معجم الأدباء/الحسين بن أحمد بن محمد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الحسين بن أحمد بن محمد

الحسين بن أحمد بن محمد ابن جعفر بن محمدٍ المعروف بابن الحجاج الكاتب الشاعر أبو عبد الله شاعر مفلق قالوا إنه في درجة امرئ القيس، لم يكن بينهما مثلهما وإن كان جل شعره مجون وسخف، وقد أجمع أهل الأدب على أنه مخترع طريقته في الخلاعة والمجون لم يسبقه إليها أحد، ولم يلحق شأوه فيها لاحق، قدير على ما يريده من المعاني الغاية في المجون مع عذوبة الألفاظ وسلاستها، وله مع ذلك في الجد أشياء حسنة لكنها قليلة، ويدخل شعره في عشر مجلداتٍ أكثره هزل مشوب بألفاظ المكدين والخلديين والشطار ولكنه يسمعه أهل الأدب على علاته، ويتفكهون بثمراته، ويستملحون بنات صدره المتهتكات، ولا يستنقلون حركاتهن لخفتها وإن بلغت في الخفة غاية الغايات. وإني لأقول كما قال أبو منصورٍ: لولا قول إبراهيم بن المهدي: إن جد الأدب جد وهزله هزل، لصنت كتابي هذا عن مثل هذا المجون.وحديثٍ كله ذو شجونٍ. ولقد مدح الملوك والمراء والوزراء والرؤساء، فلم يخل شعره فيهم من هيبة المقام من هزلٍ وخلاعةٍ.فلم يعدوه مع ذلك من الشناعة، وكان عندهم مقبولاً مسموعاً غالي المهر والسعر، وكان يتحكم على الأكابر والرؤساء بخلاعته، ولا يحجب عن المراء والوزراء مع سخافته، يستقبلونه بالبشاشة والإكرام، ويقابلون إساءته بالإحسان والإنعام، وناهيك برجلٍ يصف نفسه بمثل قوله:

رجل يدعي النبوة في السخ

ف ومن ذا يشك في الأنباء

جاء بالمعجزات يدعو إليها

فأجيبوا يا معشر السخفاء

حدث السن لم يزل يتلقى

علمه بالمشايخ الكبراء

خاطر يصفع الفرزدق في الشع

ر ونحو ينيك أم الكسائي

غير أني أصبحت أضيع في القو

م من البدر في ليالي الشتاء

وقوله في وصف شعره:

بالله يا أحمد بن عمروٍ

تعرف للناس مثل شعري ؟

شعر يفيض الكنيف منه

من جانبي خاطري وفطري

فلفظه منتن المعاني

كأنه فلتة بجحر

لو جد شعري رأيت فيه

كواكب الليل كيف نتسري

وإنما هزله مجون

يمشي به في المعاش أمري

وقال:

فإن شعري ظريف

من بابة الظرفاء

ألذ معنىً وأشهى

من أسماع الغناء

وقال:

إن عاب ثعلب شعري

أو عاب خفة روحي

خرئت في باب أفعل

ت من كتاب الفصيح

وقال في الأمير عز الدولة بختيار:

فديت وجه الأمير من قمرٍ

يجلو القذى نوره عن البصر

فديت من وجهه يشككني

في أنه من سلالة البشر

إن زليخا لو أبصرتك لما

ملت إلى الحشر لذة النظر

ولم تقس يوسفاً إليك كما

نجم السهى لا يقاس بالقمر

وكان يا سيدي قميصك إن

هربت منها ينقد من دبر

بل وحياتي لوكنت يوسفها

لم تك من تهمة العزيز بري

لأنني عالم بأنك لو

شممت ريا نسيمها العطر

سنقتها وانزلقت تتبعها

ما بين تلك البيوت و الحجر

وقد علمنا بأن سيدناال

أمير ممن يقول بالبظر

ولم تكن تلك تشتكي أبداً

ما كان من يوسفٍ من الحذر

طبعك كالماء في سهولته

لكن أبو الزبرقان من حجر

إن الملوك الشباب ما خلقوا

إلا صلاب الفياش والكمر

وقال يشكو سوء وابعث بها إلى ابن العميد:

فداؤك نفس عبدٍ أنت مولىً

له يرجوك يا خير الموالي

حديثي منذ عهدك بي طويل

فهل لك في الأحاديث الطوال ؟

فإني بين قومٍ ليس فيهم

فتىً ينهي إلى الملك اختلالي

فلحمي ليس تطبخه قدوري

وحوتي ليس تقليه المقالي

وماءئ قد خلت منه جبابي

وخبزي قد خلت منه سلالي

وكيسي الفارغ المطروح خلفي

بعيد العهد بالقطع الحلال

أفكر في مقامي وهو صعب

وأصعب منه عن وطني ارتحالي

فبي مرضان مختلفان حالي ال

عليلة منهما تمسي بحال

إذا عالجت هذا جف كبدي

وإن عالجت ذلك ربا طحالي

وقال في مثل ذلك أيضاً:

يا سيد عشت في نعمٍ

تأوي إليها موابذ العجم

بديهتي في الخصام حاضرة

أشهر في الخافقين من علم

والخط خطي كما تراه ولا ال

زهرة بين القرطاس والقلم

هذا وخبزي حافٍ بلا مرقٍ

فكيف لو ذقت لذة الدسم ؟

مالي وللحم إن شهوته

قد تركتني لحماً على وضم

وما لحلقي والخبز يجرحه

بالملح يشكو مرارة اللقم

وقال في مثل ذلك:

خليلي قد اتسعت محنتي

علي وضاقت بها حيلتي

عذرت عذاري في شيبه

وما لمت إذ شمطت لمتي

إلى كم يخاسسني دائماً

زماني المقبح في عشرتي

تحيفني ظالماً غاشماً

وكدر بعد الصفا عيشتي

وكنت تماسكت فيما مضى

فقد خانني الدهر في مسكتي

إلى منزلٍ لا يوارى إذا

تربعت فيه سوى سوءتي

مقيماً أروح إلى حجرةٍ

كقبري وما حضرت ميتتي

إذا ما لم ألم صديقي به

على رغبةٍ منه في زورتي

فرشت لع فيه بسط الحدي

ث من باب بيتي إلى صفتي

ومعدته في خلال الكلا

م تشكو خواها إلى معدتي

وقد فت في عضدي ما به

ولكن به غلبت علتي

وأغدو غدواً خليقاً بأن

يزيد به الله في شقوتي

فأية دارٍ تيممتها

تيمم بوابها حجتي

وإن أنا زاحمت حتى أموت

دخلت وقد زهقت مهجتي

فيرفعني الناس عند الوصول

إليهم وقد سقطت عمتي

وإن نهضوا بعد للإنصرا

ف أسرعت في إثرهم نهضتي

وإن قدموا خيلهم للركوب

خرجت فقدمت لي ركبتي

وفي جمل الناس غلمانهم

وليس سوائي في جملتي

ولا لي غلام فأدعو به

سوى من أبوه أخو عمتي

وكنت مليحاً أروق العيو

ن قبلاً فقد قبحت خلقتي

وقوسني الهم حتوى انطويت

فصرت كأني أبو جدتي

وكان المزين فيما مضى

تكسر أمشاطه طرتي

وكنت برأسٍ كلون الغداف

فقد صرت أصلع من فيشتي

ويا رب بيضاء رود الشبا

ب كانت تحن إلى وصلتي

فصارت تصد إذا أبصرت

مشيبي وتغضبت من صلعتي

على أنني قلت يوماً لها

وقد أمضت العزم في هجرتي

دعي عنك ما فوقه عمتي

فإن جمالي ورا تكتي

هناك سيء يسر العيو

ن طويل عريض على دقتي

وقال:

ويحكم يا كهول أو يا شيوخ ال

فسق أو يا معشر الفتيان

إشربوها حمراء مما اقتناها

آل دير العاقول للقربان

بكؤوسٍ كأنها ورق النس

رين فيها شقائق النعمان

إشربوها وكل إثمٍ عليكم

إن شربتم بالرطل في ميزاني

في ليالٍ لو أنها دفعتني

وسط ظهري وقعت في رمضان

وقال يستهدي أبا تغلب بن حمدان فرساً:

اسمع المدح الذي لو قيل في

أحدٍ غيرك قالوا سرقا

جاء يهديك مهراً أدهماً

يركب الفارس منه غسقا

كالدجى تبصر من غرته

فوق أطباق دجاه فلقا

جل أن يلحق مطلوباً ومن

طلب الريح عليه لحقا

فتراه واقفاً في سرجه

يتلظى من ذكاه قلقا

فإذا طاب به المشي مضى

وهو كالريح يشق الطرقا

كالسحاب الجون إلا أنه

ليس يسفي الأرض إلا عرقا

جمع الأمرين يعدو المرطي

في مدى السبق ويمشي العنقا

واستدعاه الوزير للخروج معه إلى القتال فقال من قصيدةٍ:

يا سائلي عن بكاي حين أرى

دموع عيني تسابق المطرا

ساعة قيل الوزير منحدر

أسرع دمعي وفاض منحدرا

وقلت يا نفس تصبرين وهل

يعيش بعد الفراق من صبرا ؟

شاورته والهوى يفتته

والرأي رأي الصواب قد حضرا

أهوى انحداري والحزم يكرهه

وتارك الحزم يركب الغررا

لأنني عاقل ويعجبني

لزوم بيتي وأكره السفرا

الخيش نصف النهار يعجبني

والماء بالثلج بارداً خصرا

والشرب في روشني أقول به

كيما أرى منه والقمرا

ولا أقود الخيل العتاق بلى

أسوق بين الأزقة البقرا

من كل جاموسةٍ لعنبلها

رأس بقرنيه يفلق الحجرا

قد نفخ الشحم جوفها فغدا

كأنه بطن ناقةٍ عشرا

تركض مثل الحصان نافرةً

ومن يرد الحصان إن نفرا ؟

أحسن في الحرب من صفوفكم

غداً قعودي أصفف الطررا

هيهات أن أحضر القتال وأن

ترى بعينيك فيه لي أثرا

بل الذي لا يزال يعجبني ال

دبيب بالليل خاءفاً حذرا

الدف عند الصباح دبدبتي

وبوقي الناي كلما زمرا

هذا اعتقادي وهكذا أبداً

أرى لنفسي وأنت كيف ترى ؟

ومن مقطعاته:

ملك لو لم يكن من ملكه

غير دارٍ وشحت بالنعم

لو رمى شداد فيها طرفه

زهدته بعدها في إرم

وقال:

صنعت في دارك فوارةً

أغرقتفي الأرض بها الأنجما

فاض على نجم السهى ماؤها

فأصبحت أرضك تسقي السما

وقال:

واستوفعمر الدهر في نعمةٍ

دون مداها موقف الحشر

مصيبة الحاسد في مكثها

مصيبة الخنساء في صخر

وقال:

هذا حديثي تنمي عجائبه

بكثرة القال فيه والقيل

أعجزني دفنه فشاع كما

أعجز قابيل دفن هابيل

وقال:

قد رفع الصلح على غلتي

واقتسموها كارةً كارةً

لا يفلس البقال إلا إذا

تصالح السنور والفارة

وقال:

عجبت من الزمان وأي شيءٍ

عجيبٍ لا أراه من الزمان

يصادر قوت جرذانٍ عجافٍ

فيجعله لأوعالٍ سمان

وقال:

يا رائحاً في داره غادياً

بغير معنىً وبلا فائده

قد جن أضيافك من جوعهم

فاقرأ عليهم سورة المائده

وقال:

فديت من لقبني مثل ما

لقبته والحق لا يغضب

إن قلت يا عرقوب خادعتني

يقول لم نفسك يا أشعب

وقال:

قد قلت لما غدا مدحي فما شكروا

وراح ذمي فما بالوا ولا شعروا

علي نحت القوافي من معادنها

وما علي إذ لم تفهم البقر

وقال:

الصبح مثل البصير نوراً

والليل في صورة الضرير

فليت شعري بأي رأيٍ

يختارأعمى على بصير ؟

وقال:

إن بني برمك لو شاهدوا

فعلك بالغائب والشاهد

ما اعترف الفضل بيحيى أباً

ولا انتمى يحيى إلى خالد

وقال:

مولاي يا من كل شيءٍ سوى

نظيره في الحسن موجود

إن كنت أذنبت بجهلي فقد

أذنب واستغفر داود

ولطائف ابن الحجاج كثيرة، وفيما أوردناه منها كفاية.توفي يوم سابع عشر جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وثلاثمائةٍ، ودفن في بغداد عند مشهد موسى الكاظم بن جعفرٍ الصادق - رضي الله عنهما - وكان أوصى أن يدفن عند رجليه ويكتب على قبره: 'وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد'.وكان من كبار شعراء الشيعة وقد رآه بعض أصحابه في المنام بعد موته فقال له: ما حالك فأنشد:

أفسد سوء مذهبي

في الشعر حسن مذهبي

لم يرض مولاي على

سبي لأصحاب النبي

ورثاه الشريف الرضي الموسوي بقصيدةٍ ارتجلها حين أتاه نعيه فقال:

نعوه على ضن قلبي به

فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع صفاء له شعبة

من القلب مثل رصيع اللبان

بكيتك للشرد السائرا

ت تعبث ألفاظها بالمعاني

مواسم ينهل منها الحيا

بأشهر من مطلع الزبرقان

جوائف تبقى أخاديدها

عماقاً وتعفو ندوب الطعان

تبض إلى اليوم آثارها

بأحمر من عائد الطعن قاني

قعاقعهن تشن الحتوف

إذا هن أوعدن لا بالشنان

وما كنت أحسب أن المنون

تفل مضارب ذاك اللسان

لسان هو الأزرق القعضبي

تمضمض في ريقه الأفعواني

له شفتا مبرد الهالكي

أنحى بجانبه غير واني

إذا لز بالعرض مبراته

تصدع صدع الرداء اليماني

يرى الموت أن قد طوى مضغةً

ولم يطو إلا غرار السنان

فأين تسرعه للنضال

وهباته للطزال اللدان

يشل الجوائح شل السياط

ويلوي الجوانح لي العنان

فإن شاء كان حران الجماح

وإن شاء كان جماح الحران

يهاب الشجاع غذاميره

على البعد منه مهاب الجبان

وتعنو الملوك له خيفةً

إذا راع قبل اللظى بالدخان

وكم صاحب كمناط الفؤاد

عناني من يومه ما عناني

قد انتزعت يدي من المنون

ولم يغن ضمي عليه بناني

فزال زيال الشباب الرطيب

وخانك يوم لقاء الغواني

ليبك الزمان طويلاً عليك

فقد كنت خفة روح الزمان

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي