معجم الأدباء/أحمد بن محمد، الملقب مسكوية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن محمد، الملقب مسكوية

أحمد بن محمد، الملقب مسكوية

بن يعقوب، الملقب مسكوية أبو علي الخازن، صاحب التجارب، مات فيما ذكره يحيى بن مندة، في تاسع صفر، سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، قال أبو حيان في كتاب الإمتاع: وقد ذكر طائفة من متكلمي زمانه، ثم قال: وأما مسكوية، ففقير بين أغنياء، وغني بين أنبياء، لأنه شاذ، وإنما أعطيته في هذه الأيام، صفو الشرح لإيساغوجي، وقاطيغورياس، من تصنيف صديقنا بالري.قال الوزير ومن هو قلت أبو القاسم الكاتب، غلام أبي الحسن العامري وصححه معي، وهو الآن لائذ بابن الخمار، وربما شاهد أبا سليمان المنطقي، وليس له فراغ، لكنه محب في هذا الوقت، للحسرة التى لحقته مما فاته من قبل.فقال: يا عجباً لرجل صحب ابن العميد، وأبي الفضل، ورأى ما عنده، وهذا حظه، قلت: قد كان هذا ولكنه كان مشغولاً بطلب الكيمياء، مع أبي الطيب الكيميائي الرازي، منهوك الهمة في طلبه، والحرص على إصابته، مفتوناً بكتب أبي زكريا، وجابر ابن حيان، ومع هذا، كان إليه خدمة صاحبه في خزانة كتبه، هذا مع تقطيع الوقت في الحاجات الضرورية والشهوية، والعمر قصير، والساعات طائرة، والحركات دائمة، والفرص بروق تأتلق، والأواطر في عرضها تجتمع وتفترق، والنفوس عن فوائتها تذوب وتحترق، ولقد قطن العامري الري خمس سنين، ودرس وأملى، وصنف وروى، فما أخذ عنه مسكوية كلمة واحدة، ولا وعي مسألة، حتى كأنه كان بينه وبينه سد، ولقد تجرع على هذا التواني الصاب والعلقم، ومضغى لقمة حنظل الندامة في نفسه، وسمع بأذنه، قوارع الملامة من أصدقائه، حينما ينفع ذلك كله، وبعد هذا، فهو ذكى، حسن الشعر، نقي اللفظ، وإن بقي فعساه أن يتوسط هذا الحديث، وما أرى ذلك مع كلفه بالكيمياء، وإنفاق زمانه، وكد بدنه وقلبه في خدمة الساطان، واحتراقه في البخل بالدانق والقيراط، والكسرة والخرقة، نعوذ بالله من مدح الجود باللسان، وإيثار الشح بالفعل، وتمجيد الكرم بالقول، ومفارقته بالعمل.قال أبو منصور الثعالبي: كان في ذروة العليا من الفضل والأدب، والبلاغة والشعر، وكان في ريعان شبابه متصلاً بابن العميد، مختص به، وفيه يقول:

لا يعجبنك حسن القصر تنزله

فضيلة الشمس ليست في منازلها

لو زيدت الشمس في أبراجها مائة

ما زاد ذلك شيئاً في فضائلها

ثم تنقلت به أحوال جليلة، في خدمة بني بوية، والاختصاص ببهاء الدولة، وعظم شأنه، وارتفاع مقداره، فترفع عن خدمة الصاحب، ولم يرى نفسه دونه، ولم يخل من نوائب الدهر، حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء:

من عذيري من حادثات الزمان

وجفاء الأخوان والخلان.

قال: وله قصيدة في عميد الملك، تفنن فيها، وهنأه باتفاق الأضحى، والمرجان في يوم، وشكا سوء أثر الهرم، وبلوغه إلى أرذل العمر:

قل للعميد: عميد الملك والأدب

أسعد بعيديك: عيد الفرس والعرب

هذا يشير بشرب الغمام ضحى

وذا يشير عشيا بابنة العنب

خلائق خيرت في كل صالحة

فلو دعاها لغي الخير لم تجب

أعدن شرخ شباب لست أذكره

بعداً ووردت على العمر من كثب

فطاب لي هرمي والموت يلحظني

لحظ المريب ولولا أنت لم يطب

فإن تمرس لي خصم تعصب لي

وإن أساء إلى الدهر أحسن بي ومنها:

وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري

وكل غربي وأستأنست بالنوب

إذا تملأت من غيظ على زمني

وجدتني نافخاً في جذوة اللهب

ومنها:

وإن تمنيت عيش الدهر أجمعه

وإن تعاين ماولى من الحقب

فانظر إلى سير القوم الذين مضوا

و الحظ كتابهم من باطن الكتب

تجد تفاوتهم فى الفضل مختلفاً

وإن تقاربت الأحوال فى النسب

هذا: كتاج على رأس يعظمه

وذاك كالبعر الجافي على الذنب

قال المؤلف: وكان مسكوية مجوسياً وأسلم، وكان عارفاً بعلوم الأوائل معرفة جيدة، وكتاب الفوز الأصغر.وصنف كتب تجارب الأمم في التاريخ، إبتداؤه من بعد الطوفان، وانتهاؤه إلى سنة تسع وستين وثلاثمائة.وله: كتاب أنس الفريد، وهو مجموع يتضمن أخباراً وأشعاراً، وحكماً وأمثالاً، غير مبوب، وكتاب ترتيب العادات، وكتاب المستوفي أشعار مختارة، وكتاب الجامع، وكتاب تجاوزان فرد، وكتاب السير أجاده، ذكر فيه ما يسير به الرجل نفسه من أمور دنياه، مزجه بالأثر والآية، والحكمة، والشعر وللبديع الهمذاني إلى أبي سلمى مسكوية، يعتذر من شيء بلغه عنه، بعد مودة كانت بينهما:

ويا عز: إن واشٍ وشى بى عند كم

فلا تمهليه أن تقولي له: مهلاً

كما لو وشى واشٍ بعزة عندنا

لقلنا: تزحزح لاقريباً ولاسهلاً

بلغني أطال الله بقاء الشيخ، أن قيضه كلبٍ وافته بأحاديث لم يعرها الحق نوره، ولا الصدق ظهوره، وأن الشيخ أذن لها على حجاب أذنه وفسح لها فناء ظنه، وعاذ الله أن أقولها، وأستجيز معقولها، بلى قد كان بيني وبينه عتاب لاينزع كنفه، ولايجدف أنفه، وحديث لايتعدى إلى النفس وضميرها ولا تعرفه الشفة وسميرها، وعربدة كعربدة أهل الفضل، لاتتجاوز والإدلال، ووحشة يكشفها عتاب لحظة كغناء جحظة، فسبحان من ربى هذا الأمر، حتى صار أمراً، وتأبط شراً، وأوحش حراً، وأوجب عذراً، بل سبحان من جعلني في حير العذر أشيم بارقته وأستقبل صاعقته، وأنا المساء إليه، والمجني عليه، ورمى من الحسدة بما رميت، ووقف من الوجد والوحدة حيث وقفت، واجتمع عليه من المكاره ما وصفت، أعتذر مظلوماً، وأحسن ملوماً، وضحك مشتوماً، ولو علم الشيخ عدد أبناء الحدد، وأولاد العدد، بهذا البلد، ممن ليس له همة إلا في شكاية، أو حكاية، أو سعاية أو نكاية لضن بعشرة غريب إذا بدر، وبعيد إذا حضر، ولصان مجلسه عمن لايصونه عما رقى إليه، فهبني قلت ماحكى له، أليس الشاتم من أسمع أليس الجاني من أبلغ فقد بلغ من كيد هؤلاء القوم، أنهم حين صادفوا من الأستاذ نفساً لاتستفز، وحبلاً لايهز، دسوا إليه حديثه بما حرشوا به نارهم، ورد على مماقالوه، فما لبثت أن قلت:

فإن يك حرب بين قومي وقومها

فإني لها في كل نائبة سلم

فليعلم الشيخ الفاضل، أن في كبد الأعداء منى جمرة، وأن في أولاد الزنا عندنا كثرة، قصاراهم نار يشبونها، أو عقرب يدببونها، أو مكيدة يطلبونها، ولولا أن العذر إفرار بما قيل، وأكره أن أستقيل، بسطت في الاعتذار شاذرواناً، ودخلت في الاستقالة ميداناً، لكنه أمر لم أضع أوله، فلا أتدارك آخره، وقد أبى الشيخ أبو محمد، إلا أن يوصل هذا النثر الفاتر بنظم مثله، فهاكه يلعن بعضه بعضاً:

مولاي إن عدت ولم ترض لي

أن أشرب البارد لم أشرب

إمتط خدي وانتعل ناظري

وصيد بكفي حمة العقرب

بالله ما أنطق عن كاذب

فيك ولاأبرق عن خلب

فالصفو بعد الكدرالمفترى

كالصحو بعد المطر الصيب

إن أجتن الغلظة من سيدي

فالشوك عند الثمر الطيب

أو نفق الزور على ناقد

فالخمر قد تعضب بالثيب

ولعل الشيخ أبا محمد يقوم من الاعتذار، بما قعد عنه القلم والبيان، فنعم رائد الفضل هو، والسلام.وجاء الجواب من أبي علي:

وإذا الواشي أتى يسعى لها

نفع الواشي بما جاء يضر

فهمت خطاب الشيخ الفاضل، الأديب البارع، الذي لو قلت: إنه السحر الحلال، والعذب الزلال، لنقصته حظه، ولم أوفه حقه، أما البلاغات التي أومأ إليها، فو الله ما أذنت لها، ولا أذنت فيها، وما أذهبني عن هذه الطريقة، وأبعدني عنها، وقد نزه الله لسانه عن الفحشاء، وسمعي عن الإصغاء، وما يتخذ العدو بينهما مجالاً وأما الأبيات فقد تكلفت الجواب عنها، لامساجلة له، ولكن لأبلغ المجهود في قضاء حقه:

يا بارعاً في الأدب المجتنى

منه ضروب الثمر الطيب

لوقلت: إن البحر مستغرق

في بحرك الفياض لم أكذب

إذا تبوأت محلاً فما

نزلت إلا منزل الكوكب

أحمدتني الشعر وأعتبتني

فيه ولم أذمم ولم أعتب

والعذر يمحو ذنب فعاله

فكيف يمحوه ولم يذيب

أنا الذي آتيك مستغفراً

من زلة لم تك من مذهبي

وأنت لاتمنع مستوهباً

مالاً فهب ذنباً لمستوهب

قال أبو حيان في كتاب الوزيرين: فإن ابن العميد اتخذه خازناً لكتبه، وأراد أيضاً أن يقدح ابنه به، ولم يكن من الصنائع المقصودة، والمهمات اللازمة وكان يحتمل ذلك لبعض العزازة بظله، والتظاهر بجاهه.

نسخة وصية أبو على المسكاوية

'بسم الله الرحن الرحيم': هذا ماعاهد عليه أحمد ابن محمد، وهو يومئذ آمن في سربه، معافى في جسمه عند قوت يومه، لا تدعه إلى هذه المعاهدة، ضرورة نفس ولا بدن، ولا يريد بها مراءاة مخلوق، ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة منهم، عاهد على أن يجاهد نفسه، ويتفقد أمره، فيعف، ويشجع، ويحكم.وعلامة عفته: أن يقتصد في مآرب بدنه، حتى لا يحمله الشره على ما يضر جسمه، أو يهتك مروءته.وعلامة شجاعته: أن يحارب دواعى نفسه الذميمة، حتى لا تقهره شهوة قبيحة، ولا غضب في غير موضعه.وعلامة حكمته: أن يستبصر في اعتقاداته حتى لايفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف الصالحة، ليصلح أولاد نفسه ويهذبها، ويحصل له من هذه المجاهدة ثمراتها، التي هي العدالة، وعلى أن يتمسك لهذه التذكرة، ويجتهد في القيام بها، والعمل بموجبها، وهى خمسة عشرة باباً: إيثار الحق على الباطل في الاعتقادات، والصدق على الكذب في الأقوال، والخير على الشر في الأفعال، وكثرة الجهاد الدائم، لأجل الحرب الدائم، بين المرء ونفسه، والتمسك بالشريعة، ولزوم طائفها، وحفظ المواعيد حتى ينجزها.وأول ذلك، ما بين وبين الله جل وعز.وقلة الثقة بالناس بترك الاسترسال.ومحبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك.والصمت في أوقات حركات النفس للكلام، حتى يستشار فيه العقل.وحفظ الحال التي تحصل في شيء حتى تصير ملكة، ولا تفسد بالاسترسال.والاقدام على كل ما كان صواباً.والإشفاق على الزمان الذى هو العمر ليستعمل في المهم دون غيره.وترك الخوف من الموت والفقر لعمل ما ينبغي.وترك التواني.وترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد، لئلا يشتغل بمقاتلتهم.وترك الانفعال لهم.وحسن احتمال الغنى والفقر، والكرامة والهوان بجهة وجهة.وذكر المرض وقت الصحة، والهم وقت السرور، والرضا عند الغضب، ليقل الطغى والبغى.وقوة الأمل، وحسن الرجاء.والثقة بالله عز وجل، وصرف جميع البال إليه.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي