معجم الأدباء/الحسين بن عبد اله بن يوسف

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الحسين بن عبد اله بن يوسف

الحسين بن عبد اله بن يوسف ابن أحمد بن شبلٍ أبو عليٍ البغدادي.ولد في بغداد وبها نشأ، وبها توفي سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائةٍ.كان متميزاً بالحكمة والفلسفة، خبيراً بصناعة الطب، أديباً فاضلاً وشاعراً مجيداً، أخذ عن أبي نصرٍ يحيى بن جريرٍ التكريتي وغيره.وهو صاحب القصيدة الرائية التي نسبت للشيخ الرئيس ابن سينا وليست له، وقد دلت هذه القصيدة على علو كعبه في الحكمة والاطلاع على مكنوناتها، وقد سارت بها الركبان وتداولها الرواة، وهي:

بربك أيها الفلك المدار

أقص ذا المسير أم اضطرار ؟ ؟

مدارك قل لنا في أي شيءٍ

ففي أفهامنا منك انبهار ؟

وفيك نرى الفضاء وهل فضاء

سوى هذا الفضاء به تدار ؟

وعندك ترفع الأرواح أم هل

مع الأجساد يدركها البوار ؟

وموج ذي المجرة أم فرند

على لجج الذراع لها مدار

وفيك الشمس رافعةً شعاعاً

بأجنحةٍ قوادمها قصار

وطوق النجوم إذا تبدى

هلالك أم يد فيها سوار

وأفلاذ نجومك أم حباب

تؤلف بينه لجج غزار

وتنشر في الفضا ليلاً وتطوى

نهاراً مثلماً يطوى الإزار

فكم بصقالها صدئ البرايا

وما يصدأ لها أبداً غرار

تبادي ثم تخنس راجعاتٍ

وتكنس مثلما كنس الصوار

فبينا الشرق يقدمها صعوداً

تلقاها من الغرب انحدار

على ذا قد مضى وعليه يمضي

طوال منىً وآجال قصار

وأيام تعرفنا مداها

لها أنفاسنا أبداً شفار

ودهر ينثر الأعمار نثراً

كما للورد في الروض انتثار

ودنيا كلما وضعت جنيناً

غذته من نوائبها ظؤار

هي العشواء ما خبطت هشيم

هي العجماء ما جرحت جبار

فمن يومٍ بلا أمسٍ ويومٍ

بغير غدٍ إليه بنا يسار

ومن نفسين في أخذٍ وردٍ

لروح المرء في الجسم انتشار

وكم من بعد ما كانت نفوسٍ

إلى أجسامها طارت وطاروا

ألم تك بالجوارح آنساتٍ

فأعقب ذلك الأنس النفار

فإن يك آدم أشقى بنيه

بذنبٍ ماله منه اعتذار

ولم ينفعه بالأسماء علم

وما نفع السجود ولا الجوار

فأخرج ثم أهبط ثم أودى

فترب الساقيات له شعار

فأدركه بعلم الله فيه

من الكلمات للذنب اغتفار

ولكن بعد غفرانٍ وعفوٍ

يعير ما تلا ليلاً نهار

لقد بلغ العدو بنا مناه

وحل بآدمٍ وبنا الصغار

وتهنا ضائعين كقوم موسى

ولا عجل أضل ولا خوار

فيا لك أكلة لا زال منها

علينا نقمة وعليه عار

نعاقب في الظهور وما ولدنا

ويذبح في حشا الأم الحوار

وتنتظر البلايا والرزايا

وبعد فللوعيد لنا انتظار

ونخرج كارهين كما دخلنا

خروج الضب أخرجه الوجار

فماذا الإمتنان على وجودٍ

لغير الموجدين به الخيار

وكان وجودنا خيراً لو أنا

نخير قبله أو نستشار

أهذا الداء ليس له دواء

وهذا الكسر ليس له انجبار ؟

تحير فيه كل دقيقٍ فهمٍ

وليس لعمق جرحهم انسبار

إذا التكوير غال الشمس عنا

وغال كواكب الأفق انتثار

وبدلنا بهذي الأرض أرضاً

وطوح بالسموات انفطار

وأذهلت المراضع عن بنيها

لدهشتها وعطلت العشار

وغشي البدر من فرقٍ وذعرٍ

خسوف ليس يجلى أو سرار

وسيرت الجبال فكن كثباً

مهيلاتٍ وسجرت البحار

فأين ثبات ذي الألباب منا

وأين مع الرجوم لنا اصطبار

وأين عقول ذي الأفهام مما

يراد بنا وأين الإعتبار ؟

وأين يغيب لب كان فينا

ضياؤك من سناه مستعار ؟

ولا أرض عصته ولا سماء

ففيما يغول أنجمها انكدار

وقد وافته طائعةً وكانت

دخاناً ما لقاتره شرار

قضاها سبعةً والأرض مهداً

دحاها فهي للأموات دار

فما لسمو ما أعلى انتهاء

وما لعلو ما أرسى فرار

ولكن ذا التهويل فيه

لمن يخشى اتعاظ وازدجار

وقال:

بنا إلى الدير كوثاً صبابات

فلا تلمني فما تغني الملامات

لا تبعدن وإن طال الزمان بها

أيام لهوٍ عهدناها وليلات

فكم قضينا لبانات الشباب بها

غنماً وكم بقيت عندي لبانات

ما مكنت دولة الأيام مقبلةً

فانعم ولذ فإن العيش تارات

قبل ارتجاع الليالي فهي عارية

فإنما منح الدنيا غرامات

قم فاجل في فلك البستان شمس ضحىً

بروجها الزهر والجامات دارات

لعله إن دعا داعي الحمام بنا

نقضي وأنفسنا منها رويات

بم التعلل لولا الراح في زمنٍ

أحياؤه في سبات الهم أموات ؟

بدت تحيي فقابلنا تحيتها

وقد عراها لخوف المزج روعات

مدت أشعة برقٍ من أبارقها

على مقابلها منها شعاعات

فلاح في ساق ساقيها خلاخل من

تيرٍ وفي أوجه الندمان شارات

قد وقع الصفو سطراً من فواقعها

لا فارقت شارب الراح المسرات

خذ ما تعجل واترك ما وعدت به

وكن لبيباً فللتأخير آفات

وللسعادة أوقات مقدرة

فيها السرور وللأحزان أوقات

وقال:

أيا جبلي نعمان بالله خليا

نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها

أجد بردها أو تشف مني حرارةً

على كبدٍ لم يبق إلا صميمها

فإن الصبا ريح إذا ما تنفست

على كبدٍ حراء قلت همومها

وقال:

ليكفكم ما فيكم من جوىً نلقى

فمهلاً بنا مهلاً ورفقاً بنا رفقا

وحرمة وجدي لا سلوت هواكم

ولا رمت منه لا فكاكاً ولا عتقا

سأزجر قلباً رام في الحب سلوةً

وأهجره إن لم يمت بكم عشقا

صحبت الهوى يا صاح حتى ألفته

فأضناه لي أشفى وأفناه أي لأبقى

فلا الصبر موجود ولا الشوق بارح

ولا أدمعي تطفي لهيبي ولا ترقا

أخاف إذا ما الليل أخى سدوله

على كبدي حرقاً ومن مقلتي غرقا

أيجمل أن أجزي من الوصل بالجفا

فينعم طرفي والفؤاد بكم يشقي ؟

أحظي هذا أم كذا كل عاشقٍ

يموت ولا يحيا ويظمي فلا يسقي

سل الدهر عل الدهر يجمع شملنا

فلم أر ذا حالٍ على حاله يبقى

وقال:

إذا كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل

وإن كنت أدنى منه في الحلم والحجا

عرفت له حق التقدم والفضل

وإن كان مثلي في الفطانة والحجا

أردت لنفسي أن أجل عن المثل

وقال:

وفي اليأس إحدى الراحتين لذي الهوى

على أن إحدى الراحتين عذاب

أعف وبي وجد وأسلو وبي جوىً

ولو ذاب مني أعظم وإهاب

وآنف أن تصطاد قلبي كاعب

بلحظٍ وأن يروي صداي رضاب

فلا تنكروا عن الكريم على الأذى

فحين تجوع الضاريات تهاب

وقال:

وكأنما الإنسان منا غيره

متكون والحس منه معار

متصرف وله القضاء مصرف

ومسير وكأنه مختار

طراً تصوبه الحظوظ وتارةً

خطأ تحيل صوابه الأقدار

تعمى بصيرته ويبصر بعدما

لا يسترد الفائت استبصار

وتراه يؤخذ قلبه من صدره

ويرد فيه وقد جرى المقدار

فيظل يوسع بالملامة نفسه

ندماً إذا عبثت به الأفكار

لا يعرف الإفراط في إيراده

حتى يبينه له الإصدار

وقال:

تلق بالصبر ضيف الهم حيث أتى

إن الهموم ضيوف أكلها المهج

فالخطب إن زاد يوماً فهو منتقص

والأمر إن ضاق يوماً فهو منفرج

فروح النفس بالتعليل ترض به

واعلم إلى ساعةٍ من ساعةٍ فرج

وقال:

إحفظ لسانك لا تبح بثلاثةٍ

سرٍ ومالٍ ما استطعت ومذهب

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثةٍ

بمعكرٍ وبحاسدٍ ومكذب

وقال:

وعلى قدر عقله فاعتب المر

ء وحاذر براً يصير عقوقا

كم صديقٍ بالعتب صار عدواً

وعدوٍ بالحلم صار صديقا

وقال:

ثقلت زجاجات أتتنا فرغاً

حتى إذا مثلت بصرف الراح

خفت فكادت أن تطير بما حوت

وكذا الجسوم تخف بالأرواح

وقال:

تسل عن كل شيءٍ بالحياة فقد

يهون بعد بقاء الجوهر العرض

يعوض الله مالاً أنت متلفه

وما عن النفس إن أتلفتها عوض

وقال:

قالوا اقناعة عز والكفاف غنىً

والذل والعار حرص المرء والطمع

صدقتم من رضاه سد جوعته

إن لم يصبه فماذا منه يقتنع ؟

وقال:

إن لم تكن تجزع من دم

عي إذا فاض فصنه

أو تكن مجدت يوماً

سيداً يعفو فكنه

أنا لا أصبر عمن

لا يجوز الصبر عنه

كل ذنبٍ في الهوى يغ

فر لي ما لم أخنه

وقال يرثي أخاه أحمد بن عبد الله بن يوسف:

غاية الحزن والسرور انقضاء

ما لحيٍ من بعد ميتٍ بقاء

لا لبيد بأربدٍ مات حزناً

وسلت صخراً الفتى الخنساء

مثل ما في التراب يبلى الفتى فال

حزن يبلي من بعده والبكاء

غير أن الأموات زالوا وأبقوا

غصصاً لا يسيغها الأحياء

إنما نحن بين ظفرٍ ونابٍ

من خطوبٍ أسودهن ضراء

وتتمنى وفي المنى قصر العم

ر فنغدو بما نسر نساء

صحة المرء للسقام طريق

وطريق الفناء هذا البقاء

بالذي تغتذي نموت ونحيا

أقتل الداء للنفوس الدواء

ما لقينا من غدر دبيا فلا كا

نت ولا كان أخذها والعطاء

راجع جودها عليها فمهما

يهب الصبح يسترد المساء

ليت شعري حلماً تمر بنا الأي

يام أم ليس تعقل الأشياء

من فسادٍ يجنيه للعالم الكو

ن فما للنفوس منه اتقاء

قبح الله لذةً لشقانا

نالها الأمهات والآباء

نحن لولا الوجود لم نألم الفق

ر فإيجادنا علينا بلاء

وقليلاً ما تصحب المهجة الجس

م ففيم الأسى وفيم العناء ؟

ولقد أيد الإله عقولاً

حجة العود عندها الإبداء

غير دعوى قومٍ على الميت شيئاً

أنكرته الجلود والأعضاء

وإذا كان في العيان خلاف

كيف في الغيب يستبين الخفاء ؟

ما دهانا من يوم أحمد إلا

ظلمات وما استبان ضياء

يا أخي عاد بعدك الماء سماً

وسموماً ذاك النسيم الرخاء

والدموع الغزار عادت من الأن

فاس ناراً تثيرها الصعداء

وأعد الحياة غدراً ولو كا

نت حياةً يرضى بها الأعداء

أين تلك الخلال والحزم أين ال

عزم أين السناء أين البهاء ؟

كيف أودى النعيم من ذلك الظل

ل وشيكاً وزال ذاك الغناء ؟

أين ما كنت تنتضي من لسانٍ

في مقامٍ ما للمواضي انتضاء ؟

كيف أرجو شفاء ما بي ؟ وما بي

دون سكناي في ثراك شفاء

أين ذاك الرواء والمنطق الجز

ل وأين الحياء أين الإباء ؟

إن محا حسنك التراب فما للد

دمع يوماً من صحن خدي انمحاء

أو تبن لم يبن قديم ودادي

أو تمت لم يمت عليك الثناء

شطر نفسي دفنت والشطر باقٍ

يتمنى ومن مناه الفناء

إن تكن قدمته أيدي المنايا

فإلى السابقين تمضي البطاء

يدرك الموت كل حيٍ ولو أخ

فته عنه في برجها الجوزاء

ليت شعري وللبلا كل مخلو

قٍ بماذا تميز الأنبياء ؟

موت ذي الحكمة المفضل بالنط

ق وذي العجمة البهيم سواء

لا غوى لفقده تبسم الأر

ض ولا للتقي تبكي السماء

كم مصابيح أوجهٍ أطفأتها

تحت أطباق تربها البيداء

كم بدورٍ وشموسٍ وكم أط

واد مجدٍ أمست عليها العفاء

كم محا عزة الكواكب غيم

ثم أخفت ضياءها الأنواء

إنما الناس قادم إثر ماضٍ

بدء قومٍ للآخرين انتهاء

وقال:

قالوا وقد مات محبوب فجعت به

وفي الصبا وأرادوا عنه سلواني

ثانيه في الحسن موجود فقلت لهم

من أين لي في الهوى الثاني صباً ثاني

وقال:

ولو أنني أعطيت من دهري المنى

وما كل من يعطي المنى بمسدد

لقلت لأيامٍ مضين ألا ارجعي

وقلت لأيامٍ أتين ألا ابعدي

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي