منتهى الطلب من أشعار العرب/جران العود

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

جران العود

جران العود - منتهى الطلب من أشعار العرب

جران العود وقال جران العود واسمه عامر بن الحارث بن كلفة وقيل كلدة وهو من بني ضبة ابن نمير بن عامر بن صعصعة:

بانَ الخليطُ فهالتكَ التَّهاويلُ

والشَّوقُ محتضرٌ والقلبُ متبولُ

يهدي السَّلامَ لنا منْ أهلِ ناعمةٍ

إنَّ السَّلامَ لأهلِ الودِّ مبذولُ

أنَّى اهتديتِ بموماةٍ لأرحلِنا

ودونَ أهلكِ بادي الهول مجهولُ

لمطرقينَ على مثنى أيامنِهمْ

راموا النُّزولَ وقدْ غارَ الأكاليلُ

طالتْ سُراهمْ فذاقوا مسَّ منزلةٍ

فيها وقوعهمُ والنَّومُ تحليلُ

والعيسُ مقرونةٌ لاثوا أزمَّتها

فكلهنَّ بأيدي القومِ موصولُ

سقياً لزوركَ من زورٍ أتاكَ بهِ

حديثُ نفسكَ عنهُ وهو مشغولُ

تختصُّني دونَ أصحابي وقد هجعوا

والليلُ مُجفلةٌ أعجازهُ ميلُ

أهالكٌ أنتَ إنْ مكتومةُ اغتربتْ

أمْ أنتَ من مُستسرِ الحبِّ مخبولُ

بالنَّفسِ منْ هو ينْأنا ونذكرهُ

فلا هواهُ ولا ذو الذِّكرِ مملولُ

ومنْ مودَّتهُ داءٌ ونائلهُ

وعدُ المغيَّبِ إخلافٌ وتبديلُ

ما أنسَ لا أنسَ منها إذ تودِّعنا

وقولُها لا تزرْنا أنتَ مقتولُ

ملءُ السِّوارينِ والحجلينِ مئزرُها

بمتنِ أعفرَ ذي دعصينِ مكفولُ

كأنَّما ناطَ سلسيْها إذا انصرفتْ

مطوَّقٌ من ظباءِ الأُدمِ مكحولُ

تُجري السِّواكَ على عذبٌ مقبَّلهُ

كأنَّه منهلٌ بالرَّاحِ معلولُ

وللهمومِ قرى عندي أعجِّلهُ

إذا تورَّطَ في النَّومِ المكاسيلُ

تفريجهنَّ بإذنِ اللهِ يحفزهُ

حذفُ الزَّماعِ وجسراتٌ مراقيلُ

تحدو أوائلَها دحٌّ يمانيةٌ

قد شاعَ فيهنَّ تحذيمٌ وتنعيلُ

بِينُ المرافقِ عن أجوازِ ملتئمٍ

من طيِّ لقمانَ لم يظلمْ بهِ الجولُ

كأنَّما شكُّ ألحيْها إذا رجفتْ

هاماتهنَّ وشمَّرنَ البراطيلُ

حمُّ المآقي على تهجيجِ أعينِها

إذا سمونَ وفي الآذانِ تأليلُ

حتَّى إذا متعتْ والشَّمسُ حاميةٌ

مدَّتْ سوالفَها الصُّهبُ الهراجيلُ

والآلُ يعصبُ أطرافَ الصُّوى فلها

منهُ إذا لم تنفِّرهُ سرابيلُ

واعصوْصبتْ فتدانى منْ مناكبِها

كما تقاذفتِ الخرجُ المجافيلُ

إذا الفلاةُ تلقَّتها جواشنُها

وفي الأداوى عن الأخراتِ تشويلُ

قاستْ بأذرعِها الغولُ التي طلبتْ

والماءُ في سدفاتِ الليلِ منهولُ

فناشحونَ قليلاً منْ مسوَّفةٍ

من أجِنٍ ركضتْ فيه العداميلُ

قال أبو عمر الشيباني كان جران العود والرحال النميري خدنين تبيعين ثم إنهما تزوجا فلم يحمدا ما لقياه فقال جران العود:

ألا لا يغرَّنَّ امرءاً نوفليَّةٌ

على الرَّأسِ بعدي أو ترائبُ وضَّحُ

ولا فاحمٌ يُسقى الدّهانَ كأنَّه

أساودَ يزهاها لعينكَ أبطحُ

وأذنابُ خيلٍ عُلِّقت من عقيصةٍ

ترى قرطَها من تحتها يتطوَّحُ

فإنَّ الفتى المغرورَ يُعطي تلادهُ

ويُعطي المنى من مالهِ ثمَّ يفضحُ

ويغدو بمسحاجِ كأنَّ عظامها

محاجنُ أعراها اللحاءُ المشبَّحُ

إذا ابتزَّ منها الدِّرعُ قيلَ مطَّردٌ

أحصُّ الذُّنابى والذِّراعينِ أرسحُ

فتلكَ التي حكَّمتُ في المالِ أهلها

وما كلُّ مبتاعٍ من النَّاسِ يربحُ

تكونُ بلوذِ القرنِ ثمَّ شمالُها

أحثُّ كثيراً منْ يميني وأسرحُ

جرتْ يومَ رُحنا بالرِّكابِ نزفُّها

عقابٌ وشحَّاجٌ من الطَّيرِ متيحُ

فأمَّا العقابُ فهي منَّا عقوبةٌ

وأمَّا الغرابُ فالغريبُ المطرَّحُ

عقابٌ عبنقاةٌ ترى منْ حِذارها

ثعالبَ أهوى أو أشاقرَ تضبحُ

لقد كانَ لي عنْ ضرَّتينِ عدمْنني

وعمَّا أُلاقي منهما متزحزحُ

هي الغولُ والسِّعلاةُ حلقي منهما

مخدَّشُ ما بينَ التَّراقي مجرِّحُ

لقدْ عاجلتْني بالنِّصاءِ وبيتُها

جديدٌ ومن أثوابِها المسكُ ينفحُ

إذا ما انتصينا فانتزعتُ خِمارها

بدا كاهلٌ منها ورأسٌ صمحمحُ

تداورُني في البيتِ حتَّى تكبُّني

وعينيَ من نحو الهراوةِ تلمحُ

وقد عوَّذتني الوقذَ ثمَّ تجرُّني

إلى الماءِ مغشيّاً عليَّ أرنَّحُ

ولم أرَ كالموقوذِ تُرجى حياتهُ

إذا لم يرعْهُ الماءُ ساعةَ يُنضحُ

أقولُ لنفسي أينَ كنتُ وقد أرى

رجالاً قياماً والنِّساءُ تسبِّحُ

أبالغورِ أم بالجلسِ أم حيثُ تلتقي

أماعزُّ من وادي بُريكٍ وأبطحُ

خُذا نصفَ مالي واتركا لي نصفَهُ

وبِينا بذمٍّ فالتغرُّبُ أروحُ

فيا ربِّ قد صانعتُ حولاً مجرَّماً

وصانعتُ حتَّى كادتِ العينُ تمصحُ

وراشيتُ حتَّى لو يكلِّفُ رشوتي

خليجٌ من المرَّارِ قد كادَ ينزحُ

أقولُ لأصحابي أُسرُّ إليهم

ليَ الويلُ إنْ لم تجمحا كيفَ أجمحُ

أأتركُ صبياني وأهلي وأبتغي

معاشاً سواهُمْ أمْ أكرُّ فأُذبحُ

أُلاقي الخنا والبرحَ منْ أمِّ خارمٍ

وما كنتُ ألقي من رزينةَ أبرحُ

تصبِّرُ عينيْها وتعصبُ رأسَها

وتغدو غدوَّ الذيبِ والبومُ تضبحُ

ترى رأسَها في كلِّ مبدًى ومحضرٍ

شعاليلَ لم يمشطْ ولا هو يسرحُ

وإنْ سرَّحتهُ فهو مثلُ عقاربٍ

تشولُ بأذنابٍ قصارٍ وترمحُ

تخطَّى إليَّ الحاجزينَ مدلَّةً

يكادُ الحصى منْ وطئِها يترضَّحُ

كنازٌ عفرناةٌ إذا لحقتْ بهِ

هوى حيثُ تُهويهِ العصا يتطوَّحُ

لها مثلُ أظفارِ العقابُ ومنسمٌ

أزجُّ كطنبوبُ النَّعامةِ أروحُ

إذا انفلتتْ منْ حاجزٍ لحقتْ بهِ

وجبهتُها من شدَّةِ الغيظِ تنتحُ

وقالتْ تبصَّرْ بالعصا أصْلُ أُذنهُ

لقدْ كنتُ أعفو عن جرانٍ وأصفحُ

فخرَّ وقيذاً مُسلحبَّاً كأنَّه

على الكسرِ صبعانٌ تعقَّرَ أملحُ

ولمَّا التقينا غدوةً طارَ بينَنا

سِبابٌ وقذفٌ بالحجارةِ مطرحُ

أجلِّي إليها من بعيدٌ فأتَّقي

حجارَتها حقّاً ولا أتمزحُ

تشجُّ طنابيبي إذا ما اتَّقيتُها

بهنَّ وأُخرى في الذُّؤابةِ تنفحُ

أتانا ابنُ روقٍ يبتغي اللّهوَ عندنا

فكادَ ابنُ روقٍ في السَّراويلِ يسلحُ

وأنقذَني منا ابنُ روقٍ وصوتُها

كصوتِ علاة القين صلبٌ صميدحُ

وولَّى بهِ رأدُ اليدينِ عظامهُ

على دفقٍ منها موائرُ جنَّحُ

ولسنَ بأسواءٍ فمنهنَّ روضةٌ

تهيجُ الرِّياضَ غيرها لا تصوِّحُ

جماديَّةٌ أحمى حدائقَها النَّدى

ومزنٌ تدلِّيهِ الجنائبُ دلَّحُ

ومنهنَّ غلٌّ مقملٌ لا يفكُّهُ

من القومِ إلاّ الشَّحشانُ الصَّرنقحُ

عمدتُ لعودٍ فالتحيتُ جرانهُ

وللكيسُ أمضى في الأمورِ وأنجحُ

وصلتُ به منْ خشيةٍ أن تدكَّلا

يميني سراعاً كرَّهاً حينَ تمرحُ

خذا حذراً يا خلَّتيَّ فإنَّني

رأيتُ جرانَ العودِ قد كانَ يصلحُ

وقال جران العود وقرأتها على ابن الخشاب:

ذكرتُ الصِّبا فانهلَّتِ العينُ تذرفُ

وراجعكَ الشَّوقُ الذي كنتَ تعرفُ

وكانَ فؤادي قد صحا ثمَّ هاجني

حمائمُ ورقٍ بالمدينةِ تهتفُ

كأنَّ الهديلَ الظَّالعَ الرِّجلِ فوقها

من البغيِ شرِّيبٌ يغرِّدُ مترفُ

تذكِّرنا أيامنا بسويقةٍ

وهضبَى قُساسٍ والتَّذكُّرُ يشغفُ

وبيضاً يُصلصلنَ الحجولَ كأنَّها

ربائبُ أبكارِ المهى المتألِّفُ

فبتُّ كأنَّ العينَ أفنانُ سدرةٍ

عليها سقيطٌ من ندى الطّلِّ ينطفُ

أُراقبُ لوحاً من سهيلٍ كأنَّه

إذا ما بدا من آخرِ الليلِ يطرفُ

يُعارضُ عن مجرى النُّجومِ وينتحي

كما عارضَ الشَّولُ البعيرُ المؤلَّفُ

بدا لجرانِ العودِ والبحرُ دونهُ

وذو حدبٍ من سروِ حميرَ مشرفُ

ولا وجدَ إلاّ مثلَ يومٍ تلاحقتْ

بنا العيسُ والحادي يشلُّ ويعنفُ

لحقْنا وقد كانَ اللُّغامُ كأنَّهُ

بألحي المهارى والخراطيمِ كرسفُ

وما ألحقتْنا العيسُ حتَّى تناضلتْ

بنا وتلاها الآخرُ المتخلِّفُ

وكانَ الهجانُ الأرحبيُّ كأنَّه

تراكبَهُ جونٌ من الجهدِ أكلفُ

وفي الحيِّ ميلاءُ الخمارِ كأنَّها

مهاةٌ بهجلٍ من أديمٍ تعطَّفُ

شموسُ الصِّبا والأُنسِ محفوظة الحشا

قتولُ الهوى لو كانتِ الدَّارُ تسعفُ

كأنَّ ثناياها العذابَ وريقَها

ونشوةَ فيها خالطتهنَّ قرقفُ

تهيمُ جليدَ القومِ حتَّى كأنَّهُ

دوًى يئستْ منه العوائدُ مدنفُ

وليستْ بأدنى من صبيرِ غمامةٍ

بنجدٍ عليها لامعٌ يتكشَّفُ

يشبِّهها الرَّائي المشبِّهُ بيضةً

غدا في النَّدى عنها الظَّليمُ الهجنَّفُ

بوعساءَ من ذاتِ السَّلاسلِ يلتقي

عليها من العلقى نباتٌ مؤنّفُ

وقالتْ لنا والعيسُ صعرٌ من البرى

وأخفافُها بالجندلِ الصُّمِّ تقذفُ

وهنَّ جنوحٌ مصغياتٌ كأنَّما

براهنَّ من جذبِ الأزمَّةِ علَّفُ

حُمدتَ لنا حتَّى تمنَّاكَ بعضُنا

وأنتَ امرؤٌ يعروك حمدٌ وتعرفُ

رفيعُ العلى في كلِّ شرقٍ ومغربٍ

وقولكَ ذاكَ الآبدُ المتلقِّفُ

وفيكَ إذا لاقيتَنا عجرفيَّةٌ

مراراً وما نسْتيعُ من يتعجرفُ

تميلُ بكَ الدُّنيا ويغلبكَ الهوى

كما مالَ خوَّارُ النَّقا المتقصِّفُ

ونُلقى كأنَّا مغنمٌ قد حويتهُ

وترغبُ عن جزلِ العطاءِ وتسرفُ

فموعدكَ الشَّطّ الذي بينَ أهلنا

وأهلكَ حتَّى تسمعَ الدِّيكَ يهتفُ

ويكفيكَ آثارٌ لنا حينَ تلتقي

ذيولٌ نعفِّيها بهنَّ ومطرفُ

ومسحبُ ربطٍ فوقَ ذاكَ ويمنةٍ

تسوقُ الحصى منها حواشٍ ورفرفُ

فنصبحُ لم يشعرْ بنا غيرَ أنَّنا

على كلِّ حالٍ يحلفونَ ونحلفُ

وقالتْ لهم أمُّ التي أدلجتْ بنا

لهنَّ على الإدلاجِ أنأى وأضعفُ

فقد جعلتْ آمالُ بعضٍ بناتنا

من الظُّلمِ إلاّ ما وقى اللهُ تكشفُ

وما لجرانِ العودِ ذنبٌ ولا لنا

ولكن جرانُ العودِ ممَّا نكلِّفُ

ولو شهدتْنا أُمُّها ليلةَ النّقا

وليلةَ رمحٍ أزحفتْ حينَ تُزحفُ

ذهبنَ بمسواكي وقدْ قلتُ قولةً

سيوجدُ هذا عندكنَّ ويُعرفُ

فلمَّا علانا الليلُ أقبلتْ خيفةً

لموعدِها أعلو الإكامَ وأظلفُ

إذا الجانبُ الوحشيُّ خفنا من الردَى

وجانبيَ الأدنى من الخوفِ أحنفُ

فأقبلنَ يمشينَ الهوينا تهادياً

قصارَ الخطى منهنَّ دابٍ ومُزحفُ

كأنَّ النُّميريّ الذي يتبعنهُ

بدارةِ رمحٍ ظالعِ الرِّجلِ أحنفُ

فلمَّا هبطنَ السَّهلَ واحتلنَ حيلةً

ومن حيلةِ الإنسانِ ما يُتخوَّفُ

حملنَ جرانَ العودِ حتَّى وضعنَهُ

بعلياءَ في أرجائها الجنُّ تعزفُ

فلا كفلَ إلاّ مثلَ كفلٍ ركبتهُ

لخولةَ لولا وعدَها ثمَّ تُخلفُ

فلمَّا التقينا قلنَ أمسى مسلّطاً

فلا يُسرفَنْ ذا الزَّائرُ المتلطِّفُ

وقلنَ تمتَّع ليلةُ اللهِ هذه

فإنَّك مرجومٌ غداً أو مسيّفُ

وأحرزنَ منِّي كلَّ حجزةِ مئزرٍ

لهنَّ فطارَ النَّوفليُّ المزخرفُ

فبتنا قعوداً والقلوبُ كأنَّها

قطاً شرَّعُ الأشراكِ ممَّا تخوَّفُ

علينا النَّدى طوراً وطوراً يرشُّنا

رذاذٌ سرى من آخرِ الليلِ أوطفُ

وبتنا كأنَّا بيَّتتْنا لطيمةٌ

من المسكِ أو خوَّارةُ الرِّيحِ قرقفُ

يُنازعننا لذاً رخيماً كأنَّهُ

عوائرُ من قطرٍ حداهنَّ صيِّفُ

رقيقُ الحواشي لو تسمَّعَ داهبٌ

ببطنانَ قولاً مثلهُ ظلَّ يرجفُ

حديثاً لو انَّ البقلَ يُولى ببعضهِ

نمى البقلُ واخضرَّ العضاهُ المصنّفُ

هو الخلدُ في الدُّنيا لمنْ يستطيعهُ

وقتلٌ لأصحابِ الصَّبابةِ مذعفُ

ولمَّا رأينَ الصُّبحَ بادرنَ ضوءهُ

دبيبَ قطا البطحاءِ أو هنَّ أقطفُ

وأدركنَ أعجازاً من الليلِ بعدَما

أقامَ الصَّلاةَ العابدُ المتحنِّفُ

وما أبنَ حتَّى قلنَ يا ليتَ إنَّنا

ترابٌ وليتَ الأرضَ بالنَّاسِ تخسفُ

فإنْ ننجُ من هذي ولم يشعروا بنا

فقد كانَ بعضُ الحينِ يدنو فيصرفُ

فأصبحنَ صرعى في الحجالِ وبيننا

رماحُ العدى والجانبُ المتخوَّفُ

يبلِّغهنَّ الحاجَ كلُّ مكاتبٍ

طويلُ العصا أو مقعدٌ يتزحَّفُ

ومكمونةٍ رمداءَ لا يحذرونَها

مكاتبةٍ ترمي الكلابَ وتحذفُ

رأتْ ورقاً بيضاً فشدَّتْ حزيمَها

لها فهي أمضى من سليكٍ وألطفُ

ولنْ يستهيمَ الخرَّدُ البيضَ كالدُّمى

هدانٌ ولا هلباجةُ الليل مقرفُ

ولا جبلٌ ترعيَّةٌ أحبنُ النّسا

أغمُّ القفا ضخمُ الهراوةِ أغضفُ

حليفٌ لوَطْبيْ علبةٍ بقريَّةٍ

عظيمُ سوادِ الشَّخصِ والعودُ أجوفُ

ولكنْ رفيقٌ بالصِّبى متبطرِقٌ

خفيفٌ دفيفٌ سابغُ الذَّيلِ أهيفُ

قريبٌ بعيدٌ ساقطٌ متهافتٌ

بكلِّ غيورٍ ذي فتاةٍ مكلّفُ

فتى الحيِّ والأضيافِ إنْ نزلوا بهِ

حذور الضُّحى تلعابةٌ متغطرفُ

يرى الليلَ في حاجاتهنَّ غنيمةً

إذا نامَ عنهنَّ الهدانُ المزيَّفُ

يلمُّ كإلمامِ القطاميّ بالقطا

وأسرعَ منهُ لمسةً حينَ يخطفُ

فاصبحَ في حيثُ التقينا غديَّةً

سوارٌ وخلخالٌ وبردٌ مفوَّفُ

ومنقطعاتٌ من حجولٍ تركتُها

كجمرِ الغضا في بعضِ ما يتخطرفُ

وأصبحتُ غرِّيدَ الضُّحى قد ومقنني

بشوقٍ ولمَّاتُ المحبِّينَ تشعفُ

وقال جران العود وتروى للقحيف الخفاجي وللحكم الحضري:

بانَ الأنيسُ فما للقلبِ معقولُ

ولا على الجيرةِ الغادِينَ تعويلُ

أيْما همُ فعداةٌ ما نكلِّمهمْ

وهي الصَّديقُ بها وجدٌ وتخبيلُ

كأنَّني يومَ حثَّ الحاديان بها

نحوَ الأواثةِ بالطَّاعونِ مثلولُ

يومَ ارتحلتُ برحلي قلَ برذَعتي

والقلبُ مُستوهلٌ بالبينِ مشغولُ

ثمَّ اغترزتُ على نِضوي لأرفعهُ

إثرَ الحمول الغوادي وهو معقولُ

فاستعجلتْ عبرةٌ شعواءٌ قحَّمها

ماءٌ ومالَ بها في جفنها الجولُ

فقلتُ ما لحمولِ الحيِّ قدْ خفيتْ

أكلَّ طرفيَ أمْ غالتهمُ غولُ

يخفونَ طوراً فأبكي ثمَّ يرفعهمْ

ألُ الضُّحى والهبلاَّتُ المراسيلُ

تخْدي بهمْ رجفُ الألْحي مليَّنةٌ

أظلالهنَّ لأيديهنَّ تنعيلُ

وللحداةِ على آثارهمْ زجلٌ

وللسَّرابِ على الحزَّانِ تبغيلُ

حتَّى إذا حالتِ الشَّهلاءُ دونهمُ

واستوقدَ الحرُّ قالوا قولةً قيلوا

واستقبلوا وادياً جريُ الحمامِ بهِ

كأنَّهُ نوحُ أنباطٍ مثاكيلُ

لم يبقِ من كبدِي شيئاً أعيشُ بهِ

طولُ الصَّبابةِ والبيضُ الهراكيلُ

من كلِّ بدَّاءَ في البردينِ يشغلها

عن حاجةِ الحيِّ علاَّمٌ وتحجيلُ

ممَّا تجولُ وِشاحاها إذا انصرفتْ

ولا تحولُ بساقيْها الخلاخيلُ

يستنُّ أعداءَ متنَيها ولبَّتها

مرجَّلٌ منهلٌ بالمسكِ معلولُ

تمرُّهُ عكفَ الأطرافِ ذا غدرٍ

كأنَّهنَّ عناقيدُ القرى الميلُ

هيفُ المردَّى رداحٌ في تأوُّدها

محطوطَة المتنِ والأحشاءِ عُطبولُ

كأنَّ بينَ تراقيها ولبَّتها

جمراً من نجومِ الليلِ تفصيلُ

تشفي من السَّل والبرسامِ ريقتُها

سقمٌ لمنْ أسقمتْ داءٌ عقابيلُ

تشفي الصَّدا أينما مالَ الضَّجيعُ بها

بعدَ الكرى ريقةٌ وتقبيلُ

يصبو إليها ولو كانوا على عجلٍ

بالشِّعبِ من مكَّة الشِّيبُ المثاكيلُ

تسبي القلوبَ فمنْ زوَّارها دنفٌ

يعتدُّ آخرَ دنياهُ ومقتولُ

كأنَّ ضحكتَها يوماً إذا ابتسمتْ

برقٌ سحائبهُ غزرٌ زهاليلُ

كأنَّه زهرٌ جاءَ الجناةُ بهِ

مستطرفٌ طيِّبُ الأرواحِ مطلولُ

كأنَّها حينَ ينضو النومُ مفضلَها

سبيكةٌ لم تخوِّنها المثاقيلُ

أو مزنةٌ كشفتْ عنها الصّبارَ هجاً

حتَّى بدا ريِّقٌ منها وتكليلُ

أو بيضةٌ بين أجمادٍ يقلِّبها

بالمنكبينِ سخامُ الزِّفِّ إجْفيلُ

يخشى النَّدى فيولِّيها مقاتلهُ

حتَّى يُوافي قرنَ الشَّمسِ ترجيلُ

أو نعجةٌ من إراخِ الرَّملِ أخذلها

عن ألفها واضحُ الخدَّينِ مكحولُ

بشقَّةٍ من نقا العزَّافِ يسكنُها

جنُّ الصَّريمةِ والعينُ المطافيلُ

قالتْ لها النَّفسُ كوني عندَ مولدهِ

إنَّ المُسيكينَ إنْ جاوزتِ مأكولُ

فالقلبُ يُعنى بروعاتٍ تفزِّعهُ

واللَّحمُ من شدَّةِ الإشفاقِ مخلولُ

يعتادهُ بفؤادٍ غيرَ مقتَسمٍ

ودرَّةٍ لم تخوّنها الأحاليلُ

حتَّى احتوى بكرَها بالجوِّ مطّردٌ

سمعمعٌ أهرتُ الشِّدقينِ هُذلولُ

شدَّ المماضغَ منهُ كلَّ منصرفٍ

من جانبيهِ وفي الخرطومِ تسهيلُ

لم يبقَ من زغبٍ طارَ النَّسيلُ بهِ

على قَرى ظهرهِ إلاّ شماليلُ

كأنَّ ما بينَ عينيهِ وزبرتهِ

من صبغهِ في دماءِ القومِ منديلُ

كالرُّمحِ أرقلَ في الكفَّينِ واطَّردتْ

منهُ القناةُ وفيها لهذمٌ غولُ

يطوي المفاوزَ غِيطاناً ومنهلهُ

من قلَّةِ الحزنِ أحواضٌ عداميلُ

لمَّا دعا الدَّعوةَ الأولى فاسمعها

ودونهُ شقَّةٌ ميلانِ أو ميلُ

كادَ اللُّعاعُ من الحواذنِ يشحطُها

ورجرجٌ بين لحييْها خناطيلُ

تُذري الخُزامى بأظلافٍ مخذرفةٍ

ووقعهنَّ إذا وقعنَ تحليلُ

حتَّى أتتْ مربضَ المسكينِ تنحتهُ

وحولهُ قطعٌ منها رعابيلُ

بحْثَ الكعابِ لقلبٍ في ملاعبِها

وفي اليدينِ من الحنَّاءِ تفصيلُ

وقال جران العود:

طربْنا حينَ راجعَنا ادِّكارُ

وحاجاتٌ عرضنَ لنا كبارُ

لحقنَ بنا ونحنُ على ثميلٍ

كما لحقتْ بقائدها القطارُ

فرقرقتِ النِّطافَ عيونُ صحْبي

قليلاً ثمَّ لجَّ بها انحدارُ

فظاَّتْ عينُ أجلَدِنا مروحاً

مراحاً في عواقبهِ ابتدارُ

كشولٍ في معيَّنةٍ مروحٍ

تشدُّ على وهيَّتها المرارُ

وكنَّا جيرةً بشعابِ نجدٍ

فحقَّ البينُ وانقطعَ الجوارُ

سما طرفي غداةَ أثَيفياتٍ

وقد يُهدي التَّشوُّقُ إذ غاروا

إلى ظعنٍ لأختِ بني غفارٍ

بكابةَ حيثُ زاحمها العفارُ

يرجِّحنَ الحمولَ مصعِّداتٍ

لعكَّاشٍ وقدْ يئسَ القرارُ

ويمَّمنَ الرِّكابَ بناتِ نعشٍ

وفينا عن مغاربها ازورارُ

نجومٌ يرعوينَ إلى نجومٍ

كما فاءتْ إلى الرُّبعِ الظُّؤارُ

فقلتُ وقلَّ ذاكَ لهنَّ منِّي

سقى بلداً حللنَ بهِ القطارُ

رأيتُ وصُحبتي بخناصراتٍ

حمولاً بعدَ ما متعَ النَّهارُ

يئينَ على الرِّحالِ وقدْ ترامتْ

لأيدي العيسِ مهلكةٌ قفارُ

كأنَّ أواسطَ الأكوارِ فينا

بنونَ لنا نلاعبهمْ صغارُ

فليسَ لنظرَتي ذنبٌ ولكنْ

سقَى أمثالَ نظرتيَ الدِّرارُ

يكادُ القلبُ من طربٍ إليهمْ

ومن طولِ الصَّبابةِ يُستطارُ

يظلُّ مجنِّبُ الكنفَيْنِ تهفو

هفوَّ الصَّقرِ أمسكهُ الإسارُ

وفي الحيِّ الذينَ رأيتَ خودٌ

شموسُ الأُنسِ آنسةٌ نوارُ

برودُ العارضينِ كأنَّ فاها

بُعيدَ النَّومِ عاتقةٌ عقارُ

إذا انخضدَ الوسادُ بها فمالتْ

مَميلاً فهو موتٌ أو خطارُ

تردُّ بفترةٍ عضديكَ عنها

إذا اعتُنقتْ ومالَ بها انهِصارُ

يكادُ البعلُ يشربُها إذا ما

تلقَّاهُ بنشوتِها انبهارُ

شميماً تنشرُ الأحشاءُ منهُ

وحبّاً لا يباعُ ولا يعارُ

ترى منها ابنَ عمِّكَ حينَ يُضحي

نقيَّ اللَّونِ ليسَ بهِ غبارُ

كوقفِ العاجِ مسَّ ذكيَّ مسكٍ

يجيءُ به منَ اليمينِ التّجارُ

إذا نادى المُنادي باتَ يبكي

حذارَ الصُّبحِ لو نفعَ الحذارُ

وودَّ اللَّيلُ زيدَ عليهِ ليلٌ

ولمْ يخلْ له أبداً نهارُ

يردُّ تنفُّسَ الصَّعداءِ حتَّى

يكونُ مع الوتينِ له قرارُ

يكادُ الموتُ يدركهُ إذا ما

بدا الثَّديانِ وانقلبَ الإزارُ

كأنَّ سبيكةً صفراءَ شِيفتْ

عليها ثمَّ لِيثَ بها الخمارُ

يبيتُ ضجيعُها بمكانِ دلٍّ

وملحٍ ما لدرَّتهِ غرارُ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي