معجم الأدباء/القاسم بن عمر بن منصور

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

القاسم بن عمر بن منصور

القاسم بن عمر بن منصور الواسطي أبو محمد، مولده بواسط العراق في سنة خمسين وخمسمائة في ذي الحجة، ومات بحلب يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة ست وعشرين وستمائة، أديب نحوي لغوي فاضل أريب، له تصانيف حسان، ومعرفة بهذا الشأن.قرأ النحو بواسط وبغداد على الشيخ مصدق بن شبيب، واللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب، وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الباقلاني بواسط، وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجي بواسط أيضاً، وسمع كثيراً من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم علي، منهم: أبو الفتح محمد بن احمد بن بختيار الماندائي، واحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا، سمع عليه المقامات عن الحريري، فانتقل من بغداد إلى حلب في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، فأقام بها يقرئ العلم ويفيد أهلها نحواً ولغةً وفنون علوم الأدب، وصنف بها عدة تصانيف، وهي على ما أملاه علي هو بباب داره من حاضر حلب في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة: كتاب شرح اللمع لابن جني، كتاب التصريف الملوكي لابن جني أيضاً، كتاب فعلت أو أفعلت بمعنى على حروف المعجم، كتاب في اللغة لم يتم إلى هذه المدة، كتاب شرح المقامات على حروف المعجم ترتيب العزيزي، كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب آخر، كتاب خطب قليلة، كتاب رسالة فيما أخذ على ابن النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الإمام الناصر لدين الله أبي العباس صلوات الله عليه أولها:الحمد لله على نعمه المتظاهرة، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرة، وبعد: فإنه لما أخرت الفضائل عن الرذائل، وقدمت الأواخر على الأوائل، ونبذ عهد القدماء، وجهل قدر العلماء، وصار عطاء الأموال باعتبار الأحوال لا باختيار الأقوال، وظهر عظيم الإجلال بالأسماء لا بالأفعال، علمت أن الأقدار هي التي تعطي وتمنع، وتخفض وترفع، فأخملت عند ذلك من ذكري وقدري، وأخفيت من نظمي ونثري، ولأمر ما جدع قصير أنفه ومن شعر فقه:

ومالي إلى العلياء ذنب علمته

ولا أنا عن كسب المحامد باعد

وقلت: اصبر على كبد الزمان وكده، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده:

فلو لم يعل إلا ذو محل

تعالى الجيش وانحط القتام

إلى أن بلغني ممن يعول عليه، ويرجع في القول إليه عن بعض شعراء هذا الزمان ممن يشار إليه بالبنان، أنه أنشد عنده بيت الوليد، يشهد له بالفصاحة والتجويد وهو قوله:

إذا محاسني اللائي أدل بها

صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر ؟

فقال مقال المفتري: كم قد خرينا على البحتري ؟ فصبرت قلبي على أذاته وأغضيت جفني على قذاته حتى ابتدرني بالبادرة، التي يقصر عنها لسان الحادرة، فلو كان النابلسي كابن هانئ الأندلسي، لزلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، فيا لله العجب، متى أشرفت الظلمة على الضياء، أو علت الأرض على السماء ؟ وأين السها من القمر ؟ وكيف يضاهى الغمر بالغمر ؟ فإنا لله، وأفوض أمري إلى الله، أفي كل سحاية أراع برعد ؟ وفي كل واد بنو سعد:

وإني شقي باللئام ولا ترى

شقياً بهم إلا كريم الشمائل

لقد تحككت العقرب بالأفعى، واستنت الفصال حتى القرعى:

وطاولت الأرض السماء سفاهة

وفاخرت الشهب الحصا والجنادل

وما ذلك التيه والصلف ؟ والتجاوز للحد والسرف، إلا لأنه كلما جر جريراً اعتقد أنه قد جر جريراً، وكلما ركب الكميت ظن انه ارتكب الكميت، وكلما أعظم من غير عظم، وأكرم من غير كرم، شمخ بأنفه وطال، وتطاول إلى ما لن ينال، وزعم أنه قد بلد لبيداً، وعبد عبيداً ولا والله ليس الأمر كما زعم، ولا الشعر كما نظم، ولكنها المكارم السلطانية الملكية الظاهرية التي نوهت بذكره فسترها، ورفعت من قدره فكفرها بقول سأذكره إذا انتهيت إليه.ولما طلب العبد كراعاً فأعطي ذراعاً، خرج على من يعرفه، وبهرج على من يكشفه، فقلت: لا مخبأ بعد بوس، ولا عطر بعد عروس:

وما أنا بالغيران من دون جاره

إذا أنا لم أصبح غيوراً على العلم

وقصدت قصيداً من شعره، يزعم أنها من قلائد دره، قد هذبها في مدة سنين، ومدح بها أمير المؤمنين.وقال فيها:

فانظر لنفسك أي در تنظم ؟

فكان لعمري ناظماً غير أنه

كحاطب ليل فاته منه طائل

فوا عجباً كم يدعي الفضل ناقص ؟

ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل ؟

وتتبعت ما فيها من غلطاته، وأظهرت ما خفي فيها من سقطاته، ولبست له جلد النمر.واندفقت عليه كالسيل المنهمر.بعد ان كتبها بخطه.وزينها بإعرابه وضبطه:

وابن اللبون إذا مالز في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

فوجدته قد أخطأ منها في واحد وعشرين مكاناً، عدم فيها تمكناً من العلم وإمكاناً، فمنها ستة عشر موضعاً توضحها الكتابة والنظر، ومنها خمسة توضحها المجادلة والنظر فهذا من جيد مختاره وما يظهر على اختياره.وإن وقع إلى شيء من مزوق شعره أو منوق مستعاره، لأعصبنه فيه عصب السلمة، ولأعذبنه تعذيب الظلمة:

فإن قلتم: إنا ظلمنا فلم نكن

بدأنا ولكنا أسأنا التقاضيا

ولو أنه اقتصر على قصوره، وأنفق من ميسوره، وستر عواره ولم يبد شواره لطويته على غره، ولم أنبه على عاره وعره فإن من سلك الجدد أمن العثار وسلم من سالم النقع المثار، ولكن كان كالباحث عن حتفه بظلفه، فلحق بالأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وخطؤه في هذه القصيدة ينقسم قسمين: قسم فاته فيه أدب الدرس، فيقسم أيضاً قسمين: قسم لغوي، وقسم صناعي، فأما القسم اللغوي: فإنه كذا وكذا لم يحتمل هذا المختصر ذكره.وأنشدني لنفسه من قصيدة:

ديباج وجهك بالعذار مطرز

برزت محاسنه وأنت مبرز

وبدت على غصن الصبا لك روضة

والغصن ينبت في الرياض ويغرز

وجنت على وجنات خدك حمرة

خجل الشقيق بها وحار القرمز

لو كنت مدعياً نبوة يوسف

لقضى القياس بأن حسنك معجز

وأنشدني لنفسه من قصيدة:

زهر الحسن فوق زهر الرياض

منه للغصن حمرة في بياض

قد حمى ورده ونرجسه الغض

ض سيوف من الجفون مواض

فإذا ما اجتنيت باللحظ فاحذر

ما جنت صحة العيون المراض

فلها في القلوب فتكة باغ

رويت عنه فتكة البراض

وإذا فوقت سهاماً من الهد

ب رمين السهام بالأغراض

واغتنم بهجة الزمان وبادر

شمس أيامه الطوال العراض

بشموس الكئوس تحت نجوم

في طلوع من أفقها وانقضاض

واجل من جوهر الدنان عروساً

نطقت عن جواهر الأعراض

كلما أبرزت أرتك لها وج

ه انبساط يعطيك وجه انقباض

فعلى الأفق للغمام ملاء

طرزتها البروق بالإيماض

وكأن الرعود إرزام نوق

فصلت دونها بنات المخاض

أو صهيل الجياد للملك الظ

ظاهر تسري بالجحفل النهاض

وأنشدني لنفسه يهجو ابن النابلسي المذكور:

لا تعجبن لمدلوي

ه إذا بدا شبه المريض

قد ذاب من بخر بفي

ه بدا من الخلق البغيض

وتكسرت أسنانه

بالعض في جعس القريض

وتقطعت أنفاسه

عرضاً بتقطيع العروض

وأنشدني لنفسه يهجو ابن النابلسي المذكور:

يا من تأمل مدلوي

ه وشك فيما يسقمه

أنظر إلى بخر بفي

ه وما أظنك تفهمه

ولا تحسبن بأنه

نفس يغيره فمه

لكنما أنفاسه

نتنت بشعر ينظمه

وأنشدنا لنفسه في ذي الحجة سنة عشرين وستمائة بحلب:

أرى بغضي على الجهلاء داء

يموت ببغضه القلب العليل

فهم موتى النفوس بغير دفن

وأحياء عزيزهم ذليل

يغطون السماء بكل كف

لها في الطول تصير طويل

ويبدون الطلاقة.من وجوه

كما يبدو لك الحجر الصقيل

إذا قاموا لمجد أقعدتهم

مسالك ما لهم فيها سبيل

وإن طلبوا الصعود فمستحيل

وإن لزموا النزول فما يزول

كذاك السجل في الدولاب يعلو

صعوداً والصعود له نزول

وأنشدنا لنفسه بالتاريخ:

لنا صديق به انقباض

ونحن بالبسط نستلذ

لا يعرف الفتح في يديه

إلا إذا ما أتاه أخذ

فكفه كيف حين يعطي

شيئاً وبعد العطاء منذ

وأنشدني لنفسه أيضاً:

لا ترد من خيار دهرك خيراً

فبعيد من السراب الشراب

رونق كالحباب يعلو على الكا

س ولكن تحت الحباب الحباب

عذبت في النفاق ألسنة القو

م وفي الألسن العذاب العذاب

وأنشدني لنفسه أيضاً موشحة على طريقة المغاربة:

في زهرة وطيب

بستاني من أوجه ملاح

أجلو على القضيب

ريحاني والورد والأقاح

ما روضة الربيع

في حلة الكمال

تزهو على ربيع

مرت به الشمال

في الحسن كالبديع

بالحسن والجمال

ناهيك من حبيب

نشوان بالدل وهو صاح

إن قلت وا لهيبي

حياني من ثغره براح

كم بت والكئوس

تجلى من الدنان

كأنها عروس

زفت من الجنان

تبدو لنا الشموس

منها على البنان

لم أخش من رقيب

ينهاني ألهو إلى الصباح

من شادن ربيب

فتان زندي له وشاح

خيل الصبا بركضي

تجري مع الغواه

في سنتي وفرضي

لا أبتغي سواه

وحجتي لعرضي

ما تنقل الرواه

عن عاقل لبيب

أفتاني أن الهوى مباح

والرشف من شنيب

ريان ما فيه من جناح

وأنشدني لنفسه أيضاً موشحة:

أي عنبرية

في غلائل الغلس

من زبرجديه

تنبه النعس

جادها الغمام

فانتشى بها الزهر

وابتدا الكمام

أعيناً بها سهر

وشدا الحمام

حين صفق النهر

وارتدت عشيه

كملابس العرس

حللا سنيه

ما دنت من الدنس

واملإ الكئوسا

فضة على الذهب

واجلها عروساً

توجت من الشهب

تطلع الشموسا

في سناً من اللهب

فلها مزيه

في الدجى على القبس

بحلىً شهيه

كمحاسن اللعس

مخبر سناها

عن تطاير الشرر

فاز من جناها

من قلائد الدرر

فإن تناهى

في الخلائق الغرر

قلت ظهريه

أظهرت لملتمس

من علا أبيه

ما تنال بالخلس

وأنشدني لنفسه أيضاً:

لا خير في أوجه صباح

تسفر عن أنفس قباح

كالجرح يبني على فساد

بظاهر ظاهر الصلاح

فقل لمن ما له مصون

أصبت في عرضك المباح

وأنشدني أيضاً لنفسه:

جد الصبا في أباطيل الهوى لعب

وراحة اللهو في حكم النهي تعب

وأقرب الناس من مجد يؤثله

من أبعدته مرامي العزم والطلب

وقادها كظلام الليل حاملة

أهلة طلعت من بينها الشهب

منقضة من سماء النقع في أفق

شيطانه بغمام الدرع محتجب

واسود وجه الضحى مما أثار به

وأشرق الأبيضان الوجه والنسب

في موقف يسلب الأرواح سالبها

حيث المواضي قواض والقنا سلب

لا يرهب المرء ما لم تبد سطوته

لو لا السنان استوى الخطي القصب

إن النهوض إلى العلياء مكرمة

لها التذاذان مشهود ومرتقب

والملك صنفان محصول وملتمس

والمجد نوعان موروث ومكتسب

والناس ضدان مرزوق ومحترم

تحت الخمول ومغصوب ومغتصب

والطاهر النفس لا ترضيه مرتبة

في الأرض إلا إذا انحطت لها الرتب

والفضل كسب فمن يقعد به نسب

ينهض به الأفضلان العلم والحسب

لله در المساعي ما استدر بها

خلف السيادة إلا أمكن الحلب

وحبذا همة في العزم ما انتدبت

لمبهم الخطب إلا زالت الحجب

وموطن يستفاد العز منه كما

أفادت العز من سلطانها حلب

ومنها:

مؤيد الرأي والرايات قد ألفت

ذوائب القوم من راياتها العذب

إن نازلوه وقد حق النزال فمن

أنصاره الخاذلان الجبن والرعب

أو كاتبوه فخيل من كتائبه

تجيب لا المخبران الرسل والكتب

مغاور ينهب الأعمار ذابله

في غارة الحرب والأموال تنتهب

في جحفل قابلوا شمس النهار على

مثل البحار بمثل الموج يضطرب

حتى كأن شعاع الشمس بينهم

فوق الدروع على غدرانها لهب

ما أنكر الهام من أسيافه ظبة

وإنما أنكرت أسيافه القرب

ما يدفع الخطب إلا كل مندفع

في مدحه الأفصحان الشعر والخطب

ومن إذا ما انتمى في يوم مفتخر

أطاعه العاصيان العجم والعرب

وأنشدني من قصيدة لنفسه أيضاً:

أفي البان إن بان الخليط مخبر ؟

عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر

فكم حركات في اعتدال سكونها

أحاديث يرويها النسيم المعطر

يود ظلام الليل وهو ممسك

لذاذتها والصبح وهو مزعفر

أحاديث لو أن النجوم تمتعت

بأسرارها لم تدر كيف تغور ؟

يموت بها داء الهوى وهو قاتل

ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر

فيا لنسيم صحتي في اعتلاله

وصحوي إذا ما مر بي وهو مسكر

كأن به مشمولة بابلية

صفت وهي من غصن الشمائل تعصر

إذا نشأت مالت بلبك نشوة

كما مال مهزور يماح ويمطر

وقال يمدح الوزير جمال الدين القاضي الأكرم أبا الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي من صعيد مصر ويلتمس منه أن يرتبه في خدمة:

يا سيدي قد رميت من زمني

بحادث ضاق عنه محتملي

وأنت في رتبة إذا نظرت

إلي صار الزمان من قبلي

والنظم والنثر قد أجدتهما

فيك فلا تترك الإجادة لي

فداك قوم إذا وقفت بهم

رأيتني راقفاً على طلل

تشغل أموالهم مساعيهم

فهم عن المكرمات في شغل

تحمي حماها أعراضهم فإذا

ماتت حماها سور من البخل

معاول الذم فيه عاملة

إعمالها في مغائر الجبل

نعلك تاج إذا رفعتهم

لرأس حاف منهم ومنتعل

فاسمع حديثي في مغازلة

تبث شكوى في موضع الغزل

قد كنت في راحة مكملة

أحيي المعالي بميت الأمل

أرفل في عزة القناعة في

ذيل على النائبات منسدل

فعند ما طالت البطالة بي

وصار لي حاجة إلى العمل

قال أناس نبه لها عمراً

فقلت حسبي رأي الوزير علي

يعني عمر بن الوبار أحد حجاب أتابك طغرل شهاب الدين الخادم المستولي في أيامنا على حلب وقلعتها:

قد بت من وعده على ثقة

أمنت في حليها من العطل

فالأكرم ابن الكرام لو سبقت

وعوده بالشباب لم يحل

يفر من وعده المطال كما

تفر آراؤه من الزلل

أخلاقه حلوة المذاق فلو

شبهتها ما ارتضيت بالعسل

تنظم دراً على الطروس كما

ينظم در الحلي في الحلل

بمنطق لو سرت فصاحته

في اللكن لاستعصمت من الخطل

تمج أحلافه إذا كتبت

ماء المنى من أسنة الأسل

وإن سطت في ملمة نسيت

صفين منها ووقعة الجمل

مبين علمه لسائله

مسائلاً أشكلت على الأول

لكل علم في بابه علم

يهدي إلى قبلة من القبل

أي جمال ما فيه أجمله

على وجوه التفصيل والجمل ؟

جل الذي أظهرت بدائعه

منه معاني الرجال في رجل

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي