معجم الأدباء/الحسين بن الضحاك

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الحسين بن الضحاك

الحسين بن الضحاك ابن ياسرٍ البصري المعروف بالخليع أبو عليٍ، أصله من خراسان، وهو مولىً لولد سلمان بن ربيعة الباهلي الصحابي، فهو مولىً لا باهلي النسب كما زعم ابن الجراح، بصري المولد والمنشأ، وهو شاعر ماجن، ولذلك لقب بالخليع، وعداده في الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين، ولد سنة اثنتين وستين ومائةٍ، وتوفي في بغداد سنة خمسين ومائتين، وقد ناهز المائة، وكان شاعراً مطبوعاً حسن التصرف في الشعر، وكان أبو نواسٍ يغير على معانيه في الخمر، فإذا قال شيئاً فيها نسبه الناس إلى أبو نواسٍ، وله غزل كثير أجاد فيه، وهو أحد الشعراء المطبوعين الذين أغناهم عفو فرائحهم عن التكلف، وقد اتصل الحسين بن الضحاك بالخلفاء من بني العباس ونادمهم، وأول من جالس منهم: محمد الأمين بن هارون الرشيد، وكان اتصاله به سنة ثمانٍ وتسعين ومائةٍ، وهي السنة التي قتل فيها الأمين، وتنقل بعده في مجالس الخلفاء ونادمهم إلى الحين الذي مات فيه في زمن المستغين، وقيل في زمن المنتصر. حدث الصولي عن عبد الله بن محمدٍ الفارسي عن ثمامة بن أشرس قال: لما قدم المأمون من خراسان وصار إلى بغداد، وأمر بأن يسمى له قوم من أهل الأدب ليجالسوه ويسامروه، فذكر له جماعة فيهم الحسين بن الضحاك، فقرأ أسماءهم حتى بلغ إلى اسم الحسين فقال: أليس هو الذي يقول في الأمين يعني أخاه:

هلا بقيت لسد فاقتنا

أبداً وكان لغيرك التلف

فلقد خلفت خلائفاً سلفوا

ولسوف يعوز بعدك الخلف

لا حاجة لي فيه، والله لا يراني أبداً إلا في الطريق، ولم يعاقب الحسين على ما كان من هجائه له وتعريضه به.قال: وانحدر إلى البصرة فاقام بها طول أيام المأمون، واستقدمه المعتصم من البصرة حين ولي الخلافة بعد موت المأمون، فلما دخل عليه استأذن في الإنشاد فأذن له، فأنشده يمدحه:

هلا سألت تلدد المشتاق

ومننت قبل فراقه بتلاق

إن الرقيب ليستريب تنفس الص

صعدا إليك وظاهر الإقلاق

ولئن أربت لقد نظرت بمقلةٍ

عبري عليك سخينة الآماق

نفسي الفداء لخائفٍ مترقفبٍ

جعل الوداع إشارة بعناق

إذ لا جواب لمفحمٍ متحيرٍ

إلا الدموع تصان بالإطراق

ومنها:

خير الوفود مبشر بخلافةٍ

خصت ببهجتها أبا إسحاق

وافته في الشهر الحرام سليمةً

من كل مشكلةٍ وكل شقاق

أعطته صفقتها الضمائر طاعةً

قبل الأكف بأوكد الميثاق

سكن الأنام إلى إمامٍ سلامةٍ

عف الضمير مهذب الأخلاق

فحمي رعيته ودافع دونها

وأجار مملقها من الإملاق

قل للألى صرفوا الوجوه عن الهدى

متعسفين تعسف المراق

إني أحذركم بوادر ضيغمٍ

دربٍ بخطم موائل الأعناق

متأهبٍ لا يستفز جنانه

زجل الرعود ولامع الإبراق

لم يبق من متعزمين توثبوا

بالشام غير جماجمٍ أفلاق

من بين منجدلٍ تمج عروقه

علق الأخادع أو أسير وثاق

وثنى الخيول إلى معاقل قيصرٍ

تختال بين أجرةٍ ودفاق

يحملن كل مشمرٍ متغشمٍ

ليثٍ هزبرٍ أهرت الأشداق

حتى إذا أم الحصون منازلاً

والموت بين ترائبٍ وتراق

هرت بطارقها هرير ثعالب

بدهت بزأر قساورٍ طراق

ثم استكانت للحصار ملوكهم

ذلاً ونيط حلوقهم بخناق

هربت وأسلمت البلاد عشيةً

لم تبق غير حشاشة الأرماق

فلما أتمها قال له المعتصم، ادن مني، فدنا منه فملأفمه جوهراً من جوهرٍ كان بين يديه، ثم أمره بأن يخرجه من فيه، فأخرجه فأمر بأن ينظم ويدفع إليه ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلما موقعه منه ويعرفوا له فضله.وحدث الصولي عن عون بن محمدٍ الكندي قال: لما ولي المنتصر الخلافة دخل عليه الحسين بن الضحاك فهنأه بالخلافة وأنشده:

تجددت الدنيا بملك محمدٍ

فأهلاً وسهلاً بالزمان المجدد

هي الدولة الغراء راحت وبكرت

مشمرةً بالرشد في كل مشهدٍ

لعمري لقد شدت عرى الدين بيعة

أعز بها الرحمن كل موحد

هنتك أمير المؤمنين خلافة

جمعت بها أهواء أمة أحمد

فأظهر إكرامه والسرور به وقال له: إن في بقائك بهاءً للملك، وقد ضعفت عن الحركة، فكاتبني بحاجتك ولا تحمل على نفسك بكثرة الحركة، ووصله بثلاثة آلاف دينارٍ ليقضي بها ديناً بلغه أنه عليه، وقال في المنتصر أيضاً وهو آخر شعرٍ قاله:

ألا ليت شعري أبدر بدا

نهاراً أم الملك المنتصر ؟ ؟

إمام تضمن أثوابه

على سرجه قمراً من بشر

حمى الله دولة سلطانه

بجند القضاء وجند القدر

فلا زال ما بقيت مدة

يروح بها الدهر أو يبتكر

واصطبح عند عبد الله بن العباس بن الفضل وخادم له قائم بين يديه يسقيه، فقال عبد الله: يا أبا عليٍ قد استحسنت سقي هذا الخادم، فإن حضرك شيء في هذا فقل، فقال:

أحيت صبوحي فكاهة اللاهي

وطاب يومي بقرب أشباهي

فآثر اللهو في مكامنه

من قبل يومٍ منغصٍ ناهي

بابنةٍ كرمٍ من كف منتطقٍ

مؤتزرٍ بالمجون تياه

يسقيك من طرفه ومن يده

سقي لطيفٍ مجربٍ داهي

كأساً وكأساً كأن شاربها

حيران بين الذكور والساهي

وذكر الصولي في نوادره قال: حدثني علي بن محمد بن نصرٍ قال: حدثني خالي أحمد بن حمدون قال: قال الحسين بن الضحاك من أبياتٍ وقد عمر:

أما في ثمانين وفيتها

عذير وإن أنا لم أعتذر

وقد رفع الله أقلامه

عن ابن ثمانين دون البشر

وإني لمن أسراء الإله

في الأرض نصب حروب القدر

فإن يقض لي عملاً صالحاً

أثاب وإن يقض شراً غفر

وقال:

أصبحت من أسراء الله محتسباً

في الأرض نحو قضاء الله والقدر

إن الثمانين إذ وفيت عدتها

لن تبق باقيةً مني ولم تذر

قلت: والأصل في قول الحسين بن الضحاك هذا، الحديث الذي رواه ابن قتيبة في غريب الحديث.قال: حدثنا أبو سفيان الغنوي، حدثنا معقل بن مالكٍ عن عبد الرحمن بن سليمان، عن عبيد الله بن أنسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا بلغ العبد ثمانين سنةً فإنه أسير الله في الأرض، تكتب له الحسنات وتمحى عنه السيئات ).وقال:

وصف البدر حسن وجهك حتى

خلت أني وما أراك أراكا

وإذا ما تنفس النرجس الغض

ض توهمته نسيم شذاكا

خدع للمنى تعللني في

ك بإشراق ذا وبهجة ذاكا

وقال:

لا وحبيك لا أصا

فح بالدمع مدمعا

من بكى شجوه استرا

ح وإن كان موجعا

كبدي في هواك أس

قم من أن تقطعا

لم تدع صورة الضنى

في للسقم موضعا

وقال:

ألا إنما الدنيا وصال حبيب

وأخذك من مشمولةٍ بنصيب

ولم أر في الدنيا كخلوة عاشقٍ

وبذلة معشوقٍ ونوم رقيب

وقال يمدح الوزير الحسن بن سهلٍ:

أرى الآمال غير معرجاتٍ

على أحدٍ سوى الحسن بن سهل

يباري يومه غده سماحاً

كلا اليومين بان بكل فضل

أرى حسناً تقدم مستبداً

ببعدٍ من رياسته وقبل

فإن حضرتك مشكلة بشكٍ

شفاك بحكمةٍ وخطاب فصل

سليل مرازبٍ ترعوا حلوماً

وراح صغيرهم بسداد كهل

ملوك إن جريت بهم أبروا

وعزوا أن توازيهم بعدل

ليهنك أن ما أرجيرشد

وما أمضيت من قولٍ وفعل

وأنك مؤثر للحق فيما

أراك الله في قطعٍ ووصل

وأنك للجميع حيا ربيعٍ

يصوب على قرارة كل محل

وقال يمدح الواثق لما ولي الخلافة:

أكتم وجدي فما ينكتم

بمن لو شكوت إليه رحم

وإني على حسن ظني به

لأحذر إن بحت أن يحتشم

ولي عند لحظته روعة

تحقق ما ظنه المتهم

وقد علم الناس أني له

محب وأحسبه قد علم

وإني لمغضٍ على لوعةٍ

من الشوق في كبدي تضطرم

وعشية ودعت عن مدمعٍ

سفوحٍ وزفرة قلب سدم

فما كان عند النوى مسعد

سوى الدمع يغسل طرفاً كلم

سيذكر من بان أوطانه

ويبكي المقيمين من لم يقم

ومنها في المديح:

إلى خازن الله في خلقه

سراج النهار وبدر الظلم

ركبنا غرابيب زفافةٍ

بدجلة في موجها الملتطم

إذا ما قصدنا لقاطولها

ودهم قراقيرها تصطدم

وصرنا إلى خير مسكونةٍ

تيممها راغب أو ملم

مباركةٍ شاد بنيانها

بخير المواطن خير المم

كأن بها نشر كافورةٍ

لبرد نداها وطيب النسم

كظهر الأديم إذا ما السحا

ب صاب على متنها وانسجم

مبرأةٍ من وحول الشتاء

إذا ما طمى وحله وارتكم

فما إن يزال بها راجل

يمر الهوينا ولا يلتطم

ويمشي على رسله آمناً

سليم الشراك نقي القدم

وللنون والضب في بطنها

مراتع مسكونة والنعم

ومنهم:

يضيق الفضاء به إن عدا

بطودي أعاريبه والعجم

ترى النصر يقدم راياته

إذا ما خفقن أمام العلم

وفي الله دوخ أعداءه

وجرد فهم سيوف النقم

وفي الله يكظم من غيظه

وفي الله يصفح عمن ظلم

رأى شيم الجود محمودةً

وما شيم الجود إلا قسم

فراح على نعمٍ واغتدى

كأن ليس يحسن إلا نعم

وقال:

أتاني منك ما ليس

على مكروهه صبر

فأغضيت على عمدٍ

وقد يغضي الفتى الحر

وأدبتك بالهجر

فما أدبك الهجر

ولا ردك عما كا

ن منك النصح والزجر

فلما اضطرني المكر

ه واشتد بي الأمر

تناولتك من ضري

بما ليس له قدر

فحركت جناح الذل

ل لما مسك الضر

إذا لم يصلح الخير ام

رأً أصلحه الشر

وغضب عليه المعتص لشيءٍ جرى منه على النبيذ، فكتب إليه يسترضيه:

غضب الإمام أشد من أدبه

وقد استجرت وعذت من غضبه

أصبحت معتصماً بمعتصمٍ

أثنى الإله عليه في كتبه

لا والذي لم يبق لي سباً

أرجو النجاة به سوى سببه

مالي شفيع غير حرمته

ولكل من أشفى على عطبه

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي