ملقى السبيل (أبو العلاء المعري)/الضَّادُ

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الضَّادُ

الضَّادُ

دِينُكَ عَنَّاهُ المَرَضُ، ضَاعتِ النّافِلةُ والمُفْتَرَضَ، وخَدَعَكَ هذا العَرَضَ، وَجِسمُكَ ضعيفٌ حَرَضٌ.لَقَدْ بَعُدَ مِنْكَ الغَرَضُ، وسوفَ يُطلبُ المُقْترَضَ.

شعر

دينُكَ مُضنًى أَصَابهُ سَقَمُ

وَالخسرُ في أَنْ يُمِيتَهُ المَرَضُ

وَهَلْ تُرجَّى لدَيكَ نَافلَةٌ

مِن بعدِ مَا ضَاعَ مِنْكَ مُفْتَرضُ

غرِضتَ مِن هَذهِ الحيَاةِ وَكمْ

غَرَّكَ فِيمَا ترُومُهُ غرَضُ

تميلُ عنْ جَوهرٍ إِلى عَرَضٍ

والرُّوحُ في جَوْهَرِيِّهَا عَرَضُ

حرَّضكَ الشَّيبُ أن تتُوبَ فَمَا

تُبتَ، فَألَّا تَذَكّرَ الحرَضُ

أُقرِضتَ عُمْراً فمَا صَنعتَ بهِ

سَوفَ يُؤدِّي الأَنامُ مَا اقْتَرَضُوا

البطليوسيّ: 'وقال أيضاً - يعني أبا العلاء:

دينك مضنى أصابه سقم. . . . . :

المضني: المريض.جعل الدِّين لضعفه كالمريض.والعرب تجعل كل ضعف وفتور مرضاً، ولذلك قالوا: لحظٌ مريضٌ، وريحٌ مريضة.وسمّوا ضعفَ اليقين والاعتقاد مَرضاً.قال الله تعالى: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }.وقالوا هو يمرض في القول وفي الوعد.قال الشاعر يصف نساء:

مريضاتُ أوباتِ التَّهادِي كأنّما

تَخافُ عَلى أحشائها أَنْ تَقَطَّعَا

وقال ذو الرُّمَة:

مَشينَ كما اهتزَّتْ رماحٌ تسفَّهت

أعاليَها مَرضَى الرِّياح النَّوَاسم

غَرِضتَ مِن هذه الحياة وكم. . . . . . :يقال: غَرِض من الشيء: إذا مَلَّه وكرهه.يقول: مَللت من هذه الحياة الدُّنيا، وزهدت فيها، لِما جرَّبت من تلونها، وتقلبها بأهلها. وطالما كانت لنا فيها أغراضٌ بعيدة، وعنايةٌ شديدة.ومعنى عزَّك: تعذَّر عليك، من قولهم: شيء عزيز، إذا لم يوصل إليه، قال ذو الرمة:

لا تَعِزُّ الخمرُ إن طافُوا بها

بسباء الشَّوْل والكُوم البُكرْ

وقوله: ( تميل عن جوهر إلى عرض )، يقول: كيف تميل عن الآخرة التي هي جواهر باقية، إلى الدنيا التي هي أعراض فانية، إيثاراً للأدنى على الأشرف، وللأكثف على الألطف. وقوله: ( والروح في جوهريِّها عرضُ )، الظاهر من هذا البيت أنه مبنيّ على رأي من يعتقد أن الروح عرض، ويحتمل أن يكون مبنياً على رأي من يعتقد أنه جوهر باقٍ، وجعله بمنزلة العَرَض ؛ لقلة صحبته الجسم، وإن لم تكن عَرَضاً في الحقيقة.وهذا عندي أشبه بمذهب أبي العلاء: لأنه قد أثبت في مواضع بقاء النفس. فيكون هذا على مذهب من يرى أن الروح والنفس شيء واحد. وقد اختلف الناس في هذا اختلافاً شديداً ؛ فقال قوم: النفس غير الروح.وقال قوم: النفسُ والروحُ شيء واحد.واختلف الذين قالوا: إن النفس غير الروح، فقال بعضهم: إن النفس باقيةٌ لا تعدم، والروح فانيةٌ تنحلُّ بانحلال الجسم، وهذا رأي أرسطاطاليس وجمهور من يعول عليه من المتقدمين. واختلف الذين قالوا: إن النفس والروح شيء واحد ؛ فقال بعضهم: هما فانيان، وقال بعضهم: هما باقيان. واختلف الذين قالوا: إن النفس غير الروح، أيهما أشرف ؟فذهب جمهور من علمناه من المتقدمين: إلى أن النفس أشرف من الروح.والذي تدلّ عليه الشرائع، أن الروح أشرف من النَّفس ؛ لأن الله تعالى خاطب النفس، فأمرها ونهاها، وجعلها مُثابة معاقبة، ونَسَبَ إليها الشَّرّ فقال: { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }، ولم يخاطب الروح بشيء، من ذلك، بل عظّم أمره، وأضافه إلى نفسه بقوله: { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي }.وذُكر في التوراة أن في الإنسان نفساً وروحاً، وأن سفَهَ الإنسان وطيشه وجهله، وجميع صفاته المذمومة، من قِبل النَّفس، وأن حلمه وعلمه ووقاره، وجميع صفاته المحمودة، من قِبَلِ الروح. وظاهر هذه القضية، أن الذي سمّاه المتقدمون نفساً هو الروح، والذي سمّوه روحاً هو النَّفس، والأسماء لا يلتفت إليها، إنما يلتفت إلى المعاني.وهذا موضوع يتسع فيه القول، وغير هذا الموضع أولى به. غير أن الحق الذي يعضده البرهان من هذه المسألة، أن النَّفس غير الروح وأن النفس جوهرٌ باقٍ لا ينحلُّ بانحلال الأجسام، وأنها عند مفارقة الجسم تكون في نهاية الكمال والتمام، إلا أن تكون لها أعمال قبيحة، فتبقى مُعذّبة. حَرَّضَكَ الشّيبُ كي تتوبَ فيما تبتَ. . . . . . :حَرّضك: أغراك وحضَّك.وألَّا: بمعنى هَلَّا، يقال: ألَّا فعلت، وهَلَّا فعلت، ولَو مَا فعلت، بمعنى واحد.والحَرَض: الذي أضعفه المرض والهزال، حتى لا يقدر على النهوض.قال الله تعالى { حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } والإقراض: الإعطاء الذي ينوي فيه الاسترجاع، ويطلب عليه المكافأة ).

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي