منتهى الطلب من أشعار العرب/جرير بن عطية

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

جرير بن عطية

جرير بن عطية - منتهى الطلب من أشعار العرب

جرير بن عطية قال جرير بن عطيّة بن الخطفى، وهو حذيقة بن بدر بن سلمه بن عوف بن كليب بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يهجو عمرَ بن لجأ التيمي من تيم الرّباب، وقرأتُها على شيخي أبي محمّد بن الخشّاب حفظاً في جملةِ ديوان جرير، وقيلَ: خيرُ شعره:

حيِّ الهدملةَ من ذاتِ المواعيسِ

فالحنوَ أصبحَ قفراً غيرَ مأنوسِ

بينَ المخيصرِ والعزّافِ منزلةٌ

كالوحِي من عهدِ موسَى في القراطيسِ

حيِّ الدِّيارَ التي شبَّهتُها خللاً

أو منهجاً من يمانٍ محَّ ملبُوسِ

لا وصلَ إذ صرمتْ هندٌ ولو وقفتْ

لاستفتنتني وذا المسحينِ في القوسِ

لو لمْ تردْ قتلَنا جادتْ بمطرفٍ

ممّا يخالطُ حبَّ القلبِ منفوسِ

قدْ كنتِ خدناً لنا يا هندُ فاعتبري

ما غالكِ اليومَ من شيبي وتقويسي

لمّا تذكّرتُ بالديرينِ أرَّقني

صوتُ الدَّجاجِ وقرعٌ بالنَّواقيسِ

فقلتُ للرّكبِ إذ جدَّ المسيرُ بنا

يا بعدَ يبرينَ منْ بابِ الفراديسِ

علَّ الهوى من بعيدٍ أنْ تقرّبَهُ

أمُّ النُّجومِ ومرُّ القومِ بالعيسِ

لو قدْ علونَ سماوياً مواردُهُ

من نحوِ دومةِ خبتٍ قلَّ تعريسِي

هل دعوةٌ منْ جبالِ الثلجِ مسمعةٌ

أهلَ الإيادِ وحيّاً بالنَّباريسِ

إنّي إذا الشّاعرُ المغرورُ حرَّبنِي

جارٌ لقبرٍ على مرّانَ مرموسِ

قدْ كانَ أشوسَ أبّاءً فأورثنا

شغباً على النَّاسِ في أبنائه الشُّوس

تحمِي ونغتصبُ الجبّارُ نجنُبُهُ

في محصدٍ من حبالِ القدِّ محموسِ

يخزَى الوشيظُ إذا قالَ الصّميمُ لهمْ

عدُّوا الحصى ثمَّ قيسُوا بالمقاييس

لا يستطيعُ امتناعاً فقعُ قرقرةٍ

بينَ الطَّريقينِ بالبيدِ الأمالِيسِ

وابنُ اللّبون إذا ما لزَّ في قرنٍ

لم يستطِعْ صولةَ البزلِ القناعيسِ

إنّا إذا معشرٌ كشَّتْ بكارتُهمْ

صلنا بأصيدَ سامٍ غيرِ معكوسِ

هل منْ حلومٍ لأقوامٍ فينذرهمْ

ما جرَّبَ القومُ من عضّي وتضريسِي

إنّي جعلتُ فما ترجَى معاسرَتِي

نكلاً لسمتصعَبِ الشَّيطانِ عترِيسِ

أحمِي مواسمَ تشْفي كلَّ ذي خطلٍ

مسترضعٍ بلبانِ الجنِّ مسلُوسِ

منْ يتّبعْ غيرَ متبوعٍ فإنَّ لنا

في ابنيْ نزارٍ نصيباً غيرَ مخسوسِ

وابنا نزارٍ أحلاّني بمنزلةٍ

في رأسِ أرعنَ عاديِّ القداميسِ

إنّي امرؤٌ من نزارٍ في أرومتهمْ

مستحصدٌ أجمي فيهمْ وعرِّيسِي

لا تفخرنَّ على قومٍ عرفتَ لهمْ

نورَ الهدَى وعرينَ العزِّ ذي الخيسِ

قومٌ لهمْ خصَّ إبراهيمُ دعوتَهُ

إذ يرفعُ البيتَ سوراً فوقَ تأسِيسِ

نحنُ الّذينَ ضربْنا النّاسَ عنْ عرضٍ

حتّى استقامُوا وهمْ أتباعُ إبليسِ

أقصرْ فإنَّ نزاراُ لنْ يفاضِلَها

فرعٌ لئيمٌ وأصلٌ غيرُ مغروسِ

قدْ جرَّبتْ عركِي في كلِّ معتركٍ

غلبُ الأسودِ فما بالُ الضّغابيسِ

يلقَى الزَّلازلَ أقوامٌ دلفتُ لهمْ

بالمنجنيقِ وصكّاً بالملاطيسِ

لمّا جمعتُ غواةَ النَّاسِ في قرنٍ

غادرتُهمْ بينَ محسورٍ ومفروس

كانوا كهاوٍ ردى منْ حالقي جبلٍ

ومغرقٍ في حبابُ الماءِ مغموسِ

خيلي التي وردتْ نجرانَ ثمَّ ثنتْ

يومَ الكلابِ بوردٍ غيرِ محبوسِ

قد أفعمتْ وادييْ نجرانَ معلمةً

بالدَّارِ عينَ وبالخيلِ الكراديسِ

قد نكتسي بزَّةَ الجبّارِ نجنبُهُ

والبيضَ نضرِبها فوقَ القوانيسِ

نحنُ الذينَ هزَمْنا جيشَ ذي نجبٍ

والمنذرينِ اقتسرْنا يومَ قابُوسِ

تدعوكَ تيمٌ وتيمٌ في قرَى سبأٍ

قدْ عضَّ أعناقَها جلدُ الجواميسِ

والتّيمُ ألأمُ منْ يمشِي وألأمهمْ

أولادُ ذهلٍ بنو السُّودِ المدانيسِ

تدعى لشرِّ أبٍ يامرفقيْ جعلٍ

في الصيفِ تدخلُ نقباً غيرَ مكنوسِ

وقال جرير بجيب الفرزدق، ويردُّ عليه، وهي في النقائض:

لمنِ الدِّيارُ رسومهنَّ بوالِ

أقفرنَ بعدَ تأنُّسٍ وحلالِ

عفى المنازلَ بعدَ منزلنا بها

مطرٌ وعاصفُ نيرجٍ مجفالِ

عادتْ تقايَ على هوايَ وربَّما

حنَّتْ إذا ظعنَ الخليطُ جمالِي

إنّي إذا بسطَ الرّماةُ لغلوِهم

عندَ الحفاظِ غلوتُ كلَّ مغالِي

رفعَ المطِيُّ بما وسمتُ مجاشعاً

والزَّنبَرِيُّ يعومُ ذو الأجلالِ

في ليلتينِ إذا حذَوتُ قصيدَةً

بلغتْ عمانَ وطيِّئَ الأجبالِ

هذا تقدُّمُنا وزجرِي مالِكاً

لا يودينَّكَ حينُ قينِكَ مالِ

لمّا رأوا رجمَ العذابِ يصيبُهمْ

كانَ القيونُ كساقةِ الأفيالِ

يا قرطُ إنَّكمُ قرينةُ خزيةٍ

واللؤمُ معتقلٌ قيونُ عقالِ

أمسَى الفرزدقُ للبعيثِ جنيبةُ

كابنِ اللّبونِ قرنتَهُ المشتالِ

أرداكَ قينكَ يا فرزدقُ محلِباً

ما زادَ قومكَ ذاكَ غيرَ خبالِ

ولقدْ وسمتْ مجاشعاً بأنوفِها

ولقدْ كفيتكَ مدحةَ ابن جعالِ

فانفخْ بكيركَ يا فرزدقُ إنّني

في باذخٍ لمحلِّ بيتكَ عالِ

لمّا وليتُ لثغرِ قومِي مشهداً

آثرتُ ذاكَ على بنِيَّ ومالِ

إنّي ندبتُ فوارسِي وفعالَهُمْ

وندبتَ شرَّ فوارسٍ وفعالِ

نحنُ الولاةُ لكلِّ حربٍ تتقَى

إذْ أنتَ محتضرٌ لكيركَ صالِ

من مثلُ فارسِ ذي الخمارِ وقعنبٍ

والحنتفينِ لليلةِ البلبالِ

والرِّدفِ إذ ملكَ الملوكَ ومنْ لهُ

عظمُ الدّسائعِ كلَّ يومِ فضالِ

الذّائدونَ إذا النّساءُ تبدّلتْ

شهباءَ ذاتَ قوانسٍ ورعالِ

قومٌ همُ غمُّوا أباكَ وفيهمِ

حسبٌ يفوتُ بني قفيرةَ عالِ

إنّي لتستلبُ الملوكَ فوارسِي

وينازلونَ إذا يقالُ نزالِ

من كلِّ أبيضَ يستضاءُ بوجههِ

نظرَ الجحيجِ إلى خروجِ هلالِ

تمضي اسنّتنا وتعلمُ مالكٌ

أنْ قدْ منعتُ حزونتِي ورمالِي

فاسألُ بذي نجبٍ فوارِسَ عامرٍ

واسألْ عيينةَ يومَ جزعِ ظلالِ

ولربَّ معضلةٍ دفعنا بعدَما

عيَّ القيونُ بحيلةِ المحتالِ

إنَّ الجيادَ يبتنَ حولَ قبابنا

من آل أعوجَ أو لذِي العقّالِ

منْ كلِّ مشترفٍ وإنْ بعدَ المدَى

ضرمِ الرِّقاقِ مناقلِ الأجرالِ

متقاذفٍ تلعٍ كأنَّ عنانَهُ

علقٌ بأجردَ من جذوعِ أوالِ

صافي الأديمِ إذا وضعتَ جلالَهُ

ضافِي السَّبيبِ يبيتُ غيرَ مذالِ

والمقرباتُ نقودهنَّ على الوَجَى

بحثَ السِّباعِ مدامِعَ الأوشالِ

تلكَ المكارمُ يا فرزدقُ فاعترفْ

لا سوقُ بكركَ يومَ جوفِ أبالِ

أبنِي قفيرةَ من يوزِّعُ وردَنا

أم منْ يقومُ لشدَّةِ الأحمالِ

أحسبتَ يومكَ بالوقيظِ كيومِنا

يومَ الغبيطِ بقلّةِ الأدحالِ

ظلَّ اللّهازمُ يلعبونَ بنسوةٍ

بالجوِّ يومَ يفخنَ بالأبوالِ

يبكينَ من حذرِ السّباءِ عشيَّةَ

ويملنَ بينَ حقائبٍ ورحالِ

لا يخفينَّ عليكَ أنَّ مجاشعاً

شبهُ الرَّجالِ وما همُ برجالِ

مثلُ الضّباعِ يسفْنَ ذيخاً رائحاً

ويخرنَ في كمرٍ ثلاثَ ليالِ

وإذا ضئينُ بني عقالٍ ولدّتْ

عرفوا مناخرَ سخلِها الأطفالِ

أمّا سبابي فالعذابُ عليهمُ

والموتُ للنَّخباتِ عندَ قِتالِي

كالنّيبِ خرَّمَها الغمائمُ بعدَما

ثلَّطنَ عنْ حرضٍ بجوفِ أثالِ

جوفٌ مجارفُ للخزيرِ وقدْ أوَى

سلبَ الزُّبيرِ إلى بنِي الذَّيّالِ

ودعا الزّبيرُ مجاشعاً فتزمزمَتْ

للغدرِ ألأمُ آنفٍ وسبالِ

يا ليتَ جارَكمُ الزُّبيرَ وضيفكُمْ

إيّاي لبَّسَ حبلَهُ بحبالِي

اللّهُ يعلمُ لو تناولَ ذمَّةً

منّا لجزِّعَ في النُّحُورِ عوالِي

وتقولُ جعثنِ إذ رأتكَ مقنعاً

قبّحتَ منْ أسدٍ أبي أشبالِ

ألوى بها شذبُ العروقِ مشذّبٌ

فكأنَّما وكنتْ على طربالِ

باتتْ تناطحُ بالحبوبِ جبينَها

والرُّكبتينِ مدافعَ الأوعالِ

ما بالُ أمِّكَ إذْ تسربلَ درعَها

ومنَ الحديدِ مفاضةٌ سربالِي

شابتْ قفيرَةُ وهي فائرةُ النَّسا

في الشَّولِ بينَ أصرَّةٍ وفصالِ

بكرتْ معجِّلةً يشرشِرُ بظْرَها

قتبٌ ألحَّ على أزبَّ ثفالِ

قبحَ الإلهُ بني خضافِ ونسوةً

باتَ الخزيرُ لهنَّ كالأحقالِ

من كلِّ آلفةِ المواخِر تتَّقِي

بمجرَّدٍ كمجرَّدِ البغّالِ

قامتْ سكينةُ للفجورِ ولمْ تقُمْ

أختُ الحتاتِ لسورَةِ الأنفالِ

ودَّتْ سكينةُ أنَّ مسجدَ قومِها

كانتْ سواريهِ أيورُ بغالِ

ولدَ الفرزدقَ والصَّعاصعَ كلَّهمْ

علجٌ كأنَّ بظورهنَّ مقالِ

يا ضبَّ قد فرغتْ يمينِي فاعلمُوا

خلواً وما شغلَ القيونُ شمالي

يا ضبَّ علّي أنْ تصيبَ مواسِمِي

كوزاً على حنقِي ورهطَ بلالِ

يا ضبَّ إنِّ قدْ طبخْتُ مجاشعاً

طبخاً يزيلُ مجامعَ الأوصالِ

يا ضبَّ لولا حينكُمْ ما كنتمُ

غرضاً لنبلِي حينَ جدَّ نضالِي

يا ضبَّ إنَّكمُ البكارُ وإنَّني

متخمّطٌ قطمٌ يخافُ صيالي

يا ضبَّ غيركمُ الصَّميمُ وأنتمُ

تبعٌ إذا عدَّ الصَّميمُ موالِي

يا ضبَّ إنَّكمُ لسعدٍ حشوَةٌ

مثلُ البكارُ ضممتَها الأغفالِ

يا ضبَّ إنَّ هوَى القيونِ أضلّكمْ

كضلالِ شيعةِ أعورَ الدّجَّالِ

وقال جرير يردُّ على الفرزدق، وهي في النقائض:

ما هاجَ شوقكَ من رسومِ ديارِ

بلوَى عنيقٍ أو بصلبِ مطارِ

أبقَى العواصفُ من بقيَّةِ رسمِها

شذبَ الخيامِ ومربطَ الأمهارِ

أمنَ الفراقِ لقيتَ يومَ عنيزةٍ

كهواكَ يومَ شقائقِ الأحفارِ

ورأيتُ نارَكِ إذا أضاءَ وقودُها

فرأيتُ أحسنَ مصطلينَ ونارِ

أمّا البعيثُ فقدْ تبيَّنَ أنَّهُ

عبدٌ فعلَّكَ في البعيثِ تمارِي

واللُّؤمُ قدْ خطبَ البعيثَ وأرزقت

أم الفرزدق عند شرّ حوار

إن الفررذق والبعيث وأمَّهُ

وأبا البعيثِ لشرُّ ما إستارِ

طاحَ الفرزدقُ في الرِّهانِ وغمَّهُ

غمرُ البديهةِ صادقُ المضمارِ

ترجُو الهوادةَ يا فرزدقُ بعدَما

أطفأتَ ناركَ واصطليتَ بنارِي

إنِّي ليحرقُ منْ قصدتُ لشتمهِ

نارِي ويلحقُ بالغواةِ سعاري

تبّاً لفخركَ بالضَّلالِ ولمْ يزلْ

ثوبا أبيكَ مدنَّسينِ بعارِ

ماذا تقولُ وقدْ علوتُ عليكمُ

والمسلمُونَ لمِا أقولُ قوارِي

وإذا سألتَ قضَى القضاةُ عليكُمُ

وإذا افتخرتَ علا عليكَ فخارِي

فأنا النّهارُ علا عليكَ بضوئهِ

واللّيلُ يقبضُ بسطةَ الأبصارِ

إنَّا لنربَعُ بالخميسِ ترَى لهُ

رهجاً ونضربُ قونسَ الجبّارِ

إذ لا تغارُ على النّساء مجاشعٌ

يومَ الحفاظِ ولا يفونَ لجارِ

أنَّي لقومكَ مثلَ عدوَةِ خيلِنا

بالشَّعبِ يومَ مجزَّلِ الأمرارِ

قومي الّذين يزيدُ سمعِي ذكرهمْ

سمعاً وكانَ بضوئهِمْ إبصارِي

والمورِدونَ على الأسنَّةِ قرَّحاً

حمراً مساحلهنَّ غيرَ مهارِ

هلْ تشكرونَ لمنْ تدارَكَ سبيكُمْ

والمُرْدفاتُ يملنَ بالأكوارِ

إنّي لتعرَفُ في الثغورِ فوارِسِي

ويفرِّجونَ قتامَ كلِّ غبارِ

نحنُ البناةُ دعائِماً وسوارياً

يعلونَ كلَّ دعائمٍ وسوارِي

تدعُو ربيعةُ والقميصُ مفاضَةٌ

تحتَ النِّجادِ تشدُّ بالأزرارِ

إنَّ البعيثَ وعبدَ آلِ مقاعسٍ

لا يقرآنِ بسورةِ الأحبارِ

أبلغْ بني وقبانَ أنَّ نساءَهمْ

خورٌ بناتُ موقّعٍ خوّارِ

كنتمْ بني أمةٍ فأغلقَ دونكمْ

بابُ المكارمِ يا بني النَّخوارِ

أبنِي قفيرةَ قدْ أناخَ إليكمُ

يومَ التَّقاسمِ لؤمُ آلِ نزارِ

إنَّ اللّئامِ بنِي اللّئامِ مجاشعٌ

والأخبثينَ محلَّ كلِّ إزارِ

إنَّ المواجنَ منْ بناتِ مجاشعٍ

مأوى اللّصوصِ وملعَبُ العهَّارِ

تبكِي المغيبةُ من بناتِ مجاشعٍ

ولهَى إذا سمعتْ نهيقَ حمارِ

لا تبتغي كمراً بناتُ مجاشعٍ

ويردنَ مثلَ بيازرِ القصّارِ

أبنيَّ شعرةَ ما أردتَ وحربُنا

بعدَ المراسِ شديدةُ الإضرارِ

سارَ القصائدُ فاستبحنَ مجاشعاً

ما بينَ مصرَ إلى جنوبِ وبارِ

يتلاومونَ وقدْ أباحَ حريمَهمْ

قينٌ أحلَّهمُ بدارِ بوارِ

أعليَّ تغضبُ أنْ قفيرةُ أشبهتْ

منهُ مكانَ مقلَّدٍ وعذارِ

نامَ الفرَزْدَقُ عنْ نوارَ كنومِهِ

عنْ عقرِ جعثنَ ليلةَ الإخفارِ

قال الفرزدقُ إذ أتاهُ حديثُها

ليستْ نوارُ مجاشعٍ بنوارِ

تدعُو ضريسَ بَني الحتاتِ إذا انتشتْ

وتقولُ ويحكَ من أحسَّ سوارِي

إنَّ القصائدَ لنْ تزالَ سوانِحاً

بحديثِ جعثنَ ما ترنَّمَ سارِي

لمّا بنَى الخطفَى رضيتُ بما بنَى

وأبُو الفرَزدَقِ نافخُ الأكيارِ

ويبيتُ يشربُ عندَ كلِّ مقصِّصٍ

خضلِ الأناملِ واكفَ المعصارِ

لا تفخرَنَّ فإنَّ دينَ مجاشعٍ

دينُ المجوسِ تطوفُ حولَ دوارِ

وقال جرير أيضاً يجيبُ الفرزدق:

ألا حيِّ ربعَ المنزلِ المتقادمِ

وما حلَّ مذ حلَّتْ بِهِ أمُّ سالمِ

تميميَّةٌ حلَّتْ بحومانةَ قساً

حمَى الخيلِ ذادتْ عن قسىً فالصَّرائمِ

أبيتِ فما تقضينَ ديناً وطالَما

بخلتِ بحاجاتِ الصَّديقِ المكارمِ

بنا كالجوَى ممّا نخافُ وقدْ نرَى

شفاءَ القلُوبِ الصّادياتِ الحوائمِ

أعاذلَ هيجينِي لبينٍ مصارمٍ

غداً أو ذرينِي من عتابِ الملاومِ

أغرَّكِ منّي أنَّما قادَنِي الهوَى

إليكِ وما عهدٌ لكنَّ بدائمِ

ألا ربَّما هاجَ التَّذكُّرُ والهوَى

بتعلةَ أعشاشٍ دموعِ السَّواجمِ

عفتْ قرقرَى والوشمُ حتَّى تنكَّرتْ

معارفُها والخيمُ ميلُ الدَّعائمِ

وأقفرَ وادِي ثرمداءَ وربَّما

تدانَى بذِي بهدَى حلولُ الأصارمِ

لقدْ ولدتْ أمُّ الفرزدقِ فاجراً

فجاءتْ بوزوازٍ قصيرِ القوائمِ

وما كانَ جارٌ للفرزدقِ مسلمٌ

ليأمنَ قرداً ليلهُ غيرُ نائمِ

يوصّلُ حبليهِ إذا جنَّ ليلُهُ

ليرقَى إلى جاراتِه بالسَّلالِمِ

أتيتَ حدودَ اللهِ مذْ كنتَ يافعاً

وشبتَ فما ينهاكَ شيبُ اللّهازمِ

تتبَّعُ في الماخورِ كلَّ مريبَةٍ

ولستَ بأهلِ المحصناتِ الكرائمِ

رأيتكَ لا توفِي لجارٍ أجرتَهُ

ولا مستعفٌّ عن لئامِ المطاعمِ

هوَ الرّجسُ يا أهلَ المدينةٍ فاحذرُوا

مداخلَ رجسٍ بالخبيثاتِ عالمِ

لقدْ كانَ إخراجُ الفرزدَقِ عنكمُ

طهوراً لما بينَ المصلَّى وواقمِ

أتمدَحُ يا ابنَ القينِ سعداً وقدْ جرتْ

لجعثنَ فيهمْ طيرُها بالأشائمِ

وتمدَحْ يا ابنَ القينِ سعداً وقدْ ترَى

أديمكَ فيهمْ واهياً غيرَ سالمِ

تبرِّئهُمُ من عقرِ جعثنَ بعدَما

أتتكَ بمسلُوخِ البظارَةِ وارِمِ

تنادِي بنصفِ اللّيلِ يآلَ مجاشعٍ

وقدْ جلدَ استِها بالعجارِمِ

فإنَّ مجرَّ الجعثنَ ابنةِ غالبٍ

وكيريْ جبيرٍ كانَ ضربةَ لازمِ

تلاقِي بناتِ القينِ من خبثِ مائهِ

ومنْ وهجانِ الكِيرِ سودَ المعاصمِ

وإنَّكَ يا ابنَ القينِ لستَ بنافِخِ

بكيرِكَ إلا قاعداً غيرَ قائمِ

فما وجدَ الجيرانُ حبلَ مجاشعٍ

وفيّاً ولا ذا مرَّةٍ في العزائمِ

ولامتْ قريشٌ في الزّبيرِ مجاشعاً

ولم يعذرُوا من كان أهلَ الملاومِ

وقالتْ قريشٌ ليتَ جارَ مجاشعٍ

أتى شبثاً أو كانَ جارَ ابن خازمِ

ولو حبلُ تيمِيٍّ تناولَ جاركُمْ

لما كان عاراً ذكرهُ في المواسمِ

فغيركَ أدَّى للخليفةِ حقَّهُ

وغيركَ جلَّى عنْ وجوهِ الأهاتمِ

وإنَّ وكيعاً حينَ خارتْ مجاشعٌ

كفَى شعبَ صدعِ الفتنةِ المتفاقمِ

لقدْ كنتَ فيها يا فرزدقُ تابعاً

وريشُ الذُّنابّي تابعٌ للقوادِم

ندافعُ عنكمُ كلَّ يومٍ عظيمةٍ

وأنتَ قراحيٌّ بسيفِ الكواظمِ

أجبناً وفخراً يا بني زبد استُها

ونحنُ نشبُّ الحربَ شيبَ المقادمِ

أباهلَ ما أحببتُ قتلَ ابن مسلمٍ

ولا أن تروعوا قومكُمْ بالمظالمِ

أباهلَ قدْ أوفيتُمُ من دمائكمْ

إذا ما قتلتُمْ رهطَ قيسِ بنْ عاصمِ

تحضّضُ يا ابنَ قيساً ليجعلوا

لقومكَ يوماً مثلَ يومِ الأراقمِ

إذا ركبتْ قيسٌ خيولاً مغيرةً

على القينِ يقرَعْ سنَّ خزيانَ نادِمِ

وقبلكَ ما أخزَى الأخيطلُ قومَهُ

وأسلمهُمْ في المأزقِ المتلاحمِ

رويدكمُ مسحَ الصّليبِ إذا دنا

هلالُ الجزا واستعجلُوا بالدَّراهمِ

وما زالَ في قيسٍ فوارسُ مصدقٍ

حماةٌ وحمّالونَ ثقلَ المغارمِ

وقيسٌ همُ الكهفُ الّذي نستعدُّهُ

لفضلِ المساعِي وابتناءِ المكارمِ

إذا حدبتْ قيسٌ عليَّ وخندفٌ

أخذتُ بفضلِ الأكثرين الأكارمِ

فإنْ شئتَ من قيسٍ ذرَى متمَنِّعٍ

وإنْ شئتَ طوداً خندفيَّ المخارِمِ

ألمْ ترنِي أردِي بأكنافِ خندفٍ

وأكنافِ قيسٍ نعمَ كهفُ المراجمِ

وقيسٌ همُ الكهفُ الّذي نستعدُّهُ

لدفعِ الأعادي أو لحملِ العظائمِ

بنو المجدِ قيسٌ والعواتكُ منهمُ

ولدنَ بحوراً للبحُورِ الخضارمِ

لقدْ حدبتْ قيسٌ وأفناءُ خندفٍ

على مرهبٍ حامِي ذمارَ المحارمِ

فما زادنِي بعدُ المدَى نقضَ مرَّةٍ

ولا رقَّ عظمِي للفؤوسِ العواجمِ

ترانِي إذا ما النّاسُ عدُّوا قديمهمْ

وفضلَ المساعِي مسفراً غيرَ واجمِ

بأيّامِ قومٍ ما لقومكَ مثلَها

بها سهّلوا عنّي خبارَ الجراثمِ

إذا ألجمتْ قيسٌ عناجيجَ كالقَنا

مججنَ دماً منْ طولِ علكِ الشَّكائمِ

سبوا نسوةَ النّعمانِ وابنيْ محرِّقٍ

وعمرانَ قادُوا عنوةً بالخزائمِ

وهمْ أنزلُوا الجونينِ في حومةِ الوغَى

ولم يمنَعِ الجونينِ عقدُ التّمائم

كأنَّكَ لم تشهدْ لقيطاً وحاجباً

وعمرو بن عمرو إذ دعوا يا آل دارمِ

ولم تشهدِ الجونينِ والشّعبَ ذا الصّفا

وشدّاتِ قيسٍ يومَ ديرِ الجماجمِ

أكلَّفتَ قيساً أن نبا سيفُ غالبٍ

وشاعتْ لهُ أحدوثةٌ في المواسمِ

بسيفِ أبي رغوانَ سيفِ مجاشعٍ

ضربتَ ولم تضربْ بسيفِ ابن ظالمِ

ضربتَ به عندَ الإمامِ فأرعشَتْ

يداكَ وقالوا محدَثٌ غيرُ صارمِ

ضربتَ بهِ عرقوبُ نابٍ بصوأرٍ

ولا يضربونَ البيضَ تحتَ العمائمِ

عنيفٌ بهزِّ السّيفِ قينُ مجاشعٍ

رفيقٌ بأخراتِ الفؤوسِ الكرازمِ

ستخبرُ يا ابن القينِ إنَّ رماحَنا

أباحتْ لنا ما بينَ فلجٍ وعاسمِ

ألا ربَّ قومٍ قدْ نكحنا بناتهمْ

بصمِّ القنا والمقرباتِ الصّلادمِ

لقد حظيتْ قدماً سليمٌ وعامرٌ

وعبسٌ بتجريدِ السّيوفِ الصّوارمِ

وعبسٌ همُ يومَ الفروقينِ طوّقوا

بأسيافهمْ قدموسَ رأسٍ صلادمِ

وإنّي وقيساً يا ابن قينِ مجاشعٍ

كريمٌ صفيُّ مدحتِي للأكارمِ

إذا عدَّتِ الأيامُ أخزيتَ دارماً

ويخزيكَ يا ابنَ القينَ مسعاةُ دارمِ

ألم تعطِ عصباً ذا الرّقيبةِ حكمَهُ

ومنيةَ قيسٍ في نصيبِ الزَّهادمِ

وأنتمْ فررتُم عنْ ضرارٍ وعثجَلٍ

وأسلمَ مسعودٌ غداةَ الحناتمِ

وفي أيّ يومٍ واضحٍ لم تقرّنوا

أسارَى كتقرينِ البكارٍ المقاحمِ

ويومَ الصّفا كنتمْ عبيداً لعامرٍ

وبالحزنِ أصبحتُمْ عبيدَ اللّهازمِ

وليلةَ وادِي رحرحانَ رفعتُمُ

فراراً ولم تلوُوا زفيفَ النّعائمِ

تركتُمْ أبا القعقاعِ في الغلِّ معبداً

وأيُّ أخٍ لمْ تسلِمُوا للأداهمِ

جلبتُم إلى عوفٍ مزاداً فقادهُ

برمَّةِ مخذولٍ على الدَّينِ غارمِ

إذا نزلُوا يوماً سمعتُمْ ملامةً

بجمعٍ منَ الأعياصِ أو آلِ هاشمِ

أحاديثُ ركبانِ المحجّةِ كلّما

تأوّهنَ خوصاً دامياتِ المناسمِ

وجارتْ عليكمْ في الحكومةِ منقرٌ

كما جارَ عرفٌ في قتيلِ الضّماضمِ

فأخزاكمُ عوفٌ كما قدْ خزيتُمُ

وأدرَكَ عمّارٌ تراتَ البراجمِ

لقدْ ذقتُ منّي طعمَ حربٍ مريرةٍ

وما أنتَ إنْ جاريتَ قيساً بسالِمِ

قفيرةٌ من قنٍّ لسلمى بن جندلٍ

أبوكَ ابنُها بينَ الإماء الخوادمِ

وقال جرير يهجُو الرّاعي النُّميري:

أقلّي اللّومَ عاذلَ والعتابا

وقولِي إنْ أصبْتُ لقدْ أصابا

أجدَّكَ لا تذكّرُ أهلَ نجدٍ

وحيّاً طالَ وما انتظرُوا الإيابا

بلى فارفضَّ دمعكَ غيرَ نزرٍ

كما عينتَ بالسّرَبِ الطّبابا

أيجمعُ قلبُهُ طرباً إليكُمْ

وهجراً بيتَ أهلِك واجتِنابا

سألناها الشّفاءَ فما شفتْنا

ومنَّتنا التّودّدَ والخلابا

وقلتُ بحاجةٍ وطلبتُ أخرَى

وهاجَ عليَّ بينهمُ اكتئابا

أسيلَةُ معقدِ القرْطينِ منها

وريّاً حيثُ تعتقدُ الحقابا

ولا يمشي اللّئيمُ لها بسبٍّ

ولا تهدِي لجارَتِها السِّبابا

ووجدٍ قدْ طويتُ يكادُ منهُ

ضميرُ القلبِ يلتهبُ التْهابا

متى أذكَرْ لخورِ بنِي عقالٍ

تبيَّنَ في وجوههمُ اكتئابا

إذا لاقى بنُور وقبانَ غمّاً

شددتُ على أنوفِهمِ العصابا

أبى لي ما مضى لي في تميمٍ

وفي حتَّى خزيمةَ أنْ أعابا

سيعلمُ منْ يكونُ أبوهُ قيناً

ومنْ عرفتْ قصائدهُ اجتلابا

أثعلبةَ الفوارِسِ أو رياحاً

عدلتَ بهمْ طهيَّةَ والخشابا

رأيتَ سوادَهُ فدنونَ منهُ

فيرميهنَّ أخطأ أو أصابا

فلا وأبيكَ ما لا قيتَ حيّاً

كيربوعٍ إذا رفعُوا العقابا

وما وجدَ الملوكُ أعزَّ منّا

وأسرَعَ من فوارِسِيَ استلابا

إذا حربٌ تلقَّحُ عنْ حيالٍ

ودرَّتْ بعدَ مريتِها اعتصابا

ونحنُ الحاكمونَ على قلاخٍ

كفينا ا الجريرةِ والمصابا

حمينا يومَ نجبٍ حمانا

وأحرزْنا الصّنائعَ والنّهابا

لنا تحتَ الحمائلِ سابغاتٌ

كنسجِ الرِّيحِ تطّردُ الحبابا

وذي تاجٍ لهُ خرزاتُ ملكٍ

سلبناهُ السّرادقَ والحجابا

ألا قبحَ الإلهُ بني عقالٍ

زادهُم بغدرِهِمِ ارتيابا

أجيرانَ الزّبيرِ برئتُ منكمْ

فألقوا السّيفَ واتّخّذوا العيابا

لقدْ غرَّ القيونُ دماً كريماً

ورحلاً ضاعَ وانتهبَ انتهابا

وقدْ قعستْ ظهورُهُمُ بخيلٍ

تجاذبُهمْ أعنَّتها جذابا

علامَ تقاعسونَ وقدْ دعاكمْ

أهانكُمُ الذي وضعَ الكتابا

تعشُّوا من خزيرهمِ فنامُوا

ولمْ تهجَعْ قرائبُهُ انتحابا

أتنسونَ الزّبيرَ ورهنَ عوفٍ

وجعثنَ بعدَ أعينَ والرَّبابا

ألمْ ترَ أنَّ جعثنَ سعدٍ

تسمَّى بعدَ قضَّتِها الرُّحابا

تحزحزُ حينَ جاوزَ ركبتيها

وهزَّ القزبريُّ بها فغابا

ترى برصاً بمجمعِ اسكتيْها

كعنفقةِ الفرزدقِ حينَ شابا

وهلْ أمٌّ تكونُ أشدُّ رعياً

وصرّاً من قفيرةَ واحتلابا

ومقرفةِ اللّهازمِ من عقالٍ

يغرِّقُ ماءُ نخبتِها الذُّبابا

تواجهُ بعلَها بعضارطيٍّ

كأنَّ على مشافرهِ جُبابا

وخورُ مجاشعٍ تركُوا لقيطاً

وقالوا حنوَ عينكَ والغُرابا

وأضبعُ ذي معاركَ قدْ علمتُمْ

لقينَ بجنبهِ العجبُ العجابا

وليلةَ رحرحانَ تركتُ شيباً

وشعثاً في بيوتكمُ سغابا

رضعتُمْ ثمَّ سالَ على لحاكُمْ

ثعالهُ حينَ لمْ تجدُوا شرابا

وإنَّ مجاشعاً جمعوا فياشاً

وأستاهاً إذا فزعُوا رطابا

فلا وأبيكَ ما لهمُ عقولٌ

وما وجدتْ مكاسرهمْ صلابا

تركتمْ بالوقيطِ عضارطاتٍ

تردَّفُ عندَ رحلتِها الرِّكابا

لقدْ خزي الفرزدقُ في معدٍّ

فأمسَى جهدُ نصرَتهِ اغتِيابا

ولاقى القينُ والنَّخباتُ غمّاً

ترى لوُكُوفِ عينيهِ انصبابا

أتوعدُنِي وأنتَ مجاشعيٌّ

أرى في جنبِ لحيتكَ اضطرابا

فما خفتُ الفرزدقَ قدْ علمتُمْ

وما حقُّ ابنُ بروعَ أنْ يهابا

أعدَّ اللّهُ للشُّعراءِ منّي

صواعقَ يخضعونَ لها الرِّقابا

قرنتُ العبدَ عبدَ بنِي نميرٍ

مع القينينِ إذْ غلبا وخابا

أتاني عنْ عرادةَ قولَ سوءٍ

فلا وأبي عرادةَ ما أصابا

وكمْ لكَ يا عرادُ من أمِّ سوءٍ

بأرض الطّلحِ تحتبلُ الزَّبابا

عرادةُ منْ بقيّةِ قومٍ لوطٍ

ألا تبّاً لما فعلُوا تبابا

لبئسَ الكسبُ تكسبُهُ نميرٌ

إذا استأنوكَ وانتظروا الإيابا

أتلتمسُ السّبابَ بنو نميْرٍ

فقدْ وأبيهمِ لاقوْا سبابا

أنا البازي المطلُّ على نميرٍ

أتحتُ من السّماء لها انصبابا

إذا علقتْ مخالبُهُ بقرنٍ

أصابَ القلبَ أو هتكَ الحجابا

ترَى الطَّيرَ العتاقَ تظلُّ منهُ

جوانحَ للكلاكِلِ أنْ تصابا

فلو وضعتْ فقاحُ بني نميرٍ

على خبثِ الحديد إذنْ لذابا

فلا صلّى المليكُ على نميرٍ

ولا سقيتْ قبورهمُ السَّحابا

وخضراءِ المغابنِ من نميرٍ

يشينُ سوادُ محجرها النّقابا

إذا قامتْ لغيرِ صلاةِ وترٍ

بعيدَ النّومِ أنبحتِ الكلابا

تطلّى وهي سيئةُ المعرَّى

بصنِّ الوبرِ تحسبُهُ ملابا

كأنَّ شكيرَ نابتِ اسكتيْها

سبالُ الزُّطٌ عقَّلتِ الرّكابا

وقدْ جلّتْ نساءُ بني نميرٍ

وما عرفتْ أناملُها الخضابا

إذا حلّتْ نساءُ بني نميرٍ

على تبراكَ خبّثتِ التُّرابا

ولو وزنتْ حلومُ بنِي نميرٍ

على الميزانِ ما وزنتْ ذبابا

فصبراً يا تيوس بني نميرٍ

فإنَّ الحربَ موقدةٌ شهابا

لعمرُ أبي نساء بني نميرٍ

لساءَ لها بمقصبتِي سبابا

سيهدمُ حائطيْ قرماءَ منّي

قوافٍ لا أريدُ لها عتابا

دخلنَ قصورَ يثربَ معلماتٍ

ولم يتركنَ من صنعاءَ بابا

تطولكمُ حبالُ بني تميمٍ

ويحمي زأرُها أجماً وغابا

ألمْ نعتقْ نساءَ بني نميرٍ

فلا شكراً جزيتَ ولا ثوابا

أجندَلُ ما تقولُ بنو نميرٍ

إذا ما الأيرُ في استِ أبيكِ غابا

ألمْ ترنِي صببتُ على عبيدٍ

وقدْ فارتْ أباجلُهُ وشابا

أعدُّ لهُ مواسمَ حامياتٍ

فيشفي حرُّ شعلَتِها الجرابا

فغضَّ الطّرفَ إنّكَ من نميرٍ

فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا

أتعدلُ دمنةً خبثتْ وقلَّتْ

إلى فرعينِ قدْ كثرا وطابا

وحقَّ لمنْ تكنّفهُ قريعٌ

وضبّةُ لا أبا لكَ أنْ يعابا

فلولا الغرُّ منْ سلفى كلابٍ

وكعبٍ لاغتصبتكمُ اغتصابا

وإنّكمُ قطينُ بني سليمٍ

ترى برقُ العباءِ لكمْ ثيابا

إذنْ لنفيتُ عبدَ بنِي نميرٍ

وعلّي أنْ أزيدهمُ ارتيابا

فيا عجباً أتوعدُني نميْرٌ

براعِي الإبلِ يحترشُ الضِّبابا

لعلّكَ يا عبيدُ حسبتَ حربي

تقلُّدكَ الأصرَّةَ والعلابا

إذا نهضَ الكرامُ إلى المعالِي

نهضتَ بعلبةٍ وأثرتَ نابا

تبوءُ لها بمحينة وحيناً

تبادرُ حدَّ درتها السِّقابا

تحنُّ له العفاسُ إذا أفاقتْ

وتعرفُهُ الفصالُ إذا أهابا

فأوْلِع بالعفاسِ بني نميرٍ

كما أولعتَ بالدَّبَرِ الغرابا

وبئسَ القرْضُ قرضكَ عندَ قيسٍ

تهجّيها وتمتدحُ الوطابا

وتدعو خمشَ أمكَ أنْ ترانا

نجوماً لا ترومُ لها طلابا

فلنْ تسطيعَ حنظلتِي وسعدِي

وعمرِي إنْ دعوتُ ولا الرِّبابا

قرومٌ تحملُ الأعباءَ عنكُمْ

إذا ما الأمرُ في الحدَثانِ نابا

همُ ملكُوا الملوكَ بذاتِ كهفٍ

وهمْ منعوا من اليمنِ الكلابا

إذا غضبتْ عليكَ بنو تميمٍ

وجدتَ النّاسَ كلَّهمُ غضابا

ألسنا أكثرَ الثّقلينِ رجلاً

ببطنِ منىً وأعظمَهُ قبابا

وأجدرَ أنْ تجاسرَ ثمَّ نادَى

بدعوَى يآلَ خندفَ أنْ يجابا

لنا البطحاءُ نفعمُها السّواقِي

ولمْ يكُ سيلُ أوديتِي شعابا

فما أنتمْ إذا عدلتْ قرومِي

شقاشقَها وهافتتِ اللُّعابا

تنحَّ فإنَّ بحريَ خندفيٌّ

ترى لفحولِ جريتِهِ عُبابا

بموجٍ كالجبالِ فإنْ ترمهُ

تغرّقْ ثمَّ يرمِ بكَ الجنابا

وما تلقَى محلّي في تميمٍ

بذي زللٍ ولا نسبي انتسابا

علوتُ عليكَ ذروةَ خندفيٍّ

ترى منْ دونِها رتباً صعابا

لنا حوضُ الرّسولِ وساقياهُ

ومنْ ورثَ النبوّةَ والكتابا

ومنّا منْ يجيزُ حجيجَ جمعٍ

وإنْ خاطبتَ عزّكمُ خطابا

ستعلمُ من أعزُّ حمىً بنجدٍ

وأعظمُها بغائرةٍ هضابا

أعزُّكَ بالحجازِ فإنْ تسهَّلْ

لغورِ الأرضِ تنتهبُ انتهابا

أتيعرُ يا ابن بروعَ منْ بعيدٍ

فقدْ أسمعتَ فاستمعِ الجوابا

فلا تجزعْ فإنَّ بني نميرٍ

كأقوامٍ نفحتَ لهمْ ذنابا

شياطينُ البلادِ يخفنَ زأرِي

وحيَّةُ أريحيّا لي استجابا

تركتُ مجاشعاً وبنِي نميرٍ

كدارِ السّوٍء أسرعتِ الخرابا

ألمْ ترَنِي وسمتُ بنِي نميرٍ

وزدتُ على أنُوفهمُ العِلابا

وقال جرير:

أجدَّ رواحُ الحيّ أم لا تروَّحُ

نعم كلُّ من يعنى بجملٍ مترَّحُ

إذا ابتسمتْ أبدتْ غروباً كأنّها

عوارضُ مزنٍ تستهلُّ وتلمحُ

لقد هاجَ هذا الشَّوقُ عيناً مريضةً

أجالتْ قذىً ظلّتْ به العينُ تمرحُ

بمقلةِ أقنَى ينقضُ الطّلَّ باكرٍ

تجلَّى الدُّجى عن طرفهِ حينَ يصبحُ

فأعطيتُ عمراً منْ أُمامةَ حكمَهُ

وللمشتري منهُ أمامةَ أربحُ

صحا القلبُ عن سلمَى وقد برّحتْ بهِ

وما كانَ يلقَى من تماضرَ أبرحُ

رأيتُ سليمَى لا تبالي الذي بنا

ولا عرضاً من حاجةٍ لا تسرِّحُ

إذا سايرتْ أسماءُ قوماً ظعائناً

فأسماءُ من تلكَ الظّعائنِ أملحُ

ظللنَ حوالِي خدرَ أسماءَ وانتحَى

بأسماءَ موّارُ الملاطينِ أروحُ

تقولُ سليمَى ليسَ في الصّرمِ راحةٌ

بلى إنَّ بعضَ الصّرمِ أشفى وأروَحُ

أحبُّكِ إنَّ الحبُّ داعيةُ الهوَى

وقدْ كادَ ما بينِي وبينكِ يبرَحُ

ألا تزجرينَ القائلينَ ليَ الجَفا

كما أنا معنِيٌّ وراءكِ منفحُ

ألمّا على سلمَى ولمْ أرَ مثلَها

خليلَ مصافاةٍ تزارُ وتمدَحُ

وقد كانَ قلبي من هواهُ وذكرةٍ

ذكرنا بها سلمَى على النّأي يفرحُ

إذا جئتُها يوماً من الدّهرِ زائراً

تغيَّرَ مغيارٌ من القومِ أكلحُ

فللّهِ عينٌ لا تزالُ لذكرِها على

كلِّ حالٍ تستهلُّ وتسفحُ

وما زالَ عنّي قائدُ الشّوقِ والهوَى

إذا جئتُ حتّى كادَ يبدو فيفصحُ

أصونُ الهوَى من رهبةٍ أنْ تعزَّها

عيونٌ وأعداءٌ من القومِ كشَّحُ

فما برحَ الوجدُ الذي قدْ تلبَّستْ

به النَّفسُ حتّى كادَ لي الشّوقُ يذبحُ

لشتّانَ يومٌ بينَ سجفٍ وكلّةٍ

ومرُّ المطايا تغتدي وتروَّحُ

أعائفنا ماذا تعيفُ وقدْ مضتْ

بوارحُ قدّامَ المطِّي وسنَّحُ

نفيسُ بقيّاتِ النّطافِ على الحصى

وهنَّ على طيِّ الحيازيم جنَّحُ

ويومٍ منَ الجوزاءِ مستوقدِ الحصَى

تكادُ صياصي العينِ منهُ تصيّحُ

شديدِ اللّظَى حامي الوديقة ريحُه

أشدُّ لظىً من شمسِهِ حينَ تصمَحُ

بأغبرَ وهّاجِ السّمومِ ترى بهِ

دفوفُ المهارَى والذّفاريّ تنتحُ

نصبتُ لها وجهِي وعنساً كأنَّها

من الجهدِ والإسادِ قرمٌ ملوَّحُ

ألمْ تعلمِي أنَّ النَّدى من خليقتي

وكلُّ أريبٍ تاجرٍ يتربَّحُ

فلا تصرميني أن ترى ربَّ هجمَةٍ

يريحُ بذمٍّ ما يريحُ ويسرحُ

يراها قليلاً لا تسدُّ قفورهُ

على كلِّ بثٍّ حاضرٍ يتترَّحُ

رأتْ صرمةً للحنظلِيِّ كأنَّها

شظيُّ القنا منها مناقٍ ورزَّحُ

سيكفيكِ والأضيافَ إن نزلُوا بنا

إذا لمْ يكنُ رسلٌ شواءٌ ملوَّحُ

وجامعةٌ لا يجعلُ السّترُ دونها

لأضيافنا والفائزُ المتمنّحُ

ركودٌ تسامى بالمحالِ كأنَّها

شموسٌ تذبُّ القائدين وتضرحُ

إذا ما ترامى الغليُ في حجراتِها

ترى الزَّوْرَ في أرجائها يترجَّحُ

ألمْ ينهَ عنّي أنْ لستُ ظالماً

بريئاً وأنّي للمتاحينَ متيحُ

فمنهمْ رميٌّ قد أصيبَ فؤادهُ

وآخرُ لاقى صكَّةً فمرنَّحُ

بني مالكٍ أمسَى الفرزدقُ جاحراً

سكيتاً وبذَّتهْ خناذيذُ قرَّحُ

لقدْ أحرزَ الغاياتِ قبلَ مجاشعٍ

فوارسُ غرٌّ وابنُ شعرةَ يكدَحُ

وما زالَ منّا سابقٌ قدْ علمتمُ

يقلّدُ قبلَ السّابقينَ ويمدحُ

علتكَ أواذيٌّ من البحرِ فاقتبضْ

بكفَّيكَ فانظرْ أيَّ لجَّيْهِ تقدَحُ

لقومِيَ أوفَى ذمَّةً منْ مجاشعٍ

وخيرٌ إذا شلَّ السَّوامُ المصبَّحُ

تخفُّ موازينُ الخناثي مجاشعٍ

ويثقلُ ميزانِي عليهمْ فيرجحُ

فخرتُ بقيسٍ وافتخرتَ بتغلِبٍ

فسوفَ ترى أيُّ الفريقينِ أربَحُ

فأمّا النَّصارَى العابدونَ صليبهُمْ

فخابُوا وأمّا المسلمونَ فأفلحُوا

ألمْ يأتهمْ أنَّ الأخيطلَ قد هوىَ

وطوَّحَ في مهواةِ قومٍ فطوَّحُوا

تداركَ مسعاةَ الأخيطلِ لؤمُهُ

وظهرٌ كظهرِ القاسطِيّةِ أفطحُ

لنا كلَّ عامٍ جزيةٌ تتَّقي بها

عليكَ وما تلقَى من الذُّلِّ أترَحُ

ومازالَ ممنوعاً لقيسٍ وخندفٍ

حمىً تتوطّاهُ الخنازيرُ أفيحُ

إذا أخذتْ قيسٌ عليكَ وخندفٌ

بأقطارِها لم تدرِ من أينَ تسرَحُ

فما لكَ من نجدٍ حصاةٌ تعدُّها

ومالكَ في غوريْ تهامةَ أبطحُ

لقدْ سلَّ أسيافُ الهذيلِ عليكمُ

رقاقُ النّواحي ليسَ فيهنَّ مصفحُ

وخاضتْ حجولُ الوردِ بالمرجِ منكمُ

دماءً وأفواهُ الخنازيرِ كلَّحُ

لقيتُمْ بأيدي عامرٍ مشرفيَّةً

تغضُّ بهامِ الدّارعينَ وتجرحُ

بمعتركٍ تهوي لوقعِ ظباتِها

خذاريفُ هامٍ أم معاصمُ تطرَحُ

سما لكمْ الجحافُ بالخيلِ عنوَةً

وأنتَ بشطِّ الزّابيينِ تنوَّحُ

عليهمْ مفاضاتُ الحديدِ كأنّها

أضّا يومَ دجنٍ في أجاليدَ صحصحُ

وظلَّ لكمْ يومٌ بسنجارَ فاضحٌ

ويومٌ بأعطانِ الرَّحوبينِ أفضحُ

وضيّعتمُ بالبشرِ عوراتِ نسوةٍ

تكشَّفْ عنهنَّ العباءُ المسيَّحُ

بذلكَ أحمينا البلادَ عليكمُ

فما لكَ في ساحاتها متزحزحُ

أبا مالكٍ مالتْ برأسكَ نشوةٌ

وعرَّدتَ إذ كبشُ الكتيبةِ أملحُ

إذا ما رأيتَ اللّيتَ من تغلبيَّةٍ

فقبِّحَ ذاكَ اللِّيتُ والمتوشَّحُ

ترى محجراً منها إذا ما تنقَّبتْ

قبيحاً وما تحتَ النِّقابينِ أقبحُ

إذا جرِّدتْ لاحَ الصّليبُ على استها

ومن جلدِها زهمُ الخنازيرِ تنفحُ

ولمْ تمسحِ البيتَ العتيقَ بكفِّها

ولكنْ لقربانِ الصَّليبِ تمسَّحُ

يقينَ صباباتٍ من الخمرِ فوقها

صهيرُ خنازيرِ السَّوادِ المُملّحُ

وقال جرير يهجو الفرزدق، ويمدح بني جعفر:

أزرْتَ ديارَ الحيِّ أمْ لا تزورُها

وأنَّى من الحيِّ الجمادِ فدورُها

وهلْ تنفعُ الدّارُ المخيلةُ ذا الهوى

إذا أسننَّ أعرافاً على الدّارِ مورُها

كأنَّ ديارَ الحيِّ من قدمِ البلَى

قراطيسُ رهبانٍ أحالتْ سطورُها

كما ضربتْ في معصمٍ حارثيَّةٌ

يمانيةٌ بالوشمِ باقٍ نؤورُها

تفوتُ الرُّماةَ الوحشَ وهي غريرَةٌ

وتخشى نوارُ الوحشَ ما لا يضيرُها

لئنْ زلَّ يوماً بالفرزدقِ حلمُهُ

وكانَ لقيسٍ حاسداً لا يضيرُها

من الحينِ سقتَ الخورَ خورَ مجاشعٍ

إلى حربِ قيسٍ وهيَ حامٍ سعيرُها

كأنَّكَ يا ابنَ القينِ واهبُ سيفهِ

لأعدائهِ والحربُ تغلي قدُورُها

فلا تأمننَّ الحيَّ قيساً فإنَّهمْ

بنو محصناتٍ لم تدَنَّسْ حجورُها

ميامينُ خطّارونَ يحمونَ نسوةً

مناجيبُ تغلو في قريشٍ مهورُها

ألا إنَّما قيسٌ نجومٌ مضيئةٌ

يشقُّ دجى الظَّلماءِ باللّيلِ نورُها

تعدُّ لقيسٍ من قديمِ فعالِها

بيوتٌ أواسيها طوالٌ وسورُها

فوارسُ قيسٍ يمنعونَ حماهمُ

وفيهمْ جبالُ العزِّ صعباً وعورُها

وقيسٌ همُ قيسُ الأسنَّةِ والقَنا

وقيسٌ حماةُ الحربِ تدمَى نحورُها

سليمٌ وذبيانٌ وعمروٌ وعامرٌ

حصونٌ إلى عزٍّ طويلٌ عمورُها

ألمْ ترَ قيساً لا يضامُ لها حمىً

ويقضي بسلطانٍ عليكَ أميرُها

ملوكٌ وأخوالُ الملوكِ ومنهمُ

عيونُ الحيا يحيي البلادَ مطيرُها

وإنَّ جبالَ العزِّ من آلِ خندفٍ

لقيسٍ فقدْ عزَّتْ وعزَّ نصيرُها

ألم ترَ قيساً حينَ خارتْ مجاشعٌ

تجيرُ ولا تلقَى قبيلاً يجيرُها

بني دارمٍ من ردَّ خيلاً مغيرةً

غداةَ الصَّفا لم ينجُ إلاَّ عشورُها

وردتُمْ على قيسٍ بخورِ مجاشعٍ

فبؤتمْ على ساقٍ بطيءٌ جبورُها

كأنَّهمُ بالشِّعبِ مالتْ عليهمُ

نضادٌ وأجبالُ السّتارِ ونيرُها

لقدْ نذرتْ جدعَ الفرزدقِ جعفرٌ

إذا حزَّ أنفُ القينِ حلَّ نذورُها

ذوو الحجراتِ الشُّمُّ من آلِ جعفرٍ

يسلَّمُ جانِيها ويعطى فقيرُها

حياتهمُ عزٌّ وتبنِي لجعفرٍ

إذا ذكرتْ مجدَ الحياةِ قبورُها

وعردتُمُ عن جعفرٍ يومَ معبدٍ

فأسلمَ والفلحاءُ عان أسيرُها

أتنسونَ يوميْ رحرحانَ وأمُّكمُ

جنيبةُ أفراسٍ يحثُّ بعيرُها

وتذكرُ ما بينَ الضّباب وجعفرٍ

وتنسونَ قتلَى لم تقتَّلْ ثؤورُها

لقد أكرهتْ زرقَ الأسنَّةِ فيكمُ

قرا سمهريّاتٍ قليلٍ فطورُها

فقلَّ غناءً عنكَ في حربِ جعفرٍ

تغنِّيكَ زرّاعاتُها وقصُورُها

إذا لم يكنْ إلاَّ قيونُ مجاشعٍ

حماةً عن الأحسابِ ضاعتْ ثغورُها

ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أخزَى مجاشعاً

إذا ذكرتْ بعدَ البلاءِ أمورُها

بأنَّهمُ لا محرمٌ يتقونهُ

وأنْ لا يفي يوماً بجارٍ مجيرُها

لقد بنيتْ قدماً بيوتُ مجاشعٍ

على الحنثِ حتَّى قدْ أصلّتْ قعورُها

فكمْ فيهمِ منْ سوأةٍ ذاتِ أقرحٍ

تدمَّى وأخرَى قدْ أُتمَّتْ شهورُها

إذا طرقتْ منخوبةٌ من مجاشعٍ

أتى دونَ رأسِ السَّابياءِ خزيرُها

بنو نخباتٍ لا يفونَ بذمَّةٍ

ولا جارةٌ فيهمْ تهابُ ستورُها

ولا تتّقي غبَّ الحديثِ مجاشعٍ

إذا هيَ جاعتْ أو أمدَّتْ أيورُها

وخبثَ حوضَ الخور خورِ مجاشعٍ

رواحُ المخازي نحوَها وبكورُها

أفخراً إذا رأيتْ وطابُ مجاشعٍ

وجاءتْ بتمرٍ من حوارينَ عيرُها

بني عشرٍ لا نبعَ فيهِ وخروعٍ

وزنداهُمُ أثلٌ تناوحَ خورُها

ويكفي خزيرُ المرجلينَ مجاشعاً

إذا ما السَّرايا حثَّ ركضاً مغيرُها

لقد علمَ الأقوامُ أنَّ مجاشعاً

إذا عرفتْ بالمخزي قلَّ نكيرُها

ولا يعصمُ الجيرانَ عقدُ مجاشعٍ

إذا الحربُ لم يرجعْ بصلحٍ سفيرُها

أفي كلَّ يومٍ تستجيرُ مجاشعٌ

تفرُّقَ نبلِ العبدِ قلَّ جفيرُها

تفلَّقَ عنْ أنفِ الفرزدقِ عاردٌ

له فضلاتٌ لم تجدْ من يقورُها

وأبرأتُ من أمِّ الفرزدَقِ ناخساً

وقردُ استِها بعدَ المنامِ تثيرُها

وفقّأ عينيْ غالبٍ عندَ كيرهِ

نوادِي شرارِ القينِ حينَ يطيرُها

وداويتُ من عرِّ الفرزدقِ نقبةً

بنفطٍ فأمستْ لا يخافُ نشورُها

وأنهلتُهُ بالسُّمِّ ثمَّ عللتُهُ

بكأسٍ من الذّيفانِ مرٍّ عصيرُها

وآبَ إلى الأقيانِ ألأمُ وافدٍ

إذا حلَّ عن ظهرِ النّجيبةِ كورُها

أيوماً لماخورِ الفرزدقِ خزيةٌ

ويوماً زوانِي بابلٍ وخمورُها

إذا ما شربتَ البابليَّةَ لم تبلْ

حياءً ولا يسقى عفيفاً عصيرُها

تشبِّه من عاداتِ أمِّكَ سيرَةً

بحبليكَ والمرقاةُ صعبٌ حدورُها

ومازلتَ لم تعقدْ حفاظاً ولا حجىً

ولكنْ مواخيراً تؤدَّى أجورُها

أثرتُ عليكَ المخزياتِ ولمْ يكنْ

ليعدَمَ جاني سوأةٍ من يثيرُها

وتمدحُ سعداً لا عدمتَ ومنقراً

لدى حرملِ السِّيدانِ يحبُو عقيُرها

وردَّتْ على عاسِي العروقِ ولمْ يكنْ

ليسقيَ أفواهَ العروقِ درورُها

دعتْ أمّكَ العمياءُ ليلةَ منقرٍ

ثبوراً لقدْ ذلَّتْ وذلَّ ثبورُها

أشاعتْ بنجدٍ للفرزدقِ خزيةً

وغارتْ جبالَ الغورِ فيمنْ يغورُها

لعمركَ ما تنسَى فتاةُ مجاشعٍ

ولا ذمَّةٌ غرَّ الزُّبيرَ غرورُها

يلجِّجُ أصحابُ السَّفينِ بغدرِكم

وخوصٌ على مرّانَ يجري ضفورُها

تراغيتُمُ يومَ الزّبيرِ كأنكُمْ

ضباعٌ أصلَّتْ في مغارٍ جعورُها

ولو كنتَ منّا ما تقسَّمَ جاركُمْ

سباعٌ وطيرٌ لمْ تجدْ منْ يطيرُها

ولو نحنُ عاقدْنا الزٌّبيرَ لقيتهُ

مكانَ أنوقٍ لا تنالُ وكورُها

تدافعُ يوماً عن تميمٍ فوارسِي

إذا الحربُ أبدَى حدَّ نابٍ هريرُها

فمنْ مبلغٌ عنّي تميماً رسالةً

علانيةً والنَّفسُ نصحٌ ضميرُها

عطفتُ عليكمْ ودَّ قيسٍ ولمْ يكنْ

لهمْ بدلاً أقيانُ ليلى وكيرُها

وقال جريرٌ يجيب الفرزدق عن فائيته:

ألا أيُّها القلبُ الطَّرُوبُ المكلَّفُ

أفقْ ربَّما ينأى هواكَ ويسعفُ

ظللتَ وقدْ خبّرتَ أنْ ليسَ جازعاً

لربعٍ بسلمانينَ عينكَ تذرفُ

وتزعمُ أنَّ البينَ لا يشعفُ الفتَى

بلى مثلُ بيني يومَ لبنانَ يشعفُ

وطالَ حذارِي غربةَ البينِ والنّوى

وأحدوثةً من كاشحٍ يتقوَّفُ

ولو علمتْ علمِي أمامَهُ كذَّبتْ

مقالةَ منْ يبغَى عليهِ ويعنفُ

بأهلِي أهلُ الدّارِ إذ يسكُنونَها

وجادكَ من دارٍ ربيعٌ وصيِّفُ

سمعتُ الحمامَ الورقَ في رونقِ الضُّحى

على السِّدرِ من وادِي المراضينِ تهتفُ

نظرتُ ورائِي نظرةً قادَها الهوَى

وألحِي المهارى يومَ عسفانَ ترجفُ

ترى العرمسَ الوجناءَ يدمَى أظلُّها

وتحذَى نعالاً والمناسمُ ترعفُ

مددْنا لذاتِ البغيِ حتّى تقطعتْ

أزابيُّها والشَّدقميُّ المعلَّفُ

ذرحنَ حصَى المعزاءِ حتَّى عيونُها

مهجَّجةٌ أحناؤهنَّ وذرَّفُ

كأنَّ دياراً بينَ أسنمَةِ النَّقا

وبينَ هذاليلِ النحيزةِ مصحفُ

فلستُ بناسٍ ما تغنَّتْ حمامةٌ

ولا ما ثوى بينَ الجناحينِ رفرفُ

دياراُ من الحيِّ الذينَ نحبُّهُمْ

زمانَ القرَى والصَّارخُ المتلهِّفُ

همُ الحيُّ يربوعٌ تعادَى جيادُهمْ

على الثَّغرِ والكافونَ ما يتخوَّفُ

عليهمْ من الماذيِّ كلُّ مفاضةٍ

دلاصٍ لها ذيلٌ حصينٌ ورفرَفُ

ولا يستوي عقرُ الكزومِ بصوارٍ

وذو التاج تحتَ الرّايةِ المتسّيفُ

ومولى تميمٍ حينَ يأوي إليهمِ

وإنْ كانَ فيهمْ ثروةُ العزِّ منصفُ

وما شهدتْ يومَ الإيادِ مجاشعٌ

وذا نجبٍ يومَ الأسنّةِ ترعفُ

فوارسُنا الحوّاطُ والسّرحُ دونهمْ

وأردافُنا المحبوُّ والمتنصَّفُ

لقدْ مدَّ للقينِ الرِّهانِ فردَّهُ

عنْ المجدِ عرقٌ من قفيرةَ مقرفُ

لحا اللهُ من ينبُو الحسامُ بكفِّهِ

ومن هو للماخورِ في الحجلِ يرسفُ

ترفّقتَ بالكرينِ قينَ مجاشعٍ

وأنتَ بهزِّ المشرفيّةِ أعنفُ

وتنكِرُ هزَّ المشرفِيَّ يمينُهُ

ويعرفُ كفّيهِ الإناءُ المكتَّفُ

ولو كنتَ منّا يا ابنَ شعرةَ ما نبا

بكفَّيكَ مصقولُ الحديدةِ مرهَفُ

عرفتمْ لنا الغرَّ السَّوابقَ قبلكُمْ

وكانَ لقينيكَ السُّكيتُ المخلَّفُ

نعضّ الملوكَ الدّارعينَ سيوفَنا

ودفُّكَ من نفاخةِ الكيرِ أجنفُ

ألمْ ترَ أنَّ الله أخزَى مجاشعاً

إذا ضمَّ أفواجَ الحجيجِ المعرّفُ

فيومَ منىً نادتْ قريشٌ بغدرِهمْ

ويومَ الهدايا في المشاعرِ عكَّفُ

ويبغضُ سترُ البيتِ آل مجاشعٍ

وحجّابُهُ والعابدُ المتطوّفُ

فكانَ حديثُ الرّكبِ غدرَ مجاشعٍ

إذا أنجدُوا من نخلتينِ وأوجفُوا

وإنَّ الحواريَّ الذي غرَّ حبلكُمْ

له البدرُ كابٍ والكواكبُ كسَّفُ

ولو في بني سعدٍ نزلتَ لما عصتْ

عواندُ من جوفِ الحواريِّ نزَّفُ

فهلاً نهيتمْ يا بني زبدِ استِها

نسوراً رأتْ أوصالهُ فهيَ عكّفُ

فلستَ بوافٍ بالزُّبيرِ ورحلِهِ

ولا أنتَ بالسّيدانِ بالحقِّ تنصفُ

بنو منقرٍ جرُّوا فتاةَ مجاشعٍ

وشدَّ ابن ذيَّالٍ وخيلكَ وقَّفُ

وهمْ رجعُوها مسحرينَ كأنَّما

بجعثنَ من حمَّى المدينةِ قفقفُ

وقد علم الأقوامُ أنَّ فتاتهمْ

أذلَّتْ ردافاً كلَّ حالٍ تصرَّفُ

فباتتْ تنادي غالباً وكأنَّما

على الرَّضفِ من جمرِ الكوانينِ ترضفُ

وتحلفُ ما أدموا لجعثنَ مثبراً

ويشهدُ حوقُ المنقريِّ المجوَّفُ

وقد سلخُوا بالدّعسِ جلدَ عجانِها

فما كادَ قرفٌ باستِها يتقرَّفُ

لجعثنَ بالسّيدانِ قدْ تعلمُونَه

مساحجُ فيها لا تبيدُ ومزحفُ

على حفرِ السّيدانِ باتتْ كأنَّها

سفينةُ ملاَّحٍ تقادُ وتجذفُ

وما قصدتْ في عقرِ جعثنَ منقرٌ

ولكنْ تعدُّو في النّكاحِ وأسرفوا

وقدْ كانَ فيما سالَ من عرقِ استِها

بيانٌ ورضفُ الرُّكبتينِ المجلَّفُ

وقدْ تركُوا بنتَ القيونِ كأنَّما

بقيّةُ ما أبقَوا وجارٌ مجوَّفُ

بني مالكٍ أمسَى الفرزدقُ عابداً

وجعثنُ باتتْ بالنآطلِ تدلفُ

وباتتْ ردافَى منقرٍ يركضونَها

فضيَّعَ فيهمْ عقرَها المتردِّفُ

لحا اللهُ ليلى عرسَ صعصعةَ التِي

تحبُّ بشارَ القينِ والقينُ أقلفُ

وإنّي لتبتزُّ الملوكَ فوارسي

إذا غرَّكمُ ذو المرجلِ المتجخَّفُ

ألمْ ترَ تيمٌ كيفَ أرمِي مجاشِعاً

شديدُ حبالُ المنجنيقينِ مقذفُ

عجبتُ لصهرٍ ساقكمُ آل درهمٍ

إلى صهرِ أقوامٍ تلام وتصلفُ

لئيمانِ هذا يدَّعيها ابن درهمٍ

وهذا ابن قينٍ جلدُهُ يتوسَّفُ

وما منعَ الأقيانُ عقرَ فتاتِهمِ

ولا جارَهمْ والحرَّ من ذاكَ يأنفُ

أتمدحُ سعداً حينَ جرَّتْ مجاشعٌ

عقيرةَ سعدٍ والخباءُ المكشَّفُ

نفاكَ حجيجُ البيتِ عن كلِّ مشعرٍ

كما ردَّ ذو النوميّتينِ المزيَّفُ

وما زلتَ موقوفاً على كلِّ سوأةٍ

وأنتَ بدارِ المخزياتِ موقَّفُ

ألؤماً وإقراراً على كلِّ سوأةٍ

فما للمخازي عنْ قفيرةَ مصرَفُ

وما يحمدُ الأضيافُ رفدَ مجاشعٍ

إذا روّحتْ حنّانةُ الرِّيح حرجفُ

إذا الشولُ راحتْ والقريعُ أمامَها

وهنَّ ضئيلاتُ العرائكِ شسَّفُ

وأنتمْ بنو الخوّارِ يعرفُ ضربُهُ

وأمُّكمُ فخٍّ قذامٌ وخيضفُ

وقائلةٍ ما للفرزدقِ لا يرى

عن السِّن يستغنى ولا يتعفَّفُ

يقولونَ كلاَّ ليسَ للقينِ غالبٌ

بلى إنَّ ضربَ القينِ للقينِ يعرفُ

ولمّا رأوا عينيْ جبيرٍ لغالبٍ

أبانَ جبيرُ الرِّبيةَ المتقرِّفُ

أخو اللؤمِ ما دامَ الغضا عندَ عجلزٍ

وما دامَ يسقى في رمادانَ أحقفُ

إذا ذقتَ منِّي طعمَ حربٍ مريرةٍ

عطفتُ عليكَ الحربَ والحربُ تعطفُ

أتعدلُ كهفاً لا ترامُ حصونُهُ

بهارِي المراقي جولهُ يتقصَّفُ

يحوطُ تميمٌ من يحوطُ حماهمُ

ويحمي تميماً من لهُ ذاكَ يعرفُ

أنا ابنُ بني سعدٍ وعمروٍ ومالكٍ

أنا ابنُ تميمٍ لا وشيظٍ تخلَّفوا

إذا خطرتْ عمروٌ ورائي وأصبحتْ

قرومُ بنِي زيدٍ تسامَى وتصرفُ

ولمْ أنسَ من سعدٍ بقصوانَ مشهداً

أو الأدمى ما دامتِ العينُ تطرِفُ

وسعدٌ إذا صاحَ العدوُّ بسرحِهمْ

أبوا أنْ يهدُّوا للصّياحِ فأزحفُوا

ديارُ بني سعدٍ ولا سعدَ بعدهمْ

عفتْ غيرَ أنقاءٍ بيبرين تعزفُ

إذا نزلتْ أسلافُ سعدٍ بلادَها

وأثقالُ سعدٍ ظلَّتِ الأرضُ ترجفُ

وقال جريرٌ للفرزدق:

ألمْ ترَ أنَّ الجهلَ أقصرَ باطلُهْ

وأمسَى عماءً قدْ تجلَّتْ مخايلُهْ

أجنُّ الهوى أمْ طائرُ البينِ شفِّني

بجمدِ الصّفا تنعابه ومحاجلُهْ

لعلَّكَ محزونٌ لعرفانِ منزلٍ

محيلٍ بوادي القريتينِ منازلُهْ

وإنَّ ولو لامَ العواذلُ مولعٌ

بحبِّ الغضا من حبِّ منْ لا يزايلُهْ

وذا مرخٍ أحببتُ من حبِّ أهلِهِ

وحيثُ انتهتْ في الرَّوضتينِ مسايلهْ

أتنسَى لطولِ العهدِ أمْ أنتَ ذاكرٌ

خليلكَ ذا الوصلِ الكريمِ شمائلهْ

لحبَّ بنارٍ أوقدتْ بينَ محلبٍ

وفردةَ لو يدنُو من الحبلِ واصلُهْ

وقدْ كانَ أحياناً بي الشَّوقُ مولعاً

إذا الطَّرفُ الظّعّانُ ردّتْ حمائلُهْ

فلمّا التقى الحيّانِ ألقيتِ العصا

وماتَ الهوى لمّا أصيبتْ مقاتلُهْ

لقد طالَ كتمانِي أمامةَ حبَّها

فهذا أوانُ الحبِّ تبدو شواكلُهْ

إذا حلِّيتْ فالحليُ منها بمعقدٍ

مليحٍ وإلاّ لم يشنْها معاطلُهْ

وقال اللّواتي كنَّ قبلُ يلمننِي

لعلَّ الهوى يومَ المغيزلِ قاتلهْ

وقلنَ تروَّحْ لا تكنْ لكَ حاجةً

وقلبكَ لا تشغلْ وهنَّ شواغلُهْ

ويومٍ كإبهامِ القطاةِ مزيَّنٍ

إليَّ صباهُ غالبٍ ليَ باطلهْ

لهوتُ بجنّيِّ عليهِ سموطُهُ

وإنسٌ مجاليهِ وأنسٌ شمائلُهْ

فما مغزلٌ أدماءُ تحنُو لشادنٍ

كطوقِ الفتاةِ لم تشدّدْ مفاصلهْ

بأحسنَ منْها يومَ قالتْ أناظرٌ

إلى الليلِ بعدَ النَّيلِ أمْ أنتَ عاجلهْ

فلو كانَ هذا الحبُّ حبّاً سلوتُه

ولكنَّه داءٌ تعودُ عقابلُهْ

ولمْ أنسَ يوماً بالعقيقِ تخايلتْ

ضحاهُ وطابتْ بالعشِيِّ أصائلُهْ

رُزِقنا به الصَّيدَ الغزيرَ ولم نكنْ

كمنْ نبلهُ محرومةٌ وحبائلهْ

ثواني أجيادٍ ويودعنَ من صحا

ومن بثه عن حاجةِ اللّهوِ شاغلُهْ

فأيهاتَ أيهاتَ العقيقُ ومن بهِ

وهيهاتَ وصلٌ بالعقيقِ نواصلهْ

لنا حاجةٌ فانظر وراءكَ هل ترَى

بروضِ القطا الحيَّ المروّحَ جاملهْ

رعانُ أجاً مثلُ الفوالج دونهمْ

ورملٌ خبتْ أنقاؤُهُ وخمائلُهْ

رددنا لشعثاءَ الرَّسولَ ولا أرى

كشعثاءَ يومَ البينِ ردَّتْ رسائلُهْ

فلو كنتَ عندِي يومَ قوٍّ عذرتنِي

بيومٍ زهتني جنُّهُ وأخابلُهُ

يقلنَ إذا ما حلَّ دينكَ عندَنا

وخيرُ الذي يقضي من الدَّينِ عاجلهْ

لكَ الخيرُ لا نقضيكَ إلاَّ نسيئةً

من الدَّينِ أو عرضاً فهلْ أنتَ قابلهْ

أمنْ ذكرِ ليلى والرُّسومِ التي خلتْ

بنعفِ المنقّى راجعَ القلبَ خابلُهْ

عشيَّةَ بعنا الحلمَ بالجهلِ وانتحَى

بنا أريحيّاتُ الصّبا وشمائلُهْ

وذلكَ يومٌ خيرهُ دونَ شرِّهِ

تغيَّبَ واشيهِ وأقصرَ عاذلُهْ

وخرقٍ من الموماةِ أزور لا تُرى

من البعدِ إلا بعدَ خمسٍ مناهلُهْ

قطعتُ بشجعاءِ الفؤادِ نجيبةٍ

مروحٍ إذا ما النِّسعُ غرّزَ فاضلهْ

وقدْ قلَّصتْ عن منزلٍ غادرتْ بهِ

من اللّيلِ جوناً لم تفرَجْ غياطلُهْ

وأجلادَ مضعوفٍ كأنَّ عظامَهُ

عروقُ الرّخامى لم تشدَّدْ مفاصلهْ

ويدمَى أظلاَّها على كلِّ حرَّةٍ

إذا استعرضتْ منها حزيزاً مناقلهْ

أنخنا فسبَّحنا ونوّرتِ السُّرَى

بأعرافِ وردِ اللّونِ بلقٍ شواكلهْ

وأنصبُ وجهِي للسَّمومِ ودونَهُ

شماطيطُ عرضيِّ تطيرُ رعابلُهْ

لنا إبلٌ لم تستجرْ غيرَ قومِها

وغيرَ القنا صمّاً تهزُّ عواملهْ

رعتْ منبتَ الضمرانِ من سبلِ المعا

إلى صلبِ أعيارٍ ترنُّ مساحلهْ

سقتْها الثُّريّا ديمةً واستقتْ بها

غروبُ سماكيٍّ تهلَّلَ وابلهْ

ترى لحبيّيهِ رباباً كأنَّهُ غوادِي

نعامٍ ينفضُ الزّفّ جافلهْ

تراعي مطافيلَ المها ويروعها

ذبابُ النّدى تغريدهُ وصواهلُهْ

إذا حاولَ النّاسُ الشُّؤونَ وغادروا

زلازلَ أمرٍ لم ترُعها زلازلُهْ

تبيحُ لنا عمروٌ وحنظلةُ الحمى

ويدفعُ ركنُ الفزرِ عنها وكاهلُهْ

بني مالكٍ وكانَ للقومِ معقلاً

إذا نظرَ المكروبُ أينَ معاقلُهْ

بذي نجبٍ ذُدنا وآكلَ مالكٌ

أخاً لمْ يكنْ عندَ الطّعانِ يواكلهْ

أقمنا بما بينَ الشّرّبةِ فالملا

يغنّي ابنَ ذي الجدَّينِ فينا سلاسلهْ

ونحنُ صبحنا الموتَ بشراً ورهطهُ

صراحاً وجادَ ابني هجيمةَ وابُلهْ

ألا تسألونَ النّاسَ من ينهلُ القَنا

ومنْ يمنعُ الثَّغرَ المخوفَ تلاتلُهْ

لنا كلُّ مشبوبٍ يروَّى بكفِّهِ

جناحا سنانٍ ديلمِّيٍّ وعاملُهْ

يقلّصُ بالفضلينِ فضلِ مفاضةٍ

وفضلِ نجادٍ لمْ تقطَّعْ حمائلُهْ

وعمّي رئيسُ الدّهمِ يومَ قراقرٍ

فكان لنا مرباعهُ ونوافلُهْ

وكانَ لنا خرجٌ مقيمٌ عليهمِ

وأسلابُ جبّارِ الملوكِ وجامِلُهْ

ودهمٍ كجنحُ اللّيلِ زرنا به العدَى

لهُ عثيرٌ ممّا تثيرُ قنابلُهْ

إذا سوَّموا لم تمنعِ الأرضُ منهمُ

حريداً ولم تحرزْ حريزاً معاقلُهْ

نحوطُ الحمَى والخيلُ عاديةٌ بنا

كما ضربتْ في يوم طلٍّ أجادِلُهْ

أغرَّكَ أنْ قيلَ الفرزدقُ مرّةً

وذو السَّنِّ يخصى بعدما شقَّ بازلُهْ

فإنَّكَ قدْ جاريتَ لا متكلّفاً

ولا شنجاً يومَ الرِّهانِ أباجلُهْ

أنا البدرُ يغشَى طرفَ عينيكَ فالتمسْ

بكفِّكَ يا ابنَ القينِ من أنتَ نائلهْ

لبستُ أداتِي والفرزدقُ لعبةٌ

عليهِ وشاحا كرَّجٍ وخلاخلُهْ

أعدُّوا مع الحليٍ الملابَ فإنَّما

جريرٌ لكمْ بعلٌ وأنتمْ حلائلُهْ

وأعطُوا كما أعطتْ عوان حليلَها

أقرَّتْ لبعلٍ بعدَ بعلٍ تراسلُهْ

أنا الدّهرُ يفنِي الموتَ والموتُ خالدٌ

فجئني بمثلِ الدَّهرِ شيئاً يطاولُهْ

أمنْ سفهِ الأحلامِ جاؤوا بقردهمْ

إليَّ وما قردٌ لقرمٍ يصاولهْ

تغمَّدهُ آذيُّ بحري فغمَّهُ

وألقاهُ في الحوتِ فالحوتُ آكلهْ

فإنْ كنتَ يا ابنَ القينِ رائمَ عزّنا

فرمْ حضناً فانظر متى أنتَ ناقلهْ

بنى الخطفى حتَّى رضينا بما بنى

فهل أنت إنْ لم يرضكَ القينُ قاتلُهْ

بنينا بناءً لن تنالوا فروعهُ

وهدَّمَ أعلى ما بنيتمْ أسافلهْ

وما بكَ ردٌّ للأوابدِ بعدَما

سبقنَ كسبقِ السيفِ ما قالَ عاذلُهْ

ستلقَى ذباباً طائفاً كانَ يتَّقَى

ويقطعُ أضعافَ المنونِ أخائلُهْ

وما هجمَ الأقوامُ بيتاً ببيتهمْ

ولا القينُ عن دارِ المذلَّةِ ناقلهْ

وما نحنُ أعطينا أسيدةَ حكمَها

لعانٍ أعضَّتْ في الحديدِ سلاسلُهْ

ولسنا بذبحِ الجيشِ يومَ أوارَةٍ

ولمْ يستبحنا عامرٌ وقبائلُهْ

عرفتمْ بني عبسٍ عشيَّةَ أقرنٍ

فخلِّيَ للجيشِ اللّواءُ وحاملُهْ

وعمرانُ يومَ الأقرعينِ كأنَّما

أناخَ بذي قرطينِ خرسٍ جلاجلُهْ

ولم يبقَ في سيفِ الفرزدقِ محملٌ

وفي سيفِ ذكوانِ بن عمروٍ حمائلُهْ

هو القينُ يدنِي الكيرَ من صدإ استهِ

ويعرفُ مسَّ الكلبتينِ أناملُهْ

ويرضعُ من لاقى وإن يلقَ مقعداً

يقودُ بأعمى فالفرزدقُ سائلهْ

إذا وضعَ السّربالَ قالتْ مجاشعٌ

له منكبا حوضِ الحمارِ وكاهلُهْ

وأنت ابن منخوبيّةٍ منْ مجاشعٍ

تخضخضُ من ماء القيونِ مفاصلُهْ

على حفرِ السّيدانِ لاقيتَ خزيةً

ويومَ الرَّحا لمْ ينقِ ثوبكَ غاسلُهْ

وقدْ نوَّختْها منقرٌ قد علمتُمُ

بمعتلجِ الدّأيينِ شعرٌ كلاكلُهْ

يفرّجُ عمرانُ بن مرّةَ كينها

وينزو نزاءَ العيرِ أعلقَ حابلُهْ

أصعصعَ ما بالُ ادّعائكَ غالباً

وقدْ عرفتْ عيني جبيرٍ قبائلهْ

أصعصعَ أينَ السَّيفُ عن متشمّسٍ

غيورٍ أربَّتْ بالقيونِ حلائلُهْ

وتزعمُ ليلى من جبيرٍ بريئةٌ

وقدْ ضهلتْ في رحمِ ليلى ضواهلهْ

وزاولَ فيها القينُ محبوكةَ القفا

كما زاولَ الكردوسَ في القدرِ ناشلهْ

أحارثُ خذْ من شئتَ منّا ومنهمْ

ودعنا نقسْ مجداً تعدُّ فواضلهْ

فما في كتابِ اللهِ تهديمُ دارِنا

بتهديمِ ماخورٍ خبيثٍ مداخلُهْ

وفي مخدعٍ منهُ نوارُ وشربُها

وفي مخدعٍ وأكيارُهُ ومراجلُهْ

يميل به شربُ الحوانيتِ رائحاً

إذا حرّكتْ أوتارَ صنجٍ أناملُهْ

ولستَ بذي درءٍ ولا ذي أرومَةٍ

وما تعطَ من ضيمٍ فإنَّكَ قابلُهْ

جزعتمْ إلى صنّاجةٍ هرويّةٍ

على حينِ لا يأتي مع الجدِّ باطلهْ

إذا صقلُوا سيفاً ضربنا بنصلِهِ

وعادَ إلينا جفنهُ وحمائلُهْ

وقال جرير للبعيث وللفرزدق:

ذكرتَ وصالَ البيضِ والشَّيبُ شائعُ

ودارُ الصّبا من عهدهنَّ بلاقعُ

أشتَّتْ عمادَ البينِ واختلفَ الهوَى

ليقطعَ ما بينَ القرينينِ قاطعُ

لعلّكَ يوماً أن تساعفكَ الهوَى

فيجمعَ شعبي طيّةٍ لكَ جامعُ

أخالدُ ما من حاجةٍ ينبري لنا

بذكراكِ إلاَّ ارفضَّ منّي المدامعُ

وأقرضتُ ليلى الودَّ ثمَّتَ لم تردْ

لتجزيَ قرضِي والقروضُ ودائعُ

سمتْ لكَ منها حاجةٌ يومَ ثهمَدٍ

ومذعا وأعناقُ المطِيّ خواضعُ

يسمنَ كما سامَ المنيحانِ أقدُحاً

نحاهنَّ من شيبانَ سمحٌ مخالعُ

فهلاَّ اثقيت الله إذا رعت محرماً

سرى ثم ألقى رحله فهو هاجعُ

ومن دونِهِ تيهٌ كأنَّ شخاصَها

يحلنَ بأمثالٍ فهنَّ شوافعُ

تحنُّ قلوصي بعدَ هدءٍ وشاقَها

وميضٌ على ذاتِ السَّلاسلِ لامعُ

فقلتُ لها حنّي رويداً فإنَّني

إلى أهلِ نجدٍ من تهامةَ نازعُ

تفيّضُ فراها بجونٍ كأنَّهُ

كحيلٌ جرى من قنفذ اللّيتِ نابعُ

ألا حييّا الأعرافَ من منبتِ الغضا

وحيثُ حبا حولَ الصَّريفِ الأجارعُ

سلمتَ وجادتكَ الغيوثُ الرّوابعُ

فإنَّكَ وادٍ للأحبَّةِ جامعُ

أتنسينَ ما نسرِي لحبِّ لقائكمْ

وتهجيرنا والبيدُ غبرٌ خواضعُ

أتنسينَ ما نسري لحبِّ لقائكمْ

وتهجيرَنا والبيدُ غبرٌ خواضعُ

بني القين لاقيتمْ شجاعاً بهضبةٍ

ربيبَ جبالٍ تتَّقيهِ الأشاجعُ

ولمّا رأيتُ النّاسَ هرّتْ كلابهُمْ

تشيّعتُ إذْ لم يحمِ إلاَّ المشايعُ

وجهّزتُ في الأفاقِ كلَّ قصيدَةٍ

شرودٍ ورودٍ كلَّ ركبٍ تنازعُ

يجزنَ إلى نجرانَ من كانَ دونَهُ

ويظهرنَ في نجدٍ وهنَّ صوادعُ

تعرَّضُ أمثالَ القوافِي كأنَّها

نجائبُ تعلُو مربداً فتطالِعُ

أجئتمْ تبغَّونَ العرامَ فعندَنا

عرامٌ لمن يبغِي العرامةَ واسعُ

تشمَّسُ يربُوعٌ ورائيَ بالقَنا

وعادَتُنا الإقدامُ يومَ نقارعُ

لنا جبلٌ صعبٌ عليهِ مهابةٌ

منيعُ الذرَى في الخندفيّينَ فارعُ

وفي الحيِّ يربوعٌ إذا ما تشمَّسوا

وفي الهندُوانيّاتِ للضيمِ مانعُ

لنا في بني سعدٍ جبالٌ حصينةٌ

ومنتفدٌ في باحةِ العزِّ واسعُ

وتبذخُ من سعدٍ قرومٌ بمفرعٍ

لهمْ عندَ أبوابِ الملوك تدافعُ

لسعدٍ ذرَى عاديَّةٍ يهتدَي بها

ودرءٌ على من يبتغي الدَّرءَ ضالعُ

وإنَّ حمىً لمْ يحمهِ غير فرتنا

وغيرُ ابن ذي الكيرين خزيانُ ضائعُ

رأتْ مالكٌ نبلَ الفرزدق قصَّرتْ

عن المجدِ إذ لا يأتلِي الغلوَ نازعُ

تعرَّضَ حتَّى أثبتتْ بينَ خطمِهِ

وبينَ مخطِّ الحاجبينِ القوارعُ

أرى الشّيبَ في رأسِ الفرزدقِ قد علا

لهازمَ قردٍ رنَّحتْهُ الصّواقعُ

وأنتَ ابنَ قينٍ يا فرزدقُ فازدهِرْ

بكيركَ إنَّ الكيرَ للقينِ نافعُ

فإنْ تكُ إنْ تنفخْ بكيركَ تلقَنا

نعدَّ القنا والخيلَ يومَ نقارعُ

وأمّا بنو سعدٍ فلوْ قلتَ أنصتُوا

لتنشدَ فيهم حزَّ أنفكَ جادعُ

رأيتكَ إنْ لمْ يغنكَ اللهُ بالغنى

لجأتَ إلى قيسٍ وخدُّكَ ضارعُ

وما ذاكَ إنْ أعطى الفرزدقُ باستهِ

بأوَّلِ ثغرٍ ضيَّعتهُ مجاشعُ

ألا إنَّما مجدُ الفرزدقِ كيرهُ

وذخرٌ لهُ في الجنبتين قعاقعُ

يقولُ لليلى قينُ صعصعةَ اشفعي

وفيما وراءَ الكير للقينِ شافعُ

لعمرِي لقدْ كانتْ قفيرةُ بيَّنتْ

وشعرةُ في عينيكَ إذ أنتَ يافعُ

يبيّنُ في عينيكَ من حمرةِ استِها

بروقٌ ومصفرٌّ من اللَّونِ فاقعُ

إذا سفرتْ يوماً نساءُ مجاشعٍ

بدتْ سوأةٌ ممّا تجنُّ البراقعُ

مناخرُ سافتْها القيونُ كأنَّها

أنوفُ خنازيرِ السَّوادِ القوابعُ

مباشيمُ عن غبِّ الخزيرِ كأنَّما

يصوِّتُ في أعفاجهنَّ الضَّفادعُ

لقدْ قوستْ أمُّ البعيثِ وأتعبتْ

على الزَّفرِ حتّى شنَّجتْها الأخادعُ

صبورٍ على عضِّ الهوانِ إذا شتتْ

وإنْ جاءَ صيفٌ تبتغي من تباضعُ

وقدْ علمتْ غيرَ الفياشِ مجاشعٌ

إلى من تصيرُ الخافقاتُ اللّوامعُ

لنا جانبا مجدٍ فبانٍ لنا العلَى

وحامٍ إذا احمرَّ القنا والأشاجعُ

أتعدَلُ أحسابٌ كرامٌ حماتُها

بأحسابكُم إنِّي إلى اللهِ راجعُ

لقومِي أحمَى في الحقيقةِ منكمُ

وأضربُ للجبّارِ والنَّقعُ ساطِعُ

وأوثقُ عندَ المردفاتِ عشيّةً

لحاقاً إذا ما جرَّدَ السَّيفَ لامعُ

وأمنعُ جيراناً وأحمدُ للقرى

إذا اغبرَّ في المحلِ النجومُ الطّوالعُ

وسامٍ بدهمٍ غيرِ منتقضِ القوى

رئيسٍ سلبنا بزَّةُ وهو وادعُ

ندسْنا أبا مندوسةَ القينَ بالقنا

ومارَ دمٌ من جارِ بيبةَ ناقعُ

ونحنُ نفرنا حاجباً مجدَ قومِهِ

وما نالَ عمروٌ مجدَنا والأقارعُ

ونحنُ صدعْنا هامةَ ابنِ محرِّقٍ

فما رقأتْ بعدَ العيونِ الدَّوامعُ

وما ماتَ قومٌ ضامنينَ لنا دماً

فيوفينا إلاَّ دماءٌ شوافعُ

بمرهفةٍ بيضٍ إذا هي جرِّدَتْ

تألَّقَ فيهنَّ المنايا الكوامعُ

لقدْ كانَ يا أولادَ جخجخ فيكمُ

محوَّلُ رحلٍ للزُّبيرِ ومانعُ

وقد كانَ في يومٍ الحوارِي جاركمْ

أحاديثُ صمَّتْ من ثناها المسامعُ

وبتُّمْ تعشّونَ الخزيرَ كأنَّكمْ

مطلَّقةٌ حيناً وحيناً تراجعُ

يقبِّحُ جبريلٌ وجوهَ مجاشعٍ

وتنعَى الحواريَّ النجومُ الطّوالعُ

إذا قيلَ أيُّ النّاسِ شرٌّ قبيلةً

وأعظمُ عاراً قيلَ تلكَ مجاشعُ

بني ضمضمِ السوءاتِ لمّا أقادكُمْ

نبيهُ استِها سدَّتْ عليكَ المطالعُ

فأصبحَ عوفٌ كالسِّنانِ وأصبحتْ

تقيسُ جشاءاتِ الخزيرِ مجاشعُ

ولا سلمتْ منها حويَّ ولا نجتْ

فروجُ البغايا ضمضمٌ والصّعاصعُ

ندمتَ على يومِ السِّباقينِ بعدَما

وهيتَ فلم يوجدْ لوهيكَ راقعُ

فما أنتمُ بالقومِ يومَ افتديتمُ

به عنوةً والسَّمهريُّ شوارعُ

وقال جرير يرد على الفرزدق، ويهجو آل الزبرقان بن بدرٍ ويخصُّ عياشاً وأخوته بني الزبرقان:

أمنْ عهدِ ذي عهدٍ تفيضُ مدامعي

كأنَّ قذى العينينِ من حبِّ فلفلِ

فإن يرَ سلمَى الجنُّ يستأنسوا بها

وإن يرَ سلمَى راهبُ الطُّورِ ينزلِ

من البيضِ لم تظعنْ بعيداً ولم تطأ

على الأرض إلاَّ نيرَ مرطٍ مرحَّلِ

إذا ما مشتْ لمَّ تنتهزْ وتأوَّدتْ

كما انآدَ من خيلٍ وجٍ غيرُ منعلِ

كما مالَ فضلُ الجلِّ عن متنِ عائذٍ

أطافتْ بمهرٍ في رباطٍ مطوَّلِ

لها مثلُ لونِ البدرِ في ليلةِ الدُّجَى

وريحُ الخزامَى في دماثٍ مسيَّلِ

أإنْ شبَّ قينٌ وابنُ قينٍ غضبتمُ

أبهدلَ يا أفناءَ سعدٍ لبهدلِ

أعيّاشُ قد ذاقَ القيونُ مرارتِي

وأوقدتُ ناري دونَ ناركَ فاصطلِي

سأذكرُ ما قالَ الحطيئةُ جارُكم

وأحدثُ وسماً فوقَ وسمِ المخبَّلِ

أعياشُ ما تغنِي قفيرةُ بعدما

سقيتكَ سماً في مرارةِ حنظلِ

أعيّاشُ قدْ آوتْ قفيرةُ نسلَها

إلى بيتِ لؤمٍ ما له من محوّلِ

تذئرُ أبكارَ اللّقاحِ ولم تكنْ

قفيرةُ تدرِي ما جناةُ القرنفلِ

فإنْ تدّعُوا للزبرقانِ فإنَّكمْ

بنو بنتِ قينٍ ذي علاةٍ ومرجلِ

وما حافظتْ يومَ الزُّبير مجاشعٌ

بنو ثيلِ خوّارٍ يداوَي بجرملِ

ولو باتَ فينا رحلُهُ قدْ علمتُمُ

لآئبَ سليماً والضبَّابةُ تنجلِي

فشدُّوا الحبَى للغدرِ إنِّي مشمِّرٌ

إذا ما علا متنَ المفاضةِ محملِي

فلا تطلبنْ يا ابني قفيرةَ سابقاً

يدقُّ جماحاً كلَّ فأسٍ ومسحلِ

كما رامَ منّا القينُ أيّامَ صوأرٍ

فلاقي جماحاً من حمامٍ معجَّلِ

ضغا القردُ لمّا مسَّهُ الجهدُ واشتكَى

بنو القينِ منِّي حدَّ نابٍ وكلكلِ

أتمدحُ سعداً بعدَ أسلابِ جاركمُ

وحرِّ فتاةٍ عقرُها لم نحلِّلِ

أجعثنُ قد لاقيتِ عمرانَ شارباً

على الحبّةِ الخضراءِ ألبانَ أيَّلِ

فباتتْ تناكُ الشَّغزبيَّةَ بعدَما

دعتْ بنتَ قينٍ باتَ لمْ يتوكَّلِ

توجَّعُ رصفَ الرُّكبتينِ وتشتكي

مساحجَ من رضراضةٍ ذاتِ جندَلِ

لعلكَ ترجُو يا ابن نافخ كيرهِ

قروماً شبا أنيابها لمْ تفلَّلِ

أتعدلُ يربوعاً وأيّامَ حيلها

بأيّامِ مضفونينِ في الحربِ عزَّلِ

ألا تسألُونَ المردفاتِ عشيَّةً

مع القومِ لا يخبأنَ ساقاً لمجتلِي

من المانعونَ السَّبْي لا يمنعونَهُ

وأصحابُ أغلالِ الرَّئيسِ المكبَّلِ

وفي أيَّ يومٍ لم تسلَّلْ سيوفنا

فنعلو بها هامَ الجبابرِ من علِ

فما لمتُ نفسِي في حديثٍ ولمتُهُ

ولا لمتُ فيما قدَّر اللهُ أوَّلِي

وقال جريرُ يردُّ على الفرزدق:

لا خيرَ في مستعجلاتِ الملاومِ

ولا في حبيبٍ وصلُهُ غيرُ دائمِ

ولا خيرَ في مالٍ عليهِ أليَّةٌ

ولا في يمينٍ غيرِ ذاتِ مخارمِ

تركتُ الصّبا من رهبةٍ أن يهجنِي

بتوضحَ رسمُ المنزلِ المتقادمِ

وقال صحابي مالهُ قلتُ حاجةٌ

تهيجُ صدوعَ القلب بينَ الحيازمِ

تقولُ لنا سلمَى من القومُ أن رأتْ

وجوهاً عتاقاً لوِّحتْ بالسَّمائمِ

لقدْ لُمتِنا يا أمَّ غيلانَ في السُّرَى

ونمتِ وما ليلُ المطِيِّ بنائمِ

وأرفعُ صدرَ العِيسِ وهي شملَّةٌ

إذا ما السُّرَى مالتْ بلوثِ العمائمِ

بأغبرَ خفّاقٍ كأنَّ قتامَهُ

دخانُ الغضا يعلُو فروجَ المخارمِ

إذا العفرُ لاذّتْ بالكناسِ وهجَّجتْ

عيون المهارِي من أجيج السَّمائمِ

وإنَّ سوادَ اللّيلِ لا يستفزُّني

ولا الجاعلاتِ العاجَ فوقَ المعاصمِ

ظللنا بمستنِّ الحرورِ كأنَّنا

لدى فرسٍ مستقبلِ الرِّيحِ صائمِ

أغرَّ من البلقِ العتاقِ يشفُّهُ

أذى البقِّ إلاَّ ما احتمَى بالقوائمِ

وظلَّتْ قراقيرُ الفلاةِ مناخةً

بأكوارِها معكوسةً بالخزائمِ

أنخنَ لتغويرٍ وقدْ وقدَ الحصَى

وذابَ لعابُ الشَّمسِ فوقَ الجماجمِ

ومنقوشةٌ نقشَ الدَّنانيرِ عوليتْ

على عجلٍ فوقَ العتاقِ العياهمِ

بنتْ لي يربوعٌ على الشَّرفِ العلَى

دعائمَ زادتْ فوقَ ذرعِ الدَّعائمِ

فمنْ يستجرِنا لا يخفْ بعدَ عقدِنا

ومنْ لا يصالحْنا يبتْ غير نائمِ

بنِي القينِ إنّا لن نفوتَ عدوَّنا

بوترٍ ولا نعطيهمُ بالخزائمِ

وإنّي من القومِ الذينَ تعدُّهم

تميمٌ حماةَ المأزقِ المتلاحمِ

ترى الصيِّدَ حولِي من عبيدٍ وجعفرٍ

بناةٌ لعادِيٍّ رفيعِ الدَّعائمِ

تشمَّسُ يربوعٌ ورائي بالقنا

وتلقَى حبالَى عرضةً للمراجمِ

إذا خطرتْ حولِي رياحٌ تضمَّنتْ

بفوزِ المعالي والثّأيّ المتفاقمِ

وإنْ حلَّ بيتي في رقاشٍ وجدتني

إلى تدرءٍ من حومِ عزٍّ قماقمِ

رأيتُ قرومي من قريبةُ أوطأتْ

حماكَ وخيلي تدَّعي يآلَ عاصِمِ

وإنَّ ليربوعٍ من العزِّ باذخاً

بعيدَ السَّواقي خندفَّيّ المخارِمِ

أخذنا يزيدَ وابنَ كبشةَ عنوةً

وما لمْ ينالوا من لُهانا العظائمِ

ونحنُ قتلنا الحضرميَّ ابن عامرٍ

ومروانُ من أنفالِنا في المقاسمِ

ونحنُ تدارَكنا بحِيراً ورهطَهُ

ونحنُ منعنا السَّبيَ يومَ الأراقمِ

ونحنُ صدعنا هامةَ ابنِ خويلدٍ

على حيثُ تستقِيهِ أمُّ الجواثمِ

ونحنُ تدارَكنا المجبَّةَ بعدَما

تجاهدَ جريُ المبقياتِ الصَّلادِمِ

ونحنُ ضربنا هامةَ ابن محرِّقٍ

كذلكَ نعصَى بالسُّيوفِ الصَّوارِمِ

ونحنُ ضربنا جارَ بيبةَ فانتهَى

على خسفِ محكومٍ لهُ الضَّيمُ راغمِ

فوارسُ أبلوا في جعادةَ مصدقاً

وأبكوْا عيوناً بالدُّموع السّواجمِ

علوتُ عليكمْ في الفروعِ وتستقي

دلائيَ من حومِ البحورِ الخضارمِ

مددتُ رشاءً لا يمدُّ لريبةٍ

ولا غدرةٍ في السَّالفِ المتقادمِ

تعالوا نحاكمكمْ وفي الحقِّ مقنعٌ

إلى الغرِّ من آلِ البطاحِ الأركارمِ

وإنَّ قريشَ الحقِّ لو نفعَ الهوَى

لن يقبلُوا في اللهِ لومةَ لائمِ

فإنّي لراضٍ عبدَ شمسٍ وما قضتْ

وراضٍ بحكمِ الصِّيدِ من آلِ هاشمِ

وراضٍ بني تيمِ بن مرَّةَ إنّهمْ

قرومٌ تسامَى للعُلَى والمكارمِ

وأرضَى المغيريّينَ في الحكمِ إنَّهُمْ

بحورٌ وأخوالُ البحورِ القماقمِ

وراضٍ بحكمِ الحيِّ بكر بن وائلٍ

إذا كانَ في الذُّهلينِ أوفى اللّهازمِ

فإنْ شئتَ كانَ اليشكريُّونَ بيننا

بحكمِ كريمٍ بالفريضةِ عالمِ

نذَكِّرُهمْ باللّهِ من ينهلُ القَنا

ويفرحُ ضيقَ المأزقِ المتلاحمِ

ومن يضربُ الجبّارَ والخيلُ ترتقي

أعنَّتُها في ساطع النَّقعِ قاتمِ

ومن يدركُ المستردفاتِ عشيَّةً

إذا ولِّهتْ عوذُ النِّساءِ الرَّوائمِ

أردنا غداةَ الغبِّ ألاَّ تلُومَنا

تميمٌ وحاذرنا حديثَ المواسمِ

وكنتمْ لنا الأتباعَ في كلِّ معظمٍ

وريشُ الذُّبابى تابعٌ للقوادمِ

وما زادَني بعدُ المدَى نقضَ مرَّةٍ

وما رقَّ عظمِي للضُّروسِ العواجمِ

ترانِي إذا ما النَّاسُ عدُّوا قديمهمْ

وفضلَ المساعِي مسفراً غيرَ واجمِ

وإن عدّتِ الأيّامِ أخزيت دراماً

وتخزيك يا ابن القين أيام درام

فخرت بأيام الفوارسِ فافخرُوا

بأيامِ قينيكمْ جبيرٍ وداسِمِ

بأيّامِ قومِي ما لقومكَ مثلهُمْ

بها سهَّلوا عنّي خبارَ الجراثمِ

أقينَ بنَ قينٍ لا يسرُّ نساءَنا

بذِي نجبٍ أنّا ادَّعينا لدارمِ

وفينا كما أدَّتْ ربيعةُ خالداً

إلى قومهِ حرباً وإن لم يسالمِ

هو القينُ وابنُ القينِ لاقينَ مثلهُ

لفطحِ المساحِي أو لجدلِ الأداهمِ

وفي مالكٌ للجارِ لمّا تحدَّبتْ

عليهِ الذّرى من وائلٍ والغلاصمِ

ألا إنَّما كانَ الفرزدقُ ثعلباً

ضغا وهو في أشداقِ ليثٍ ضبارِمِ

لقدْ ولدتْ أمُّ الفرزدقِ فاسقاً

وجاءتْ بوزوازٍ قصيرِ القوائمِ

جريتَ بعرقٍ من قفيرةَ مقرفٍ

وكبوةِ عرقٍ في شظىً غيرِ سالمِ

إذا قيلَ منْ أم الفرزدقِ بيّنتْ

قفيرةُ منهُ في القفا واللّهازمِ

قفيرةُ من قنٍّ لسلمَى بن جندَلٍ

أبوكَ ابنُها وابنُ الإماءِ الخوادمِ

وأورثكَ القينُ العلاةَ ومرجلاً

وأطلاحَ أخراتِ الفؤوسِ الكرازِمِ

وأرثنا آباؤُنا مشرفيَّةً

تميتُ بأيدينا فروخَ الجماجمِ

أيحلمُ بالقتلَى هبيرُ بنُ ضمضمٍ

إذا نمتَ أيرٌ في استِ أمّ الضَّماضمِ

وقال جرير يرد على الفرزدق، ويهجو الزبرقان بن بدر، وبني طهيّة:

تعلّلنا أمامةُ بالعداتِ

وما يشفِي القلوبَ الصَّادياتِ

فلولا حبّها وإلهِ موسى

لودَّعتُ الصِّبا والغانياتِ

وما صبري عن الذلفاء إلاَّ

كصبرِ الحوتِ عن ماء الفراتِ

إذا رضيتْ رضيتُ وتعتريني

إذا غضبتْ كهيضاتِ السُّباتِ

رجوتمْ يا بني وقبانَ موتِي

وأرجوا أنْ تطولَ لكمْ حياتِي

إذا اجتمعُوا علّي فخلِّ عنهُمْ

وعن بازٍ يصكُّ حبارياتِ

إذا طربَ الحمامُ حمامُ نجدٍ

نعى جارَ الأقارع والحتاتِ

إذا ما اللّيلُ هاجَ صدىً حزيناً

بكى جزعاً عليهِ إلى الممّاتِ

أتفخرُ بالمحمَّمِ قينُ ليلَى

وبالكيرِ الموقَّعِ والعلاتِ

وأمُّكُمُ قفيرةُ ربَّبتكُمْ

بدارِ اللُّؤمِ في دمنِ النَّباتِ

غدرتُمْ بالزُّبيرِ وخنتُموه

فما ترجُوا طهيَّةُ من ثباتِ

ألمْ يكُ ذو الشَّداةِ يخافُ منِّي

فما ترجُو طهيَّةُ من شذاتِي

كرامُ الحيِّ إنْ شهدُوا كفونِي

وإنْ وصيتُهُمْ حفظُوا وصاتِي

وحانَ بنُو قفيرةَ إذ أتونِي

بقينٍ مدمنٍ قرعَ العلاتِ

تركتُ القينَ أطوعَ من خصيٍّ

ذلولٍ في خزامتهِ مؤاتِ

أبا لقينينِ والنَّخباتِ ترجُو

ليربوعٍ شقاشقَ باذخاتِ

همُ حبسوا بذي نجبٍ حفاظاً

وهمْ زادُوا الخميسَ بوارداتِ

وترفعنا عليكَ إذا افتخرنا

ليربوعٍ بواذخُ شامخاتِ

وهم سلبُوا الجبابرَ تاجَ ملكٍ

بطخفةَ عندَ معتركِ الكماتِ

فقدْ غرقَ الفرزدقُ إذ علتْهُ

غواربُ يلتطمنَ من الفُراتِ

رأيتكَ يا فرزدقُ وسطَ سعدٍ

إذا بيّتَّ بئسَ أخو البياتِ

وهلْ لاقيتَ ويلكَ من كريمٍ

ينامُ كما تنامُ عن التراتِ

نسيتمْ عقرَ جعثنَ واحتبيتمْ

ألا تبّاً لفخركَ بالحباتِ

وقدْ دميتْ مواقعُ ركبتيها

من الأبراكِ ليسَ من الصَّلاتِ

تبيتُ الليلَ تسلقُ إسكتاها

كدأبِ التركِ تلعبُ باكراتِ

وحطّ المنقريَّ بها فخرَّتْ

على أمِّ القفا واللّيلُ عاتِ

تنادي غالباً وبنِي عقالٍ

لقدْ أخزيتَ قومكَ في النَّداتِ

وجدنا نسوةً لبنِي عقالٍ

بدارِ الخزي أغراضَ الرُّماتِ

غوانٍ هنَّ أخبثُ من حميرٍ

وأمجنُ من نساءٍ مشرِكاتِ

وسوداءِ المجرَّدِ من عقالٍ

تبايعُ من دنا خذ ذا وهاتِ

وأنتمْ تنفرونَ الزّبرقانِ أحقَّ عيرٍ

برميسٍ إذْ تعرَّضَ للرُّماتِ

تضمَّنَ ما أضعتَ بنو قريعٍ

لجاركَ أن تموتَ من الخفاتِ

تدلَّى يا ابنَ مرَّةَ قد علمتمْ

تدلٍّ وهو ينهزُ بالدَّلاتِ

وقال جرير يهجو غسانَ بن دهبلٍ السَّليطيَّ:

ألا بكرتْ سلمَى فجدَّ بكورُها

وشقَّ العصا اجتماعٍ أميرُها

إذا نحنُ قلنا قدْ تباينتِ النّوى

ترقرقُ سلمَى عبرةً أو تميرُها

لها قصبٌ ريّانُ قد شجيتْ به

خلاخلُ سلمَى المصمتاتُ وسورُها

إذا نحنُ لم نملكْ لسلمَى زيارَةً

نفسنا جدى سلمَى على من يزورُها

فهلْ تبلغنّي الحاجَ مضبورةَ القرَى

بطيءٌ بمورِ النَّاعجاتِ فتورُها

نجاةٌ يصلُّ المروُ تحتَ أظلَّها

بلاحقةِ الآطالِ حامٍ هجيرُها

ألا ليتَ شعري عنْ سليطٍ ألمْ يجدْ

سليطٌ سوى غسانَ جاراً يجيرُها

لقدْ ضمنّوا الأحسابَ صاحبَ سوأةٍ

يناجي بها نفساً لئيماً ضميرها

ونبئتُ غسّانَ بن واهصةِ الخصى

يلجلجُ منّي مضغةً لا يحيرُها

ستعلمُ ما يغنِي حكيمٌ ومنقعٌ

إذا الحربُ لم يرجعْ بصلحٍ سفيرُها

ألا ساءَ ما تبلَى سليطٌ إذا ربتْ

جواشنُها وازدادَ عرضاً ظهورُها

بأستاهِها ترمِي سليطٌ وتتَّقي

ويرمِي نضالاً عن كليبٍ جريرُها

ولمّا علاكمْ صكُّ بازٍ جنحتُمُ

بأستاهِ خربانٍ تصرُّ صقورُها

عضاريطُ يشوونَ الفراسنَ بالضُّحى

إذا ما السَّرايا حثَّ ركضاً مغيرُها

فما في سليطٍ فارسٌ ذو حفيظةٍ

ومعقلُها يومَ الهياجِ جعورُها

أضجُّوا الرَّوايا بالمزادِ فإنَّكمْ

ستلقونَ كرَّ الخيلِ تدمَى نحورُها

عجبتُ من الدّاعِي جحيشاً وصائداً

وعيساءُ يسعَى بالعلابِ نفيرُها

أساعيةٌ عيساءُ والضّأنُ حفَّلٌ

فما حاولتْ عيساءُ أمّا عذيرُها

إذا ما تعاظمتمْ جعوراً فشرِّفوا

جحيشاً إذا آبتْ من الصَّيفِ عيرُها

أناساً يخالونَ العباءَةَ فيهمِ

قطيفةَ مرعزَّى يقلَّبُ نيرُها

كأنَّ سليطاً في جواشنها الخصَى

إذا حلَّ بينَ الأملحينِ وقيرُها

إذا قيلَ ركبٌ من سليطٍ فقبِّحتْ

ركاباً وركباناً لئيماً بشيرُها

نهيتكمُ أن تركبُوا ذاتَ ناطحٍ

من الحربِ يلوي بالرِّداءِ نذيرُها

وما بكمُ صبرٌ على مشرفيَّةٍ

تعضُّ فراخَ الهامِ أو تستطيرُها

تمنَّيتُمُ أنْ تسلُبُوا القاعَ أهلَهُ

كذاكَ المُنى غرَّتْ جحيشاً غرورُها

وقد كانَ في بقعاءَ ريٌّ لشائكمْ

وتلعةَ والجوفاءَ يجري غديرُها

تناهوا ولا تستورِدوا مشرفيَّةً

تطيرُ شؤونَ الرأسِ منها ذكورُها

كأنَّ السَّلِيطيّينَ أنقاضُ كمأةٍ

لأوَّلِ جانٍ بالعصَى يستثيرُها

غضبتُمْ علينا أو تغنَّيتُمُ بنا

أن اخضرَّ من بطنِ التَّلاعِ غميرُها

ولو كانَ حلمٌ نافعٌ في مقلَّدٍ

لما وغرتْ من غير جرمٍ صُدورها

بنو الخطفى والخيلُ أيامَ سوقَةٍ

جلوا عنكمْ الظَّلماءَ وانشقَّ نورُها

وفي بئرِ حصنٍ أدركتنا حفيظةٌ

وقدْ ردَّ فيها مرَّتينِ جفِيرُها

فجئنا وقدْ كانتْ مراغاً وبرّكتْ

عليها مخاضٌ لم تجدْ من يثرُها

لئنْ ضلَّ يوماً بالمجشَّرِ رأيُهُ

وكانَ لعوفٍ حاسداً لا يضيرُها

فأوْلَى وأولَى أنْ أصيبَ مقلداً

بفاشيةِ العدوَى سريعٍ نشُورُها

لقدْ جردتْ يومَ الحدابِ نساؤُهمْ

فساءتْ مجالِيها وقلّتْ مهورُها

وقال جريرٌ يهجو البعيث المجاشعيّ، وكان ضلعُ البعيث على بني سليطٍ:

لمنْ طللٌ هاجَ الفؤادَ المتيَّما

وهمَّ بسلمانينَ أنْ يتكلَّما

أمنزلتَيْ هندٍ بناظرةَ اسلَما

وما راجع العرفانَ إلاَّتوهُّما

كأنَّ ديارَ الحيِّ ريشُ حمامةٍ

محاها البلَى واستجمعتْ أنْ تكلَّما

لقدْ آذنتْ هندٌ خليلٌ ليصرِما

على طولِ ما بكَّى بهندٍ وهيَّما

طوى البينُ أسبابَ الوصالِ وحاولتْ

بكنهلَ أقرانُ الهوَى أنْ تجذَّما

وقدْ كانَ منْ شأنِ الغويّ ظعائنٌ

رفعنَ الرَّنا والعبقرِيَّ المرَقَّما

كأنَّ حمولَ الحيِّ زلنَ بيانعٍ

من الواردِ البطحاءِ من نخلِ ملْهَما

سقيتُ دمَ الحيّاتِ ما ذنبُ زائرٍ

يلمِّ فيعطِي نائلاً أن يكلّما

سقيتُ دمَ الحيّاتِ ما ذنبُ زائِرٍ

يلمِّ فيعطِي نائلاً أنْ يكلّما

وأحدثُ عهدِي والشَّبابُ كأنَّه

عسيبٌ نما في ريَّةٍ فتقوَّما

بهندٍ وهندٍ همُّهُ غيرَ أنَّها

ترى البخلَ والعلاَّتِ في والوعدِ مغنما

لقدْ علقتْ بالنَّفسِ منها علائقٌ

أبى طولُ هذا الدَّهرِ أن يتصرَّما

دعتكَ لها أسبابُ طولِ بليَّةٍ

ووجدٌ بها هاجَ الحديثَ المكتَّما

على حينَ أنْ ولّى الشّبابُ لشأنهِ

وأصبحَ بالشَّيبِ المحيل تعمَّما

ألا ليتَ هذا الجهلَ عنّا تصرَّما

وأحدثَ حلماً قلبُهُ فتحلَّما

أنيختْ ركابي بالأحزَّةِ بعدَما

خبطنَ بحورانَ السَّريحَ المخدَّما

وأدنِي وسادي من ذراعيْ شملّةٍ

وأتركُ عاجاً قد علمتُ ومعصما

وعاوٍ عوى من غير شيءٍ رميتُهُ

بقارعةٍ أنفاذُها تقطرُ الدَّما

خروجٍ بأفواهِ الرُّواةِ كأنَّها

قرى هندُوانيٍّ إذا هزَّ صمَّما

فإنَّي لهاجيكمُ بكلِّ غريبةٍ

شرودٍ إذا السَّاري بليلٍ ترنَّما

غرائبَ ألاَّفاً إذا حانَ وردُها

أخذنَ طريقاً للقصائدِ معلما

لعمرِي لقدْ جارَى دعيُّ مجاشعٍ

عذوماً على طولِ المجاراةِ مرجَما

ولاقيتَ منِّي مثلَ غارة داحسٍ

وموقفهِ فاستأخرنْ أو تقدَّما

فإنَّي لهاجيكمْ وإنّي لراغبٌ

بأحسابنا فضلاً بنا وتكرُّما

أرى سوأةً فخرَ البعيثِ وأمُّهُ

تعارضُ خاليهِ يساراً ومقسَما

تبينُ إذا ألقَى العمامةَ لؤمُهُ

وتعرفُ وجهَ العبدِ لمّا تعمَّما

فأينَ بنُو القعقاع عنْ أصلِ فرتنا

وعن أصلِ ذاكَ القينِ أن يتقسَّما

فتؤخذُ من أمِّ البعيثِ ضريبةٌ

ويتركُ نساجاً بدارينَ مسلما

فهلا سألتَ النّاسَ إنْ كنتَ جاهلاً

بأيّامنا يا ابنَ الضروطِ فتعلّما

سأحمدُ يربوعاً على أنَّ وردهُمْ

إذا ذيدَ لم يحكم وإن ذادَ أحكما

مصاليتُ يومَ الرَّوعِ تلقَى عصيَّنا

سريجيَّةً يخلينَ هاماً ومعصما

نحوطُ حمى نجدٍ وتلقَى طريقنا

إلى المجدِ عاديَّ المواردِ معلما

وما كان ذو شغبٍ يمارسُ عيصنا

فينظرَ في كفَّيهِ إلاَّ تندَّما

وإنّا لقوّالونَ للخيلِ أقدمِي

إذا لم يجدْ وغلُ الفوارسِ مقدمَا

ومنّا الذس ناجَى فلمْ يخزِ قومَهُ

بأمرٍ قويٍّ محرزاً والمثلّما

ويومَ أبي قابوسَ لم يعطهِ المُنى

ولكنْ صدعنا البيضَ حتّى تهزَّما

وقد أثكلتْ يومَ البحيرينِ خيلنا

بوردٍ إذا ما استعلنَ الرَّوعَ سوَّما

وقالتْ بنو شيبانَ بالصَّمدِ إذا لقوا

فوارسنا ينعونَ قيلاً وأزنما

أشبيانُ لو كان القتالُ صبرتُمُ

ولكنَّ لفحاً من حريقٍ تضرَّما

وعضَّ ابن ذي الجدَّينِ وسطَ بيوتنا

سلاسلنا والقدَّ حولاً مجرّما

وتكذبُ أستاهُ القيونِ مجاشعٌ

متى لم نذدْ عن حوضنا أن يهدَّما

إذا عدَّ فضلُ السَّعي منَّا ومنكم

فضلنا بني رغوانَ بؤسَى وأنعما

وقدْ لبستْ بعدَ الزُّبيرْ مجاشعٌ

ثيابَ التّي حاضتْ ولم تغسلِ الدَّما

وقدْ علمِ الجيرانُ أنَّ مجاشعاً

فروخَ البغايا لا يرى الجارَ محرَما

ولو علقتْ حبلَ الزُّبيرِ حبالنا

لأضحَى كناجٍ في عطالةَ أعصما

ألم تر عوفاً لا تزالُ كلابهُ

تجرُّ بأكماعِ السِّباقينُ ألحمُا

ولمّا قضى عوفٌ أشطٍّ عليكم

فأقسمتمُ لا تفعلونَ وأقسما

ألم تر أولادَ القيونِ مجاشعاً

يمدُّونَ ثدياً عندَ عوفٍ مصرَّما

فبتُّم خزايا والخزيرُ قراكمْ

وباتَ الصَّدى يدعُو عقالاً وضمضَما

أبعدَ ابن ذيّالِ تقولُ مجاشعٌ

وأصحابُ عوفٍ يحسنون التكلما

وتغضبُ من ذكرِ القيونِ مجاشعٌ

وما كانَ ذكرُ القينِ سرّاً مكتَّما

لقدْ وجدتْ بالقينِ خورُ مجاشعٍ

كوجدِ النَّصارَى بالمسيحِ ابن مريما

ترى الخورَ جلداً من بناتِ مجاشعٍ

لدى القينِ لا يمنعنَ منهُ المخدَّما

إذا ما لوَى بالكلبتينِ كتيفةً

رأينَ وراءَ الكيرِ أيراً محمَّما

وقال جرير يهجو البعيث:

ألا حيِّ بالبردينِ داراً ولا أرَى

كدارٍ لهندٍ لا تحيّا رسومُها

لقدْ وكفتُ عيناهُ أنْ ظلَّ واقفاً

على دمنةٍ لم يبقَ إلاَّ رميمُها

أبينا فلم نسمعْ لهندٍ ملامةً

كما لم تطعْ هندٌ بنا من يلومُها

إذا ذكرتْ هندٌ له خفَّ حلمهُ

وجادت دموعُ العينِ سحّاً سجومُها

وأنَّى له هندٌ وقد حالَ دونَها

عيونٌ وأعداءٌ كثيرٌ رجومُها

إذا زرتُها حالَ الرَّقيبانِ دُونَها

وإن غبتُ شفَّ النَّفسَ منها همومُها

أقولُ وقدْ طالتْ لذكراكِ ليلتِي

أجدَّكَ ما تسري لما بي نجومُها

بنِي مالكٍ إنَّ البغالَ مجاشعاً

مباحٌ بحمراءِ العجانِ حريمُها

له فرسٌ شقراُ لم تلقَ فارساً

كريهاً ولم تعلقْ عناناً يقيمُها

لئنْ راهنتْ غدراً عليكَ مجاشعٌ

لقد لقيتْ نقصاً وطاشتْ حلومُها

فأبقُوا عليكمْ واتّقوا نابَ حيَّةٍ

أصابَ ابن حمراءِ العجانِ شكيمُها

إذا خفتُ من عرٍّ قرافاُ طليتهُ

بصادقةِ الإشعالِ باقٍ عصيمُها

أنا الّذائدُ الحامِي إذا ما تخمَّطتْ

عرانينُ يوبرعٍ وصالتْ قرومُها

دعوا الناس إنِّي سوف تكفي مخافتي

شياطينُ يرمى بالنُّحاسِ رجيمُها

فما ناصفتنا في الحفاظِ قبيلةٌ

ولا قايستنا المجدَ إلاَّ نضيمُها

ولا نعتصي الأرطَى ولكنْ عصيُّنا

رقاقُ النَّواحي لا يبلُّ سليمُها

كسونا ذبابَ السَّيفِ هامةَ عارضٍ

غداةَ اللِّوي والخيلُ تدمَى كلومُها

ويومَ عبيدِ اللهِ خضنا برايةٍ

وزافرةٍ نصَّتْ إلينا تميمُها

لنا ذادةٌ عندَ الحفاظِ وسادةٌ

مقاديمُ لم يذهبُ شعاعاً عزيمُها

إذا ركبوا لم يرهبِ الرَّوعَ خيلُهمْ

ولكنْ نلاقي النّاسَ إنّا نسيمُها

إذا فزعُوا لم تعلفِ القتَّ خيلُهمْ

ولكن صدورَ الأزأنيّ نسُومُها

عن المنبر الشَّرقي ذادتْ رماحُنا

وعن حرمةِ الأركانِ يرمَى حطيمُها

يرى الموتَ منّا من يرومُ قتالَنا

فعلَّ ابن حمراءِ العجانِ يرُومُها

سعرْنا عليكَ الحربَ تغلِي قدورُها

فهلاَّ غداةَ الصِّمَّتينِ تديمُها

تركناكَ لا توفِي لجارٍ أجرتَهُ

كأنَّكَ ذاتُ الودعِ أودى بريمُها

ألم تر أنّي قد رميتُ ابن فرتنا

بصمّاءَ لا يرجو الحياةَ صديمُها

إذا ما هوى من صكَّةٍ وقعتْ بهِ

أظلَّتْ حوامِي صكَّةٍ يستديمُها

فلمْ تدرِ يا هلبَ استِها كيفَ تتَّقي

شموساً أبتْ إلاَّ لقاحاً عقيمُها

رجا العبدُ صلحي بعدما وقعتْ به

صواعقُها ثم استهلَّتْ غيومُها

لقدْ سرَّني لحبُ القوافِي بأنفِهِ

وعلبٌ بجلدِ الحاجبينِ وسومُها

لقدْ لاحَ وسمٌ في غواشٍ كأنَّها

ثرَّيا تجلَّتْ عن نجومٍ غيومُها

سيخزي ويرضَى باللفاءِ ابنُ فرتنا

وكانتْ غداةَ الغبِّ يُوفي غريمُها

إذا هبطتْ جوَّ المراغِ تكَّرستْ

عروشاً وأطرافُ التَّوادي كرومُها

فكيف ترَى ظنَّ البعيثِ بأمِّهِ

إذا باتَ علجُ الأقعسينِ يكومُها

إذا استنَّ أعلاجُ المصيفِ وجدتَها

سريعاً إلى جنبِ المراغِ جثومُها

ضروطاً إذا لاقتْ علوجَ ابنِ عامرٍ

وأينع كرّاثُ النِّباجِ وثومُها

لهُ أمُّ سوءٍ ساءَ ما قدَّمَتْ لهُ

إذا فارطُ الأحسابِ عدَّ قديمُها

لقدْ أخذتْ عيناكَ من حمرةِ استِها

فعيناكَ عيناها وخيمكَ خيمُها

فلمّا تغشَّى اللؤمُ ما حولَ أنفهِ

تبوأ في الدّارِ التي لا يريمُها

يعدَّ ابنُ حمراءِ العجانِ لخبثهِ

إذا عدَّ مولى مالكٍ وصميمُها

أتاركةٌ أكلَ الخزيرِ مجاشعٌ

فقدْ خسَّ إلاَّ في الخزيرِ قسيمُها

وقال جرير يرد على البعيث ويهجو الفرزدق:

عوجي علينا واربعي ربةَ البغلِ

ولا تقتليني لا يحلُّ لكم قتلي

خليليَّ هيجا عبرةً وقفا بنا

على طللٍ بينَ النقيعةِ والحبلِ

وإني لباقي الدمعِ إنْ كنتُ باكياً

على كلِّ دارٍ حلها مرةً أهلي

سقى الرملَ جونٌ مستهلٌّ ربابهُ

وما ذاكَ إلاَّ حبُّ منْ حلَّ بالرملِ

لياليَ إذْ أهلي وأهلكِ جيرةٌ

وإذْ لا نخافُ الصرمَ إلاّ علىَ رجلِ

وإذْ أنا لا مالٌ أريدُ اتباعهُ

بمالي ولا أهلٌ أبيعُ بهمْ أهلي

أعاذلَ مهلاً بعضَ لومكِ في المطلِ

وعقلكِ لا يذهبْ فإنَّ معي عقلي

تريدينَ أنْ أرضى وأنتِ بخيلةٌ

ومنْ ذا الذي يرضى الأخلاءَ بالبخلِ

وجدتكِ لا ترضي إذا كنتِ عاتباً

صديقكِ إلاَّ بالمودةِ والبذلِ

أحقاً رأيتَ الظاعنينَ تحملوا

منَ الغيلِ أوْ وادي الوريعةِ ذي الأثلِ

متى تجمعي منا كثيراً ونائلاً

قليلاً يقطعُ ذاكَ باقيةَ الوصلِ

ألا تبتغي حلماً فينهَى عنِ الجهلِ

وتصرمُ جملاً راحةً لكَ منْ جملِ

لعمرك لولا اليأسُ ما انقطعَ الهوى

ولولا الهوى ما حنَّ منْ والهٍ قبلي

فلا تعجبا منْ سورةِ الحبِّ وانظرا

أينفعُ ذا الوجدِ الملامةُ أو يُسلي

ألا ربَّ يومٍ قدْ شربتُ بمشربٍ

سقى الغيمَ لمْ يشربْ بهِ أحدٌ قبلي

وهزةِ أظعانٍ نظرتُ حمولها

غداً واستقلتْ بالقرونِ ذرى النخلِ

طلبتُ وريعانُ الشبابِ يقودني

وقدْ فتنَ عني أو توارينَ بالهجلِ

فلما لحقناهنَّ أبدينَ صبوةً

وهنَّ يحاذرنَ العيونَ منَ الأهلِ

على ساعةٍ ليستْ بساعةِ منظرٍ

رمينَ قلوبَ القومِ بالحدقِ النجلِ

وما زلنَ حتى كادَ يفطنُ كاشحٌ

يزيدُ علينا في الحديثِ الذي يملي

فلمْ أرَ يوماً مثلَ يومٍ بذي الغضا

أصبنا بهِ الصيدَ الغزيرَ على رجلِ

ألذَّ وأشفى للفؤادِ منَ الجوى

وأغيظَ للواشينَ منا ذوي الخبلِ

وهاجدِ موماةٍ بعثتُ إلى السرى

وللنومُ أحلى عندهُ من جنى النحلِ

تمنى رجالٌ منْ تميمٍ لي الردى

وما ذادَ عنْ أحسابهمْ أحدٌ مثلي

كأنهمُ لا يعلمونَ مواطني

وقدْ جربوا أني أنا السابقُ المبلي

وأوقدتُ ناري بالحديدِ فأصبحتْ

لها رهجٌ يصلي بهِ اللهُ منْ يصلي

ولو شاءَ قومي كانَ حلمي فيهمِ

وكانَ على جهالِ أعدائهم أبداً جهلي

تمنى ابنُ حمراءِ العجانِ علالتي

وقدْ تمَّ نابا لا ظنونٍ ولا وغلِ

خروجٍ إذا اصطكَّ الأضاميمُ سابقٌ

وما أحرزَ الغايات ِمنْ سابقٍ مثلي

ليَ الفضلُ في إحياء ِعمرٍو ومالكٍ

وما زلتُ مذْ جاريتُ أجري على مهلِ

وتخطرُ يربوعٌ ورائي بالقنا

وذاكَ مقامٌ لا تزلُّ بهِ نعلي

ونحنُ حماةُ الثغرِ يخشى بهِ الردى

قديماً وجيرانُ المجاعةِ والأزلِ

وما أنتَ إلاَّ نخبةٌ منْ مجاشعٍ

ترى لحيةً في غيرِ دينٍ ولا عقلِ

بني مالكٍ أخزى البعيثُ مجاشعاً

وقالَ ذوو أحلامهمْ ساءَ ما يبلي

ألامَ ابنُ حمراءِ العجانِ وباستها

جلوبُ القنا بعدَ الكلاليبِ والركلِ

يفيشُ ابنُ حمراءِ العجانِ كأنهُ

خصيُّ براذينٍ تقاعسُ في الوحلِ

إذا قالَ قدْ أغنيتُ شيئاً رويدكمْ

أتوهُ فقالوا لستَ بالحكم العدلِ

فأخزى ابنُ حمراءِ العجانِ مجاشعاً

وما نالتِ المجدَ الدلاءُ التي يدلي

إذا سارَ في الركبِ البعيثُ رأيتمُ

ترمزَ حمراءِ العجانِ على الرحلِ

لقدْ قوستْ أمُّ البعيثِ ولمْ يزلْ

تزاحمُ علجاً صادرينَ على كفلِ

وفي العبسِ الحوليّ جوناً تسوفهُ

لها مسكاً من غير عاجٍ ولا ذبلِ

إذا لقيتْ علجَ ابنِ ضبعاءَ بايعتْ

بشقِّ استها أهلَ النباجِ وما تغلي

لياليَ تنتابُ النباجَ وتبتني

مراعيها بينَ الجداولِ والنخلِ

أهلبَ استها فقعاً بشرِّ قرارةٍ

على مدرجٍ بينَ الحزونةِ والسهلِ

جزعتَ إلى درجىْ نوارٍ وغسلها

فأصبحتَ عبداً ما تمرُّ وما تحلي

لعمري لئنْ كانَ القيونُ تواكلوا

نوارَ لقدْ آبتْ نوارُ إلى فحلِ

وإنَّ الذي يلقى البعيثَ ورهطهُ

هوَ السمُّ لا درجا نوارَ معَ الغسلِ

بني مالكٍ لا صدقَ عندَ مجاشعٍ

ولكنَّ حظاً منْ فياشٍ على دخلِ

وقدْ زعموا أنَّ الفرزدقَ حيةٌ

وما مارسَ الحياتِ من حيةٍ مثلي

وما مارستْ من ذي ذبابٍ شكيمتي

فيفلتَ فوتَ الموتِ إلا على خبلِ

ولمّا اتقى القينُ العراقيُّ باستهِ

فزعتَ إلى القينِ المقيدِ في الحجلِ

رأيتكَ لا تحمي عقالاً ولمْ تردْ

قتالاً فما لاقيتَ شراً من الذلِ

ولوْ كنتَ ذا رأيٍ لما لمتَ عاصماً

وما كانَ كفؤاً ما لقيتَ منَ الفضلِ

ولمّا دعوتَ العنبريَّ ببلدةٍ

إلى غيرِ ماءٍ لا قريبٍ ولا أهلِ

يكونُ نزولُ القومِ فيها كلا ولا

غشاشاً ولا يدنونَ رحلاً إلى رحلِ

ضللتَ ضلالَ السامريّ وقومهُ

دعاهمْ فضلوا عاكفينَ على عجلِ

فلمّا رأى أنَّ الصحاريَ دونهُ

ومعتلجُ الأنقاءِ منْ ثبجِ الرملِ

ويوماً أتتْ دونَ الظلالِ سمومهُ

تظلُّ المها صوراً جماجمها تغلي

بلغتَ نسيءَ العنبري كأنما

ترى بنسيءِ العنبريِّ جنى النحلِ

فأوردكَ الأعدادَ ذو المالِ نازحٌ

دليلُ امرئٍ أعطى المقادةَ بالدحلِ

ألمْ ترَ أني لا يبلُّ رميتي

فمنْ أرمِ لا تخطئْ مقاتلهُ نبلي

فباتتْ نوارُ القينِ رخواً حقابها

تنازعُ ساقيْ ساقها حلقُ الحجلِ

فقبحَ ريحُ القينِ لما تناولتْ

مقذَّ هجانٍ إذ تساوفهُ فحلِ

أبا خالدٍ أبليتَ حزماً وسودداً

وكلُّ امرئٍ مثنىً عليهِ بما يبلَى

أبا خالدٍ لا تشمتنَّ أعادياً

يودونَ لوْ زلتْ بمهلكةٍ نعلي

وقال جرير:

ألا حيِّ رهبى ثمَّ حيِّ المطاليا

لقدْ كانَ مأنوساً فأصبحَ خاليا

فلاَ عهدَ إلاَّ أنْ تذكرَ أو ترى

ثماماً حواليْ منصبِ الخيمِ باليا

ألا أيها الوادي الذي ضمَّ سيلهُ

إلينا نوى ظمياءَ حييتَ واديا

إذا ما أرادَ الحيُّ أن يتزملوا

وحنتْ جمالُ البينِ حنتْ جماليا

فيا ليتَ أنَّ الحيَّ لمْ يتفرقوا

وأمسى جميعاً جيرةً متدانيا

إذا الحيُّ في دارِ الجميع كأنما

يكونُ علينا نصفَ حولٍ لياليا

إلى اللهِ أشكوُ أنَّ بالغورِ حاجةً

وأخرى إذا أبصرتُ نجداً بدا ليا

نظرتُ برهبى والظعائنُ باللوى

فطارتْ برهبى شعبةٌ منْ فؤاديا

وما أبصرَ النارَ التي وضحتْ لهُ

وراءَ جفاف الطيرِ إلا تماريا

وكائنْ ترى في الحيّ من ذي صداقةٍ

وغيرانَ يدعو ويله منْ حذاريا

إذا ذكرتْ ليلى أتيحَ ليَ الهوى

على ما ترى منْ هجرتي واجتنابيا

خليليَّ لولا أن تظنا بيَ الهوى

لقلتُ سمعنا منْ سكينةَ داعيا

قفا فاسمعا صوتَ المنادي لعلهُ

قريبٌ وما دانيتُ بالظنِّ دانيا

إذا ما جعلتُ السيَّ بيني وبينها

وحرةَ ليلى والعقيقَ اليمانيا

رغبتُ إلى ذي العرشِ ربِّ محمدٍ

ليجمعَ شعباً أو يقربَ نائيا

أذا العرشِ إنيّ لستُ ما عشتُ تاركاً

طلابَ سليمى فاقضِ ما كنتَ قاضيا

ولو أنها شاءتْ شفتني بهينٍ

وإنْ كانَ قدْ أعيى الطبيبَ المداويا

سأتركُ للزوارِ هنداً وأبتغي

طبيباً فيبغيني شفاءً لما بيا

فإنكِ إن تعطي قليلاً فطالما

منعتِ وحلأتِ القلوبَ الصواديا

دنوَّ عتاقِ الطير للزجرِ بعدما

شمسنَ وولينَ الخدودَ العواصيا

إذا اكتحلت ْعيني بعينكِ مسني

بخيرٍ وجلى غمرةً عنْ فؤاديا

ويأمرني العذالُ أن أغلبَ الهوى

وأنْ أكتمَ الوجدَ الذي ليسَ خافيا

فيا حسراتِ القلبِ في إثرِ من يرى

قريباً ويلقى خيرهُ منكَ قاصيا

تعيرني الإخلافَ ليلى وأفضلتْ

على وصلِ ليلى قوةٌ منْ حباليا

فقولا لواديها الذي نزلتْ بهِ

أواديَ ذي القيصومِ أمرعتَ واديا

لقدْ خفتُ أن لا تجمعَ الدارُ بيننا

ولا الدهرُ إلاَّ أنْ تجدَّ الأمانيا

ألاَ طرقتْ شعثاءُ والليلُ مظلمٌ

أحمَّ عمانيا وأشعثَ ماضيا

لدى قطرياتٍ إذا ما تغولتْ

بنا البيدُ غاولنَ الحزومَ القياقيا

تخطى إلينا منْ بعيدٍ خيالها

يخوضُ خداريا منَ الليلِ داجيا

فحييتَ منْ سارٍ تكلفَ موهناً

مزاراً على ذي حاجةٍ متراخيا

يقولُ ليَ الأصحابُ هلْ أنتَ لاحقٌ

بأهلكَ إنَّ الزاهريةَ لاهيا

لحقتُ وأصحابي على كلِّ حرةٍ

وخودٍ تباري الأحبشيَّ المكاريا

ترامين بالأجوازِ في كلِّ صفصفٍ

وأدنينَ منْ خلجِ البرينِ الذفاريا

إذا بلغتْ رحلي رجيعٌ أملها

نزوليَ بالموماةِ ثمَّ ارتحاليا

مخففةً يسري على الهولِ ركبها

عجالاً بها ما ينظرونَ التواليا

تخالُ بها ميتَ الشخاصِ كأنهُ

قذى غرقٍ يضحي بهِ الماءُ طافيا

يشقُّ على ذي الحلم أنْ يتبعَ الهوى

ويزجرُ منْ أدناهُ أن ليسَ لا قيا

وإني لعفُّ الفقرِ مشتركُ الغنى

سريعٌ إذا لمْ أرضَ داري احتماليا

وإني لأستحييكَ والخرقُ بيننا

منَ الأرضِ أنْ تلقى أخاً لي قاليا

وقائلةٍ والدمعُ يحدرُ كحلها

أبعدَ جريرٍ تكرمونَ المواليا

فردي جمالَ الحيِّ ثمَّ تحملي

فما لكِ فيهمْ من مقامٍ ولا ليا

فأنتَ أبي ما لمْ تكنْ ليَ حاجةٌ

فإنْ عرضتْ فإنني لا أبا ليا

بأيِّ نجادٍ تحملُ السيفَ بعدما

قطعتُ قوىً من محملٍ كانَ باقيا

بأيِّ سنانٍ تطعنُ القومَ بعدما

نزعتَ سناناً من قناتكَ ماضيا

ألمْ أكُ ناراً يصطليها عدوكمْ

وحرزاً لما ألجأتمُ من ورائيا

وباسطَ خيرٍ فيكمُ بيمينهِ

وقابضَ شرٍّ عنكمُ بشماليا

ألا لاَ تخافا نبوتي في ملمةٍ

وخافا المنايا أن تفوتكما بيا

إذا سركمُ أنْ تمسحوا وجهَ سابقٍ

جوادٍ فمدوا وابسطوا منْ عنانيا

أنا ابنُ صريحيْ خندفٍ غيرَ دعوةٍ

تكونُ مكانَ القلبِ منها مكانيا

وليسَ لسيفي في العظامِ بقيةٌ

وللسيفُ أشوى وقعةٌ من لسانيا

جريءُ الجنانِ لا أهالُ منَ الردى

إذا ما جعلتُ السيفَ منْ عنْ شماليا

أبالموتِ خشتني قيونُ مجاشعٍ

وما زلتُ مجنياًّ عليّ وجانيا

وما مسحتْ عندَ الحفاظِ مجاشعٌ

كريماً ولا منْ غايةِ المجدِ دانيا

دعوا المجدَ إلاَّ أن تسوقوا كزومكمْ

وقيناً عراقياً وقيناً يمانيا

تراغيتمُ يومَ الزبيرِ كأنكمْ

ضباعٌ بذي قارٍ تمنى الأمانيا

وقال جرير يجيب الفرزدق:

لمنِ الديارُ كأنها لمْ تحللِ

بين الكناسِ وبينَ طلحِ الأعزلِ

ولقدْ أرى بكَ والجديدُ إلى بلى

موتَ الهوى وشفاءَ عينِ المجتلي

نظرتْ إليكَ بمثلِ عينى مغزلٍ

قطعتْ حبالتها بأعلى يليلِ

وإذا التمستَ نوالها بخلتْ بهِ

وإذا عرضتَ بودها لمْ تبخلِ

ولقدْ ذكرتكِ والمطيُّ خواضعٌ

وكأنهنَّ قطا فلاةٍ مجهلِ

يسقينَ بالأدمى فراخَ تنوفةٍ

زغباً حواجبهنَّ حمرَ الحوصلِ

يا أمَّ ناجيةَ السلامُ عليكمُ

قبلَ الرواحِ وقبلَ لومِ العذلِ

وإذا غدوتِ فباكرتكِ تحيةٌ

سبقتْ سروحَ الشاحجاتِ الحجلِ

لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخرَ عهدكمْ

يومُ الرحيلِ فعلتُ ما لمْ أفعلِ

أو كنتُ أرهبُ وشكَ بينٍ عاجلٍ

لقنعتُ أو لسألتُ ما لمْ أسالِ

أعددتُ للشعراءِ سمَّاً ناقعاً

فسقيتُ آخرهمْ بكأسِ الأولِ

لما وضعتُ على الفرزدقِ ميسمي

وعلى البعيثِ جدعتُ أنفَ الأخطلِ

أخزى الذي سمكَ السماءَ مجاشعاً

وبنى بناءكَ بالحضضِ الأسفلِ

بيتاً يحممُ قينكمْ بفنائهِ

دنساً مقاعدهُ خبيثَ المدخلِ

ولقدْ بنيتَ أذلَّ بيتٍ يبتنى

فهدمتُ بيتكمُ بمثلي يذبلِ

إني بنى ليَ في المكارمِ أولي

ونفختَ كيركَ في الزمانِ الأولِ

أعيتكَ مأثرةُ القيونِ مجاشعٍ

فانظرْ لعلكَ تدعي منْ نهشلِ

وامدحْ سراةَ بني فقيمٍ إنهمْ

قتلوا أباكَ وثأرهُ لمْ يقتلِ

ودعِ البراجمَ إنَّ شربكَ فيهمُ

مرٌّ عواقبهُ كطعمِ الحنظلِ

إني انصببتُ منَ السماءِ عليكمُ

حتى اختطفتكَ يا فرزدقُ منْ علِ

من بعدِ صكي للبعيثِ كأنهُ

خربٌ تنفجَ من حذارِ الأجدلِ

ولقدْ وسمتكَ يا بعيثُ بميسمي

وضغا الفرزدقُ تحتَ حدِّ الكلكلِ

حسبُ الفرزدقِ أنْ تسبَّ مجاشعٌ

ويعدَّ شعرَ مرقشٍ ومهلهلِ

طلبتْ قيونُ بني قفيرةَ سابقاً

غمرَ البديهةِ جامحاً في المسحلِ

قتلَ الزبير وأنتَ عاقدُ حبوةٍ

تباً لحبوتك التي لمْ تحللِ

وافاكَ غدركَ بالزبيرِ على منى

ومجرِّ جعثنكمْ بذاتِ الحرملِ

باتَ الفرزدقُ يستجيرُ لنفسهِ

وعجانُ جعثنَ كالطريقِ المعملِ

أينَ الذينَ عددتَ أنْ لا يدركوا

بمجرِّ جعثنَ يا بنَ ذاتِ الدملِ

أسلمتَ جعثنَ إذْ تجرُّ برجلها

والمنقريُّ يدوسها بالمنشلِ

تهوي استها وتقولُ يالَ مجاشعٍ

ومشقُّ ثقبتها كعينِ الأقبلِ

لا تذكروا حللَ الملوكِ وأنتمُ

بعدَ الزبيرِ كحائضٍ لمْ تغسلِ

أبنيَّ شعرةَ لنْ تسدَّ طريقنا

بالأعميينِ ولا قفيرةَ فازحلِ

ما كانَ ينكرُ في نديِّ مجاشعٍ

أكلُ الخزيرِ ولا ارتضاعُ الفيشلِ

ولقدْ تبينَ في وجوهِ مجاشعٍ

لؤمٌ يثورُ ضبابهُ لا ينجلي

ولقدْ تركتُ مجاشعاً وكأنهمْ

فقعٌ بمدرجةِ الخميسِ الجحفلِ

إني إلى جبليْ تميمٍ معقلي

ومحلُّ بيتيَ في اليفاعِ الأطولِ

أحلامنا تزنُ الجبالَ رزانةٌ

ويفوقُ جاهلنا فعالَ الجهلِ

فاعجلْ إلى حكمي قريشٍ إنهمْ

أهلُ النبوةِ والكتابِ المنزلِ

فاسألْ إذا خرجَ الخدامُ وأحمشتْ

حربٌ تضرمُ كالحريقِ المشعلِ

والخيلُ تنحطُ بالكماةِ وقد رأوا

لمعَ الربيئةِ بالنيافِ العيطلِ

أبني طهيةَ يعدلونَ فوارسي

وبنو خضافِ وذاكَ ما لمْ يعدلِ

وإذا غضبتُ رمى ورائيَ بالحصى

أبناءُ جندلتي كخيرِ الجندلِ

عمرٌو وسعدٌ يا فرزدقُ فيهمِ

زهرُ النجومِ وباذخاتُ الأجبلِ

كانَ الفرزدقُ إذْ يعوذُ بخالهِ

مثلَ الذليلِ يعوذُ تحتَ القرملِ

فافخرْ بضبةَ إنَّ أمكَ منهمُ

ليسَ ابنُ ضبةَ بالمعمِّ المخولِ

وقضتْ لنا مضرٌ عليكَ بفضلنا

وقضتْ ربيعةُ بالقضاءِ الفيصلِ

إن الذي سمكَ السماءَ بنى لنا

عزاً علاكَ فما لهُ منْ منقلِ

أبلغْ بني وقبانَ أنَّ حلومهمْ

خفتْ فما يزنونَ حبةَ خردلِ

أزرى بحكمكمُ الفياشُ فأنتمُ

مثلُ الفراشِ غشينَ نارَ المصطلي

لوْ نكتَ أمكَ بعدَ أكلِ خزيرها

لتعدَّ مثلَ فوارسي لمْ تفعلِ

في مزبدٍ غلقٍ كأنَّ مشقهُ

خلُّ المجازةِ أو طريقُ العنصلِ

تصفُ السيوفَ وغيركمْ يعصى بها

يا ابنَ القيونِ وذاكَ فعلُ الصيقلِ

وبرحرحانَ تخضخضتْ أصلاؤكمْ

وفزعتمُ فزعَ البطانِ العزلِ

خصيَ الفرزدقُ والخصاءُ مذلةٌ

يرجو مخاطرةَ القرومِ البزلِ

هابَ الخواتنُ منْ بناتِ مجاشعٍ

مثلَ المحاجنِ أو قرونَ الأيلِ

وكأنَّ تحتَ ثيابِ خورِ مجاشعٍ

بطاً يصوتُ في سراةِ الجدولِ

قعدتْ قفيرةُ بالفرزدقِ بعدما

جهدَ الفرزدقُ جهدهُ لا يأتلي

ألهى أباكَ عنِ المكارمِ والعلى

ليُّ الكتائفِ وارتفاعُ المرجلِ

ولدتْ قفيرةُ قدْ علمتمْ خبثةً

بعدَ المشيبِ وبظرها كالمنجلِ

بزرودَ أرقصتِ القعودُ فراشها

رعثاتِ عنبلها الغدفلِ الأرعلِ

أشركتِ إذْ حملتْ لأمكَ خبثةً

حوضَ الحمارِ بليلةٍ منْ ثيتلِ

أبلغْ هديتيَ الفرزدقَ إنها

ثقلٌ يزادُ على حسيرٍ مثقلِ

وقال جرير يجيب الفرزدق:

سمتْ ليَ نظرةٌ فرأيتُ برقاً

تهامياً فراجعني ادكاري

يقولُ الناظرونَ إلى سناهُ

نرى بلقاً شمسنَ على مهارِ

لقدْ كذبتْ عداتكِ أمَّ بشرٍ

وقدْ طالتْ أناتي وانتظاري

عجلتِ إلى ملامتنا وتسري

مطايانا وليلكِ غيرُ ساري

فهانَ عليكِ ما لقيتْ ركابي

وسيري في الملمعةِ القفارِ

وأيامٌ أتينَ على المطايا

كأنَّ سمومهنَّ أجيجُ نارِ

كأنَّ على مغابنهنَّ هجراً

كحيلَ الليتِ أو نبعانَ قارِ

لقدْ أمسى البعيثُ بدارِ ذلٍّ

وما أمسى الفرزدقُ بالخيارِ

جلاجلُ كرجٍ وسبالُ قردٍ

وزندٌ من قفيرةَ غيرُ وارِ

عرفنا منْ قفيرةَ حاجبيها

وجذاً في أناملها القصارِ

تدافعنا فقالَ بنو تميمٍ

كأنَّ القردَ طوحَ منْ طمارِ

أطامعةٌ قيونُ بني عقالٍ

بعقبي حينَ فاتهمُ حضاري

وقدْ علمتْ بنو وقبانَ أني

ضبورُ الوعثِ معتزمُ الخبارِ

بيربوعٍ فخرتُ وآلِ سعدٍ

فلاَ مجديَ بلغتَ ولا فخاري

ليربوعٍ فوارسُ كلّ يومٍ

تواري شمسهُ رهجُ الغبارِ

عتيبةُ والأحيمرُ وابنُ قيسٍ

وعتابٌ وفارسُ ذي الخمارِ

ويومَ بني جذيمةَ إذْ لحقنا

ضحىً بينَ الشعيبةِ والعقارِ

وجوهُ مجاشعٍ طليتْ بلؤمٍ

يبينُ في المقلدِ والعذارِ

وحالفَ كلَّ جلدِ مجاشعي

قميصُ اللؤم ليسَ بمستعارِ

لهم أدرٌ يصوتُ في خصاهمْ

كتصويتِ الجلاجلِ في القطارِ

أغركمُ الفرزدقُ منْ أبيكمْ

وذكرُ مزادتينِ على حمارِ

وجدنا بيتَ ضبةَ في معدٍّ

كبيتِ الضبِّ ليسَ لهُ سواري

إذا ما كنتَ ملتمساً نكاحاً

فلاَ تعدلْ بجمعِ بني ضرارِ

فلاَ يمنعكَ منْ أربٍ لحاهمْ

سوادٌ والعمامةِ والخمارِ

وإنْ لاقيتَ ضبياً فنكهُ

فكلُّ رجالهمْ رخوُ الحتارِ

وقال جرير للفرزدق:

ألاَ حيِّ الديارَ بسعدَ أني

أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الديارا

أرادَ الظاعنونَ ليحزنوني

فهاجوا صدعَ قلبي فاستطارا

لقدْ فاضتْ دموعكَ يومَ قوٍّ

لبينٍ كانَ حاجتهُ ادكارا

أبيتُ الليلَ أرقبُ كلَّ نجمٍ

تعرضَ ثمَّ أنجدَ ثمَّ غارا

يحنُّ فؤادهُ والعينُ تلقى

منَ العبراتِ جولاً وانحدارا

إذا ما حلَّ أهلكِ يا سليمى

بدارةِ صلصلٍ شحطوا المزارا

فتدلونا القلوبُ إلى هواها

ويأبى أهلُ جهمةَ أنْ تزارا

كأنَّ مجاشعاً نخباتُ نيبٍ

هبطنَ الهرمَ أسفلَ منْ سرارا

إذا حلوا زرودَ بنوا عليها

بيوتَ الذلِّ والعمدَ القصارا

تسيلُ عليهمُ شعبُ المخازي

وقدْ كانوا لسوأتها قرارا

وهلْ كانَ الفرزدقُ غيرَ قردٍ

أصابتهُ الصواعقُ فاستدارا

وكنتَ إذا حللتَ بدارِ قومٍ

ظعنتَ بخزيةٍ وتركتَ عارا

فهلاَّ غرتَ يومَ أرادَ قومٌ

أصابوا عقرَ جعثنَ أنْ تغارا

أتذكرُ صوتَ جعثنَ إذْ تنادي

وتنشدكَ القلائدَ والخمارا

ألمْ يخشوا إذا بلغَ المخازي

على سوءاتِ جعثنَ أنْ تزارا

فإنَّ مجرَّ جعثنَ كانَ ليلاً

وأعينَ كانَ مقلتهُ نهارا

فلوْ أيامَ جعثنَ كانَ قومي

همُ قومَ الفرزدقِ ما استجارا

تزوجتمْ نوارَ ولمْ تريدوا

ليدركَ ثائرٌ بأبي نوارا

فدينكَ يا فرزدقُ دينُ ليلى

تزورُ القينَ حجاً واعتمارا

يظلُّ القينُ بعدَ نكاحِ ليلى

يطيرُ على سبالكمُ الشرارا

نكحتُ على البعيثِ فلمْ أطلقْ

فأجزأتُ التفردَ والضرارا

نشدتكَ يا بعيثُ لتخبرني

أليلاً نكتَ أمكَ أو نهارا

مريتمْ حربنا لكمُ فدرتْ

بذي علقٍ وأبطأتِ الغزارا

ألمْ أكُ قد نهيتُ على حفيرٍ

بني قرطٍ وعلجهمُ شقارا

سأرهنُ يا ابن حاديةِ الروايا

لكمْ مدَّ الأعنةِ والحضارا

يرى المتعبدونَ عليَّ دوني

حياضَ الموتِ واللججَ الغمارا

ألسنا نحنُ قدْ علمتْ معدٌّ

غداةَ الروعِ أجدرَ أنْ تغارا

فوارسنا عتيبةُ وابنُ سعدٍ

وقوادُ المقانبِ حيثُ سارا

ومنا المعقلانِ وعبدُ قيسٍ

وفارسنا الذي منعَ الذمارا

فما ترجو النجومَ بنو عقالٍ

ولا القمرَ المنيرَ إذا استنارا

ونحن الموقدونَ بكلِّ ثغرٍ

يخافُ بهِ العدوُّ عليكَ نارا

أتنسونَ الزبيرَ ورهنَ عوفٍ

وعوفاً حينَ غركمُ فخارا

تركتُ القينَ أطوعَ من خصيٍّ

يعضُّ بأيرهِ المسدَ المغارا

وقال جرير للفرزدق:

سرتِ الهمومُ فبتنَ غيرَ نيامِ

وأخو الهمومِ يرومُ كلَّ مرامِ

ذمَّ المنازلَ بعدَ منزلةِ اللوى

والعيشَ بعدَ أولئكَ الأقوامِ

ضربتْ معارفها الروامسُ بعدنا

وسجالُ كلِّ مجلجلٍ سجامِ

ولقد أراكِ وأنتِ جامعةُ الهوى

نثني بعهدك خيرَ دارِ مقامِ

فإذا وقفتُ على المنازلِ باللوى

فاضتْ دموعي غيرَ ذاتِ سجامِ

طرقتكَ صائدةُ القلوبِ وليسَ ذا

حينَ الزيارةِ فارجعي بسلامِ

تجري السواكَ على أغرَّ كأنهُ

بردٌ تحدرَ من متونِ غمامِ

لو كانَ عهدكِ كالذي حدثتنا

لوصلتِ ذاك فكانَ غيرَ رمامِ

إني أواصلُ منْ أردتُ وصالهُ

بحبالِ لا صلفٍ ولا لوامِ

ولقد أراني والجديدُ إلى بلىً

في فتيةٍ طرفِ الحديثِ كرامِ

طلبوا الحمولَ على خواضعَ كالبرى

يحملنَ كلَّ معذلٍ بسامِ

لولا مراقبةُ العيونِ أريننا

مقلَ المها وسوالفَ الأرآمِ

ونظرنَ حينَ سمعنَ رجعَ تحيتي

نظرَ الجيادِ سمعنَ صوتَ لجامِ

كذبَ العواذلُ لو رأينَ مناخنا

بحزيزِ رامةَ والمطيُّ سوامِ

والعيسُ جائلةُ الغروضُ كأنها

بقرٌ جوافلُ أو رعيلُ نعامِ

نصي القلوصَ بكلِّ خرقٍ مهمهٍ

عمقِ الفجاجِ مخرجٍ بقتامِ

يدمى على خدمِ السريحِ أظلها

والمروُ من وهجْ الظهيرةِ حامِ

باتَ الوسادُ على ذراعِ شملةٍ

وثنى أشاجعه بفضلِ زمامِ

إنَّ ابنَ آكلةِ النخالةِ قدْ جنى

حرباً عليهِ ثقيلةَ الأجرامِ

خلقَ الفرزدقُ سوءةً في مالكٍ

ولخلفُ ضبةَ كانَ شرَّ غلامِ

مهلاً فرزدقُ إنَّ قومكَ فيهمِ

خورُ القلوبِ وخفةُ الأحلامِ

الظاعنونَ على العمى بجميعهمْ

والنازلونَ بشرِّ دارِ مقامِ

لوْ غيركمْ علقَ الزبيرَ وحبلهُ

أدى الجوارَ إلى بني العوامِ

كانَ العنانُ على أبيكَ محرماً

والكيرُ كانَ عليهِ غيرَ حرامِ

عمداً أعرفُ بالهوانِ مجاشعاً

إنَّ اللئامَ عليَّ غيرُ كرامِ

تلقى الضفنةَ من بناتِ مجاشعٍ

تهذي استها بطوارقِ الأحلامِ

وقال جرير يجيب الفرزدق ويجمع معه البعيث والأخطل:

زارَ الفرزدقُ أهلَ الحجازِ

فلمْ يحظَ فيهمْ ولمْ يحمدِ

وأخزيتَ قومكَ عندَ الحطيمٍ

وبينَ البقيعينِ والغرقدِ

وجدنا الفرزدقَ بالموسمينِ

خبيثَ المداخلِ والمشهدِ

نفاكَ الأغرُّ ابنُ عبدِ العزيزِ

بحقكَ تنفى عنِ المسجدِ

وشبهتَ نفسكَ أشقى ثمودَ

فقالوا ضللتَ ولمْ تهتدِ

وقد أجلوا حينَ حلَّ العذابُ

ثلاثَ ليالٍ إلى الموعدِ

وشبهتَ نفسكَ حوقَ الحمارِ

خبيثَ الأواريِّ والمرودِ

وجدنا جبيراً أبا غالبٍ

بعيدَ القرابةِ منْ معبدِ

أتجعلُ ذاك الكيرِ منْ مالكٍ

وأينَ سهيلٌ منَ الفرقدِ

وعرقُ الفرزدقِ شرُّ العروقِ

خبيثُ الثرى كابيُ الأزندِ

وأوصى جبيرٌ إلى غالبٍ

وصيةَ ذي الرحمِ المجهدِ

فقالَ ارفقنَّ بليِّ الكتيفِ

وحكِّ المشاعبِ بالمبردِ

وجعثنُ حطَّ بها المنقريُّ

كرجعِ يدِ الفالجِ الأحردِ

تثاءبُ منْ طولِ ما أبركتْ

تثاؤبَ ذي الرقيةِ الأدردِ

فهلاَّ ثأرتَ ببنتِ القيون

وتتركُ شوقاً إلى مهددِ

وهلاَّ ثأرتَ بحلِّ النطاقِ

ودقِّ الخلاخلِ والمعضدِ

فأصبحتَ تفقرُ آثارهمْ

ضحىً مشيةَ الجاذفِ الأعقدِ

كليلاً وجدتمْ بني منقرٍ

سلاحَ قتيلكمُ المسندِ

تقولُ نوارُ فضحتَ القيونَ

فليتَ الفرزدقَ لمْ يولدِ

وفاتَ الفرزدقُ بالكلبتينِ

وعدلٍ منَ الحممِ الأسودِ

فرقعْ لجدكَ أكيارهُ

وأصلحْ متاعكَ لا يفسدِ

وأدنِ العلاةَ وأدنِ القدومَ

ووسعْ لكيركَ في المقعدِ

قرنتُ البعيثَ إلى ذي الصليبِ

معَ القينِ في المرسِ المحصدِ

وقد قرنوا حين جدَّ الرهانُ

بسامٍ إلى الأمدِ الأبعدِ

يقطعُ بالجري أنفاسهمْ

بثنيِ العنانِ ولمْ يجهدِ

فإنا أناسٌ نحبُّ الوفاءَ

حذارَ الأحاديثِ في المشهدِ

ولا نحتبي عند عقدِ الجوارِ

بغيرِ النجادِ ولا نرتدي

شددتمْ حباكمْ على غدرةٍ

بجيشانَ والسيفُ لمْ يغمدِ

فلما احتبيتَ وأنتَ الذليلُ

قعدتَ على استٍ لدى قعددِ

فبعداً لقومٍ أجاروا الزبيرَ

وأما الزبيرُ فلمْ يبعدِ

أعبتَ فوارسَ يومِ الغبيطِ

وأيامَ بشرِ بني مرثدِ

ويوماً ببلقاءَ يا ابنَ القيونِ

شهدنا الطعانَ ولمْ تشهدِ

فصبحنَ أبجرَ والحوفزانَ

بوردٍ مشيحٍ على الذودِ

ويومَ البحيرينِ ألحقننا

لهنَّ أخاديدُ في القرددِ

نعضُّ السيوفُ بهامِ الملوكِ

ونشفي الطماحَ منَ الأصيدِ

وقال جرير للفرزدق لما تزوج حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان أبوها نصرانيا، وأراد الفرزدق أن يغيظ النوار بنت عين بن صنيعة بن ناجية بن عقال وكان الفرزدق تزوجها أعني النوار فأخبرت النوار جريراً بذلك وشكت الفرزدق إليه، فقال: أنا أكفيكه وقال:

لستُ بمعطي الحكمَ منْ شفِّ منصبٍ

ولا عنْ بناتِ الحنظلينَ راغبُ

أراهنَّ ماءَ المزنِ يشفى بهِ الصدى

وكانتْ ملاحاً غيرهنَّ المشاربُ

لقدْ كنتَ أهلاً أن تسوقَ دياتكمْ

إلى آلِ زيقٍ أنْ يعيبكَ عائبُ

وما عدلتْ ذاتُ الصليبِ ظعينةٌ

عتيبةُ والردفانِ منها وحاجبُ

ألا ربما لمْ نعطِ زيقاً بحكمهِ

وأدى إلينا الحكمَ والغلُّ لازبُ

حوينا أبا زيقٍ وزيقاً وعمهُ

وجدةُ زيقٍ قد حوتها المقانبُ

ألمْ تعرفوا يا آلِ زيقٍ فوارسي

إذا اغبرَّ منْ كرِّ الطرادِ الحواجبُ

حوتْ هانئاً يومَ الغبيطينِ خيلنا

وأدركنَ بسطاماً وهنَّ شوازبُ

صبحناهمُ جرداً كأنَّ غبارها

شآبيبُ صيفٍ يزدهينَّ حاصبُ

بكلِّ ردينيٍّ يطاردُ متنهُ

كما اختبَّ سيدٌ بالمراضينِ لاغبُ

جزى اللهُ زيقاً وابنَ زيقٍ ملامةٌ

على أنني في ودِّ شيبانَ راغبُ

أأهديتَ يا زيقَ بنَ زيقٍ غريبةٌ

إلى شرِّ من تهدى إليه الغرائبُ

فأمثلُ ما في صهركمْ أنَّ صهركمْ

مجيدٌ لكم ليَّ الكتيفِ وشاعبُ

عرفناكَ منْ حوقِ الحمارِ لخبثةٍ

وكانَ لضماتٍ منَ القينِ غالبُ

بني مالكٍ أدوا إلى القينِ حقهُ

وللقينِ حقٍّ في الفرزدقِ واجبُ

أثائرةٌ حدراءُ منْ جرَّ بالنقا

وهلْ في بني حدراءَ للوترِ طالبُ

أتثأرُ بسطاماً إذا ابتلتِ استها

وقد بولتْ في مسمعيهِ الثعالبُ

ذكرتَ بناتِ الشمسِ والشمسُ لمْ تلدْ

وأيهاتَ من حوقِ الحمارِ الكواكبُ

ولو كنتَ حراً كانَ عشرٌ سياقةً

إلى آلِ زيقٍ والوصيفُ المقاربُ

وقال يجيب الفرزدق:

أقمنا وربتنا الديارُ ولا أرى

كمربعنا بين الحنيينِ مربعا

ألا حبَّ بالوادي الذي ربما نرى

بهِ منْ جميعِ الحيِّ مرأى ومسمعا

ألا لا تلوما القلبَ أنْ يتخشعا

فقدْ هاجتِ الأحزانُ قلباً مفزعا

وجودا لهندٍ بالكرامةِ منكما

وما شئتما أنْ تمنعا بعدُ فامنعا

وما حفلتْ هندٌ تعرضَ حاجتي

ولا نومَ عينيَّ الغشاشَ المروعا

بنفسي منْ جارٍ على غربةِ النوى

أرادَ بسلمانينَ بيناً فودعا

كأنَّ غماماً في الخدورِ التي غدتْ

دنا ثمَّ هزتهُ الصبا فترفعا

فليتَ ركابَ الحيّ يومَ تحملوا

بحومانةِ الدراجِ أصبحنَ ظلعا

بني مالكٍ إنَّ الفرزدقَ لمْ يزلْ

فلوَّ المخازي مذْ لدنْ أنْ تيفعا

رميتُ ابنَ ذي الكيرين حتى تركتهُ

قعودَ القوافي ذا علوبٍ موقعا

وفقأتُ عينيْ غالبٍ عندَ كيرهِ

وأقلعتُ عنْ أنفِ الفرزدقِ أجدعا

مددتُ لهُ الغاياتِ حتى نخستهُ

جريحَ الذنابى قانيءَ السنِ مقطعا

ضغا قردكمْ لما اختطفتُ فؤادهُ

ولابنِ وثيلٍ كان خدكَ أضرعا

وما غرَّ أولادَ القيونَ مجاشعا

بذي صولةٍ يحمي العرينَ الممنعا

ويا ليت شعري ما تقولُ مجاشعٌ

ولمْ تترك كفاكَ في القوسِ منزعا

وأيةُ أحلامٍ رددنَ مجاشعاً

يعلونَ ذيفاناً منَ السمِّ منقعا

ألا ربما باتَ الفرزدقُ نائماً

على حرِّ نارٍ تتركُ الوجهَ أسفعا

وكانَ المخازي طالما نزلتْ بهِ

فيصبحُ منها قاصرَ الطرفِ أخضعا

وإنَّ ذيادَ الليلِ لا تستطيعهُ

ولا الصبحَ حتى يستنيرَ فيسطعا

تركتُ لك القينين قينيْ مجاشعٍ

ولا يأخذانِ النصفَ شتى ولا معا

وقدْ وجداني حينَ مدتْ حبالنا

أشدَّ محاماةٌ وأبعدَ منزعا

وإني أخو الحربِ التي يصطلى بها

إذا حملتهُ فوقَ حالٍ تشنعا

وأدركتُ منْ قدْ كانَ قبلي ولمْ أدعْ

لمنْ كانَ بعدي في القصائدِ مصنعا

تفجعَ بسطامٌ وخبرهُ الصدى

وما يمنعُ الأصداءَ ألاَّ تفجعا

وقالَ أقينٌ باشرَ الكيرَ باسته

وأغرلَ ربتهُ قفيرةُ مسبعا

سيتركُ زيقٌ صهرَ آلِ مجاشعٍ

ويمنعُ زيقٌ ما أرادَ ليمنعا

أتعدلُ مسعوداً وقيساً وخالداً

بأقيانِ ليلى لا نرى ذاكَ مقنعا

ولما غررتمْ منْ أناسٍ كريمةً

لؤمتمْ وضقتمْ بالكرائمِ أذرعا

فلولاَ تلاقوا يومَ حدراءَ قومها

لوسدها كيرَ القيونِ المرقعا

رأى القينُ أختانَ الشناءةِ قدْ جنوا

منَ الحربِ جرباءَ المساعرِ سلفعا

وإنكَ لو راجعتَ شيبانَ بعدها

لأبتَ بمصلومِ الخياشيمِ أجدعا

إذا فوزتْ عن نهربينَ تقاذفتْ

بحدراءَ دارٌ لا تريدُ لتجمعا

وأضحتْ ركابُ القينَ منْ خيبةِ السرى

ونقلِ حديدِ القينِ حسرى وظلعا

وحدراءُ لوْ لمْ ينجها اللهُ برزتْ

إلى شرِّ ذي حرثٍ دمالاً ومزرعا

وقدْ كانَ رجساً طهرتْ منْ جماعةٍ

وآبَ إلى شرِّ المضاجعِ مضجعا

وآبَ إلى خوارةِ منْ مجاشعٍ

هي الجفرُ بلْ كانتْ منَ الجفرِ أوسعا

متى تسمعِ الجيرانُ قبقبةَ استها

طروقاً وضيفاها الدخيلانَ يفزعا

فإنَّ لكمْ في شأنِ حدراءَ ضيعةٌ

وجارُ بني زغدِ استها كانَ أضيعا

حميدةُ كانتْ للفرزدقِ جارةً

ينادمُ حوطاً عندها والمقطعا

سأذكرُ ما لمْ يذكروا عندَ منقرٍ

وأثني بعارٍ منْ حميدةَ أشنعا

وجعثنُ نادتْ باستها يالَ دارمٍ

فلمْ يلقَ حراً ذا شكيمٍ مشجعا

تناومتَ إذْ يسمُو أريبُ ابنُ عسعسٍ

على سوأةٍ راءى بها ثمَّ سمعا

تعسفتِ السيدانَ تدعو مجاشعاً

وجرتْ إلى قيسٍ خشاخشَ أجمعا

لقدْ ولدتْ أمُّ الفرزدقِ فخةٌ

ترى بينَ رجليها مناحيَ أربعا

وقدْ جرجرتهُ الماءَ حتى كأنها

تعالجُ في أقصى وجارينِ أضبعا

ولوْ حملتْ بالفيلِ ثمتَ طرقتْ

بفيلينِ جاءا منْ مثابرها معا

ولوْ دخنتْ بعدَ العشاءِ بمجمرِ

لما انصرفتْ حتى تبولَ وتضفعا

لقدْ أولعتْ بالقينِ خورُ مجاشعٍ

وكانَ بها قينُ العديلةِ مولعا

تركتمْ جبيراً عندَ ليلى خليفةً

أصعصعَ بئسَ القينُ قينكَ صعصعا

وما حفلتْ ليلى ملامةَ رهطها

ولا حفظتْ سرَّ الحصانِ الممنعا

دعاكمْ حواريُّ الرسولِ فكنتمُ

عضاريطَ يا خشبَ الخلافِ المصرعا

أبانَ لكمُ في غالبٍ قدْ علمتمُ

نجارُ جبيرٍ قبلَ أنْ يتنفعا

أغركَ جارٌ ضلَّ قائمُ سيفهِ

فلاَ رجعَ الكفانِ إلاَّ مكنعا

وآبَ ابنُ ذيالٍ جميعاً وأنتمُ

تعدونَ غنماً رحلهُ المتمزعا

فلاَ تدعُ جاراً منْ عقالٍ ترى لهُ

ضواغطَ يلثقنَ الإزارَ وأضرعا

فلاَ قينَ شرٌّ منْ أبي القينِ غالبٍ

ولاَ لؤمَ إلاَّ دونَ لؤمكَ صعصعا

تعدونَ عقرَ النيبِ أفضلَ سعيكمْ

بني ضوطرى هلاَّ الكميَّ المقنعا

وتبكي على ما فاتَ قبلكَ دارماً

فإنْ تبكِ لا تتركْ لعينيكَ مدمعا

لعمركَ ما كانتْ حماةُ مجاشعٍ

كراماً ولا حكامُ ضبةَ مقنعا

أتعدلُ يربوعاً خناثى مجاشعٍ

إذا هزَّ بالأيدي القنا فتزعزعا

تلاقي ليربوعٍ إيادَ أرومةٍ

وعزاً أبتْ أوتادهُ أنْ تنزعا

وجدتُ ليربوعٍ إذا ما عجمتهمْ

منابتَ نبعٍ لمْ يخالطنَ خروعا

همُ القومُ لو باتَ الزبيرُ لديهمِ

لما باتَ مفلولاً ولاَ متطلعا

وقدْ علمَ الأقوامُ أنَّ سيوفنا

عجمنَ حديدَ البيضِ حتى تصدعا

ألاَ ربَّ جبارٍ عليهِ مهابةٌ

سقيناهُ كأسَ الموتِ حتى تضلعا

نقودُ جياداً لمْ تقدها مجاشعٌ

تكونُ منَ الأعداءِ مرأى ومسمعا

تداركنَ بسطاماً فأنزلَ في الوغى

عناقاً ومالَ السرجُ حتى تقعقعا

دعا هانئٌ بكراً وقدْ عضَّ هانئاً

عرى الكبلِ فينا الصيفَ والمتربعا

ونحنُ خضبنا لابنِ كبشةَ تاجهُ

ولاقى امرأً في ضمةِ الخيلِ مصقعا

وقابوسُ أعضضنا الحديدَ ومنذراً

وحسانَ إذْ لا يدفعُ الذلَّ مدفعا

وقدْ جعلتْ يوماً بطخفةَ خيلنا

مجراً لذي التاجِ الهمامِ ومصرعا

وقدْ جربَ الهرماسُ أنَّ سيوفنا

عضضنَ برأسِ الكبشِ حتى تصدعا

ونحنُ تداركنا بحيراً وقدْ حوى

نهابَ العنابينِ الخميسُ ليربعا

فعاينَ بالمروتِ أمنعَ معشرٍ

صريخَ رياحٍ واللواءَ المزعزعا

فوارسَ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ

إذا كانَ يوماً ذا كواكبَ أشنعا

ومنا الذي أبلى صديَّ بنَ مالكٍ

ونفرَ طيراً عنْ جعادةَ وقعا

فدعْ عنكَ لوماً في جعادةَ إنما

وصلناهُ إذْ لاقى ابنَ بيبةَ أقطعا

ضربنا عميدَ الصمتينِ فأعولتْ

جداعُ على صلتِ المفارقِ أنزعا

أخيلكَ إذْ خيلي ببلقاءَ أحرزتْ

دعائمَ عرشِ الحيِّ أنَ يتضعضعا

ولوْ شهدتْ يومَ الوقيظينِ خيلنا

لما قاظتِ الأسرى القطاطِ ولعلعا

ربعنا وأردفتا الملوكَ فظللوا

وطابَ الأحاليبِ الثمامَ المنزعا

فتلكَ مساعٍ لمْ تنلها مجاشعٌ

سبقتَ فلاَ تجزعْ منَ الحقِّ مجزعا

وقال جرير يرثي خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية بن خلف بن بجاد بن معاوية بن أوس بن كليب، وهي أم حزرة وكان جرير يسمي هذه القصيدة الجوساء لذهابها في البلاد وقيل الحوساء بالحاء:

لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ

ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ

ولقدْ نظرتُ وما تمتعُ نظرةٍ

في اللحدِ حيثُ تمكنَ الحفارُ

ولهتِ نفسيَ إذْ علتني كبرةٌ

وذوو التمائمِ منْ بنيكِ صغارُ

أرعى النجومَ وقدْ مضتْ غوريةً

عصبُ النجومِ كأنهنَّ صوارُ

نعمَ القرينُ وكنتِ علقَ مضنةٍ

وارى بنعفِ بليةَ الأحجارُ

عمرتْ مكرمةَ المساكِ وفارقتْ

ما مسها صلفٌ ولا إقتارُ

فسقى صدى جدثٍ ببرقةِ ضاحكٍ

هزمٌ أجشُّ وديمةٌ مدرارُ

هزمٌ أجشُّ إذا استحارَ ببلدةٍ

فكأنما بجوائها الأنهارُ

متراكبٌ زجلٌ يضيءُ وميضهُ

كالبلقِ تحتَ بطونها الأمهارُ

كانتْ مكرمةَ العشيرِ ولمْ يكنْ

يخشى غوائلَ أمِّ حزرةَ جارُ

ولقدْ أراكِ كسيتِ أجملَ منظرٍ

ومعَ الجمالِ سكينةٌ ووقارُ

والريحُ طيبةٌ إذا استقبلتها

والعرضُ لا دنسٌ ولا خوارُ

وإذا سريتُ رأيتُ ناركِ نورتْ

وجهاً أغرَّ تزينهُ الإسفارُ

صلى الملائكةُ الذينَ تخيروا

والصالحونَ عليكِ والأبرارُ

وعليكِ منْ صلواتِ ربكِ كلما

نصبَ الحجيجُ ملبئينَ وغاروا

يا نظرةً لكَ يومَ هاجتْ عبرةً

في أمِّ حزرةَ بالنميرةِ دارُ

تحيي الروامسُ ربعها فتجدهُ

بعدَ البلى وتميتهُ الأمطارُ

وكأنَّ منزلةً لها بجلاجلٍ

وحيُ الزبورِ تخطهُ الأحبارُ

لا تكثرنَّ إذا جعلتَ تلومني

لا يذهبنَّ بحلمكَ الإكثارُ

كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا

متبدلينَ وبالديارِ ديارُ

لا يلبثُ القرناءَ أنْ يتفرقوا

ليلٌ يكرُّ عليهمِ ونهارُ

أفأمَّ حزرةَ يا فرزدقُ عبتمُ

غضبَ المليكُ عليكمُ الجبارُ

كانتْ إذا هجرَ الحليلُ فراشها

خزنَ الحديثُ وكتمَ الأسرارُ

ليستْ كأمكَ إذْ يعضُّ بقرطها

قينٌ وليسَ على القرونِ خمارُ

سنبيرُ قينكمُ ولاَ يوفى بهِ

قينٌ بقارعةِ المقرِّ مثارُ

وجدَ الكتيفُ ذخيرةٌ في قبرهِ

والكلبتانِ جمعنَ والميشارُ

يبكي صداهُ إذا تهزمَ مرجلٌ

أوْ إنْ تثلمَ برمةٌ أعشارُ

رجفَ المقرُّ وصاحَ في شرقيهِ

قينٌ عليهِ دواخنٌ وشرارُ

قتلتْ أباكَ بنو فقيمٍ عنوةُ

إذْ جرَّ ليسَ على أبيكَ إزارُ

عقروا رواحلهُ فليسَ كقتلهِ

قتلٌ وليسَ كعقرهنَّ عقارُ

حدراءُ أنكرتِ القيونَ وريحهمْ

والحرُّ يمنعُ ضيمهُ الإنكارُ

لما رأتْ صدأ الحديدِ بجلدهِ

فاللونُ أورقُ والبنانُ قصارُ

قالَ الفرزدقُ رقعي أكيارنا

قالتْ وكيفَ ترقعُ الأكيارُ

رقعْ متاعكَ إنَّ جدي خالدٌ

والقينُ جدكَ لمْ يلدكَ نزارُ

وسمعتها اتصلتْ بذهلٍ إنهم

ظلموا بصرهمِ القيونَ وجاروا

دعتِ المصورَ دعوةً مسموعةً

ومعَ الدعاءِ تضرعٌ وجؤارُ

عاذتْ بربكَ أنْ يكونَ قرينها

قيناً أحمَّ لفسوهِ إعصارُ

أوصتْ بلائمةٍ بزيقٍ وابنهِ

إنَّ الكريمَ تشينهُ الأصهارُ

إنَّ الفضيحةَ لوْ بليتَ بقينهمْ

ومعَ الفضيحةِ غربةٌ وضرارُ

شدوا الحبى وبشاركمُ عرقَ الخصى

بعدَ الزبيرِ وبعدَ جعثنَ عارُ

هلاَّ الزبيرَ منعتَ يومَ تشمستْ

حربٌ تضرمُ نارها مذكارُ

ودعا الزبيرُ فما تحركتِ الحبى

لوْ سمتهمْ جخفَ الخزيرِ لثاروا

غروا بعقدهمِ الزبيرَ كأنهمْ

أثوارُ محرثةٍ لهنَّ خوارُ

والصمتينِ أجرتمُ فغدرتمُ

وابنُ الأصمِّ بحبلِ بيتكَ جارُ

إنَّ التي بعجتْ بفيشلِ منقرٍ

يا شبَّ ليسَ لشأنها إسرارُ

وفتْ لجعثنَ دينَ جعثنَ منقرٌ

لا علةٌ بهمِ ولا إعسارُ

قطعوا بجعثنَ ذا الحماطِ تقحماً

وإلى خشاخشَ جريها أطوارُ

لقيتْ صحارَ بني سنانٍ فيهمِ

حدباً كأعضلِ ما يكونُ صحارُ

طعنتْ بأيرِ مقاعسي مخلجٍ

فأصيبَ عرقُ عجانها النعارُ

أخزاكَ رهطُ ابنِ الأشدِّ فأصبحتْ

أكبادُ قومكِ ما لهنَّ مرارُ

باتتْ تكلفُ ما علمتَ ولمْ تكنَ

عونٌ تكلفهُ ولاَ أبكارا

باتَ الفرزدقُ عابداً وكأنها

قعوٌ تعاورهُ السقاةُ معارُ

دعيَ الطبيبُ طبيبُ جعثنَ بعدما

عصتِ العروقُ أدبرَ المسبارُ

شبهتُ شعرتها إذا ما أبركتْ

أذنيْ أزبَّ يفرهُ السمسارُ

سبوا الحمارَ فسوفَ أهجو

نسوةً للكيرِ وسطَ بيوتهنَّ أوارُ

منْ كلِّ منسفةِ العجانِ كأنهُ

جفرٌ تغضفَ منْ جويةَ هارُ

لخواءُ مزبدةٌ إذا ما قبقبتْ

هدرتْ فألثقَ ثوبها التهدارُ

تغلي المشاقة تبتغي دسمَ استها

فمنَ المشاقةِ عندها أكرارُ

تلقى بناتِ أبي الجلوبقِ نزعاً

نحو القيونِ وما بهنَّ نفارُ

وتخيرتْ ليلى القيونَ وريحهمُ

ما كانَ في صدإِ القيونِ خيارُ

حنتْ وحنَّ إلى جبيرٍ نسوةٌ

خزرٌ يطفنَ بهِ وهنَّ ظؤارُ

تدعى لصعصعةِ الضلالِ وأحصنتْ

للقينِ يا بنَ قفيرةَ الأطهارُ

وخضافِ قدْ ولدتْ أباكَ مجاشعاً

وبنيهِ قدْ ولدتهمُ النخوارُ

يا شبَّ ويلكَ ما لقيتَ منَ التي

أخزتكَ ليلةَ نجدَ الأستارُ

يا شبَّ ويحكَ إنها من نسوةٍ

خورٍ لهنَّ إذا انتشينَ جؤارُ

نثلتْ عليكَ منَ الخزيرِ كأنها

جفرٌ تخرمَ حافتيهِ جفارُ

إنَّ الفرزدقَ لنْ يزايلَ لؤمهُ

حتى يزولَ عن الطريقِ صرارُ

فيمَ المراءُ وقدْ سبقتُ مجاشعاً

سبقاً تقطعُ دونهُ الأبصارُ

قضتِ الغطارفُ منْ قريشٍ فاعترفْ

يا بنَ القيونِ عليكَ والأنصارُ

هلْ في مئينَ وفي مئينَ سبقتها

مدَّ الأعنةِ غايةٌ وحضارُ

كذبَ الفرزدقُ إنَّ عودَ مجاشعٍ

قصفٌ وإنَّ صليبهمْ خوارُ

ما كانَ يخلفُ يا بني زبدِ استها

منكمْ مخيلةُ باطلٍ وفخارُ

وإذا بطنتَ فأنتَ يا ابنَ مجاشعٍ

عبدُ الهوانِ جنادفٌ نثارُ

سعدٌ أبوْا لكَ أنْ تفي بجوارهمْ

أوْ أنْ يفي لكَ بالجوارِ جوارُ

تلكَ التي شدخوا بواطنَ كينها

أضحى مخالطَ بولها الإمغارُ

قدْ طالَ قرعكَ قبلَ ذاكَ صفاتنا

حتى صممتَ وفللَ المنقارُ

يا ابنَ القيونِ فطالَ ما جربتني

والنزعُ حيثُ أمرتِ الأوتارُ

ما في معاودتي الفرزدقَ فاعلموا

لمجاشعٍ ظفرٌ ولا استبشارُ

إنَّ القصائدَ قدْ جدعنَ مجاشعاً

بالشتمِ يلحمُ نسجها وينارُ

ولقوا عواصي قدْ عييتَ بنقضها

ولقدْ نقضتَ فما بكَ استمرارُ

قدْ كانَ قومكَ يحسبونكَ شاعراً

حتى غرقتَ وضمكَ التيارُ

نزعَ الفرزدقُ ما يسرُّ مجاشعاً

منهُ مراهنةٌ ولا مشوارُ

قصرتْ يداكَ عنِ السماءِ ولمْ يكنْ

في الأرضِ للشجرِ الخبيثِ قرارُ

أثنتْ نوارُ على الفرزدقِ خزيةً

صدقتْ وما كذبتْ عليكَ نوارُ

إنَّ الفرزدقَ لا يزالُ مقنعاً

وإليهِ بالعملِ الخبيثِ يشارُ

لا يخفينَّ عليكَ أنَّ مجاشعاً

لو ينفخونَ منَ الخؤورِ لطاروا

إذْ يوسرونَ فما يفكُّ أسيرهمْ

ويقتلونَ فتسلمُ الأوتارُ

ويفايشونكَ والعظامُ ضعيفةٌ

والمخُّ ممتخرُ الهنانةِ رارُ

شهدَ المهملُ أنَّ جيشَ مجاشعٍ

رضعوا الأيورَ على الخزيرِ فخاروا

نظروا إليكَ وقدْ تقلبَ هامهمْ

نظرَ الضباعِ أصابهنَّ دوارُ

لا تغلبنَّ على ارتضاعِ أيوركمْ

أوصى بذاكَ أبوكمُ المهمارُ

يسرَ الدهيمَ بنو عقالٍ بعدما

نكحوا الدهيمَ فقبحَ الأيسارُ

وبكى البعيثُ على الدهيمِ وقدْ رغا

لأبي البعيثِ منَ الدهيمِ حوارُ

وإذا أرادَ مجاشعيٌّ سوأةً

نكحَ الدهيمَ وفي استهِ استيخارُ

قرنَ الفرزدقُ والبعيثُ وأمهُ

وأبو الفرزدقِ قبحَ الإستارُ

إنَّ البعيثَ عجانُ ثورٍ قادهُ

وسطَ الحجيجِ لينحرَ البقارُ

أضحى يرمزُ حاجبيهِ كأنهُ

ذيخٌ لهُ بقصيمتينِ وجارُ

أمُّ البعيثِ كأنَّ حمرةَ بظرها

رئةُ المغدِّ يبينها الجزارُ

وتقولُ إذْ رضيتْ وأرضتْ سبعةٌ

لا يغضبنَّ عليكمُ البيزارُ

إنْ يكفِ أمكَ يا بعيثُ فربما

صدرتْ ومرنَ بظرها الإصدارُ

إذْ كانَ يلعبها وأنتَ حزورٌ

عبداً ضبارةَ بغثرٌ وشقارُ

قدْ طالَ رعيتها العواشي بعدما

سقطَ الجليدُ وهبتِ الأصرارُ

ذهبَ القعودُ بلحمِ مقعدةِ استها

وكأنَّ سائرَ لحمها الأفهارُ

ليستْ لقومي بالكتيفِ تجارةٌ

لكنَّ قوميَ بالطعانِ تجارُ

يحمي فوارسيَ الذينَ لخيلهمْ

بالثغرِ قدْ علمَ العدوُّ مغارُ

تدمى شكائمها وخيلُ مجاشعٍ

لمْ يندَ منْ عرقٍ لهنَّ عذارُ

إنا وقينكمُ يرقعُ كيرهُ

سرنا لنغتصبَ الملوكَ وساروا

عضتْ سلاسلنا على ابنيْ منذرٍ

حتى أقرَّ بحكمنا الجبارُ

وابني هجيمةَ قدْ تركنا عنوةً

لابنيْ هجيمةَ في الرماحِ جؤارُ

ورئيسُ مملكةٍ وطئنَ جبينهُ

يغشى حواجبهُ دمٌ وغبارُ

وإذا النساءُ خرجنَ غيرَ تبرزٍ

غرنا وعندَ خروجهنَّ نغارُ

نحمي مخاطرةٌ على أحسابنا

كرمَ الحماةُ وعزتِ الأخطارُ

ومجاشعٌ فضحوا فوارسَ مالكٍ

فربا الخزيرُ وضيعَ الأذمارُ

أعمارُ لوْ شهدَ الوقيطَ فوارسي

ما قيدَ يعتلُ عثجلٌ وضرارُ

يا ابنَ القيونِ وكيفَ تطلبُ مجدنا

وعليكَ منْ سمةِ القيونِ نجارُ

وقال جرير يجيب الفرزدق، ويهجو محمد بن عمير بن عطارد والأخطل:

لمنِ الديارُ ببرقةِ الروحانِ

إذْ لاَ نبيعُ زماننا بزمانِ

إنْ زرتُ أهلكِ لمْ يبالوا حاجتي

وإذا هجرتكِ شفني هجراني

هلْ رامَ جوُّ سويقتينِ مكانهُ

أوْ حلَّ بعدَ محلنا البردانِ

راجعتُ بعدَ سلوهنَّ صبابةٌ

وعرفتُ رسمَ منازلٍ أبكاني

أصبحنَ بعدَ نعيمِ عيشٍ مؤنقٍ

قفراً وبعدَ نواعمٍ أخدانِ

قدْ رابني نزعٌ وشيبٌ شاملٌ

بعدَ الشبابَ وعصرهِ الفينانِ

نزلَ المشيبُ على الشبابِ فراعني

وعرفتُ منزلهُ على إخواني

شعفَ القلوبَ وما تقضى حاجةٌ

مثلُ المها بصرائمِ الحومانِ

حورُ العيونِ يمسنَ غيرَ جوادفٍ

هزَّ الجنوبِ نواعمَ العيدانِ

وإذا وعدنكَ نائلاً أخلفنهُ

وإذا غنيتَ فهنَّ عنكَ غوانِ

أصحا فؤادكَ أيَّ حينِ أوانِ

أمْ لمْ يرعكَ تفرقُ الجيرانِ

بكرتْ حمامةُ أيكةٍ محزونةٍ

تدعو الهديلَ فهيجتْ أحزاني

لا زلتِ في غللٍ يسركِ ناقعٍ

وظلالِ أخضرَ ناعمِ الأغصانِ

ولقدْ أتيتُ ضجيعَ كلِّ مخضبٍ

رخصِ الأناملِ طيبِ الأردانِ

عطرِ الثيابِ منَ العبيرِ مذيلٍ

يمشي الهوينا مشيةَ السكرانِ

صدعَ الظعائنُ يومَ بنَّ فؤادهُ

صدعَ الزجاجةِ ما لذاكَ تدانِ

هلْ تؤنسانِ وديرُ أروى دوننا

بالأعزلينِ بواكرَ الأظعانِ

رفعتُ مائلةَ الدفوفِ أملها

طولُ الوجيفِ على وجىَ الأمرانِ

حرفاً أضرَّ بها السفارُ كأنها

جفنٌ طويتَ بهِ نجادَ يمانِ

وإذا لقيتَ على زرودَ مجاشعاً

تركوا زرودَ خبيثةَ الأعطانِ

قتلوا الزبيرَ وقيلَ إنَّ مجاشعاً

شهدوا بجمعِ ضياطرٍ عزلانِ

منْ كلِّ منتفخِ الوريدِ كأنهُ

بغلٌ تقاعسَ فوقهُ خرجانِ

يا مستجيرَ مجاشعٍ يخشى الردى

لا تأمننَّ مجاشعاً بأمانِ

إنَّ ابنَ شعرةَ والقرينَ وضوطرا

بئسَ الفوارسُ ليلةَ الحدثانِ

تلقى ضفنَّ مجاشعٍ ذا لحيةٍ

ولهُ إذا وضعَ الأزارَ حرانِ

أبنيَّ شعرةَ إنَّ سعداً لمْ يلدْ

قيناً بليتيهِ عصيمُ دخانِ

أبنا عدلتَ بني خضافِ مجاشعاً

وعدلتَ خالكَ بالأشدِّ سنانِ

شهدتْ عشيةَ رحرحانَ مجاشعٌ

بمجارفٍ جحفَ الخزيرِ بطانِ

وطئتْ سنابكُ خيلِ قيسٍ منكمُ

قتلى مصرعةٌ على الأعطانِ

أنسيتَ ويلَ أبيكَ غدرَ مجاشعٍ

ومجرَّ جعثنَ ليلةَ السيدانِ

لما لقيتَ فوارساً منْ عامرٍ

سلوا سيوفهمْ منَ الأجفانِ

ملأتمُ صففَ السروج كأنكمْ

خورٌ صواحبُ قرملٍ وأفانِ

للهِ درُّ يزيدَ يومَ دعاكمُ

والخيلُ مجلبةٌ على جلدانِ

لاقوا فوارسَ يطعنونَ ظهورهمْ

نشطَ البزاةِ عواتقَ الخربانِ

لا يخفينَّ عليكَ أنَّ محمداً

منْ نسلِ كلِّ ضفنةٍ مبطانِ

إنْ رمتَ عبدَ بني أسيدةَ عزنا

فانقلْ قواعدَ يذبلٍ وذقانِ

إنا لنعرفُ ما أبوكَ لدارمٍ

فالحقْ بأصلكَ منْ بني دهمانِ

لما انهزمتَ كفى الثغورَ مشيعٌ

منا غداةَ جبنتَ غيرُ جبانِ

شبثٌ فخرتُ بهِ عليكَ ومعقلٌ

وبمالكٍ وبفارسِ العلهانِ

هلاَّ طعنتَ الخيلَ يومَ لقيتها

طعنَ الفوارسِ منْ بني عقفانِ

ألقوا السلاحَ إليَّ آلَ عطاردٍ

وتعاظموا ضرطاً على الدكانِ

يا ذا العباءةِ إنَّ بشراً قدْ قضى

ألاَّ تجوزَ حكومةُ النشوانِ

فدعوا الحكومةَ لستمُ منْ أهلها

إنَّ الحكومةُ في بني شيبانِ

بكرٌ أحقُّ بأنْ تكونوا مقنعاً

أوْ أنْ يفوا بحقيقةِ الجيرانِ

قتلوا كليبكمُ بلقحةِ جاركمْ

يا خزرَ تغلبَ لستمُ بهجانِ

كذبَ الأخيطلُ إنَّ قوميَ فيهمِ

تاجُ الملوكِ ورايةُ النعمانِ

منهمْ عتيبةُ والمحلُّ وقعنبٌ

والحنتفانِ ومنهمُ الردفانِ

إني ليعرفُ في السرادقِ منزلي

عندَ الملوكِ وعندَ كلِّ رهانِ

ما زالَ عيصُ بني كليبٍ في حمىً

أشبٍ ألفِّ منابتِ العيصانِ

الضاربينَ إذا الكماةُ تنازلوا

ضرباً يقدُّ عواتقَ الأبدانِ

وحمى الفوارسُ منْ غداتةَ إنهمْ

نعمَ الحماةُ عشيةَ الإرنانِ

إنا لنستلبُ الجبابرَ تاجهمْ

قابوسُ يعلمُ ذاكَ والجونانِ

ولقْد شفوكَ منَ المكوى جنبهُ

واللهُ أنزلهُ بدارِ هوانِ

جاريتَ مطلعَ الجراءِ بنابهِ

روقٌ شبيبتهُ وعمركَ فانِ

ما زلتُ مذْ عظمَ الخطارُ معاوداً

ضبرَ المئينَ وسبقَ كلِّ رهانِ

فاقبضْ يديكَ فإنني في مشرفٍ

صعبِ الذرى متمنعِ الأركانِ

ولقدْ سبقتُ فما ورائي لاحقٌ

بدءاً وخليَ في الجراءِ عناني

نزعَ الأخيطلُ حينَ جدَّ جراؤنا

حطمَ الشوى متكسرَ الأسنانِ

قلْ للمعرضِ والمشورِ نفسهُ

منْ شاءَ قاسَ عنانهُ بعناني

عمداً حززتُ أنوفَ تغلبَ مثلَ

ما حزَّ المواسمُ آنفَ الأقيانِ

ولقدْ وسمتُ مجاشعاً ولتغلبٍ

عندى محاضرةٌ وطولُ هوانِ

قيسٌ على وضحِ الطريقِ وتغلبٌ

يتقاودونَ تقاودَ العميانِ

ليسَ ابنُ عابدةِ الصليبِ بمنتهٍ

حتى يذوقَ بكأسِ منْ عاداني

إنَّ القصائدَ يا أخيطلُ فاعترفْ

قصدتْ أباكَ مجرةَ الأرسانِ

وعلقتَ في قرنِ الثلاثةِ رابعاً

مثلَ البكارِ لززنَ في الأقرانِ

ما نابَ منْ حدثٍ فليسَ بمسلمي

عمري وحنظلتي ولا السعدانِ

وإذا بنوا أسدٍ عليّ تحدبوا

نصبتْ بنو أسدٍ لمنْ راداني

والغرُّ منْ سلفيْ كنانةَ إنهمْ

صيدُ الرؤوسِ أعزةُ السلطانِ

مالتْ عليكَ جبالُ غورِ تهامةٍ

وغرقتَ حيثُ تناطحِ البحرانِ

فلقيتَ رايةَ آلَ قيسٍ دونها

مثلُ الجمالِ طلينَ بالقطرانِ

هزوا السيوفَ فأشرعوها فيكم

وذوابلاً يخطرنَ كالأشطانِ

فتركنكمْ جزرَ السباعِ وفلكمْ

يتساقطونَ تساقطَ الحمنانِ

تركَ الهذيلُ هذيلُ قيسٍ منكمُ

قتلى يقبحُ روحها الملكانِ

فأخسأ إليكَ فلا سليمٌ منكمُ

والعامرانِ ولا بنو ذبيانِ

قومٌ لقيتَ قناتهمْ بسنانها

فلقوا قناتكَ غيرَ ذاتِ سنانِ

يا عبدَ خندفَ لا تزالُ معبداً

فاقعدْ بدارِ مذلةٍ وهوانِ

والزمْ بحلفكَ في قضاعةَ إنما

قيسٌ عليكَ وخندفٌ أخوانِ

أحموا عليكَ فلاَ تجوزُ بمنهلٍ

ما بينَ مصرَ إلى قصورِ عمانِ

والتغلبيُّ على الجوادِ غنيمةٌ

بئسَ الحماةُ عشيةَ الإرنانِ

والتغلبيُّ مغلبُ قعدتْ بهِ

مسعاتهُ عبدٌ بكلِّ مكانِ

سوقوا النقادَ فلاَ يحلُّ لتغلبٍ

سهلُ الرمالِ ومنبتُ الضمرانِ

لعنَ الإلهُ منَ الصليبِ إلههُ

واللابسينَ برانسَ الرهبانِ

والذابحينَ إذا تقاربَ فصحهمْ

شهبَ الجلودِ خسيسةَ الأثمانِ

منْ كلِّ ساجي الطرفِ أعصلَ نابهُ

في كلِّ قائمةٍ لهُ ظلفانِ

تغشى الملائكةُ الكرامُ وفاتنا

والتغلبيُّ جنازةُ الشيطانِ

يعطى كتابَ حسابهِ بشمالهِ

وكتابنا بأكفنا الأيمانِ

أيصدقونَ بمارِ سرجسَ وابنهِ

وتكذبونَ محمدَ الفرقانِ

ما في ديارِ مقامِ تغلبَ مسجدٌ

وترى مكاسرَ حنتمٍ ودنانِ

غرَّ الصليبُ ومارِ سرجسُ تغلباً

حتى تقاذفَ تغلبَ الرجوانِ

تلقى الكرامَ إذا خطبنَ غوالياً

والتغلبيةُ مهرها فلسانِ

تضعُ الصليبَ على مشقِّ عجانها

والتغلبيةُ غيرُ جدِّ حصانِ

قبحَ الإلهُ سبالَ تغلبَ إنها

ضربتْ بكلِّ مخفخفٍ خنانِ

وقال جرير، وقال يجيب الفرزدق:

سقياً لنهيِ حمامةٍ وحفيرِ

بسجالِ مرتجزِ الربابِ مطيرِ

سقياً لتلكَ منازلاً هيجنني

وكأنَّ باقيهنَّ وحيُ سطورِ

كمْ قدْ رأيتُ وليسَ شيءٌ باقياً

منْ زائرٍ طرفِ الهوى ومزورِ

وجدَ الفرزدقُ في مساعي دارمٍ

قصراً إذا افتخروا وطولَ أيورِ

لا يفخرنَّ وفي أديمِ مجاشعٍ

حلمٌ فليسَ سيورهُ بسيورِ

أبنيَّ شعرةَ لمْ نجدْ لمجاشعٍ

حلماً يوازنُ ريشةَ العصفورِ

إنا لنعلمُ ما غدا لمجاشعٍ

وفدٌ ولا ملكوا وثاقَ أسيرِ

ماذا رجوتَ منَ العلالةِ بعدما

نقضتْ حبالكَ واستمرَّ مريري

إنَّ الفرزدقَ حينَ يدخلُ مسجداً

رجسٌ فليسَ طهورهُ بطهورِ

إنَّ الفرزدقَ لا يبالي محرماً

ودمَ الهديِّ بأذرعٍ ونحورِ

أمسى الفرزدقُ في جلاجلِ كرجٍ

بعدَ الأخيطلِ زوجةً لجريرِ

رهطُ الفرزدقِ منْ نصارى تغلبٍ

أوْ تدعي كذباً دعاوةَ زورِ

حجوا الصليبَ وقربوا قربانكمْ

وخذوا نصيبكمُ منَ الخنزيرِ

إني سأخبرُ عنْ بلاءِ مجاشعٍ

منْ كانَ بالنخباتِ غيرَ خبيرِ

أخزى بني وقبانَ عقرُ فتاتهمْ

واغترَّ جارهمُ بحبلِ غرورِ

لوْ كانَ يعلمُ ما استجارَ مجاشعاً

أستاهَ مملحةٍ هوارمَ خورِ

قالَ الزبيرُ وأسلمتهُ مجاشعٌ

لا خيرَ في دنسِ الثيابِ غدورِ

يا شبَّ قدْ ذكرتْ قريشٌ غدركمْ

بينَ المحصبِ منْ منى وثبيرِ

وغدا الفرزدقُ يومَ فارقَ منقراً

في غيرِ عافيةٍ وغيرِ سرورِ

غمزَ ابنُ مرةَ يا فرزدقُ كينها

غمزَ الطبيبِ نغانغَ المعذورِ

خزيَ الفرزدقُ بعدَ وقعةِ سبعةٍ

كالحصنِ منْ ولدِ الأشدِّ ذكورِ

ترضي الغرابَ وقدْ عقرتمْ نابهُ

بنتُ الحتاتِ بمحبسٍ وسريرِ

قالتْ فدتكَ بروحها واستنشقتْ

منْ منخريهِ عصارةَ القفورِ

ركبتْ ربابكمُ بعيراً دارساً

في السوقِ أفضحَ راكبٍ وبعيرِ

أمتْ هنيدةُ خزيةٌ لمجاشعٍ

إذْ أولمتْ لهمُ بشرِّ جزورِ

ودعتْ أمامةُ بالوقيظِ مجاشعاً

فوجدتَ يا وقبانُ غيرَ غيورِ

كذبَ الفرزدقُ لنْ يجاريَ عامراً

يومَ الرهانِ بمقرفٍ مبهورِ

فانهَ الفرزدقَ أنْ يعيبَ فوارساً

حملوا أباهُ على أزبَّ نفورِ

ولقدْ جهلتَ بشتمِ قيسٍ بعدما

ذهبوا بريشِ جناحكَ المكسورِ

قيسٌ وجدُّ أبيكَ في أكيارهِ

قوادُ كلِّ كتيبةٍ جمهورِ

لنْ تدركوا غطفانَ لوْ أجريتمُ

يا بنَ القيونِ ولا بني منصورِ

فخروا عليكَ بكلِّ سامٍ معلمٍ

فافخرْ بصاحبِ كلبتينِ وكيرِ

كمْ أنجبوا بخليفةٍ وخليفةٍ

وأميرِ صائفتينِ وابنِ أميرِ

ولدَ الحواصنُ في قريشٍ منهمُ

يا ربَّ مكرمةٍ ولدنَ وخيرِ

فضلوا بيومِ مكارمٍ مشهورةٍ

يومٍ أغرَّ محجلٍ مشهورِ

قيسٌ تبيتُ على الثغورِ جيادهمْ

وتبيتُ عندَ صواحبِ الماخورِ

هلْ تذكرونَ بلاءكمْ يومَ الصفا

أوْ تذكرونَ فوارسَ المأمورِ

أوْ دختنوسَ غداةَ جزَّ قرونها

ودعتْ بدعوةِ ذلةٍ وثبورِ

إنَّ الضباعَ تباشرتْ بخصاكمُ

يومَ الصفا وأماعزَ التسريرِ

حانَ القيونُ وقدموا يومَ الصفا

ورداً فغورَ أسوأ التغويرِ

وسما لقيطٌ يومَ ذاكَ لعامرٍ

فاستنزلوهُ بلهذمٍ مطرورِ

وبرحرحانَ غداةَ كبلَ معبدٌ

نكحوا بناتكمُ بغيرِ مهورِ

فبما يسوءُ مجاشعاً زبدَ استها

حتى المماتِ تروحي وبكوري

وقال جرير يرد على الفرزدق:

لقدْ سرني ألاَّ تعدُّ مجاشعٌ

منَ الفخرِ إلاَّ عقرَ نابٍ بصوأرِ

أنابكَ أمْ قومٌ تفضُّ سيوفهمْ

على الهامِ ثنييْ بيضةِ المتجبرِ

لعمري لنعمَ المستجارونَ نهشلٌ

وحيُّ القرى للطارقِ المتنورِ

فوارسُ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ

إذا برزتْ ذاتُ العريشِ المخدرِ

ويدعونَ سلمى يا بني زبدِ استها

وضمرةَ لليومِ العماسِ المذكرِ

أولئكَ خيرٌ مصدقاً منْ مجاشعٍ

إذا الخيلُ جالتْ في القنا المتكسرِ

لعمري لقدْ أدرى هلالَ بنَ عامرٍ

بتنهيةِ المرباعِ رهطُ المجشرِ

وما زلتُ مذْ لمْ تستجبْ لكَ نهشلٌ

تلاقي صراحياً منَ الذلِّ فاصبرِ

وعافتْ بنو شيبانَ حوضيْ مجاشعٍ

وشيبانَ أهلُ الصفوِ غيرِ المكدرِ

ولوْ غضبتْ في شأنِ حدراءَ نهشلٌ

سموها بدهمٍ أوْ غزوها بأنسرِ

معازيلُ أكفالٌ كأنَّ خصاكمُ

قناديلُ قسِّ الحيرةِ المتنصرِ

وقال جرير يرد على الفرزدق:

بانَ الخليطُ برامتينِ فودعوا

أوَ كلما رفعوا لبينٍ تجزعُ

ردوا الجمالَ بذي طلوحٍ بعدما

هاجَ المصيفُ وقدْ تولى المربعُ

إنَّ الشواحجَ بالضحى هيجنني

في دارِ زينبَ والحمامُ السجعُ

نعبَ الغرابُ فقلتُ بينٌ عاجلٌ

وجرى بهِ الصردُ الغداةَ الألمعُ

إنَّ الجميعَ تفرقتْ أهواؤهمْ

إنَّ النوى بهوىَ الأحبةِ تفجعُ

كيفَ العزاءُ ولمْ أجدْ مذْ بنتمُ

قلباً يقرُّ ولا شراباً ينقعُ

ولقدْ صدقتكِ في الهوى وكذبتني

وخلبتني بمواعدٍ لا تنفعُ

قدْ خفتُ عندكمُ الوشاةَ ولمْ يكنْ

لينالَ عندي سركِ المستودعُ

كانتْ إذا أخذتْ لعيدٍ زينةً

هشَّ الفؤادُ وليسَ فيها مطمعُ

تركتْ حوائمَ صادياتٍ هيماً

منعَ الشفاءُ وطابَ هذا المشرعُ

أيامَ زبيبُ لا خفيفٌ حلمها

همشىَ الحديثِ ولا روادٌ سلفعُ

بانَ الشبابُ حميدةً أيامهُ

ولوَ أنَّ ذلكَ يشترى أوْ يرجعُ

رجفَ العظامُ منَ البلى وتقادمتْ

سني وفيَّ لمصلحٍ مستمتعُ

وتقولُ بوزعُ قدْ دببتَ على العصا

هلاَّ هزئتِ بغيرنا يا بوزعُ

ولقدْ رأيتكِ في العذارى مرةً

ورأيتُ رأسكِ وهو داجٍ أفرعُ

كيفَ الزيارةُ والمخاوفُ دونكمْ

ولكمْ أميرُ شناءةٍ لا يربعُ

يا أثلَ كابةَ لا حرمتِ ثرى الندى

هلْ رامَ بعدي ساجرٌ والأجرعُ

وسقى الغمامُ منازلاً بعنيزةٍ

إما تصافُ جدىً وإما تربعُ

حيوا الديارَ وسائلوا أطلالها

هلْ ترجعُ الخبرَ الديارُ البلقعُ

ولقدْ حبستُ بها المطيَّ فلمْ يكنْ

إلاَّ السلامُ ووكفُ عينٍ تدمعُ

لما رأى صحبي الدموعَ كأنها

سحُّ الرذاذِ على الرداءِ استرجعوا

قالوا تعزَّ فقلتُ لستُ بكائنٍ

مني العزاءُ وصدعُ قلبي يقرعُ

فسقاكِ حيثُ حللتِ غيرَ فقيدةٍ

هزجُ الرواحِ وديمةٌ لا تقلعُ

فلقدْ يطاعُ بنا الشفيعُ لديكمُ

ويطيعُ فيكِ مودةً منْ يشفعُ

هل تذكرينَ زماننا بعنيزةٍ

والأبرقينِ وذاكَ ما لا يرجعُ

إنَّ الأعاديَ قدْ لقوا لي هضبةً

تبني معاولهمُ إذا ما تقرعُ

ما كنتُ أقذفُ منْ عشيرةِ ظالمٍ

إلاَّ تركتُ صفاتهمْ تتصدعُ

أعددتُ للشعراءِ كأساً مرةً

عندي مخالطها السمامُ المنقعُ

هلاَّ نهاهمْ تسعةٌ قتلتهمْ

أو أربعونَ حدوتهمْ فاستجمعوا

خصيتُ بعضهمُ وبعضٌ جدعوا

فشكا الهوانَ إلى الخصيّ الأجدعُ

كانوا كمشتركينَ لما بايعوا

خسروا وشفَّ عليهمُ فاستوضعوا

أفينتهونَ وقدْ قضيتُ قضاءهمْ

أمْ يصطلونَ حريقَ نارٍ تسفعُ

ذاقَ الفرزدقُ والأخيطلُ حرها

والبارقيُّ وذاقَ منها البلتعُ

ولقدْ قسمتُ لذي الرقاعِ هديةً

وتركتُ فيها وهيةً لا ترقعُ

ولقدْ صككتُ بني الفدوكسِ صكةً

فلقوا كما لقيَ القريدُ الأصلعُ

وهنَ الفرزدقُ يومَ جربَ سيفهُ

قينٌ بهِ حممٌ وآمٍ أربعُ

أخزيتَ قومكَ في مقامٍ قمتهُ

ووجدتَ سيفَ مجاشعٍ لا يقطعُ

لا يعجبنكَ أنْ ترى لمجاشعٍ

جلدَ الرجالِ وفي القلوبِ الخولعُ

ويريبُ منْ رجعَ الفراسةَ فيهمُ

رهلُ الطفاطفِ والعظامُ تخرعُ

بذرتْ خضافِ لهمْ بماءٍ مجاشعٍ

خبثَ الحصادُ حصادهمْ والمزرعُ

إنا لنعرفُ منْ نجارِ مجاشعٍ

هدَّ الحفيفِ كما يجفُّ الخروعُ

أيفايشونَ وقدْ رأوا حفاثهمُ

قدْ عضهُ فقضى عليهِ الأشجعُ

هلاَّ سألتَ مجاشعاً زبدَ استها

أينَ الزبيرُ ورحلهُ المتمزعُ

أجحفتمُ جحفَ الخزيرِ ونمتمُ

وبنو صفيةَ ليلهمُ لا يهجعُ

وضعَ الخزيرُ فقيلَ أينَ مجاشعٌ

فشحا جحافلهُ جرافٌ هبلعُ

ومجاشعٌ قصبٌ هوتْ أجوافهُ

غروا الزبيرَ فأيُّ جارٍ ضيعوا

إنَّ الرزيةَ منْ تضمنَ قبرهُ

وادي السباعِ لكلِّ حنبٍ مصرعُ

لما أتى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ

سورُ المدينةِ والجبالُ الخشعُ

وبكى الزبيرَ بناتهُ في مأتمٍ

ماذا يردُّ بكاءُ منْ لا يسمعُ

قالَ النوائحُ منْ قريشٍ إنما

غدرَ الحتاتُ ولينٌ والأقرعِ

تركَ الزبيرُ على منىً لمجاشعٍ

سوءَ الثناءِ إذا تقضىَ المجمعُ

قتلَ الأجاربُ يا فرزدقُ جاركمْ

فكلوا مزاودَ جاركمْ فتمتعوا

أحبارياتِ شقائقٍ موليةٍ

بالصيفِّ صعصعهنَّ بازٍ أسفعُ

لوْ حلَّ جاركمُ إليَّ منعتهُ

بالخيلِ تنحطُ والقنا يتزعزعُ

لحمى فوارسُ يحسرونَ درعهمْ

خلفَ المرافقِ حينَ تدمى الأذرعُ

فاسألْ معاقلَ بالمدينةِ عندهمْ

نورُ الحكومةِ والقضاءُ المقنعُ

منْ كانَ يذكرُ ما يقالُ ضحى غدٍ

عندَ الأسنةِ والنفوسُ تطلعُ

كذبَ الفرزدقُ إنَّ قومي قبلهمْ

ذادوا العدوَّ عنِ الحمى واستوسعوا

منعوا الثغورَ بعارضٍ ذي كوكبٍ

لولاَ تقدمنا لضاقَ المطلعُ

إنَّ الفوارسَ يا فرزدقُ قدْ حموا

حسباً أشمَّ ونبعةً لا تقطعُ

عمداً عمدتُ لما يسوءُ مجاشعاً

وأقولُ ما علمتْ تميمٌ فاسمعوا

لا تتبعُ النخباتُ يومَ عظيمةٍ

بلغتْ عزائمهُ ولكنْ تتبعُ

هلاَّ سألتَ بني تميمٍ أينا

يحمي الذمارَ ويستجارُ فيمنعُ

منْ كانَ يستلبُ الجبابرَ تاجهمْ

ويضرُّ إذْ رفعَ الحديثُ وينفعُ

الفايشونَ ولمْ تزنْ أيامهمْ

أيامنا ولنا اليفاعُ الأرفعُ

منا فوارسُ قدْ علمتَ ورائسٌ

تهدي قنابلهُ عقابٌ تلمعُ

ولنا عليكَ إذا الجباةُ تفارطوا

جابٍ لهُ مددٌ وحوضٌ مترعُ

هلاَّ عددتَ فوارساً كفوارسي

يومَ ابن كبشةَ في الحديدِ مقنعُ

خضبوا الأسنةَ والأعنةَ إنهمْ

نالوا مكارمَ لمْ ينلها تبعُ

وابنَ الربابِ بذاتِ كهفٍ قارعوا

إذْ فضَّ بيضتهُ حسامٌ مصدعُ

واستنزلوا حسانَ وابنيْ منذرٍ

أيامَ طخفةَ والسروجُ تقعقعُ

تلكَ المكارمُ لمْ تجدْ أيامها

لمجاشعٍ فقفوا ثعالةَ فارضعوا

لا تظمأونَ وفي نحيحٍ عمكمْ

مروى وعندَ بني سويدٍ مشبعُ

نزفَ العروقَ إذا رضعتمْ عمكمْ

أنفٌ بهِ خثمٌ ولحيٌ مقنعُ

قتلَ الخيارَ بنو المهلبِ عنوةً

فخذوا القلائدَ بعدهُ وتقنعوا

وطئَ الخيارُ ولا تخافُ مجاشعٌ

حتى تحطمَ في حشاهُ الأضلعُ

ودعا الخيارُ بني عقالٍ دعوةٌ

جزعاً وليسَ إلى عقالٍ مجزعُ

لوْ كانَ فاعترفوا وكيعٌ منكمُ

فزعتْ عمانُ فما لكمْ لمْ تفزعوا

هتفَ الخيارُ غداةَ أدركَ روحهُ

بمجاشعٍ وأخو حتاتٍ يسمعُ

لا يفزعنَّ بنو المهلبِ إنهُ

لا يدركُ الترةَ الذليلُ الأخضعُ

هذا كما تركوا مزاداً مسلماً

فكأنما ذبحَ الخروفُ الأبقعُ

زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مربعاً

فابشرْ بطولِ سلامةٍ يا مربعُ

إنَّ الفرزدقَ قدْ تبينَ لؤمهُ

حيثُ التقتْ حششاؤهُ والأخدعُ

وزعمتَ أمكمُ حصاناً حرةً

كذباً قفيرةُ أمكمْ والقوبعُ

وبنو قفيرةَ قدْ أجابوا نهشلاً

باسمْ العبودةِ قبلَ أنْ يتضعضعوا

هذي الصحيفةُ منْ قفيرةَ فاقرؤوا

عنوانها وبشرِّ طينٍ تطبعُ

كانتْ قفيرةُ بالقعودِ مربةً

تبكي إذا أخذَ الفصيلَ الروبعُ

تلقى نساءَ مجاشعٍ منْ ريحهمْ

مرضى وهنَّ إلى جبيرٍ نزعُ

ليلى التي زفرتْ وقالتْ حبذا

عرقُ القيانةِ منْ جبيرٍ ينبعُ

كلُّ الذي عيرتمُ أنْ قلتمُ

هذا لعمرُ أبيكَ قينٌ مولعُ

بئسَ الفوارسُ يا نوارُ مجاشعٌ

خوراً إذا أكلوا خزيراً ضفدعوا

يغدونَ قدْ نفخَ الخزيرُ بطونهمْ

رغداً وضيفُ بني عقالٍ يخفعُ

أينَ الذينَ بسيفِ عمرو قتلوا

أمْ أينَ أسعدُ فيكمُ المسترضعُ

جربتمُ عمراً فلما استوقدتْ

نارُ الحروبِ بغربٍ لمْ تمنعوا

وبأبرقي لحيانَ لاقوا خزيةً

تلكَ المذلةُ والرقابُ الخضعُ

خورٌ لهمْ زبدٌ إذا ما استأمنوا

وإذا تتابعَ في الزمانِ الأمرعُ

هلْ تعرفونَ على ثنيةِ أقرنٍ

أنسَ الفوارسِ يومَ شلَّ الأسلعُ

وزعمتَ ويلَ أبيكَ أنَّ مجاشعاً

لوْ يسمعونَ دعاءَ عمرٍو ورعوا

لمْ يخفَ غدركمُ بغورِ تهامةٍ

ومجرُّ جعثنَ والسماعُ الأشنعُ

أختُ الفرزدقِ منْ أبيهِ وأمهِ

باتتْ وسيرتها الوجيفُ الأرفعُ

قدْ تعلمُ النخباتُ أنَّ فتاتهمْ

وطئتْ كما وطيءَ الطريقُ المهيعُ

هلاَّ غضبتَ على قرومِ مقاعسٍ

إذْ عجلوا لكمُ الهوانَ فأسرعوا

نبئتُ جعثنَ دافعتهمْ باستها

إذْ لمْ تجدْ لمجاشعٍ منْ يدفعُ

أمدحتَ ويحكَ منقراً أنْ ألزقوا

بالحارقين فأرسلوها تظلعُ

باتتْ بكلِّ مجرفٍ حامي القفا

حابي الضلوعُ مقاعسيٍّ تدفعُ

يا ليتَ جعثنَ عندَ حجرةِ أمها

إذْ تستديرُ بها البلادُ فتصرعُ

قالَ الفرزدقُ وابنُ مرةَ جامحٌ

كيفَ الحياةُ وفيكِ هذا أجمعُ

جرتْ قناةُ مجاشعٍ في منقرٍ

غيرَ المراءِ كما يجرُّ المكنعُ

يبكي الفرزدقُ والدماءُ على استها

قبحاً لتلكَ غروبُ عينٍ تدمعُ

أوقدتَ ناركَ وأستضأتَ بخزيةٍ

ومنَ الشهودِ خشاخشٌ والأجرعُ

تباً لجعثنَ إذْ لقيتَ مقاعساً

ولأيّ شكرٍ بعدَ ذلكَ تخشعُ

هذا الفرزدقُ ساجداً لمقاعسٍ

والقينُ أجزلُ بالصفاحِ موقعُ

جدعتْ مسامعكَ التي لمْ تحمها

قيسٌ فليسَ بنابتٍ لكَ مسمعُ

سعدُ بنُ زيدِ مناةَ عزٌّ فاضلٌ

جمعَ السعودَ وكلَّ خيرٍ يجمعُ

يكفي بني سعدٍ إذا ما حاربوا

عزٌّ قراسيةٌ وجدٌّ مدفعُ

الذائدونَ فلاَ يهدمُ حوضهمْ

والواردونَ فوردهمْ لا يقدعُ

ما كانَ يضلعُ منْ أخي عميةٍ

إلاَّ عليهِ دروءُ سعدٍ أضلعْ

فاعلمْ بأنَّ لآلِ سعدٍ عندنا

عهداً وحبلَ وثيقةٍ لا يقطعُ

يعتادُ مخدعةَ الفرزدقِ زانياً

أفلا يهدمُ يا نوارُ المخدعُ

عرفوا لنا السلفَ القديمَ وشاعراً

تركَ القصائدَ ليسَ فيها مصنعُ

ورأيتَ نبلكَ يا فرزدقُ قصرتْ

ورأيتَ قوسكَ ليسَ فيها منزعُ

وقال جرير يرد على الفرزدق، ويمدح خالد بن عبد الله:

لعلَّ فراقَ الحيّ بالبينِ عامدي

عشيةَ قاراتِ الرحيلِ الفواردِ

لعمرُ الغواني ما جزينَ صبابتي

بهنَّ ولا تحبيرَ نسجِ القصائدِ

رأيتُ الغواني مولعاتٍ بذي الهوى

بحسنِ المنى والخلفِ عندَ المواعدِ

لقدْ طالَ ما صدنَ القلوبَ بأعينٍ

إلى قصبٍ زينِ البرى والمعاضدِ

وكمْ منْ صديقٍ واصلٍ قدْ قطعنهُ

وأفتنَّ منْ مستحكمِ الدينِ عابدِ

أتعذرُ إنْ أبديتُ بعدَ تجلدٍ

شواكلَ منْ حبِّ طريفٍ وتالدِ

فإنَّ التي يومَ الحمامةِ قدْ صبا

لها قلبُ توابٍ إلى اللهِ ساجدِ

ونطلبُ وداً منكِ لوْ نستفيدهُ

لكانَ إلينا منْ أحبِّ الفوائدِ

فلاَ تجمعي ذكرَ الذنوبِ لتبخلي

علينا وهجرانَ المدلِّ المباعدِ

إذا أنتَ زرتَ الغانياتِ على العصا

تمنيتَ أنْ تسقى دماءَ الأساودِ

أعفُّ عنِ الجارِ القريبِ مزارهُ

وأطلبُ أشطانَ الهمومِ الأباعدِ

لقدْ كانَ داءٌ بالعراقِ فما لقوا

طبيباً شفى أدواءهمْ مثلَ خالدِ

شفاهمْ بحلمٍ خالطَ الدينَ والتقى

ورأفةِ مهديٍّ إلى الحقَّ قاصدِ

فإنَّ أميرَ المؤمنينَ حباكمُ

بمستبصرٍ في الدينِ زينِ المساجدِ

وإنَّ ابنَ عبدِ اللهِ قدْ عرفتْ لهُ

مواطنُ لا تخزيهِ عندَ المشاهدِ

وأبلى أميرَ المؤمنينَ أمانةً

وأبلاهُ صدقاً في الأمورِ الشدائدِ

إذا ما أرادَ الناسُ منا ظلامةً

أبى الضيمَ واستعصىَ على كلِّ قائدِ

وكيفَ يرومُ الناسُ شيئاً منعتهُ

لها بينَ أنيابِ الليوثِ الحواردِ

إذا ما لقيتَ القرنَ في حارةِ الوغى

تنفسَ منْ جياشةٍ ذاتِ عاندِ

وإنْ فتنَ الشيطانُ أهلَ ضلالةٍ

لقوا منكَ حرباً حميها غيرُ باردِ

إذا كانَ أمنٌ كانَ قلبكَ مؤمناً

وإنْ كانَ خوفٌ كنتَ أحكمَ ذائدِ

حميتَ ثغورَ المسلمينَ فلمْ تضعْ

وما زلتَ رأساً قائداً وابنَ قائدِ

تعدُّ سرابيلَ الحديدِ معَ القنا

وشعثَ النواصي كالضراءِ الطواردِ

وإنكَ قدْ أعطيتَ نصراً على العدا

ولقيتَ صبراً واحتسابَ المجاهدِ

إذا جمعَ الأعداءُ أمرَ مكيدةٍ

لغدرٍ كفاكَ اللهُ كيدَ المكايدِ

وإنا لنرجو أنْ ترافقَ عصبةً

يكونونَ للفردوسِ أولَ واردِ

تمكنتَ منْ حييْ معدٍّ منَ الذرى

وفي اليمنِ الأعلى كريمَ الموالدِ

وما زلتَ تسمو للمكارمِ والعلا

وتعمرُ عزاً مستنيرَ المواردِ

إذْ عدَّ أيامُ المكارمِ فافتخرّ

بأيامكَ الشمِّ الطوالِ السواعدِ

وكمْ لكَ منْ بانٍ رفيعٍ بناؤهُ

وفي آلِ صعبٍ منْ خطيبٍ ووافدِ

يسركَ أيامَ المحصبِ ذكرهمْ

ويومَ مقامِ الهدي ذاتِ القلائدِ

بنيتَ المنارَ المستنيرَ على الهدى

فأصبحتَ نوراً ضوؤهُ غيرُ خامدِ

بنيتَ بناءً لمْ يرَ الناسُ مثلهُ

يكادُ يوازى سورهُ بالفراقدِ

وأعطيتَ ما أعيى القرونَ التي مضتْ

فنحمدُ مولانا وليَّ المحامدِ

لقدْ كانَ في أنهارِ دجلةَ نعمةٌ

وحظوةُ جدٍّ للخليفةِ صاعدِ

عطاءَ الذي أعطى الخليفةَ ملكهُ

ويكفيهِ تزفارَ النفوسِ الحواسدِ

فإنَّ الذي أنفقتَ حزماً وقوةً

تجيءُ بأضعافٍ منَ الربحِ زائدِ

جرتْ لكَ أنهارٌ بيمنٍ وأسعدٍ

إلى زينةٍ في صحصحانِ الأجالدِ

ينبتنَ أعناباً ونخلاً مباركاً

وحباً حصيداً منْ كريمِ الحصائدِ

إذا ما بعثنا رائداً يطلبُ الندى

أتانا بحمدِ اللهِ أحمدُ رائدِ

فهلْ لكَ في عانٍ وليسَ بشاكرٍ

فتطلقهُ منْ طولِ عضِّ الحدائدِ

يعودُ وكانَ الحنثُ منهُ طبيعةً

وإنْ قالَ إني معتبٌ غيرُ عائدِ

فلا تقبلوا ضربَ الفرزدقِ إنهُ

هوَ الزيفُ ينفي ضربهُ كلُّ ناقدِ

ندمتَ وما تغني الندامةُ بعدما

تطوحتَ منْ صكِّ البزاةِ الصوائدِ

فكيفَ نجاةٌ للفرزدقِ بعدما

ضغا وهوَ في أشداقِ أغلبَ حاردِ

يلوي استهُ مما يخافُ ولمْ يزلْ

بهِ الحينُ حتى صارَ في كفِّ صائدِ

بني مالكٍ إنَّ الفرزدقَ لمْ يزلْ

كسوباً لعارِ المخزياتِ الخوالدِ

وإنا وجدنا إذْ وفدنا عليكمُ

صدورَ القنا والخيلَ أنجحَ وافدِ

ألمْ ترَ يربوعاً إذا ما ذكرتها

وأيامها شدوا متونَ القصائدِ

فمنْ لكَ إنْ عددتَ مثلَ فوارسي

حووا حكماً والحضرميَّ بنَ خالدِ

وقال جرير يمدح هلال بن أحوز المازني، ويفخر بأبناء إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ويهجو الفرزدق وبني طهية:

أمنْ ربعِ دارٍ همَّ أنْ يتغيرا

تراوحهُ الأرواحُ والقطرُ أعصرا

وكنا عهدنا الدارَ والدارُ مرةً

هي الدارُ إذْ حلتْ بها أمُّ يعمرا

ذكرنا بها عهداً على الهجرِ والبلى

ولا بدَّ للمشعوفِ أنْ يتذكرا

أجنُّ الهوى ما أنسَ لا أنسَ موقفاً

عشيةَ جرعاءِ الصريفِ ومنظرا

تباعدَ أهلُ الوصلِ مذْ حلَّ أهلنا

بقوٍّ وحلتْ بطنَ غولٍ فعرعرا

عشيةَ تسبي القلبَ منْ غيرِ ريبةٍ

إذا سفرتْ عنْ واضحِ اللونِ أزهرا

أتى دونَ هذا النومِ همُّ فأسهرا

أراعي نجوماً تالياتٍ وغورا

أقولُ لها من ليلةٍ ليسَ طولها

كطولِ الليالي ليتَ صبحكِ نورا

حذاراً على نفسِ ابن أحوزَ إنهُ

جلا كلَّ وجهٍ منْ معدٍّ فأسفرا

أخافُ عليهِ أنهُ قدْ شفى جوىً

وأبلى بلاءً ذا حجولٍ مشهرا

ألا ربَّ سامي الطرفِ منْ آلِ مازنٍ

إذا شمرتْ عنْ ساقها الحربُ شمرا

أتنسونَ شداتِ بنْ أحوزَ معلماً

إذا الموتُ بالموتِ ارتدى وتأزرا

فأدركَ ثأرَ المسمعينِ بسيفهِ

وأغضبَ في يومِ الخيارِ فنكرا

جعلتَ بقبرٍ للخيارِ ومالكٍ

وقبرِ عديٍّ في المقابرِ أقبرا

شفيتَ منَ الآثارِ خولةَ بعدما

دعتْ لهفها واستعجلتْ أنْ تخمرا

وغرقتَ حيتانَ المزونِ وقدْ رأوا

تميماً وعزاً مناكبَ مدسرا

فلمْ تبقِ منهمٍْ رايةً يرفعونها

ولمْ تبقِ منْ آلِ المهلبِ عسكرا

وأطفأتَ نيرانَ النفاقِ وأهلهُ

وقدْ سارعوا في فتنةٍ أنْ تسعرا

فإنَّ لأنصارِ الخليفةِ ناصراً

عزيزاً إذا طاغٍ طغى وتجبرا

فذو العرشِ أعطانا على الكرهِ والرضا

إمامَ الهدى والحكمةِ المتخيرا

وإنَّ الذي أعطى الخلافةَ أهلها

بنى لي في قيسٍ وخندفَ مفخرا

فأمستْ رواسي الملكِ في مستقرها

لمنتخبٍ منْ آلِ مروانَ أزهرا

منابرُ ملكٍ كلها خندفيةٌ

يصلي عليها منْ أعرناهُ منبرا

أنا ابنُ الثرى أدعو قضاعةَ ناصراً

وآلَ نزارٍ ما أعزَّ وأكثرا

عديداً معدياً لهُ ثروةُ الحصى

وعزاً قضاعياً وعزاً تنزرا

نزارٌ إلى كلبٍ وكلبٌ إليهمِ

أحقُّ وأدنى منْ صداءَ وحميرا

فأيُّ معديٍّ تخافُ وقدْ رأى

جبالَ معدٍّ والعديدَ المجمهرا

أبونا خليلُ اللهِ واللهُ ربنا

رضينا بما أعطى المليكُ وقدرا

بنى قبلةَ اللهِ التي يهتدى بها

فأورثنا عزاً وملكاً معمرا

أبونا أبو إسحاقَ يجمعُ بيننا

أبٌ كانَ مهدياً نبياً مطهرا

فيجمعنا والغرُّ أبناءَ سارةٍ

أبٌ لا نبالي بعدهُ منْ تعذرا

ومنا سليمانُ النبيُّ الذي دعا

فأعطي بنياناً وملكاً مسخرا

ويعقوبُ منا زادهُ اللهُ حكمةً

وكانَ ابنُ يعقوبٍ نبياً مصورا

وعيسىَ وموسىَ والذي خرَّ ساجداً

فأنبتَ زرعاً دمعُ عينيهِ أخضرا

وأبناءُ إسحاقَ الليوثُ إذا ارتدوا

محاملَ موتٍ لابسينَ السنورا

ترى منهمْ مستبشرينَ إلى الهدى

وذا التاجِ يضحي مرزباناً مسورا

أغرَّ شبيهاً بالفنيقِ إذا ارتدى

على القبطريِّ الفارسيَّ المزررا

فيوماً سرابيلُ الحديدِ عليهمِ

ويوماً ترى خزاً وعصباً منيرا

إذا افتخروا عدوا الصبهبذَ منهمُ

وكانوا بإصطخرَ الملوكَ وتسترا

وقدْ جاهدَ الوضاحَ في الدينِ معلماً

فأورثَ مجداً باقياً آل بربرا

لشتانَ منْ يحمي تميماً منَ العدى

ومن يعمرُ الماخورَ في منْ تمخرا

فبؤْ بالمخازي يا فرزدقُ لمْ يبتْ

أديمكَ إلاَّ واهياً غيرَ أوفرا

ألاّ قبحَ اللهُ الفرزدقَ كلما

أهلَّ مهلٌّ بالصلاةِ وكبرا

فإنكَ لوْ تعطي الفرزدقَ درهماً

على دينِ نصرانيةٍ لتنصرا

فلا تقربنَّ المروتينِ ولا الصفا

ولا مسجدَ اللهِ الحرامَ المطهرا

يبينُ في وجهِ الفرزدقِ لؤمهُ

وألأمُ منسوبٍ قفاً حينَ أدبرا

وتعرفُ منهُ لؤمهُ فوقَ أنفهِ

فقبحَ ذاكَ الأنفُ أنفاً ومشفرا

لحا اللهُ ماءً منْ عروقٍ خبيثةٍ

سقتْ سابياءً جاءَ فيها مخمرا

فما كانَ منْ فحلينِ شرٌّ عصارةٌ

وألأمُ منْ حوقِ الحمارِ وكيمرا

قفيرةُ لمْ ترضعْ كريماً بثديها

وما أحسنتْ منْ حيضةٍ أنْ تطهرا

وما حملتْ إلاَّ عراضاً لخبثةٍ

وما سيقَ عنها منْ سياقٍ فتمهرا

أتعدلُ نجلاً منْ قفيرةَ مقرفاً

بسامٍ إذا اصطكَّ الأضاميمُ أصدرا

عشيةَ لاقى القردُ قردُ مجاشعٍ

هريتاً أبا شبلينِ في الغيلِ قسورا

منَ المحمياتِ الغينَ غينَ خفيةٍ

ترى بينَ لحييهِ الفريسَ المعقرا

أشاعتْ قريشٌ للفرزدقِ خزيةً

وتلكَ الوفودُ النازلونَ الموقرا

وقالتْ قريشٌ للحواريِّ جاركمْ

أرغوانَ تدعو للوفاءِ وضوطرا

تراغيتمُ يومَ الزبيرِ كأنكمْ

ضباعُ مغاراتٍ تعاظمنَ أجعرا

فإنَّ عقالاً والحتاتَ كلاهما

تردى بثوبيْ غدرةٍ وتأزرا

وما كانَ جيرانُ الزبيرِ مجاشعٌ

بألأمَ منْ جيرانِ وهبٍ وأغدرا

أتبغونَ وهباً يا بني زبدِ استها

وقدْ كنتمُ جيرانَ وهبِ بنِ أبجرا

ألمْ تحسبوا وهباً تمنونهُ المنى

وكانَ أخا همٍّ طريداً مسيرا

فلا يأمنُ الأعداءُ أسيافَ مازنٍ

ولكنَّ رأي ابنيْ قفيرةَ قصرا

وإنكَ لو ضمنتَ منْ مازنٍ دماً

لما كانَ لابنِ القينِ أنْ يتخيرا

ولوْ أنَّ وهباً كانَ جلَّ رحالهِ

بحجرٍ للاقى ناصرينَ وعنصرا

ولوْ ضافَ أحياءً بحزمِ مليحةٍ

للاقى جواراً صافياً غيرَ أكدرا

ولوْ حلَّ فينا عاينَ القومُ دونهُ

عوابسَ يعلكنَ الشكائمَ ضمرا

إذنْ لسمعتَ الخيلَ والخيلُ تدعي

رياحاً وتدعوا العاصمينِ وجعفرا

فوارسُ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ

إذا كانَ ما يذري السنابكُ أغبرا

همُ ضربوا هامَ الملوكِ وعجلوا

بوردٍ غداةَ الحوفزان فنكرا

وقدْ جربَ الهرماسُ وقعَ سيوفنا

وقطعنَ عنَ رأسِ ابنِ كبشةَ مغفرا

وقدْ جعلتْ يوماً بطخفةَ خيلنا

لآلِ أبي قابوسَ يوماً مذكرا

فنوردُ يومَ الروعِ خيلاً مغيرةً

وتوردُ ناباً تحملُ الكيرَ صوءرا

سبقتَ بأيامِ الفعالِ فلمْ تجدْ

لقومكَ إلاَّ عقرَ نابكَ مفخرا

لقيتَ القرومَ الخاطراتِ فلمْ يكنْ

بكيركَ إلاَّ أنْ تكشَّ وتبعرا

ولاقيتَ خيراً منْ أبيكَ فوارساً

وأكرمَ أياماً سحيماً وجحدرا

هما تركا عمراً وقيساً كلاهما

يمجُّ نجيعاً منْ دمِ الجوفِ أحمرا

وسارَ لبكرٍ نخبةٌ منْ مجاشعٍ

فلما رأى شيبانَ والخيلَ عفرا

وفي أيِّ يومٍ لمْ تكونوا غنيمةً

وجاركمُ فقعٌ محالفُ قرقرا

فلا تتقونَ الشرَّ حتى يصيبكمْ

ولا تعرفونَ الأمرَ إلا تدبرا

وعوفٌ يعافُ الضيمَ منْ آلِ مالكٍ

وكنتمْ بني جوخى على الضيمِ أصبرا

لقدْ كنتُ يا ابنَ القينِ ذا خبرٍ بكمْ

وعوفٌ أبو قيسٍ بكمْ كانَ أخبرا

تركتمْ مزاداً عندَ عوفٍ رهينةٌ

فأطعمهُ عوفٌ سباعاً وأنسرا

وصالحتمُ عوفاً على ما يريبكمْ

كما لمْ تقاضوا عقرَ جعثنَ منقرا

فما ظنكمْ بالقعسِ منْ آلِ منقرٍ

وقدْ باتَ فيهمْ ليلها متسحرا

تناومتَ يا ابنَ القينِ إذْ يخلجونها

كخلجِ الصراريِّ السفينَ المقيرا

وباتتْ تنادي غالباً وكأنما

يشقونَ زقاً مسهُ القارُ أشعرا

وعمرانُ ألقى فوقَ جعثنَ كلكلاً

وأوردَ أمَّ الغولِ فيها وأصدرا

رأى غالبٌ آثارَ فيشلِ منقرٍ

فما زالَ منها غالبٌ بعدُ مهترا

بكى غالبٌ لما رأى نطفاً بها

منَ الذلِّ إذْ ألقى على النارِ أيصرا

جزى اللهُ ليلى عنْ جبيرٍ ملامةً

وقبحَ قيناً بالمقرينِ أعورا

إذا ذكرتْ ليلى جبيراً تعصرتْ

وليسَ بشافٍ داؤها أنْ تعصرا

تزورُ جبيراً مرةً ويزورها

وتتركَ أعمى ذا خميلٍ مدثرا

تسوفُ صنانَ القينِ منْ ربةٍ بهِ

ليجعلَ في ثقبِ المحالةِ محورا

يزاولُ فيها القينُ محبوكةَ القفا

كأنَّ بها لوناً منَ الورسِ أصفرا

فهلْ لكمُ في حنثرٍ يا بنَ حنثرٍ

ولما تصبْ تلكَ الصواعقُ حنثرا

فإنَّ ربيعاً والمشيعَ فاعلموا على موطنٍ لمْ يدريا كيفَ قدرا

ألاَ ربَّ أعشى ظالمٍ متخمطٍ

جعلتُ لعينيهِ جلاءً فأبصرا

وقدْ كنتُ ناراً يتقي الناسُ حرها

وسماً على الأعداءِ أصبحَ ممقرا

ألمْ أكُ زادَ المرملينَ موالجاً

إذا دفعَ البابُ الغريبَ المعورا

نعدُّ لأيامٍ نعدُّ لمثلها

فوارسُ قيسٍ دارِعينَ وحسرا

وما كنتَ يا ابنَ القينِ تلقى جيادهمْ

وقوفاً ولا مستنكراً أنْ تعقرا

أتنسونَ يوميْ رحرحانَ وقدْ بدا

فوارسُ قيسٍ لابسينَ السنورا

تركتمْ بوادي رحرحانَ نساءكمْ

ويومَ الصفا لاقيتمُ الشعبَ أوعرا

سمعتمْ بني مجدٍ دعوا يالَ عامرٍ

فكنتمْ نعاماً بالحزيزِ منفرا

وأسلمتمُ لابنيْ أسيدةَ حاجباً

ولاقى لقيطٌ حتفهُ فتقطرا

وأسلمتِ القلحاءُ للقومِ معبداً

تجاوبُ مخموساً منَ القدِّ أسمرا

وقال جرير يجيب الفرزدق، ويهجو الأخطل والبعيث وسراقة النبهاني وعبد الله بن العباس الكندي:

عرفتُ الدارَ بعدَ بلى الخيامِ

سقيتِ نجيَّ مرتجزٍ ركامِ

كأنَّ أخا اليهودِ يخطُّ وحياً

بكافٍ في منازلها ولامِ

فأطلعتُ الغوانيَ بعدَ وصلٍ

وقدْ نزعَ الغيورُ عنِ اتهامي

تنازعنا بجدتها حبالاً

فنينَ بلاً وصرنَ إلى رمامِ

وقدْ خبرتهنَّ يقلنَ فانٍ

ألا ينظرنَ منْ خللِ القرامِ

وقدْ حدثتهنَّ هزئنَ مني

ولا يغشينَ رحلي في المنامِ

فقدْ أقصرتُ عن طلبِ الغواني

وقدْ آذنَّ حبلي بانصرامِ

وعاوٍ قدْ تعرضَ لي متاحٍ

ودقَّ جبينهُ حجرُ المرامي

ضغا الشعراءُ حينَ لقوا هزبراً

إذا مدَّ الأعنةُ ذا اعتزامِ

فلما قتلَ الشعراءَ غماً

أضرَّ بهمِ وأمسكَ بالكظامِ

قتلتُ التغلبيَّ وطاحَ قردٌ

هوى بينَ الحوالقِ والحوامي

ولابنِ البارقيّ قدرتُ حتفاً

وأقصدتُ البعيثَ بسهمِ رامِ

وأطلعتُ القصائدَ طوعَ سلمى

وجدعَ صاحبي شعبى انتقامي

ستخزى ما حييتَ ولا يحيا

إذا ما متَّ قبركَ بالسلامِ

ولوْ أني أموتُ لشدَّ قبري

بمسمومٍ مضاربهُ حسامِ

لقدْ رحلَ ابنُ شعرةَ نابَ سوءٍ

تعضُّ على المواركِ والزمامِ

تلفتُ أنها تحتَ ابنِ قينِ

حليفِ الكيرِ والفأسِ الكهامِ

متى تردِ الرصافةَ تخزَ فيها

كخزيكَ في المواسمِ كلَّ عامِ

لقدْ نزلَ الفرزدقُ دارَ سعدٍ

ليالي لا يعفُّ ولا يحامي

إذا ما رمتَ ويبَ أبيكَ سعداً

لقيتَ صيالَ مقرمةٍ سوامي

همُ جروا بناتِ أبيكَ غصباً

وما تركوا لجاركَ منْ ذمامِ

وهمْ قتلوا الزبيرَ فلمْ تغيرْ

ودقوا حوضَ جعثنَ في الزحامِ

وهمْ شدخوا بواطنَ أسكتيها

بمثلِ فراسنِ الجملِ الشأمي

أضيؤوا للفرزدقِ نارَ ذلٍّ

لينظرَ في أشاعرها الدوامي

وحجزةُ لوْ تبينَ ما رأيتمْ

بعضرطها لماتَ منَ الفحامِ

وإنَّ صدى المقرِّ بهِ مقيمٌ

ينادي الذلَّ بعدَ كرى النيامِ

لأعظمِ غدرةٍ نفشوا لحاهمْ

غداةَ العرقِ أسفلَ منْ سنامِ

تلومكمُ العصاةُ وآلُ حربٍ

ورهطُ محمدٍ وبنو هشامِ

ولوْ حلَّ الزبيرُ بنا لجلى

وجوهَ فوارسي رهجُ القتامِ

لخافوا أنْ تلومهمُ قريشٌ

فردوا الخيلَ داميةَ الكلامِ

سقى جدثَ الزبير ولا سقاكمْ

نجيُّ الودقِ مرتجزُ الغمامِ

وإنكَ لوْ سألتَ بنا بحيراً

وأصحابَ المحبةِ عنْ عصامِ

ونازلنا ابنَ كبشةَ قدْ علمتمْ

وذا القرنينِ وابنَ أبي قطامِ

وللهرماسِ قدْ تركوا مجراً

لطيرٍ يعتفينَ دمَ اللحامِ

وساقَ ابني هجيمةَ يومَ غولٍ

إلى أسيافنا قدرُ الحمامِ

فقتلنا جبابرةً ملوكاً

وأطلقنا الملوكَ على احتكامِ

وذا الجدينِ أرهقتِ العوالي

بكلِّ مقلصٍ قلقِ الحزامِ

رجعنَ بهانئٍ وأصبنَ بشراً

ويومَ الجمدِ يومَ لهىً عظامِ

ألسنا نحنُ قدْ علمتْ تميمٌ

نمدُّ مقادةَ اللجبِ اللهامِ

نقيمُ على ثغورِ بني تميمٍ

ونصدعُ بيضةَ الملكِ الهمامِ

وكنتمْ تأمنونَ إذا أقمنا

وإنْ نظعنْ فما لكَ منْ مقامِ

وكنا الذائدينَ إذا جلوكمْ

عنِ السبي المصبحِ والسوامِ

تفدينا نساؤكمُ إذا ما

رقصنَ وقْد رفعنَ عنِ الخدامِ

تسوقونَ العلابَ ولمْ تعدوا

ليومِ الروعِ صلصلةَ اللجامِ

فيومَ الشيطينِ حبارياتٌ

وأشردُ في الوقيظِ منَ النعامِ

وخالي ابنُ الأشدِّ سما بسعدٍ

فحازوا يومَ ثيتلَ وهوَ سامِ

فأوردهمْ مسلحتيْ تياسٍ

حظيظٌ بالرياسةِ والزعامِ

أصعصعَ بعضَ لؤمكَ إنَّ ليلى

روادُ الليلِ مطلقةُ الكمامِ

أصعصعَ قالَ قينكِ أردفيني

وثوبي دونَ واسطةٍ أمامي

تفدي عامَ بيعَ لها جبيرٌ

وتزعمُ أنَّ ذلكَ خيرُ عامِ

بها شبهُ الزبابةِ في بنيها

وعرقٌ منْ قفيرةَ غيرُ نامي

قفيرةُ وهيَ ألأمُ أمِّ قومٍ

توفى في الفرزدقِ سبعَ آمِ

فإنَّ مجاشعاً فتبينوهمْ

بنو جوخى وجخجخَ والقذامِ

وأمهمُ خضافِ تداركتهمْ

بذحلٍ في القلوبِ وفي العظامِ

وقال جرير يرد على الفرزدق، وهي آخر النقائض:

ألاَ حيّ المنازلَ بالجنابِ

وقدْ ذكرنَ عهدكَ بالشبابِ

أجدكَ ما تذكرُ عهدَ دارٍ

كأنَّ رسومها ورقُ الكتابِ

لعمرُ أبي الغواني ما سليمى

بشملالٍ تراحُ إلى الشبابِ

لياليَ ترتميكَ بنبلِ جنٍّ

صموتُ الحجلِ قانئةُ الخضابِ

فإنكَ تستعيرُ كلى شعيبٍ

وهتْ منْ ناضحٍ سربِ الطبابِ

وما باليتُ يومَ أكفُّ دمعي

مخافةَ أنْ يفندني صحابي

تباعدَ منْ مزاركَ أهلُ نجدِ

إذا مرتْ بذي خشبٍ ركابي

غريباً عنْ ديارِ بني تميمٍ

ولا يخزي عشيرتيَ اغترابي

لقدْ علمَ الفرزدقُ أنَّ قومي

يعدونَ المكارمَ للسبابِ

يحشونَ الحروبَ بمقرباتٍ

وداؤوديةٍ كأضا الحبابِ

إذا آباؤنا وأبوكَ عدوا

بأنَّ المقرفاتِ منَ العرابِ

فأورثكَ العلاةَ وأورثونا

رباطَ الخيلِ أفنيةَ القبابِ

وإنْ عدتْ مكارمها تميمٌ

بحلقةِ مرجلٍ وبعقرِ نابِ

ألسنا بالمكارمِ نحنُ أولى

وأكرمَ عندَ معتركِ الضرابِ

وأحمدَ حينَ يحمدُ بالمقاري

وحالَ المربعاتُ منَ السحابِ

وأوفى للمجاورِ إنْ أجرنا

وأعطى للنفيساتِ الرغابِ

صبرنا يومَ طخفةَ قدْ علمتمْ

صدورَ الخيلِ تنحطُ في الحرابِ

وطئنَ مجاشعاً وأخذنَ غصباً

بني الجبارِ في رهجِ الضبابِ

ويربوعٌ همُ أخذوا قديماً

عليكَ منَ المكارمِ كلَّ بابِ

فلا تفخرْ فأنتَ مجاشعيُّ

نخيبُ القلبِ منخرقُ الحجابِ

فلا صفوٌ جوازكَ عندَ سعدٍ

ولا عفُّ الخليقةِ في الربابِ

وقدْ أخزاكَ في ندواتِ قيسٍ

وفي سعدٍ عياذكَ منْ زبابِ

ألمْ ترَ منْ هجاني كيفَ يلقى

إذا غبَّ الحديثُ منَ العذابِ

يسبهمُ بسبي كلُّ قومٍ

إذا ابتدرتْ مجاوبةُ الجوابِ

فكلهمُ سقيتُ نقيعَ سمٍّ

بنابيْ مخدرٍ ضرمِ اللعابِ

لقدْ جاريتني فعلمتَ أني

على حظِّ المراهنِ غيرُ كابِ

سبقتُ فجاءَ وجهي لمْ يغبرْ

وقدْ حطَّ الشكيمةَ عضُّ نابي

فما بلغَ الفرزدقُ في تميمٍ

كمبلغِ عاصمٍ وبني شهابِ

ولا بلغَ الفرزدقُ في تميمٍ

تخيريَ المضاربَ وانتخابي

أنا ابنُ الخالدينِ وآلِ صخرٍ

أحلوني الفروعَ منَ الروابي

وسيفُ أبي الفرزدقِ قدْ علمتمْ

قدومٌ غيرُ ثابتةِ النصابِ

أجيرانَ الزبيرِ غررتموهُ

كما اغترَّ المشبهُ بالسرابِ

ولوْ سارَ الزبيرُ فحلَّ فينا

لما يئسَ الزبيرُ منَ الإيابِ

لأصبحَ دونهُ رقماتُ فلجٍ

وغبرُ اللامعاتِ منَ الحدابِ

وما باتَ النوائحُ منْ قريشٍ

يراوحنَ التفجعَ بانتحابِ

على غيرِ السواءِ مدحتَ سعداً

فزدهمْ ما اسطعتَ منَ الثوابِ

همْ قتلوا الزبيرَ فلمْ تنكرْ

وعزوا عقرَ جعثنَ في الخطابِ

فداو كلومَ جعثنَ إنَّ سعداً

ذوو عاديةٍ ولهىً رغابِ

سأذكرُ منْ قفيرةَ ما علمتمْ

وأرفعُ شأنَ جعثنَ والربابِ

وعاراً منْ حميدةَ يومَ حوطٍ

ورضخاً منْ جنادلها الصلابِ

فأصبحَ غالياً فتقسموهُ

عليكمْ نحرُ راحلةِ الغرابِ

تحككْ بالعدانِ فإنَّ قيساً

نفوكمْ عنْ ضريةَ والهضابِ

كجعثنَ حينَ أسهلَ ناطفاها

عفرتمْ ثوبَ جعثنَ في الترابِ

فشدي منْ صلاكِ على الردافى

ولا تدعي فإنكِ لنْ تجابي

لنا قيسٌ عليكَ وأيُّ يومٍ

إذا ما احمرَّ أجنحةُ العقابِ

أتعدلُ في الشكيرِ أبا جبيرٍ

إلى كعبٍ ورابيتي كلابِ

وجدتُ حصى هوازنَ ذا فضولٍ

وبحراً يا بنَ شعرةَ ذا عبابِ

وفي غطفانَ فاجتنبوا حماهمْ

ليوثُ الغابِ في أجمٍ وغابِ

ألمْ تسمعْ بخيلِ بني رياحٍ

إذا ركبتْ وخيلِ بني الحبابِ

همُ جذوا بني جشمَ بنْ بكرٍ

بلبيَ بعدَ يومِ قرى الزوابي

وحيُّ محاربِ الأبطالِ قدماً

أولو بأسٍ وأحلامٍ رغابِ

خطاهمْ في الحروبِ إلى الأعادي

يصلنَ سيوفهمْ يومَ الضرابِ

هذا جميع ما ذكر له في النقائض وهي خير شعره. وقال جرير يهجو الفرزدق والتيم تيم الرباب، وليست هي من النقائض، وهي إحدى الثلاث التي له:

ألا زارتْ وأهلُ منىً هجودُ

وليتَ خيالها بمنىً يعودُ

حصانٌ لاَ المريبُ لها خدينٌ

ولا تفشي الحديثَ ولاَ ترودُ

ونحسدُ أنْ نزوركمُ ونرضى

بدونِ البذلِ لوْ رضيَ الحسودُ

أساءلتَ الوحيدَ ودمنتيهِ

فما لكِ لا يكلمكَ الوحيدُ

أخالدَ قدْ علقتكِ بعدَ هندٍ

فبلتني الخوالدُ والهنودُ

فلا بخلٌ فيوئسُ منكِ بخلٌ

ولا جودٌ فينفعُ منكِ جودُ

شكونا ما علمتِ فما أويتمْ

وباعدنا فما نفعَ الصدودُ

حسبتَ منازلاً بجمادِ رهبى

كعهدكِ بلْ تغيرتِ العهودُ

فكيفَ رأيتَ منْ عمانَ ناراً

يشبُّ لها بواقصةَ الوقودُ

هوىً بتهامةٍ وهوىً بنجدٍ

فبلتني التهائمُ والنجودُ

فأنشدْ يا فرزدقُ غيرَ عالٍ

فقبلَ اليومِ جدعكَ النشيدُ

خرجتَ منَ المدينةِ غيرَ عفٍّ

وقامَ عليكَ بالحرمِ الشهودُ

خصيتكَ بعدما جدعتكَ قيسٌ

فأيَّ عذابِ ربكَ تستزيدُ

تحبكَ يومَ عيدهمِ النصارى

ويومَ السبتِ شيعتكَ اليهودُ

فإنْ ترجمْ فقدْ وجبتْ حدودٌ

وحلَّ عليكَ ما لقيتْ ثمودُ

تتبعُ منْ علمتَ لهُ متاعاً

كما تعطى للعبتها القرودُ

أبالكيرينِ تعدلُ ملجماتٍ

عليهنَّ الرحائلُ واللبودُ

رجعنَ بهانئٍ وأصبنَ بشراً

وبسطاماً يعضُّ بهِ الحديدُ

وبالحكميِّ ثمَّ بحضرميٍّ

وما بالخيلِ إذْ لحقتْ صدودُ

وأحمينا الإيادَ وقلتيهِ

وقدْ عرفتْ سنابكهنَّ أودُ

وسارَ الحوفزانُ وكانَ يسمو

وأبجرُ لا ألفُّ ولا بليدُ

فصبحهمْ بأسفلِ ذي طلوحٍ

قوافلَ ما تذلُّ وما ترودُ

فوارسيَ الذينَ لقوا بحيراً

وذادوا الخيلَ يومَ دعا يزيدُ

تردينا المحاملَ قدْ علمتمْ

بذي نجبٍ وكسوتنا الحديدُ

فقربْ للمراءِ مجاشعياً

إذا ما فاشَ وانتفخَ الوريدُ

فما منعوا الثغورَ كما منعنا

وما ذادوا الخميسَ كما نذودُ

أجيرانَ الزبيرِ غررتموهُ

كأنكمُ الدلادلُ والقهودُ

فليسَ بصابرٍ لكمُ وقيظٌ

كما صبرتْ لنسوتكمْ زرودُ

لقدْ أخزى الفرزدقُ رهطَ ليلى

وتيمٌ قدْ أقادهمُ مقيدُ

قرنتُ الظالمينَ بمرمريسٍ

يذلُّ لهُ العفاريةُ المديدُ

فلو كانَ الخلودُ لفضلِ قومٍ

على قومٍ لكانَ لنا الخلودُ

خصيتُ مجاشعاً وجدعتُ تيماً

وعندي فاعلموا لهمُ مزيدُ

وقالَ الناسُ ضلَّ ضلالُ تيمٍ

ألمْ يكُ فيهمِ رجلٌ رشيدُ

تبينَ أينَ تكدحُ يا بنَ تيمٍ

فقبلكَ أحرزَ الخطرَ المجيدُ

أترجو الصائداتِ بغاثُ تيمٍ

وما تحمي البغاثُ ولا تصيدُ

لقيتَ لنا بوازيَ ضارياتٍ

وطيركَ في مجاثمها لبودُ

أتيمٌ يجعلونَ إليَّ نداً

وهلْ تيمٌ لذي حسبٍ نديدُ

أبونا مالكٌ وأبوكَ تيمٌ

فهلْ تيمٌ لذي حسبٍ نديدُ

ولمْ تلدوا نوارَ ولمْ تلدكمْ

مفداةُ المباركةُ الولودُ

أنا ابنُ الأكرمينَ تنخبتني

قرومٌ بينَ زيدِ مناةَ صيدُ

أرامي منْ راموا ويحولُ دوني

مجنُّ منْ صفاتهمِ صلودُ

أزيدَ مناةَ تدعوَ يا بنَ تيمٍ

تبينْ أينَ تاهَ بكَ الوعيدُ

أتوعدنا وتمنعُ ما أردنا

ونأخذُ منْ ورائكَ ما نريدُ

ويقضى الأمرُ حينَ تغيبُ تيمٌ

ولا يستأذنونَ وهمْ شهودُ

فلا حسبْ فخرتَ بهِ كريمٌ

ولا جدٌّ إذا ازدحمَ الجدودُ

لئامُ العالمينَ كرامُ تيمٍ

وسيدهمْ وإنْ رغموا مسودُ

وإنكَ لوْ لقيتَ عبيدَ تيمٍ

وتيماً قلتَ أيهما العبيدُ

أرى ليلاً يخالفهُ نهارٌ

ولؤمُ التيمِ ما اختلفا جديدُ

بخبثِ البذرِ ينبتُ بذرُ تيمٍ

فما طابَ النباتُ ولا الحصيدُ

تمنى التيمُ أنَّ أباهُ سعدٌ

فلا سعدٌ أبوهُ ولا سعيدُ

وما لكمُ الفوارسُ يا بنَ تيمٍ

ولا المستأذنونَ ولا الوفودُ

أهانكَ بالمدينةِ يا بنُ تيمٍ

أبو حفصٍ وجدعكَ النشيدُ

وإنَّ الحاكمينَ لغيرِ تيمٍ

وفينا العزُّ والحسبُ التليدُ

وإنَّ التيمَ قدْ خبثوا وقلوا

فما طابوا ولا كثرَ العديدُ

ثلاثُ عجائزٍ لهمُ وكلبٌ

وأشياخٌ على ثللٍ قعودُ

فقدْ سلبتْ عصاكَ بنو تميمٍ

فما تدري بأيِّ عصاً تذودُ

إذا تيمٌ ثوتْ بصعيدِ أرضٍ

بكا منْ خبثِ ريحهمِ الصعيدُ

شددتُ الوطءَ فوقَ رقابِ تيمٍ

على مضضٍ فقدْ ضرعَ الخدودُ

أتيمٌ تجعلونَ إلى تميمٍ

بعيدٌ فضلُ بينهما بعيدُ

كساكَ اللؤمُ لؤمُ أبيكَ تيمٍ

سرابيلاً بنائقهنَّ سودُ

قدرنَ عليهمِ وخلقنَ منهمْ

فما يبلينَ ما بقيَ الخلودُ

ترى الأعداءَ دوني منْ تميمٍ

هزبراً لا تقاربهُ الأسودُ

لعمرُ أبيكَ ما سنحتْ لتيمٍ

أيامنُ يزدجرنَ ولا سعودُ

وضعتُ مواسماً بأنوفِ تيمٍ

وقدْ جدعتُ آنفَ منْ أريدُ

نقارعهمْ وتسألُ بنتُ تيمٍ

أرخفٌ زبدُ أيسرَ أمْ لهيدُ

إذا ما قربَ الشهداءُ يوماً

فما للتيمِ يومئذٍ شهيدُ

وفدنا حينَ أغلقَ دونَ تيمٍ

شبا الأبوابِ وانقطعَ الوفودُ

وقدنا كلَّ أجردَ أعوجي

يعارضهُ عذافرةٌ ورودُ

كما يختبُّ معتدلٌ مطاهُ

إلى وشلٍ منَ الردهاتِ سيدُ

وقال جرير يهجو الفرزدق، وهي تمام الثلاث التي هي خير شعره، وأولهن كتبت في أول مختار شعره، وليست هذه في النقائض:

أهوى أراكَ برامتينِ وقودا

أمْ بالجنينةِ من مدافع أودا

بانَ الشبابُ فودعاهُ حميدا

هلْ ما ترى خلقاً يعودُ جديدا

يا صاحبيَّ دعا الملامةَ واقصدا

طالَ الهوى وأطلتما التفنيدا

إنَّ الملامةَ فاعذلاني أوْ دعا

بلغَ العزاءُ وأدركَ المجلودا

لا يستطيعُ أخو الصبابةِ أنْ يرى

حجراً أصمَّ ولا يكونُ حديدا

أخلبتنا وصددتِ أمَّ محكمٍ

أفتجمعينَ خلابةً وصدودا

إني وجدكِ لوْ أردتِ زيادةً

في الحبِّ عندي ما وجدتِ مزيدا

يا ميَّ ويحكِ أنجزي الموعودا

وأرعيْ بذاكَ أمانةً وعهودا

قالتْ نحاذرُ ذا شذاةٍ باسلاً

غيرانَ يزعمُ في السلامِ حدودا

رمتِ الرماةُ فلمْ تصبكِ سهامهمْ

ورأيتُ سهمكِ للرماةِ صيودا

راحوا منَ اجلكِ مقصدينَ وقدْ رأوا

خللَ الحجالِ سوالفاً وخدودا

ورجا العواذلُ أنْ يطعنَ ولمْ أزلْ

منْ حبكمْ كلفَ الفؤادِ عميدا

أصرمتِ إذْ طمعَ الوشاةُ بصرمنا

صباً لعمركِ يا أميمَ ودودا

ونرى كلامكِ لوْ ينالُ بعزةٍ

ودنوَّ داركِ فاعلمنَّ خلودا

إنْ كانَ دهركِ ما يقولُ حسودنا

فلقدْ عصيتُ عواذلاً وحسودا

نامَ الخليُّ وما رقدتْ لحبكمْ

ليلَ التمامِ تقلباً وسهودا

وإذا رجوتَ بأنْ يقربكَ الهوى

كانَ القريبُ لما رجوتَ بعيدا

ما ضرَّ أهلكِ أنْ يقولَ أميرهمْ

قولاً لزائركِ الملمِّ سديدا

حلأتِ ذا سقمٍ يرى لشفائهِ

ورداً ويكرهُ أنْ ترومَ ورودا

أبنو قفيرةَ تبتغونَ سقاطنا

حشرتْ وجوهُ بني قفيرةَ سودا

أخزى الإلهُ بني قفيرةَ إنهمْ

لا يتقونَ منَ الحرامِ كؤودا

إني ابنُ حنظلةَ الحسانُ وجوههمْ

والأعظمينَ مساعياً وجدودا

والأكرمينَ مركباً إنْ ركبوا

والأطيبينَ منَ الترابِ صعيدا

ولهمْ مجالسُ لا مجالسَ مثلها

حسباً تؤثلُ طارفاً وتليدا

إنا إذا قرعَ العدوُّ صفاتنا

لاقوا لنا حجراً أصمَّ صلودا

ما مثلُ بيعتنا أعزَّ مركبا

وأقلَّ قادحةً وأصلبَ عودا

إنا ليذعرنا قفيرُ عدونا

بالخيلِ لاحقةَ الأياطلِ قودا

كسَّ السنابكِ شزباً أقرابها

مما أطالَ غزاتها التقويدا

أجرى قلائدها وخددَ لحمها

ألاَّ تذوقَ معَ الشكائمِ عودا

وطوى الطرادُ معَ القيادِ بطونها

طيَّ التجارِ بحضرموتَ برودا

جرداً معاودةَ الغوارِ سوابحاً

تدني إذا قذفَ الشتاءُ جليدا

تسقى الصريحَ فما تذوقُ كرامةً

حدَّ الشتاءِ لذي القبابِ مديدا

نحنُ الملوكُ إذا أتوا في دارهمْ

وإذا لقيتَ بنا رأيتَ أسودا

اللابسينَ لكلِّ يومِ حفيظةٍ

حلقاً تداخلَ سكهُ مسودا

سائلْ ذوي يمنٍ وسائلهمْ بنا

في الأزدِ إذْ ندبوا لنا مسعودا

فأتاهمُ سبعونَ ألفَ مدججٍ

متلبسينَ يلامقاً وحديدا

قومٌ ترى صدأ الحديدِ عليهمِ

والقبطريَّ منَ اليلامقِ سودا

أمسى الفرزدقُ يا نوارُ كأنهُ

قردٌ يحثُّ على الزناءِ قرودا

ما كانَ يشهدُ في المجامعِ مشهداً

فيهِ صلاةُ ذوي التقى مشهودا

ولقدْ تركتكَ يا فرزدقُ خاسئاً

لما كبوتَ لدى الرهانِ لهيدا

إنا لنذكرُ ما يقالُ ضحى غدٍ

عندَ الحفاظِ ونقتلُ الصنديدا

ونكرُّ محميةٌ ويمنعُ سرحنا

جردٌ ترى لقيادها أخدودا

نبني على سننِ العدوِّ بيوتنا

لا نستجيرُ ولا نحلُّ حريدا

منا فوارسُ منعجٍ وفوارسٌ

شدوا وثاقَ الحوفزانِ بأودا

ولربَّ جبارٍ قصرنا عنوةٌ

ملكٍ يجرُّ سلاسلاً وقيودا

ومنازلِ الهرماسِ تحتَ لوائهِ

بحشاهُ معتدلَ القناةِ شديدا

ولقدْ جنبنا الخيلَ وهي شوازبٌ

متسربلينَ مضاعفاً مسرودا

وردَ القطا زمراً تباري منعجاً

أوْ منْ خوارجَ حائراً مورودا

ولقدْ عركنَ بآلِ كعبٍ عركةً

بلوى جرادَ فلمْ يدعنَ عميدا

إلاَّ قتيلاً قدْ سلبناه بزهُ

تقعُ النسورُ عليهِ أوْ مصفودا

وأبرنَ منَ بكرٍ قبائلَ جمةً

ومنَ الأراقمِ قدْ أبرنَ جدودا

وبني أبي بكرٍ وطئنَ وجعفراً

وبني الوحيدِ فما تركنَ وحيدا

ولقدْ جريتُ فجئتُ أولَ سابقٍ

عندَ المواطنِ مبدئاً ومعيدا

وجهدتَ جهدكَ يا فرزدقُ كلهُ

فنزعتَ لا ظفراً ولا محمودا

إنا وإنْ رغمتْ أنوفُ مجاشعٍ

خيرٌ فوارسَ منهمُ ووفودا

نسري إذا سرتِ البحورُ وشبهتْ

بقراً بقلةِ عالجٍ مطرودا

قبحَ الإلهُ مجاشعاً وقراهمْ

والموجفاتِ إذا نزلنَ زرودا

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي