معجم الأدباء/أسامة بن مرشد، بن مقلد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أسامة بن مرشد، بن مقلد

أسامة بن مرشد، بن مقلد

ابن نصر، بن منقذ، بن محمد، بن منقذ، بن نصر، ابن هاشم، بن سوار، بن زياد، بن رغيب، بن مكحول، بن عمر، بن الحارث، بن عامر، بن مالك، ابن أبي مالك، بن عوف، بن كنانة، بن بكر، بن عذرة، ابن زيد اللات، بن رفيدة، بن ثور، بن كلب، بن وبرة، ابن ثعلب، بن حلوان، بن عمران، بن قضاعة، ابن مالك، بن حمير، بن مرة، بن زيد، بن مالك، بن حميد، بن سينا، بن يشجب، بن يعرب، بن قحطان، هكذا ذكر هو نسبه، وفيه اختلاف يسير، عند ابن الكلبي، ويكنى أبا أسامة، وأبا الظفر، ويلقب مؤيد الدولة، ومجد الدين، وفي بني منقذ جماعة أمراء شعراء، لكن أسامة أشعرهم وأشهرهم، وأنا أذكر لكل واحد من أهله وترجمته ما يليق، ولا أفرقهم. ذكر عماد الدين أبو عبد الله، محمد بن محمد، بن حامد الأصفهاني في كتاب خريدة القصر، وفريدة العصر، وأثنى عليه كثيرا، فقال: ما زال بنو منقذ هؤلاء مالكي شيزر، وهي حصن قريب من حماة، معتصمين بحصانتها، ممتنعين بمناعتها، حتى جاءت الزلزله في سنة نيف وخمسين، فخربت حصنها، وأذهبت حسنها، وتملكها نور الدين، محمود بن زنكى عليهم، وأعاد بناءها، فتشعبوا شعبا، وتفرقوا أيدى سبا. قال ابن عساكر: ذكر لي أسامة، أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقدم دمشق، سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ومات أسامة في الثالث والعشرين من رمضان، سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ودفن بجبل قاسيون قال العماد: وأسامة كاسمه، في قوة نثره ونظمه، يلوح من كلامه أمارة الإمارة، ويؤسس بيت قريضه عمارة العبارة، حلو المجالسة، حالى المساجلة، ندى الندى بماء الفكاهة، عالي النجم في سماء النباهة، معتدل التصاريف، مطبوع التصانيف، اسكنه عشق الغوطة، دمشق المغبوطة، ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم، فانتقل الى مصر، فبقى بها مؤمرا، مشارا إليه بالتعظيم الى أيام ابن رزيك، فعاد الى الشام، وسكن دمشق، مخصوصا بالاحترام، حتى أخذت شيزر من أهله، ورشقهم صرف الزمان بنبله ورماه الحدثان الى حصن كيفا، مقيما بها في ولده، مؤثرا لها على بلده، حتى أعاد الله دمشق الى سلطنة الملك الناصر صلاح الدين، يوسف بن أيوب، سنة سبعين وخمسمائة، ولم يزل مشغوفا بذكره، مشتهرا باشاعة نظمه ونثره، والأمير العضد مرهف، ولد الأمير مؤيد الدولة، جليسة ونديمه وأنيسه. قال مؤلف هذا الكتاب: وقد رأيت أنا العضد هذا بمصر، عند كونى بها، في سنتي إحدى عشرة واثنتي عشرة وستمائة، وأنشدني شيئا من شعره، وشعر والده قال: فاستدعاه الى دمشق، يعني: مؤيد الدولة، وهو شيخ قد جاوز الثمانين قال: وأنشدني العامرى من شعره بأصبهان، و كنت أتمنى لقياه، وأشيم على العبد حياه، حتى لقيته في صفر، سنة إحدى وسبعين بدمشق، وسألته عن مولده، فقال: ولدت فى السابع و العشرين من جمادى الآخر، سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وأنشدنى لنفسه، البيتين اللذين سارا له فى قلع ضرسه:

وصاحب لاأمل الدهر صحبته

يشقى لنفعى و يسعى سعى مجتهد

لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا

لناظرى افترقنا فرقة الأبد

وأنشدني لنفسه من قديم شعره:

قالوا نهته الأربعون عن الصبا

وأخو المشيب يجور ثمت يهتدى

كم جار فى ليل الشباب فدله

صبح المشيب على الطريق الأقصد

وإذا عددت سنى ثم نقصتها

زمن الهموم فتلك ساعة مولدى

قلت أنا: هذا كلام نفيس، ومعنى لطيف، ولكنه أخذ معنى البيت الثانى، من قول ابن الرومى:

كفى بسراج الشيب فى الرأس هادياً

إلى من أضلته المنايا لياليا

فكان كرامى الليل يرمى فلا يرى

فلما أضاء الشيب شخصى رمانيا

وأخذ معنى البيت الأخير، من قول أبى فراس بن حمدان فى مزدوجته:

ما العمر ماطالت به الدهور

العمر ماتم به السرور

أيام عزى ونفاذ أمرى

هى التى أحسبها من عمرى

لو شئت مما قد قللن جدا

عددت أيام السرور عدا

ولكن قول أسامة أبلغ في المعنى، وهذا ظاهر قال: وأنشدنى من قديم شعره:

لم يبق لي في هواكم أرب

سلوتكم و القلوب تنقلب

أوضحتم لي سبل السلو وقد

كانت لي الطرق عنه تنشعب

الإم دمعى من هجركم سرب

قان وقلبى من غدركم يجب

إن كان هذا لأن تعبدني الحب

فقد أعتقني الريب

أحببتكم فوق ما توهمه الناس

وخنتم أضعاف ما حسبوا

وقوله أيضاً:

يادهر مالك لايصددك

عن مساءتى العتاب

أمرضت من أهو ويأبى

أن أمرضه الحجاب

لو كنت تنصف كانت الأم

راض لي و له الثواب

أخذ هذا المعنى من قول الشاعر:

يا ليت علته لى غير أن له

أجر المريض وأنى غير مأجور

قال العماد: وهذا الذى أوردته من شعره، نقلته من تاريخ السمعاني، فلم وردت إلى دمشق، وأجتمعت به، قلت له: هل لك معنى مبتكر فى الشيب ؟ فأنشدني:

لو كان صد معاتبا ومغاضبا

أرضيته وتركت خدي شائبا

لكن رأى تلك النضارة قد ذوت

لما غدا ماء الشبيبة ناضبا

ورأى النهي بعد الغواية صاحبي

فثنى العنان يريغ غيرى صاحبا

وأبيه ما ظلم المشيب وإنه

أملي، فقلت عساه عني راغبا

أنا كالدجى لما تناهى عمره

نشرت له أيدى الصباح ذوائبا

ومن شعره أيضا في محبوس:

حبسوك: والطير النواطق إنما

حبست لميزتها على الأنداد

وتهيبوك وأنت مودع سحنهم

وكذا السيوف تهاب في الأغماد

ما الحبس دار مهانة لذوى العلا

لكنه كالغيل للآساد

ومنه قوله في الشمعة:

أنظر إلى حسن صبر الشمع يظهر

للرائين نورا وفيه النار تستعر

كذا الكريم تراه ضاحكا جذلا

وقلبه بدخيل الغم منفطر

وقوله أيضا:

نافقت دهري فوجهي ضاحك جذل

طلق وقلبى كئيب مكمد باك

وراحة قلبي في الشكوى ولذتها

لو أمكنت لا تساوى ذلة الشاكي

وقوله أيضا:

لئن غض دهر من جماحي أو ثنى

عناني أو زلت بأخمصي النعل

تظاهر قوم بالشمات جهالة

وكم إجنة في الصدر أبرزها الجهل

وهل أنا إلا السيف فلل حده

قراع الأعادي ثم أرهفه الصقل

وقوله أيضا:

لا تحسدن على البقاء معمرا

فالموت أيسر ما يئول إليه

وإذا دعوت بطول عمر لامرئ

فاعلم بأنك قد دعوت عليه

قال العماد: وتناشدنا بيتا للوزير المغربي في وصف خفقان القلب، وتشبيهه بظل اللواء، الذى تخترقه الرياح وهو:

كان قلبى إذا عن ادكاركم

ظل اللواء عليه الريح تخترق

فقال لى الأمير مؤيد الدولة أسامة: لقد شبهت القلب الخافق وبالغت في تشبيهه، وأربيت عليه فى قولى من أبيات وهي:

أحبابنا كيف اللقاء ودونكم

عرض المهامه والفيافي الفيح

أبكيتم عينى دما لفراقكم

فكأنما إنسانها مجروح

وكأن قلبى حين يخطر ذكركم

لهب الضرام تعاورنه الريح

فقلت له: صدقت، فإن المغربى قصد تشبيهه خفقان القلب، وأنت شبهت القلب الواجب باللهيب، وخفقانه باضطرابه عند اضطرامه، لتعاور الريح، فقد أربيت عليه وأنشدني أيضا من قوله أيام شبابه، وهو معتقل فى الخيال.

ذكر الوفاء خيالك المنتاب

فالم وهو بودنا مرتاب

نفسى فداؤك من حبيب زائر

متعتب عندى له الأعتاب

ودى كعهدك والديار قريبة

من قبل أن تتقطع الأسباب

ثبت فلا طول الزيارة ناقص

منه وليس يزيده الإغباب

حظر الوفاء على هجرك طائعا

وإذا اقتسرت فما علي عتاب

قال: وتذاكرنا قول أبي العلاء المعري:

لو حط رحلي فوق النجم رافعة

ألفيت ثم خيالا منك منتظري

وأبلغ من هذا قول المعري في بعد المسافة:

وذكرت كم بين العقيق إلى الحمى

فجزعت من أمد المدى المتطاول

وعذرت طيفك في الجفاء فإنه

يسري فيصبح دوننا بمراحل

وأنشدني:

وأعجب ما لقيت من الليالي

وأى فعالها بي لم يسؤنى ؟

تقلب قلب من مثواه قلبي

وجفوة من ضممت عليه جفني

قال: واجتمعنا عن الملك الناصر صلاح الدين، يوسف بن أيوب بدمشق، وكان يلعب بالشطرنج، فقال الأميرأسامة: ألا أنشدك البيتين اللذين قلتهما في الشطرنج ؟ فقلت: هات، فأنشدنى لنفسه:

أنظر إلى لاعب الشطرنج يجمعها

مغالبا ثم يعد الجمع يرميها

كالمرء يكدح للدنيا ويجمعها

حتى إذا مات خلاها وما فيها

وأنشدني لنفسه في غرض له فى نور الدين محمود - رحمه الله -:

سلطاننا زاهد والناس زهدوا

له فكل على الخيرات منكمش

أيامه مثل شهر الصوم خالية

من المعاصي وفيها الجوع والعطش

قال: وأنشدني لنفسه:

أأحبابنا هلا سبقتم بوصلنا

صروف الليالى قبل أن نتفرقا ؟ ؟

تشاغلتم بالهجر والوصل ممكن

وليس إلينا للحوادث مرتقى

كأنا أخذنا من صروف زماننا

أمان ومن جور الحوادث موثقا

وقال ايضا:

قمر إذا عاينته شغفا به

غرس الحياء بوجنتيه شقيقا

وتلهبت خجلا فلولا ماؤها

مترقرق فيه لصار حريقا

وازور عنى مطرقا فأضلني

أن أهتدى نحو السلو طريقا

فليلحنى من شاء فيه فصبوتى

بهواه سكر لست منه مفيقا

وكتب إليه أبو الفوارس مرهف: من حض كيفا، كتابا على يد مسنمنح، فلم يمكن الوقت من بلوغ الغرض من البر، فكتب أسامة جوابه.

أبا الفوارس ما لاقيت من زمني

أشد من قبضه كفي عن الجود

رأى سماحي بمنزور تجانف لي

عنه وجودي به فاجتاح موجودي

فصرت إن هزني جان تعود أن

يجبنى نداي رآني يابس العود

وقال أيضا:

سقوف الدور في خربرت سود

كستها النار أثواب الحداد

فلا تعجب إذا ارتفعت علينا

فللحظ اعتناء بالسواد

بياض العين يكسوها جمالا

وليس النور إلا في السواد

ونور الشيب مكروه وتهوى

سواد الشعر أصناف العباد

وطرس الخط ليس يفيد علما

وكل العلم فى وشى المداد

وله مدح صلاح الدين:

هو من عرفت فلو عصاه نهاره

لرماه نقع جيوشه بالغيهب

وله في الهزل:

خلع الخليع عذاره في فسقه

حتى تهتك فى بغا ولواط

يأتي ويؤتى ليس ينكى ذا ولا

هذا كذلك إبرة الخياط

قال العماد: وكان قد سألني أن أنتجز له مطلوبا عند الملك الناصر، صلاح الدين، فكتب إلى يستحثنى:

عماد الدين مولانا جواد

مواهبه كمنبل السحاب

يحكم في مكارمه الأمانى

ولو كلفنه رد الشباب

وعذرك في قضا شغلى قضاء

يصرفه فما عذر الجواب

ولمؤيد الدولة أسامة بن منقذ، تصانيف حسان، منها: كتاب القضاء، كتاب الشيب والشباب، ألفه لابيه، كتاب ذيل يتيمة الدهر للثعالبي، كتاب تاريخ أيامه، كتاب في أخبار أهله رأيته ومن شعر الأمير الأجل مؤيد الدولة، مجد الدين أسامة بن منقذ:

صديق لنا كالبحر قد أهلك الورى

ولم تنههم أخطاره عن ركوبه

موداته تحكيه صفوا وخبرها

كمشربه من حوبه وذنوبه

ومنه أيضا:

كنت بين الرجاء واليأس منه

أقطع الدهر بين سلم وحرب

ألتقى عتبه بأكرم إعتاب

ويلقى ذلى بتيه وعجب

فبدا للملول أنى لو رمت

سلوا لما سلا عنه قلبي

فتجنى لي الذنوب ولا والله

ما لي ذنب سوى فرط حبي

ومنه أيضا:

أنظر بعينك هل

ترى أحد يدوم على الموده ؟

فترى أخلاء الصفاء

عدى إذا نابتك شده

ومنه أيضا

تنكرني الإخوان حتى ثقاتهم

وحذرنى منهم نذير التجارب

كأني إذا أودعت سري عندهم

رفعت بنار فوق أعلى المراقب

قال العماد: وكتبها إلى دمشق بعد خروجه إلى مصر، في أيام بنى الصوفى يشير إليهم:

ولوا فلما رجونا عدلهم ظلموا

فليتهم حكموا فينا بما علموا

ما مر يوما بفكرى ما يريبهم

و لا سعت بي إلى ما ساءهم قدم

ولا أضعت لهم عهدا ولااطلعت

على ودائعهم فى صدرى التهم

محاسنى منذ ملونى بأعينهم

قذى، وذكرى فى آذانهم صمم

وبعد لو قيل لي ما تحب وما

تختار من زينة الدنيا لقلت هم

هم مجال الكرى من مقلتي ومن

قلبي محل المنى جاروا أو احترموا

تبدلوا بي ولا أبغى بهم بدلا

حسبى بهم أنصفوا فى الحكم أم ظلموا

ياراكبا تقطع البيداء همته

والعيس تعجز عما تدرك الهمم

بلغ أميري معين الدين مألكة

من نازح الدار لكن وده أمم

هل فى القضية يا من فضل دولته

وعدل سيرته بين الورى علم

تضيع واجب حقى بعد ما شهدت

به النصيحة والخلاص والخدم

إذا نهضت إلى مجد تؤثله

تقاعدوا، وإذا شيدته هدموا

وإن عرتك من الأيام نائبة

فكلهم للذي يبكك يبتسم

وكل من ملت عنه قربوه ومن

ولاك فهو الذي يقى ويهتضم

أين الحمية والنفس الأبية إذ

ساموك خطة خسف عارها يصم ؟

هلا أنفت حياء أو محافظة

من فعل ما أنكرته العرب والعجم

أسلمتنا وسيوف الهند مغمدة

ولم يرو سنان السمهري دم

وكنت أحسب من والاك في حرم

لايعتريه به شيب ولا هرم

وأن جارك جار للسموءل لا

يخشى الأعادى ولاتغتاله النقم

هبنا جنينا ذنوبا لا يكفرها

عذر فماذا جنى الأطفال والحرم

ومنها:

لكن رأيك أدناهم وأبعدني

فليت أنا بقدر الحب نقتسم

ولا سخطت بعادي إذ رضيت به

ولا لجرح إذا أرضاكم ألم

تعلقت بحبال منك يدي

ثم انثنت وهي صفر ملؤها ندم

لكن فراقك آساني وأسقمني

ففي الجوانح نار منه تضطرم

فاسلم فما عشت لي فالدهر طوع يدي

وكل ما نالنى من بؤسه نعم

ومن شعره أيضا:

إلق الخطوب إذا طرقن بقلب محتسب صبور

فسينقضي زمن الهموم

كما انقضى زمن السرور

فمن المحال دوام حال

في مدى العمر القصير

وتوفى بعد الثمانين والخمسمائة.ومنهم أخوه أبو الحسن على بن مرشد، بن على بن مقلد، بن منقذ، سيد بنى منقذ، ورد بغداد حاجا بعد العشرين والخمسمائة.وقد ذكره السمعاني في تاريخه، وأنشد له:

ودعت صبري ودمعي يوم فرقتكم

وما علمت بأن الدمع يدخر

وضل قلبي عن صدري فعدت بلا

قلب فياويح ما آتى وما أذر

ولو علمت ذخرت الصبر مبتغيا

إطفاء نار بقلبي منك تستعر

قال الأمير علي بن مرشد: سمعت دربابا يصيح بدرب حبيب فقلت فيه:

ياطائرا لعبت أيدى الفراق به

مثلى فأصبح ذا هم وذا حزن

داني الأسى، نازح الأوطان مغتربا

عن الأحبة مصفودا عن الوطن

بلا نديم ولاجار يسر به

ولاحميم ولا دار ولا سكن

لكن نطقت فزال الهم عنك ولى:

هم يقلقل أحشائي ويخرسني

وكل من باح بالشكوى استراح ومن

أخفى الجوى بث عنه شاهد البدن

أرقت عيني بنوح لست أفهمه

مع مابقلبى من وجد يؤرقني

وما بكيت ولي دمع غواربه

إذا ارتمت منه لم تنشق بالسفن

قال: وكتب إلى صديق له:

ما فهت مع متحدث متشاغلا

إلا رأيتك خاطرا فى خاطرى

ولو استطعت لزرت أرضك ماشيا

بسواد قلبى أو بأسود ناظرى

وكتب إلى أخيه مؤيد الدولة أسامة، وهو بالموصل:

ألا هل لمخزون تذكر إلفه

فحن وأبدى وجده من يعنيه

وعيشا معنى بالرغم إذ نحن جبرة

ترف على روض الوصال عصونه

لدي منزل كان السرور قرينكم

به فتولى إذ تولى قرينه

فلو أعشبت من فيض دمعي محوله

لما رضيت عن دمع عيني جفونه

قال: وأنشدنى له ابن أخيه، الأمير مرهف بن أسامي:

لأشكرن النوى والعيس إذ قصدت

بى معدن الجود والإحسان والكرم

فسرت في وطني إذ سرت من وطنى

فمن رأى صحة جاءت من السقم ؟

وقد ندمت على عمر مضى أسفا

إذ لم أكن لك جارا فيه في القدم

فاسلم ولا زلت محروس العلا أبدا

ما لاحت الشهب في داج من الظلم

وقال أخوه أسامة بن مرشد: ونقلت من خط أخى عز الدولة، أبي الحسن، علي بن مرشد، من شعره، وكان استشهد رحمه الله على عزة فى شهر رمضان، سنة خمس وأربعين وخمسمائة، فى حرب الفرنج لعنهم الله قبل أن يكمل من شعره، وكان تقطر به فرسه على باب غزة، واستعلى الفرنج على أصحابه، فانكشفوا عنه، وبقى في المعركة فقتل، وأنشد له أشعارا، منها قوله فى مرض طال به:

ظننت، وظن الألمعى مصدق

بأن سقام المرء سجن حمامه

فإن لم يكن موت صريح فإنه

عذاب تمل النفس طول مقامه

وكم يلبث المسجون في قبضة الأذى

يجرب فيه الموت غرب حسامه

وأنشد له قوله عند رحيله عن بغداد إلى الحجاز

ترحلت عن بغداد لا كارها لها

وفى القلب منها لوعة وحريق

فسقيا لأيام تقضت بربعها

إذ العيش غض والزمان أنيق

بإخوان صدق ليس فيهم مشاهق

وكلهم حان على شفيق

وأنشد له أيضا:

ولما أعرتني النوى منك نظرة

أحب إلي قلبي من البارد العذب

تعقبها البين المشت فليتنا

بقينا على تأميلنا لذة القرب

وأنشد له:

ليت شعري علام صدك عنا

بعد ما كنت تدعي الأشواقا ؟

لاتجار الزمان سبقا إلى الهجر

فما زال صرفة سباقا

أنت غر بغدره فلهذا

قد تعجلت بالصدود الفراق

وأنشد له:

بنى أبى إن عدا دهر ففرقنا

فهم نفسى بكم ما عشت مجتمع

هل تعلمون الذى فى النفس من أسف

عليكم وحنين ليس ينقطع

ترحتم أدمعى حتى لقد محلت

جفون عيني ومات اليأس والطمع

وإن دهرا رمى عن جيده دررا

أمثالكم لزمان عاطل ضرع

ومنهم جده سديد الملك، أبو الحسن، علي مقلد، بن منقذ، وكان من شرطه أن يقدم على بنيه قال: هو جد الجماعة، موفور الطاعة، أحكم آساس مجده وشادها، وفضل أمراء ديار بكر والشام وسادها. قال أبو يعلى حمزة بن أسد: في سنة أربع وسبعين وأربعمائة فى رجب، ملك الأمير أبو الحسن، علي بن مقلد، بن منقذ، حصن شيزر، من الأسقف الذى كان فيه بمال بذله له، وأرغبه فيه إلى أن حصل فى يده، وشرع فى عمارته وتحصينه، والمصانعة عنه إلى أن تمكنت حاله فيه، وقويت نفسه فى حمايته، والمدافعة عنه والأمير سديد الملك، هو ممدوح فحول الشعراء، الذي امتدحه ابن حيوس بقصيدته التي أولها - وكتبها إليه من طرابلس وهو بحلب -:

أما الفراق فقد عاصيته فأبى

وطالت الحرب إلا أنه غلبا

أرانى البين لما حم عن قدر

وداعنا كل جد بعده لعبا

قال: وسألت ابن ابنه الأمير أسامة بن مرشد، ابن على عن وفاة جده، فقال: مات سنة خمس وسبعين وأربعمائة، قال: وأنشدني مجد العرب العامري بأصبهان قال: أنشدني الأمير أبو سلامة مرشد لأبيه الأمير، أبى الحسن علي بن مقلد فى غلام له ضربه، وقد أبدع في هذا المعنى وأعرب:

أسطو عليه وقلبى لو تمكن من

كفى غلهما غيظا إلى عنقي

وأستعير إذا عاتبته حنقا

وأين ذل الهوى من عزة الحنق

قال وأنشدني له أيضا:

ماذا النجيع بوجنتيك وليس من

شدخ الأنوف على الخدود رعاف

ألحاظنا جرحتك حين تعرضت

لك أم أديمك جوهر شفاف

وقرأت له في مجموع.

إذا ذكرت أياديك التى سلفت

مع سوء فعلي وزلاتى ومجترمي

أكاد أفتل نفسى ثم يمنعني

علمى بأنك مجبول على الكرم

وله أيضا:

من كان يرضى بذل فى ولايته

من خوف عزل فإنى لست بالراضي

قالوا فنركب أحيانا فقلت لهم

تحت الصليب ولا فى موضع القاضى

وله أيضا:

لاتعجلوا بالهجر إن النوى

تحمل عنكم مؤنة الهجر

وظاهرونا بوفاء فقد

أغناكم البين عن الهجر

وله أيضا:

ألقي المنية فى درعين قد نسجا

من المنية لا من نسج داود

إن الذى صور الأشياء صورني

نارا من البأس في بحر من الجود

وهذان البيتان يرويان لعبد المؤمن ملك الغرب، ولسديد الملك، من مجموع أسامة:

كيف السلو وحب من هو قاتلي

أدنى إلي من الوريد الأقرب

إنى لأعمل فكرتى فى سلوة

عنه فيظهر فى ذل المذنب

وله أيضا:

بكرت تنظر شيبي

وثيابي يوم عيد

ثم قالت لى بهزء

يا خليقا في جديد

لاتغالطني فما تص

لح إلا للصدود

قال العماد: أنشدت هذه الأبيات والقطع جميعها، الأمير مؤيد الدولة أسامة، فى سنة اثنتين وسبعين، فأنكر أن يكون لجده سوى البيتين اللذين أولهما: لاتعجلوا بالهجر إن النوى وأنشدني لجده، وكان كتب بها إلى القاضي جلال الملك، أبى الحسن علي بن عمارة، صاحب طرابلس:

أحبابنا لو لقيتم فى مقامكم

من الصبابة ما لاقيت فى ظعنى

لأصبح البحر من أنفاسكم يبسا

كالبر من أدمعي ينشق بالسفن

ومنهم الأمير أبو سلامة، مرشد بن علي، بن مقلد، ابن نصر، بن منقذ، وولد المقدم ذكره، له البيت القديم، والفضل العميم، من فروع الأملاك، الفارعى الأملاك. قال السمعاني في تاريخه: رأيت مصحفا بخطه، كتبه بماء الذهب على الطاق الصورى، ما رأيت ولا أظن أن الرائين رأوا مثله، فقد جمع إلى فضائله حسن خطه، وتقدم بحسن تدبيره على رهطه وأسن وعمر، وله أولاد نجباء أمجاد، كرماء أجواد، وكان مولده سنة ستين وأربعمائة، ومات بشيزر، سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، فيما حكاه ولده أسامة للسمعاني.وذكره مجد العرب أبو فراس العامري، وقال: كنت مقيماً مدة بشيزر في كنفهم، حاظيا برفدهم، ساميا بشرفهم وأثنى على خلفهم، وترحم على سلفهم، قال: وكان الأمير حينئذ بقلعة شيزر: السلطان أبو العساكر أخوه، وهو ممدوحي الذى حباني الإكرام والإحسان، وكان الأمير مرشد يقربني ويكرمني، وقال فى أبياتا منها

لئن نسى امرؤ عهدا فإني

لعهد أبي الفوارس غير ناس

وما عاش الأمير أبو فراس

فما مات الأمير أبو فراس

كنية العامري أبو فراس الآخر، وهو أبو فراس بن حمدان، وكان العامري ينبجح بالبيتين، وذكر السمعاني في تاريخه، أنشدني ولده أبو عبد الله محمد ابن مرشد، بن علي، بن مقلد بن منقذ، من حفظه عند القبة التى فيها قبر أيوب النبى صلى الله عليه وسلم، عند عقبة أفيق، بنواحى الأردن قال، وأنا قائم أكتب، وهو وغلمانه على الخيل قال: أنشدني والداى المرشد بن على لنفسه بشيزر:

ظلوم أبت فى العلم إلا التماديا

وفى الصد والهجران إلا تناهيا

شكت هجرنا والذنب فى ذاك ذنبها

فيا عجبا من ظالم جاء شاكيا

وطاوعت الواشين في وطالما

عصيت عذولا فى هواها وواشيا

ومال بها تيه الجمال إلى العلا

وهيهات أن أمسى لها الدهر قاليا

ولا ناسيا ما استودعت من عهودها

وإن هي أبدت جفوة وتناسيا

ومنها فى العتاب:

وقلت: أخى يرعى بني وأسرتي

ويحفظ فيهم عهدتي وذماميا

ويجزيهم ما لم أكلفه فعله

لنفسي فعد أعددته من تراثيا

فأصبحت صفر الكف مما رجوته

أرى اليأس قد غطى سبيل رجائيا

فما لك لما أن حنى الدهر صعدتي

وثلم مني صارما كان ماضيا

تنكرت حتى صار برك قسوة

وقربك منهم جفوة وتناسيا

على أننى ماحلت عما عهدته

ولا غيرت هذي الشؤون وداديا

فلا زعزعتك الحادثات فإنني

أراك يميني والأنام شماليا

قال: وقرأت فى بعض الكتب كلمة نظمها الخطيب أب الفضل، يحيى بن سلام الحصكفي، فى جواب رسالة وصلته من الأمير على بن مرشد من شيزر، وهى:

حوى مرشد وابناه غر المناقب

وحلوا من العلياء أعلى المراتب

ذوائب مجد ما علمت بأنهم

من العلم أيضا فى الذرى و الذوائب

أنت من على روضة جاد روضها

سحائب فضل لا كجود السحائب

بأبيات شعر أفحمت كل شاعر

وآيات نثر أعجبت كل خاطب

وغر معان أعجزن كل عالم

وأسطر خط أرعشت كل كاتب

وربع لورد واقد لمطالع

ربيع لوفد وارد بمطالب

وخود رمت بالسحر عن قوس حاجب

لها في العلا فخر على قوس حاجب

فلو قطبت بوما لما قطبت لها

وجوه ولا غطت على حكم شارب

ومنهم حميد بن مالك، بن مغيث، بن نصر، بن منقذ، بن محمد، بن منقذ، بن نصر، بن هاشم، أبو الغنائم، الملقب بمكين الدولة، ولد بشيزر في تاسع جمادي الآخرة، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، ونشأ بها، وانتقل إلى دمشق، فسكنها مدة طويلة، وكتب فى العسكر، وكان يحفظ القرآن، وله شعر جيد، وفيه شجاعة وعفاف، ومات فى نصف شعبان، سنة أربع وستين وخمسمائة بحلب، ومن شعره:

ما بعد جلق للمرتاد منزلة

ولا كسكانها فى الأرض سكان

فكلها لمجال الطرف منتزه

وكلهم لصروف الدهر أقران

وهم وإن بعدوا عنى بنسبتهم

إذا بلوتهم بالود إخوان

وقال في أخيه يحيى:

بالشام لي حدث وجدت بفقده

وجدا يكاد القلب منه يذوب

فيه من البأس المهيب صواعق

تخشى ومن ماء السماء قليب

فارقت حتى حسن صبرى بعده

وهجرت حتى النوم وهو حبيب

قال الحافظ علي بن الحسن، بن هبة الله، وأنشدنا لنفسه:

يذكرني يحيى الرماح شوارعا

وبيض المواضى جردت للوقائع

وأقسم ما رؤياه في العين بهجة

بأحسن من أوصافه فى المسامع

قال: وأنشد لنفسه:

وسلافة أزرى احمرار شعاعها

بالورد والوجنات والياقوت

جاءت مع الساقى تنير بكأسها

فكأنها اللاهوت فى الناسوت

قال: وأنشدنا لنفسه فى صديق له يعاتبه:

أدنو بودى وحظى منك يبعدنى

هذا: لعمرك عين الغبن والغبن

وإن توخيتني يوما بلائمة

رجعت باللوم إبقاء على الزمن

وحسن طنى موقوف عليك فهل

غيرت بالظن بى عن رأيك الحسن

ومنهم الأمير شرف الدين، أبو الفضل، إسماعيل بن أبى العساكر، سلطان بن علي، بن منقذ، كان أبوه عم مؤيد الدولة، أسامة بن مرشد، أمير شيزر، وكان شابا فاضلا، سكن لما أخذت منهم شيزر بدمشق، ومات بها سنة إحدى وستين وخمسمائة، قال العماد: وسمعت من شعره:

ومهفهف كتب الجمال بخده

سطرا يحير ناظر المتأمل

بالغت في استخراجه فوجدته

لا رأى إلا رأى أهل الموصل

وذكره ابن عمه الأمير مرهف بن أسامة، وأثنى عليه، وأنشدنى له أشعاراً منها بيتان فى النحل والزنبور وهما:

ومغردين ترنما فى مجلس

فنفاهما لأذاهما الأقوام

هذا يجود بما يجود بعكسه

هذا فيحمد ذا وذاك يذام

يعنى العسل من النحل، وعكسه اللسع من الزنبور وأنشدنى أيضا له:

سقيت كأس الهوى علا على نهل

فلا تزدني كأس اللوم والعذل

نأى الحبيب فبى من نأيه حرق

لو لابست جبلا هدت قوى الجبل

ولو تطلبت سلوانا لزدت هوى

وقد يزيد رسوبا نهضة الوحل

عفت رسومي فعج نحوى لتندبني

فالصب غب زيال الحب كالطلل

صحوت من قهوة تنفى الهموم بها

لكنني ثمل من طرفة الثمل

أصبر النفس عنه وهى قائلة

مالى بعادية الأشواق من قبل

كم ميتة وحياة ذقت طعمهما

مذ ذقت طعم النوى لليأس والأمل

والنفس إن خاطرت فى غمرة وألث

منها وإن خاطرت فى الوجد لم تئل

لها دروع تقيها من سهام يد

لهل دروع تقيها أسهم المقل

فانظر إليه تر الأقمار فى قمر

وانظر إلى تر العشاق فى رجل

بأى أمر سأنجو من هوى رشا

فى جفنه سحر هاروت وسيف على

إذا رمى طرفه باللحظ قال له

قلبى أعد لا رماك الله بالشلل

أمن بني الروم ذا الرامي الذى فتكت

سهامه بالورى أم من بني ثعل ؟

إن خفت روعة هجران الحبيب فقد

أمنت في حبه من روعة العذل

ومنهم الأمير أبو الفتح، يحيى بن سلطان، بن منقذ، لقبه فخر الدولة، ذكره الأمير مرهف بن أسامة، وذكر أنه قتل على بعلبك، فى سنة أربعين وخمسمائة وأنشدنى من شعره، ما كتبه إلى أبيه عز الدين، يطلب منه رمحا:

يا خير قوم لم يزل مجدهم

فى صفحات الدهر مسطورا

عبدك يبغى أسمرا ذكره

ما زال بين الناس مذكورا

مسدد والجور من شأنه

إن نال، وترا صار موتورا

فإن تفضلت به عاد عن

صدور أعدائك مكسورا

ومنهم الأمير عز الدولة أبو المرهف، نصر بن مقلد، بن نصر، بن منقذ، عم مؤيد الدولة أسامة، قال العماد: كنا حضرنا عند الملك الناصر ليلة بدمشق، سنة إحدى وسبعين، والأمير مؤيد الدولة حاضر، وتناشدنا ملح القصائد، ونشدنا ضالة الفوائد، وجرى حديث اقتضى إنشاد الأمير أسامة بيتين لبعضهم فى المشط الأبيض، وهما لأبى الحسن، أحمد بن محمد، بن الدريدة المغربي، كان فى زمن بنى صالح:

كنت أستعمل السواد من الأمشاط

والشعر فى سواد الدياجي

أتلقى مثلا بمثل فلما

صار عاجا سرحته بالعاج

ثم قال الأمير: وقد أخذ هذا المعنى، عمى نصر وعكسه، وقال:

كنت أستعمل البياض من الأمشاط

عجبا بلمتى وشبابي

فاتخذت السواد فى حالة الشيب

سلوا عن الصبا بالتصابي

وقال لى الأمير أسامة: كان عمى نصر قد أخرج حجة عن والدته، فرآها فى النوم كأنها تنشده، فأتيته والأبيات على حفظه، وهي:

جزيت من ولد بر بصالحة

فقد كسبت ثوابا آخر الزمن

وقد حجبت إلى البيت الحرام وقد

أتيته زائرا يا خير محتضن

فلا تنلك يد الأيام ما طلعت

شمس وما صدحت ورقاء فى فنن

وكان نصر هذا، صاحب قلعة شيزر بعد والده سديد الملك، وكان كريما ذا أريحية حدثنى الأمير مرهف بن أسامة بحضرة والده، قال: كتب القاضى أبو مسلم وادع المعرى، إلى الأمير نصر فى نكبة نالته:

يانصر يا ابن الأكرمين ومن

شفع التلاد بطارف الفخر

هذا كتاب من أخى ثقة

يشكو إليك نوائب الدهر

فأمنن بما عودت من حسن

هذا أوان النفع والضر

فكتب إليه نصر إنه لم يحضرنى سوى ما هو عندك مودع، وهو ستة آلاف دينار، فاصرفها فى بعض مصالحك واعذر وذكر أن نصرا كان برا بوالده سديد الملك، فقال فيه سديد الملك:

جزى الله نصرا خير ما جزيت به

رجال قضوا فرض العلاء ونفلوا

هو الولد البر العطوف وإن رمى

به حادث فهو الحمام المعجل

يفديك يا نصر رجال محلهم

من المجد والإحسان أن يتقولوا

سألنى بما أوليت بالموقف الذى

تقر به الأقدام أو تتزلزل

وألقاك يوم الحشر أبيض ناصعا

وأشكر عند الله ما كنت تفعل

وتوفى نصر بن على، فى جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، بشيزر ومنهم الأمير عضد الدين أبو الفوارس مرهف بن أسامة، بن مرشد، بن على، ابن مقلد، بن نصر، بن منقذ قال مؤلف الكتاب: فارقته فى جمادى الأولى، سنة اثنتى عشرة وستمائة، بالقاهرة يحيا، ولقيته بها وهو شيخ ظريف، واسع الخلق، شائع الكرم، جماعة للكتب، وحضرت داره، واشترى منى كتبا، وحدثنى أن عنده من الكتب ما لايعلم مقداره، إلا أنه ذكر لى، أنه باع منها أربعة آلاف مجلد فى نكبة لحقته، فلم يؤثر فيها، وسألته عن مولده، فقال: ولدت سنة عشرين وخمسمائة، فيكون عمرع إلى وقتنا هذا، اثنتين وتسعين سنة، وكان قد أقعد لا يقدر على الحركة، إلا أنه صحيح العقل والذهن، والفطنة والبصر، يقرأ الخط الدقيق كقراءة الشبان، إلا أن سمعه فيه ثقل، وكان ذلك يمنعنى من مكاثرته ومذاكرته وكان السلطان صلاح الدين رحمه الله قد أقطعه ضياعا بمصر، فهو يصرفها فى مصالحه، واجراه الملك العادل، أخو صلاح الدين على ذلك، وكان الملك الكامل بن العادل يحترمه، ويعرف له حقه، وأنشدنى شيئا من شعره وشعر أهله، لم يحضرنى فى هذا الوقت ما أورده:وذكر له العماد فى كتاب الخريدة، ما ذكر أنه سمعه منه وهو:

سمحت بروحى فى رضاك ولم يكن

ليعجزنى لولا رضاك المذاهب

وهانت لجراك العظائم كلها

على وقد جلت لدى النوائب

فكان ثوابي عن ولائي لحبكم

رمتني به منك الظنون الكواذب

فمهلا فلي في الأرض عن منزل العلا

مسار إذا أخرجتنى ومسارب

وإن كنت ترجو طاعتي بإهانتي

وقسري فإن الرأي عنك لعازب

وأنشدني أيضاً لنفسه، قال وهو حاضر عند والده، وذكر أنه مما كتبه إلى والده:

رحلتم وقلبى بالولاء مشرق

لديكم وجسمي للعناء مغرب

فهذا سعيد بالدنو منعم

وهذا شقي بالبعاد معذب

وما أدعي شوقا فسحب مدامعي

تترجم عن شوقي إليكم وتعرب

ووالله ما اخترت التأخر عنكم

ولكن قضاء الله ما منه مهرب

ومات الأمير عضد الدين بن مرهف، في الثانى من صفر، سنة ثلاث عشرة وستمائة. ^

الجزء السادس

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي