معجم الأدباء/أحمد بن محمد، بن عبد ربه،

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أحمد بن محمد، بن عبد ربه،

أحمد بن محمد، بن عبد ربه، بن حبيب، بن حدير ابن سالم، مولى هشام بن عبد الرحمن، بن معاوية، ابن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، كنيته أبو عمر، ذكره الحميدي، وقال: إنه مات في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومولده سنة ست وأربعين ومائتين.عن إحدى وثمانين سنة، وثمانية أشهر، وثمانية أيام، وهو من أهل بلاد الأندلس، قال الحميدي: وأبو عمر من أهل العلم، والأدب، والشعر، وهو صاحب كتاب العقد في الأخبار، مقسم على عدة فنون، وسمى كل باب منه على نظم العقد، كالواسطة، والزبرجدة، والياقوتة، والزمردة، وما أشبه ذلك، وبلغني أن الصاحب بن عباد، سمع بكتاب العقد، فحرص حتى حصل عنده، فلما تأمله، قال: 'هذه بضاعتها ردت إلينا'، ظننت أن هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم، وإنما هو مشتمل على أخبار بلادنا، لا حاجة لنا فيه، فرده.قال الحميدي: وشعره كثير مجموع، رأيت منه نيفاً وعشرين جزءاً، من جملة ما جمع للحكم بن عبد الله الملقب بالناصر الأموي سلطان العرب، وبعضها بخطه.قال: وكانت لأبي عمر بالعلم جلالة، وبالأدب رياسة وشهرة، مع ديانته وصيانته، واتفقت له أيام وولايات للعلم، فيها نفاق، فتسود بعد المول، وأثرى بعد فقر، وأشير بالتفضيل إليه، إلا أنه غلب عليه الشعر، ومن شعره وكان بعض من تألفه قد أزمع لعى الرحيل في غداة عينها، فأتت السماء في تلك الغداة بمطر جود، منعته من الرحيل، فكتب إليه أبو عمر ابن عبد ربه:

هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر

هيهات يأبى عليك الله والقدر

مازلت أبكي حذار البين ملتهفاً

حتى رثا لي فيك الريح والمطر

يا برده من حيا مزن على كبد

نيرانها بغليل الشوق تستعر

آليت ألا أرى شمساً ولا قمراً

حتى أراك فأنت الشمس والقمر

ومن شعره السائر:

الجسم في بلد والروح في بلد

يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد

إن تبك عيناك لي يا من كلفت به

من رحمة فهما سهمان في كبد

قال: ووقف ابن عبد ربه تحت روشن لبعض الرؤساء، قد رش بماء وكان فيه غناء حسن، ولم يعرف لمن هو ؟ فقال:

يا من يضن بصوت الطائر الغرد

ما كنت أحسب هذا البخل في أحد

لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة

أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد

فلا تضن على سمعي تقلده

صوتاً يجول مجال الروح في الجسد

لو كان زرياب حيا ثم أسمعه

لذاب من حسد أو مات من كمد

أما النبيذ: فإني لست أشربه

ولست آتيك إلا كسرتي بيدي

وزرياب عندهم، يجري مجرى إسحاق بن إبراهيم الموصلي في صنعة الغناء ومعرفته، وله أصوات مدونة، ألفت الكتب فيها، وضربت به الأمثال.قال: ولأبي عمر أيضاً أشعار كثيرة، سماها الممحصات، وذلك أنه نقض كل قطعة قالها في الصبا والغزل، بقطعة في المواعظ والزهد، وأرى أن من ذلك قوله:

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة

إذا اخضر منها جانب جف جانب

هي الدار ما الآمال إلا فجائع

عليها ولا اللذات إلا مصائب

وكم أسخنت بالأمس عيناً قريرة

وقرت عيون دمعها الآن ساكب

فلا تكتحل عيناك منها بعبرة

على ذاهب منها فإنك ذاهب

ومن شعره، وهو آخر شعر قاله فيما قيل:

بليت وأبلتني الليالي بكرها

وصرفان للأيام معتوران

ومالي لا أبكي لسبعين حجة

وعشر أتت من بعدها سنتان

وقد أجاز لي رواية كتابه الموسوم بالعقد، الحافظ ذو النسبين، بني دحية والحسين، أبو الخطاب عمر بن الحسين، المعروف بابن دحية المغربي السبتي، فإنه رواه عن شيخه أبي محمد عبد الحق، بن عبد الملك، بن ثوبة العبدي، عن شيخه أبي عبد الله، محمد بن معمر، عن شيخه أبي بكر، محمد بن هشام المصحفي عن أبيه، عن زكريا بن بكير، بن الأشبح، عن المصنف.وقسم كتاب العقد على خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب منها جزءان، فذلك خمسون جزءاً في خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب باسم جوهرة من جواهر العقد، فأولها: كتاب اللؤلؤة في السلطان، ثم كتاب الفريدة في الحروب، ثم كتاب الزبرجدة في الأجواد، ثم كتاب الجمانة في الوفود، ثم كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك، ثم كتاب الياقوتة في العلم والأدب، ثم كتاب الجوهرة في الأمثال، ثم كتاب الزمردة في المواعظ، ثم كتاب الدرة في التعازي والمراثي، ثم كتاب اليتيمة في الأنساب، ثم كتاب العسجدة في كلام الأعراب، ثم كتاب المجنبة في الأجوبة، ثم كتاب الواسطة في الخطب، ثم كتاب المجنبة الثانية، في التوقيعات، والفصول، والصدور، وأخبار الكتبة، ثم كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وأيامهم، ثم اليتيمة الثانية في أخبار زياد، والحجاج، والطالبيين، والبرامكة، ثم الدرة الثانية في أيام العرب ووقائقعهم، ثم الزمردة الثانية في فضائل الشعر، ومقاطعه ومخارجه، ثم الجوهرة الثانية في أعرايض الشعر، وعلل القوافي، ثم الياقوة الثانية في علم الألحان واختلاف الناس فيه، ثم المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن، ثم الجمانة الثانية في المتنبئين زالممرورين، والطفيليين، ثم الزبرجدة الثانية في التحف، والهدايا، والنتف، والفاكهات والملح، ثم الفريدة الثانية في الهيئات والبنائين، والطعام والشراب، ثم اللؤلؤة الثانية في طبائع الإنسان، وسائر الحيوان، وتفاضل البلدان، وهو آخر الكتاب: ومن شعر ابن عبد ربه:

ودعتني بزورة واعتناق

ثم نادت متى يكوت التلاقي

وبدت لي فأشرق الصبح منها

بين تلك الجيوب والأطواق

يا سقيم الجفون من غير سقم

بين عينيك مصرع العشاق

إن يوم الفراق أقطع يوم

ليتني مت قبل يوم الفراق

ومن شعره أيضاً:

يا ذا الذي خط الجمال بخده

خطين هاجا لوعة وبلابلا

ما صح عندي أن لحظك صارم

حتى لبست بعارضيك حمائلا

قال: أخبرني بعض العلية: أن الخطيب أبا الوليد ابن عسال، حج، فلما انصرف، تطلع إلى لقاء المتنبئ واستشرف، ورأى أن لقيته فائدة يكتسبها، وحلة فخر لا يحتسبها، فصار إليه، فوجده في مسجد عمرو بن العاص، ففاوضه قليلاً ثم قال: ألا أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربه فأنشده:

يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقا

ورشاً بتقطيع لاقلوب رفيقا

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

ورداً يعود من الجناء عقيقا

وإذا نظت إلى محاسن وجهه

أبصرت وجهك في سناه غريقا

يا من تقطع خصره من ردفه

ما بال قلبك لا يكون رقيقا

فلما أكمل إنشاده، استعادها منه، ثم صفق بيديه.وقال: يا ابن عبد ربه، لقد يأتيك العراق حبواً.ثم إن ابن عبد ربه، أقلع في آخر عمره عن صبوته، وأخلص لله في توبته، فاعتبر أشعاره التي قالها في الغزل واللهو، وعمل على أعاريضها وقوافيها في الزهد، وسماها الممحصات، فمنها القطعة التي أولها:هلا ابتكرت لبين أنت مبتكرمحصها بقوله:

يا قادراً ليس يعفو حين يقتدر

ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر ؟

عاين بقلبك إن العين غافلة

عن الحقيقة واعلم أنها سقر

سوداء تزفر من غيظ إذا سعرت

للظالمين فما تبقي ولا تذر

لو لم يكن لك غير الموت موعظة

لكان فيه عن اللذات مزدجر

أنت المقول له ما قلت مبتدئاً

هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي