك واحذر أن تبي

ت من الثقات على ثقهْ

وله أيضاً:

وصاحب لي أتاني يستشير وقد

أراد في جنبات الأرض مضطرباً

قلت اطلب أي شيء شئت واسع ورد

منه الموارد إلا العلم والأديبا

وله أيضاً:

إذا كان يؤذيك حر المصي

ف وكرب الخريف وبرد الشتا

ويلهيك حسن ازمان الربي

ع فأخذك للعلم قل لي متى ؟

وله أيضاً:

عتبت عليه حين ساء صنيعه

وآليت لا أمسيت طوع يديه

فلما خبرت الناس خبر مجرب

ولم أر خيراً منه عدت إليه

وله أيضاً:

تلبس لباس الرضا بالقضا

وخل الأمور لمن يملك

تقدر أنت وجاري القضا

ء مما تقدره يضحك

قال يحيى بن مندة الأصبهاني: سمعت عمي عبد الرحمن ابن محمد العبدي يقول: سمعت أبا الحسين أحمد بن زكريا ابن فارس النحوي يقول: دخلت بغداد طالباً للحديث، فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث وليست معي قارورة، فرأيت شاباً عليه سمة جمال، فاستأذنته في كتب الحديث من قارورته، فقال: من انبسط إلى الإخوان بالاستئذان، فقد استحق الحرمان.قال عبد الرحمن بن مندة: وسمعت ابن فارس يقول: سمعت أبا أحمد بن أبي التيار يقول: أبو أحمد العسكري يكذب، على الصولي، مثلما كان الصولي، يكذب على الغلابي، مثلما كان الغلابي، يكذب على سائر الناس.قرأت بخط الشيخ أبي الحسن، علي بن عبد الرحيم السلمي، وجدت بخط ابن فارس على وجه المجمل والأبيات له، ثم قرأتها على سعد الخير الأنصاري، وأخبرني أنه سمعها من ابن شيخه أبي زكريا، عن سليمان بن أيوب، عن ابن فارس:

يا دار سعدى بذات الضال من غضم

سقاك صوب حياً من واكف العين

العين: سحاب ينشأ من قبل القبلة.

إني لأذكر أياماً بها ولنا

في كل إصباح يوم قرة العين

العين ههنا: عين الإنسان وغيره.

تدني معشقة منا معتقة

تشجها عذبة من نابع العين

العين ههنا: ما ينبع منه الماء.

إذا تمززها شيخ به طرق

سرت بقوتها في الساق والعين

العين ههنا: عين الركبة، والطرق: ضعف الركبتين.

والزق ملآن من ماء السرور فلا

تخشى توله ما فيه من العين

العين ههنا: ثقب يكون في المزادة، وتوله الماء: أن يتسرب.

وغاب عذالنا عنا فلا كدر

في عيشنا من رقيب السوء والعين

العين ههنا: لا رقيب.

يقسم الود فيما بيننا قسماً

ميزان صدق بلا بخس ولا عين

العين ههنا: العين في الميزان.

وفائض المال يغنينا بحاضره

فنكتفي من ثقيل الدين بالعين

العين ههنا: المال الناض.

والمجلمل المجتبي تغني فوائده

حفاظه عن كتاب الجيم والعين

قال: وبخطه أيضاً: سمعت أبي يقول: حججت فلقيت بمكة ناساً من هذيل، فجاريتهم ذكر شعرائهم.وجدت على نسخة قديمة بكتاب المجمل، من تصنيف ابن فارس ما صورته: تأليف الشيخ أبي الحسين، أحمد بن فارس، ابن زكريا الزهراوي، الأستاذ خرزي، واختلفوا في وطنه، فقيل: كان من رستاق الزهراء، من القرية المعروفة بكرسفة وجيانا باذ، وقد حضرت القريتين مراراً، ولا خلاف أنه قروي. حدثني والدي محمد بن أحمد، وكان من جملة حاضري مجالسه، قال: أتاه آت فسأله عن وطنه، فقال: كرسف، قال فتمثل الشيخ:

بلاد بها شدت على تمائمي

وأول أرض مس جليد ترابها

وكتبه مجمع بن محمد، بن أحمد بخطه، في شهر ربيع الأول، سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكان في آخر هذا الكتاب ما صورته أيضاً: قضى الشيخ أبو الحسين، أحمد ابن فارس - رحمه الله - في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بالري، ودفن بها مقابل مشهد قاضي القضاة، أبي الحسن، علي بن عبد العزيز، يعني الجرجاني. أنشد أبو الريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية، عن القرون الخالية، لأحمد بن فارس:

قد قال فيما مضى حكيم

ما المرء إلا بأصغريه

فقلت قول امرئ لبيب ما المرء إلا بدرهميه

من لم يكن معه درهماه

لم تلتفت عرسه إليه

وكان من ذله حقيراً

تبول سنوره عليه

وحدث هلال بن المظفر الريحاني قال: قدم عبد الصمد، ابن بابك الشاعر إلى الري، في أيم الصاحب، فتوقع أبو الحسين، أحمد بن فارس، أن يزوره ابن بابك، ويقضي حق علمه وفضله، وتوقع ابن بابك، أن يزوره ابن فارس، ويقضي حق مقدمه، فلم يفعل أحدهما ما ظن صاحبه، فكتب ابن فارس إلى القاسم بن حسولة:

تعديت في وصلي فعدي عتابك

وأدنى بديلاً من نواك إيابك

تيقنت أن لم أحظ والشمل جامع

بأيسر مطلوب فهلا كتابك

ذهبت بقلب عيل بعدك صبره

غداة أرتنا المرقلات ذهابك

وما استمطرت عيني سحابة ريبة

لديك ولا مست يميني سخابك

ولا نقبت والصب يصبو لمثلها

عن الوجنات الغانيات نقابك

ولا قلت يوماً عن قلىً وآمة

لنفسك: سلى عن ثيابي ثيابك

وأنت التي شيبت قبل أوانه

شبابي سقى الغر الغوادي شبابك

تجنبت ما أوفى وعاقبت ما كفى

ألم يأن سعدى أن تكفي عتابك ؟

وقد نبحتني من كلابك عصبة

فهلا وقد حالوا زجرت كلابك

تجافيت عن مستحسن البر جملة

وجرت على بختي جفاء ابن بابك

فلما وقف أبو القاسم الحسولي على الأبيات، أرسلها إلى ابن بابك، وكان مريضاً، فكتب جوابها بديهاً: وصلت الرقعة - أطال الله بقاء الأستاذ - وفهمتها، وأنا أشكو إليه الشيخ أبا الحسن، فإنه صيرني فصلاً لا وصلاً، وجاً لا نصلاً، ووضعني موضع الحلاوى من الموائد، وتمت من أواخر القصائد، وسحب اسمي منها مسحب الذيل، وأوقعه موقع الذنب المحدوف من الخيل، وجعل مكاني مكان القفل من الباب، وفذلك من اعلحساب، وقد أجبت عن أبياته بأبيات، أعلم أن فيها ضعفاً لعلتين: علتي، وعلتها، وهي:

أيا أثلات الشعب من مرج يابس

سلام على آثاركن الدوارس

لقد شاقني والليل في شملة الحيا

إليكن ترجيع النسم المخالس

ولمحة برق مستضئ كأنه

تردد لحظ بين أجفان ناعس

فبت كأني صعدة يمنية

تزعزع في نقع من الليل دامس

ألاى حبذا صبح إذا ابيض أفقه

تصدع عن قرن من الشمس وارس

ركبت من الخلصاء أرقب سيلها

ورود المطي الظامئات الكوانس

فيا طارق الزوراء قل لغيومها

أهلي على مغنى من الكرخ آنس

وقل لرياض القفص تهدي نسيمها

فلست على بعد المزار بآيس

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

لقى بين أقراط المها والمحابس

وهل أرين الري دهليز بابك

وبابك دهليز إلى أرض فارس

ويصبح ردم السد قفلاً عليهما

كما صرت قفلاً في قوافي ابن فارس

فعرض أبو القاسم الحسولي المقطوعين على الصاحب، وعرفه الحال، فقال: البادئ أظلم، والقادم يزار، وحسن العهد من الإيمان.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي