معجم الأدباء/إبراهيم بن إسحاق الحربي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

إبراهيم بن إسحاق الحربي

إبراهيم بن إسحاق الحربي نقلت من كتاب أبي بكر الخطيب قال: إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبد الله بن ديسم، أبو إسحاق الحربي، ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، ومات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين في ذي الحجة، ودفن في بيته في شارع باب الأنبار، وكان الجمع كثيراً جداً. وكان قد سمع أبا نعيم الفضل بن دكين، وعفان ابن مسلم، وعبيد الله بن محمد بن عائشة، وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وعبيد الله القواريري، وخلقاً من أمثالهم، روى عنه موسى بن هرون الحافظ، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر بن أبي داود والحسين المحاملي، ومحمد بن مخلد، وأبو بكر الأنباري النحوي، وأبو عمر الزاهد صاحبه، وخلق كثير غيرهم.وكان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام حافظاً للحديث، مميزاً لعلله، قيماً بالأدب، جماعاً للغة، وصنف كتباً كثيرة، منها: كتاب غريب الحديث. وأصله من مرو، وكان يقول: أمي تغلبية، وأخوالي نصارى أكثرهم.وقيل: لم سميت إبراهيم الحربي ؟ فقال: صحبت قوماً من الحربية فسموني الحربي بذلك.وحدث أحمد بن عبد الله بن خالد بن ماهان المعروف بابن أسد، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: أجمع عقلاء الأمة أنه من لم يجر مع القدر، لم يهنأ بعيشه، كان يكون قميصي أنظف قميص، وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبى مقطوع، وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما، وأدور بغداد كلها، هذا الجانب، وذاك الجانب، لا أحدث نفسي أني أصلحهما، وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي قط حمى وجدتها.الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه، ولا يغم عياله. كان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة، ما أخبرت بها أحداً قط، ولي عشر سنين أبصر بفرد عين، ما أخبرت به أحداً، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي أكلته، وإلا بقيت جائعاً عطشان إلى الليلة الأخرى، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كان برنياً، أو نيفاً وعشرين إن كان دقلاً، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهراً، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف، ودخلت الحمام واشتريت لهم صابوناً بدانقين، فقام بقية شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف، ولا تزوجت ولا زوجت قط، ولا أكلت من شيء واحد في يوم مرتين. وحدث أحمد بن سليمان القطيعي قال: أضقت إضاقة شديدة، فمضيت إلى إبراهيم الحربي لأبثه ما أنا فيه، فقال لي: لا يضق صدرك، فإن الله من وراء المعونة، وإني أضقت مرة حتى انتهى أمري في الإضاقة إلى عدم عيالي القوت، فقالت لي الزوجة: هب أني وإياك نصبر، فكيف تصنع بهاتين الصبيتين ؟ فهات شيئاً من كتبك نبيعه أو نرهنه، فضنت بذلك وقلت: اقترضي لهما شيئاً، وأنظريني بقية اليوم والليلة، وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي فكنت أجلس فيه للنسخ والنظر، فلما كان في تلك الليلة، إذا داق يدق الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: رجل من الجيران، فقلت ادخل فقال أطف السراج حتى أدخل، فكببت على السراج شيئاً وقلت ادخل فدخل وترك إلى جابي شيئاً وانصرف فكشفت عن السراج، فنظرت فإذا منديل له قيمة، وفيه أنواع من الطعام، وكاغد فيه خمسمائة درهم، فدعوت الزوجة وقلت: نبهي الصبيا حتى يأكلوا، ولما كان من الغد قضينا ديناً كان عليا من تلك الدراهم. وكان مجيء الحاج من خراسان، فجلست على بابي من غد تلك الليلة، وإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقاً، وهو يسأل عن منزل إبراهيم الحربي، فانتهى إلي فقلت: أنا إبراهيم الحربي، فحط الحملين وقال: هذان الحملان أنفدهما لك رجل من أهل خراسان، فقلت من هو ؟ فقال قد استحلفني ألا أقول لك من هو ؟. وحدث أبو عثمان الرازي قال: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد يسأله عن أمير المؤمنين أن يفرق ذلك، فرده وانصرف الرسول، ثم عاد فقال: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك، فقال له: عافاك الله، هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين: إن تركتنا، وإلا تحولنا من جوارك. وحدث أبو القاسم الجيلي قال: اعتل إبراهيم بن إسحاق الحربي علة حتى أشرف على الموت، فدخلت عليه يوماً فقال: يا أبا القاسم، أنا في أمر عظيم مع ابنتي، ثم قال لها قومي واخرجي إلى عمك، فخرجت وألقت على وجهها خمارها، فقال إبراهيم: هذا عمك كلميه، فقالت لي يا عم: نحن في أمر عظيم، لا في الدنيا ولا في الآخرة، الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسر يابسة وملح، وربما عدمنا الملح، وبالأمس قد وجه إلينا المعتضد مع بدر بألف دينار فلم يأخذها، ووجه إليه فلان وفلان، فلم يأخذ منها شيئاً وهو عليل، فالتفت الحربي إليها وتبسم وقال: يا بنية، خفت الفقر ؟ فقالت نعم، فقال لها: انظري إلى تلك الراوية، فنظرت فإذا كتب، فقال لها: هناك اثنا عشر ألف جزء، لغة وغريب، كتبته بخطي، إذا مت فوجهي في كل يوم بجزء تبيعينه بدرهم، فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم فليس هو فقيراً. وحدث أبو عمر الزاهد وابن المنادى: سمعت ثعلباً يقول: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة أو نحو خمسين سنة. وحدث أبو بكر الشافعي قال: قال إبراهيم الحربي: ما أخذت على علم قط أجراً إلا مرة واحدة، فإني وقفت على بقال فوزنت له قيراطاً إلا فلساً، فسألني عن مسألة فأجبته، فقال للغلام: أعط بقيراط ولا تنقصه شيئاً فزادني فلساً.وحدث إبراهيم الحربي، وقد سألوه عن حديث عباس البقال فقال: خرجت إلى الكبش ووزنت لعباس البقال دانقاً إلا فلساً فقال لي يا أبا إسحاق: حدثني حديثاً في السخاء، فلعل الله يشرح صدري فأعمل شيئاً، قال قلت له نعم: روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة، فرأى أسود بيده رغيف يأكل لقمة، ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته ؟ فلم تغابنه فيه بشيء، فقال: استحت عيناي من عينيه أن أغابنه، فقال له الحسن: أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك، فمر فاشترى الغلام والحائط، وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام، قد اشتريتك، فقام قائماً، فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط، وأنت حر لوجه الله تعالى، والحائط هبة مني إليك، فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له: قال إبراهيم: فقال عباس البقال: حسن والله يا أبا إسحاق.يا غلام: لأبي إسحاق دانق إلا فلساً، أعطه بدانق ما يريد ولا تقصه شيئاً فقلت: والله لا أخذت إلا بدانق إلا فلساً. وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان أبي يقول لي: امض إلى إبراهيم الحربي يلق عليك الفرائض، قال: ولما مات سعد بن أحمد بن حنبل، جاء إبراهيم الحربي إلى عبد الله، فقام إليه عبد الله، فقال: تقوم إلي ؟ فقال: لم لا أقوم إليك ؟ والله لو رآك أبي لقام إليك، قال والله لو رأى ابن عيينة أباك لقام إليه، وقال إبراهيم الحربي: إن في كتاب غريب الحديث الذي صنفه أبو عبيد ثلاثة وخمسين حديثاً ليس لها أصل، وقد أعلمت علتها في كتاب الشروي، منها: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها مناجذ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس السراويلات المخرفجة، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم أهل قاهة، وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أمرت بهذا البيت فسفروا، عن النبي أنه قال للنساء: إذا جعتن خجلتن، وإذا شبعتن دقعتن.وحدث أبو العباس بن مسروق قال: قال لي إبراهيم الحربي: لا تحدث فتسخن عينك، كما سخنت عيني، قلت له فما أعمل ؟ قال تطأطيء رأسك وتسكت، قلت له فأنت لم تحدث ؟ قال: ليس وجهي من خشب.وحدث محمد بن عبد الله الكاتب قال: كنت يوماً عند المبرد فأنشدنا:

جسمي معي غير أن الروح عندكم

فالجسم في غربة والروح في وطن

فليعجب الناس مني أن لي بدناً

لا روح فيه ولي روح بلا بدن

ثم قال: ما أظن أن الشعراء قالوا أحسن من هذا.قلت: ولا قول الأخرق ؟ قال هيه قلت الذي يقول:

فارقتكم وحييت بعدكم

ما هكذا كان الذي يجب

فالآن ألقى الناس معتذراً

من أن أعيش وأنتم غيب

قال ولا هذا: قلت ولا قول خالد الكاتب ؟

روحان لي روح تضمنها

بلد وأخرى حازها بلد

وأظن غائبتي كشاهدتي

بمكانها تجد الذي أجد

قال ولا هذا.قلت: أنت إذا هويت شيئاً ملت إليه ولم تعدل إلى غيره، قال: لا ولكنه الحق، فأنيت ثعلباً فأخبرته فقال ثعلب: ألا أنشدته:

غابوا فصار الجسم من بعدهم

ما تنظر العين له فيا

بأي وجه أتلقاهم

إذا رأوني بعدهم حياً ؟

يا خجلتي منهم ومن قولهم

ما ضرك الفقد لنا شيا

قال: وأتيت إبراهيم الحربي فأخبرته فقال: ألا أنشدته:

يا حيائي ممن أحب إذا ما

قلت بعد الفراق إني حييت

لو صدقت الهوى حبيباً على الصح

ة لما نأى لكنت أموت

قال: فرجعت إلى المبرد فقال: أستغفر الله إلا هذي البيتين، يعني بيتي إبراهيم. قال: وأنشد رجل إبراهيم قول الشاعر:

أنكرت ذلي فأي شيء

أحسن من ذلة المحب

أليس شوقي وفيض دمعي

وضعف جسمي شهود حبي ؟

فقال إبراهيم: هؤلاء شهود ثقات.قال: وأنشد بعضهم لإبراهيم الحربي:

إثنان إذا عدا

فخير لهما الموت

فقير ما له زهد

وأعمى ما له صوت

وروى عن إبراهيم الحربي أنه قال: ما أنشدت شيئاً من الشعر قط إلا قرأت بعده 'قل هو الله أحد، ثلاث مرات'. وحدث الطوماري قال: دخلت على إبراهيم الحربي وهو مريض، وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب، وكان يجيء إليه ويعالجه، وردت الجارية الماء وقالت: مات الطبيب، فقال:

إذا مات المعالج من سقام

فيوشك للمعالج أن يموتا

ودخل عليه قوم يعودونه فقالوا: كيف نجدك يا أبا إسحاق ؟ قال أجدني كما قال:

دب في السقام سفلاً وعلواً

وأراني أذوب عضواً فعضوا

بليت جدتي بطاعة نفسي

وتذكرت طاعة الله نضوا

قال أبو الحسن الدار قطني: إبراهيم الحربي ثقة، وكان إماماً يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه، وهو إمام مصنف عالم بكل شيء، بارع في كل علم صدوق، وذكر وفاته كما تقدم، هذا آخر ما نقلته من تاريخ الخطيب.نقلت من خط الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن وهبان صديقنا ومفيدنا، قال: نقلت من خط أبي بكر محمد بن منصور السمعاني، سمعت أبا المعالي ثابت بن بندار البقال يقول: حكى لنا البرقاني 'رحمه الله' قال: كان إسماعيل بن إسحاق القاضي يشتهي رؤية إبراهيم الحربي، وكان إبراهيم لا يدخل عليه، يقول: لا أدخل داراً عليها بواب، فأخبر إسماعيل بذلك، فقال: أنا أدع بابي كباب الجامع فجاء إبراهيم إليه، فلما دخل عليه خلع نعليه، فأخذ أبو عمر محمد بن يوسف القاضي نعليه ولفهما في منديل دبيقي وجعله في كمه وجرى بينهما علم كثير، فلما قام إبراهيم التمس نعليه فأخرج أبو عمر النعل من كمه، فقال له إبراهيم: غفر الله لك كما أكرمت العلم، فلما مات أبو عمر القاضي رئي في المنام، فقيل له ما فعل الله بك ؟ فقال أجيبت في دعوة إبراهيم الحربي، رحمه الله. وحدثني صديقا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن النجار حرسه الله قال: حدثني أبو بكر أحمد ابن سعيد بن أحمد الصباغ الأصبهاني بها قال:حدثنا أحمد بن عمر بن الفضل الحافظ الأصبهاني، ويعرف بجنك إملاء، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري، يعني أبا علي الحداد قال: أظنه عن أبي نعيم، أنه كان يحضر في مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبان للقراءة عليه، ففقد أحدهم أياماً، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، فسكت، ثم سألهم مرة أخرى في يوم آخر، فأجابوه بمثل ذلك، وكان الشاب قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن حضور مجلسه، وعظموا إبراهيم الحربي أن يخبروه بجلية الحال، فلما تكرر السؤال عنه، وهم لا يزيدونه على أنه مشغول، قال لهم: يا قوم، إن كان مريضاً فقوموا بنا لعيادته، أو مديوناً اجتهدنا في مساعدته، أو محبوساً سعينا في خلاصه، فخبروني عن جلية حاله، فقالوا: نجلك عن ذلك، فقال لابد أن تخبروني، فقالوا إنه قد ابتلي بعشق صبي، فوجم إبراهيم ساعة ثم قال: هذا الصبي الذي ابتلي بعشقه مليح أو قبيح ؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ، مثلك يسأل عن مثل هذا ؟ فقال: إنه بلغني أن الإنسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله، وإن كان مليحاً كان ابتلاء يجب الصبر عليه، واحتمال المشقة فيه، قال فعجبنا مما أتى به، قلت: هذه الحكاية مع الإسناد، حدثنيه مفاوضة بحلب، ولم يكن أصله معه فكتبته بالمعنى، واللفظ يزيد وينقص.ومن مصنفات إبراهيم الحربي.كتاب سجود القرآن، كتاب مناسك الحج، كتاب الهدايا والسنة فيها، كتاب الحمام وآدابه.والذي خرج من تفسيره لغريب الحديث، مسند أبي بكر رضي الله عنه، مسند عمر رضي الله عنه، مسند عثمان رضي الله عنه، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مسند الزبير رضي الله عنه مسند طلحة رضي الله عنه مسند سعد ابن أبي وقاص، مسند عبد الرحمن بن عوف، مسند العباس رضي الله عنه مسند شيبة بن عثمان رضي الله عنه مسند عبد الله بن جعفر مسند المسور بن مخرمة رضي الله عنه، مسند المطلب ابن ربيعة، مسند السائب، مسند خالد ابن الوليد، مسند أبي عبيدة بن الجراح، مسند ما روى عن معاوية، مسند ما روي عن عاصم بن عمر، مسند صفوان بن أمية، مسند جبلة بن هبيرة، مسند عمرو ابن العاص، مسند عمران بن الحصين، مسند حكيم بن حزام، مسند عبد الله بن زمعة، مسند عبد الرحمن بن سمرة، مسند عبد الله بن عمرو، مسند عبد الله بن عمر.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي