منتهى الطلب من أشعار العرب/المتوكل الليثي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

المتوكل الليثي

المتوكل الليثي - منتهى الطلب من أشعار العرب

المتوكل الليثي وقال المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمر بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وكان كوفياً منزله بالكوفة في عهد يزيد بن معاوية وكان يكنى أبا جهمة:

للغانياتِ بذي المجازِ رسومُ

فببطنِ مكةَ عهدهنَّ قديمُ

فبمنحرِ الهدي المقلدِ من منى

جددٌ يلحنَ كأنهنَّ وشومُ

هجنَ البكاءَ لصاحبي فزجرتهُ

والدمعُ منهُ في الرداءِ سجومُ

قال انتظر نستحفِ مغنى دمنةٍ

أنى انتوت للسائلين رميمُ

قلتُ انصرف إنَّ السؤالَ لجاجةٌ

والناسُ منهم جاهلٌ وحليمُ

فأبى بهِ أن يستمرَّ عن الهوى

لنجاحِ أمرٍ لبهُ المقسومُ

والحبُّ ما لم تمضين لسبيلهِ

داءٌ تضمنهُ الضلوعُ مقيمُ

أبلغ رميمَ على التنائي أنني

وصالُ إخوانِ الصفاءِ صرومُ

أرعى الأمانة للأمينِ بحقها

فيبينُ عفا سرهُ مكتومُ

وأشدُّ للمولى المدفعِ ركنهُ

شفقاً من التعجيزِ وهو مليمُ

ينأى بجانبه إذا لم يفتقر

وعليَّ للخصمِ الألدِّ هضيمُ

إن الأذلةَ واللئامَ معاشرٌ

مولاهمُ المتهضمُ المظلومُ

وإذا أهنتَ أخاك أو أفردته

عمداً فأنتَ الواهنُ المذمومُ

لا تتبع سبلَ السفاهةِ والخنا

إنَّ السفيهَ معنفٌ مشتومُ

وأقم لمن صافيتَ وجهاً واحداً

وخليقةً إنَّ الكريمَ قؤومُ

لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلهُ

عارٌ عليكَ إن فعلتَ عظيمُ

وإذا رأيتَ المرءَ يقفو نفسهُ

والمحصناتِ فما لذاكَ حريمُ

ومعيري بالفقرِ قلتُ لهُ اقتصد

إني أمامك في الزمانِ قديمُ

قد يكثرُ النكس المقصرِ همهُ

ويقلُّ مالُ المرءُ وهو كريمُ

تراكُ أمكنةٍ إذا لم أرضها

حمالُ أضغانٍ بهنَّ غشومُ

بل ربَّ معترضٍ رددتُ جماحهُ

في رأسهِ فأقرَّ وهو لئيمُ

أغضى على حدِّ القذى إذ جئتهُ

وبأنفهِ مما أقولُ وسومُ

أنضجتُ كيتهُ فظلَّ منكساً

وسطَ النديِّ كأنهُ مأمومُ

متقنعاً خزيانَ أعلى صوتهِ

بعدَ اللجاجةِ في الصراخِ نئيمُ

أقصر فأني لا يرومُ عضادتي

يا بنَ الجموحِ موقعٌ ملطومُ

وإذا شربتَ الخمرَ فابغِ تعلةً

غيري يئينُ بها إليك نديمُ

أنى تحاربني وعودكَ خروعٌ

قصفٌ وأنتَ من العفافِ عديمُ

ما كان ظهري للسياطِ مظنةً

زمناً كأني للحدودِ غريمُ

قد كنتُ قلتُ وأنتَ غيرُ موفقٍ

ماذا زويملةُ الضلالِ يرومُ

أنتَ امرؤٌ ضيعتَ عرضكَ جاهلٌ

ورضيتَ جهلاً أن يقالَ أثيمُ

إني أبى ليَ أن أقصرَ والدٌ

شهمٌ على الأمرِ القوي عزومُ

وقصائدي فخرٌ وعزي قاهرٌ

متمنعٌ يعلو الجبالَ جسيمُ

وأنا امرؤٌ أصلُ الخليلَ ودونهُ

شمُّ الذرى ومفازةٌ ديمومُ

ولئن سئمتُ وصاله ما دامَ بي

متمسكاً إني إذن لسؤومُ

لا بل أحيي بالكرامةِ أهلها

وأذمُّ من هوَ في الصديقِ وخيمُ

وبذاكَ أوصاني أبي وأنا امرؤٌ

فرعٌ خزيمةُ معقلي وصميمُ

لا أرفدُ النصحَ امرءاً يغتشني

حتى أموتَ ولا أقولَ حميمُ

لمبعدٍ قربي يمتُّ بدونها

إنَّ امرءاً حرمَ الهدى محرومُ

تلقى الدني يذمُّ من ينوي العلى

جهلاً ومتنُ قناتهِ موصومُ

فعلَ المنافقِ ظلَّ يأبنُ ذا النهى

في دينهِ ونفاقهُ معلومُ

هذا وإما أمسِ رهنَ منيةٍ

فلقد لهوتُ لو أنَّ ذاك يدومُ

بكواعبٍ كالدرِّ أخلصَ لونها

صونٌ غذينَ بهِ معاً ونعيمُ

في غيرِ غشيانٍ لأمرٍ محرمٍ

ومعي أخٌ لي للخليلِ هضومُ

ولقد قطعتُ الخرقَ تحتي جسرةٌ

خطارةٌ غبَّ السرى علكومُ

موارةُ الضبعينِ يرفعُ رحلها

كتدٌ أشمُّ وتامكٌ مدمومُ

تقص الإكامَ إذا عدت بملاطسٍ

سمرِ المناسمِ كلهنَّ رثيمُ

مدفوقةٌ قدماً تبوعُ في السرى

أجدٌ مداخلةٌ الفقارِ عقيمُ

زيافةٌ بمقذها وبليتها

من نضحِ ذفراها الكحيلُ عصيمُ

وجناءُ مجفرةٌ كأنَّ لغامها

قطنٌ بأعلى خطمها مركومُ

أرمي بها عرضَ الفلاةِ إذا دجا

ليلٌ كلونِ الطيلسانِ دهيمُ

تهدي نجايبَ ضمراً وكأنما

ضمنَ الوليةَ والقتودَ ظليمُ

متواتراتٍ تعتلينَ ذواقناً

فكأنهنَّ من الكلالةِ هيمُ

ولها إذا الحرباءُ ظلَّ كأنهُ

خصمٌ ينازعهُ القضاةَ خصيمُ

عنسٌ كأنَّ عظامها موصولةٌ

بعظامِ أخرى في الزمامِ سعومُ

ولقد شهدتُ الخيلَ يحملُ شكتي

طرفٌ أجشُّ إذا ونينَ هزيمُ

ربذُ القوائمِ حينَ يندى عطفه

ويمورُ من بعدِ الحميمِ حميمُ

ينفي الجيادَ إذا اصطككنَ بمأزمٍ

قلقُ الرحالةِ والحزامِ عذومُ

وإذا علت من بعدِ وهدٍ مرقباً

عرضت لها ديمومةٌ وحزومُ

يهدي أوائلها الموقفُ غدوةً

ويلوحُ فوقَ جبينهِ التسويمُ

طالت قوائمهُ وتمَّ تليلهُ

وابتزَّ سائرَ خلقهِ الحيزومُ

مسحنفرٌ تذري سنابكه الحصى

فكأنَّ تذراهُ نوى معجومُ

ذو رونقٍ يذري الحجارةَ وقعهُ

وبهنَّ للمتوسمينَ كلومُ

فكأنهُ من ظهر غيبٍ إذا بدا

يمتلُّ هيقٌ في السرابِ يعومُ

هزجُ القيادِ أمراً شزراً هيكلٌ

نزقٌ على فأسِ اللجامِ أزومُ

يهوي هويَّ الدلوِ أسلمها العرى

فتصوبت ورشاؤها مجذومُ

متتابعٌ كفتٌ كأنَّ صهيلهُ

جرسٌ تضمنَ صوتهُ الحلقومُ

صلبُ النسورِ لهُ معدٌّ مجفرٌ

سبطُ الضلوعِ وكاهلٌ ملمومُ

متغاوثٌ في الشدِّ حين تهيجه

كتغاوثِ الحسي الخسيف طميمُ

من آلِ أعوجَ لا ضعيفٌ مقصفٌ

سغلٌ ولا نكدُ النباتِ ذميمُ

سلطُ السنابكِ لا يورعُ غربهُ

فأسٌ أعدَّ لهُ معاً وشكيمُ

شنجُ النسا ضافي السبيبِ مقلصٌ

بكظامةِ الثغرِ المخوفِ صرومُ

يرمي بعينيهِ الفجاجَ وربهُ

للخوفِ يقعدُ تارةٌ ويقومُ

كالصقرِ أصبحَ باليفاعِ ولفهُ

يومٌ أجادَ من الربيعِ مغيمُ

وقال المتوكل في امرأته أم بكر وكانت سألته الطلاق، فطلقها، وندم، ويمدح فيها عكرمة بن ربعي:

قفي قبلَ التفرقِ يا أماما

وردي قبلَ بينكمُ السلاما

طربتُ وشاقني يا أمَّ بكرٍ

دعاءَ حمامةٍ تدعو حماما

فبتُّ وباتَ همي لي نجياً

أعزي عنكَ قلباً مستهاما

إذا ذكرت لقلبكِ أمُّ بكرٍ

يبيتُ كانما اغتبقَ المداما

خدلجةٌ ترفُّ غروبُ فيها

وتكسو المتنَ ذا خصلٍ سخاما

أيا قلبي فما تهوى سواها

وإن كانت مودتها غراما

ينامُ الليلَ كلُّ خليِّ همٍّ

وتأبى العينُ مني أن تناما

أراعي التالياتِ من الثريا

ودمعُ العينِ منحدرٌ سجاما

على حينِ ارعويتُ وكانَ رأسي

كأنَّ على مفارقهِ ثغاما

سعى الواشون حتى أزعجوها

ورثَّ الحبلُ فانجذمَ انجذاما

فلستُ بزائلٍ ما دمتُ حيا

مسراً من تذكرها هياما

ترجيها وقد شطت نواها

ومنتكَ المنى عاماً فعاما

خدلجةٌ لها كفلٌ وبوصٌ

ينوءُ بها إذا قامت قياما

مخصرةٌ ترى في الكشحِ منها

على تثقيلِ أسفلها انهضاما

لها بشرٌ نقيُّ اللونِ صافٍ

وأخلاقٌ يشينُ بها اللئاما

ونحرٌ زانهُ درُّ حليٌّ

وياقوتٌ يضمنهُ النظاما

إذا ابتسمت تلألأ ضوءُ برقٍ

تهللَ في الدجنةِ ثمَّ داما

وإن مالَ الضجيعُ فدعصُ رملٍ

تداعى كانَ ملتبداً هياما

وإن قامت تأملَ من رآها

غمامةَ صيفٍ ولجت غماما

وإن جلست فدميةُ بيتِ عيدٍ

تصانُ فلا ترى إلا لماما

إذا تمشي تقولُ دبيبَ سيلٍ

تعرجَ ساعةً ثمَّ استقاما

فلو أشكو الذي أشكو إليها

إلى حجرٍ لراجعني الكلاما

أحبُّ دنوها وتحبُّ نأيي

وتعتامُ الثناء لها اعتياما

كأني من تذكرِ أمِّ بكرٍ

جريحُ أسنةٍ يشكو كلاما

تساقطُ أنفساً نفسي عليها

إذا سخطت وتغتمُّ اغتماما

غشيتُ لها منازلَ مقفراتٍ

عفت إلا أياصرَ أو ثماما

ونؤياً قد تهدم جانباهُ

ومبناها بذي سلمِ الخياما

كأنَّ البختريةَ أمُّ خشفٍ

تربعتِ الجنينةَ فالسلاما

تطوفُ بواضحِ الذفرى إذا ما

تخلفَ ساعةً بغمت بغاما

صليني واعلمي أني كريمٌ

وأنَّ حلاوتي خلطت عراما

وأني ذو مدافعةٍ صليبٌ

خلقتُ لمن يضارسني لجاما

فلا وأبيكِ لا أنساكِ حتى

تجاورَ هامتي في القبر هاما

لقد علمت بنو الشداخِ أني

إذا زاحمتُ اضطلعُ الزحاما

فلستُ بشاعرِ السفسافِ منهم

ولا الجاني إذا أشرَ الظلاما

ولكني إذا حاربتُ قوماً

عبأتُ لهم مذكرةً عقاما

أقي عرضي إذا لم أخشَ ظلماً

طغامَ الناسِ إنَّ لهم طغاما

إذا ما البيتُ لم تشدد بشيءِ

قواعدُ فرعه انهدمَ انهداما

سأهدي لابنِ ربعيٍّ ثنائي

ومما أن أخصَّ بهِ الكراما

لعكرمةُ بن ربعي إذا ما

تساقا القومُ بالأسلِ السماما

أشدُّ حفيظةً من ليثِ غابٍ

تخالُ زئيرهُ اللجبَ اللهاما

أخو ثقةٍ يرى يبني المعالي

يضيمُ ويحتمي من أن يضاما

يرى قولاً نعم حقاً عليهِ

وقولاً لا لسائلهِ حراما

فتى لا يرزأ الخلانَ إلاَّ

ثناءهمُ يرى بالبخلِ ذاما

كأنَّ قدورهُ من رأسِ ميلٍ

على علياءَ مشرفةٍ نعاما

تظلُّ الشارفُ الكوماءُ فيها

مطبقةً مفاصلها عظاما

يحشُّ وقودها بعظامِ أخرى

فلا ينفكُّ يحتدمُ احتداما

كأنَّ الطائفينَ بها صوادٍ

رأت ريا وقد وردت حياما

لو أنَّ الحوشبينِ لهُ لكانا

لمن يغشى سرادقهُ طعاما

لقد جاريتما يا ابني رويمٍ

هزيمَ الغربِ ينثلمُ انثلاما

يقصرُ سعيُ أقوامٍ كرامٍ

ويأبى مجدهُ إلا تماما

له بحرٌ تغمدَ كلَّ بحرٍ

فما عدلَ الدوارجَ والسناما

يرى للضيفِ والجيرانِ حقاً

ويرعى في صحابتهِ الذماما

إذا بردَ الزمانُ أهانَ فيه

على الميسورِ والعسرِ السواما

يسابقُ بالتلادِ إلى المعالي

حمامَ النفسِ إن لها حماما

أغرُّ تكشفُ الظلماءُ عنهُ

يفرُّ من الملامةِ أن يلاما

نما ونمت بهم أعراقُ صدقٍ

وحيٌّ كان أولهم زماما

كأنَّ الجارَ حين يحلُّ فيهم

على الشمِّ البواذخِ من شماما

يقيمونَ الضرابَ لمن أتاهم

ونارُ الحربِ تضطرمُ اضطراما

هو المعطي الكرامَ وكلًّ عنسٍ

صموتٍ في السرى تقصُّ الإكاما

وخنذيذٍ كمريخِ المغالي

إذا ما خفَّ يعتزمُ اعتزاما

طويلِ الشخصِ ذي خصلٍ نجيبٍ

أجش تقطُّ زفرته الحزاما

فلم أرَ سوقةً يربي عليهِ

بنائلهِ ولا ملكاً هماما

وقال المتوكل أيضاً يمدح حوشباً الشيباني ويهجو عكرمة:

أجدَّ اليومَ جيرتكَ احتمالا

وحثَّ حداتهم بهم الجمالا

فلم يأووا لمن تبلوا ولكن

تولت عيرهم بهم عجالا

وقطعتِ النوى أقرانَ حيٍّ

تحملَ عن مساكنه فزالا

علوا بالرقمِ والديباجِ بزلاً

تخيلُ في أزمتها اختيالا

وفي الأظعانِ آنسةٌ لعوبٌ

ترى قتلي بغيرِ دمٍ حلالا

حباها اللهُ وهي لذاك أهلٌ

مع الحسبِ العفافةَ والجمالا

أميةُ يومَ دارِ القسرِ ضنت

علينا أن تنولنا نوالا

دنت حتى إذا ما قلتُ جادت

أجدت بعدُ بخلاً واعتلالا

لعمركَ ما أميةُ غيرُ خشفٍ

دنا ظلُّ الكناسِ لهُ فعالا

إذا وعدتكَ معروفاً لوتهُ

وعجلتِ التجرمَ والمطالا

تذكرني ثناياها مراراً

أقاحي الرملِ باشرتِ الطلالا

لها بشرٌ نقيُّ اللونِ صافٍ

ومتنٌ خطَّ فاعتدلَ اعتدالا

إذا تمشي تأودُ جانباها

وكادَ الخصرُ ينخزلُ انخزالا

فإن تصبح أميةُ قد تولت

وعادَ الوصلُ صرماً واعتلالا

تنوءُ بها روادفها إذا ما

وشاحاها على المتنينِ جالا

فقد تدنو النوى بعد اغترابٍ

بها وتفرقُ الحيَّ الحلالا

تعبسُ لي أميةُ بعدَ أنسٍ

فما أدري أسخطاً أم دلالا

أبيني لي فربَّ أخٍ مصافٍ

رزئتُ وما أحبُّ بهِ بدالا

أصرمٌ منكِ هذا أم دلالٌ

فقد عنى الدلالُ إذن وطالا

أمِ استبدلتِ بي ومللتِ وصلي

فبوحي لي بهِ وذري الختالا

فلا وأبيكِ ما أهوى خليلاً

أقاتله على وصلي قتالا

فكم من كاشحٍ يا أمَّ بكرٍ

من البغضاءِ يأتكلُ ائتكالا

لبستُ على قنادعَ من أذاهُ

ولولا اللهُ كنتُ لهُ نكالا

يقولُ فتى ولو وزنوهُ يوماً

بحبةِ خردلٍ رجحت وشالا

أنا الصقرُ الذي حدثتَ عنهُ

عتاقُ الطيرِ تندخلُ اندخالا

قهرتُ الشعرَ قد علمت معدٌ

فلا سقطاً أقولُ ولا انتحالا

ومن يدنو ولو شطت نواكم

لكم في كلِّ معظمةٍ خيالا

تزورُ ودونها يهماءُ قفرٌ

تشكى الناعجاتُ بها الكلالا

تظلُّ الخمسُ ما يطعمنَ فيهِ

ولو موتنَ من ظمإٍ بلالا

سوى نطفٍ بعرمضهنَّ لونٌ

كلونِ الغسلِ أخضرَ قد أحالا

بها ندرأ قوادمَ من حمامٍ

ملقاةٍ تشبهها النصالا

إذا ما الشوقُ ذكرني الغواني

وأسؤقها المملأةَ الخدالا

وأعناقاً عليها الدرُّ بيضاً

وأعجازاً لها ردحاً ثقالا

ظللتُ بذكرهنَّ كأنَّ دمعي

شعيبا شنةٍ سرباً فسالا

رأيتُ الغانياتِ صدفنَ لما

رأينَ الشيبَ قد شملَ القذالا

سقى أرواحهنَّ على التنائي

ملحُّ الودقِ ينجفلُ انجفالا

إذا ألقى مراسيهُ بأرضٍ

رأيتَ لسيرِ ريقه جفالا

يزيلُ إذا أهرَّ ببطنِ وادٍ

أصولَ الأثلِ والسمرَ الطوالا

على أنَّ الغوانيَ مولعاتٌ

بأن يقتلنَ بالحدقِ الرجالا

إذا ما رحنا يمشينَ الهوينا

وأزمعنَ الملاذةَ والمطالا

تركنَ قلوبَ أقوامٍ مراضاً

كأنَّ الشوقَ أورثهم سلالا

قصدنَ العاشقينَ بنبلِ جنِّ

قواصدَ يقتتلنهمُ اقتتالا

كواذبُ إن أخذنَ بوصلِ ودٍّ

أثبنك بعدَ مرِّ الصرمِ خالا

فلستُ براجعٍ فيهنَّ قولاً

إذا أزمعنَ للصرمِ انتقالا

تشعبَ ودهنَّ بناتِ قلبي

وشوقُ القلبِ يورثه خيالا

نواعمُ ساجياتُ الطرفِ عينٌ

كعينِ الإرخِ تتبعُ الرمالا

أوانسُ لم تلوحهنَّ شمسٌ

ولم يشددنَ في سفرٍ رحالا

نواعمُ يتخذنَ لكلِّ ممسى

مروطَ الخزِّ والنقبَ النعالا

يصنَّ محاسناً ويرينَ أخرى

إذاً ذو الحلمِ أبصرهنَّ مالا

رأينا حوشباً يسمو ويبني

مكارمَ للعشيرةِ لن تنالا

ربيعاً في السنينِ لمعتفيه

إذا هبت بصرادٍ شمالا

حمولاً للعظائمِ أريحياً

إذا الأعباءُ أثقلتِ الرجالا

وجدتُ الغرَّ من أبناءِ بكرٍ

إلى الذهلينِ ترجعُ والفضالا

بنو شيبانَ خيرُ بيوتِ بكرٍ

إذا عدوا وأمتنها حبالا

رجالاً أعطيت أحلامَ عادٍ

إذ انطلقوا وأيديها الطوالا

وتيمُ اللهِ حيٌّ حيُّ صدقٍ

ولكن الرحى تعلو الثفالا

أعكرمَ كنتَ كالمبتاعِ بيعاً

أتى بيعَ الندامةِ فاستقالا

أقلني يا ابنَ ربعي ثنائي

وهبها مدحةً ذهبت ضلالا

تفاوتني عمايَ بها وكانت

كنظرةِ من تفرسَ ثمَّ مالا

حبوتك بالثناءِ فلم تثبني

ولم أترك لممتدحٍ مقالا

فلستُ بواصلٍ أبداً خليلا

إذا لم تغنِ خلته قبالا

وقال المتوكل أيضاً:

صرمتكَ ريطةُ بعدَ طولِ وصالِ

ونأتكَ بعد تقتلٍ ودلالِ

علقَ الفؤادُ بذكرِ ريطةَ إنه

شغلٌ أتيحَ لنا من الأشغالِ

أسديةٌ قذفت بها عنكَ النوى

إن النوى ضرارةٌ لرجالِ

بل حالَ دونَ وصالها بعضُ الهوى

وتبدلت بدلاً من الأبدالِ

إن الغواني لا يدمنَ وإنما

موعودهنَّ وهنَّ فيءُ ظلالِ

حاشى حبيبةَ إنما هي جنةً

لو أنها جادت لنا بنوالِ

خلطت ملاحتها بحسنِ تقتلِ

وفخامةٍ للمجتلي وجلالِ

صفراءُ رادعةٌ تصافي ذا الحجى

وتعافُ كلَّ ممزحٍ بطالِ

زعمَ المحدثُ أنها هي صعدةٌ

عجزاءُ خدلةُ موضعِ الخلخالِ

خودٌ إذا اغتسلت رأيتَ وشاحها

فوقَ الريمِ يجولُ كلَّ مجالِ

لا تبتغي مقةٌ إذا استنطقتها

إلا بصدقِ مقالةٍ وفعالِ

ليست بآفكةٍ يظلُّ عشيرها

منها وجارُ الحيِّ في بلبالِ

أبلغ حبيبةَ أنني مهدٍ لها

ودي وإن صرمت جديدَ حبالي

إني امرؤٌ ليسَ الخنا من شيمتي

وإذا نطقتُ نطقتُ غيرَ عيالِ

نزلت حبيبةُ من فؤادي شعبةً

كانت حمى وحشاً من النزالِ

ووفت حبيبةُ بالذي استودعتها

وركائبي مشدودةٌ برحالي

لا تطنزي بي يا حبيبُ فإنني

عجلٌ لمن يهوى الفراقَ زوالي

كم من خليلٍ قد رفضتُ فلم يجد

بعدي لموضع سره أمثالي

أبدى القطيعةَ ثمّ راجع حلمهُ

بعد استماعِ مقالةِ الجهالِ

إني امرؤٌ أصلُ الخليلَ وإن نأى

وأذبُّ عنهُ بحيلةِ المحتالِ

من يبلني بالودِّ يوماً أجزه

بالقرضِ مثلَ مثالهِ بمثالي

فصلي حبيبتنا وإلاَّ فاصرمي

أعرف وتقصرُ خطوتي وسؤالي

واعصي الوشاةَ فقد عصيتُ أقاربي

ووصلتُ حبلكِ وارعوى عذالي

من تكرمي أكرم ومن يكُ كاشحاً

يعلم وراءكِ بالمغيبِ نضالي

بل كيفَ أهجركم ولم ترَ مثلكم

عينيَّ في حرمٍ ولا إحلالِ

أنتِ المنى وحديثُ نفسي خالياً

أهلي فداؤكِ يا حبيبُ وماليِ

هل أنتِ إلا ظبيةٌ بخميلةٍ

أدماءُ تثني جيدها لغزالِ

تسبي الرجالَ بذي غروبِ باردٍ

عذبٍ إذا شرعَ الضجيعُ زلالِ

كالأقحوانِ يرفُّ عن غبِّ الندى

في السهلِ بين دكادكٍ ورمالِ

وإذا خلوتَ بها خلوتَ بحرةٍ

ريا العظامِ دميثةٍ مكسالِ

نعمَ الضجيعُ إذا النجومُ تغورت

في كلِّ ليلةِ قرةٍ وشمالِ

تصبي الحليمَ بعينِ أحورَ شادنٍ

تقرو دوافعَ روضةٍ محلالِ

وبواضحِ الذفرى أسيلٍ خدهُ

صلتِ الجبينِ وفاحمٍ ميالِ

وبمعصمٍ عبلٍ وكفِّ طفلةٍ

وروادفٍ تحتَ النطاقِ ثقالِ

أسديةٌ يسمو بها آباؤها

في كلِّ يومِ تفاخرٍ ونضالِ

بينَ القصيرةِ والطويلةِ برزةٌ

ليست بفاحشةٍ ولا متفالِ

كالشمسِ أو هي غيرُ أسوى إذ بدت

في الصحوِ غبَّ دجنةٍ وحلالِ

إن تعرضي عنا حبيبُ وتبتغي

بدلاً فلستُ لكم حبيبُ بقالِ

هل كانَ ودكِ غيرَ آلٍ لامعٍ

يغشى الصوى ويزولُ كلَّ مزالِ

قد كانَ في حججٍ مضينَ لعاشقٍ

طلبٌ لغانيةٍ وطولُ مطالِ

أسئمتِ وصلي أم نسيتِ مودتي

إياكِ في حججٍ مضينَ خوالِ

إلاَّ يكن ودي يغيرهُ البلى

والنأيُ عنكِ فإنَّ ودكِ بالي

منيتني أمنيةً فتركتها

وركبتِ حالاً فانصرفتُ لحالي

يا صاحبيَّ قفا على الأطلالِ

أسلِ الديارَ ولا تردُّ سؤالي

عن أهلها إني أراها بدلت

بقرَ الصريمةِ بعدَ حيِّ حلالِ

قد كنتُ أحسبُ فيما مضى

من يسلُ أو يصبر فلستُ بسالي

تمشي الرئالُ بها خلاءً حولها

ولقد أراها غير ذاتِ رئالِ

فسقى مساكنَ أهلها حيثُ انتوت

صوبُ الغمامِ بواكفٍ هطالِ

ردَّ الخليطُ جمالهم فتحملوا

للبينِ بعدَ الفجرِ والآصالِ

وحدا ظعائنهم أجشُّ مشمرٌ

ذو نيقةٍ في السيرِ والتنزالِ

رفعوا الخدورَ على نجايبَ جلةٍ

من كلِّ أغلبَ بازلٍ ذيالِ

متدافعٍ بالحملِ غيرَ مواكلٍ

شهمٍ إذا استعجلته شملالِ

يرمي بعينيهِ الغيوبَ مفتلٍ

رحبِ الفروجِ عذافرٍ مرقالِ

طرقت حبيبةُ وهي فيهم موهناً

إنَّ المحبَّ مخالطُ الأهوالِ

فاشتقتُ والرجلُ المحبُّ مشوقٌ

وجرى دموعُ العينِ في السربالِ

لم تسرِ ليلتها حبيبةُ إذ سرت

إلا لتشغفنا بطيفٍ خيالِ

أنى اهتديتِ لفتيةٍ غبَّ السرى

قد خفَّ حلمهمُ مع الإرمالِ

متوسدي أيدي نواعجَ ضمرٍ

متضمناتِ سآمةٍ وكلالِ

وضعوا رحالهم بخرقٍ مجهلٍ

قمنٍ مطالعهُ من الإيغالِ

ترمي خيامهمُ شمالٌ زعزعٌ

وتطيرُ بينَ سوافلٍ وعوالِ

من كلِّ ممهولِ اللبانِ مقلصٍ

ذي رونقٍ يعلو القيادَ طوالِ

يرقى ويطعنُ في العنانِ إذا انتهى

منهُ الحميمُ وهمَّ بالإسهالِ

لأياً بلأيٍ ما ينالُ غلامنا

منهُ مكانَ معذرٍ وقذالِ

في ضمرٍ لم يبقِ طولُ قيادنا

منهنَّ غيرَ جناجنٍ ومحالِ

يردينَ في غلسِ الظلامِ عوابساً

صعرَ الخدودِ تكدسَ الأوعالِ

ويرينَ من خللِ الغبارِ إذا دعا

داعي الصباحِ كأنهنَّ مغاليِ

والمشرفيةُ كلُّ أبيضَ باترٍ

منها وآخرُ مخلصٍ بصقالِ

إذ لا ترى إلاَّ كمياً مسنداً

تحتَ العجاجِ ملحبِ الأوصالِ

والخيلُ عقرى بين ذاكَ كأنما

بنحورها نضحٌ من الجريالِ

للطيرِ منها والسباعِ ذخيرةٌ

في كلِّ معتركٍ لها ومجالِ

تدني رجالاً من مواطنَ عندها

أجرٌ ومنقطعٌ من الآجالِ

وقال المتوكل أيضاً:

خليليَّ عوجا اليومَ وانتظراني

فإنَّ الهوى والهمَّ أمُّ أبانِ

هيَ الشمسُ تدنو لي قريباً بعيدها

أرى الشمسَ ما أسطيعها وتراني

نأت بعدَ قربٍ دارها وتبدلت

بنا بدلاً والدهرُ ذو حدثانِ

فهاجَ الهوى والشوقُ لي ذكرَ حرةٍ

من المرجحناتِ الثقالِ حصانِ

شموسُ وشاحاها إذا ابتزَّ ثوبها

على متنِ خمصانيةِ سلسانِ

رقودُ الضحى ريا العظامِ كأنها

مهاةُ كناسٍ من نعاجِ قطانِ

شديدةُ إشراقِ التراقي أسيلةٌ

عليها رقيباً مربإٍ حذرانِ

ومن دونها صعبُ المراقي مشيدٌ

نيافٌ وصرارانِ مؤتلفانِ

خليليَّ ما لامَ امرأً مثلُ نفسهِ

إذا هيَ لامت فاربعا وذراني

سبتني بجيدٍ لم يعطل ولبةٍ

عليها ردافا لؤلؤُ وجمانِ

وأسحمَ مجاجِ الدهانِ كأنهُ

بأيدي النساءِ الماشطاتِ مثاني

جرى ليَ طيرٌ أنني لم أنالها

وإنَّ الهوى والنجرَ مختلفانِ

فعزيتُ قلباً كان صباً إلى الصبا

وعديتُ والعينانِ تبتدرانِ

بأربعةٍ في فضلِ بردي ومحملي

كما انهلَّ غربا شنةٍ خضلانِ

خليليَّ غضا اللومَ عني إنني

على العهدِ لا مخنٍ ولا متوانِ

ستعلمُ قومي أنني كنتُ سورةً

من العزِّ إن داعي المنون دعاني

ألا ربَّ مسرورٍ بموتي لو أتى

وأخرَ لو أنعى لهُ لبكاني

ندمتُ على شتمِ العشيرةِ بعدما

تغنى عراقيٌّ بهم ويماني

قلبتُ لهم ظهرَ المجنِّ وليتني

عفوتُ بفضلٍ من يدي ولساني

بني عمنا إنا كما قد علمتمُ

أولو خشنةٍ مخشيةٍ وزبانِ

على أنني لم أرمِ في الشعرِ مسلماً

ولم أهجُ إلاَّ من رمى وهجاني

همُ بطروا الحلمَ الذي من سجيتي

فبدلتُ قومي شدةً بليانِ

فلو شئتمُ أولادَ وهبٍ نزعتمُ

ونحنُ جميعاً شملنا أخوانِ

نهيتُ أخاكم عن هجائي وقد مضى

لهُ بعدَ حولٍ كاملٍ سنتانِ

فمنَّ ومناهم رجالٌ رأيتهم

إذا ضارسوني يكرهونَ قراني

وكنتُ امرأً يأبى لي الضيمَ أنني

صرومٌ إذا الأمر المهمُّ عناني

وصولٌ صرومٌ لا أقولُ لمدبرٍ

هلمَّ إذا ما اغتشني وعصاني

خليليَّ لو كنتُ امرأً فيَّ سقطةٌ

تضعضعتُ أو زلت بي القدمانِ

أعيشُ على بغيِ العداةِ ورغمهم

وآتي الذي أهوى على الشنآنِ

ولكنني ثبتُ المريرةِ حازمٌ

إذا صاح حلابي ملأتُ عناني

خليليَّ كم من كاشحٍ قد رميتهُ

بقافيةٍ مشهورةٍ ورماني

فكانَ كذاتِ الحيضِ لم تبقِ ماءها

ولم تنقِ عنها غسلها لأوانِ

تشمتُ للأعداءِ حين بدا لهم

من الشرِّ داني الوبلِ ذو نفيانِ

فهابوا وقاعي كالذي هابَ خادراً

شتيمَ المحيا خطوهُ متداني

تشبهُ عينيهِ إذا ما فجئتهُ

سراجينَ في ديجورةٍ تقدانِ

كأنَّ ذراعيهِ وبلدةَ نحرهِ

خضبنَ بحناءٍ فهنَّ قواني

عفرناً يضمُّ القرنَ منهُ بساعدٍ

إلى كاهلٍ عاري القرا ولبانِ

أزبُّ هربتُ الشدقِ وردٌ كأنما

يعلى أعالي لونه بدهانِ

مضاعفُ لونُ الساعدين مضبرٌ

هموسُ دجى الظلماءِ غيرُ جبانِ

أبا خالدٍ حنت إليك مطيتي

على بعدِ منتابٍ وهولِ جنانِ

كأنَّ ذراعيها إذا ما تذيلت

يدا ماهرٍ في الماءِ يغتليانِ

إذا رعتها في سيرةٍ أو بعثتها

عدت بي ونسعا ضفرها قلقانِ

جماليةٌ مثلُ الفنيقِ كأنما

يصيحُ بفلقي رأسها صديانِ

أبا خالدٍ في الأرضِ نأيٌ ومفسحٌ

لذي مرةٍ يرمى بهِ الرجوانِ

فكيفَ ينامُ الليلَ حرٌّ عطاؤهُ

ثلاثٌ لرأسِ الحولِ أو مئتانِ

تناهت قلوصي بعد إسآدي السرى

إلى ملكٍ جزلِ العطاءِ هجانِ

ترى الناسَ أفواجاً ينوبونَ بابهُ

لبكرٍ من الحاجاتٍ أو لعوانِ

وقال المتوكل أيضاً:

نامَ الخليُّ فنومُ العينِ تسهيدُ

والقلبُ مختبلٌ بالخودِ معمودُ

إن ساعفت دارها ضنت بنائلها

وسقيها الصاديَ الحرانَ تصريدُ

شطت نواها وحانت غربةٌ قذفٌ

وذكرُ ما قد مضى بالمرءِ تفنيدُ

إذ تستبيكَ بميالٍ لهُ حبكٌ

وواضحٍ زانهُ اللباتُ والجيدُ

وذي طرائقَ لم تحمل بهِ ولداً

فالكشحُ مضطمرٌ ريانُ ممسودُ

كأنَّ أردافها دعصٌ برابيةٍ

مستهدفٌ نخلتهُ الريحُ منضودُ

خودٌ خدلجةٌ نضحُ العبيرِ بها

يشفي مضاجعها لبسٌ وتجريدُ

لما رأت أنني لا بدَّ منطلقٌ

وللفتى أجلٌ قد خطَّ معدودُ

قامت تكرهني غزوي وتخبرني

أن سوفَ يخلدني روعٌ وتبليدُ

هل المنيةُ إلاَّ طالبٌ ظفرٌ

وحوضها منهلٌ لا بدَّ مورودُ

والناسُ شتى فمهديٌ نقيبتهُ

وجائرٌ عن سبيلِ الحقِّ محدودُ

وذو نوالٍ إذا ما جئتَ تسألهُ

شيئاً ومستكثرٌ بالخيرِ موجودُ

والخيرُ والشرُّ إما كنتِ سائلتي

شتى معاً وكذاكَ البخلُ والجودُ

إني امرؤٌ أعرفُ المعروفَ ذو حسبٍ

سمحٌ إذا حاردَ الكومُ المرافيدُ

أجري على سنةٍ من والدي سبقت

وفي أرومته ما ينبتُ العودُ

مطلبٌ بتراتٍ غيرِ مدركةٍ

محسدٌ والفتى ذو اللبِّ محسودُ

عندي لصالحِ قومي ما بقيتُ لهم

حمدٌ وذمٌّ لأهلِ الذمِّ معدودُ

أعيت صفاتي على من يبتغي عنتي

فما يوهنُ متنيها الجلاميدُ

كم قد هجانيَ من مستقتلٍ حمقٍ

فيهِ إذا هزَّ عندَ الحقِّ تغريدُ

جانٍ على قومهِ بادٍ مقاتلهُ

كالعيرِ أحزنهُ دجنٌ وتقييدُ

كأنهُ كودنٌ تدمى دوابرهُ

فيهِ من السوطِ والساقينِ تربيدُ

كزُّ الندى مجدهُ دينٌ يؤخرهُ

ولؤمه حاضرٌ لا بدَّ منقودُ

من معشرٍ كحلت باللؤمِ أعينهم

زرقٌ بهم ميسمٌ منهُ وتقليدُ

ما زلتُ أقدمهم حتى علوتهمُ

وهزني رافدٌ منهم ومرفودُ

وقد نهيتهمُ عني علانيةً

لو كانَ ينفعهم نهيٌ وتوصيدُ

أمَّ الصبيينَ دومي إنني رجلٌ

حبلي لأهلِ الندى والوصلِ ممدودُ

لا تسألي القومَ عن مالي وكثرتهِ

قد يقترُ المرءُ يوماً وهو محمودُ

وسائلي عند جدِّ الأمرِ ما حسبي

إذا الكماةُ التقى فرسانها الصيدُ

وقد أروعُ سوامَ الحيِّ تحملني

شقاءٌ مثلُ عقابِ الدجنِ قيدودُ

حقباءُ سهلبةُ الساقينِ منهبةٌ

في لحمها من وجيفِ القومِ تخديدُ

تؤخرُ السرجَ تأخيراً إذا جمزت

عن متنها وحزامُ السرجِ مشدودُ

ترى بسنبكها وقعاً تبينه

كأنهُ في جديدِ الأرضِ أخدودُ

في رأسها حين يندى عطفها صددٌ

وفي مناكبها للشدِّ تحديدُ

كأنها هقلةٌ ربداءُ عارضها

هيقٌ تأوبَ جنحَ الليلِ مطرودُ

كأنَّ هاديها إذ قامَ ملجمها

جذعٌ تحسرَ عنهُ الليفُ مجرودُ

هشُّ المشاشِ هواءُ الصدرِ منتخبٌ

مقلصٌ عن قميصِ الساقِ موطودُ

وفيلقٍ كشعاعِ الشمسِ مشعلةٍ

تعشي البصيرَ إذا مالت بهِ البيدُ

قومي إذا ما لقوا أعداءهم صبروا

واستوردوهم كما يستوردُ العودُ

ترى نوادرِ أطرافٍ بمزحفهم

والهامُ بينهمُ مذرى ومقدودُ

والمشرفيةُ قد فلت مضاربها

والسمهريةُ مرفضٌّ ومقصودُ

وفتيةٌ كسيوفِ الهندِ قلتُ لهم

سيروا وأعناقهم غبَّ السرى غيدُ

أرمي بهم وبنفسي مهمهاً زلقاً

وعرضَ مطردٍ أكنافه سودُ

تخدي بهم في الوغى قبٌ مساحلها

جردٌ ضوامرُ أمثالُ القنا قودُ

فيهم فوارسُ لا ميلٌ ولا كشفٌ

عليهم زغفٌ بالشكِّ مسرودُ

وقال المتوكل أيضاً:

يا ريطُ هل لي عندكم نائلُ

أم لا فإني من غدٍ راحلُ

لا يكُ ما منيتنا باطلاً

وشرُّ ما عيشَ بهِ الباطلُ

أفي لودي فاصرمي أو صلي

أو لتلادي لكمُ باذلُ

يا ريطُ يا أختَ بني مالك

أنتِ لقلبي شغلٌ شاغلُ

إنَّ ملاكَ الوصلِ أن تفعلي

ما قلتِ إنَّ الموفيَ الفاعلُ

دومي على الودِّ الذي بيننا

لا يقلِ الهجرَ لنا قائلُ

بوحيِ لا أو بنعم إنما

مطلكِ هذا خبلٌ خابلُ

أو أيئسينا إنَّ من دونكم

وحشاً يرى غرتها الخاتلُ

فإن في لا أو نعم راحةً

إني لما استودعتني حاملُ

لم يبقَ من ريطةَ إلاَّ المنى

عاجلها مستأخراً آجلُ

ليتَ الذي أضمرتُ من حبها

ينحلُّ أو ينقلهُ ناقلُ

كلفها قلبي وعلقتها

ولا يرى من ودها طائلُ

يا أسمَ كوني حكماً بيننا

عدلاً فإنَّ الحكمَ العادلُ

من هوَ لا مفشي الذي بيننا

يوماً من الدهرِ ولا باخلُ

فلم تثب أختُ بني مالكٍ

ولم تجد لي بالذي آملُ

لا هيَ تجزيني بودي لها

ولا امرؤٌ عن ذكرها ذاهلُ

لسانها حلوٌ ومعروفها

حيثُ يحلُّ الأعصمُ العاقلُ

يا ريطَ هل عندكم دائمٌ

إني لمن واصلني واصلُ

كم لامني يا ريطَ من صاحبٍ

فيكِ وبعضُ القومِ لي قائلُ

وعاذلٍ قلتُ لهُ ناصحٍ

نفسكَ أرشد أيها العاذلُ

فقالَ لي: كيفَ تصابي إمرئٍ

والشيبُ في مفرقهِ شاملُ

ريطةُ لو كنتَ بها خابراً

آنسةٌ مجلسها آهلُ

مثلُ نوارِ الوحشِ لم يرمها

رامٍ من الناسِ ولا حابلُ

مثلُ مهاةِ الرملِ في ربربٍ

يتبعها ذو جدةٍ خاذلُ

أصيلةٌ يألفها ذو الحجى

ويتقيها البرمُ الجاهلُ

في كلِّ ممسى منهمُ زائرٌ

لا شنأُ الوجهِ ولا عاطلُ

يعتسفُ الأصرمُ من دونها

أغبرَ مرهوبَ الردى ماحلُ

هل أنتَ إن ريطةُ شطتُ بها

عنكَ النوى من سقمٍ وائلُ

أقفرَ من ريطةَ جنبا منى

فالجزعُ من مكةَ فالساحلُ

ألاَّ رسوماً قد عفا آيها

معروفها ملتبدٌ ناحلُ

كأنَّ دارَ الحيِّ لما خلت

غربلَ أعلى تربها ناخلُ

من نسجِ ريحٍ درجت فوقها

جالَ عليها تربها الجائلُ

بينَ جنوبٍ وصباً تغتدي

طاوعها ذو لجبٍ هاطلُ

كأنما الوحشُ بها خلفةً

بعدَ الأنيسِ النعمُ الهاملُ

وقد أراها وبها سامرٌ

منهم وجردُ الخيلِ والجاملُ

تغيرت ريطةُ عن عهدنا

وغالَ ودي بعدها غائلُ

وكلُّ دنيا ونعيمٍ لها

منكشفٌ عن أهلهِ زائلُ

لا والذي يهوى إلى بيته

من كلِّ فجِّ محرمٌ ناحلُ

ما لي من علمٍ بها باطنٍ

وقد براني حبها الداخلُ

هل يبلغني دارها إن نأت

أغلبُ خطارُ السرى ذائلُ

ناجٍ ترى المرفقَ عن زوره

كأنما يفتلهُ فاتلُ

يا ريطَ يا ريطَ ألم تخبري

عنا وقد يحمدنا السائلُ

والجارُ والمختبطُ المعتفي

معروفنا والآخرُ النازلُ

إن تسألي عنا يقل سادةٌ

فيهم حلومٌ وندىً فاضلُ

نهينُ للضيفانِ شحمَ الذرى

فمنهمُ الواردُ والناهلُ

نحنُ بنو الشداخِ لم يعلهم

حافٍ من الناسِ ولا ناعلُ

تناذرَ الأعداءُ إيقاعنا

فارسهم والآخرُ الراجلُ

خيولنا بالسهلِ مشطونةً

مثلُ السعالى والقنا الذابلُ

نعدها إن كادنا معشرٌ

أو نزلت حربٌ بنا حائلُ

في كلِّ ملتفٍّ لفرسانها

منهم عقيرٌ وفتىً مائلُ

يعدونَ بالأبطالِ نحوَ الوغى

وهمهنَّ الشرفُ القابلُ

عوجٌ عناجيجُ تباري الوغى

مثلُ المغالي لحمها ذابلُ

يخرجنَ من أكدرَ معصوصبٍ

وردَ القطا يحفزها الوابلُ

بكلِّ كهلٍ وفتى نجدةٍ

يصدُّ عنهُ البطلُ الباسلُ

يروي بكفيهِ غداةَ الوغى

صدرَ سنانِ الرمحِ والعاملُ

أروعُ واري الزندِ ذو مرةٍ

تشقى بهِ المتليةُ البازلُ

تم المختار من شعر المتوكل الليثي واخترن أكثر شعره. ^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي