معجم الأدباء/الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد

الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأستاذ مؤيد الدين أبو إسماعيل الأصبهاني المعروف بالطغرائي نسبته إلى من يكتب الطغراء، وهي الطرة التي تكتب ف أعلى المناشير فوق البسملة بالقلم الجلي تتضمن اسم الملك وألقابه، وهي كلمة أعجمية محرفة من الطرة، كان آيةً في الكتابة والشعر، خبيراً بصناعة الكيمياء، له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى، وخدم السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان، وكان منشيء السلطام محمدٍ مدة ملكه متولي ديوان الطغراء، وصاحب ديوان الإنشاء.تشرفت به الدولة السلجوقية، وتشوقت إليه المملكة الأيوبية، وتنقل في المناصب والمراتب، وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة، ولم يكن في الدولتين السلجوقية والإمامية من يماثله في الإنشاء سوى أمين الملك أبي نصرٍ العتبي.وله في العربية والعلوم قدر راسخ، وله البلاغة والمعجزة في النظم والنثر. قال الإمام محمد بن الهيثم الأصفهاني: كشف الأستاذ أبو إسماعيل بذكائه سر الكيمياء، وفك رموزها واستخرج كنوزها، وله فيها تصانيف منها: جامع الأسرار وكتاب تراكيب الأنوار، وكتاب حقائق الاستشهادات وكتاب ذات الفوائد، وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء، ومصابيح الحكمة، وكتاب مفاتيح الرحمة.وله ديوان شعرٍ وغير ذلك.ولد سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائةٍ، وقتل في الوقعة التي كانت بين السلطان مسعود بن محمودٍ وأخيه السلطان محمودٍ سنة خمس عشرة وخمسمائةٍ، وقد جاوز الستين، وروي أنه لما عزم السلطان محمود على قتل الطغرائي أمر به أن يشد إلى شجرة وأن يقف تجاهه جماعة بالسهام، وأن يقف إنسان خلف الشجرة يكتب ما يقول.وقال لأصحاب السهام لا ترموه حتى أشير إليكم، فوقفوا والسهام مفوقة لرميه فأنشد الطغرائي في تلك الحالة:

وقد أقول لمن يسدد سهمه

نحوي وأطراف المنية شرع

والموت في لحظات أحور طرفه

دوني وقلبي دونه يتقطع

بالله فتش عن فؤادي هل يرى

فيه لغير هوى الأحبة موضع

أهون به لو لم يكن في طيه

عهد الحبيب وسره المستودع

فرق له وأمر بإطلاقه، ثم إن الوزير أغراه بقتله بعد حينٍ فقتله.ومن شعر مؤيد الدين الطغرائي قصيدته التي تداولها الرواة وتناقلتها الألسن المعروفة بلامية العجم، وقد رأيت أن أوردها بتمامها إعجاباً بها قال:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شرع

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فيم الإقامة بالزوراء لا سكني

بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناءٍ عن الأهل صفر الكف منفرد

كالسيف عري متناه عن الخلل

فلا صديق إليه مشتكى حزني

ولا أنيس إليه منتهى جذلي

طال اغترابي حتى حن راحلتي

ورحلها وقرا العسالة الذبل

وضج من لغبٍ نضوى وعج لما

يلقى ركابي ولج الركب في عذلي

أريد بسطة كفٍ أستعين بها

على قضاء حقوقٍ للعلا قبلي

والدهر يعكس آمالي ويقنعني

من الغنيمة بعد الجد بالقفل

وذي شطاطٍ كصدر الرمح معتقلٍ

لمثله غير هيابٍ ولا وكل

حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت

بشدة البأس منه رقة الغزل

طردت سرح الكرى عن ورد مقلته

والليل أغرى سوام النوم بالمقل

والركب ميل على الأكوار من طربٍ

صاحٍ وآخر من خمر الهوى ثمل

فقلت أدعوك للجلى لتنصرني

وأنت تخذلني في الحادث الجلل

تنام عيني وعين النجم ساهرة

وتستحيل وصبغ الليل لم تحل

فهل تعين على غيٍ هممت به

والغي يزجر أحياناً عن الفشل

إني أريد طروق الحي من إضيمٍ

وقد حماه رماة من بني ثعل

يحمون بالبيض والسمر اللدان به

سود الغدائر حمر الحلي والحلل

فسر بنا في ذمام الليل معتسفاً

فنفخة الطيب تهدينا إلى الحلل

فالحب حيث العدا والأسد رابضة

حول الكناس لها غاب من الأسل

نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت

نصالها بمياه الغنج والكحل

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها

ما بالكرائم من جبنٍ ومن بخل

تبيت نار الهوى منهن في كبدٍ

حرى ونار القرى منهم على القلل

يقتلن أنضاء حبٍ لا حراك به

ويحتوين كرام الخيل والإبل

يشفى لديغ العوالي في بيوتهم

بنهلةٍ من غدير الخمر والعسل

لعل إلمامةً بالجزع ثانيةً

يدب منها نسيم البرء في عللي

لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت

برشقةٍ من نبال الأعين النجل

ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني

باللمح من خلل الأستار والكلل

ولا أخل بغزلانٍ تغازلني

ولو دهتني أسود الغيل بالغيل

حب السلامة يثني هم صاحبه

عن المعالي ويغري المرء بالكسل

فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً

في الأرض أو سلماً في الجو فاعتزل

ودع غمار العلا للمقدمين على

ركوبها واقتنع منهن بالبلل

يرضى الذليل بخفض العيش مسكنةً

والعز تحت رسيم الأينق الذلل

فادرأ بها في نحور البيد جافلةً

معارضاتٍ مثاني اللجم بالجدل

إن العلا حدثتني وهي صادقة

فيما تحدث أن العز في التنقل

لو أن في شرف المأوى بلوغ منىً

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً

والحظ عني بالجهال في شغل

لعله إن بدا فضلي ونقصه

لعينه نام عنهم أو تنبه لي

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

لم أرض بالعيش والأيام مقبلة

فكيف أرضى وقد ولت على عجل ؟

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها

فصنتها عن رخيص القدر مبتذلي

وعادة النصل أن يزهى بجوهره

وليس يعمل إلا في يدي بطل

ما كنت أؤثر أن يمتد بي زمني

حتى أرى دولة الأوغاد والسفل

تقدمتني أناس كان شوطهم

وراء خطوي إذ أمشي على مهل

هذا جزاء امرئٍ لأقرانه درجوا

من قبله فتمنى فسحة الأجل

وإن علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فاصبرلها غير محتال ولا ضجرٍ

في حادث الدهر ما يغني عن الحيل

أعدى عدوك أدنى من وثقت به

فحاذر الناس واصحبهم على دخل

وإنما رجل الدنيا وواحدها

من لا يعول في الدنيا على رجل

وحسن ظنك بالأيام معجزة

فظن شراً وكن منها على وجل

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

وشان صدقك عند الناس كذبهم

وهل يطابق معوج بمعتدل

إن كان ينجع شيءٍ في ثباتهم

على العهود فسبق السيف للعذل

يا وارداً سؤر عيشٍ كله كدر

أنفقت صفوك في أيامك الأول

فيم اقتحامك لج البحر تركبه

وأنت يكفيك منه مصة الوشل ؟

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدارٍ لا ثبات لها

فهل سمعت بظلٍ غير منتقل ؟

ويا خبيراً على الأسرار مطلعاً

اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل

قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وقال يسلي معين الملك فضل الله في نكبته ويحضه على الصبر:

تصدى وللحي المنيع

غزال أحم المقلتين كحيل

تصدى وأمر البين قد جد جده

وزمت جمال واستقل حمول

وفي الصدر من نار الصبابة جاحم

وفي الخد من ماء الجفون مسيل

غزال له مرعى من القلب مخصب

وظل صفيق الجانبين ظليل

تناصف فيه الحسن أما قوامه

فشطب وأما خصره فنحيل

قريب من الرائين يطمع قربه

وليس إليه للمحب سبيل

إذا سار لحظ المرء في وجناته

تضاءل عند الطرف وهو كليل

ولما استقل الحي وانصدعت به

نوىً عن وداع الظاعنين عجول

تراءى لنا وجه من الخد نير

وضاءت علينا نضرة وقبول

فصبراً معين الملك إن عن حادث

فعاقبة الصبر الجميل جميل

ولا تيأسن من صنع ربك إنه

ضمين بأن الله سوف يديل

فإن الليالي إذ يزول نعيمها

تبشر أن النائبات تزول

ألم تر أن الشمس بعد كسوفها

لها منظر يغشي العيون صقيل

وأن الهلال النضو يغمر بعدما

بدا وهو شخت الجانبين ضئيل

ولا تحسبن السيف يقصر كلما

تعاوده بعد المضاء كلول

ولا تحسبن الدوح يقلع كلما

يمر به نفح الصبا فيميل

فقد يعطف الدهر الأبي عنانه

فيشفي عليل أو يبل غليل

ويرتاش مقصوص الجناحين بعدما

تساقط ريش واستطار نسيل

ويستأنف الغصن السليب نضارةً

فيورق ما لم يعتوره ذبول

وللنجم من بعد الرجوع استقامة

وللحظ من بعد الذهاب قفول

وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها

عليك وأحداث الزمان شكول

ولا غرو إن أخنت عليك فإنما

يصادم بالخطب الجليل جليل

وأي قناةٍ لم ترنح كعوبها

وأي حسامٍ لم يصبه فلول ؟

أسأت إلى الأيام حتى وترتها

فعندك أضغان بها وذحول

وصارفتها فيما أرادت صروفها

ولولاك كانت تنتحي وتصول

وما أنت السيف يسكن غمده

ليردى به يوم النزال قتيل

أمالك بالصديق يوسف أسوة

فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل ؟

وما غض منك الحبس والذكر سائر

طليق له في الخافقين زميل

فلا تذعنن للخطب آدك ثقله

فمثلك للأمر العظيم حمول

ولا تجزعن للكبل مسك وقعه

فإن خلاخيل الرجال كبول

وصنع الليالي ما عدتك سهامها

وإن أجحفت بالعالمين جميل

وإن امرأً تعدو الحوادث عرضه

ويأسى لما يأخذنه لبخيل

وقال:

أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي

منها فما أحتاج أن أتعلما

وعرفت أسرار الخليقة كلها

علماً أنار لي البهيم المظلما

وورثت هرمس سرحكمته الذي

ما زال ظناً ف الغيوب مرجما

وملكت مفتاح الكنوز بحكمةٍ

كشفت لي السر الخفي المبهما

لولا التقية كنت أظهر معجزاً

من حكمتي تشفي القلوب من العمى

أهوى التكرم والتظاهر بالذي

علمته والعقل ينهي عنهما

وأريد لا ألقى غبياً موسراً

في العالمين ولا لبيباً معدما

والناس إما جاهل أو ظالم

فمتى أطيق تكرما وتكلما ؟

وقال:

أيكية صدحت شجواً على فننٍ

فأشعلت ما خبا من نار أشجاني

ناحت وما فقدت إنساً ولا فجعت

فذكرتني أوطاري وأوطاني

طليقة من إسار الهم ناعمة

أضحت تجدد وجد الموثق العاني

تشبهت بي في وجدٍ وفي طربٍ

هيهات ما نحن في الحالين سيان

ما في حشاها ولا في جفنها أثر

من نار قلبي ولا من ماء أجفاني

يا ربة البانة الغناء تحضنها

خضراء تلتف أغصاناً بأغصان

إن كان نوحك إسعاداً لمغترب

ناءٍ عن الهل ممنيٍ بهجران

فقارضيني إذا ما اعتادني طرب

وجداً بوجدٍ وسلواناً بسلوان

ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت

مني الليالي ولا تدرين ما شاني

كلي إلى السحب إسعادي فإن لها

دمعاً كدمعي وإرناناً كإرناني

وقال:

أقول لنضوي وهي من شجني خلو

حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو

تعالى أقاسمك الهموم لتعلمي

بأنك مما تشتكي كبدي خلو

تريدين مرعى الريف والبدو أبتغي

وما يستوي الريف العراقي والبدو

هناك هبوب الريح مثلك لاعب

ومثلي ماء المزن مورده صفو

ومحجوبةٍ لو هبت الريح أرقلت

إليها المهارى بالعوالي ولم يلووا

صوت إليها وهي ممنوعة الحمى

فحتام ؟ أصبو نحو من لا له نحو

هوىً ليس يسلى القرب عنه ولا النوى

وشجو قديم ليس يشبهه شجو

فأسر ولا فك ووجد ولا أسىً

وسقم ولا برء وسكر ولا صحو

عناء معن وهو عندي راحة

وسم زعاف طعمه في فمي حلو

ولولا الهوى ما شاقني لمع بارقٍ

ولا هدني شجو ولا هزني شدو

وقال:

خبروها أني مرضت فقالت

أضنىً طارفاً شكا أم تليدا ؟

وأشاروا بأن تعود وسادي

فأبت وهي تشتهي أن تعودا

وأتتني في خفيةٍ وهي تشكو

رقبة الحي والمزار البعيدا

ورأتني كذا فلم تتمالك

أن أمالت علي عطفاً وجيداً

ثم قالت لتربها وهي تبكي

ويح هذا الشباب غضا جديدا

زورة ما شفت عليلاً ولكن

زيدت جمرة الفؤاد وقودا

وتولت بحسرة البين تخفي

زفراتٍ أبين إلا صعودا

وقال:

أنظر ترى الجنة في وجهه

لا ريب في ذاك ولا شك

أما ترى فيه الرحيق الذي

ختامه من خاله مسك

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي