منتهى الطلب من أشعار العرب/بشر بن أبي خازم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

بشر بن أبي خازم

بشر بن أبي خازم - منتهى الطلب من أشعار العرب

بشر بن أبي خازم وقال بشر بن أبي خازم بن عوف حميري بن ناشرة بن أسامة بن والبة بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد مفضلية:

أحقٌّ ما رأيتَ أمِ احتلامُ

أمِ الأهوالُ إذ صحبي نيامُ

ألا ظعنتْ لنيَّتها إدامُ

وكلُّ وصالِ غانيةٍ رمامُ

جددتَ بحبِّها وهزلتَ حتَّى

كبرتَ وقيلَ إنَّك مستهامُ

وقدْ تغنى بها حيناً وتعنى

بها والدَّهرُ ليس لهُ دوامُ

لياليَ تسبيكَ بذي غروبٍ

كأنَّ رضابهُ وهناً مدامُ

وأبلجَ مشرقِ الخدَّينِ فخمٍ

يُسنُّ على مراغمهِ القسامُ

تعرُّضَ جأبةِ المِدرى خذولٍ

بصاحةَ في أسرَّتها السَّلامُ

وصاحبُها غضيضُ الطَّرفِ أحوى

يضوغُ فؤادَها منهُ بغامُ

وخرقٍ تعزفُ الجنانُ فيهِ

فيافيهِ تخرُّ بها السِّهامُ

ذعرتُ ظباءهُ متغوِّراتٍ

إذا ادَّرعتْ لوامعها الإكامُ

بذعلبةٍ براها النَّصُّ حتَّى

بلغتُ نُضارها وفنِي السَّنامُ

كأخنسَ ناشطٍ باتتْ عليهِ

بحربةَ ليلةٌ فيها جهامُ

فباتَ يقولُ أصبحْ ليلُ حتَّى

تجلَّى عن صريمتهِ الظَّلامُ

وأصبحَ ناصلاً منها ضحيّاً

نصولَ الدُّرِّ أسلمهُ النّظامُ

ألا أبلغْ بني سعدٍ رسولاً

ومولاهمْ فقدْ حلبتُ صرامُ

نسومكمُ الرَّشادَ ونحنُ قومٌ

لتاركِ ودِّنا في الحربِ ذامُ

فإنْ صفرتْ عيابُ الودّ منكمْ

فلمْ يكُ بيننا فيها زمامُ

فإنَّ الجزعَ جزعَ عُريتناتٍ

وبرقةَ عيهمٍ منكمْ حرامُ

سنمنعُها وإنْ كانتْ بلاداً

بها تزبو الخواصرُ والسَّنامُ

بها قرَّتْ لبونُ النَّاسِ عيناً

وحلَّ بها عزاليَهُ الغمامُ

وغيثٍ أحجمَ الرُّوَّادُ عنه

به نفلٌ وحوذانٌ تؤامُ

تغالى نبتهُ واعتمَّ حتَّى

كأنَّ منابتَ العلجانِ شامُ

أبحناهُ بحيٍّ ذي حلالٍ

إذا ما ريعَ سربهمُ أقاموا

وما يندوهمُ النَّادي ولكنْ

بكلِّ محلَّةٍ منهمْ فئامُ

وما تسعى رجالهمُ ولكنْ

فضولُ الخيلُ ملجمةٌ صيامُ

فباتتْ ليلةً وأديمَ يومٍ

على المهمى يحزُّ لها الثّغامُ

فلمَّا أسهلتْ من ذي صباحٍ

وسالَ بها المدافعُ والإكامُ

أثرنَ عجاجةً فخرجنَ منها

كما خرجتْ منَ الغرضِ السَّهامُ

بكلِّ قرارةٍ من حيثُ جالتْ

ركيَّةُ سنبكٍ فيها انثلامُ

إذا خرجتْ أوائلهنَّ شعثاً

مجلّحةً نواصيها قيامُ

بأحقيها الملاءُ محزَّماتٍ

كأنَّ جذاعها أصُلاً جلامُ

يبارينَ الأسنَّةَ مصغياتٍ

كما يتفارطُ الثّمدُ الحمامُ

ألم ترَ أنَّ طولَ الدَّهرِ يُسلي

ويُنسي مثلَ ما نسيتْ جذامُ

وكانوا قومنا فبَغوا علينا

فسُقناهم إلى البلدِ الشَّآمي

وكنَّا دونهمْ حصناً حصيناً

لنا الرَّأسُ المقدَّمُ والسَّنامُ

وقالوا لنْ تُقيموا إذا ظعنَّا

فكانَ لها وقد ظعنوا مقامُ

أثافيَ من خزيمةَ راسياتٍ

لنا حلُّ المناقبِ والحرامُ

فإنَّ مقامنا يدعوا عليكمْ

بأبطحِ ذي المجازِ لنا أثامُ

وقال بشر أيضاً مفضلية:

لمنِ الدِّيارُ غشيتها بالأنعمِ

تبدو معارفُها كلونِ الأرقمِ

لعبتْ بها ريحُ الصَّبا فتنكَّرتْ

إلاّ بقيَّةَ نؤيها المتهدِّمِ

دارٌ لبيضاءِ العوارضِ طفلةٍ

مهضومةِ الكشحينِ ريَّا المعصمِ

سمعتْ بنا قيلَ الوشاةِ فأصبحتْ

صرمتْ حِبالكَ في الخليطِ المشئمِ

فظللتَ من فرطِ الصَّبابةِ والهوى

طرفاً فؤادكَ مثلَ فعلِ الأهيمِ

لولا تسلِّي الهمَّ عنكَ بجسرةٍ

عيرانةٍ مثلِ الفنيقِ المكدمِ

زيَّافةٍ بالرَّحلِ صادقةِ السُّرى

خطَّارةٍ تهصُ الحصى بمثلَّمِ

سائلْ تميماً في الحروبِ وعامراً

وهلِ المجرِّبُ مثلُ من لم يعلمِ

غضبتْ تميمٌ أنْ تُقتَّل عامراً

يومَ النِّسارِ فاُعقبوا بالصَّيلمِ

إنَّا إذا نعروا لحربٍ نعرةً

نشفي صداعهمُ برأسٍ صلدمِ

نعلو القوانسَ بالسُّيوفِ ونعتزي

والخيلُ مشعلةُ النُّحورُ من الدَّمِ

يخرجنَ من خللِ الغبارِ عوابساً

خببَ السِّباعِ بكلِّ أكلفَ ضيغمِ

من كلِّ مسترخي النِّجادِ منازلٍ

يسمو إلى الأقرانِ غيرَ مقلّمِ

ففضضنَ جمعهمُ وأفلتَ حاجبٌ

تحتَ العجاجةِ في الغبار الأقتمِ

ورأوا عقابهمُ المدلّةِ أصبحتْ

نُبذتْ بأفضحَ ذي مخالبَ جهضمِ

أقصدتُ حجراً قبلَ ذلكَ والقنا

شرعٌ إليهِ وقد أكبَّ على الفمِ

ينوي محاولةَ القيامِ وقد مضتْ

فيهِ مخارصُ كلِّ لدنٍ لهذمِ

وبني نميرٍ قد لقينا منهمُ

خيلاً تضبُّ لثاتها للمغنمِ

فدهمنَها دهماً بكلِّ طمرَّةٍ

ومقطَّعٍ حلقَ الرِّحالةِ مرجمِ

ولقدْ خبطنَ بني كلابٍ خبطةً

ألصقنهمْ بدعائمِ المتخيّمِ

وصلقنَ كعباً قبلَ ذلكَ صلقةً

بقنا تعاودهُ الأكفُّ مقوّمِ

حتَّى سقينا النَّاسَ كأساً مرَّةً

مكروهةً حسُواتها كالعلقمِ

قلْ للمثلَّمِ وابنِ هندٍ بعدهُ

إنْ كنتَ رائمَ عزِّنا فاستقدمِ

تلقى الذي لاقى العدوَّ وتصطبح

كأساً صبابتُها كطعمِ العلقمِ

نحبو الكتيبةَ حينَ نفترشُ القنا

طعناً كإلهابِ الحريقِ المضرمِ

منَّا بشجنةَ والذنابُ فوارسٌ

وعتائدٌ مثلُ السَّوادِ المظلمِ

وبضرغدٍ وعلى السُّديرةِ حاضرٌ

وبذي أمرَّ حريمهمْ لمْ يُقسمِ

وقال بشر يمدح أوساً:

هلْ أنتَ على أطلالِ ميَّةَ رابعُ

بحوضى تسائلُ رسمَها أو تطالِعُ

منازلُ منها أقفرتْ بتبالةٍ

ومنها بأعلى ذي الأراكِ مرابِعُ

تمشَّى بها الثِّيرانُ تردي كأنَّها

دهاقينُ أنباطٍ عليها الصَّوامِعُ

إلى ماجدٍ أعطى على الحمدِ مالهُ

جميلِ المحيَّا للمغارمِ دافِعُ

تداركَني أوسُ بنُ سُعدى بنعمةٍ

وعرَّدَ منْ تُحنا إليهِ الأصابِعُ

تداركَني منهُ خليجٌ فردَّني

لهُ حدبٌ تستنُّ فيه الضَّفادِعُ

تداركَني من كربةِ الموتِ بعدما

بدتْ نهلاتٌ فوقهنَّ الودائِعُ

فأصبحَ قومي بعد بُؤسى بنعمةٍ

لقومكَ والأيَّامُ عوجٌ رواجِعُ

عبيدُ العصا لم يمنعوكَ نفوسهمْ

سوى سيبِ سُعدى إنَّ سيبكَ واسِعُ

وكنتَ إذا هشَّتْ يداكَ إلى العلى

صنعتَ فلمْ يصنعْ كصنعكَ صانِعُ

فتًى من بني لأمٍ أغرُّ كأنَّه

شهابٌ بدافي ظلمةِ اللَّيلِ ساطِعُ

فدًى لكَ نفسي يا ابنَ سُعدى وناقتي

إذا أبدتِ البيضِ الخدامُ الضَّوائِعُ

ومستسلمٍ بينَ الرِّماحِ أجبتهُ

فأنقذتَه والبيضُ فيهِ شوارِعُ

بطعنةٍ شزرٍ أو بضربةِ فيصلٍ

إذا لم يكنْ للموتِ في القومِ دافِعُ

أخو ثقةٍ في النَّائباتِ مرزاءٌ

لهُ عطنٌ سهلُ المباءةِ واسِعُ

لعمركَ لو كانتْ زنادكَ هجنةٌ

لأوديتَ إذ خدِّي لخدِّكَ ضارِعُ

وقال بشر يرثي أخاه سميراً وقتله شراحيل بن الأصهب الجعفي:

هل لعيشٍ إذا مضى لزوالِ

منْ رجوعٍ أمْ هلْ مثمِّرُ مالِ

ما رأيتُ المنونَ عرَّينَ حيّاً

لا لعدمٍ ولا لكثرةِ مالِ

أصبحَ الدَّهرُ قد مضى بسميرٍ

بسعورِ الوغى وبالمفضالِ

أريحيّاً أمضى على الهولِ منْ

ليثٍ هموسِ السُّرى أبي أشبالِ

خضلَ الكفِّ ما يلطُّ إذا ما انْت

ابهُ مجتدوهُ بالاعتلالِ

يا سميرَ الحروبِ منْ لحروبٍ

مسعراتٍ يجلنَ بالأبطالِ

ذاتِ جرسٍ تسمو الكماةُ إلى الأب

طالُ في نقعها سموَّ الجِمالِ

يتساقَونَ سمَّها في دروعٍ

سابغاتٍ من الحديدِ ثقالِ

كنتَ تصلى نيرانهنَّ إذا ضا

قتْ لروعاتها صدورُ الرِّجالِ

وصريعٍ مستسلمٍ بينَ بيضٍ

يتعاورْنهُ وسمرِ العوالي

قد تلافيتَ شلوهُ فوقَ نهدٍ

أعوجيٍّ ذي ميعةٍ ونقالِ

فصرفتُ السُّمرَ النَّواهلَ عنهُ

بصقيلٍ من مرهفاتِ النِّصالِ

يا سميرٌ منْ للنِّساءِ إذا ما

قحطَ القطرُ أُمَّهاتِ العيالِ

كنتَ غيثاً لهنَّ في السَّنة الشَّه

باءِ ذاتِ الغبارِ والأمحالِ

المهينُ الكومَ الجلادَ إذا ما

هبَّتِ الرِّيحُ كلّ يومٍ شمالِ

والمفيدُ المالَ التّلادَ لمنْ يع

فوهُ والواهبُ الحسانَ الغوالي

وقال بشر أيضاً:

تغيَّرتِ المنازلُ بالكثيبِ

وغيَّر آيها نسجُ الجنوبِ

منازلُ من سليمى مقفراتٌ

عفاها كلُّ هطَّالٍ سكوبِ

وقفتُ بها أُسائلها ودمعي

على الخدَّينِ في مثلِ الغروبِ

نأتْ سلمى وغيَّرها التَّنائي

وقد يسلو المحبُّ عن الحبيبِ

فإنْ يكُ قد نأتْني اليومُ سلمى

وصدَّت بعدَ إلفٍ عنْ مشيبي

فقدْ ألهو إذا ما شئتُ يوماً

إلى بيضاءَ آنسةٍ لعوبِ

ألا أبلغْ بني لأمٍ رسولاً

فبئسَ محلُّ راحلةِ الغريبِ

لضيفٍ قدْ ألمَّ بها عشاءً

على الخسفِ المبيِّنِ والجدوبِ

إذا عقدوا لجارٍ أخفروهُ

كما غرَّ الرِّشاءِ من الذَّنوبِ

وما أوسٌ ولو سوَّدتموهُ

بمخشيِّ العرامِ ولا أريبِ

أتوعدُني بقومكَ يا بن سُعدى

وذلكَ من ملمّاتِ الخطوبِ

وحولي من بني أسدٍ حلولٌ

مبنٌّ بينَ شبَّانٍ وشيبِ

بأيديهمْ صوارمُ للتَّداني

وإنْ بعدوا فوافيةُ الكعوبِ

همُ ضربوا قوانسَ خيلِ حجرٍ

تُحيتَ الرَّدهِ في يومٍ عصيبِ

وهمْ تركوا عُتيبةَ في مكرِّ

بطعنةِ لا ألفّ ولا هيوبِ

وهم تركوا غداةَ بني نميرٍ

شريحاً بينَ ضبعانٍ وذيبِ

وهم وردوا الجفارَ على تميمٍ

بكلِّ سميدعٍ بطلٍ نجيبِ

وحيَّ بني كلابٍ قد شجرْنا

بأرماحٍ كأشطانِ القليبِ

إذا ما شمَّرتْ حربٌ سمَونا

سموَّ البزلِ في العطنِ الرَّحيبِ

وقال بشر أيضاً مفضلية:

ألا بانَ الخليطُ ولمْ يُزاروا

فقلبكَ في الظَّعائنِ مستطارُ

قفا يا صاحبيَّ وقدْ أُراني

بصيراً بالظَّعائنِ حيثُ ساروا

تؤمُّ بها الحداةُ مياهَ نخلٍ

وفيها عنْ أبانينَ ازورارُ

أُحاذرُ أنْ تبينَ بنو عقيلٍ

بحارتنا فقدْ حقَّ الحذارُ

فلأياً ما قصرتُ الطَّرفَ عنهمْ

بقاينةٍ وقد تلعَ النَّهارُ

بليلٍ ما أتينَ على أرومٍ

وشابةَ عنْ شمائلها تعارُ

كأنَّ ظباءَ أسنمةٍ عليها

كوانسَ قالصاً عنها المغارُ

يفلِّجنَ الشِّفاهَ عن أقحوانٍ

جلاهُ غبَّ ساريةٍ قطارُ

وفي الأظعانِ آنسةٌ لعوبُ

تيمَّمَ أهلُها بلداً فساروا

منَ اللاتي غُذينَ بغيرِ بؤسٍ

منازلُها القصيبةُ فالغمارُ

غذاها قارصٌ يجري عليها

ومحضٌ حينَ تنبعثُ العشارُ

نبيلةُ موضعِ الحجلينِ خودٌ

وفي الكشحينِ والبطنِ اضمرارُ

ثقالٌ كلّما رامتْ قياماً

وفيها حينَ تندفعُ انبهارُ

فبتُّ مسهّداً أرقاً كأنّي

تمشَّتْ في مفاصليَ العقارُ

أراقبُ في السَّماءِ بناتِ نعشٍ

وقد دارتْ كما عطفَ الصِّوارُ

وعاندتِ الثُّريَّا بعدَ هدءٍ

معاندةً لها العيُّوقُ جارُ

فيا للنَّاسِ للرَّجلِ المعنَّى

لطولِ الدَّهرِ إذ طالَ الحصارُ

فإنْ تكنِ العقيليَّاتُ شطَّتْ

بهنَّ وبالرَّهيناتِ الدِّيارُ

فقدْ كانتْ لنا ولهنَّ حتَّى

زوتْنا الحربُ أيَّامٌ قصارُ

لياليَ لا أطاوعُ منْ نَهاني

ويضفو تحتَ كعبيَّ الإزارُ

فأعصي عاذلي وأُصيبُ لهواً

وأُوذي بالزِّيارةِ منْ يغارُ

ولمَّا أنْ رأيتُ النَّاسَ صاروا

أعادي ليسَ بينهمُ ائتمارُ

مضى سلاّفُنا حتَّى حللْنا

بأرضٍ قد تحامتْها نزارُ

وشبَّتْ طيِّئُ الجبلينِ حرباً

تهرُّ لشجوها منها صحارُ

يسدُّونَ الشِّعابَ إذا رأونا

وليس يُعيذهمْ منَّا انجحارُ

وحلَّ الحيُّ حيُّ بني سبيعٍ

قراظبةً ونحنُ لهمْ إطارُ

وخذَّل قومهُ عمرو بنُ عمرو

كجادعِ أنفهِ وبهِ انتصارُ

يُسميونَ الوسيقَ بذاتِ كهفٍ

وما فيها لهمْ سلعٌ وقارُ

وأنزلَ خوفنا سعداً بأرضٍ

هنالكَ لا تُجيرُ ولا تُجارُ

وأصعدتِ الرّبابُ فليسَ منها

بصاراتٍ ولا بالحبسِ نارُ

فحاطونا الفضا ولقدْ رأوْنا

قريباً حيثُ يستمعُ السِّرارُ

وبدِّلتِ الأباطحُ من نميرٍ

سنابكَ يستثارُ بها الغبارُ

وليسَ الحيُّ حيُّ بني كلابٍ

بمنجيهمْ ولو هربوا الفرارُ

وقد ضمزتْ بجرَّتها سليمٌ

فخافَتنا كما ضمزَ الحمارُ

وأمَّا أشجعُ الخنثى فولَّوا

تيوساً بالشظيِّ لهمْ تعارُ

ولمْ يهلكْ لمرَّةَ إذْ تولَّوا

فساروا سيرَ هاديةٍ فغاروا

فأبلغْ إنْ عرضتَ بنا رسولاً

كنانةَ قومَنا في حيثُ صاروا

كفينا منْ تغيَّبَ واستبحنا

سنامَ الأرضِ إذْ قحطَ القطارُ

بكلِّ قيادِ مسنفةٍ عنودٍ

أضرَّ بها المسالحُ والغوارُ

مهارشةُ العنانِ كأنَّ فيهِ

جرادةَ هبوةٍ فيها اصفرارُ

نسوفٍ للحزامِ بمرفقيْها

يسدُّ خواءَ طُبييها الغبارُ

تراها منْ يبيسِ الماءِ شهباً

مخالطُ درَّةٍ فيها غزارُ

بكلِّ قرارةٍ منْ حيثُ جالتْ

ركيَّةُ سنبكٍ فيا انهيارُ

وخِنذيذٍ ترى الغرْمولَ منهُ

كطيِّ الزِّقِّ علَّقهُ التِّجارُ

يضمَّرُ بالأصائلِ فهو نهدٌ

أقبُّ مقلِّصٌ فيه اقورارُ

كأنَّ حفيفَ منخرهِ إذا ما

كتمنَ الرَّبوَ كيرٌ مستعارُ

كأنَّ سراتهُ والخيلُ شعثٌ

غداةَ وجيفهمْ مسدٌ مغارُ

يظلُّ يعارضُ الرُّكبان يهفو

كأنَّ بياض غرَّته خمارُ

ولا ينجي من الغمراتِ إلاّ

براكاءُ القتالِ أو الفرارُ

كأنّي بينَ خافيتيْ عقابٍ

يكفكفني إذا ابتلَّ العذارُ

وقال بشر بن أبي خازم الأسدي أيضاً، وهي مفضّليّة:

عفت من سليمى رامةٌ فكثيبها

وشطَّتْ بنا عنكِ النَّوى وغروبها

وغيَّرها ما غيَّر النَّاسَ قبلها

فبانتْ وحاجاتُ النُّفوسِ تصيبها

ألمْ يأتها أنَّ الدُّموعَ نطافةٌ

لعينٍ يوافي في المنامِ حبيبها

تحدَّرَ ماءُ العينِ عن جرشيَّةٍ

على جربةٍ يعلو الدِّبارَ غروبها

بغربٍ ومربوعٍ وعودٍ تقيمهُ

محالةُ خطَّافٍ تصرُّ ثقوبها

معاليةً لا همَّ إلاّ محجَّرٌ

وحرَّةُ ليلى السَّهلُ منها ولوبها

رأتني كأُفحوصِ القطاةِ ذؤابتي

وما مسَّها من منعمٍ يستثيبها

أجبنا بني سعد بن ضبَّةَ إذ دعوا

فللهِ مولى دعوةٍ لا يجيبها

عطفنا لهمْ عطفَ الضَّروسِ من الملا

بشهباءَ لا يمشي الضَّراءُ رقيبها

فلمَّا رأونا بالنِّسارِ كأنَّنا

نشاصُ الثُّريَّا هيَّجتها جنوبها

فكانوا كذاتِ القدرِ لم تدرِ إذ غلتْ

لتنزلها مذمومةً أو تذيبها

جعلنَ قشيراً غايةً يهتدى بها

كما مدَّ أشطانَ الدِّلاءِ قليبها

لدنْ غدوةً حتَّى أتى اللَّيلُ دونهمْ

وأدركَ جريَ المنقياتِ لغوبها

قطعناهمُ فباليمامةِ قطعةٌ

وأخرى بأوطاسٍ يهرُّ كليبها

إذا ما لحقنا منهمُ بكتيبةٍ

تذكِّرُ منها ذحلها وذنوبها

نقلناهمُ نقلَ الكلابِ جراءها

على كلّ معلوبٍ يثورُ عكوبها

لحوناهمُ لحوَ العصيِّ فأصبحوا

على آلةٍ يشكو الهوانَ حريبها

بني عامرٍ إنَّا تركنا نساءكمْ

من الشَّلِّ والإيجافِ تدمى عجوبها

عضاريطنا مستبطنو البيض كالدُّمى

مضرَّجةً بالزَّعفرانِ جيوبها

تبيتُ النِّساءُ المرضعاتُ برهوةٍ

تفزَّعُ من خوفِ الجبانِ قلوبها

دعوا منبتَ السّيفينِ إنَّهما لنا

إذا مضرُ الحمراءُ شبَّتْ حروبها

وقال أيضاً يرثي نفسه:

أسائلةٌ عميرةُ عن أبيها

خلالَ الجيشِ تعترفُ الرِّكابا

تؤمِّلُ أن أؤوبَ لها بنهبٍ

ولم تعلمْ بأنَّ السَّهمَ صابا

فإنَّ أباكِ قد لاقى غلاماً

من الأبناءِ يلتهبُ التهابا

وإنَّ الوائليَّ أصابَ قلبي

بسهمٍ لم يكنْ نكساً لغابا

فرجِّي الخيرَ وانتظري إيابي

إذا ما القارظُ العنزيُّ آبا

فمنْ يكُ سائلاً عن بيتِ بشرٍ

فإنَّ لهُ بجنبِ الرَّدةِ بابا

ثوى في ملحدٍ لا بدَّ منهُ

كفى بالموتِ نأياً واعتزابا

رهينَ بلى وكلُّ فتًى سيبلى

فأذري الدَّمعَ وانتحبي انتحابا

مضى قصدَ السبيلِ وكلُ حيٍّ

إذا حانتْ منيَّتهُ أجابا

فإنْ أهلكْ عميرَ فربَّ زحفٍ

يشبَّهُ نقعهُ رهواً ضبابا

سموتُ لهُ لألبسهُ بزحفٍ

كما لفَّتْ شآميةٌ سحابا

على ربذٍ قوائمهُ إذا ما

شأتهُ الخيلُ ينسربُ انسرابا

شديدِ الأسرِ يحملُ أريحيّاً

أخا ثقةٍ إذا الحدثانُ نابا

صبوراً عندَ مختلفِ العوالي

إذا ما الحربُ أبرزتِ الكعابا

وطالَ تشاجرُ الأبطالِ فيها

وأبدتْ ناجذاً منها ونابا

وعزَّ عليَّ أن ألقى المنايا

ولمَّا ألقَ كعباً أو كلابا

ولمَّا ألقَ خيلاً من تميمٍ

تضبُّ لثاتها ترجو النِّهابا

ولمَّا يختلطْ خيلٌ بخيلٍ

فيطّعنوا ويضطربوا اضطرابا

فيا للنَّاسِ إنَّ قناةَ قومي

أبتْ بثقافها إلاّ انقلابا

همُ صدعوا الأنوفَ فأوعبوها

وهمْ تركوا بني سعدٍ يبابا

وقال أيضاً:

كفى بالنَّأي من أسماءِ كافِ

وليسَ لسقمهِ إنْ طالَ شافي

فيالكِ حاجةً ومطالَ شوقٍ

وقطعَ قرينةٍ بعدَ ائتلافِ

كأنَّ الأتحميَّةَ قامَ فيها

لحسنِ دلالها رشأٌ موافِ

من البيضِ الخدودِ بذي سديرٍ

تنوشُ الغضَّ من ضالٍ قضافِ

أو الأدمِ المرشَّحةِ العواطي

بأيديهنَّ من سلمٍ النِّعافِ

كأنَّ مدامةً من أذرعاتٍ

كميتاً لونها كدمِ الرُّعافِ

على أنيابها بعريضِ مزنٍ

أحالتهُ السَّحابةُ في الرَّصافِ

على أنّي على هجرانِ ليلى

أمنِّيها المودَّةَ في القوافي

وخلَّةِ آلفٍ بدَّلتُ صرماً

إذا همَّ القرينةُ بانصرافِ

بحرجوجٍ يئطُّ النِّسعَ فيها

أطيطَ السَّمهريَّةِ في الثِّقافِ

كأنَّ مواقعَ الثَّفناتِ منها

إذا بركتْ رئمنَ على تجافي

معرَّسُ أربعٍ متقابلاتٍ

يبادرنَ القطا سملَ النِّطافِ

فأبقى الأينُ والتَّهجيرُ منها

صقوباً مثلَ أعمدةِ الخلافِ

تجرُّ نعالها ولها نفيٌّ

من المعزاءِ مثلُ حصى الخذافِ

كأنَّ السَّوطَ يقبضُ كشحَ طاوٍ

بأجمادِ اللُّبيِّنِ من جفافِ

شججتُ بها إذا الآرأمُ قالتْ

رؤوسَ اللاَّمعاتِ من الفيافي

إلى أوسِ بن حارثةَ بن لأمِ

لربِّكِ فاعملي إن لم تخافي

فما صدعٌ بجبَّةَ أو بشرحٍ

على زلقٍ ذوالقَ ذي كهافِ

تزلُّ اللَّقوةُ الشَّغواءُ عنها

مخالبها كأطرافِ الأشافي

بأحرزَ موئلاً من جارِ أوسٍ

إذا ما ضيمَ جيرانُ الضِّعافِ

وما ليثٌ بعثَّرَ في غريفٍ

تغنِّيهِ البعوضُ على النِّطافِ

مكبٌّ ما يزالُ على أكيلٍ

يناغي الشَّمسَ ليسَ بذي عطافِ

بأبأسَ سورةً بالقرنِ منهُ

إذا دعيتْ نزالِ لدى الثِّقافِ

وما أوسُ بن حارثةَ بن لأمٍ

بغمرٍ في الحروبِ ولا مضافِ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي