منتهى الطلب من أشعار العرب/الأخطل

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الأخطل

الأخطل - منتهى الطلب من أشعار العرب

الأخطل وقال الأخطل، واسمه غياث بن غوث بن الصلتِ بن طارق بن عمرو بن سيحان بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائلٍ يمدح خالد بن عبد الله الأموي، وكان الأخطل نصرانياً: الطويل

عفا واسطٌ من آلِ رضوى فنبتلُ

فمجتمعُ الحرينِ فالصبرُ أجملُ

فرابيةُ السكرانِ قفرٌ فما بها

لهمْ شبحٌ إلاَّ سلامٌ وحرملُ

صحا القلبُ إلا منْ ظعائنَ فاتنِي

بهنَّ ابنُ خلاسٍ طفيلٌ وعزهلُ

كأني غداةَ انصعْنَ للبينِ مسلمٌ

بضربةِ عنقٍ أو غويٌّ معذلُ

صريعُ مدامٍ يرفَعُ الشربُ رأسهُ

ليحيا وقدْ ماتتْ عظامٌ ومفصلُ

تهاداهُ أحياناً وحيناً تجرهُ

فما كادَ إلاَّ بالحشاشةِ يعقلُ

إذا رفعوا عظماً تحاملَ صدْرُهُ

وآخرُ مما نالَ منهُ مخبلُ

شربتُ ولا قانِي لحلِّ أليتِي

قطارٌ تروَّى من فلسطينَ مثقلُ

عليهِ من المعزَى مسوكٌ رويَّةٌ

مملاءةٌ يُعلَى بها ويعدلُ

فقلتُ اصبحونِي لا أباً لأبيكمُ

وما وضعوا الأثقالَ إلاَّ ليفعلوا

أناخوا فجروا شاصياتٍ كأنَّها

رجالٌ من السُّودانِ لمْ يتسربلوا

وجاؤوا ببيسانيةٍ هيَ بعدما

يعلُّ بها الساقيْ ألذُّ وأسهلُ

تمرُّ بها الأيْدِي سنياً وبارِحاً

وتوضعُ باللهمَّ حيِّ وتحملُ

وتوقفُ أحياناً فيفصلُ بيننا

غناءُ مغنٍّ أو شواءٌ مرعبلُ

فلذتْ لمرتاحٍ وطابتْ لشاربٍ

وراجعنِي منها مراحٌ وأخيلُ

فلما لبثتنا نشوةٌ لحقتْ بنا

توابعُها مما تعلُّ وتنهلُ

تدبُّ دبيباً في العظامِ كأنهُ

دبيبُ نمالٍ في نقاً يتهيلُ

فقلتُ اقتلوها عنكمُ بمزاجها

فأطيبْ بها مقتولةً حينَ تقتلُ

ربتْ ورَبا في حجرِها ابنُ مدينةٍ

يظلُّ على مسحاتِهِ يتركلُ

إذا خافَ من نجمٍ عليها ظماءةً

أدبَّ إليها جدولاً يتسلسلُ

أعاذلَ إنْ لمْ تقصرِي عن ملامتِي

أدعكِ وأعمدْ للتِي هي أجملُ

ويهجركِ الهجرَ الجميل وينتحِي

لنا من ليالينا العوارِمِ أولُ

فلما انجلتْ عني صبابةُ عاشقٍ

بدا لِيَ منْ حاجاتِيَ المتأملُ

إلى هاجسٍ منْ آلِ ظمياءَ والتي

أتَى دونها بابٌ بصرينَ مقفلُ

وبيداءَ ممحالٍ كأنَّ نعامَها

بأرجائِها القصوَى أباعِرُ هملُ

ترى لامعاتِ الآلِ فيها كأنَّها

رجالٌ تعرَّى تارةٍ وتسربلُ

وجوزِ فلاةٍ ما يغمضُ ركبُها

ولا عينُ هادِيها من الخوفِ تغفلُ

بكلِّ بعيدِ الغولِ لا يهتدَى لهُ

بعرفانِ أعلامٍ وما فيهِ منهلُ

ملاعبُ جنانٍ كأنَّ ترابها

إذا اطردَتْ فيهِ الرياحُ مغربلُ

أجزتُ إذا الحرباءُ أوفَى كأنهُ

مصلٍّ يمانٍ أو أسيرٌ مكبلُ

إلى ابنِ أسيدٍ خالدٍ أرقلتْ بنا

مسانيفُ تعروري فلاةً تغولُ

ترى الثعلبَ الحوليَّ فيها كأنهُ

إذا ما علا نشزاً حصانٌ مجللُ

ترى العرمِسَ الوجناءَ يضربُ حاذَها

ضئيلٌ كفروجِ الدَّجاجةِ معجلُ

يشقُّ سماحيقَ السلا عنْ جنينها

أخو قفرةٍ بادِي السغابةِ أطحلُ

فما زالَ عنها السيرُ حتى تواضعتْ

عرائكها مما تحلُّ وترحلُ

وتكليفناها كلَّ نازحةِ الصوى

شطونٍ ترى حرباءها يتململُ

وقد ضمرتْ حتى كأنَّ عيونها

بقايا قلاتٍ أوْ ركِيٌّ ممكلُ

وماتَ بقاياها إلى كلِّ حرةٍ

لها بعدَ إسآدٍ مراحٌ وأفكلُ

وقعنَ وقوعَ الطيرِ فيها وما بِها

سوى جرةٍ يرجعنَها متعللُ

وإلا مبالٌ آجنٌ في مناخِها

ومضطمراتٌ كالفلافِلِ ذبَّلُ

حوامِلَ حاجاتٍ ثقالٍ تجرها

إلى حسن النعمَى سواهِمُ نسلُ

إلى خالِدٍ حتى أنخنَ بخالدٍ

فنعمَ الفتى يرجَى ونعمَ المؤملُ

أخالدُ مأواكمْ لمنْ حلَّ واسعٌ

وكفاكَ غيثٌ للصعاليك مرسلُ

هو القائدُ الميمونُ والمبتغَى بهِ

ثباتُ رحاً كانتْ قديماً تزلزلُ

أبَى عودُكَ المعجومُ إلاَّ صلابةً

وكفاكَ إلاَّ نائلاً حينَ تسألُ

ألا أيُّها الساعي ليدرِكَ خالداً

تناهَ وأقصرْ بعضَ ما كنتَ تفعلُ

وهلْ أنتَ إنْ مدَّ المدَى لكَ خالدٌ

موازٍ لهُ أو حامِلٌ ما تحمَّلُ

أبى لكَ أن تسطيعهُ أو تنالهُ

حديثٌ شآكَ القومُ فيه وأوَّلُ

أميَّةُ والعاصِي وإنْ يدعُ خالدٌ

يجبهُ هشامٌ للفعالِ ونوفلُ

أولئكَ عينُ الماءِ فيهمْ وعندهمْ

من الخيفةِ المنجاةٌ والمتحولُ

سقى اللهُ أرضاً خالدٌ خيرُ أهلها

بمستفرغٍ باتتْ عزاليهِ تسحلُ

إذا طعنتْ ريحُ الصبا في فروجهِ

تحلبَ ريانُ الأسافِل أنجلُ

إذا زعزعتهُ الريحُ جرَّ ذيولَهُ

كما رجفتْ عوذٌ ثقالٌ مطفلُ

ملحٌّ كأنَّ البرقَ في حجراتهِ

مصابيحُ أو أقرابُ بلقٍ تحفلُ

فلمّا انتحى نحوَ اليمامَةِ قاصِداً

دعتهُ الجنوبُ فانثنى يتخزَّلُ

سقى لعلعاً والقرنتينِ فلمْ يكدْ

بأثقالِهِ عن لعلَعٍ يتحملُ

وغادَر أكْمَ الحزنِ تطفو كأنها

بما أجملَتْ منهُ دواجِنُ قفلُ

وبالمعرَسانِيّاتِ حلَّ وأرزمَتْ

بروضِ القطا منهُ مطافيل حفلُ

لقد أوقعَ الجحافُ بالبشرِ وقعةً

إلى الله منها المشتكَى والمعولُ

فسائلْ بنِي مروانَ ما بالُ ذمةٍ

وحبلٍ ضعيفٍ لا يزالُ يوصَّلُ

بنزوةِ لصٍ بعدَما مرَّ مصعبٌ

بأشعثَ لا يفلَى ولا هوَ يغسلُ

أتاكَ بهِ الجحافُ ثمَّ أمرتَهُ

بجيرانكم عندَ البيوتِ تقتلُ

لقدْ كانَ للجيرانِ ما لوْ دعوتُمُ

بها عاقلَ الأروَى أتتكمْ تنزَّلُ

فإلاَّ تغيرْها قريشٌ بملكها

يكنْ عن قريشٍ مستمازٌ ومزحلُ

ونعررْ أناساً عرةً يكرهونها

ونحيا كراماً أو نموَت فنقتلُ

وإنْ يحملوا عنهمْ فما منْ حمالةٍ

وإنْ ثقلتْ إلاَّ دمُ القومِ أثقلُ

وإنْ يعرضوا فيها لكَ الحقَّ لا يكنْ

عنِ الحقِّ عما ناءَ بالحقِّ نسألُ

وقد ننزلُ الثغرَ المخوفَ ويتقَى

بنا البأسُ واليومُ الأغرُّ المحجلُ

وقال الأخطل يهجو جريراً: الكامل

كذبتكَ عينكَ أمْ رأيتَ بواسطٍ

غسلَ الظلامِ من الربابِ خيالا

وتعرضتْ لكَ بالأبالخ بعدما

قطعتْ بأبرقَ خلةً ووصالا

وتغولَتْ لتردَّعنّا خفيةً

والغانياتُ يرينكَ الأهوالا

يمدُدُنَ من هفواتِهنَّ إلى الصبا

سبباً يصدنَ به الرجالَ طوالا

ما إنْ رأيتُ كمكرهنَّ إذا جرى

فينا ولا كحبالهنَّ حبالا

المهدياتِ لمنْ هوينَ مسبةً

والمحسناتِ لمنْ قلينَ مقالا

يرعينَ عهدكَ ما رأينكَ شاهداً

وإذا مذلْتَ يصرنَ عنكَ مذالا

وإذا وعدْنَكَ نائلاً أخلفنهُ

ووجدتَ عندَ عداتهنَّ مطالا

وإذا وزنتَ حلومهنَّ مع الصبا

رجح الصبا بحلومِهِنَّ فمالا

وإذا دعونكَ عمهنَّ فإنهُ

نسبٌ يزيدُكَ عندهنَّ خبالا

أهيَ الصريمةُ منكِ أمَّ محلمٍ

أمْ ذا الدلالُ فطالَ ذاكَ دلالا

ولقدْ علمتِ إذا العشارُ تروحتْ

هدجَ الرئالِ تكبهنَّ شمالا

ترمِي العضاهَ بحاصبٍ من ثلجها

حتى يبيتَ على العضاهِ جفالا

أنا نعجلُ بالعبيطِ لضيفنا

قبلَ العيالِ ونقتلُ الأبطالا

أبنِيْ كلَيبٍ إنَّ عميَّ اللذا

خلعا الملوكَ وفككا الأغلالا

وأخوهما السفاحُ ظمأ خيلَهُ

حتى وردنَ جبا الكلابِ نهالا

يخرجنَ من ثغرِ الكلابِ عليهمِ

خببَ السباعِ تبادِرُ الأوشالا

من كلِّ مجتنبٍ شديدٍ أسرُهُ

سلسِ القيادِ تخالهُ مختالا

وممرةٍ أثرُ السلاحِ بنحرها

وكأنَّ فوقَ لبانها جريالا

قبَّ البطونِ قد انطوينَ من السرى

وطرادهنَّ إذا لقينَ قتالا

ملحَ المتونِ كأنما ألبستها

بالماءِ إذْ يبسَ النضيحُ جلالا

ولقلَّ ما يصبحنَ إلا شزباً

يركبنَ من عرضِ الحوادِثِ آلا

فطحنَّ حائرةَ الملوكِ بكلكلٍ

حتى احتذينَ من الدماءِ نعالا

وأبرنَ قومَكَ يا جريرُ وغيرهمْ

وأبرنَ من حلقِ الربابِ حلالا

ولقدْ دخلنَ على شقيقٍ بيتهُ

ولقد رأينَ بساقِ نضرةَ خالا

وبنو غدانةَ شاخصٌ أبصارهمْ

يسعونَ تحتَ بطونهنَّ رجالا

ينقلنهمْ نقلَ الكلابِ جراءها

حتى وردنَ عراعراً وأثالا

خزرَ العيونِ إلى رياحٍ بعدما

جعلتْ لضبةَ بالرماحِ ظلالا

ولما تركنَ من الغواضِرِ معصراً

إلاَّ فصمنَ بساقِها خلخالا

ولقدْ سما لكُم الهذيلُ فنالَكُمْ

بإرابَ حيثُ تقسمَ الأنفالا

في فيلقٍ يدعو الأراقِمَ لمْ يكنْ

فتيانهُ عزلاً ولا أكفالا

بالخيلِ سامةَ الوجوهِ كأنما

خالطنَ من عملِ الوجيفِ سلالا

ولقد عطفنَ على فزارةَ عطفةً

كرَّ المنيحِ وجلنَ ثمَّ مجالا

فسقينَ من عادَيْنَ كاساً مرةً

وأوانَ جدُّ ابن الحُبابِ فزالا

يغشينَ جيفةَ كاهِلٍ عرنينها

وابنُ المهزَّمِ قدْ تركنَ مذالا

فقتلنَ من حملَ السلاحَ وغيرهمْ

وتركنَ فلهمُ عليكَ عيالا

ولقدْ بكى الجحافُ مما أوقعتْ

بالشرعبيةِ إذْ رأى الأطفالا

وإذا سما للمجدِ فرعا وائلٍ

واستجمعَ الوادِي عليكَ فسالا

كنتَ القذَى في موج أكدرَ مزبدٍ

قذفَ الأتيُّ بهِ فضلَّ ضلالا

ولقدْ وطئنَ على المشاعرِ منْ منًى

حتى قذفنَ على الجبالِ جبالا

ولقدْ جشمتَ جريرُ أمراً عاجزاً

وأريتَ عورةَ أمكَ الجهالا

فانعقْ بضأنِكَ يا جريرُ فإنما

منتكَ نفسكَ في الخلاءِ ضلالا

منتكَ نفسكَ أن تكونَ كدارِمٍ

أوْ أنْ توازِنَ حاجباً وعقالا

وإذا وضعتَ أباكَ في ميزانِهِمْ

قفزَتْ حديدتُهُ إليكَ فشالا

إنَّ العرارةَ والنبوحَ لدارِمٍ

والمستخفُّ أخوهمُ الأثقالا

المانعينَ الماءَ حتى يشربوا

عفواتهِ ويقسموهُ سجالا

وابنُ المراغةِ حابسٌ أعيارَهُ

مرمى البعيدةِ لا يذوقُ بلالا

وقال الأخطل يمدح عكرمة بن ربعي التيمي من بني تيم الله بن ثعلبة، وكان على شرطة بشر بن مروان بالكوفة، ويهجو جريراً: الكامل

لمنِ الديارُ بحائلٍ فوعالِ

درستْ وغيرها سنونَ خوالِ

درجَ البوارِحُ فوقها فتنكرتْ

بعدَ الأنيسِ معارِفُ الأطلالِ

فكأنما هيَ من تقادمِ عهدها

ورقٌ نشرنَ من الكتابِ بوالِ

باتتْ يمانيةُ الرياحُ تقودهُ

حتى استقادَ لها بغيرِ حبالِ

دمنٌ تذعذعُها الرياحُ وتارةً

تسقَى بمرتجزِ السحابِ ثقالِ

في مظلمٍ غدقِ الربابِ كأنما

يسقي الأشقَّ وعالجاً بدوالِي

وعلى زبالةَ باتَ منهُ كلكلٌ

وعلى الكثيبِ وقلةِ الأدحالِ

وعلى البسيطةِ فالشقيقِ فريقٍ

فالضوج بينَ رويةٍ فطحالِ

دارٌ تبدلتِ النعامُ بأهلِها

وصوارَ كلِّ ملمعٍ ذيالِ

أدمٌ مخدمةُ السوادِ كأنها

خيلٌ هوامِلُ بتنَ في الأجلالِ

ترعى بحازِجُها خلالَ رياضِها

وتميسُ بينَ سباسبٍ ورمالِ

ولقد تكونُ بها الربابُ لذيذةً

بفمِ الضجيعِ ثقيلةَ الأوصالِ

يجري ذكيُّ المسكِ في أردانها

وتصيدُ بعدَ تقتلِ ودلالِ

قلبَ الغويّ إذا تنبهَ بعدما

تعتلُّ كلُّ مذالةٍ متفالِ

عشنا بذلكَ حقبةً من عيشنا

وثرًى من الشهواتِ والأموالِ

ولقد أكونُ لهنَّ صاحبَ لذةٍ

حتى تغيرَ حالهنَّ وحالِي

فتنكرَتْ لما علتنِي كبرَةٌ

عندَ المشيبِ وآذنتْ بزيالِ

لما رأتْ بدلَ الشبابِ بكتْ لهُ

والشيبُ ارذلُ هذه الأبدالِ

والناسُ همهمُ الحياةُ وما أرَى

طولَ الحياةِ يزيدُ غيرَ خبالِ

وإذا افتقرتَ إلى الذخائرِ لمْ تجدْ

ذخراً يكونُ كصالحِ الأعمالِ

ولئن نجوتُ من الحوادِثِ سالماً

والنفسُ مشرفةٌ على الآجالِ

لأغلغلنَّ إلى كريمٍ مدحةً

ولأثنينَّ بنائلٍ وفعالِ

إنَّ ابنَ ربعيٍّ كفانِيْ سيبُهُ

ضغنَ العدوِّ ونبوةَ المختالِ

أغليتَ حينَ تواكلتنِي وائلٌ

إنَّ المكارِمَ عندَ ذاك غوالِ

ولقدْ شفيتَ غليلَتِيْ من معشرٍ

نزلوا بعقوةِ حيةٍ قتالِ

بعدتْ قعورُ دلائهِم فرأيتهمْ

عندَ الحمالةِ مغلقِي الأقفالِ

ولقدْ مننتَ على ربيعةَ كُلِّها

وكفيتَ كلَّ مواكِلٍ خذالِ

كزمِ اليدينِ عن العطيةِ ممسكٍ

ليستْ تبضُّ صفاتُهُ ببلالِ

مثلِ ابنِ بزعةَ أو كآخر مثلهِ

أولى لكَ ابنَ مسيمةِ الأجمالِ

إنَّ اللئيمَ إذا سألتَ بهرتهُ

وترى الكريمَ يراحُ كالمختالِ

وإذا عدلتَ بهِ رجالاً لمْ تجدْ

فيضَ الفراتِ كراشِح الأوشالِ

وإذا تبوعَ للحمالَةِ لمْ يكنْ

عنها بمنبهرٍ ولا سعالِ

وإذا أتى بابَ الأميرِ لحاجةٍ

سمتِ العيونُ إلى أغرَّ طوالِ

ضخمٌ سرادقُهُ يعارضُ سيبهُ

نفحاتِ كلِّ صباً وكلِّ شمالِ

وإذا الملوكُ تؤوكلتْ أعناقها

فالحملْ هناكَ على فتًى حمالِ

ليستْ عطيتهُ إذا ما جئتهُ

نزراً وليسَ سجالهُ كسجالِ

فهو الجوادُ لمنْ تعرضَ سيبهُ

وابنُ الجوادِ وحامِلُ الأثقالِ

ومسومٍ خرقُ الحتوفِ يقودهُ

للطعنِ يومَ كريهةٍ وقتالِ

أقصدتَ رائدها بعاملِ صعدةٍ

ونزلتَ عندَ تواكلِ الأبطالِ

والخيلُ عابسةٌ كأنَّ فروجها

نحورها ينضحنَ بالجريالِ

والقومُ تختلفُ الأسنةُ بينهمْ

يكبونَ بينَ سوافِلٍ وعوالِي

ولقد تزيلُ الخيلَ عن أهوائِها

وتفلَّ حدَّ رجالِها برجالِ

وموقعٍ أثَرَ السفارِ بخطمهِ

من سودِ عقةَ أو بَنِي الجوالِ

تمرِي الجلاجلُ منكباهُ كأنهُ

قرقورُ أعجمَ من تجارِ أوالِ

بكرتْ عليَّ بهِ التجارُ وفوقَهُ

أرواحُ طيبةِ الرياحِ حلالِ

فوضعتُ غيرَ غبيطهِ أثقالَهُ

بسباءِ لا حصِرٍ ولا وغالِ

ولقد شربتُ الخمرَ في حانوتِها

وشبربتُها بأريضةٍ محلالِ

ولقدْ رهنتُ يدِي المنية معلماً

وحملتُ عندَ تواكلِ الحمالِ

ولأجعلنَّ بني كليبٍ شهرةً

بعوارِمٍ ذهبتْ معَ القفالِ

كلُّ المكارِمِ قدْ بلغتْ وأنتمُ

زمعُ الكلابِ معانقو الأطفالِ

وكأنما نسيتْ كليبٌ عيرها

بينَ الصريحِ وبينَ ذي العقالِ

يمشونَ حولَ مخدمٍ قدْ سحجتْ

متنيهِ عدلُ حناتِمٍ وسخالِ

وإذا أتيتَ بني كليبٍ لمْ تجدْ

عدداً يهابُ ولا كثيرَ نوالِ

العادلينَ بدارِمٍ يربوعهمْ

جدعاً جريرُ لألأمِ الأعدالِ

وإذا أردْتَ جريُ فاحبِسْ صاغِراً

إنَّ البُكورَ لحاجبٍ وعقالِ

وقال الأخطل يمدح مصقلة بن هبيرة الشيباني: البسيط

هل تعرفُ اليومَ من ماويةَ الطللا

تحملتْ إنسهُ منهُ وما احتملا

ببطنِ خنيفَ منْ أمِّ الوليدِ وقدْ

تامتْ فؤادكَ أو كانتْ له خبلا

جرتْ عليهِ رياحُ الصيفِ حاصبها

حتى تغير بعدَ الأنسِ أو خملا

فما به غيرُ موشيٍّ أكارعهُ

إذا أحسَّ بشخصٍ نابئٍ مثلا

يرعى بخينفَ أحياناً وتضمرهُ

أرضٌ خلاءٌ وماءٌ سائلٌ غللا

شهريْ جمادى فلما كانَ في رجبٍ

أتمتِ الأرضُ مما حملتْ حبلا

كأنَّ عطارَةً باتتْ تطيفُ بهِ

حتى تسربلَ مثلَ الورسِ وانتعلا

من خضبِ نورِ خزامَى قدْ أطاعَ لهُ

أصابَ بالفقرِ من وسميهِ خضلا

فهو يقرُّ بها عيناً لمرتعهِ

والقلبُ مستشعرٌ من خيفةٍ وجلا

حتى إذا الليلُ كفَّ الطرفَ ألبسهُ

غيثٌ إذا ما مرتهُ ريحهُ سحلا

دانِي الربابِ إذا ارتجتْ حوامِلُهُ

بالماءِ سدَّ فروجَ الأرضِ واحتفلا

فباتَ مكتئباً للبرقِ يرقبهُ

كليلةِ الوصبِ ما أغفى وما غفلا

فباتَ في حقفِ أرطاةٍ يلوذُ بها

إذا أحسَّ بسيلٍ تحتهُ انتقلا

كأنه ساجدٌ من نضحِ ديمتهِ

مسبحٌ قامَ بعضَ الليلِ فابتهلا

ينفي الترابَ بروقيهِ وكلكلهِ

كما استمازَ رئيسُ المقنبِ النفلا

كأنما القطرُ مرجانٌ يساقطهُ

إذا علا الروقَ والمتنين والكفلا

حتى إذا الشمسُ وافتهُ بمطلِعها

صبحهُ ضامرٌ غرثانُ قدْ نحلا

طاوٍ أزلُّ كسرحانِ الفلاةِ إذا

لم يؤنس الوحشُ منهُ نبأةً ختلا

يشلِي سلوقيةً غضفاً إذا اندفعتْ

خافتْ جديلةَ في الأثارِ أو ثعلا

مكلبينَ إذا اصطادوا كأنهم

يسقونهمْ بدماءِ الأبدِ العسلا

فانصاعَ كالكوكبِ الدريِّ جردَهُ

غيثٌ تقشَّعَ عنهُ طالَ ما هطلا

حتى إذا قلتُ نالتهُ سوابقُها

كرَّ عليها وقدْ أمهلنهُ مهلا

فظلَّ يطعنها شزراً بمنعولهِ

إذا أصابَ بروقٍ ضارياً قتلا

كأنهنَّ وقدْ سربلنَ منْ علقٍ

يغشينَ موقدَ نارٍ تقذفُ الشعلا

إذا أتاهنَّ مكلومٌ عكفنَ بهِ

عكفَ الفوارِسِ هابوا الدارعَ البطلا

حتى تناهينَ عنهُ سامياُ حرجاً

وما هدى هدي مهزومٍ وما نكلا

وقد تبيتُ همومُ النفسِ تبعثنِي

منها نوافذُ حتى أعملَ الجملا

إذْ لا تجهمني أرضُ العدوِّ ولا

عسفُ البلادِ إذا حرباؤها جذلا

يظلُّ مرتبئاً للشمسِ تصهرُهُ

إذا رأى الشمسَ مالتْ جانباً عدلا

كأنهُ حينَ يمتدُّ النهارُ لهُ

إذا استقلَّ يمانٍ يقرأُ الطولا

وقد لبستُ لهذا الدهرِ أعصرَهُ

حتى تجلل رأسي الشيبُ واشتعلا

من كلِّ مضلعةٍ لولا أخو ثقةٍ

ما أصبحتْ أمماً عندِي ولا جللا

وقدْ أكونُ عميدَ الشربِ تسمعنا

بحاءُ تسمعُ في ترجيعها صحلا

منَ القيانِ هتوفٌ طالَ ما ركدتْ

لفتيةٍ يشتهونَ اللهوَ والغزَلا

فبانَ منيْ شبابيْ بعدَ لذتهِ

كأنما كانَ ضيفاً نازلاً رحلا

إذْ لا أطاوِعُ أمرَ العاذلاتِ ولا

أبقِي على المالِ إنْ ذوَْ حاجةٍ سألا

وكاشحٍ معرضٍ عني عدلتُ لهُ

وقد أبينُ منهُ الضغنَ والمللا

ولوْ أواجههُ مني بقارعةٍ

ما كان كالذئبِ مغبوطاً بما أكلا

وموجعٍ كانَ ذا قربى فجعتُ بهِ

يوماً وأصبحتُ أرجو بعدهُ الأملا

وبينما المرءُ مغبوطاً بعيشتهِ

إذ خانهُ الدهرُ عما كانَ فانتقلا

ولا أرى الموتَ يأتي من يحمُّ لهُ

إلا كفاهُ ولاقى عندهُ شغلا

دعِ المغمرَ لا تسألْ بمصرعهِ

واسألْ بمصقلَةَ البكرِيِّ ما فعلا

بمتلفٍ ومفيدٍ لا يمنُّ ولا

تهلكُهُ النفسُ فيما فاتهُ عذلا

جزلُ العطاءِ وأقوامٌ إذا سئلوا

يعطونَ نزراً كما تستوكفُ الوشلا

وفارسٍ غيرِ وقافٍ برايتهِ

يومَ الكريهةِ حتى يعملَ الأسلا

ضخمٍ تعلقُ أشناقُ الدياتِ بهِ

إذا المئونَ أمرَّتْ فوقهُ حملا

ولو تكلفَها رخوٌ مفاصلُهُ

أو شيقُ الباعِ عنْ أمثالها سعلا

ولوْ فككتَ عنِ الأسرَى وثاقَهُمُ

وليسَ يرجونَ تلجاءً ولا دخلا

وقد تنقذتهمْ من قعرِ مظلمةٍ

إذا الجبانُ رأى أمثالها زحلا

فهم فداؤكَ إذ يبكونَ كلهمُ

ولا يرونَ لهمْ جاهاً ولا نفلا

ما في معدٍّ فتى تغنِي رباعتهُ

إذا يهمُّ بأمرٍ صالحٍ فعلا

الواهبُ المائةَ الجرجورُ سائقُها

تنزو يرابيعُ متنيهِ إذا انتقلا

إنَّ ريبعةَ لنْ تنفكَّ صالحةً

ما أخرَ اللهُ عنْ حوبائكَ الأجلا

أغرّ لا تحسِبُ الدنيا مخلدةً

ولا يقولُ لشيءٍ فاتَ ما فعلا

وقال الأخطل يمدح قريش، ويخص بها آل أبي سفيان بن حربٍ: البسيط

تغيرَ الرسمُ منْ سلمَى بأحفارِ

وأقفرتْ منْ سليمَى دمنةُ الدارِ

وقدْ تكونُ بها سلْمَى تحدثنِي

تساقطَ الحلْي حاجاتِي وأسرارِي

ثمَّ استمرَ بسلمَى نيةٌ قذفٌ

وسيرُ منقضبِ الأقرانِ مغيارِ

كأنَّ قلبِي غداةَ البينِ مقتسمٌ

طارَتْ بهِ شعبٌ شتى لأمصارِ

وقدْ تلفُّ النوى منْ قدْ تشوفهُ

إذا قضيتُ لباناتِي وأوطاري

ظلتْ ظباءُ بني البكاءِ ترصدهُ

حتى اقتنصنَ على بعدٍ وإضرارِ

ومهمهٍ طامسٍ تخشى غوائلُهُ

قطعتهُ بكلوءِ العينِ مسهارِ

بحرةٍ كأتانِ الضحلِ أضمرها

بعدَ الربالةِ ترحالِي وتسياري

أختُ الفلاةِ إذا شدتْ معاقدها

زلتْ قوى النسعِ عنْ كبداءَ مسفارِ

كأنها برجُ رومِيٍّ يشيدُهُ

أزرٌ يخصُّ بآجرٍّ وأحجارِ

أو مقفرٌ خاضبُ الأظلافِ قادَ لهُ

غيثٌ تظاهَر في ميثاءَ مذكارِ

فباتَ في جنبِ أرطاةٍ تكفئُهُ

ريحٌ شآميةٌ هبتْ بأمطارِ

يجولُ ليلتهُ والعينُ تضربهُ

منها بغيثٍ أجشِّ الرعدِ نثارِ

إذا أرادَ بها التغميضَ أرقهُ

سيلٌ يدبُّ بهدمِ الترْبِ موارِ

كأنهُ إذا أضاءَ البرقُ بهجتهُ

في أصبهانيةٍ أو مصطلي نارِ

أما السراةُ فمنْ ديباجةٍ لهقٌ

وبالقوائمِ مثلُ الوشي بالقارِ

حتى إذا انجابَ عنهُ الليلُ وانكشفتْ

سماوةٌ عن أديمٍ مصحرٍ عارِ

آنسَ صوتَ قنيصٍ أو أحسَّ بهمْ

كالجنِّ يهفونَ من جرمٍ وأنمارِ

فانصاعَ كالكوكبِ الدريّ ميعتهُ

غضبانَ يخلطُ من معجٍ وإحضارِ

فأرسلوهنَّ يذرينَ الترابَ كما

تذرِي سبائخَ قطنٍ ندفُ أوتارِ

حتى إذا قلتُ نالتهُ سوابقُها

وأرهقتهُ بأنيابٍ وأظفارِ

أنحى إليهنَّ عيناً غيرَ غافلةٍ

وطعنَ مختبرِ الأقرانِ كرارِ

فعفرَ الضارياتِ اللاحقاتِ بهِ

عفرَ الغريبِ قداحاً بينَ أيسارِ

يعذنَ منهُ بحزانِ المتانِ وقدْ

فرقنَ منهُ بذِي وقعٍ وآثارِ

حتى شتا وهوَ مغبوطٌ بغائطهِ

يرعى ذكوراً أطاعتْ بعدَ أحرارِ

فرداً يغنيهِ ذبانُ الرياضِ كما

غنى الغواةُ بصنحٍ عندَ أسوارِ

كأنهُ من ندى القراصِ مغتسلٌ

بالورسِ أو خارجٌ من بيتِ عطارِ

وشارِبٍ مربحٍ بالكأسِ نادمني

لا بالحصورِ ولا فيها بسواري

نازعتهُ طيبَ الراحِ الشمولِ وقدْ

صاحَ الدجاجُ وحانتْ وقعةُ السارِي

من خمرِ عانةَ ينصاعُ الفراتُ لها

في جدولٍ صخبِ الآذِيِّ مرارِ

كمتْ ثلاثةَ أحوالٍ بطينتها

حتى إذا صرحتْ من بعدِ تهدارِ

آلتْ إلى النصفِ من كلفاءَ أنزعها

علجٌ ولثمها بالجفنِ والغارِ

ليستْ بسوداءَ من ميثاءَ مظلمةٍ

ولمْ تعذبْ بأدناءٍ من النارِ

لها رداءانِ نسجُ العنكبوتِ وقدْ

لفتْ بآخرَ من ليفٍ ومن قارِ

صهباءَ قدْ كلفتْ من طول ما حبستْ

في مخدعٍ بينَ جناتٍ وأنهارِ

عذراءَ لمْ تجتلِ الخطابُ بهجتها

حتى اجتلاها عبادِيٌّ بدينارِ

في بيتِ منخرِقِ السربالِ معتملٍ

ما إنْ عليهِ ثيابٌ غيرُ أطمارِ

إذا أقولُ تراضينا على ثمنٍ

ضنتْ بها نفسُ خبِّ البيعِ مكارِ

كأنما العلجُ إذْ أوجبتُ صفقتها

خليعُ خصلٍ نكيبٌ بينَ أيسارِ

لما أتوها بمصباحٍ ومبزلهمْ

سارتْ إليهم سؤورَ الأجدلِ الضاري

تدمَى إذا طعنوا فيها بجائفةٍ

فوقَ الزجاجِ عتيقٌ غيرُ مصطارِ

كأنما المسكُ نهبى بينَ أرجلنا

مما تضوعَ من ناجودِها الجارِي

إني حلفتُ بربِّ الراقصاتِ وما

أضحى بمكةَ من حجبٍ وأستارِ

وبالهديّ إذا احمرتْ مذارعُها

في يومٍ نسكٍ وتشريقٍ وتنحارِ

وما بزمزمَ من شمطٍ محلقةٍ

وما بيثربَ من عونٍ وأبكارِ

لألجأتني قريشٌ خائفاً وجلاً

ومولتنِي قريشٌ بعدَ إقتارِ

المنعمونَ بنِي حربٍ وقدْ حدقتْ

بيَ المنيةُ واستبطأتُ أنصارِي

بهمْ تكشفُ عن أحيائها ظلمٌ

حتى ترفعَ عن سمعٍ وأبصارِ

قومٌ إذا حاربوا شدُّوا مآزرهمْ

دونَ النساءِ ولو باتتْ بأطهارِ

وقال الأخطل يمدح بشر بن مروان ويهجو جريراً: الطويل

عفا الجوفُ من سلمى فبادتْ رسومها

فذاتُ الصفا صحراؤها فقصيمها

فأصبحَ ما بينَ الكلابِ وحابسٍ

قفاراً يغنيها مع الليلِ بومها

خلتْ غيرَ وحدانٍ تلوحُ كأنها

نجومٌ بدتْ وانجابَ عنها غيومها

بمستأسدٍ تجري الندى في رياضهِ

سقتهُ أهاضيبُ الصبا ومديمها

إذا قلتُ قدْ خفتْ تواليهِ أقبلتْ

بهِ الريحُ من عينٍ سريعٍ جمومها

فما زالَ يسقِي بطنَ خبتٍ وعرعرٍ

وأرضهما حتى اطمأنَّ جسيمها

وعمهما بالماءِ حتى تواضعتْ

رؤوس المتانِ سهلُها وحزومها

بمرتجزٍ دانِي الربابِ كأنهُ

على ذاتِ ملحٍ مقسمٌ لا يريمُها

إذا طلَعَتْ فيهِ الجنوبُ تحاملتْ

بأعجازِ جرارٍ تداعَى خصومُها

سقَى اللهُ منهُ دارَ سلمَى بريةٍ

على أنَّ سلمى ليسَ يشفَى سقيمها

ولو حملتنِي السرَّ سلمى حملتهُ

وهل يحملُ الأسرارَ إلا كتومها

منَ العربياتِ البوادِي ولمْ تكنْ

تلوحُها حمَّى دمشقَ ومومُها

إليكَ أبا مروانَ يممَ أرْكبٌ

أتوكَ بأنضاءٍ خفافٍ لحُومُها

تحسرنَ واستقبلْنَ للقيظِ وقدَةً

يغيرُ ألوانَ الرجالِ سمومُها

إليكَ من الأغرازِ حتى تزاحمتْ

عراها على جونٍ قليلٍ شحومها

رجاءَ ثراكُمْ إنَّ من ينتويكمُ

يوافقُ حسنَى ما يغبُّ نعيمها

فأنتَ الذي يرجو الصعاليكُ سيبهُ

إذا السنةُ الشهباءُ خوتْ نجومُها

ونفسي تنسيني العراقَ وأهلَهُ

وبشرٌ هواها منهمُ وحميمُها

إذا بلغتْ بشرَ بنَ مروانَ ناقتي

سرتْ خوفها نفسي ونامتْ همومها

إمامٌ يقودُ الخيلَ حتى كأنما

صدورُ القنا معوجُّها وقويمُها

إلى الحربِ حتى تخضعَ الحربُ بعدَما

تخمطَ مرحاها وتحمَى قرومُها

أبوكَ أبو العاصِي عليكَ تعطفتْ

قريشٌ لكمْ عرنينها وصميمُها

أبَى أن يكونَ التاجُ إلاَّ عليكمُ

لصيْد أبي العاصِي الشديدِ شيكمُها

بكمْ أدرَكَ اللهُ البريةَ بعدما

سعَى لصُّها فيها وهبَّ غشومُها

وإنكَ للمأمولُ والمتقَى بهِ

إذا خيفَ من تلكَ الأمورِ عظيمُها

وإنكَ في الأُخرى إذا هيَ شبهتْ

لقطاعُ أقرانِ الأمورِ صرومها

فلا تطعمِي لحمِي الأعادِي فإنهُ

سريعٌ إليكم مكرُها ونميمُها

لقدْ عجموا مني قناةً صليبةً

إذا ضجَّ خوارُ القناةِ سؤومُها

لعمرِي لئنْ كانتْ كليبٌ تتابعتْ

على أمرِ غاويها وضلتْ حلومُها

فما أنا إنْ مدَّ المدَى بمقصرٍ

ولا عضةٌ مني بناجٍ سليمُها

وإني لقوّامٌ مقاوِمَ لمْ يكنْ

جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها

أيشتمني ابنُ الكلبِ أنْ فاضَ دارِمٌ

عليهِ فرامَى صخرةً ما يرومُها

بنو دارِمٍ نبعٌ صلابٌ وأنتمُ

بنِي الكلْبِ أثلٌ ما توارَى وصومُها

فلولاَ التخشِّي من رياحٍ رميتُها

بكاملةِ الأعراضِ باقٍ وسومُها

تغنَّى ابنُ يربوعٍ بشتمِيَ أمهُ

وما انفلتتْ مني صحيجاً أديمُها

وما وجدُوا أماً لهُ عربيةً

وما أنبهتها من ختانٍ كلومُها

وقد آلَ من نسلِ المراغةِ أنَّها

على النخسِ والإتْعابِ باقٍ رسيمها

وعرتْ حمارَيْها وقدْ كانتِ استُها

شديداً لسيساءِ الحمارِ أوزمُها

وجدْتُ كليباً ألأمَ الناسِ كلهمْ

وأنتَ إذا عدَّتْ كليْبٌ لئيمُها

وقال الأخطل يمدح عبد الملك بن مروان، ويفتخر على قيسٍ ويهجوها: الطويل

ألا يا اسلَمِي يا هندُ هند بني بدرِ

وإنْ كانَ حيانا عدًى آخِرَ الدهرِ

وإنْ كنتِ قدْ أقصدتنِي إذْ رميتنِي

بسهميكِ والرَّامِي يصيدُ ولا يدرِي

أسيلةُ مجرَى الدمعِ أمّا وشاحُها

فيجرِي وأمّا الحجلُ منها فلا يجري

وكنتمْ إذا تدنونَ منا تعرضتْ

خيالاتكمْ أوْ بتُّ منكمْ على ذكرِ

لقدْ حملتْ قيسُ بنُ عيلانَ حربُنا

على يابسِ السيساءِ محدودبِ الظهرِ

ركوبٍ على السوآتِ قدْ سئمَ استهُ

مزاحمةُ الأعداءِ والنخسُ في الدبرِ

فطاروا شقاقاً لاثنتين فعامرٌ

تبيعُ بنيها بالخصافِ وبالتمرِ

وأما سليمٌ فاستعاذتْ حذارنا

بحرتِها السوداءِ والجبلِ الوعْرِ

تنقُّ بلا شيءٍ شيوخُ محارِبٍ

وما خلتُها كانتْ تريشُ ولا تبري

ضفادِعُ في ظلماءِ ليلٍ تجاوبتْ

فدلَّ عليها صوتُها حيةَ البحرِ

ونحنُ رفعنا عنْ سلولٍ رماحَنا

وعمداً رغبنا عن دماءِ بني نصرِ

ولوْ ببنِي ذبيان بلتْ رماحُنا

لقرَّتْ بهمْ عيني وباءَ بهمْ وترِي

شفَى النفسَ قتلَى منْ سليْمٍ وعامرٍ

ولمْ يشفها قتلَى غنيٍّ ولا جسرِ

وما تركتْ أسيافُنا حينَ جردَتْ

لأعدائنا قيْسِ بنِ عيلانَ منْ عذرِ

ولا جشمٌ شرُّ القبائِل إنها

كبيضِ القطا ليسُوا بسودٍ ولا حمرِ

وقد عركتْ بابنَيْ دُخانٍ فَأصبحا

إذا ما أجرَّ الأمرُ باقيةَ البظرِ

وأدرَكَ علمي في سواءة أنَّها

تقيمُ على الأوتارِ والمشربِ الكدرِ

وقدْ سرنِي من قيْسِ عيلانَ أننِي

رأيتُ بَنِي العجلانِ سادُوا بَنِي بدرِ

وقدْ غبرَ العجلانُ حيناً إذا بكى

على الزادِ لفتهُ الوليدةُ في الكسرِ

فيصبحُ كالخفاشِ يدلُكُ عينهُ

فقبحَ من وجهٍ لئيمٍ ومن حجرِ

وكنتمْ بنِي العجلانِ ألأمَ عندَنا

وأحقرَ من أن يشهدُوا عالِيَ الأمرِ

بَنِي كلِّ دسماءِ الثيابِ كأنَّما

طلاها بنو العجلانِ من حممِ القدرِ

ترى كعبها قد زالَ من طولِ رعيها

وقاحَ الذنابَى بالسويةِ والزفرِ

وإن ينزِلِ الأقوامُ منزِلَ عِفةٍ

نزلتمْ بني العجلانِ منزلةَ الخسرِ

وشاركتِ العجلانُ كعباً ولمْ تكنْ

تشاركُ كعباُ في وفاءٍ ولا غدرِ

ونجَّى ابْنَ بدرٍ ركضهُ من رِماحنا

ونضاخةُ الأعطافِ ملهبةُ الحضرِ

إذا قلتُ نالتهُ العوالِي تقاذَفتْ

به سوحَقُ الرجلينِ صائبةُ الصدرِ

كأنهما والآلُ ينجابُ عنهما

إذا انغمسا فيه يعومانِ في غمرِ

يُسرُّ إليها والرماحُ تنوشُهُ

فداؤكِ أمِّي إنْ دأبتِ إلى العصرِ

فظلَّ يفديها وظلتْ كأنَّها

عقابٌ دعاها جنحُ ليلٍ إلى وكْرِ

كأنَّ بطبييها ومجرى حزامها

أداوَى تسحُّ الماءَ من حورٍ وفرِ

فظلَّ يجيشُ الماءُ من متفصِّدٍ

على كلِّ حالٍ من مذاهبهِ يجري

فأقسمُ لوْ أدركتهُ لقذفتهُ

إلى ضيقةِ الأرجاءِ مظلمةِ القعرِ

توسدَ فيها كفهُ أو لحجتْ

ضباعُ الصحارَى حولَهُ غيرَ ذي فترِ

لعمرِي لقدْ لاقتْ سليمٌ وعامِرٌ

على جانبٍ الثرثارِ راغيةَ البكرِ

أعني أميرَ المؤمنينَ بنائلٍ

وحسنِ عطاءٍ ليسَ بالريثِ النزرِ

وأنتَ أميرُ المؤمنينَ وما بِنا

إلى صلحِ قيسٍ يا بنَ مروانَ من فقرِ

على غيرِ إسلامٍ ولا عزِّ نصرَةٍ

ولكنهمْ سيقوا إليكَ على صغرِ

ولمّا تبينّا ضلالةَ مصعبٍ

فتحنا لأهلِ الشامِ باباً من النصرِ

فقد أصبحتْ منا هوازِنُ كلُّها

كواهِي السلامَى زيدَ وقراً عرى وقرِ

سمونا بعرنينٍ أشمَّ وعارِضٍ

لنمنعَ ما بينَ العراقِ إلى البشرِ

فأصبحَ ما بينَ العراقِ ومنبجٍ

لتغلبَ تردِي بالردَيْنِيَّةِ السُّمرِ

إليكَ أميرَ المؤمنينَ نسيرُها

نخبُّ المطايا بالعرانِينِ منْ بكرِ

برأسِ الذي دلَّى سليماً وعامراً

وأورَدَ قيساً لُجَّ ذِي حدَبٍ غمرِ

فأسرَيْنَ خمساً ثمَّ أصبحنَ غدوةً

تخبرُ أخباراً ألذَّ من الخمرِ

تخبرنا أنَّ الأراقِمَ فلقَتْ

جماجِمَ قيسٍ بينَ راذانَ فالحَضْرِ

جماجِمَ قوْمٍ لمْ يعافُوا ظلامةً

ولمْ يعلَمُوا أيْنَ الوفاءُ منَ الغدرِ

وقال الأخطل يمدح عبد الملك بن مروان بن الحكم، ويهجو جريراً: البسيط

خفَّ القطينُ فراحوا منكَ أو بكرُوا

وأزعجتهُمْ نوًى في صرفِها غيرُ

كأننِي شارِبٌ يومَ استبدَّ بهمْ

من قرقفٍ ضمنتها حمصُ أو جدرُ

جادَتْ بها منْ ذواتِ القارِ مترعَةٌ

كلفاءُ ينحتُّ عنْ خرطومِها المدَرُ

لذٍّ أصابَتْ حميّاها مقاتلهُ

فلمْ يكدْ ينجلِي عنْ قلبِهِ الخمرُ

كأنني ذاك أو ذُو لوعةٍ خبلتْ

أوْصالهُ وأصابتْ قلبهُ النشرُ

شوقاً إليهمْ ووجداً يومَ أتبعهم

طرفي ومنهم بجنبي كوكبٍ زمرُ

حثوا المطيَّ فولتنا مناكبها

وفي الخدورِ إذا ناغمتها الصورُ

يبرقنَ للقومِ حتى يحتبلنهمُ

ورأيهُنَّ ضعيفٌ حينَ يختبرُ

يا قاتلَ اللهُ وصلَ الغانياتِ إذا

أيقنَّ أنكَ ممن قدْ زها الكبرُ

أعرضنَ لما حنا قوسِي موترُها

وابيضَّ بعدَ سوادِ اللمةِ الشعرُ

ما يرعوينَ إلى داعٍ لحاجتهِ

ولا لهنَّ إلى ذي شيبةٍ وطرُ

شرقنَ إذْ عصرَ العيدانَ بارِحُها

وأيبستْ غيرَ مجرى السنةِ الخضرُ

فالعينُ عانيةٌ بالماءِ تسفحهُ

من نيةٍ في تلاقي أهلها ضررُ

منقضبين انقضابَ الحبلَ يتبعهمْ

بينَ الشقيقِ وبين المقسمِ البصرُ

حتى هبطنَ من الوادِي لغضبتهِ

أرضٌ يحلُّ بها شيبانُ أو غبرُ

حتى إذا هنَّ وركنَ القصيمَ وقدْ

أشرفنَ أو قلنَ هذا الخندقُ الحفرُ

وقعنَ أصلاً وعجنا من نجائبنا

وقد تحينَ منْ ذي حاجةٍ سفرُ

إلى امرئُ لا تعرينا نوافلهُ

أظفرهُ اللهُ فليهنئْ لهُ الظفرُ

الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائرهُ

خليفةُ اللهِ يستسقَى بهِ المطرُ

والهمُّ بعدَ نجيِّ النفسِ يبعثهُ

بالحزمِ والأصمعانِ القلبُ والحذرُ

والمستمرُّ بهِ أمرُ الجميعِ فما

يغترهُ بعدَ توكيدٍ لهُ غررُ

وما الفراتُ إذا جاشتْ جوانبهُ

في حافتيهِ وفي أوساطِهِ العشرُ

وذعذعتهُ رياحُ الصيفِ فاضطربتْ

فوقَ الجأجئِ منْ آذيهِ غدرُ

مسحنفرٌ من جبالِ الرومِ يسترهُ

منها أكافيفُ فيها دونهُ زورُ

يوماً بأجودَ منهُ حينَ تسألهُ

ولا بأجهرَ منهُ حينَ يجتهرُ

ولمْ يزلْ بكَ واشيهمْ ومكرهمُ

حتى أشاطوا بغيبٍ لحمَ منْ يسرُوا

فمنْ يكنْ طاوياً عني نصيحتهُ

وفي يديهِ بدُنْيا دوننا حصرُ

فهوَ فداءُ أميرِ المؤمنينَ إذا

أبدا النواجذَ قرمٌ باسلٌ ذكرُ

مفترشٌ كافتراشِ الليثِ كلكلَهُ

لوقعةٍ كائنٌ فيها لهُ جزرُ

مقدمٌ مائتيْ ألفٍ لمنزلةٍ

ما إنْ رأى مثلهمْ جنٌّ ولا بشرُ

يغشى القناطرَ يبنيها ويهدمها

مسومٌ فوقها الراياتُ والقترُ

حتى تكونَ لهمْ بالطفِّ ملحمةٌ

وبالثويةِ لم ينبضْ بها وترُ

ويستبينَ لأقوامٍ ضلالتهمْ

ويستقيمَ الذي في خدهِ صعرُ

ثمَّ استقلَّ بأثقالِ العراقِ وقدْ

كانتْ لهُ نعمةٌ فيهمْ ومدخرُ

في نبعةٍ من قريشٍ يغضبونَ بها

ما إنْ يوازِيَ أعلى نبتها الشجرُ

تعلو الهضابَ وحلوا في أرومتها

أهلُ الوفاءِ وأهلُ الفخرِ إنْ فخروا

حشدٌ على الحقِّ عيافُو الخنا أنفٌ

إذا ألمتْ بهمْ مكروهةٌ صبرُوا

وإنْ تدجتْ على الآفاقِ مظلمةٌ

كانَ لهمْ مخرجٌ منها ومعتصرُ

أعطاهمُ الله جداً ينصرونَ بهِ

لا جدَّ إلاَّ صغيرٌ بعدُ محتقرُ

لمْ يأشرُوا فيه إذْ كانوا مواليهُ

ولوْ يكونُ لقومٍ غيرهمْ أشروا

شمسُ العداوةِ حتى يستقادَ لهمْ

وأعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قدرُوا

لا يستقلُّ ذوو الأضغانِ حربهمُ

ولا يبينُ في عيدانهمْ خورُ

همُ الذين يبارونَ الرياحَ إذا

قلَّ الطعامُ على العافينَ أو قترُوا

بنِي أميةَ نعماكمْ مجللَةٌ

تمتْ فلا منةٌ منها ولا كدَرُ

بني أميةَ قدْ ناضلتُ دونكمُ

أبناءَ قومٍ همُ آوَوْا وهمْ نصرُوا

أفحمتُ عنكمْ بني النجارِ قدْ علمتْ

عليا معدٍّ وكانُوا طالَ ما هدَرُوا

حتى استكانوا وهمْ منِي على مضضٍ

والقولُ ينفذُ ما لا تنفذُ الإبرُ

بنِي أميةَ إنِّي ناصحٌ لكمُ

فلا يبيتنَّ فيكمْ آمناً زفرُ

واتخذُوهُ عدواً إنَّ شاهدَهُ

وما تغيبَ منْ أخلاقهِ دعرُ

إنَّ الضغينةَ تلقاها وإنْ قدمتْ

كالعرِّ يكمنُ حيناً ثمَّ ينتشرُ

وقدْ نصرتَ أميرَ المؤمنينَ بنا

لمّا أتاكَ ببطنِ الغوطةِ الخبرُ

يعرفونكَ رأسَ ابنِ الحبابِ وقدْ

أمسَى وللسيفِ في خيشومهِ آثرُ

لا يسمعُ الصوتَ مستكاً مسامعهُ

وليسَ ينطقُ حتى ينطقَ الحجرُ

أمستْ إلى جانبِ الحشاكِ جيفتهُ

ورأسهُ دونهُ اليحمومُ والصورُ

يسألهُ الصبرُ من غسانَ إذ حضروا

والحزنُ كيفَ قراكَ الغلمةُ الجشرُ

والحارثُ بنُ أبي عوفٍ لعبنَ بهِ

حتى تعاورَهُ العقبانُ والنسرُ

وقيسُ عيلانَ حتى أقبلوا رقصاً

فبايعوكَ جهاراً بعدما كفروا

فلا هدى اللهُ قيساً من ضلالتهمْ

ولا لعاً لبنِي ذكوانَ إنْ عثرُوا

ضجوا من الحربِ إذْ عضتْ غواربهمْ

وقيسُ عيلانَ من أخلاقِها الضجرُ

كانوا ذوِي إمةٍ حتى إذا علقتْ

بهم حبائلُ للشيطانِ وانتهروا

صكوا على صلفٍ صعبٍ مراكبُها

حصاءَ ليْسَ بِها هلْبٌ ولا وبرُ

ولمْ يزلْ بسليمٍ أمرُ جاهلها

حتى تعايا بها الإيرادُ والصدرُ

إذْ ينظرونَ وهمْ يجنونَ حنظلهُمْ

إلى الزوابِي فقلنا بعدَ ما نظروا

كروا إلى حرتيكمْ تعمرُونهما

كما تكرُّ إلى أوطانِها البقرُ

فأصبحتْ منهمُ سنجارُ خاليةً

فالمحلبياتُ فالخابورُ فالسررُ

وما يلاقونَ فراصاً إلى نسَبٍ

حتى يلاقِي جديّ الفرقَدِ القمرُ

ولا الضبابَ إذا اخضرَّتْ عيونهمُ

ولا عصيةَ إلاَّ أنهمْ بشرُ

وما سعى منهمُ ساعٍ ليدرِكنا

إلا تقاصرَ عنا وهو منبهرُ

وقد أصابتَ كلاباً من عداوتنا

إحدَى الدواهِي التي تخشَى وتنتظرُ

وقدْ تفاقَمَ أمرٌ غيرُ ملتئمٍ

ما بيننا وصم فيه ولا عذرُ

أما كليب بن يربوع فليس لهم

عندَ المكارِمِ لا وردٌ ولا صدَرُ

مخلفونَ ويقضِي الناسُ أمرَهُمُ

وهم بغيبٍ وفي عمياءَ ما شعرُوا

ملطمونَ بأعقارِ الحياضِ فما

ينفكُّ من دارِميٍّ فيهم أثَرُ

بئسَ الصحاةُ وبئسَ الشرْبُ شربُهُمْ

إذا جرى فيهمِ المزاءُ والسكَرُ

قومٌ تناهتْ إليهمِ كلُّ فاحشةٍ

وكلُّ مخزيةٍ سبتْ بها مضرُ

على العِياراتِ هداجُونَ قدْ بلغتْ

عمانُ أو بلغتْ سوءاتهمْ هجرُ

الآكلونَ خبيثَ الزادِ وحدهمُ

والسائلونَ بظهرِ الغيبِ ما الخبرُ

واذكُرْ غدانةَ عِبداناً مزنمةً

بينَ الحبلقِ يبنَى حولَها الصبرُ

تمذِي إذا سحبتْ من فتلِ أذرعها

وتزرئمُّ إذا ما بلَّها المطرُ

وما غدانةُ في شيءٍ مكانهمُ

الحابسُو الشاءَ حتى يفضلَ السؤرُ

يتصلونَ بيربوعٍ ورفدهمُ

عندَ الترافدِ مغمورٌ ومحتقرُ

صفرُ اللحَى من وقودِ الأدْخناتِ إذا

ردَّ الرفادُ ولفَّ الحالِبَ القررُ

ثمَّ الإيابُ إلى سودٍ مدنسةٍ

ما تستحمُّ إذا ما احتكتِ النقرُ

وأقسَمَ المجدَ حقاً لا يحالفهمْ حتى

يحالفَ بطنَ الراحةِ الشعرُ

وقال الأخطل يمدح يزيد بن معاوية: الطويل

صحا القلبُ إلاَّ من ظعائنَ فاتنِي

بهنَّ أميرٌ مستبدٌّ فأصعَدا

وقرنَ للبينِ الجمالَ وزينتْ

بأحمرَ منْ لكِّ العراقِ وأسودا

فطرنَ بوحشٍ ما تواتيكَ بعدما

دنتْ نفضةُ البازِي لمنَ يتصيدا

عوامِدَ للآجامِ آجامِ حامزٍ

يثرنَ قطاً لولا سراهنَّ هجدا

يردنَ الفلاةَ حينَ لا يستطيعُها

ذوو الشاءِ منْ عوفِ بنِ بكرٍ وأهودا

إذا قلتُ قدْ حازينَ أو حانَ نائلٌ

تعادَيْن للرائي الذي كانَ أبعدا

إذا شئتَ أن تلهُو ببعضِ حديثِها

رفعنَ وأنزلْنَ القطِينَ المولدا

وقلنَ لحادِيهنَّ ويحكَ غنِّنا

بحدراءَ أو بنتِ الكنانِيِّ فدفدا

يقلنَ إذا ما استقبلَ الصيفُ وقدهُ

وحرَّ على الجدِّ الظنونُ فأنفدا

وما علقتْ نفسِي بأمِّ محلّمٍ

ودهماءَ إلاَّ أنْ أهيمَ وأنكَدا

إذا كانَ قلبِي يستبلُّ انْبَرى لهُ

بهنَّ تكاليفُ الصبا فترددا

وما إنْ رأى الفزراء إلاَّ تطلعاً

وخيفة يحميها بنو أم عجردا

وإنِّي غداةَ استعبرتْ أمُّ مالكٍ

لراضٍ من السلطانِ أنْ يتهددا

ولولا يزيدُ ابنُ الملوكِ وسيبهُ

تجللتُ حدباراً من الشرِّ أنكدا

وكمْ أنقذتنِي من جرورِ حبالكمْ

وخرساءَ لوْ يرمَى بها الفيلُ بلدا

ودافعَ عني يومَ جلقَ غمرَةً

وهماً ينسينِي السلافَ المبردا

وباتَ نجياً في دمشقَ لحيةٍ

إذا عضَّ لمْ ينمِ السليمُ وأقصَدا

يخفتُهُ طوراً وطوراً إذا رأى

منَ الأمرِ إقْبالاً ألحَّ وأجْهَدا

أبا خالِدٍ دافعتَ عني عظيمةً

وأدركتَ لحمِي قبلَ أنْ يتبددا

وأطفأتَ عني نارَ نعمانَ بعدما

أعدَّ لأمرٍ فاجرٍ وتوعدا

ولمّا رأى النعمانُ دوني ابنَ حرةٍ

طوى الكشحَ إذْ لمْ يستطعني وعردا

ولاقى امرءاً لا ينقضُ القومُ عهدهُ

أمرَّ القوى دونَ الوشاةِ وأحصدا

كأنَّ ذوِي الحاجاتِ يغشَونَ مصْعَباً

أزبَّ الجرانِ ذا سنامَيْنِ أحرَدا

تخمطَ فحلَ الحربِ حتى تواضعتْ

لهُ واعتلاها ذا مشيبٍ وأمردا

ولو وجدتْ فيها قريشٌ لأمرِها

أعفَّ وأوفَى من أبيكَ وأمجدا

وأصبَبَ عوداً حينَ ضاقتْ أمورهمْ

وهمتْ معدٌّ أنْ تخيمَ وتخمدا

وأورَى بزنديْهِ ولوْ كانَ غيرهُ

غداةَ اختلافِ الأمرِ أكْبى وأصلَدا

فأصبحتَ مولاها من الناسِ بعدَهُ

وأحرَى قريشٍ أنْ يهابَ ويحمدا

وفي كلِّ أفقٍ قدْ رميتَ لكوكبٍ

من الحربِ مخشيٍّ إذا ما توقدا

وتشرقُ أجبالُ العويرِ بفاعلٍ

إذا خبتِ النيرانُ بالليلِ أوقدا

ومنتقمٍ لا يأمنُ الناسُ فجعَهُ

ولا سورةَ العادِي إذا هوَ أرعدا

وما مزبدٌ يعلو جزائرَ حامزٍ

ويشقُّ إليها خيزراناً وغرقدا

تحرزَ منهُ أهلُ عانةَ بعدما

كسا سورها الأعلى غثاءً منضدا

يقمصُ بالملاحِ حتى يشفهُ ال

حذارُ ولوْ كانَ المشيحَ المعوَّدا

بمطردِ الآذِيِّ جونٍ كأنما

زفى بالقراقيرِ النعامَ المطردا

كانَّ بناتِ الماءِ في حجراتِهِ

أباريقُ أهداها ديافٌ لصرْخدا

بأجودَ سيباً منْ يزيدَ إذا غدتْ

بهِ نجبهُ يحملنَ ملكاً وسؤدَدا

يقلصُ بالسيفِ الطويلِ نجادهُ

خميصٌ إذا السربالُ عنهُ تقدَّدا

فأقسمْتُ لا أنْسَى يدَ الدهْرِ سيبهُ

غداةَ السيالَى ما أساغَ وبرَّدا

وقال الأخطل يمدح عبد الملك بن مروان: الطويل

لعمري لقدْ أسريتُ لا ليلَ عاجزٍ

بساهمةِ الخدينِ طاويَةِ القربِ

جماليةٍ لا يدرِكُ العيسُ رفعَها

إذا كُنَّ بالرُّكْبانِ كالقيمِ النكبِ

معارضةٍ خوصاً حراجيجَ شمرَتْ

لنجعةِ ملكٍ لا ضئيلٍ ولا جأبِ

كأنَّ رحالَ القومِ حينَ تزعزعتْ

على قطواتٍ من قطا عالجٍ حقبِ

أجدتْ لوردٍ من أباغَ وشفَّها

هواجرُ أيامٍ وقدنَ على شهبِ

إذا حملتْ ماءَ الصرائمِ قلصتْ

روايا لأطفالٍ بمهمهةٍ زغبِ

توائمُ أشباهٌ بأرضٍ مريضةٍ

ولدنَ بخدرافِ المِتانِ وبالغربِ

إذا صخبَ الحادِي عليهنَّ برزتْ

بعيدةٌ ما بينَ المشافرِ والعجبِ

وكمْ جاوزتْ بحراً وليلاً يخضنهُ

إليكَ أميرَ المؤمنينَ ومن سهبِ

عوادِلَ عوجاً عنْ أناسٍ كأنَّما

ترى بهمِ جمعَ الصقالبةِ الصهبِ

يعارضنَ بطنَ الصحصَحانِ وقدْ بدتْ

بيوتُ بوادٍ منْ نميرٍ ومنْ كلبِ

ويامنَّ عنْ نجدِ العقابِ وياسرَتْ

بنا العيسُ عن عذراءَ دارِ بَنِي شجبِ

يحدْنَ بنا عنْ كلِّ شيءٍ كأننا

أخاريسُ عيُّوا بالسلامِ وبالنسْبِ

إذا طلعَ العيُّوقُ والنجمُ أولَجَتْ

سوالِفَها بينَ السماكَينِ والقلبِ

إليكَ أميرَ المؤمنينَ رحلتُها

على الطائرِ الميمونِ والمنزلِ الرحبِ

إلى مؤمنٍ تجلو صفيحةُ وجههِ

بلابلَ تغشَى منْ همومٍ ومن كربِ

مناخ ذوِي الحاجاتِ يستمطرونهُ

غطاءَ كريمٍ منْ أسارى ومنْ نهبِ

ترى الحلقَ الماذِيَّ تجري فضولهُ

على مستخفٍّ للنوائبِ والحربِ

أخوها إذا شالتْ عضوضٌ سما لَها

على كلِّ حالٍ من ذلولٍ ومن صعبِ

إمامٌ سما للخيلِ حتى تقلقلتْ

قلائدُ في أعناقِ معلمةٍ حدْبِ

شواخصُ بالأبصارِ من كلِّ مقربٍ

أعدَّ لهيجا أو مواقفةِ الركبِ

سواهمَ قدْ عاوَدْنَ كلَّ عظيمةٍ

مجلَّلَةَ الشطيِّ طيبةَ الكسبِ

يعاندنَ عنْ صلبِ الطريقِ من الوَجَى

وهنَّ على العلاتِ يردِينَ كالنكبِ

إذا كلَّفُوهنَّ التنائِيَ لمْ يزلْ

غرابٌ على عوجاءَ منهنَّ أو سقبِ

وفي كلِّ عامٍ منكَ للرومِ غزوَةٌ

بعيدَةُ آثارِ السنابِكِ والسربِ

يطرحنَ بالثغرِ السخالَ كأنما

يشققْنَ بالأسلاءِ أرديَةَ العصبِ

بناتُ غرابٍ لمْ يكملْ شهورها

تقلقلُ من طولِ المفاوزِ والجذْبِ

وإنَّ لها يومينِ يوم إقامةٍ

ويوم تشكَّى القضَّ من حذَرِ الدربِ

عمرنَ الدجَى ينشقُّ عن متضرِّمٍ

طلوبِ الأعادِيَ لا سؤومٍ ولا وجبِ

على ابن أبي العاصِي قريشٌ تعطَّقَتْ

لهُ صلبُها ليسَ الوشائظُ كالصُّلْبِ

وقدْ جعلَ اللهُ الخلافَةَ فيكمُ

لأبيضَ لا عارِي الخوانِ ولا جدْبِ

عتبتم علينا قيسَ عيلانَ كلكم

وأيُّ عدوٍّ لمْ يبتهُ على عتبِ

لقدْ علمتْ تلكَ القبائلُ أننا

مطاليبُ جذامونَ أرحيةَ الشغبِ

فإنْ تكُ حربُ ابْنَيْ نزارٍ تواضعتْ

فقدْ عذرتنا من كلابٍ ومنْ كعبِ

وفي الحقبِ منْ أفناءِ قيسٍ كأنَّهُمْ

بمنعرِح الثرثارِ خشبٌ على خشبِ

وهنَّ أذقنَ الموتَ حارِثَ ظالمٍ

بماضيةٍ بينَ الشراسِيفِ والقطبِ

وظلتْ بنُو الصماءِ تأوِي فلولُهُمْ

إلى كلِّ دسماءِ الذراعينِ والعقبِ

وقدْ كانَ يوما راهطٍ من ضلالكمْ

فناءً لأقوامٍ وخطباً على خطبِ

يسامونَ أهلَ الحقِّ بابْنَيْ محاربٍ

وركبِ بنِي العجلانِ حسبكَ من ركبِ

قرومُ أبِي العاصِي غداةَ تخمطتْ

دمشقُ بأشباهِ المهنأةِ الجربِ

يقودُونَ موجاً من أميةَ لمْ يرثْ

ديارَ سليمٍ بالحجازِ ولا الهضبِ

ملوكٌ وحكامٌ وأصحابُ نجدةٍ

إذا شوغبوا كانوا عليها من الشغبِ

أهلُّوا من الشهرِ الحرامِ فأصبْحُوا

موالِيَ ملكٍ لا طريفٍ ولا غصبِ

تذودُ القنا والخيلُ تُثنَى عليهمِ

وهنَّ بأيْدِي المستميتينَ كالشهْبِ

ولمْ ترَ عينِي مثلَ ملكٍ رأيتهُ

أتاكَ بلا طعنِ الرماحِ ولا ضربِ

ولكن رأكَ اللهُ موضِعَ حقهِ

على رغمِ أعداءٍ وصدّادَةٍ كذْبِ

لحَى اللهُ صرْماً منْ كليْبٍ كأنَّهُمْ

جداءُ حجازٍ لاجئاتٌ إلى زربِ

أكارِعُ لَيُسوا بالعريضِ محلُّهُم

ولا بالحماةِ الذائدِينَ عن السَّرْبِ

بَنِي الكلبِ لولا أنَّ أولادَ دارمٍ

تذببُ عنكمْ في الهزاهزِ والحرْبِ

إذنْ لاتقيتُم مالكاً بضريبةٍ

كذلكَ يعطيها الذليلُ على العصبِ

وإنَّ التي أدتْ جريراً بزفرةٍ

لخائنةُ العينينِ صابئةُ القلبِ

وبالسودِ أستاهاً فوارِسُ مسلمٍ

غداةَ يردُّ الموتَ والنفسَ بالكربِ

وما فرحِ الأضيافُ أنْ ينزلوا بها

إذا كانَ أعلَى الطلحِ كالرمَكِ الشهبِ

يقولونَ ذببْ يا جريرُ وراءَنا

وليسَ جريرٌ بالمحامِي ولا الصلبِ

وقال الأخطل يمدح عكرمة بن ربعيّ التيميَّ، من ربيعة: الطويل

ألا يا اسْلَمِي يا أمَّ بشرٍ على الهجرِ

وعن عهدِكِ الماضِي لهُ قدمُ الدهرِ

ليالِيَ نلهُو بالشبابِ الذي خلا

بمرتجةِ الأردافِ طيبةِ النشرِ

أسيلةِ مجرَى الدمعِ خفاقةِ الحشا

من الهيفِ مبراقِ الترائبِ والنحرِ

وتبسمُ عنْ ألمَى شتيتٍ نباتهُ

لذيذٍ إذا جادَتْ بهِ واضِح الثغرِ

منَ الجازئاتِ الحورِ مطلبُ سرِّها

كبيضِ الأنوقِ المستكنةِ في الوكرِ

وإنِّي وأيّاها إذا ما لقيتُها

لكالماءِ منْ صوبِ السحابةِ والخمرِ

تذكرتُها لا حينَ ذكرَى وصحبتي

على كلِّ مقلاقِ الجنابينِ والضفرِ

إذا ما جرى آلُ الضُّحَى وتغولَتْ

كأنَّ ملاءً بينَ أعلامِها الغبرِ

ولمْ يبقَ إلاَّ كلُّ أدْماءَ عرمِسٍ

تشبهُ بالقرمِ المخايل للخطرِ

تفلُّ جلاذِيَّ الإكامِ إذا طفتْ

صواها ولمْ تغرقْ بمجمرةٍ سمرِ

وتلمحُ بعدَ الجهدِ من ليلةِ السرَى

بغائرةٍ تأوِي إلى حاجبٍ ضمرِ

يدافِعُ أجوازَ الفلاةِ وينبري لها

مثلُ أنضاءِ القداحِ من السدرِ

يقومُ من أعناقِها وصدورِها

قوَى الأدمِ المكيِّ في حلقِ الصفرِ

وكمْ قطعتْ والركبُ غيدٌ منَ الكرى

إليكَ ابنْ ربعيٍّ من البلدِ القفرِ

وهلْ من فتًى من وائلٍ قدْ علمتُمُ

كعكرمة الفياضِ عندَ عرَى الأمرِ

إذا نحنُ هايجنا بهِ يومَ محفلٍ

رمَى الناسُ بالأبْصارِ أبيضَ كالبَدْرِ

أصيلٍ إذا اصطَكَّ الجباهُ كأنَّما

يهزُّ الثقالَ الراسياتِ من الصخرِ

كفينا بمحباسٍ على كلِّ موقفٍ

مخوفٍ إذا ما لمْ يجزْ فارِسُ الثغرِ

بصلْبِ قناةِ الأمرِ ما إنْ يضورُها ال

ثقافُ إذا بعضُ القنا ضيرَ بالأطْرِ

ولَيسوا إلى أسواقِهِمْ إذْ تألفُوا

ولا يومَ عرضٍ عوداً سدَّةَ القصرِ

بأسرَعَ ورداً منهمُ نحوَ دارِهِ

ولا ناهلٌ وافَى الجوابِيَ عنْ عشرِ

ترى مترَعَ الشيزَى الثقالِ كأنما

تحضر منها أهلُها فرضَ البحرِ

تكللُ بالترعيبِ من قمعِ الذُّرَى

إذا لمْ تنلْ عبطُ العوالِي من الجزرِ

منَ الشُّهبِ أكتافاً تناخُ إذا شَتا

وحبَّ القتارُ بالمهندةِ البتر

وما مزبدُ الأطوادِ من دونِ عانةٍ

يشقُّ جبالَ الغورِ ذو حدبٍ غمرِ

تظلُّ بناتُ الماءِ تبدو متونها

وطوراً توارى في غواربها الكدرِ

متى يطردْ يسقِ السوادَ فضولهُ

وفي كلِّ مستنٍّ جداولهُ تجري

بأجودَ منهُ لليتامَى وملجأ ال

مضافِ ووهابِ القيانِ أبي عمرو

أعكرمَ يا ابنَ الأصلِ والفرْعِ والذُّرَى

أتاكَ ابنُ عمٍّ زائراً لكَ عنْ عُفْرِ

منَ المصطلينَ الحربَ أيامَ قلصتْ

بنا وبقيسٍ عن حيالٍ وعن نزرِ

وإني صبورٌ منْ سليمٍ وعامرٍ

ونصرٍ على البغضاءِ والنظرِ الشزرِ

إذا ما التقينا عندَ بشرٍ رأيتهمْ

يغضونَ دوني الطرفَ بالحدقِ الخُضْرِ

وأوجهِ موتورِينَ فيها كآبةٌ

فرغماً على رغمٍ ووقراً على وقرِ

فنحنُ تلفعنا على عسكريهمِ

جهارا وما طبِّي ببغْيٍ ولا فخرِ

ولكن حداً بالمشرفيةِ ساقهمْ

إلى أنْ حشرنا فلهمْ أسوأ الحشرِ

وأمّا عميرُ بنُ الحبابِ فلم يكنْ

لهُ النصفُ في يومِ الهياج ولا العشرِ

وإنْ تذكروها في معدٍّ فإنما

أصابكَ بالثرثارِ راغيةُ البكرِ

فكانَ يرَى أنَّ الجزيرةَ أصبحتْ

موارِيثَ لابنَيْ جابرٍ وأبي صخرِ

وقال الأخطل يمدح عبادَ بن زيد بن أبيه: الطويل

خليليَّ قوما للرحيلِ فإنني

وجدتُ بني الصمعاءِ غيرَ قريبِ

وأسفهْتُ إذْ منتيُ نفسِي ابنَ واسعٍ

منًى ذهبتْ لمْ تسقنِي بذنوبِ

فإن تنزلا بابنِ المحلَّقِ منزلاً

بذي غدرةٍ يبداكما بلغوبِ

لَحَى اللهُ أرماكاً بدجلةَ لاتقَى

أذاةَ امرِئٍ عضْبِ اللسانِ شغوبِ

إذا نحنُ ودعنا بلاداً همُ بها

فبعداً لحراتٍ بها وسهوبِ

نسيرُ إلى من لا يغبُّ نوالهُ

ولا مسلمٌ أعراضَهُ لسبُوبِ

بخوصٍ كأعطالِ القسِيِّ تقلقلتْ

أجنتها من شقةٍ ودؤوبِ

إذا معجلٌ غادرنَهُ عندَ منزلٍ

أتيحَ لجوابِ الفلاةِ كسوبِ

وهنَّ بنا عوجٌ كأنَّ عيونها

بقايا قلاتٍ قلصتْ لنضوبِ

مسانيفُ يطويها مع القيظِ والسُّرَى

تكاليفُ طلاعِ النجادِ ركوبِ

قديمٍ ترى الأصواءَ فيها كأنَّها

رجالٌ قيامٌ عصبُوا بسبوبِ

يعمنَ بنا عومَ السفينِ إذا انجلتْ

سحابةُ وضاحِ السرابِ خبوبِ

إليكَ أبا حربٍ تدافعنَ بعدما

وصلنَ بشمسٍ مطلعاً لغروبِ

إلى مستقلٍّ بالنوائبِ واصلِ ال

قرابةِ فياضِ اليديْنِ وهوبِ

ربيعٍ لهلاكِ الحجازِ إذا ارتمتْ

رياحُ الثريا من صبَاً وجنوبِ

وطارَتْ بأكنافِ البيوتِ وحارَدَتْ

عنِ الضيفِ والجبرانِ كلّ حلوبِ

وما أرضُ عبادٍ إذا ما هبطتَها

بحزنٍ ولا أعطانُها بجدُوبِ

إليكَ أشارَ الناظرونَ كأنهُ

هلالٌ بدا من قتمةٍ وغيوبِ

ولولا أبُو حربٍ وفضلُ نوالهِ

علينا أتانا دهرُنا بخطوبِ

حبانِي بطرفٍ أعوجيٍّ وقينةٍ

منَ البربرياتِ الحسانِ لعوبِ

ومالِ أثقالٍ وفراج غمرةٍ

وغيثٍ لمجلومِ السوامِ حريبِ

كثيرٌ بكفيهِ الندَى حينَ يغتدَى

عشيةَ لا جافٍ ولا بغضوبِ

كريمُ مناخِ الضيفِ لا عاتِمِ القرى

ولا عندَ أطرافِ القنا بهيوبِ

عروفٌ لحقِ السائلينَ كأنهُ

بعقرِ المتالِي طالبٌ بذنوبِ

ترى مترعَ الشيزَى يزينُ فروعها

عبائطُ متلافِ اليدينِ خصيبِ

كأنَّ سباعَ الغيلِ والطير تعتفي

ملاحمَ نقاضِ التراتِ طلوبِ

وقال الأخطل يمدح الوليد بن عبد الملك، ويهجو جريراً: الطويل

عفا واسطٌ منْ أهلهِ فمذانبهْ

فروضُ القطا صحراؤُهُ فنصائبُهْ

وقدْ كانَ محضُوراً أرَى أنَّ أهلَهُ

بهِ أبداً ما أعجَمَ الخطَّ كاتِبُهْ

ولكنَّ هذا الدهرَ أصبحَ فانياً

تسعسعَ واشتدَّتْ عليهِ تجاربُهْ

عفا ذو الصفا منهمْ فأمسَى أنيسهُ

قليلاً تعاوَى بالضباحِ ثعالبُهْ

وحلَّ بصحراءِ الإهالةِ حذلَمٌ

وما كانَ حلالاً بها إذْ تُحارِبُهْ

خلا لبنِي البرشاءِ بكرِ بنِ وائلٍ

مجارِي الحصى منْ بطنِ فلجٍ فجانبُهْ

نفَى عنهمُ الأعداءَ فرسانُ غارةٍ

ودهمٌ يغمُّ البلقَ خضرٌ كتائبُهْ

فنحنُ أخٌ لمْ تلقَ في الناسِ مثلنا

أخاً حينَ شابَ الدهرُ وابيضَّ حاجبُهْ

وإنّا لصبرٌ في مواطِنِ قومِنا

إذا ما القَنا الخطيُّ علتْ مخاضبُهْ

وإنا لحمالو العدوِّ إذا غدا

على مركبٍ لا يستلذُّ مراكبُهْ

وغيرانَ يغلِي للعداوةِ صدرُهُ

يذبذبُ عني لمْ تنلنِي مخالبُهْ

فإنْ أكُ قدْ فتُّ الكلَيْبِيَّ بالعلى

فقدْ أهلكتْهُ في الجراءِ مثالبُهْ

فظلَّ لهُ بينَ العقابِ وراهطٍ

ضبابةُ يومٍ لا توارَى كواكبُهْ

رأيتُكَ والتكلِيفَ نفسكَ دارِماً

كشيءٍ مضى لا يدرِكُ الدهرَ طالبهْ

فإنْ يكُ قدْ بانَ الشبابُ فربَّما

أعللُ بالعذْبِ اللذيذِ مشاربُهْ

وليلةِ نجوَى يعترِي أهلَها الصبا

سلبتُ بها ريماً جميلاً مسالبُهْ

فأصبح محجوباً عليَّ وأصبحتْ

بظاهره آثارُهُ وملاعبُهْ

وبتنا كأنّا ضيفُ جنٍّ بليلَةٍ

يعودُ بها القلبَ السقيمَ طبائبُهْ

فيالكِ منِّي هفوةً لمْ أعدْ لها

ويا لكَ قلْباً أهلَكَتْهُ مذاهِبُهْ

دعانِي إلى خيرِ الملوكِ فضولهُ

وإني امرؤٌ يثنِي عليهِ ونادِبُهْ

وعالقُ أسبابِ امرئٍ إنْ أقَعْ بهِ

أقعْ بكرِيمٍ لا تغبُّ مواهبُهْ

إلى فاعِلٍ لَو خايَلَ النيلَ أرجَفَتْ

منَ النيلِ فواراتُهُ ومشاعبُهْ

وإنْ أتعرَّضْ للوليدِ فإنَّهُ

نمتهُ إلى خيرِ الفروعِ مضاربُهْ

نساءُ بنِي عبسٍ وكعبٍ ولدنَهُ

فنعمَ لعمرِي الجالباتُ جوالبُهْ

رفيعُ المنَى لا يستقلُّ بحملهِ

سؤومٌ ولا مستنكشُ البحرِ ناضبهْ

تجيشُ بأوصالِ الجزورِ قدورهُ

إذا المحلُ لمْ يرجعْ بعودَيْنِ حاطِبُهْ

مطاعِيمُ تغدُو بالعبيطِ جفانُهُمْ

إذا القرُّ ألوَى بالعضاهِ عصائبُهْ

وما بلغتْ خيلُ امرئٍ كانَ قبلهُ

بحيثُ انتهتْ آثارُهُ ومحاربُهْ

وتضحِي جبالُ الرومِ غبراً فجاجُها

بما اشتعلتْ غاراتهُ ومقانبُهْ

من الغزوِ حتى انضمَّ كلُّ ثميلةٍ

وحتى انطوتْ من طولِ قودٍ جنائبهْ

يمدُّ المدَى للقومِ حتى تقطعتْ

حبالُ القوَى وانشقَّ منهُ سبائبُهْ

فتًى الناسِ لمْ تصهِرْ إليهِ محاربٌ

ولا غنويٌّ دونَ قيسٍ يناسبُهْ

وقال يمدح بشر بن مروانَ: الطويل

صحا القلبُ عنْ أروَى فأقصرَ باطلُهْ

وعادَ لهُ منْ حبِّ أرْوَى أخابلُهْ

أجدَّكَ ما تلقاكَ إلاَّ مريضةً

يداوينَ قلباً ما تنامُ بلابلُهْ

عفا واسطٌ منها فآجامُ حامزٍ

فروضُ القطا صحراؤُهُ فخمائلُهْ

وقدْ كانَ فيها منزلٌ نستلذُّهُ

أعامِقُ برقاواتهِ فأجاوِلُهْ

وأدتْ إلينا عهدها أمُّ معمرٍ

فقدْ جعلتنا كالخليطِ تزايلُهْ

دعتها نوًى عنها شطونٌ وليتها

ثوتْ ما ثوى عندَ الكلابِ جنادِلُهْ

رأتْ أنَّ ريعانَ الشبابِ قدِ انجلَى

وأنَّ مشيبي حاضرتني عواجلُهْ

وأصبحتْ كوفياً وأصبَحَ أهلُها

مخارِمُ مردٍ دونهمْ فأبازِلُهْ

وسوفَ تؤدِّينا من اللهِ ذمةٌ

وإلحاقُ تهجيرٍ بليلٍ أواصلُهْ

ومحتقرٌ جوزَ الفلاةِ إذا انتحى

وشدَّ بمقتودٍ من الميْسِ كاهلُهْ

كأنِّي أغولُ الأرضَ عنِّي بقارِحٍ

أخِي قفرةٍ قدْ طارَ عنهُ نسائلهْ

طوَى بطنهُ طولُ السيافِ وألحقتْ

معاهُ بصلبٍ قدْ تفلقَ فائلُهْ

رعَى العودُ ماءَ الأرضِ حتى تحسرَتْ

عقيقتهُ وانضمَّ منهُ ثمائلُهْ

فلما تولَّى في جحافِلِهِ السَّفا

وراجعهُ مرْكوزهُ وذوابلهْ

تذكَّر قرْعاءَ القتودِ ولمْ يجدْ

بها منهلاً إذْ أعوزتْهُ أكاحلُهْ

وظلَّ كمثلِ النصبِ يقذفُ طرفَهُ

إلى كلِّ شخصٍ نابئٍ هوَ عادِلُهْ

وذكرَها إذْ أدبَر الصيفُ بالقرَى

وحرتْ عليهِ الشمسُ عذباً مناهلهْ

فراحَ وراحتْ يتقيها بنحرهِ

ويحملُها فوقَ الأحزةِ وابلُهْ

وطالَ عليهِ الشدُّ حتى كأنَّما

ترى لسوادِ المروِ قرناً يصاولهْ

بمجتمِعِ التلعين خوصاً كأنَّها

هواجرُ وقادٍ ركودٍ أصائلُهْ

إذا اغترَّها من بطنِ غيثٍ تكشفتْ

بروعاتهِ جحشانُهُ وحلائلُهْ

غيورٌ طوى طيَّ الملاءِ بطونَها

ولوحَها تشحاجُهُ وصلاصِلُهْ

بصيرٌ بأخراها يسوفُ فروجَها

عليهنَّ ذَيّالٌ خيفيفٌ ذلاذلهْ

تبصبصُ منهُ كلُّ قوداءَ مرتجٍ

إذا لانَ عنْ طولِ الجراءِ أباجلُهْ

كأنَّ اللواتِي هنَّ مكتنفاتهُ

قوى أندرِيٍّ أحكمَ الصنعَ فاتلُهْ

ثلاثَ ليالٍ ثمَّ صبحنَ ريَّةً

وخضراً من الوادِي رِواءً أسافلُهْ

فظلَّ يسوفُ النهيَ حتى تمدرَتْ

بطينِ الرُّبا أرساغُهُ وجحافلهْ

يغنيهِ بالفيضِ البعوضُ كأنَّها

أغانيُّ عرسٍ صنجهُ وجلاجلُهْ

فظلَّ بحيزومٍ يفلُّ نسورهُ

ويوجعُهُ صوانُهُ ومعابلُهْ

إذا مسَّ أطرافَ السنابكِ ردَّها

إلى صلبِها جادِي حصاهُ وجائِلُهْ

على أنَّهُ يكفيهِ صمٌّ نسورُه

ورسغٌ أمينٌ لمْ تخنهُ أباجلُهْ

ومستقبلٍ لفحَ الحرورِ فأصبحتْ

إليكمْ أبا مروانَ شدَّتْ رواحلُهْ

إليكم من الأغوالِ حتى يزرنكمْ

بمدحَةِ محمودٍ ثناهُ وقابلُهْ

جزاءً وشكراً لامرئٍ ما يغبنِي

إذا جئتُهُ نعماؤُهُ وفواضِلُهْ

أخُو الحربِ لا ينفَكُّ يُدْعَى لعُصْبَةٍ

حروريةٍ أو أعجمِيٍّ يقاتِلُهْ

معانٌ بكفيْهِ الأعنةُ أشعلَتْ

لكلِّ عدًى نيرانُهُ وقنابلُهْ

أبحتَ حصونَ الأعجَمينَ فأمسَكَتْ

بأبوابِها من منزلٍ أنتَ نازِلُهْ

ضروبٌ عراقِيبَ المطِيِّ كأنَّما

يبارِي جمادَى إذْ شَتا ويخايلُهْ

إذا غابَ عنّا غابَ عنّا رَبِيعُنا

وإنْ شهْدَ أجدَى فيضُهُ وجداوِلُهْ

فإنَّكَ حصْنٌ من قريشٍ وإننِي

بأسبابِ حبلٍ منكمُ ما أزايلُهْ

جزَى الله بشراً عن قذُوفٍ بنفسهِ

على الهولِ ما ينفكُّ ترمَى مقاتلُهْ

جزاءَ امرئٍ أفضَى إلى اللهِ قلبُهُ

بتوبتهِ فانفلَّ عنهُ أثافلُهْ

فَما كانَ قرمٌ مثلهُ لكريهةٍ

ولا مستقلٌّ بالذي هوَ حاملُهْ

إذا وزَنَ الأقوامُ لمْ يلفَ فيهمِ

كبشرٍ ولا ميزانُ بشرٍ يعادِلُهْ

أغرُّ علَيْهِ التاجُ لا متعبِّسٌ

ولا وَرَقُ الدنيا عنِ الدينِ شاغلُهْ

إذا انفرَجَ الأبوابُ عنهُ رأيتهُ

كصدرِ اليمانِي أخلصتْهُ صياقِلُهْ

فإن يكُ هذا الدهرُ أوْدَى نعيمُهُ

ولمْ يبقَ إلا عضُّهُ وزلازِلُهْ

فما أنا من حبِّ الحياةِ بهاربٍ

منَ الموتِ إنْ جاشتْ عليَّ مسايلُهْ

فلا تجعَلَنِّي يا بنَ مروانَ كامرئٍ

غلَتْ في هوى آل الزبَيْرِ مراجِلُهْ

يبايعُ بالكفِّ الذي قدْ عرفْتَها

وفي قلبهِ ناموسُه وغوائلُهْ

وقال يمدح همامَ بنَ مطرفٍ التغلبيَّ: الطويل

ألا طرقتْ أروَى الرحالَ وصحبتِي

بأرضٍ يناصِي الحزنَ منها سهولُها

وقدْ غابتِ الشعرَى العبورُ وقارَبَتْ

لتنزلَ والشعْرَى بطيءٌ نُزولُها

ألمَّتْ بشعْثٍ راكبينَ رؤوسَهُمْ

وأكوارَ عيسٍ قدْ براها رحيلُها

تبيَّنْ خليلي ناصحَ الطرْفِ هلْ ترى

بعينكَ ظعناً قدْ أقلَّ حمولُها

تحملنَ من صحراءِ فلجٍ ولمْ يكدْ

بصيرٌ بها منْ ساعةٍ يستحيلُها

نواعمُ لمْ يلقينَ في العيشِ ترحَةً

ولا عثرةً منْ جدِّ سوءٍ يزيلها

ولو باتَ يسرِي الذرُّ فوقَ جلودِها

لأثرَ في أبشارِهِنَّ محِيلُها

تمايَلْنَ للأهواءِ حتى كأنما

يجوزُ بها في السيرِ عمداً دليلها

فلمّا استوَى نصفُ النهارِ وأظهرَتْ

وقدْ حانَ منْ عفْرِ الظباءِ مقيلُها

حثثنَ المطايا فاصمعَدَّتْ لشأنِها

ومدَّ أزماتِ الجمالِ ذميلُها

فلما تلاحقْنا نبذْنا تحيةً

إليهنَّ والتذَّ الحديثَ أصيلُها

فكان لَديْنا السِّرَّ بيْنِي وبينَها

ولمعَ غضيضاتِ العُيونِ رَسُولها

فما خلتُها لاَّ دوالِحَ أوقِرَتْ

وكمتْ بحملٍ نخلُها وفسيلُها

تسلسَلَ فيها جدوَلٌ منْ محلمٍ

إذا زعزعتْها الريحُ كادَتْ تميلُها

يكادُ يحارُ المجتنِي وسطَ أيْكِها

إذا ما تنادَى بالعَشِيِّ هدِيلُها

رأيتُ قرومَ ابْنَيْ نزارٍ كليْهِما

إذا خطرَتْ عندَ الإمامِ فحولُها

يرونَ لهمامٍ علَيْهِمْ فضيلَةً

إذا ما قرومُ الناسِ عدَّتْ فضولُها

وأكملَها عقلاً لدَى كلِّ موطِنٍ

إذا وزِنَتْ فيما يشكُّ عقولُها

فتَى الناسِ همامٌ وموضِعُ بيتهِ

برابيةٍ يعلُو الروابِي طلُولُها

فلَوْ كانَ همامٌ منَ الجنِّ أصبْحَتْ

سجوداً لهُ جنُّ البلادِ وغولُها

نمتْهُ الذُّرَى من مالكٍ وتعطَّفَتْ

عليْهِ الروابِي فرْعُها وأصُولُها

أجادَتْ بهِ ساداتُها فتبرعَتْ

لأخلاقِهِ أمجادُها وخصيلُها

تذرَّى جبالاً منهمُ مكفَهرَّةً

يكادُ يسدُّ الأفقَ منها حلولُها

تريعُ إلى صوتِ المنادِي خيولُهُمْ

إذا ضيعَتْ عوذُ النساء وحولُها

تعدُّ لأيامِ الحفاظِ كأنَّها

قناً لمْ يقوِّمْ دَرْأها مستحيلُها

فما تبَلَتْ تبلاً فيدرَكَ عندَها

ولا سبقتْها في سواها تبولُها

سبُوقٌ لغاياتِ الحِفاظِ إذا جَرى

ووَهّابُ أعناق المئين حمولُها

ودفاعُ ضيمٍ لا يُسامُ دنيَّةً

وقطاعُ أقرانِ الأمورِ وصولُها

وأخاذُ أقصَى الحقِّ لا متهضمٌ

أخوهُ ولا هشُّ القناةِ رذيلُها

أغرُّ أرِيبٌ ليْسَ ينقَضُ عهدُهُ

ولا شاهداً مغبونَةً يستقيلُها

جوادٌ إذا ما أمحلَ الناسُ ممرعٌ

كريمٌ لجوعاتِ الشتاءِ قتولُها

إذا نائباتُ الدهرِ شقتْ عليهمِ

كفاهمْ أذاها فاستخفَّ ثقيلُها

عروفٌ لأصحابِ المرازِئِ مالهُ

إذا عجَّ منحوتَ الصفاةِ بخيلُها

وكرارُ خلفَ المرهقينَ جوادِهِ

حفاظاً إذا لم يحمِ أُنثَى حليلُها

ثنَى مهرهُ والخيلُ رهوٌ كأنها

قداحٌ على كفِّيْ مفيضٍ يجيلُها

يهينُ وراءَ الحيّ نفساً كريمةً

لكبةِ موتٍ ليْسَ يودَى قتيلُها

ويعلمُ أنَّ المرءَ ليسَ بخالدٍ

وأنَّ منايا الناسِ يسعَى دليلُها

فإنْ عاشَ همامٌ لنا فهوَ رحمةٌ

منَ اللهِ لمْ ينفَسْ علينا فضُولُها

وإنْ ماتَ لمْ تستبدلِ الأرضُ مثلهُ

لأخذِ نصيبٍ أوْ لأمرٍ يغولُها

وما بتُّ إلاَّ واثقاً إنْ مدحتُهُ

بدولةِ خيرٍ منْ نداهُ يديلُها

وقال أيضاً: الطويل

دَنا البينُ من أرْوَى فزالَتْ حمولُها

لتشغلَ أروَى عن هواها شغُولُها

وما خفتُ منها البينَ حتى تزعزَعتْ

هماليجُها وازورَّ عنِّي دليلُها

وأقسمُ ما تنآكَ إلاَّ تخيلَتْ

على عاشقٍ جنانُ أرضٍ وغولُها

ترَى النفسُ أرْوَى جنةً حيلَ دونَها

فيالكِ نفساً لا يُصابُ غليلُها

وكمْ بخلتْ أروَى بما لا يضيرُها

وكم قتلتْ لوْ كانَ يودَى قتيلُها

وباعدَ أروَى بعدَ يومِ تعلَّةٍ

حثيثُ مطايا مالكٍ وذميلُها

تواصَوا وقالُوا زعزعُوهنَّ بعدما

جرى الماءُ منها وارفأنَّ جفولُها

إذا هبطَتْ مجهولَةً عسفَتْ بِها

معرقَةَ الألحي ظماءً خصيلُها

فإنْ تكُ قدْ شطتْ نواها فربَّما

سقتنا دُجاها ديمةٌ وقبولُها

لها مربعٌ بالثني ثني مخاشِنٍ

ومنزلَةٌ لمْ يبقَ إلاَّ طُلُولُها

طفتْ في الضُّحَى أحداجُ أرْوَى

كأنَّها قرًى منْ جواثى محزئلٍّ فسيلُها

لدن غدوةً حتى إذا ما تقيظتْ

هواجرُ من شعبانَ حامٍ أصيلُها

فما بلغتها الجردُ حتى تحسرَتْ

ولا العيسُ حتَّى انضمَّ منها ثميلُها

لعمرِي لئنْ أبصرْتُ قصدِي لرُبَّما

دَعانِي إلى البيضِ المراضِ دليلُها

ووحشٍ أرانِيها الصبا فاقتنصتُها

وكأسٍ سلافٍ باكرتنِي شمولُها

فما لبثتنِي أنْ حنتنِي كما

ترى قصيراتُ آيامِ االفَتَى وطوِيلُها

وما يزدَهِينِي في الأمورِ أخفُها

وما أضلَعَتْنِي يومَ نابَ ثقيلُها

ولكنْ جليلُ الرأيِ في كلِّ مواطنٍ

وأكرمُ أخلاقِ الرجال جليلُها

إذا الشعراءُ أبصرتنِي تقاعسَتْ

مقاحيمُها وازوَرَّ عني فحولُها

ومعترضٍ لو كنتُ أزمعتُ شتمهُ

إذنْ لكفتهُ كلمةٌ لو أقولُها

قريبةُ تهجونِي وعوفُ بنُ مالكٍ

وزيُد بنُ عمرٍو وغرُّها وكهولُها

ألا إنَّ زيدَ اللاتِ لا يتسجيرُها

كريمٌ ولا يوفِي قتيلاً قبيلُها

معازِعلُ حلالُونَ بالغيبِ لا تَرَى

غريبتهمْ إلاّ لئيماً حليلُها

أمعشرَ كلبٍ لا تكونُوا كأنكمْ

بعمياءَ مسدودٍ عليكمْ سبيلُها

فما الحقُّ ألاّ تنصفُوا من قتلتمُ

ويودَى لعوفٍ والعُقابِ قتيلُها

ولا تنشدُونا من أخيكمْ ذمامةً

ويسلمَ أصداءَ العويرِ كفيلُها

أحاديثُ سدّاها ابنُ حدْراءَ فرقَدٌ

ورمازةٌ مالتْ لمنْ يستميلُها

إذا نمتَ عن أعراضِ تغلبَ لم تنمْ

أبا مالكٍ أضغانُها وذحولُها

فلا تُسقِطنْكُم بعدَها آلَ مالكٍ

شرارُ أحاديثِ الرجالِ وقيلُها

جزَى اللهُ خيراً من صديقٍ وإخوةٍ

بما عملتْ تيمٌ وأوتِي سولُها

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي