معجم الأدباء/القاسم بن علي بن محمد بن عثمان

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

القاسم بن علي بن محمد بن عثمان

القاسم بن علي بن محمد بن عثمان ابن الحريري أبو محمد البصري، من أهل بلد قريب من البصرة يسمى المشان، مولده ومنشؤه به، وسكن البصرة في محلة بني حرام، وقرأ الأدب علي أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني البصري بها، ومات ابن الحريري في سادس رجب سنة ست عشرة وخمسمائة عن سبعين سنة، ومولده في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة في خلافة المسترشد، وبالبصرة كانت وفاته، وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة، وله تصانيف تشهد بفضله وتقر بنبله، وكفاه شاهداً كتاب المقامات التي أبر بها على الأوائل، وأعجز الأواخر، وكان مع هذا الفضل قذراً في نفسه وصورته ولبسته وهيئته، قصيراً ذميماً بخيلاً مبتلى بنتف لحيته. قال العماد في كتاب الخريدة: لم يزل ابن الحريري صاحب الخبر بالبصرة في ديوان الخلافة، ووجدت هذا المنصب لأولاده إلى آخر العهد المقتفوي: أخبرني عبد الخالق ابن صالح بن علي بن زيدان المسكي البصري بها في سنة اثنتي عشرة ستمائة في صفر قال: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي البندهي - قال: وكان يكتب هو بخطه: الفنجديهي قال: وهي قرية من قرى مرو الشاهجان - قال: سمعت الشيخ الثقة أبا بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد النقور البزاز ببغداد يقول: سمعت الرئيس أبا محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري صاحب المقامات يقول: أبو زيد السروجي كان شيخاً شحاذاً بليغاً، ومكدياً فصيحاً، ورد علينا البصرة فوقف يوماً في مسجد بني حرام فسلم ثم سأل الناس، وكان بعض الولاة حاضراً والمسجد غاص بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته، وحسن صياغة كلامه وملاحته، وذكر أسر الروم ولده كما ذكرناه في المقامة الحرامية وهي الثامنة والأربعون.قال: واجتمع عندي عشية ذلك اليوم جماعة من فضلاء البصرة وعلمائها، فحكيت لهم ما شاهدت من ذلك السائل وسمعت من لطافة عبارته في تحصيل مراده، وظرافة إشارته في تسهيل إيراده، فحكى كل واحد من جلسائه أنه شاهد من هذا لسائل في مسجده مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه في معنى آخر فضلاً أحسن مما سمعت، وكان يغير في كل مسجد زيه وشكله، ويظهر في فنون الحيلة فضله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في تلونه وإحسانه، فأنشأت المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات، وكانت أول شيء صنعته. قال المؤلف: وذكر ابن الجوزي في تاريخه مثل هذه الحكاية، وزاد فيها أن ابن الحريري عرض المقامة الحرامية على أنو شروان بن خالد وزير السلطان فاستحسنها، وأمره أن يضيف إليها ما يشاكلها، فأتممها خمسين مقامة. وحدثني من أثق به: أن الحريري لما صنع المقامة الحرامية وتعاني الكتابة فأتقنها وخالط الكتاب، أصعد إلى بغداد فدخل يوماً إلى ديوان السلطان وهو منغص بذوي الفضل والبلاغة، محتفل بأهل الكفاية والبراعة، وقد بلغهم ورود ابن الحريري إلا أنهم لم يعرفوا فضله، ولا أشهر بينهم بلاغته ونبله، فقال له بعض الكتاب: أي شيء تتعانى من صناعة الكتابة حتى نباحثك فيه ؟ فأخذ بيده قلماً وقال: كل ما يتعلق بهذا، وأشار إلى القلم فقيل له: هذه دعوى عظيمة، فقال: امتحنوا تخبروا، فسأله كل واحد عما يعتقد في نفسه إتقانه من أنواع الكتابة، فأجاب عن الجميع أحسن جواب، وخاطبهم بأتم خطاب حتى بهرهم، فانتهى خبره إلى الوزير أو شروان بن خالد، فأدخله عليه ومال بكليته إليه وأكرمه وناداه، فتحدثا يوماً في مجلسه حتى انتهى الحديث إلى ذكر أبي زيد السروجي المقدم ذكره، وأورد ابن الحريري المقامة الحرامية التي عملها فيه، فاستحسنها أنو شروان جداً وقال: ينبغي أن يضاف إلى هذه أمثالها وينسج عن منوالها عدة من أشكالها.فقال: أفعل ذلك مع رجوعي إلى البصرة وتجمع خاطري بها، ثم انحدر إلى البصرة فصنع أربعين مقامة، ثم اصعد إلى بغداد وهي معه وعرضها على أنو شروان فاستحسنها وتداولها الناس، واتهمه من يحسده بأن قال: ليست هذه من عمله لأنها لا تناسب فضائله ولا تشاكل ألفاظه وقالوا: هذا من صناعة رجل كان استضاف به ومات عنده فادعاها لنفسه. وقال آخرون: بل العرب أخذت بعض القوافل وكان مما أخذ جراب بعض المغاربة وباعه العرب بالبصرة، فاشتراه ابن الحريري وادعاه، فإن كان صادقاً في أنها من عمله فليصنع مقامة أخرى.فقال: نعم سأصنع، وجلس في منزله ببغداد أربعين يوماً فلم يتهيأ له تركيب كلمتين والجمع بين لفظتين، وسود كثيراً من الكاغد فلم يصنع شيئاً فعاد إلى البصرة والناس يقعون فيه ويغيطون في قفاه كما تقول العامة، فما غاب عنهم إلا مديدة حتى عمل عشر مقامات وأضافها إلى تلك، وأصعد بها إلى بغداد فحينئذ بان فضله، وعلموا أنها من عمله، وكان مبتلى بنتف لحيته، فلذلك قول ابن جكينا فيه:

شيخ لنا من ربيعة الفرس

ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله بالمشان وقد

ألجمه في العراق بالخرس

وقرأت بخط صديقنا الكمال عمر بن أبي بكر الدباس رحمه الله، حدثني علي بن جابر بن هبة الله بن علي حاكم ساقية سليمان قال: حدثني والدي جابر بن هبة الله أنه قرأ على القاسم بن علي الحريري المقامات في شهور سنة أربع عشرة وخمسمائة قال: وكنت أظن أن قوله:

يا أهل ذا المغنى وقيتم شرا

ولا لقيتم ما بقيتم ضرا

قد دفع الليل الذي اكفهرا

إلى ذراكم شعثاً مغبرا

أنه سغباَ معتراً، فقرأت كما ظننت سغباً معترا، ففكر ساعة ثم قال: والله لقد أجدت في التصحيف فإنه أجود، فرب شعب مغبر غير محتاج، والسغب المعتر موضع الحاجة، ولولا أنني قد كتبت خطي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قرئت علي لغيرت الشعث بالسغب، والمغبر بالمعتر. قال مؤلف الكتاب: ولقد وافق كتاب المقامات من السعد ما لم يوافق مثله كتاب ألفته فإنه جمع بين حقيقة الجودة والبلاغة، واتسعت له الألفاظ، وانقادت له نور البراعة حتى أخذ بأزمتها وملك ربقتها، فاختار ألفاظها وأحسن نسقها، حتى لو ادعى بها الإعجاز لما وجد من يدفع في صدره ولا يرد قوله، ولا يأتي بما يقاربها فضلاً عن أن يأتي بمثلها، ثم رزقت مع ذلك من الشهرة وبعد الصيت والاتفاق على استحسانها من الموافق والمخالف ما استحقت وأكثر. ومن عجيب ما رأيته وشاهدته: أني وردت آمد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وأنا في عنفوان الشباب وريعه، فبلغني أن بها علي بن الحسن بن عنتر المعروف بالشميم الحلي وكان من العلم بمكان مكين، واعتلق من حباله بركن ركين، إلا أنه كان لا يقيم لأحد من أهل العلم المتقدمين ولا المتأخرين وزناً، ولا يعتقد لأحد فضيلة، ولا يقرأ لأحد بإحسان في شيء من العلوم ولا حسن، فحضرت عنده وسمعت من لفظه إزراءه على أولي الفضل، وتنديده بالمعيب عليهم بالقول والفعل، فلما أبرمني وأضجر، وامتد في غيه وأصحر، قلت له: أما كان فيمن تقدم على كثرتهم وشغف الناس بهم عندك قط مجيد ؟ فقال: لا أعلم إلا أن يكون ثلاثة رجال: المتنبي في مديحه خاصة، ولو سلكت طريقه لما برز علي، ولسقت فضيلته نحوي ونسبتها إلي.والثاني ابن نباتة في خطبه، وإن كانت خطبي أحسن منها أسير، وأظهر عند الناس قاطبة وأشهر.والثالث ابن الحريري في مقاماته.قلت: فما منعك أن تسلك طريقته وتنشئ مقامات تخمد بها جمرته ؟ وتملك بها دولته. فقال: يا بني، الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولقد أنشأتها ثلاث مرات ثم أتأملها فأسترذلها، فأعمد إلى البركة فأغسلها ثم قال: ما أظن الله خلقني إلا لإظهار فضل الحريري.وشرح مقاماته بشرح قرئ عليه وأخذ عنه وكتب ابن الحريري إلى سديد الدولة في صدر الكتاب:

وما نومة بعد الضحى لمسهد

زوى همه بالليل عن جفنه السنه

بأحلى من البشرى بأن ركابكم

ستسري إلى بغداد في هذه السنه

وقرأت في كتاب لبعض أدباء البصرة: قال الشيخ أبو محمد حرس الله نعمته معاياة:

ميم موسى من نون نصر ففسر

أيهذ الأديب ماذا عنيت ؟

تفسيره: ميم الرجل: إذا أصابه الموم وهو البرسام، ويقال: إنه أشد الجدري.ونون نصر: حوت نصر، والنون السمكة، يعني أنه أكل سمكة نصر فأصابه الموم.وله في الأمثلة:

باء بكر بلام ليلى فما ين

فك منها إلا بغين وها

باء: أي اقرأ، واللام: الدرع، فلما أقرأ لليلى به ألزمته فلا ينفك منها إلا بعين أي الدرع بعينه هاء أي خذي. حدثني أبو عبد الله الدبيثي قال: حدثني أبو الحسن علي بن جابر، حدثني أبي أبو الفضل جابر بن زهير قال حضرنا مع ابن الحريري في دعوة لظهير الدين بن الوجيه رئيس البصرة في ختان ابنه أبي الغنائم وكان هناك مغن يعرف بحمد المصري وكان غاية في امتداد الصوت وطيب النغمة فغنى:

بالذي ألهم تعذي

بي ثناياك العذابا

ما الذي قالته عينا

ك لقلبي فأجابا ؟

فطرب الحاضرون وسألوا ابن الحريري أن يزيد فيها شيئاً فقال:

قل لمن عذب قلبي

وهو محبوب محابي

والذي إن سمته الوص

ل تغالى وتغابى

ثم البيتان.فاستحسنها الجماعة وأقسموا على المغنى ألا يغنيهم غيرها، فمضى يومهم أجمع بهذه الأبيات. وأنشد أيضاً لحريري:

لا تخطون إلى خطء ولا خطأ

من بعد ما الشيب في فوديك قد وخطا

وأي عذر لمن شابت ذوائبه

إذا سعى في ميادين الصبا وخطا ؟

ومن شعره:

خذ يا بني بما أقول ولا تزغ

ما عشت عنه تعش وأنت سليم

لا تغترر ببني الزمان ولا تقل

عند الشدائد لي أخ ونديم

جربتهم فإذا المعاقر عاقر

والآل آل والحميم حميم

ولابن الحريري من التصانيف: كتاب المقامات، كتاب درة الغواص في أوهام الخواص، كتاب ملحة الإعراب وهي قصيدة في النحو، كتاب شرح ملحة الإعراب، كتاب رسائله المدونة، كتاب شعره. حدثني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الدبيثي قال: سمعت القاضي أبو الحسن علي بن جابر بن زهير يقول: سمعت أبي أبا الفضل جابر بن زهير يقول: كنت عند أبي محمد القاسم ابن الحريري البصري بالمشان أقرأ عليه المقامات، فبلغه أن صاحبه أبا زيد المطهر بن سلام البصري الذي عمل المقامات عنه قد شرب مسكراً فكتب إليه وأنشدناه لنفسه:

أبا زيد اعلم أن من شرب الطلا

تدنس فافهم سر قولي المهذب

ومن قبل سميت المطهر والفتى

يصدق بالأفعال تسمية الأب

فلا تحسها كيما تكون مطهراً

وإلا فغير ذلك الاسم واشرب

قال: فلما بلغه الأبيات أقبل حافياً إلى الشيخ أبي محمد وبيده مصحف فأقسم به ألا يعود إلى شرب مسكر.فقال له الشيخ: ولا تحاضر من يشرب. حدثني ابن الدبيثي قال: وأنشدني ابن جابر قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسن بن المنقبة الفقيه بالرحبة لنفسه يعارض أبا محمد بن الحريري في بيتيه اللذين قال فيهما: أسكنا كل نافث، وأمنا أن يعززا بثالث:

ملأمة الوكعاء بين الورى

أحسن من حر أتى ملأمه

فمه إذا استجديت عن قول لا

فالحر لا يملأ منها فمه

نقلت من خط أبي سعد السمعاني، أنشدنا أبو القاسم عبد الله بن القاسم بن علي بن الحريري، أنشدني والدي لنفسه وهو مما كاتب به شيخ الشيوخ أبا البركات إسماعيل بن أبي سعد:

سلام كأزهار الربيع نضارة

وحسناً على شيخ الشيوخ الذي صفا

ولو لم يعقني الدهر عن قصد ربعه

سعيت كما يسعى الملبي إلى الصفا

ولكن عداني عنه الدهر مكدر

ومن ذا الذي واتاه من دهره الصفا ؟

ومن خطه: أنشدني أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي الواسطي، أنشدنا القاسم بن علي الحريري لنفسه:

أخمد بحلمك ما يذكيه ذو سفه

من نار غيظك واصفح إن جنى جاني

فالحلم أفضل ما ازدان اللبيب به

والأخذ بالعفو أحلى ما جنى جاني

وكتب ابن الحريري إلى سديد الدولة محمد بن عبد الكريم الأنباري كتاباً على يد ولده قال فيه: كتب الخادم وعنده من تباريح الأشواق إلى الخدمة ما يصدع الأطواد، فكيف الفؤاد ؟ ويوهي إلى الجبال، فكيف البال ؟ ولكنه يستدفع الخوف بسوف، ويبرد حر الأسى بعسى، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير.

ألا ليت شعري والتمني خرافة

وإن كان فيه راحة لأخي الكرب

أتدرون أني مذ تناءت دياركم

وشط اقترابي من جنابكم الرحب

أكابد شوقاً ما يزال أواره

يقلبني بالليل جنباً إلى جنب

أسكب للبين المشت مدامعاً

كأن عزاليها امترين من السحب

وأذكر أيام التلاقي فأنثني

لتذكارها بادي الأسى ذاهب اللب

ولي حنة في كل وقت إليكم

ولا حنة الصادي إلى البارد العذب

فوالله إني لو كتمت هواكم

لما كان مكتوماً بشرق ولا غرب

ومما شجا قلبي المعنى وشفه

رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي

على أنني راض بما ترضونه

وأفخر بالإعتاب فيكم وبالعتب

ولما سرى الوفد العراقي نحوكم

وأعوزني المسرى إليكم مع الركب

جعلت كتابي نائباً عن ضرورة

ومن لم يجد ماء تيمم بالتر

وأنفذت أيضاً بضعة من جوارحي

تنبئكم مشروح حالي وتستنبي

وقلت له عند الوداع وقلبه

شج وأبوه الشيخ مكتئب القلب

ألا أبشر بما تحظى به حين تجتلي

محيا سديد الدولة الماجد الندب

ولست أرى إذكاركم بعد خبركم

بمكرمة، حسبي اهتزازكم حسبي

هذه على عاهتها بنت ساعتها، فإن حظيت منه بالقبول المأمول، فيا بشرى للحامل والمحمول، وإن لمحت لمحة المستثقل، فيا خيبة المرسِل والمرسَل، والسلام. ومن رسائل ابن الحريري رسالة التزم في كل كلمة منها السين نثراً ونظماً، كتبها على لسان بعض أصدقائه يعاتب صديقاً له أخل به في دعوة دعا غيره إليها وكتب على رأسها: باسم القدوس أستفتح، وبإسعاده أستنجج، سجية سيدنا سيف السلطان سدة سيدنا الإسفهسلار السيد النفيس سيد الرؤساء حرست نفسه، واستنارت شمسه، وبسق غرسه، واتسق أنسه استمالة الجليس، ومساهمة الأنيس، ومواساة السحيق والنسيب، ومساعدة الكسير والسليب، والسيادة تستدعي استدامة السنن، والاستحفاظ بالرسم الحسن.وسمعت بالأمس تدارس الألسن سلاسة خندريسه، وسلسال كئوسه، ومحاسن مجلس مسرته، وإحسان مسمعة ستارته فاستسلفت الاستدعاء، وتوسمت الإسراء، وسوفت نفسي بالإحتساء ومؤانسة الجلساء، وجلست أستقري، السبل، وأستطلع الرسل، وأستطرف تناسي رسمي، وأسامر الوسواس لاستحالة وسمي:

وسيف السلاطين مستأثر

بأنس السماع وحسو الكئوس

سلاني وليس لباس السلو

يناسب حسن سمات النفيس

وسنن تناسي جلاسه

وأسوا السجايا تناسي الجليس

وسر حسودي بطمس الرسوم

وطمس الرسوم كرمس النفوس

وأسكرني حسرة واستعاض

لقسوته سكرة الخندريس

وساقى الحسام بكاس السلاف

وأسهمني بعبوس وبوس

سأكسوه لبسة مستعتب

وألبس سربال سال يئوس

وأسطر سيناته سيرة

تسير أساطيرها كالبسوس

وحسبنا السلام رسول السلام. وكتب إلى أبي طلحة ابن النعمان الشاعر لما قصده إلى البصرة يمدحه ويشكره، ويتأسف على فراقه: بإرشاد المنشئ أنشئ، شغفي بالشيخ شمس الشعراء، ريش معاشه وفشا رياشه، وأشرق شهابه، واعشوشبت شعابه، يشاكل شغف المنتشي بالنشوة، والمرتشي بالرشوة، والشادن بشرخ الشباب، والعطشان بشم الشراب.وشكري لتجشمه ومشقته، وشواهد شفقته، يشابه شكر الناشد للمنشد، والمسترشد للمرشد، والمستبشر للمبشر، والمستجيش للجيش المشمر.وشعاري إنشاد شعره، وإشجاء المكاشر والمكاشح بنشره. وشغلي إشاعة وشائعه، وتشييد شوافعه، والإشارة بشذوره وشفوفه، والمشورة بتشييعه وتشريفه، وأشهد شهادة تشده المقشر المكاشف، والمشنع الكاشف.لإنشاؤه ومشاهدته تدهش الشائب والناشئ، ولمشافهته تباشير الرشد، واستشيار الشهد، ولمشاحنته تشقي المشاحن، وتشين المشاين، ولمشاغبته تشظى الأشطان، وتشيط الشيطان.فشرفا للشيخ شرفاً، وشغفاً بشنشنته شغفاً:

فأشعاره مشهورة ومشاعره

وعشرته مشكورة وعشائره

شأى الشعراء المشمعلين شعره

فشانيه مشجو الحشا ومشاعره

وشوه ترقيش المرقش رقشه

فأشياعه يشكونه ومعاشره

وشاق الشباب الشم والشيب وشيه

فمنشوره بشرى المشوق وناشره

شكور ومشكور وحشو مشاشه

شهامة شمير يطيش مشاجره

شقاشقه مخشية وشباته

شبا مشرفي جاش للشر شاهره

شفا بالاناشيد النشاوى وشفهم

فمشفيه مستشف وشاكيه شاكره

ويشدو فيهتش الشحيح لشدوه

ويشغفه إنشاده فيشاطره

تجشم غشياني فشرد وحشتي

وبشر ممشاه ببشر أباشر

سأنشده شعراً تشرق شمسه

وأشكره شكراً تشيع بشائره

وأشهد شاهد الأشياء، ومشبع الأحشاء، ليشعلن شواظ اشتياقي في شحطه، ولشعثن شمل نشاطي نشطه، فناشدت الشيخ أيشعر باستيحاشي لشسوعه، وإجهاشي لتشييعه، ووشايتي بنشيده الموشي، وتشكل شخصه بالإشراق والعشي، حاشاه تعتشيه شبهة وتغشاه، فليستشف شرح شجوي بشطونه، وليرشحني لمشاركة شجونه، وليشغلني بتمشية شئونه، وليشيد جاشي، ويشارف انكماشي، عاش منتعش الحشاشة، مستشري البشاشة، مشحوذ الشفار، منتشر الشرار، شتاماً للأشرار، شحاذاً بالأشعار، يشرخ ويحوش، ويقنفش المنفوش الشديد البطش، الشامخ العرش، وتشريفه لبشير البشر، وشفيع المحشر. وله من المقامات:

وأحوى حوى رقي برقة لفظه

وغادرني إلف السهاد بغدره

تصدى لقتلي بالصدود وإنني

لفي أسره مذ حاز قلبي بأسره

أصدق منه الزور خوف ازوراره

وأرضى استماع الهجر خشية هجره

وأستعذب التعذيب منه وكلما

أجد عذابي جد بي حب بره

تناسى ذمامي والتناسي مذمة

وأحفظ قلبي وهو حافظ سره

له مني المدح الذي طاب نشره

ولي منه طي الود من بعد نشره

وإني على تصريف أمري وأمره

أرى المر حلواً في انقيادي لأمره

وقال الرئيس أبو الفتح هبة الله بن الفضل بن صاعد بن التلميذ الكاتب: كان الشيخ الأجل الإمام الأوحد أبو محمد القاسم بن علي بن الحريري - رضي الله عنه - الإمام المشهور الفضل، من أعيان دهره، وفريد عصره، وممن لحق طبقة الأوائل، وغبر عليهم في الفضائل، وكانت بيني وبينه مكاتبة قديمة في سنة خمس وتسعين وأربعمائة عند ابتدائه حمل المقامات التي أنشأ، ولما وقع الاجتماع به في سنة أربع وخمسمائة ببغداد وسماعها منه عدة دفعات، جاريته وسألته أن ينظم في النحو مختصراً يحفظه المبتدئون، فشرع في نظم هذه الأرجوزة، وأملى علي منها أبواباً يسيرة، وانحدر من غير إتمامها، واستعاد مني ما أملاه ليحرره، فكاتبته دفعات أقتضيه بها، وأذكره بإنفاذها وإنفاذ كتابه: درة الغواص في أوهام الخواص، فكتب إلي جوابين نسخة الأول منهما:وصل من حضرة سيدنا - أطال الله بقاءه ومدته، وحرس عزه ونعمته، وضاعف سعادته، وكبت حسدته -، كتاب كريم، مودعه طول جسيم، وفي ضمنه در نظيم، فابتهجت بتناوله، وقررت عيناً بتأمله، وتذكرت الأوقات التي أسعد الدهر فيها برؤيته، وأحظى باجتلاء فضله وروايته، وشكرت الله على ما يوليه من حسن صنعه، وسألته - جلت عظمته - أن يجعل النعمة راهنة بربعه، والسعادة جاذبة أبداً بضبعه، وسررت بما بشرني به من نجابة السيد الرئيس، الولد النفيس - أمتع الله ببقائه -، وأتاح لي تجدد الأنس بلقائه، ولم أستبعد أن يقمر هلاله بل يبدر، ولا استبعدت أن يورق إن دوحته الزكية ويثمر، والله تعالى يمليه أطول الأعمار في رفاهة الأسرار، ومواتاة الأقدار حتى يعاين أسباطه، ويضاعف باجتماعهم وتضاعفهم بحوزته اغتباطه.فأما الملحة إن أمكن تنفيذها مع أحد المترددين إلى هذا المكان لألحق بها الزيادة، وأهذبها كما يطابق الإرادة، فأوعز به. وأما درة الغواص في أوهام الخواص، فأرجو أن ينشئ الإصعاد إلى بغداد لتصفحها من البدء، وكأن قد، وإلى أن يسهل المأمول من الالتقاء، فما أولى همته الكريمة بإتحافي بالأنباء، وإنهاضي بما يسنح من الأوطار والأهواء، ورأيه أعلى إن شاء الله. نسخة الكتاب الثاني، وهو المنفذ مع الملحة المذكورة:

لئن كانت الأيام أحسن مرة

إلي لقد عادت لهن ذنوب

إذا فكرت - أطال الله بقاء سيدنا - وضاعف سعادته، وكبت حسدته فيما كان سمح به الزمان من تلك الملاقاة الحلوة، وإن كانت أقل من الحسوة أعظمت قيمة حسناه، ووجدتها أحلى إسعاف وأسناه، ثم فكرت فيما أعقب من الفرقة، وألهب في الصدر من الحرقة، وجدته كمن رجع في المنحة، وطمس الفرحة بالترحة، ولولا تعلة القلب المشجو بالتلاقي المرجو لذاب من اتقاد الشوق، ولقال: شب عمرو عن الطوق، وفي لوامح تلك الألمعية ما يغني عن تبيان تلك الطوية، وكان قد وصل من حضرته أنسها الله تعالى ما أعرب فيه عن كريم عهده، وتباريح وجده، فلم أستبدع العذوبة من ورده، ولا استغربت ما توالى من بره وحسن عهده، وبمقتضى هذه الأوامر والطول المتناصر انعكافي على الشكر، واعترافي بعوارفه الغر، فأما استطلاع ملحة الإعراب المشتبهة بالسراب، فقد آثرت خزائنه - عمرها الله تعالى - بمسودتها على شعب بنيتها، وشوه خلقتها، ولو لم تعرض حادثة العرب، العائقة عن كل أرب، لزففتها كما تزف العروس المقينة، والخطب المزينة، غير أني أرجو أن ترزق حظوة القباح، وألا تجبه بالذم الصراح، ولكتبه - حرس الله نعمته - عندي موقع أنفس التحف، وشكري على التكرم بها شكر من اتشح بها والتحف، وسيدنا أمين الدولة رئيس الحكماء مخدوم بأفضل دعاء، وأطيب ثناء وسلام، ولرأيه - أدام الله نعمته - في الإيعاز بالوقوف على ما شرحته وتمثل ما أوضحته - علوه إن شاء الله تعالى. نسخة كتاب كتبه ابن الحريري إلى أبي الفتح بن التلميذ قبل اللقاء:

جزى الله خيراً والجزاء بكفه

بني صاعد أهل السيادة والمجد

هم ذكروني والمهامه بيننا

كما ارفض غيث في تهامة من نجد

لو أخذت في وصف شغفي بمناقب سيدنا - أطال الله بقاءه وأدام علاءه، وحرس نعماءه، وكبت حساده وأعداءه - وما أنا بصدد من مدح سودده، وشرح تطوله وتودده، لكنت بمثابة المغترين، في محاولة عد رمل يبرين، لكنني راج أن أحظى من ألمعيته الثاقبة، وبصيرته الصائبة، بما يمثل له عقيدتي ويطلعه على نخيلة مودتي، وما أملك في مقابلة مفاتحته التي أخلصت له إيجاب الحق وفضيلة السبق، إلا الثناء الذي أتلو صحائفه، والدعاء الذي أقيم في كل وقت وظائفه، والله سبحانه يحسن توفيقي لما يشيد مباني المودة، التي أعتدها أفضل مقاني العدة، ثم إني لفرط اللهج باستملاء فضائله النيرة، واستطلاع محاسنه المسيرة، وأسائل عن خصائصه الركبان، وأطرب بسماعها ولا طرب النشوان.ولما حضر الشيخ الأديب الرئيس أبو القاسم ابن الموذ - أدام الله تمكينه - ألفيته موالياً مغالياً، وداعية إليه وداعياً، فازددت كلفاً بما وعيته منه، وشغفاً بما استوضحته عنه، واستدللت على كمال سيدنا باستخلاص شكر مثله، وتحققت وفور أفضاله وفضله، فافتتحت المكاتبة بتأدية هذه الشهادة، واستمداد سنة المواصلة المعتادة، والتكرمة التي تقتضيها بواعث السيادة، ولرأيه في الوقوف على ما كتبته، والتطول فيه بما توجبه أريحيته، علوه إن شاء الله تعالى. وكتب إلى سديد الدولة رسالة صدرها بهذين البيتين:

عندي بشكرك ناطقان فواحد

آثار طولك واللسان الثاني

ومجال منتك التي أوليتني

في الشكر أفصح من مجال لساني

وصدر رسالة أخرى إليه بهذه الأبيات:

أهنيك بل نفسي أهني بما سنى

لك الله من نيل المنى وبما أسنى

شكرت زماني بعد ما كنت عاتباً

عليه لما أسدى إليك من الحسنى

وأيقنت إذ واتاك أن قد تيقظت

لإرضاء أهل الأرض مقلته الوسى

ففخراً بما في عظم فخرك شبهه

ولا لك شبه في الأنام إذا قسنا

جمال الورى مليت تشريفك الذي

أفاض عليك الصيت والعز والحسنى

ومن عجب أني أهنيك بالذي

أهني به لكن كذا سن من سنا

وكتب إلى المؤيد أبي إسماعيل الطغرائي يهنئه بولاية الطغرا في سنة تسع وخمسمائة، فأجابه الطغراني بجواب هذا نسخته:

ما الروض أضحكت السحاب ثغوره

وأفاح أنفاس الصبا منثوره

يوماً بأبهج من كتاب نمنمت

يمناك يا شرف الكفاة سطوره

وافى إلي فتهت حين رأيته

تيه الملى إذ رأى منشوره

فلثمته عشراً ولو قبلته

ألفاً وألفاً لم أوف مهوره

وفضضته عن لؤلؤ ولو أنه

للسمط زان فصوله وشذوره

وأجلت منه الطرف فيما راقه

وأتاح للقلب الكئيب سروره

قسماً لأنت الفرد في الفضل الذي

لولاك أطفأت الجهالة نوره

منك امترى لما ارتضعت لبانه

وبك ازدهى لما احتلبت شطوره

فاسلم له حتى نجدد ما عفا

منه وتجبر وهنه وكسوره

واعذر وليك إن تقاصر سعيه

واغفر له تقصيره وقصوره

وصل من المجلس السامي المؤيدي - ضاعف الله علوه وأضعف عدوه، وأكمل سعوده وأكمد حسوده - كتاب اتسم بالمكرمة الغراء، وابتسم عن التكرمة العذراء فخلته كتاب الأمان من الزمان، وتلقيته كما يتلقى الغنسان صحيفة الغحسان، وقابلت ما أودع من البر والطول المبر، بالشكر الذي هو جهد المقل ونسك المستقل، ووجدت ما ألحف من التجميل وأتحف من الجميل ما كانت أطماعي تتوق إليه، وآمالي تحوم حواليه، إذ ما زلت منذ استمليت وصف المناقب المؤيدية، ورويت خبرها عن الرواية الشريفة الشرفية، أبعث قلمي على ان يفاتح، وأن يكون الرائد لي والماتح، وهو ينكص نكوص الهيوبة، وينكل نكول الهام عن الضريبة، فأكابد لإحجامه الأسى، وأزجي الأيام بلعل وعسى، إلى ان بديت وهديت، وأريت كيف يحي الله من يميت ؟ فلم يبق بعد أن أنشط العقال واستدعى المقال، إلا أن أنقل الحشف إلى هجر وأزف الهشيم إلى الشجر، فأصدرت هذه الخدمة المتشحة بالخجل، المرتعشة من الوجل، وأنا معترف بسالف التقصير ومعتذر عنه باللسان القصير، فإن قربت عند الوصول، وقرنت بحظوة القبول، فلذلك الذي كانت تتمنى، وحق لي ولها أن تهنى، وإن ألغيت إلغاء الحوار في الدية، وندد بمفاضحها في الأندية، فما هضمت فيما قوبلت، ولا ظلمت إذ ما قبلت، على أن لكل امرئ ما نوى، وأن تعفوا أقرب للتقوى، وإن كان وضح اجتهادي فيما وقف من الوطر الذي تأكد فيه اعتراض القدر، وانتقاص النظر، فيا بردها على الكبد، ويا بشرى خادمه المجتهد، ثم إن استخدمت بعد في خدمة اجتهدت، وانتهزت فرصة فريضتها ولو جاهدت، وللرأي الشريف في الإمام بتحسين ما يتأمل، وتحقيق ما يؤمل، مزيد السمو إن شاء الله تعالى.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي