منتهى الطلب من أشعار العرب/الكميت

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

الكميت

الكميت - منتهى الطلب من أشعار العرب

الكميت وقال الكميت بن معروف بن الكميت بن ثعلبة الفقعسي:

أرى العينَ مذْ لمْ تلقَ ديلمَ راجعتْ

هواها القديمَ في البُكا فهوَ دابُها

وما ذكرتْ إلاَّ أكفكفُ عبرةً

بعينيَ منها ملؤُها أو قرابُها

دنتْ دنوةً مِن دارِنا ثمَّ أصبحتْ

بمنزلةٍ ناءٍ علينا منابُها

ولوْ كنتُ أرجو أنْ أنالَ كلامَها

إذا جئتُ لمْ يبعدْ عليَّ طلابُها

وما عنْ قلًى هجرانُها غيرَ أنَّهُ

عداني ارتقابي قومَها وارتقابُها

وإنِّي ليَعروني الحياءُ معَ الذي

يُخامرني من ودِّها وأهابُها

وأعرضُ عنها والفؤادُ كأنَّما

يصلَّى بنارٍ يعتريهِ التهابُها

فللّهِ نفسٌ كاذبتْني عنِ المُنى

وعنْ ذكرِها والنَّفسُ جمٌّ كذابُها

ودرُّ هوًى يومَ المنيفةِ قادَني

لجاذبةِ الأقرانِ بادٍ خلابُها

إذا هيَ حلَّتْ بالفراتِ ودجلةٍ

وحرَّةِ ليلى دونَ أهلِي ولابُها

فليتِ حمامَ الطَّفِّ يرفعُ حاجَنا

إليها ويأتينا بنجدٍ جوابُها

سلِ القلبَ يا بنَ القومِ ما هو صانعٌ

إذا نيَّةٌ حانتْ وخفَّتْ عقابُها

أتجزعُ بعدَ الحلمِ والشَّيبِ أنْ ترى

دجنَّةَ لهوٍ قدْ تجلَّى ضبابُها

ألا يا لقومٍ للخيالِ الذي سرَى

إليَّ ودُوني صارةٌ فعنابُها

سرى بعدَما غارَ السِّماكُ ودونَنا

مياهُ حصيدٍ عينُها فكثابُها

عسَى بعدَ هجرٍ أنْ يداني بينَنا

تصعُّدُ أيدي العيسِ ثمَّ انصبابُها

وجوبُ الفَيافي بالقلاصِ قدِ انطوتْ

ولا يقطعُ الموماةَ إلاَّ اجتيابُها

بكلِّ سبنْتاةٍ إذا الخمسُ ضمَّها

تقطِّعُ أضغانَ النَّواجي هبابُها

إذا وردتْ ماءً عنِ الخمسِ لمْ يكنْ

على الماءِ إلاَّ عرضُها وانجدابُها

وإن أوقدَ الحَرُّ الحزابيَّ فارْتقى

إلى كلِّ نشزٍ محزئلٍّ سرابُها

حدتْها توالٍ لاحقاتٌ وقدَّمتْ

هواديها أيدٍ سريعٌ ذهابُها

بهنَّ يُداني عرضُ كلِّ تنوفةٍ

يموتُ صدًى دونَ المياهِ غرابُها

وإنْ حلَّتِ الظَّلماءُ بالبيدِ واسْتوى

على مَن سرى بطنانُها وحدابُها

تخوَّضتُها حتَّى يفرِّجنَ غمَّها

وينجابُ عنْ أعناقهنَّ ثيابُها

يصافحنَ حدَّ الشَّمسِ كلَّ ظهيرةٍ

إذا الشَّمسُ فوقَ البيدِ ذابَ لعابُها

بجائلةٍ تحتَ الأحجَّةِ هجَّجتْ

إلى همعاتٍ مستظلٍّ حجابُها

تخطَّى بها الأهوالَ كلُّ شملَّةٍ

إذا عصبتْ عنِّي السَّديسينِ نابُها

تنيفُ برأسٍ في الزِّمامِ كأنَّهُ

قدومُ فؤوسٍ ماجَ فيها نصابُها

وقال الكميت أيضاً:

حيِّيا بالفراتِ رسماً محِيلا

أذهبتهُ الرِّياحُ إلاَّ قلِيلا

أُسُّ نؤيٍ تثلَّمتْ عضداهُ

ورماداً أبدى خفيّاً ضئِيلا

مثلُ فرخِ الحمامِ قدْ ذهَّبتهُ

عصفُ الرِّيح بكرةً وأصِيلا

مرَّةً تعتَفيهِ ريحٌ جنوبٌ

ومراداً تهبُّ ريحاً شمولا

أيْ خليليَّ عرِّجا إنَّ هنداً

أصبحتْ تبتغي علينا الذُّحولا

زعمتْ أنَّني ذهلتُ وليتي

أستطيعُ الغداةَ عنها الذُّهولا

أكذبُ العالمينَ وأياً وعهداً

كاعبٌ ما تنِي تلوَّنَ غولا

يقصرُ الظِّلُّ والحجابُ عليها

لا ترومُ الخروجَ إلاَّ قلِيلا

ملأتْ كفَّها خضاباً وحلياً

ثمَّ أبدتْ لنا بناناً طفِيلا

فترى لوْنها نقيّاً بهيّاً

وترى طرفَها غضيضاً كحِيلا

قلْ لهندٍ ولا أظنُّ ثواباً

عندَ هندٍ ولا عطاءً جزِيلا

لمْ يدعْ بينكمُ غداةَ احْتملتمْ

من فراضَ الفراتِ لي معقولا

أذُرى النَّخلِ بالسَّوادِ رأينا

أم رأينا لآلِ هندٍ حمولا

رفعتْ بزَّها على بغلاتٍ

ينتقلنَ البلادَ ميلاً فمِيلا

فذرِ اللَّهوَ والتَّصابيَ وامدحْ

مَن يحبُّ النَّدى ويُعطي الجزِيلا

بينَ زيدٍ وبينَ آلِ سعيدٍ

أُعطي الحلمَ منهمُ والقبولا

يا بنَ زيدٍ وأنتَ خيرُ قريشٍ

جمَّةً بعدَ نجدةٍ وحفِيلا

أنت أدنتيني وسهلت حاجي

وجعلت الحزون منها السهولا

ورددتَ الغداةَ عُودي وريقاً

بعدَما كنتُ خفتُ منهُ الذُّبولا

فإذا ما فعلتَ أحسنتَ فعلاً

وإذا ما تقولُ أحسنتَ قِيلا

وإذا ما يقالُ أيُّ خليلٍ

لامرئٍ بعدُ كنتَ أنتَ الخلِيلا

يكثرُ الجودُ والسَّماحُ إليهِ

ويردُّ الظَّلومَ عنهُ الجهولا

ووجدْنا سماحَكم يا بنَ زيدٍ

فاضلاً للسَّماحِ عرضاً وطولا

أنتَ غيثٌ يعاشُ في كنفيهِ

حينَ تُمسي البلادُ جدباً محولا

وخليجٌ منَ الفراتِ إذا ما

أحمدَ الرَّائدُ الثُّمامَ الحمِيلا

وجوادٍ وهبتهُ وغلامٍ

ونجيبٍ ترَى عليهِ الشَّلِيلا

قدْ حبوتَ امرءاً أثابكَ مدحاً

ثمَّ زوَّدتهُ علاةً ذمُولا

وقال الكميت:

ألا يا لقومٍ أرَّقتْ أمُّ نوفلِ

وصحبي هجودٌ بينَ غيٍّ وغرَّبِ

وليلةَ فيْفا نخلتينِ طرقتِنا

ونحنُ بوادٍ ذي أراكٍ وتنضبِ

فنبَّهتُ أصحابي فقامُوا على الكرى

إلى ساهماتٍ في الأزمَّةِ لغَّبِ

وقمتُ إلى عيرانةٍ قدْ تخدَّدتْ

وقاستْ يداها كلَّ خمسٍ مذبّبِ

فلمَّا استوتْ أقدامُنا وتمكَّنتْ

إلى كلِّ غرزٍ بينَ دفٍّ ومنكبِ

قبصنَ بنا قبصَ النَّحائصِ راعَها

توجُّسُ رامٍ خفنهُ عندَ مشربِ

فقلتُ لهمْ أمُّوا هدى القصدِ وارْفعوا

بسيرٍ يدنِّي حاجةَ الرّكبِ مهذبِ

فأصبحنَ ينهضنَ الرِّحالَ وترْتمي

رؤوسَ المهارَى باللُّغامِ المعصَّبِ

بصحراءَ مِن نجدٍ كأنَّ رعانَها

رجالٌ قيامٌ في ملاءٍ مجوبِ

غداةَ يقولُ القومُ أكللتَ وانْبرى

قوى العيسِ خمسٌ بعدَ خمسٍ عصبصبِ

إذا ما المهارَى بلَّغتنا بلادَها

فبعدَ المهارَى مِن حسيرٍ ومتعبِ

خليليَّ من لا يعنِهِ الهمُّ لا يزلْ

خليّاً ومَن يستحدثِ الشَّوقَ يطربِ

ومَن لا يزلْ يُرجى بغيبٍ إيابهُ

ويرمي به الأطماعُ في الهولِ يشجبِ

وقفٍّ تظلُّ الرِّيحُ عاصفةً بهِ

كأنَّ قراهُ في الضُّحى ظهرُ هوزبِ

شججتُ الصُّوى مِن رأسهِ أوْ خَرمتهُ

بشعثٍ وأنقاضِ الوجيفِ المأوِّبِ

وقدْ وقفتْ شمسُ النَّهارِ وأوقدتْ

ظهيرَتها ما بينَ شرقٍ ومغربِ

وديقةِ يومٍ ذي سمومٍ تنزَّلتْ

بهِ الشَّمسُ في نجمٍ منَ القيظِ ملهبِ

وقدْ ظلَّ حرباءُ السَّمومِ كأنَّهُ

ربيئةُ قومٍ ماثلٌ فوقَ مرقبِ

وفتيانِ صدقٍ قدْ بنيتُ عليهم

خباءً كظلِّ الطَّائرِ المتقلِّبِ

قليلاً كتحليلِ القطا ثمَّ قلَّصتْ

بنا طالباتُ الحقِّ من كلِّ مطلبِ

بدويَّةٍ لا يبلغُ القومُ منهلاً

بها دونَ خمسٍ يتعبُ القومَ مطنبِ

قليلٍ بها الأصواتُ إلاَّ تفجُّعاً

مِن الذِّئبِ أو صوتِ الصَّدى المتحوِّبِ

بها العينُ أرفاضاً كأنَّ سخالَها

وقوفَ عذارَى سوقطتْ حولَ ملعبِ

وكلُّ لَياحٍ بالفلاةِ إذا غدا

مشى فزعاً كالرَّامحِ المتنكِّبِ

قطعتُ بمقْلاقِ الوشاحِ كأنَّها

طريدةُ وحشٍ أفلتتْ مِن مكلّبِ

وإنِّي لقوَّالٌ لكلِّ قصيدةٍ

طلوعِ الثَّنايا لذةٍ للمشبِّبِ

إذا أُنشدتْ لذَّتْ إلى القومِ وارتمَى

بها كلُّ ركبٍ مصعدٍ أو مصوِّبِ

وإنِّي لأسعى للتَّكرُّمِ راغباً

ومَن يحصِ أخلاقَ التَّكرُّمِ يرغبِ

إلى شيمةٍ منِّي وتأديبِ والدي

ولا يعرفُ الأخلاقَ مَن لم يؤدَّبِ

وقد يخذلُ المولى دعايَ ويحتَذي

أذاتي وإن يُعزلْ بهِ الضَّيمُ أغضبِ

وأعرفُ في بعضِ الدُّنوِّ ملالةَ ال

صَّديقِ وأستبقيهم بالتَّجنُّبِ

تعجَّبُ هندٌ أنْ رأتْ لونَ لمَّتي

ومَن يرَ شيبي بعدَ عهدكِ يعجبِ

وكانتْ تراهُ كالجناحِ فراعَها

تغيُّرُ لونٍ بعدَ ذلكَ معقبِ

فإمَّا ترَيني قدْ علا الشَّيبُ مفرِقي

وفضلُ النُّهى والحلمُ عندَ التَّشبُّبِ

فإنِّي امرؤٌ ما يخبأُ النَّارَ موقدي

بسترٍ وما تستنكرُ الضَّيفَ أكلُبي

وما أنا للمولى بذئبٍ إذا رأى

لهُ غرَّةٌ أدْلى معَ المُتذئبِ

ولكنَّني إنْ خافَ قومي عظيمةً

رمَوني بنحرِ المانعِ المتأرِّبِ

فصرَّفتُ صعبَ الأمرِ حتَّى أذلَّهُ

ويركبُ مِن أظفارهِ كلَّ مركبِ

ولستُ إذا الفتيانُ هزُّوا إلى العُلى

بذي العلَّةِ الآبي ولا المتخيِّبِ

ولا أجعلُ المعروفَ حلَّ أليَّتي

ولا عدَةً في النَّاظرِ المتغيِّبِ

ولستُ بلاقي الحمدِ ما لمْ تجنِه

ولا مقتدٍ باللُّبِّ ما لمْ تلبَّبِ

ولستُ بلاقي الرَّأسِ مِن آلِ فقعسٍ

فينسبَ إلاَّ كانَ خالي أوْ أبي

وجدتُ أبي يَنمي بنيهِ وينتمِي

إلى الفرعِ منهمْ واللُّبابِ المهذَّبِ

إلى شجرِ النَّبعِ الذي ليسَ نابتاً

مِن الأرضِ إلاَّ في مكانٍ مطيَّبِ

أولئكَ قومي إنْ أعدُّ الذي لهمْ

أُكرَّمْ وإنْ أفخرْ بهمْ لمْ أُكذّبِ

همُ ملجأُ الجاني إذا كانَ خائفاً

ومأوى الضَّريكِ والفقيرِ المعصَّبِ

بطاءٌ عنِ الفحشاءِ لا يحضرونَها

سراعٌ إلى داعي الصَّباحِ المثوِّبِ

مناعيشُ للمولى مساميحُ بالقِرى

مصاليتُ تحتَ العارضِ المتلهِّبِ

وجدتُ أبي فيهمْ وخالي كلاهُما

يطاعُ ويُعطى أمرهُ وهوَ محتبي

فلم أتعمَّلْ للسَّيادةِ فيهمِ

ولكنْ أتتْني وادعاً غيرَ متعبِ

ولمْ أتَّبعْ ما يكرهونَ ولمْ يكنْ

لأعدائهمْ مِن سائرِ النَّاسِ منكبي

وقال الكميت أيضاً:

ظلَّتْ تعجَّبُ هندٌ أنْ رأتْ شمطي

وراقَها لممٌ أعجبْنها سُودُ

هلْ للشَّبابِ الذي قدْ فاتَ مردودُ

أمْ هلْ لرأسكَ بعدَ الشَّيبِ تجدِيدُ

أمْ هلْ لغصنٍ ذوى عقبٌ فنعقبهُ

أيَّامَ أُملودهُ والغصنُ أملُودُ

أمْ هلْ عتابكَ هذا الشَّيبَ حاسبهُ

أمْ هلْ لِما يعجبُ الأقوامَ تخلِيدُ

والعيشُ كالزَّرعِ منهُ نابتٌ خضرٌ

ويابسٌ يبتريهِ الدَّهرُ محصُودُ

كالجفنِ فيه اليمانِي بعدَ جدَّتهِ

يبلى ويصفرُّ بعدَ الخُضرة العُودُ

سقياً لليلى وللعهدِ الذي عهدتْ

لو دامَ منها على الهجرانِ معهُودُ

وأحدثُ العهدِ مِن ليلى مخالبةٌ

شكٌّ أمانيُّ لا بخلٌ ولا جُودُ

إذْ عرَّضتْ ليَ أقوالاً لتقصدَني

والقلبُ مِن حذرِ الهجرانِ مقصُودُ

وقدْ أراني أُراعي الخيلَ يُعجبني

إذا تُؤمّلَ منها النَّحرُ والجِيدُ

تجلو بعودِ أراكٍ عن ذُرى برَدٍ

كأنَّما شابهُ مسكٌ وناجُودُ

ومضحكٍ بذلتهُ عن ذُرى أشرٍ

كأنَّه برَدٌ فيهِ أخادِيدُ

تُجري الرِّهانَ على وحفٍ غدائرهُ

كأنَّه فوقَ متنيْها العناقِيدُ

خودٌ تنوءُ إذا قامتْ روادفُها

وبطنُها مضمرُ الكشحينِ مخضُودُ

عرَّجت أسألُ أطلالاً بذي سلمٍ

عن عهدِها وحبيبُ العهدِ منشُودُ

بلْ هاجكَ الرَّبعُ بالبيداءِ من عقبٍ

وما بكاؤكَ مِن أنْ تدرسَ البِيدُ

وما يهيجكَ مِن أطلالِ منزلةٍ

قفرٍ تنادَى بها الورقُ الهداهِيدُ

ذكرتَ بالغورِ مَن تحتلُّ واردةً

فآبَ عينيكَ دونَ الرَّكبِ تسهِيدُ

حتَّى كأنِّي بأعلى الغورِ مِن مللٍ

مكبَّلٌ شفَّهُ حبسٌ وتقيِيدُ

أقولُ والعيسُ صعرٌ في أزمَّتها

ما حانَ منهنَّ بعدَ الغورِ تنجِيدُ

لفائدٍ وطُلى الأعناقِ مائلةٌ

والعيسُ سيرَتها نعبٌ وتخوِيدُ

وقدْ قراهنَّ معروفاً رحلنَ لهُ

سميدعٌ مِن بني الخطَّابِ محمُودُ

جمَّاعُ أنديةٍ رفَّاعُ ألويةٍ

موفَّقٌ لثنايا الخيرِ محسُودُ

متى تقولانِ أهلُ الطَّفِّ تبلغهمْ

مِن عينِ ملل العيديَّةُ القُودُ

غلبُ الغلابيِّ صدقاتٌ إذا وقفتْ

للشَّمسِ هاجرةٌ شهباءُ صيخُودُ

ما في الحداةِ إذا شدُّوا مآزرهمْ

عنها توانٍ ولا في السَّيرِ تهوِيدُ

يظلُّ مِن حرِّها الحرباءُ مرتبئاً

كأنَّه مسلمٌ بالجرمِ مصفُودُ

يخلطنَ ماءً مِن الماءينِ بينَهما

خرقٌ تكلُّ بهِ البزلُ المقاحِيدُ

مِن كلِّ حلسٍ غداةَ الخمسِ يلحقُها

قلبٌ وطرفٌ حذارَ السَّوطِ مزؤُودُ

قوداءُ مائرةُ الضَّبعينِ نسبتُها

في سرِّ أرحبَ أو تَنمي بها العِيدُ

ظلَّتْ تقيسُ فروجَ الأرضِ لاهيةً

كما يقاسُ سجيلُ الغزلِ محدُودُ

كأنَّها فاقدٌ ورهاءُ مدرعُها

مشقَّقٌ عنْ بياضِ النَّحرِ مقدُودُ

تشلُّ في الجلبِ مِن قلبِ العشيِّ كما

تمتلُّ درِّيَّةٌ والصَّحوُ ممدُودُ

ذو أربعٍ يكلأُ الأشباحَ مقتفرٌ

للأرضِ ينفضُها لاهٍ ومنهُودُ

حتَّى أُنيختْ بهجرٍ بعدما نجدتْ

وقدْ تلظَّى مِن الحرِّ الجلامِيدُ

وقدْ تحسَّرَ من عضِّ القتودِ بها نيٌّ

ونخصٌ على الأثباجِ منضُودُ

يا نضْل لا يوقعنَّ البغيُ بعضكمُ

في محصدٍ حبلهُ للشَّرِّ ممدُودُ

فقدْ يهيجُ كبيرَ الأمرِ أصغرهُ

حتَّى يكونَ لهُ صوتٌ وتفنِيدُ

أما يزالُ على غشٍّ يهيجكمُ

أبناءُ شانئةٍ أكبادهمْ سُودُ

لا يفزعونَ إذا ما الأمرُ أفزعكمْ

ولن ترَوهمْ إذا ما استُمطر الجُودُ

أمسَوا رؤوساً وما كانتْ جدودهمُ

يُرأَّسونَ ولا يأبَونَ إنْ قيدُودُا

فقدْ بلاني منَ الأقوامِ قبلكُم

جمعُ الرِّجالِ القُرابى والمواحِيدُ

فأقصروا وبهمْ ممَّا فعلتُ بهمْ

وسمٌ علوبٌ وآثارٌ أخادِيدُ

قطَّعتُ أنفاسهمْ حتَّى تركتهمُ

وكلُّهمْ من دخيلِ الغيظِ مفؤُودُ

فأصبحوا اليومَ منزوراً مودَّتهمْ

كرهاً كما سيفَ بعدَ الرَّأمِ تجلِيدُ

لوْ قالَ ذو نصحكُم يوماً لجاهلكمْ

عن حيَّةِ الأرضِ لا يشقوا بهِ حيدوا

ذوَّحتُ عن فقعسٍ حتَّى إذا كفحتْ

عنها القرومُ منَ النَّاسِ الصَّنادِيدُ

وهابَ شرِّيَ مَن يُبدي عداوتهُ

كما يحاذرُ ليثَ الغابةِ السِّيدُ

أرادَ جهَّالها أن يقرِموا حسَبي

وفيَّ عنْ حسَبي ذبٌّ وتذوِيدُ

هلْ تعلمونَ بلائي حينَ يرهقكمْ

يومٌ يعدُّ منَ الأيَّامِ مشهُودُ

عندَ الحفاظِ إذا ما الرِّيقُ أيبسهُ

ضيقُ المقامِ وهيبَ العصبةُ الصِّيدُ

إنِّي امرؤٌ لمدَى جرْيي مطاولةٌ

يقصِّرُ الوغلُ عنها وهوَ مجهُودُ

ومَن تعرَّضَ لي منكمْ فموعدهُ

أقصى المدى فاقْصروا في الجريِ أوْ زيدوا

إنِّي لتُعرفُ دونَ الخيلِ ناصيَتي

إذا تلعَّبتِ الخيلُ القرادِيدُ

وقال الكميت:

ماذا تذكَّرُ مِن هنيدةَ بعدَما

قطعَ التَّجنُّب هاجَ مَن يتذكَّرُ

وسعى الوشاةُ فأنجحُوا وتغيَّرتْ

وتعهَّدوا ودِّي فما أتغيَّرُ

ورأى الذي طلبَ الوشايةَ منهمُ

ما كنتَ مِن بححِ الصَّبابةِ تحذَرُ

كدتَ العشيرةَ تعتريكَ صبابةٌ

لوْ أنَّ مثلكَ في الصَّبابةِ يعذرُ

وأرتكَ مِن أهلِ الجواءِ ودونَها

عرضُ الكُثابِ فمُسحلانُ فعرعَرُ

ومحلُّها روضُ الجواءِ فصارةٌ

فالواديانِ لأهلِها متديّرُ

ولها إذا رمضَ الجنادبُ والحصى

بالوابشيَّةِ أو بجرثمَ محضَرُ

ولقدْ جرى لكَ لوْ زجرتَ ممرَّهُ

بممرِّها حرقُ القوادمِ أعوَرُ

شئمٌ أتاكَ عنِ الشَّمالِ كأنَّهُ

حنقٌ عليكَ ببينِها مستبشرُ

قطعَ الهوى ألاّ أزالَ بقفرةٍ

يطوي أقاصيها هبلٌّ مجفَرُ

أوْ رسلةٌ تقصُ الحزومَ كأنَّها

طاوٍ تريَّعَ بالسَّليلةِ مقفرُ

تُضحي إذا ما القومُ كمَّشَ حادهمْ

سيرٌ بأجوازِ الفلاةِ عذوَّرُ

صعراءُ ناجيةٌ يظلُّ جديلُها

وهِلاً كما هربَ الشُّجاعُ المنفَرُ

وكأنَّ خلفَ حجاجِها مِن رأسِها

وأمامَ مجمعِ أخدعَيها قهقَرُ

بل أيُّها الرَّجلُ المعرِّضُ نفسهُ

وبِما تفاخرُني وما لكَ مفخَرُ

إنِّي نمتْني للمكارمِ نوفلٌ

والخالدانِ ومعبدٌ والأشتَرُ

وتعطَّفتْ أسدٌ عليَّ فكلُّها

شرعٌ إليَّ فعالهُ المتخيَّرُ

وإذا افتخرتَ بمنقذٍ أو فقعسٍ

مدَّتْ لأبحرِهمْ بحورٌ تزخَرُ

وإذا القبائلُ جمهَروا آباءهمْ

يومَ الفخارِ فإنَّني أتمضَّرُ

نحنُ الذينَ علمتَ مِن أيَّامهمْ

ورأيتَ حينَ يقالُ أينَ العنصرُ

الطَّالعونَ إذا الطَّلائعُ أحصرتْ

والعالمونَ يقينَ ما يُتخيَّرُ

المقدمونَ إذا الكتائبُ أحجمتْ

والعاطفونَ إذا استضافَ المحجَرُ

النَّازلونَ بكلِّ دارٍ حفيظةٍ

عرضٍ تراحُ بها العشارُ وتنحَرُ

الضَّاربونَ رئيسَ كلِّ كتيبةٍ

قوّادَ مملكةٍ عليهِ المغفَرُ

والطَّاعنونَ زويرَ كلِّ كتيبةٍ

حتَّى يضرِّجهُ النَّجيعُ الأحمَرُ

فاعجلْ فإنَّكَ حيثُ يلتقطُ الحصى

فانظرْ هنالكَ مَن يجابُ وينصَرُ

فخرُ الملوكِ بجوفِ يثربَ فخرُنا

ولنا المساجدُ كلُّها والمنبَرُ

وأغرَّ جبَّارٍ ضربْنا رأسهُ

وكذاكَ نضربُ رأسَ مَن يتجبَّرُ

ما رامَنا متجبِّرٌ ذو ثورةٍ

إلاَّ سيقتلُ عنوةً أو يؤسَرُ

إنَّا لنحمدُ في الصَّباحِ إذا بدا

يومٌ أغرُّ مِن القتالِ مشهَّرُ

ونكرُّ في يومِ الوغى ورماحُنا

حمرُ الأسنَّةِ حينَ يُغشى المنكَرُ

ونكرُّ محميَةً ويمنعُ سربَنا

جردٌ تلوِّحها المقانبُ ضمَّرُ

ومساعرٌ حلق الحديد لبوسهم

والمشرفية والوشيج الأسمر

وترى لعارِضنا على أعدائِنا

رهجاً يثورُ لهُ عجاجٌ أكدَرُ

إنَّا إذا اجتمعَ النَّفيرُ بمجمعٍ

ينفي الأذلَّ بهِ الأعزُّ الأكثَرُ

نحمي حقيقَتنا ويُدركُ حقَّنا

إذا اجتمعَ الجماجمُ مجهَرُ

وقال الكميت لسليمان بن عبد الملك:

حيِّ المنازلَ مِن صحراءِ إمَّرةٍ

وحيثُ كانتْ سواقي منعجٍ شعَبا

كانتْ تحلُّ بها حسناءُ فاغتربتْ

بها الدِّيارُ ورثَّ الحبلُ فانجذَبا

للهِ عينِي مِن عينٍ لقدْ طلبتْ

ما لمْ يكنْ دانياً منها ولا سقَبا

نظرتُ يومَ سواجٍ حينَ هيَّجني

صحْبي فكلَّفتُ عيني نظرةً عجَبا

إلى حمول كدوح الدوم غاديةٍ

قد نكبت رمماً واستقبلت رببا

ويبٍ بها نظرةً ليستْ براجعةٍ

شيئاً ولكنَّها قد هيَّجتْ طرَبا

وفي الهوادجِ غزلانٌ منعَّمةٌ

تحكي الزَّبرجدَ والياقوتَ والذَّهَبا

إمَّا تريْني أمسى الحلمُ راجعَني

حلمُ المشيبِ وأمسى الجهلُ قدْ لغبا

فلنْ تريْني أنْمي السُّوءَ أسمعهُ

إنْ جاهلاً قوميَ اسْتبا أو احترَبا

وأحذرُ اللُّؤمَ عندَ الأمرِ أحضرهُ

ولا ألومُ على شيءٍ إذا وجَبا

وقدْ أُصاحبُ ضيفَ الهمِّ يطرقُني

بالعيسِ تختبُّ كسرَيْ ليلِها خبَبا

عيديَّةٌ عوِّدتُ أنْ كلَّما قربتْ

لاقتْ قواربَ مِن كدرِ القطا عصَبا

تخالُ هامتَها قبراً برابيةٍ

وما أمامَ حجاجَيْ عينِها نصبا

منَ المهارَى عبنَّاةٌ مرسَّلةٌ

فلا ترَى حذذاً فيها ولا زببا

منَ المواتحِ بالأيدي إذا جعلتْ

لوامعُ الآلِ تغشَى القورَ والحدَبا

كأنَّها بعدَ خمسِ القومِ قاربةً

تعلو هدوداً إذا ما أعنقتْ صبَبا

تخالُ فيها إذا اسْتدبرتَها شنجاً

وفي يدَيها إذا استقبلتَها حدَبا

تغلي ويخْبأ منها السَّوطَ راكبُها

كما غلا مرجلُ الطَّبَّاخِ إذْ لهَبا

حتَّى إذا ساءَ لونُ العيسِ وانتكثتْ

شبَّهتَ في نسعتَيْها فارداً شبَبا

باتتْ لهُ ديمةٌ بالرَّملِ دائمةٌ

في ليلةٍ من جُمادى واصلتْ رجَبا

فباتَ يحفرُ أرطاةً ويركبُها

يُغشي جوانبَها الرَّوقينِ والرُّكَبا

حتَّى إذا ما تجلَّى طولُ ليلتهِ

عنهُ ولاحَ سراجُ الصُّبحِ فالْتهَبا

وراعهُ صوتُ قنَّاصٍ بعقوتهِ

مقلّدينَ الضِّراءَ القدَّ والعقَبا

فانحازَ لا آمناً من شرِّ نبأتهمْ

يعلو العدابَ ولا مُستمعناً هرَبا

حتَّى لحقنَ وقدْ مالَ الأميلُ بهِ

فكرَّ بالخلِّ إذْ أدركنهُ غضَبا

مجرُّ في حدِّ روقيهِ سوابقُها

ولا يمسُّ لقرنٍ جرَّهُ سلَبا

حتَّى إذا ذادَها عنهُ وقطَّعها

طعنٌ يصيبُ بهِ الحيَّاتِ والقصَبا

ولَّى سريعاً مدلاً غيرَ مكترثٍ

يعلو العدابَ وروقاهُ قدِ اختضَبا

أقبلتُ ترفعُني أرضٌ وتخفضُني

إلى الأغرِّ جبيناً والأغرِّ أبَا

إلى سليمانَ خيرِ النَّاسِ عارفةً

وأسرعِ النَّاسِ إدراكاً لِما طلَبا

وقال الكميت أيضاً:

ألا حيِّيا بالتَّلِّ أطلالَ دمنةٍ

وكيفَ تُحيَّا المنزلاتُ البلاقِعُ

حننتَ غداةَ البينِ مِن لوعةِ الهوى

كما حنَّ مقصورٌ لهُ القيدُ نازِعُ

وظلَّتْ لعيني قطرةٌ مرحتْ بها

على الجفنِ حتَّى قطرُها متتايِعُ

وليسَ بناهي الشَّوقِ عنْ ذي صبابةٍ

تذكَّر إلفاً أنْ تفيضَ المدامِعُ

وقدْ لحَّ هذا النَّأيُ حتَّى تقطَّعتْ

حبالُ الهوى والنَّأيُ للوصلِ قاطِعُ

وما أكثرَ التَّعويلُ إلاَّ لحاجةٌ

وما السِّرُّ بينَ النَّاسِ إلاَّ ودائِعُ

نقولُ بمرجِ الدَّيرِ إذْ صحبَتي

تعزَّوا وقدْ أيقنتُ أنِّي جازِعُ

وما مغزلٌ أدماءُ مرتعُ طفلِها

أراكٌ وسدرٌ بالمِراضينِ يانِعُ

بأحسنَ منها إذْ تقولُ لتربِها

سليهِ يخبِّرنا متى هو راجِعُ

فقلتُ لها واللهِ ما مِن مسافرٍ

يحيطُ لهُ علمٌ بما اللهُ صانِعُ

فصدَّتْ كما صدَّتْ شموسٌ حبالُها

مدى الفوتِ لمْ يقدرْ عليها الأصابِعُ

وقالتْ لقدْ بلاّكَ أنْ لستَ زائلاً

يجوبُ بكَ الخرقَ القلاصُ الخواضِعُ

فقلتُ لها الحاجاتُ يطلبُها الفتى

فعذرٌ يُلاقي بعدَها أو منافِعُ

أقولُ لندمانيَّ والحزنُ دونَنا

وشمُّ العوالي مِن جفافٍ فوارِعُ

أنارٌ بدتْ بينَ المسنَّاةِ والحِمى

لعينكَ أم برقٌ تلألأ لامِعُ

فإنْ تكُ ناراً فهيَ نارٌ يشبُّها

قلوصٌ وتزهاها الرِّياحُ الزَّعازِعُ

وإنْ يكُ برقاً فهوَ برقُ سحابةٍ

لها ريِّقٌ لنْ يخلفَ الشَّيمَ رائِعُ

ألمْ تعلَمي أنَّ الفؤادَ يصيبهُ

لذكراكِ أحياناً على النَّأي صادِعُ

فيلْتاثُ حتَّى يحسبَ القومُ أنَّهُ

بهِ وجعٌ أو أنَّهُ متواجِعُ

سقتكِ السَّواقي المدجناتُ على الصّبا

أثيبي محبّاً قبلَ ما البينُ صانِعُ

فقدْ كنتِ أيَّامَ الفراتِ قريبةً

مجاورةً لو أنَّ قربكِ نافِعُ

وقدْ زعمتْ أمُّ المهنَّدِ أنَّني

كبرتُ وأنَّ الشَّيبَ في الرَّأسِ شائِعُ

وما تلكَ إلاَّ روعةٌ في ذؤابَتي

وأيُّ فتاءٍ لمْ تصبهُ الرَّوائِعُ

وإنِّي وإنْ شابتْ مفارقُ لمَّتي

لكالسَّيفِ أفنى جفنهُ وهوَ قاطِعُ

يصانُ إذا ما السِّلمُ أدجى قناعهُ

وقد جرِّبتْ في الحربِ منهُ الوقائِعُ

ولستُ بجثَّامٍ يبيتُ وهمُّهُ

قصيرٌ وإنْ ضاقتْ عليهِ المضاجِعُ

إذا اعْتقتْني بلدةٌ لمْ أكنْ لها

نسيباً ولمْ تسدفْ عليَّ المطالِعُ

وظلماءَ مذكارٍ كأنَّ فروجَها

قبائلُ مسحٍ أترَصتهُ الصَّوانِعُ

نصبتُ لها وجهي وصدرَ مطيَّتي

إلى أنْ بدا ضوءٌ منَ الصُّبحِ ساطِعُ

لأُبلي عذراً أو لأسمعَ حجَّةً

عنيتُ بها والمنكرُ الضَّيمَ دافِعُ

وكنتُ امرءاً من خيرِ جحوانَ عطِّفتْ

عليَّ الرَّوابي منهمُ والفوارِعُ

نمتْني فروعٌ من دثارِ بنِ فقعسٍ

ومِن نوفلٍ تلكَ الرّؤوسُ الجوامِعُ

فيا أيُّها القومُ الألى ينبحونَني

كما نبحَ اللَّيثُ الكلابُ الضَّوارِعُ

فلا اللهُ يشفي غيظَ ما في صدورهمْ

ولا أنا إنْ باعدتمُ الودَّ تابِعُ

وإنِّي على معروفِ أخلاقي التي

أُزايلُ مِن ألقابِها وأُجامِعُ

لذو تُدرإٍ لا يغمزُ القومُ عظمهُ

بضعفٍ ولا يرجونَ ما هوَ مانِعُ

وما قصَّرتْ بي همَّتي دونَ رغبةٍ

ولا دنَّستني مذْ نشأتُ المطامِعُ

وإنِّي إذا ضاقتْ عليكم بيوتكمْ

ليعلمَ قومي أنَّ بيتيَ واسِعُ

فيلجأُ جانيهمْ إلينا وتنتهي

إلينا النُّهى مِن أمرهمْ والدَّسائِعُ

وما مِن بديعاتِ الخلائقِ مخزياً

إذا كثرتْ في المُحدثينَ البدائِعُ

وما لامَ قومي في حفاظٍ شهدتهُ

نِضالي إذا لمْ يأتلِ الغلوَ نازِعُ

وما زلتُ محمولاً عليَّ ضَغينة

ومطَّلعُ الأضغانِ مذْ أنا يافِعُ

إلى أنْ مضتْ لي الأربعونَ وجرِّبتْ

طبيعةُ صلبٍ حينَ تُبلى الطَّبائِعُ

جريتُ أفانينَ الرِّهانِ فما جرى

معي معجبٌ إلاَّ انتهى وهو ظالِعُ

لنا معقلٌ في كلِّ يومِ حفيظةٍ

إذا بلغتْ طولَ القُنيّ الأشاجِعُ

وقائدِ دهمٍ قدْ حوتهُ رماحُنا

أسيراً ولو يحوينهُ وهو طائِعُ

فللسَّيْئِ في أطلالهنَّ مهابةٌ

وللقومِ في أطرافهنَّ مصارِعُ

لقومي عليَّ الطَّولُ والفضلُ إنَّني

إذا جمعتْني والخطوبُ المجامِعُ

وهمْ عدَّتي في كلِّ يومِ كريهةٍ

وأقرانُ أقراني الذينَ أُصارِعُ

خُلقنا تِجاراً بالطِّعانِ ولمْ نكنْ

تِجارَ ملاءٍ نشتري ونبايِعُ

وقال الكميت أيضاً:

أرقتُ بأرضِ الغورِ مِن ضوءِ بارقٍ

سرى موهناً في عارضٍ متتايِعِ

يضيءُ لنا والغورُ دونَ رحالِنا

خزازُ فأعلى منعجٍ فمتالِعِ

كأنَّ سناهُ ذبُّ أبلقَ يتَّقي

أذى البقِّ عن أقرابهِ بالأكارِعِ

فبتُّ ولمْ يشعرْ بذاكَ صحابَتي

مريضاً لعدَّاتِ الهمومِ النَّوازِعِ

وهلْ يُمرضُ الهمُّ الفتى عندَ رحلهِ

أمونُ السُّرى كالمحنقِ المتدافِعِ

غُريريَّةُ الأعراقِ مفرعةُ القَرى

جُماليَّةٌ أدماءُ مجرى المدامِعِ

نهوزٌ بلحيَيْها إذا الأرضُ رقرقتْ

نضائضَ ضحضاحٍ منَ الأرضِ مائِعِ

لقدْ طرقتْنا أمُّ بكرٍ ودونَنا

مراحٌ ومغدًى للقلاصِ الضَّوابِعِ

بريحِ خُزامى طلَّةٍ نفحتْ بها

منَ اللَّيلِ هبَّاتُ الرِّياحِ الزَّعازِعِ

وكيفَ اهتدتْ تسري انقضٍ رذيَّةٍ

وطلحٍ بأعلى ذي أطاويح هاجِعِ

سرى موهناً مِن ليلةٍ ثمَّ وقَّعتْ

بأصحابهِ عيديَّةٌ كالشَّراجِعِ

معرَّقةُ الأوصالِ أفنى عريكها

ركودُ رحالِ العيسِ فوقَ البراذِعِ

بيَهْماءَ ما للرَّكبِ فيها معرَّجٌ

على ما أسافوا مِن حسيرٍ وظالِعِ

فلمَّا استهبَّ الرَّكبُ واللَّيلُ ملبسٌ

طوالَ الرَّوابي والرِّعانِ الفوارِعِ

قبضْنى بنا قبضَ القطا نُصبتْ لهُ

شباكٌ فنجَّى بينَ مقصٍ وقاطِعِ

ذكرتَ الهوى إذْ لا تفزِّعكَ النَّوى

وإذْ دارُ ليلى بالأميلِ فشارِعِ

وما هاجَ دمعَ العينِ مِن رسمِ منزلٍ

مرَتهُ رياحُ الصَّيفِ بعدَ المرابِعِ

خلاءٍ بوعساءِ الأميلِ كأنَّهُ

سطورٌ وخيلانٌ بتلكَ الأجارِعِ

ومولًى قدِ استأنيتهُ ولبستهُ

على الظَّلعِ حتَّى عادَ ليسَ بظالِعِ

عرضتُ أناتي دونَ فارطِ جهلهِ

ولمْ ألتمسْ عيباً لهُ في المجامِعِ

ولوْ رابهُ ريبٌ منَ النَّاسِ لمْ أكنْ

معَ المجلبِ المُزري بهِ والمشايِعِ

وكائنْ ترى مِن معجبٍ قدْ حملتهُ

على جهدهِ حتَّى جرى غيرَ وادِعِ

ثنيتُ لهُ بينَ التَّأنِّي بصكَّةٍ

تُفادي شؤونَ الرَّأسِ بينَ المسامِعِ

فلمَّا أبى إلاَّ اعتراضاً صككتهُ

جهاراً بإحدى المُصمتاتِ القوارِعِ

فأقصرَ عنِّي اللاّحظونَ وغشُّهمْ

مكانَ الجوى بينَ الحشا والأضالِعِ

إذا أقبلُوا أبصرتَ داءَ وجوههمْ

وإنْ أدبرُوا ولَّوا مراضَ الأخادِعِ

عجبتُ لأقوامٍ تناسيتُ جهلهمْ

محاولةَ البُقيا وحسنَ الصَّنائِعِ

وقلتُ لهمْ لا تسأمُوا صلحَ قومكمْ

ولا العيشَ في ثوبٍ منَ الأمنِ واسِعِ

فما زالَ فرطُ الجهلِ عنهمْ ومشيُهمْ

إلى البغْي في أكنافهمْ والقطائِعِ

وما زالَ فرطُ الجهلِ حتَّى رأيتهمْ

يفرُّونَ سنَّ الأزلمِ المتجاذِعِ

وحتَّى رُموا بالمُفظعاتِ وأشمتوا

بهمْ كلَّ راءٍ مِن معدٍّ وسامِعِ

فلمَّا استذاقوا شربةَ الحبِّ وابتلُوا

مَرارتها كانوا لئامَ الطَّبائِعِ

عباهيلُ لا يدرونَ ما غورُ هفوةٍ

ولا غبُّ أمرٍ يحفظُ القومَ رائِعِ

ولو صدَقتهمْ أنفسُ الغشِّ بيَّنتْ

لهمْ أنَّني مستضلعٌ للمقارِعِ

أخو الحربِ لبَّاسٌ لها أدواتِها

إذا الوغلُ لمْ يلبسْ أذاةَ المنازِعِ

وقورٌ على مكرُوهها متحرِّفٌ

لأيَّامها مستأنسٌ للمطالِعِ

ولستُ بأنَّا. . . . مهُ

على دبرٍ مِن آخرِ الأمرِ تابِعِ

وداعٍ إلى غيرِ السَّدادِ ورافدٍ

على الغيِّ رفداً غيُّهُ غيرُ نافِعِ

ومحتلبٍ حربَ العشيرةِ أُنهلتْ

لهُ بصراحيٍّ من السُّمِّ ناقِعِ

وقال الكميت أيضاً:

لقدْ كنتُ أُشكى بالعزاءِ فهاجَني

حمائمُ أُلاّفٍ لهنَّ نحِيبُ

وما كادَ ليلي بالسَّليلةِ ينجلي

ولا الشَّمسُ يومَ الأنعمينِ تغِيبُ

ويوماً برسِّ ابنِ الشَّمردلِ هيَّجتْ

لكَ الشَّوقَ حمّاءُ العلاطِ دؤُوبُ

مِن المؤلِفاتِ الطَّلحِ في كلِّ صيفةٍ

لا جوزلٌ في الجدولينِ ربِيبُ

لعمركَ إنِّي يومَ عرنةِ صارةٍ

وإنْ قيلَ صبٌّ للهوى لغلُوبُ

أجاذبُ أقرانَ التّلادِ منَ الهوى

لهِنّى لأقرانِ الهوى لجذُوبُ

إذا عطفاتُ الرَّملِ أعرضنَ دونَنا

ومِن دونِ هندٍ يافعٌ فطلُوبُ

نأى الوصلُ إلاَّ أنْ يقرِّبَ بينَنا

منَ العيسِ مقلاتُ اللِّقاحِ سلُوبُ

غُريريَّةُ الأعراقِ أو أرحبيَّةٌ

بها مِن مرادِ النِّسعتينِ ندُوبُ

منفِّهةٌ ذلاً وتحسبُ أنَّها

منَ البغيِ لا يخفى عليكَ قضِيبُ

إذا القومُ راحوا مِن مقيلٍ وعلِّقتْ

ظروفُ أداوَى ما لهنَّ ضبِيبُ

ترى ظلَّها عندَ الرَّواحِ كأنَّهُ

إلى دفِّها رألٌ يخبُّ جنِيبُ

إذا العيسُ حاذتْ جانبيْها تغيَّظتْ

على العيسِ مضرارٌ بهنَّ غضُوبُ

تراها إذا الْتاثَ المطايا كأنَّها

منَ الكدرِ فتخاءُ الجناحِ ضرُوبُ

تحلُّ بنِيها بالفلاةِ وتغتدي

معاودةٌ وردَ الهجيرِ قرُوبُ

فقدْ عجبتْ منَّا معاذةُ أنْ بدا

بنا أثرٌ مِن لوحةٍ وشحُوبُ

رأتْني وعبسيّاً نزيعَي جنازةٍ

ترامتْ بهِ داويَّةٌ وسهُوبُ

كلانا طواهُ الهمُّ حتَّى ضجيعهُ

حسامٌ ومذعانُ الرَّواحِ خبُوبُ

فقالتْ غريبٌ ليسَ بالشَّامِ أهلهُ

أجلْ كلُّ علويٍّ هناكَ غرِيبُ

فهلا سألتِ الرّكبَ عنِّي إذا ارْتمى

بهنَّ أطاويحُ الفلاةِ جنُوبُ

أُهينُ لهمْ رحلي وأعلمُ أنَّما

يؤولُ حديثُ الرَّكبِ حينَ يؤُوبُ

وأُقفي بما شاؤوا منَ الثّقلِ ناقَتي

وإنْ كانَ فيها فترةٌ ولغُوبُ

ألا ليتَ حظِّي مِن عثيمةَ إنَّها

تميلُ إليها أعينٌ وقلُوبُ

يقرُّ بعيني أنْ أرى البرقَ نحوَها

يلوحُ لنا أوْ أنْ تهبُّ جنُوبُ

تجيءُ بريَّا مِن عثيمةَ طلَّة

يفيقُ لمسْراها الدَّوا فيثِيبُ

وإنَّ التي منَّتكَ أنْ تسعفَ النَّوى

بها يومَ نعْفي صارةٍ لكذُوبُ

وإنَّ الذي يشفيكَ ممَّا تضمَّنتْ

ضلوعكَ مِن وجدٍ بها لطبِيبُ

وإنِّي بعيدٌ محتدي مِن مودَّتي

وبعدَ المدى في المحفظاتِ غضُوبُ

فما النَّأيُ سلَّى عنْ قلوصَ ولا القِلى

ولكنْ عداكَ اليأسُ وهيَ قرِيبُ

وقال الكميت:

ألا حيِّيا ربعاً على الماءِ حاضراً

وربعاً بجنبِ الصُّدِّ أصبحَ بادِيا

منازلَ هندٍ ليتَ أنِّي لمْ أكنْ

عهدتُ بها هنداً ولمْ أدرِ ما هِيا

بذي الطَّلحِ مِن وادي النُّزوحِ كأنَّما

كستْ مذهباً جوناً منَ التّربِ عافِيا

أربَّتْ عليها حرجفٌ تنخلُ الحصى

تهادَى بجولانِ التُّرابِ تهادِيا

فلمْ يبقَ إلاَّ منزلُ الحيِّ قدْ عفا

وآثارهمْ غبَّ الثَّرى والدَّوادِيا

ذكرتُ وقدْ لاحتْ منَ الصُّبحِ غرَّةٌ

وولَّتْ نجومُ اللَّيلِ إلاَّ التَّواليا

عراقيَّةً لا أنتَ صارمُ حبلِها

ولا وصلُها بالنَّجدِ أصبحَ دانِيا

سمعتُ وأصحابي تخبُّ ركابهمْ

بصحراءِ فيدٍ من هنيدةَ داعِيا

فلمَّا سمعتُ الصَّوتَ عوَّجَ صُحبتي

مهارَى مِن الإيجافِ صعراً صوادِيا

مسانيفُ لا يُلقينَ إلاَّ روائحاً

إلى حاجةٍ يطلبنَها أو غوادِيا

يدعنَ الحصى رفضاً إذا القومُ رفَّعوا

لهنَّ بأجوازِ الفلاةِ المثانِيا

إذا اختلفتْ أخفافهنَّ بقفرةٍ

ترامى الحصى مِنْ وقعهنَّ تراقِيا

إذا قسنَ أرضاً لمْ يقلنَ بها غداً

خبطنَ بها حلساً منَ اللَّيلِ داجِيا

تراهنَّ مثلَ الخيمِ خوَّى فروجهُ

وأمسكَ متناهُ الثُّمامَ الأعالِيا

ومجدولةِ الأعناقِ حلِّينَ حبوةً

يجلِّلنَ مِن دوحِ العضاهِ المدارِيا

ذعرتُ بركبٍ يطلبونكَ بعدَما

تجلَّلَ رقراقُ السَّرابِ المقارِيا

على قلصٍ يضبعنَ بالقومِ بعدَما

وطئنَ دماً مِن مسحهنَّ الصَّحارِيا

وظلماءَ مِن جرَّاكِ جبتُ وقفرةٍ

وضعتُ بها شقّاً عنِ النَّومِ جافِيا

إلى دفِّ هلواعٍ كأنَّ زمامَها

قَرى حيَّةٍ تخشى منَ السِّندِ حاوِيا

تبيتُ إذا ما الجيشُ نامتْ ركابهُ

تثيرُ الحصى حيثُ افتحصنَ الأداحِيا

إذا ما انْجلى عنها الظَّلامُ رأيتَها

كأنَّ عليها مطلعَ الشَّمسِ بادِيا

وشاوٍ كظاظٍ قدْ شهدتُ وموقفٍ

تسامَى بهِ أيدي الخصومِ تسامِيا

شهدتُ فلمْ تتبعْ مقامي ملامةٌ

ولمْ أُبلَ فيهِ عاجزاً مُتوانِيا

وإنِّي لأستحيي إذا ما تُحضِّرتْ

عيونٌ وأستحيي إذا كنتُ خالِيا

فأعزفُ نفسي عنْ مطاعمَ جمَّةٍ

وأربطُ للَّهوِ المخوفِ جنانِيا

إذا التفتَ ابنُ العمِّ للنَّصرِ سرَّهُ

إذا خافَ إضرارَ الخصومِ مكانِيا

ولمْ أُلقَ يوماً عندَ أمرٍ يهمُّني

كئيباً ولا جذلان إنْ كنتُ راضِيا

ولم تبلَ منِّي نبوةٌ ملمَّةٍ

ولا عثرةٌ فيما مضى مِنْ زمانِيا

وعوراءَ مِن قيلِ امرئٍ قدْ رددتُها

بمبصرةٍ للعذرِ لمْ يدرِ ما هِيا

طلبتُ بها فضلي عليهِ ولمْ يكنْ

ليدركَ سعْيي إنْ عددنا المساعِيا

أنا ابنُ أبي صخرٍ بهِ أدركُ العُلا

وثور النَّدى والهيثم الخيرِ خالِيا

أنا ابنُ رئيسِ القومِ يومَ يقودهمْ

بتعشارَ إذْ هزَّ الكماةُ العوالِيا

فآبَ ببَزِّ السَّلهبينِ كلاهما

وأبكَى على ابنِ الثَّعلبيّ البواكِيا

ولمَّا زجرنا الخيلَ خاضتْ بنا القنا

كما خاضتِ البزلُ النّهاء الطَّوامِيا

رمَونا برشقٍ ثمَّ إنَّ سيوفَنا

وردنَ فأبطرنَ القبيلَ التَّرامِيا

ولمْ يكُ وقعَ النّبلِ يقدعُ خيلَنا

إذا ما عقدنا للطّعانِ النَّواصِيا

أبا جنبرٍ أبصرْ طريقكَ والتمسْ

سوى حقِّنا معداكَ إنْ كنتَ عادِيا

فإنَّ لنا الخيلَ التي كنتَ تتَّقي

بفرسانِها يومَ الصَّباحِ العوالِيا

منعناكمُ يومَ النِّسارِ وأنتمُ

قعودٌ بجوٍّ يحرثونَ التَّوادِيا

وبالعرضِ نجَّينا أباكَ وقدْ رأى

على رأسهِ طُلاً منَ السَّيفِ غاشِيا

ونحنُ رددْنا حكمَ دلجةَ بعدَما

تتبَّعَ خرزاً منْ أديمكَ واهِيا

ألمْ ترني أوْفيتُ جحوانَ حقَّها

وفرَّجتُ غمَّيْ مدركٍ إذْ دعانِيا

وكيفَ أُحابي النَّفسَ في حقِّ فقعسٍ

وإيَّايَ يدعوني الكميَّ المحامِيا

فلستُ براضٍ حينَ تغضبُ فقعسٌ

ولا محلبٌ يوماً عليها الأعادِيا

فدعْ منزلَ القومِ المحقِّينَ والتمسْ

لضانكَ مِنْ جشرٍ بهِ التِّبنُ وادِيا

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي