منتهى الطلب من أشعار العرب/أوس بن حجر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أوس بن حجر

أوس بن حجر - منتهى الطلب من أشعار العرب

أوس بن حجر وقال أوس بن حجر التميمي:

ودِّع لميسَ الصَّارمِ اللاَّحي

إذ فنَّدتْ في فسادٍ بعدَ إصلاحِ

إذْ تستبيكَ بمصقولٍ عوارضهُ

حسنِ اللِّثاثِ عذابٍ غيرِ مملاحِ

كأنَّ ريقتَها بعد الكرى اغتبقتْ

من ماءِ أصهبَ في الحانوتِ نضَّاحِ

هبَّتْ تلومُ وليستْ ساعةَ اللاّحي

هلاّ انتظرتِ بهذا اللَّومِ إصباحي

قاتلَها اللهُ تلْحاني وقد علمتْ

أنِّي لنفسيَ إفسادي وإصلاحي

أنْ أشربِ الخمرَ أو أُرزأ لها ثمناً

فلا محالةَ يوماً أنَّني صاحي

ولا محالةَ منْ قبرٍ بمحنيةٍ

وكفنٍ كسراة الثورِ وضَّاحِ

دعِ العجوزينِ لا تسمعْ لقيلهما

واعمدْ إلى سيّدٍ في الحيِّ جحجاحِ

كانَ الشَّبابُ يلهِّينا ويعجبُنا

فما وهبنا ولا بعْنا بأرباحِ

يا منْ لبرقٍ أبيتُ اللَّيلَ أرقبهُ

في عارضٍ كمضيءِ الصُّبحِ لمَّاحِ

دانٍ مسفٍّ فويقَ الأرضِ هيدبهُ

يكادُ يدفعهُ منْ قامَ بالرَّاحِ

كأنَّ ريقهُ لمَّا علا شطباً

أقرابُ أبلقَ ينفي الخيلِ رمَّاحِ

هبَّتْ جنوبٌ بأعلاهُ ومالَ بهِ

أعجازُ مزنٍ يسحّ الماءَ دلاّحِ

فالْتجَّ أعلاهُ ثمَّ ارتجَّ أسفلهُ

وذاقَ ذرعاً بحملِ الماءِ منصاحِ

كأنَّما بينَ أعلاهُ وأسفلهِ

ريطاً ينشَّرهُ أو ضوءُ مصباحِ

ينزعُ جلدَ الحصى أجشُّ مبتركٌ

كأنَّهُ فاحصٌ أو لاعبٌ داحي

فمنْ بنجوتهِ كمنْ بمحفلهِ

والمستكنُّ كمنْ يمشي بقرواحِ

كأنَّ فيهِ عشاراً جلّةً شرفاً

شعثاً لَهاميمَ قد همَّتْ بإرشاحِ

هدلاً مشافرُها بحّاً حناجرها

تُزجي مرابعها في صحصحٍ ضاحي

فأصبحَ الرَّوضُ والقيعانُ ممرعةً

منْ بينِ مرتفقٍ منها ومُنطاحِ

وقال يرثي فضالة بن كلدة الأسدي:

عينيّ لا يدَّ من سكبٍ وتهمالِ

على فضالةَ جلَّ الرُّزءُ والعالِ

جمّا عليهِ بماءِ الشَّأنِ واحتفلا

ليسَ الفقودُ ولا الهلكى بأمثالِ

أمَّا حصانُ فلم تُحجبْ بكلّتِها

وطفتُ في كلِّ هذا النَّاسِ أحوالي

على امرئٍ سوقةٍ ممنْ سمعتُ بهِ

أندى وأكملَ منهُ أيّ إكمالِ

أوهبَ منهُ لذي أثرٍ وسابغةٍ

وقينةٍ عند شربٍ ذاتِ أشكالِ

وخارجيٍّ يزكُّ الألفَ معترضاً

وهونةٍ ذاتِ شمراخٍ وأحجالِ

أبا دليجةَ منْ تُوصي بأرملةٍ

أمْ منْ لأشعثَ ذي طمرينِ طملالِ

ومنْ يكونُ خطيبَ القومِ إذْ جعلوا

لدى ملوكٍ أولي كيدٍ وأقوالِ

أمْ منْ لقومٍ أضاعوا بعضَ أمرهمِ

بينَ القسوطِ وبينَ الدِّينِ دلدالِ

خافوا الأصيلةَ واعتلَّتْ ملوكهمُ

وحمِّلوا من أذى غرمٍ بأثقالِ

أبا دليجةَ منْ يكفي العشيرة إذْ

أمسَوا منَ الأمرِ في لبسٍ وبلبالِ

أمْ منْ لأهلٍ لواءٍ من مسكّعةٍ

من أمرِهم خلطوا حقّاً بإبطالِ

أمْ منْ لعاديةٍ تردِي ململمةٍ

كأنَّها عارضٌ في هضبِ أوعالِ

لمَّا رأوكَ على نهدٍ مراكلهُ

يسعى ببزِّ كمِيٍّ غيرِ معزالِ

وفارسٍ لا يحلُّ الحيُّ عدوتهُ

ولُّوا سراعاً وما همُّوا بإقبالِ

وما خليجٌ منَ البرُّوتِ ذو حدبٍ

يرمي الضَّريرَ بخشبِ الطَّلحِ والضَّالِ

يوماً بأجودَ منهُ حينَ تسألهُ

ولا مغبٌّ بترحٍ بينَ أشبالِ

ليثٌ عليهِ منَ البرديِّ هبريَةٌ

كالمرزُبانيِّ عيَّالٌ بأوصالِ

يوماً بأجرأَ منه حدَّ بادرةٍ

على كمِيٍّ بمهوِ الحدِّ قصّالِ

لا زالَ مسكٌ وريحانٌ لهُ أرجٌ

على صداكَ بصافي اللَّونِ سلسالِ

سقى صداكَ وُمساهُ ومصبحهُ

رفهاً ورمسُكَ محفوظاً بأظلالِ

ورَّثتَني ودَّ أقوامٍ وخلَّتهمْ

وذكرةً منكَ تغشاني بإجلالِ

فلنْ يزالَ ثناءٌ غيرَ ما كذبٍ

قولَ امرئٍ غيرَ ناسيهِ ولا سالي

لعمرُ ما قدرٌ أجدى بمصرعهِ

لقدْ أخلَّ بعرشي أيَّ إخلالِ

قدْ كانتِ النَّفسُ لو سامُوا الفداءَ بها

إليكَ مُسمحةً بالأهلِ والمالِ

وقال يرثيه:

أيَّتها النَّفسُ أجمِلي جزعا

إنَّ الذي تحذرينَ قد وقعا

إنَّ الذي جمَّعَ السَّماحةَ والنَّ

جدةَ والحزمَ والقوى جُمعا

الألمعي الذي يظنُّ لكَ الظّ

نَّ كأنْ قدْ رأى وقدْ سمعا

والمخلفَ المتلفَ المرزّأَ لمْ

يمتعْ بضعفٍ ولمْ يمتْ طبعا

والحافظُ النَّاسَ في الجدوبِ إذا

لمْ يرسِلوا تحتَ عائذٍ ربعا

وعزَّتِ الشَّمالُ الرِّياحَ وقدْ

أمسى ضجيعَ الفتاةِ ملتفِعا

وشُبِّه الهيدبُ العبامُ منَ ال

أقوامِ سقباً مجللاً فرِعا

وكانتِ الكاعبُ الممنَّعةُ ال

حسناءُ في زادِ أهلِها سبعا

أودى فلا تنفعُ الإشاحةُ في

شيءٍ لمنْ قدْ يحاولُ البدعا

ليبكِكَ الشّربُ والمدامةُ ال

فتيانُ طرّاً وطامعٌ طمعا

وذاتُ هدمٍ بالٍ نواشرُها

تصمتُ بالماءِ تولباً جدعا

والحيُّ إذْ حاذروا الصَّباحَ بأق

وامٍ وجاشتْ نفوسهمْ جزعا

وقال أوس أيضاً:

هلْ عاجلٌ منْ متاعِ الحيِّ منظورُ

أمْ بيتُ دومةَ بعدَ الإلفِ مهجورُ

أمْ هلْ كبيرٌ بكى لم يقضِ عبرتهُ

إثرَ الأحبّةِ يومَ البينِ معذورُ

لكنْ بفرتاجَ فالخلصاءِ أنتَ بها

فحنبلٍ فلِوى سرَّاءَ مسرورُ

وبالأُنيعمِ يوماً قد تحلُّ بهِ

لدى خزازَ ومنها منظرٌ كيرُ

قدْ قلتُ للرَّكبِ لولا أنَّهمْ عجِلوا

عوجوا عليَّ فحيُّوا الحيَّ أو سيروا

قلَّتْ لحاجةِ نفسٍ ليلةٌ عرضتْ

ثمَّ اقصِدوا بعدَها في السَّيرِ أو جوروا

غرٌّ غرائرُ أبكارٌ نشأنَ معاً

حسنُ الخلائقِ عمَّا يُتَّقى نورُ

لبسنَ ريطاً وديباجاً وأكسيةً

شتَّى بها اللَّونُ إلاّ أنَّها فورُ

ليسَ الحديثُ بنُهبى ينتَهبنَ ولا

سرٌّ يحدّثنهُ في الحيِّ منشورُ

وقدْ تُلافي بيَ الحاجاتِ ناجيةٌ

وجناءُ لاحقةُ الرِّجلينِ عيسورُ

تساقطُ المشيَ أفناناً إذا عصبتْ

إذا ألحَّتْ على ركبانِها الخورُ

حرفٌ أخوها أبوها منْ مهجَّنةٍ

وعمُّها خالُها وجناءُ مئْشيرُ

وقدْ ثوتْ نصفَ حولٍ أشهراً جدداً

يسفي على رحلِها بالحيرةِ المورُ

قدْ فارقتْ وهي لمْ تجربْ وباعَ لها

منَ الفصافصِ بالنُّمِّيَّ سِفسيرُ

أبقى التهجُّرَ منها بعدَ كدنتِها

منَ المحالةِ ما يشغَى بهِ الكورُ

تُلقي الجرانَ وتقلَولي إذا بركتْ

كما تيسَّرَ للنَّفرِ المها النُّورُ

كأنَّ هرّاً جنيباً غُرضتها

واصطكَّ ديكٌ برجليْها وخِنزيرُ

كأنَّها ذو وُشومٍ بينَ مأفقةٍ

والقطقانةِ والمذعورُ مذعورُ

أحسَّ ركزَ قنيصٍ منْ بني أسدٍ

فانصاعَ منثوياً والخطوُ مقصورُ

يسعى بغضفٍ كأمثالِ الحصى زمِعاً

كأنَّ أحناكَها السُّفلى مآشيرُ

حتَّى أشبَّ لهنَّ الثَّورُ من كثبٍ

فأرسلوهنَّ لمْ يدروا بما ثِيروا

ولَّى مجدّاً وأزمعنَ اللَّحاقَ بهِ

كأنَّهنَّ بجنبيْهِ الزَّنابيرُ

حتَّى إذا قلتَ نالتهُ أوائلُها

ولو يشاءُ لنجَّتهُ المثابيرُ

كرَّ عليها ولم يفشلْ يُهارشُها

كأنَّهنَّ بتواليهنَّ مسرورُ

فشكَّها بذليقٍ حدُّهُ سلبٌ

كأنَّهُ حينَ يعلوهنَّ موتورُ

ثمَّ استمرَّ يُباري ظلَّهُ جذلاً

كأنَّهُ مرزُبانٌ فازَ محبورُ

يالَ تميمٍ وذو قارٍ لهُ حدبٌ

منَ الرَّبيعِ وفي شعبانَ مسجورُ

قدْ حلأتْ ناقتي بردٌ وراكبها

عنْ ماءِ بصوةَ يوماً وهو مهجورُ

فما تناءى بها المعروفُ إذْ نفرتْ

حتَّى تضمَّنها الأفدانُ والدُّورُ

قومٌ لئامٌ وفي أعناقهمْ عنفٌ

وسعيهمْ دونَ سعْي النَّاسِ مبهورُ

ويلَ أُمِّهم معشراً جمٌّ بيوتهمُ

منَ الرِّماحِ وفي المعروفِ تنكيرُ

إذْ يشزِرونَ إليَّ الطَّرفَ عنْ عرضٍ

كأنَّ أعينهمْ منْ بُغضهمْ عورُ

نكَّبْتها ماءهمْ لمَّا رأيتهمُ

صهبَ السِّبالِ بأيديهمْ بيازيرُ

مُخلّفون ويقضي النَّاسُ أمرهمُ

غُشي الملامةِ صنبورٌ فصنبورُ

لولا الهمامُ الذي تُرجى نوافلهُ

لنالهمْ جحفلٌ تشقَى بهِ العورُ

لولا الهمامُ لقدْ خفَّتْ نعامتهمْ

وقالَ راكبهمْ في عصبةٍ سِيروا

وقال أوس أيضاً:

حلَّتْ تماضرُ بعدَنا ربَبا

فالغمرَ فالمرَّيْنِ فالشَّعبا

حلَّتْ شآميةً وحلَّ قساً

أهلي فكانَ طِلابها نصبا

لحقتْ بأرضِ المنكرينَ ولمْ

تمكنْ لحاجةِ عاشقٍ طلبا

شبَّهتُ آياتٍ بقينَ لها

في الأولينِ زخارفاً قشُبا

تمشي بها ربدُ النَّعامِ كما

تمشي إماءٌ سُربلتْ جُببا

ولقدْ أروغُ على الخليلِ إذا

خانَ الخليلُ الوصلَ أو كذبا

بجلالةٍ سرحِ النّجاءِ إذا

آلُ الجفاجفِ حولَها اضطربا

وكستْ لوامعهُ جوانبَها

قصصاً وكانَ لأكمِها سببا

خلطتْ إذا ما السَّيرُ جدَّ بها

معْ لِينها بمراحها غضبا

وكأنَّ أقْتادي رميتُ بها

بعدَ الكلالِ ملمَّعاً شببا

منْ وحشِ أنبطَ باتَ منكرساً

حرجاً يعالجُ مظلماً صخبا

لهقاً كأنَّ سراتهُ كُسيتْ

خرزاً نقا لمْ يعدُ أنْ قشِبا

حتَّى أُتيحَ لهُ أخو قنصٍ

شهمٌ يُطر ضوارياً كثبا

يُنحي الدِّماءَ على ترائبها

والقدَّ معقوداً ومنقضِبا

فذأوْنَهُ شرفاً وكنَّ لهُ

حتَّى تفاضلَ بينها جلبا

حتَّى إذا الكلابُ قالَ لها

كاليومِ مطلوباً ولا طلبا

ذكرَ القتالَ لها فراجعَها

عنْ نفسهِ ونُفوسها ندبا

فنحا بشِرَّتهِ لسابقِها

حتَّى إذا ما روقهُ اختضبا

كرهتْ ضواريها اللَّحاقَ بهِ

مُتباعداً منها ومقتربا

وانقضَّ كالدِّرِّيءِ يتبعهُ

نقعٌ يثورُ تخالهُ طنُبا

يخفى وأحياناً يلوحُ كما

رفعَ المنيرُ بكفِّه لبا

أبَني لُبينى لمْ أجدْ أحداً

في النَّاسِ ألأمَ منكمُ حسبا

وأحقّ أنْ يُرمى بداهيةٍ

إنَّ الدَّواهي تطلعُ الحدبا

وإذا تُسوئلَ عنْ محاتدكمْ

لمْ توجدوا رأساً ولا ذنَبا

وقال أوس بن حجر أيضاً:

سلا قلبهُ عن سكرهِ فتأمّلا

وكانَ بذكرى أمِّ عمرٍو موكّلا

وكانَ لهُ الحينُ المتاحُ حمولةً

وكلُّ امرئٍ رهنٌ بما قدْ تحمّلا

لا أعتبُ ابنَ العمِّ إنْ كنتَ ظالماً

وأغفرُ عنهُ الجهلَ إن كانَ أجهلا

وإنْ قالَ لي ماذا ترى يستشرُني

يجدْني ابنَ عمٍّ مخلطَ الأمرِ مزيلا

أُقيمُ بدارِ الحزمَ ما دامَ حزمُها

وأحرِ إذا حالتْ بأنْ أتحوّلا

وأستبدلُ الأمرَ القويَّ بغيرهِ

إذا عقدُ مأفونِ الرِّجالِ تحلّلا

فإنِّي امرؤٌ أعددتُ للحربِ بعدَما

رأيتُ لها ناباً من الشَّرِّ أعصلا

أصمَّ رُدينيّاً كأنَّ كعوبهُ

نوى القسبِ عرّاصاً مزجّاً منصّلا

عليهِ كمصباحِ العزيزِ يشبُّهُ

لفصحٍ ويحشوه الذُّبالَ المفتّلا

وأملسَ صوليّاً كنهيِ قرارةٍ

أحسَّ بقاعٍ نفخَ ريحٍ فأجفلا

كأنَّ قرونَ الشَّمسِ عندَ ارتفاعِها

وقدْ صادفتْ طلقاً منَ النَّجمِ أعزلا

تردَّدَ فيه ضوؤها وشعاعُها

فأحصنْ وأزينْ بامرئٍ أنْ تسربلا

وأبيضَ هنديّاً كأنَّ غرارهُ

تلألؤُ برقٍ في حبِيّ مكلّلا

إذا سلَّ من جفنٍ تأكلَ أثرهُ

على مثلِ مصحاةِ اللُّجينِ تأكّلا

كأنَّ مدبَّ النَّملِ يتَّبعُ الرُّبى

ومدرجَ ذرٍّ خافَ برداً فأسهلا

على صفحتيهِ من متونِ جلالهِ

كفى بالذي أُبلي وأنعتُ منصلا

ومبضوعةٌ من رأسِ فرعٍ شظيَّةٌ

بطودٍ تراهُ بالسَّحابِ مجلّلا

على ظهرِ صفوانٍ كأنَّ متونهُ

علِلنَ بدهنٍ يزلقُ المتنزّلا

يطيفُ بها راعٍ يجشّمُ نفسهُ

ليُكلئَ فيها طرفهُ متأمّلا

فلاقى امرأً من ميدعانَ وأسمحتْ

قرونتهُ باليأسِ منها فعجّلا

فقالَ لهُ هلْ تذكرنَّ مخبِّراً

يدلّ على غنمٍ ويقصرُ معملا

على خيرِ ما أبصرتَها منْ بضاعةٍ

لملتمسٍ بيعاً بها أوْ تأكّلا

فويقَ حبيلٍ شامخِ الرَّأس لم تكن

لتبلغُه حتَّى تكلّ وتعملا

فأبصرَ ألهاباً من الطّودِ دونها

ترى بينَ رأسيْ كلِّ نيقين مهبلا

فأشرطَ فيها نفسهُ وهو معصمٌ

وألقى بأسبابٍ لها وتوكّلا

وقدْ أكلتْ أظفارهُ الصّخرُ كلما

تعايا عليهِ طولُ مرقًى توصّلا

فما زالَ حتَّى نالها وهو معصمٌ

على موطنٍ لو زلَّ عنهُ تفصّلا

فأقبلَ لا يرجو التي صعدت بهِ

ولا نفسهُ إلاّ رجاءً مؤمّلا

فلمَّا نجا منْ ذلك الكربِ لم يزلْ

يمظِّعها ماءَ اللّحاءِ لتذبلا

فأنحى عليها ذاتَ حدٍّ دعا لها

رفيقاً بأخذٍ بالمداوسِ صيقلا

على فخذيهِ من برايةِ عودِها

شبيهُ سفى البُهمى إذا ما تفتّلا

فجرَّدها صفراءَ لا الطّولُ عابَها

ولا قصرٌ أزرى بها فتعطّلا

كتومٌ طلاعُ الكفِّ لا دون ملئِها

ولا عجسُها عن موضعِ الكفِّ أفضلا

إذا ما تعاطوْها سمعتَ لصوتِها

إذا أنبضوا عنها نئيماً وأزملا

وإنْ شدَّ فيها النَّزعُ أدبرَ سهمُها

إلى منتهًى من عجسِها ثمَّ أقبلا

فلمَّا قضى مما يريدُ قضاءهُ

وصلَّبها حرصاً عليها فأطولا

وحشوَ جفيرٍ من فروعٍ غرائبٍ

تنطَّعَ فيها صانعٌ وتنبّلا

تخيّرنَ أنضاءٌ وركّبنَ أنصلاً

كجمرِ الغضا في يومِ ريحٍ تزيّلا

فلمَّا قضى في الصُّنعِ منهنَّ فهمهُ

فلم يبقَ إلاّ أنْ تسنَّ وتصقلا

كساهنَّ من ريشٍ يمانٍ ظواهراً

سخاماً لُؤاماً ليِّن المسِّ أطحلا

تخرنَ إذا أُنفزنَ في ساقطِ النَّدى

وإنْ كانَ يوماً ذا أهاضيبَ مخضلا

خوارَ المطافيلِ الملمّعةِ الشَّوى

وأطلاءها صادفنَ عرنانَ مبقلا

فذاكَ عتادي في الحروبِ إذا التظتْ

وأردفَ بأسٌ من حروبٍ وأعجلا

وذلكَ من جمعي وباللهِ نلتهُ

وإن تلقَني الأعداءُ لا ألْق أعزلا

وقومي خيارٌ من أُسيّدَ شجعةٌ

كرامٌ إذا ما الموتُ خبّ وهرولا

ترى النَّاشئَ المجهولَ منَّا كسيّدٍ

تبحبحَ في أعراضهِ وتأثّلا

وقدْ علموا أنْ من يُرد ذاك منهمُ

من الأمرِ يركبْ من عِناني مسحلا

فإنِّي رأيتُ النَّاسَ إلاّ أقلّهمْ

خفافَ العقولِ يُكثرونَ التنقّلا

بني أُمِّ ذ المالِ الكثيرِ يرونهُ

وإن كانَ عبداً سيّدَ الأمرِ جحفلا

وهمْ لمقلّ المالِ أولادُ علّةٍ

وإنْ كانَ محضاً في العمومة مُخولا

وليسَ أخوكَ الدائمُ العهدِ بالذي

يذمّك إنْ ولَّى ويُرضيكَ مقبلا

ولكنْ أخوكَ النَّائي ما دمتَ آمناً

وصاحبك الأدْنى إذا الأمرُ أعضلا

وقال أيضاً:

تنكَّرَ بعدي من أميمةَ صائفُ

فبركٌ فأعلى تولبٍ فالمخالفُ

فقوٌّ فرَهبى فالسَّليلُ فعاذبٌ

مطافيلُ عوذِ الوحش فيه عواطفُ

فبطنُ السليِّ فالسِّخالُ تعذَّرتْ

فمعقلةٌ إلى الطّراةِ فواحفُ

كأنَّ جديدَ الدَّارِ يُبليك عنهمُ

تقيُّ اليمينِ بعدَ عهدكَ حالفُ

بها العينُ والآرامُ ترعى سِخالها

فطيمٌ ودانٍ للفطامِ وناصفُ

وقدْ سألتْ عنِّي الوشاةُ فخُبّرتْ

وقد نُشرتْ منها لديَّ الصَّحائفُ

كعهدكَ لا عهدُ الشَّبابِ يُضلّني

ولا هرمٌ ممَّن توجّهَ دالفُ

وقد أنتحي للجهلِ يوماً وتنتحي

ظعائنُ لهوٍ ودُّهنَّ مساعفُ

نواعمُ ما يضحكنَ إلاّ تبسّماً

إلى اللَّهوِ قد مالتْ بهنَّ السَّوالفُ

وأدماءَ مثلِ الفحلِ يوماً عرضتُها

لرحلي وفيها جرأةٌ وتقاذفُ

فإنْ يهوَ أقوامٌ ردايَ فإنَّما

يقيني الإلهُ ما وقَى وأصادفُ

وعنسٍ أمونٍ قد تعلَّلتُ متنها

على صفةٍ أو لم يصفْ لي واصفُ

كُميتٍ عصاها النَّقرُ صادقةِ السُّرى

إذا قيلَ للحيران أينَ تخالفُ

علاةٍ كنازِ اللَّحمِ ما بينَ خفِّها

وبينَ مقيلِ الرَّحلِ هولٌ نفانفُ

علاةٍ من النّوقِ المراسيلِ وهمةٍ

نجاةٍ علتْها كبرةٌ فهي شارفُ

جماليّةٍ للرَّحلِ فيها مقدَّمٌ

أمونٍ وملقًى للزَّميلِ ورادفُ

يشيِّعها في كلِّ هضبٍ ورملةٍ

قوائمُ عوجٌ مجمراتٌ مقاذفُ

توائمُ أُلاّفٌ توالٍ لواحقٌ

سواهٍ لواهٍ مربداتٌ خوانفُ

يزلّ قتودُ الرَّحلِ عن دأَياتها

كما زلَّ عن رأس الشَّجيجِ المجارفُ

إذا ما ركابُ القومِ زيّل بينَها

سُرى الليلِ منها مستكينٌ وصارفُ

علا رأسَها بعدَ الهبابِ وسامحتْ

كمحلوجِ قطنٍ ترتميه النَّوادفُ

وأنحتْ كما أنحى المحالةَ ماتحٌ

على البئرِ أضحى حوضهُ وهو ناشفُ

يخالطُ منها لينَها عجرفيّةٌ

إذا لمْ يكنْ في المُقرفاتِ عجارفُ

كأنَّ ونًى خانتْ بهِ من نِظامها

معاقدُ فارْفضَّت بهنَّ الطَّوائفُ

كأنَّ كُحيلاً مُعقداً أو عنيَّةٌ

على رجعِ ذِفريها من اللَّيثِ واكفُ

ينفِّرُ طيرَ الماءِ منها صريفُها

صريفَ محالٍ أقلقتْهُ الخطاطفُ

كأنِّي كسوتُ الرَّحلَ أحقبَ قارباً

لهُ بجنوبِ الشَّيِّطينِ مساوفُ

يقلِّبُ قيدوداً كأنَّ سراتَها

صفا مدهنٍ قدْ زحفلتْهُ الزَّحالفُ

يقلِّبُ حقباءَ العجيزةِ سمحجاً

بها ندبٌ من زرِّهِ ومناسفُ

وأخلفهُ من كلّ وقطٍ ومدهنٍ

نطافٌ فمشروبٌ يبابٌ وناشفُ

وحلأها حتَّى إذا هيَ أحنقتْ

وأشرفَ فوقَ الحالِيينِ الشَّراسفُ

وخبَّ سفا قُريانهِ وتوقَّدتْ

عليهِ منَ الصّمّانتينِ الأصالفُ

فأضحى بقاراتِ السِّتارِ كأنَّهُ

ربيئةُ جيشٍ فهو ظمآنُ خائفُ

يقولُ لهُ الرَّاؤونَ هذاكَ راكبٌ

يُؤبِّنُ شخصاً فوق علياءَ واقفُ

إذا استقبلتهُ الشَّمسُ صدَّ بوجههِ

كما صدَّ عن نارِ المهوِّلِ حالفُ

تذكَّرَ عيناً من غمازةَ ماؤها

لهُ حببٌ تستنّ فيه الزّخارفُ

لهُ ثئلٌ يهتزُّ جعدٌ كأنَّهُ

مخالطُ أرجاءِ العيونِ القراطفُ

فأوردَها التّقريبُ والشَّدُّ منهلاً

قطاهُ معيدٌ كرّةَ الوردِ عاطفُ

فلاقى عليها من صباحَ مدمِّراً

لناموسهِ من الصَّفيحِ سقائفُ

صدٍ غائرُ العينينِ شقَّقَ لحمهُ

سمائمُ قيظٍ فهوَ أسودُ شاسِفُ

أزبُّ ظهورِ السَّاعدينِ عظامهُ

على قدرٍ شئنَُ البنانِ جنادفُ

أخو قتراتٍ قد تيقَّنَ أنّهُ

إذا لم يُصب لحماً من الوحشِ خاسفُ

معاودُ قتلِ الهادياتِ شواؤهُ

من اللَّحمِ قُصرى بادنٍ وطفاطفُ

قصيُّ مبيتِ اللَّيلِ للصَّيدِ مطعمٌ

لأسهمهِ غارٍ وبارٍ وراصفُ

فيسَّرَ سهماً راشهُ بمناكبٍ

ظهارٍ لؤامٍ فهو أعجفُ شارفُ

على ضالةٍ فزعٍ كأنَّ نذيرها

إذا لم تُخفّضهُ عن الوحشِ عازفُ

فأمهلهُ حتَّى إذا أنْ كأنَّهُ

مُعاطي يدٍ من جمّةِ الماءِ غارفُ

وأرسلهُ مستيقنُ الظّنِّ أنَّهُ

مخالطُ ما تحتَ الشَّراسيفِ جائفُ

فمرَّ النَّضيُّ للذّراعِ ونحرهِ

وللحينِ أحياناً عن النَّفسِ صارفُ

فعضَّ بإبهامِ اليمينِ ندامةً

ولهَّفَ سرّاً أُمَّه وهو لاهفُ

وجالَ ولمْ يعكمْ وشيَّعَ إلفهُ

بمنقطعِ الغضراءِ شدٌّ مؤالفُ

فما زالَ يبري الشَّدَّ حتَّى كأنَّما

قوائمهُ في جانبيهِ الزَّعانفُ

كأنَّ بجنبيهِ جنابينِ من حصًى

إذا عدوّهُ مرَّ به متضايفُ

تواعدُ رِجلاها يديهِ ورأسهُ

لها قتبٌ فوقَ الحقيبةِ رادفُ

يصرِّفُ للأصواتِ والرِّيحِ هادياً

تميمَ النَّضيِّ كدَّحته المناسفُ

ورأساً كدنِّ التَّجرِ جأباً كأنَّما

رمى حاجبيهِ بالحجارةِ قاذفُ

كِلا منخريهِ سائفاً أو معشِّراً

بما انفضَّ من ماءِ الخياشيمِ راعفُ

وقال أوس أيضاً:

تنكّرتِ منَّا بعدَ معرفةٍ لمي

وبعد التَّصابي والشَّبابِ المكرّمِ

وبعدَ ليالينا بجوِّ سويقةٍ

فباعجةِ القردانِ فالمتثلّمِ

وما خفتُ أنْ تبلى النَّصيحةُ بيننا

بهضبِ القليبِ فالرّقيّ فعيهمِ

فمِيطي بميَّاطٍ وإن شئتِ فانعَمي

صباحاً وردِّي بيننا الوصلَ واسلمي

وإن لم يكنْ إلاّ كما قلتِ فأْذني

بصرمٍ وما حاولتِ إلاّ لتصرِمي

لعمري لقد بيَّنتُ يومَ سويقةٍ

لمنْ كانَ ذا لبٍّ بوجهةِ منسمِ

فلا وإلهي ما غدرتُ بذمَّةٍ

وإنَّ أبي قبلي لغيرُ مذمّمِ

يجرِّدُ في السّربالِ أبيضَ صارماً

مُبيناً لعينِ النَّاظرِ المتوسّمِ

يجودُ ويُعطي المالَ من غيرِ ضنَّةٍ

ويضربُ أنفَ الأبلخِ المتغشّمِ

يحلُّ بأوعارٍ وسهلٍ بيوتهُ

لمنْ نابهُ من مستجيرٍ ومُعدمِ

محلاًّ كوعساءِ القنافذِ ضارباً

به كنفاً كالمخدرِ المتأجّمِ

بجنبِ حبَّيٍّ ليلتينِ كأنما

يفرِّطُ نحساً أو يفيضُ بأسهمِ

يجلجلُها طورينِ ثمَّ يفيضُها

كما أُرسلتْ مخشوبةٌ لم تقوّمِ

تمتَّعنَ من ذاتِ الشُّقوقِ بشربةٍ

ووازنَّ من أعلى جفافَ بمخرمِ

صبحنَ بني عبسٍ وأفناءَ عامرٍ

بصادقةٍ جودٍ من الماءِ والدَّمِ

لحينهمُ لحيَ العصا فطردنهمْ

إلى سنةٍ جرذانُها لم تحلّمِ

بأرعنَ مثلَ الطَّودِ غيرِ أشابةٍ

تفاخرُ أُولاهمْ ولم يتصرّمِ

ويخلجْنهمْ من كلّ صمدٍ ورجلةٍ

وكلّ غبيطٍ بالمغيرةِ مفعمِ

فأعقبَ خيراً كلُّ أهوجَ مهرجٍ

وكلّ مفدّاةِ العلالةِ صلدمِ

لعمركَ إنَّا والأحاليفُ هؤلاءِ

لفي حقبةٍ أظفارها لم تقلّمِ

فإنْ كنتَ لا تدعو إلى غيرِ نافعٍ

فدعْني وأكرمْ ما بدا لكَ واذأمِ

فعندي قروضُ الخيرِ والشّرِّ كلّهِ

فبؤسى لدى بؤسى ونُعمى بأنعمِ

فما أنا إلاّ مستعدٌّ كما أرى

أخر شركيِّ الوردِ غيرُ معتّمِ

هجاؤكَ إلاّ أنَّ ما كانَ قد مضى

عليَّ كأثوابِ الحرامِ المهينمِ

ومستعجبٍ ممَّا يرى من أناتِنا

ولو زبنَتهُ الحربُ لم يترمرمِ

فإنَّا وجدْنا العِرضَ أفقرَ ساعةً

إلى اللَّونِ من ريطٍ يمانٍ مسهّمِ

أرى حربَ أقوامٍ تدقّ وحربُنا

تجلُّ فنعروري بها كلَّ معظمِ

ترى الأرضَ منَّا بالفضاءِ عريضةً

معضِّلةً منَّا بجمعٍ عرمرمِ

وإنْ مقرمٌ منَّا ذرا حدُّ نابهِ

تمخَّطَ فينا نابُ أخرَ مقدمِ

لنا مرجمٌ ننفي به عن بلادِنا

وكلُّ تميمٍ يرجمونَ بمرجمِ

أُسيّدُ أبناءٌ له قد تتابعوا

نجومُ سماءٍ من تميمٍ بمعلمِ

تركتُ الخبيثَ لم أشاركْ ولم أذقْ

ولكنْ أعفَّ اللهُ مالي ومطعمي

فقوْمي وأعدائي يظنُّونَ أنَّني

متى يُحدثوا أمثالها أتكلّمِ

رأتني معدٌّ معلماً فتناذرتْ

مبادهتي أمشي برايةِ معلمِ

فتنهى ذوي الأحلامِ عنِّي حلومهمْ

وأرفعُ صوتي للنَّعامِ المصلّمِ

وإنْ هزَّ أقوامٌ إليَّ وحدّدوا

كسوتهمُ من حبرِ بزٍّ متحّمِ

يخيَّل في الأعناقِ منَّا خزايةٌ

أوابدُها تهوي إلى كلّ موسمِ

وقد رامَ يجري بعد ذلكَ طامياً

من الشُّعراءِ كلُّ عودٍ ومقحمِ

ففاءوا ولوْ أسْطوا على أمّ بعضِهم

أصاخَ فلمْ ينصتْ ولم يتكلّمِ

على حين أنْ تمَّ الذَّكاءُ وأدركتْ

قريحةُ حسْيٍ من شريحٍ مغمّمِ

بنيٍّ ومالي دون عِرضي مسلّمٌ

وقولي كوقعِ المشرفيِّ المصمّمِ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي