منتهى الطلب من أشعار العرب/جميل بن معمر

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

جميل بن معمر

جميل بن معمر - منتهى الطلب من أشعار العرب

جميل بن معمر وقال جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن خيبر بن نهيل بن ظبيان وهو من قضاعة بن مرة بن مالك بن حمير بن سباء بن يشجب وعلماء مضر تزعم أن قضاعة من معد ولذلك قال جميل:

أنا جميلٌ في السِّنامِ من معدّ

من القضاعين في الرُّكنِ الأشدِّ

ما تبتغي الأعداءَ منّي ولقد

أعرمُ بالشَّتمِ لساني ومردّ

ألم تسألِ الرَّبعَ القواءَ فينطقُ

وهل تخبرنكَ اليومَ بيداءُ سملقُ

بمختلفِ الأرواحِ بينَ سويقةٍ

وأحدبَ كادتْ بعدَ عهدكَ تخلقُ

أضرَّتْ بها النَّكباءُ يوماً وليلةً

ونفخُ الصَّبا والوابلُ المتبعِّقُ

وقفتُ بها حتَّى تجلَّتْ عمايتي

وملَّ الوقوفَ العنتريسُ المنوَّقُ

وقال خليلي إنَّ ذا لسفاهةٌ

إلاّ تزجرُ القلبَ اللَّجوجَ فتلحقُ

تعزَّ وإن كانت عليكَ كريمةً

لعلَّكَ من أسبابِ بثنةَ تعتقُ

فقلتُ له إنَّ البعادَ يشوقني

وبعضُ بعادِ البينِ والنَّأيِ أشوقُ

لعلَّكَ مشتاقُ ومبدٍ صبابةً

ومظهرُ شكوًى إن أناسٌ تفرَّقوا

شأتكَ وأحْذتكَ الهوى ثعلبيَّةٌ

شآكَ بها حيٌّ يمانونَ شرَّقوا

وقد حالَ أجبالُ المقطَّمِ دونها

فذو النَّخلِ من وادي نطاةَ فتعنقُ

وحالتْ دروءُ التّيهِ بيني وبينها

وركنٌ من الأجبالِ أبيضُ أعنقُ

فلا وصلَ إلاّ أن تقرِّبَ بيننا

مبينةُ عتقِ ذاتِ نيرينِ خيفقُ

زورَّةُ أسفارٍ إذا حطَّ رحلها

رأيتَ بدفَّيها تباشيرَ تبرقُ

إذا ما اكتست نيّاً مخيلاً فإنَّها

رهينةُ بيُّوتٍ من الهمِّ يطرقُ

جماليَّةٌ نرمي بها كلَّ قفرةٍ

لأصدائها بعدَ العشيَّةِ منطقُ

يبذُّ العتاقَ الناجياتِ ذميلها

ويهلكنَ في موضوعها بينَ تعنقُ

لها عينٌ ثورٍ في حجاجٍ كأنَّها

إذا ضمَّها الأنساعُ وقبٌ محلَّقُ

وضبعانِ موَّارانِ في صعدائها

إذا جعلتْ من صيهبِ الجرَّ تعرقُ

لها حاركٌ فوقَ الجرانِ تمدُّهُ

إذا استنَّ آلُ الأمعزِ المترقرقُ

وأتلعُ نهَّاضٌ إذا عجستْ به

مع الجريِ فيهِ عزَّةٌ وتطرُّقُ

أضرَّتْ بها الحاجاتُ حتَّى كأنَّما

ألحَّ عليها جازرٌ متعرِّقُ

وكنتُ إذا رجِّيتُ أن تسقبَ النَّوى

بها بعد نأيٍ والدِّيارُ تصفِّقُ

أحلَّتْ شهورُ الحرمِ بيني وبينها

وجرِّعَ بالغيظِ الغيورُ المحنَّقُ

وبيضٍ رعابيبٍ تثنِّي خصورها

إذا قمنَ أعجازٌ ثقالٌ وأسؤقُ

تنضَّيتُ من وجدٍ إليهنَّ بعدما

كربنَ وأحشائي من الهولِ تخفقُ

بذي شطبٍ قد أخلصَ القينُ وشيهُ

له حينَ تُغشيهِ الكريهةُ رونقُ

فمنهنَّ من غضَّ الأناملِ خشيةٍ

ومنهنَّ لمّا أن رأتني تصفَّقُ

فأتبعتهمْ طرفي وقد زالَ رُكنهمْ

وقد جعلَ الإنسانُ بالماءِ يغرقُ

ولولا جدالي ضقنَ ذرعاً بزائرٍ

أتاهمْ به الحبُّ الذي ليسَ يمذقُ

ويومَ رثيماتٍ سما لكَ حبُّها

ويومَ أخيٍّ كادتِ النَّفسُ تزهقُ

أنائلَ للودُّ الذي كان بيننا

نضا مثلَ ما ينضو الخضابُ فيخلقُ

أنائلَ والله الذي أنا عبدهُ

لقد جعلتْ نفسي من البينِ تُشفقُ

أنائلَ ما للعيشِ بعدكِ لذَّةٌ

ولا مشربٌ إلاّ السِّمالُ المرنَّقُ

أنائلَ ما تنأينَ إلاّ كأنَّني

بنجمِ الثُّريَّا ما نأيتِ معلَّقُ

أنائلَ ما رؤيا زعمتِ رأيتها

لنا عجباً لو أنَّ رؤياكِ تصدقُ

أنائلَ إن الخيرَ يعتادُ ذا الهوى

إذا النَّومُ أجلتهُ الهمومُ فيأرقُ

ومن يكُ ذاكمْ حظُّهُ من صديقهِ

فيوشكُ باقي ودِّهِ يتمزَّقُ

وقال جميل أيضاً:

ألا ليتَ أيامَ الصَّفاءِ جديدُ

ودهراً تولَّى يا بثينَ يعودُ

فنغنى كما كنَّا نكونُ وأنتمُ

صديقٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ

وما أنس مِ الأشياءِ لا أنسَ قولها

وقد قرَّبتْ نضوي أمصرَ تريدُ

ولا قولها لولا العيونُ التي ترى

أتيتكَ فأعذرني فدتكَ جدودُ

خليليَّ ما أخفي من الوجدِ ظاهرٌ

فدمعي بما أخفي الغداةَ شهيد

ألا قد أرى والله أن رُبَّ عبرةٍ

إذا الدارُ شطَّتْ بيننا سترودُ

إذا قلتُ ما بي يا بثينةُ قاتلي

من الوجدِ قالتْ ثابتٌ ويزيدُ

وإن قلتُ ردِّي بعضَ عقلي أعشْ به

مع النَّاسِ قالتْ ذاكَ منكَ بعيدُ

إذا فكَّرتْ قالتْ قد أدركتُ ودّهُ

وما ضرَّني بخلٌ ففيمَ أجودُ

فلا أنا مرجوعٌ بما جئتُ طالباً

ولا حبُّها فيما يبيدُ يبيدُ

جزتكِ الجوازي يا بثينُ ملامةً

إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميدُ

وقلتُ لها بيني وبينك فاعلمي

من الله ميثاقٌ لنا وعهودُ

وفدْ كان حبّيكمْ طريفاً وتالداً

وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ

وإنَّ عروضَ الوصلِ بيني وبينها

وإنْ سهَّلتهُ بالمنى لصعودُ

فأفنيتُ عيشي بانتظاري نوالها

وأبلتْ بذاكَ الدَّهرَ وهو جديدُ

فليتَ وُشاةَ النَّاسِ بيني وبينها

يذوفُ لهمْ سمّاً طماطمُ سودُ

وليتَ لهمْ في كلِّ ممسًى وشارقٍ

تضاعفُ أكبالٌ لهمْ وقيودُ

ويحسبُ نسوانٌ من الجهلِ أنَّني

إذا جئتُ إيّاهنَّ كنتُ أريدُ

فأقسمُ طرفَ العينِ أن يعرفَ الهوى

وفي النَّفسِ بوْنٌ بينهنَّ بعيدُ

فأعرضنَ إنِّي عن هواكنَّ معرضٌ

تماحلَ غيطانٌ بكنَّ وبيدُ

لكلِّ لقاءِ نلتقيهِ بشاشةٌ

وكلُّ قتيلٍ عندهنَّ شهيدُ

علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ

إلى اليومِ ينمي حبُّها ويزيدُ

يذكّرنيها كلُّ ريحٍ مريضةٍ

لها بالتِّلاعِ القاوياتِ وئيدُ

ألا ليتَ شعري هلْ أبيتنَّ ليلةً

بوادي القرى إنِّي إذن لسعيدُ

وهل ألقيَنْ سُعدى من الدَّهرِ مرَّةً

وما رثَّ من حبلِ الصَّفاءِ جديدُ

وقد تلتقي الأهواءُ من بعدِ يأسةٍ

وقد تطلبُ الحاجاتُ وهي بعيدُ

وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملَّةً

بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ

على ظهرِ مرهوبٍ كأنَّ نسورهُ

إذا جارَ هلاَّكُ الطَّريقِ وفودُ

سبتني بعينيْ جؤذرٍ وسطَ ربْربٍ

وصدرٍ كفاثورِ الرُّخامِ وجيدُ

تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها

مباهيةٌ طيَّ الوشاحِ ميودُ

إذا جئتها يوماً من الدَّهرِ زائراً

تعرَّضَ منقوصُ اليدينِ صدودُ

يصدُّ ويغضي عن هواي ويجتني

عليَّ ذنوباً إنَّه لعنودُ

فأصرمها عمداً كأني مجانبٌ

ويغفلُ عنَّا تارةً فنعودُ

فمن يعطَ في الدنيا قريناً كمثلِها

فذلك في عيشِ الحياةِ رشيدُ

يموتُ الهوى منِّي إذا ما لقيتها

ويحيا إذا فارقتُها فيعود

ألم تعلمي يا أمَّ ذي الودعِ أنَّني

أضاحكُ ذكراكمْ وأنتِ صلودُ

وقال جميل أيضاً:

لقد لامني فيها أخٌ ذو قرابةٍ

حبيبٌ إليهِ في نصيحتهِ رشدي

فقالَ أفقْ حتَّى متى أنتَ هائمٌ

ببثْنةَ فيها لا تعيدُ ولا تُبدي

فقلتُ له مهما قضى الله ما ترى

علينا وهل مما قضى الله من ردِّ

فأنْ يكُ رشداً حبُّها أو غوايةٌ

فقد جئتهُ ما كان مني على عمدِ

بثينُ أثيبي بالمودَّةِ أو ردِّي

فؤادي فقد تجزى المودَّةَ بالودِّ

أفي النَّاسِ أمثالي أحبُّوا فحبُّهمْ

كحبِّيَ أم أحببتُ من بينهمْ وحدي

فلمْ أرى مثلَ النَّاسِ لم يغلبوا الهوى

ولم أرَ داءً كالهوى كيفَ لا يعدي

أكانَ كذا يلقى المحبُّونَ قبلنا

بما وجدوا أو لم يجدْ أحدٌ وجدي

فقد جدَّ ميثاقُ الإلهِ بحبِّها

وما للذي لا يتَّقي الله من عهدِ

فلا وأبيها الخيرِ ما خنتُ عهدها

ولا ليَ علمٌ بالذي فعلتْ بعدي

وما زادها الواشونَ إلاّ كرامةً

عليَّ وما زالتْ مودَّتها عندي

نزيدُ نماءً كلَّ يومٍ وليلةٍ

وأمنحها فيما أسرُّ وما أبدي

إذا صقبتْ زدتُ اشتياقاً وإنْ نأتْ

أرِقتُ لبينِ الدَّارِ منها وللبعدِ

أبى القلبُ إلاّ حبِّ بثنةَ لم يردْ

سواها وحبُّ القلبِ بثنةَ لا يجدي

سبتكَ بمصقولٍ ترفُّ أشورهُ

إذا ابتسمتْ في طيبِ ريحٍ وفي بردِ

كأنَّ عتيقَ الرَّاحِ خالطَ ريقها

وصفوَ غريضِ المزنِ صفِّقَ بالشَّهْدِ

تأرّجُ بالمسكِ الأحمِّ ثيابها

إذا عرقتْ فيها وبالعنبرِ الوردِ

وقال جميل أيضاً:

حلَّتْ بثينةُ من قلبي بمنزلةٍ

بينَ الجوانحِ لم ينزلْ بها أحدُ

صادتْ فؤادي بعينيها ومبتسمٍ

كأنَّهُ حينَ أبدتهُ لنا بردُ

عذبٍ كأنَّ ذكيَّ المسكِ خالطهُ

والزَّنجبيلُ وماُ المزنِ والشُّهدُ

وجيدِ أدماءَ تحنوهُ إلى رشإٍ

أغنَّ لم يتَّبعها مثلهُ ولدُ

رجراجةٌ رخصةُ الأطرافِ ناعمةٌ

يكادُ من بدنها في البيتِ ينخضدُ

خذْلٌ مخلخلها وعثٌ مؤزَّرها

هيفاءُ لم يغذها بؤسٌ ولا ومدُ

هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً

تمَّتْ فليس يرى في خلقها أودُ

نعمَ لحافُ الفتى المقرورِ يجعلها

شعارهُ حينَ يُخشى القرُّ والصّردُ

وما يضرُّ امرأً يمسي وأنتِ له

أن لا يكونَ من الدُّنيا له سبدُ

يا ليتنا والمنى ليستْ مقرِّبةً

أنَّا لقيناكِ والأحراسُ قد رقدوا

فيستفيقَ محبٌّ قد أضرَّ به

شوقٌ إليكَ ويشفى قلبهُ الكمدُ

تلْكمْ بتينةُ قد شفَّتْ مودَّتها

قلبي فلم يبقَ إلاّ الرُّوحُ والجسدُ

وعاذلونَ لَحوني في مودَّتها

يا ليتهمْ وجدوا مثلَ الذي أجدُ

لمّا أطالوا عتابي فيكِ قلتُ لهمْ

لا تفرطوا بعضِ هذا اللَّومِ واقتصدوا

قد مات قبلي أخو نهدٍ وصاحبهُ

مرقِّشٌ واشتفى من عروةَ الكمدُ

وكلُّهمْ كان من عشقٍ منيَّتهُ

وقد وجدتُ بها فوقَ الذي وجدوا

إنّي لأرهبُ أو قد كدتُ أعلمه

أنْ سوفَ توردني الحوضَ الذي وردوا

وقال جميل أيضاً:

طربتُ وهاجَ الشَّوقُ منّي وربَّما

طربتُ فأبكاني الحمامُ الهواتفُ

وأصبحتُ قد ضمَّنتُ قلبي حزازةً

وفي الصَّدرِ بَلبالٌ تليدٌ وطارفُ

وأصبحتُ أكمي النَّاسَ أسرارَ حبِّها

وللحبِّ أعداءٌ كثيرٌ وقارفُ

فكم غُصَّةٍ في عبرةٍ قد وجدتها

وهيَّجها منِّي العيونُ الذَّوارفُ

إذا ذكرتكِ النَّفسُ ظلتُ كأنَّني

يقرفُ قرحاً في فؤادي قارفُ

وقلتُ لقلبٍ قد تمادى به الهوى

وأبلاهُ حبٌّ من بثينةَ رادفُ

لَعمركَ لولا الذِّكرُ لانقطعَ الهوى

ولولا الهوى ما حنَّ للبينِ آلفُ

كلفتُ بحمّاءِ المدامعِ طفلةٍ

حبيبٌ إلينا قربها لو تناصفُ

منَ اللُّفِّ أفخاذاً إذا ما تقلَّبتْ

منَ الليلِ وهناً أثقلتها الرَّوادفُ

شفاءُ الهوى أمثالها منتهى المنى

بها يقتدي البيضُ الكرامُ العفائفُ

قطوفُ الخطا عند الضُّحى عبلةُ الشَّوى

إذا استعجلَ المشيَ العجالُ النَّحائفُ

أناةٌ كأنَّ الرِّيقَ منها مدامةٌ

بُعيدَ الكرى أو ذافهُ المسكَ ذائفُ

فتلكَ التي هامَ الفؤادُ بذكرها

سفاهاً وبعضُ الذِّكرِ للقلبِ شاعفُ

وما أنس من الأشياءِ لا أنسَ قولها

غداةَ انصداعِ الشَّعبِ هل أنتَ واقفُ

ولا قولها بالخيفِ أنَّى أتيتنا

حذارَ الأعادي أو متى أنتَ عاطفُ

ولا قولها لي يا جميلُ احفظنَّني

ونفسكَ من بعضِ الذينَ تلاطفُ

بني عمِّيَ الأدنينَ منهم وغيرهمْ

من الناسِ ضمَّتهمْ إليكَ المعارفُ

ولا عينها إذ يغسلُ الدَّمعُ كحلها

وتبدي لنا منها الهوى وهيَ خائفُ

وقالت ترفَّقْ في مقالةِ ناصحٍ

عسى الدَّهرُ يوماً بعدَ نأيٍ يساعفُ

فإنْ تدُنْ منَّا يرجعِ الودُّ راجعٌ

وإلا فقد بانَ الحبيبُ الملاطفُ

فولَّيتُ محزوناً وقلتُ لصاحبي

هو الموتُ إن بانَ الحبيبُ المؤالفُ

وصاحَ ببينِ الدَّارِ منَّا ومنهمُ

غداةَ ارتحلنا للتَّفرُّقِ هاتفُ

فكمْ قد قطعنا دونكمْ من مجاهلٍ

وموماةِ أرضٍ دونهنَّ نفانفُ

على كلِّ عيديِّ النَّجارِ مُراكلٍ

وأدمٍ تبارى وهيَ قودٌ حراجفُ

حراجيجُ أمثالُ القنا تهصُ السُّرى

إذا نفضتْ هاماتهنَّ الرَّواجفُ

سروا ما سروا من ليلهمْ ثمَّ عرَّسوا

سُحيراً وقد مالتْ بهنَّ السَّوالفُ

على كلِّ ثنيٍ من يديْ أرحبيَّةٍ

طوى النَّحضَ عنها نازحاتٌ تنائفُ

إذا جاوزوا أعلامَ أرضٍ بدتْ لهم

مهامهُ يُخشى في هداها المتالفُ

وقال جميل أيضاً:

عفا بردٌ من أمِّ عمرٍو فلفْلفُ

فأُدمانُ منها فالصَّرائمُ مألفُ

وعهدي بها إذ ذاكَ والشَّملُ جامعُ

لياليَ جمْلٌ بالمودَّةِ تسعفُ

فأصبحَ قفراً بعدما كان حقبةً

وجمْلُ المنى تشتو به وتصيِّفُ

ففرَّقنا صرفٌ من الدَّهرِ لم يكنْ

له دونَ تفريقٍ من الحيِّ مصرفُ

فليسَ بها إلاّ ثلاثٌ كأنَّها

حمائمُ سفعٌ حولَ أورقَ عكَّفُ

أأن هتفتْ ورقاءُ ظلتَ سفاهةً

تبكّي على جملٍ لورقاءَ تهتفُ

وقد نزحَ الدَّمعَ البكاءُ لذكرها

من العينِ أغرابٌ تفيضُ وتغرفُ

وليسَ بكاءُ المرءِ بالعزفِ والتُّقى

ولكنَّ عزفَ المرءِ عن ذاكَ أعرفُ

فلو كانَ لي بالصَّرمِ يا بثنَ طاقةٌ

صرمتُ ولكنّي على الصَّرمِ أضعفُ

لها في سوادِ القلبِ مِ الحبِّ ميعةٌ

هيَ الموتُ أو كادتْ على الموتِ تشرفُ

وما ذكرتكِ النَّفسُ يا بثنُ مرَّةً

من الدَّهرِ إلاّ كادتْ النَّفسُ تتلفُ

وإلا علتني عبرةٌ واستكانةٌ

وفاضَ لها جارٍ من الدَّمعِ يذرفُ

وما استطرفتْ نفسي حديثاً لِخلَّةٍ

أسرُّ به إلاّ حديثكِ أظرفُ

لعمركَ لا ينفكُّ حبُّكِ فاعلمي

جوًى لازمي ما دامتِ العينُ تطرفُ

أمنصفتي جملٌ فتعدلَ بيننا

إذا حكمتْ والعادلُ الحكمَ ينصفُ

تعلَّقْتها والنَّفسُ منِّي صحيحةٌ

فما زال ينمي حبُّ جملٍ وتضعفُ

إلى اليومِ حتَّى سلَّ جسمي وشفَّني

وأنكرتُ من نفسي الذي كنتُ أعرفُ

شعفتُ بجملٍ بعدَ إذ كنتُ سالياً

ومثلُ الذي ألقى من الحبِّ يشعفُ

صيودٌ كغصنِ البانِ ما فوقَ حقْوها

وما تحتهُ منها نقاً يتقصَّفُ

من البيضِ معطارٌ يزينُ لبانها

جمانٌ وياقوتٌ ودرٌّ مؤلَّفُ

لها مقلتا ريمٍ وجيدُ جدايةٍ

وبطنٌ كطيِّ السَّابريَّةِ أهيفُ

من السَّاجياتِ الطَّرفِ حورٍ كأنَّها

نعاجٌ غذاهنَّ الأريضُ فلفلفُ

تسوِّفُ دَيني وهي ذاتُ يسارةٍ

فحتى متى ديني لديها يسوَّفُ

على ذاكَ إنِّي لا بخيلُ عليهمُ

ولا فاحشٌ فيما أطالبُ ملحفُ

لقد أخلفتْ ظنّي وكانت مخيلةً

وكم من مخيلٍ يُرتجى ثمَّ يخلفُ

فلمْ يكُ لي إلاّ التَّلهُّفُ إذ نأتْ

وظنَّتْ وما يجدي عليَّ التَّلهُّفُ

وقد صدفتْ عنّي بغيرِ جريرةٍ

وما ليَ ذنبٌ عندها حينَ تصدفُ

عليكِ سلامُ الله أمَّ مطرِّفٍ

وإن كانَ هذا الحبُّ لا يتصرَّفُ

تقول وقد فاضتْ من العينِ عبرةٌ

أفقْ إنّ جهلاً منكَ هذا التَّكلُّفُ

وكانت تحيدُ الأسدُ عنّي مخافتي

فهل يقتلنِّي ذو رعاثٍ مطرَّفُ

تكلَّفتَ جملاً وهي عنكَ بخيلةٌ

فهيهاتَ منكَ اليومَ ما تتكلَّفُ

ألا أيّهذا اللاَّئمي أن أحبّها

تأمَّلْ كذا أيّي وأيُّكَ أعنفُ

أجدَّكَ لم تحببْ فتخفقَ رسْلةٌ

برحلكَ أو باقي الهِبابِ مشرِّفُ

علندًى كعيرِ العونِ قد شقَّ نابهُ

على الأينِ فيه عزَّةٌ وتعجرفُ

أمَ أنتَ امرؤٌ ترعيَّةٌ جُلُّ همِّهِ

جمالٌ ومعزًى لا تزالُ تؤنَّفُ

شماريخُ كالقنوانِ نعَّمَ نبتها

طويلُ القرا هوهاءةُ اللُّبِّ أجوفُ

إذا نفرتْ عن ظهرِ غيبٍ رأيتهُ

من الشَّدِّ أجلى بعدَ إذ هو أغضفُ

إذا مرضتْ منها عناقُ رأيتهُ

بسكِّينه من حولها يتلهَّفُ

محبٌّ لصغراها بصيرٌ بنسلها

حفوظٌ لأخراها أحَيدبُ أحنفُ

إذا ولجَ النَّاسُ الظِّلالَ فإنّهُ

معَ الشاءِ حتَّى يسرحَ الشاءَ محقفُ

له محنةٌ سودٌ ربابٌ كأنَّها

إذا وردتْ ماءً براذينُ ترجفُ

بناتُ خداريٍّ كأنَّ قرونها

إذا أشرفتْ فوقَ الجماجمِ علَّفُ

وراسيةٌ قعراءُ ضمَّنَ شربها

إذا هتفَ القُمريُّ جونٌ معلَّفُ

طباقاءُ لم يشهدْ خصوماً ولم ينخْ

قلاصاً إلى أكوارها حينَ تُعكفُ

ولم يشهدِ الفتيانَ ليلاً يلفُّهمْ

على شعبِ الأكوارِ حمراءُ حرجفُ

فلولا ابنةُ العذريّ لم ترَ ناقتي

شلال ولم أعسفْ بها حيثُ أعسفُ

وما كنتُ أدري ما الكراتيمُ قبلها

فقد كلَّفتنيهنَّ فيما أكلَّفُ

فإن تسألي يا بثنَ عنّا فإنّنا

لنا المجدُ قدماً والعديدُ المضعَّفُ

قضاعةٌ قومي إنْ قومي ذؤابةٌ

بفضلِ المساعي في الملمّاتِ تعرفُ

لنا سابقانِ الملكُ والعزُّ والنَّدى

قديماً وفي الإسلامِ ما لا يعنَّفُ

إذا انتهبَ الأقوامُ مجداً فإنَّنا

لنا معرفا مجدٍ وللنَّاسِ معرفُ

فما سادنا قومٌ ولا ضامنا عدًى

إذا شجرَ القومَ الوشيجُ المثقَّفُ

لنا حومةٌ يحمى الحريمَ بعزِّها

عديدُ الحصى لم يحصها المتكلِّفُ

على كلِّ مسحاجٍ إذا ابتلَّ لبدها

تهافتَ منها ثائبٌ متغضِّفُ

وكنّا إذا ما معشرٌ أجحفوا بنا

ومرَّتْ جواري طيرهمْ وتعيَّفوا

وضعنا لهمْ صاعَ القصاصِ رهينةً

بما سوفَ نوفيها إذا النَّاسُ طفّفوا

ترى النّاسَ ما سرنا يسيرونَ خلفنا

وإن نحنُ أومأنا إلى الناسِ وقَّفوا

برزنا وأصحرنا لكلِّ قبيلةٍ

بأسيافنا إذ يؤكلُ المتضعَّفُ

وقال جميل أيضاً:

عاودتُ من جملٍ قديمَ صبابتي

وأخفيتُ من وجدي الذي كان خافيا

أتعذرُ لا بلْ لا محالةَ أنهُ

ملومٌ إذا ذو الشَّيبِ رامَ التَّصابيا

حبيبٌ دعا عن طولِ ليلٍ حبيبهُ

صبا صبوةً لما أطالَ التقائيا

إذا قلتُ أنساها تردَّدَ حبُّها

كذي الدَّيْنِ يقضي مغرماً كان كاليا

أقولُ لداعي الحبِّ والحجرُ بيننا

ووادي القرى لبَّيكَ لما دعانيا

فلمْ تنكرِ الدَّاعي ولكنَّ حبَّها

أصيلٌ ويبلى كالذي كنتُ باليا

فما أحدثَ النَّأيُ المفرِّقُ بيننا

سلوّاً ولا طولُ اجتماعٍ تقاليا

كأنْ لم يكنْ نايٌ إذا كان بعدهُ

تلاقٍ ولكنْ لا إخالُ تلاقيا

خليليَّ إنْ لم تبكيا ليَ ألتمسْ

خليلاً إذا أنزفتُ دمعاً بكى ليا

وقالَ خليلي إنَّ تيماءَ موعدٌ

لبثنَ إذا ما الصَّيفُ ألقى المراسيا

ألمْ يكُ إذ أهلي وأهلكِ جيرةٌ

تخبِّرني إن بنتُ ألا تلاقيا

ذري ردَّ قولٍ قد مضى كنتُ قلتهُ

ولِعتِ به أو ضلَّةً من ضلاليا

فإنَّكِ لو تجلينَ نحو تِهامةٍ

أو الرُّكنِ من حورانَ أصبحتُ جاليا

وقد خفتُ أن يغترَّني الموتُ بغتةً

وفي النَّفسِ حاجاتٌ إليكِ كما هيا

وإنّي لتُنسيني الحفيظةُ كلَّما

لقيتكِ يوماً أن أبثَّكِ ما بيا

ألم تعلمي يا عذبةَ الماءِ أنّني

أظلُّ إذا لم أُسقَ ماءكِ صاديا

وما زلتِ بي يا بثنَ حتَّى لو أنَّني

من الوجدِ أستبكي الحمامَ بكى ليا

وددتُ على حبِّي الحياةَ لو أنَّها

يزادُ لها في عمرها من حياتيا

فأقسمتُ لا ألحو محبّاً ولا أرى

له لاحياً إلاّ دعوتُ الجوازيا

وإلا اعترتني عبرةٌ بعدَ فترةٍ

وإلا تداعى الحبُّ منّي تداعيا

فلا تسمعوا قولاً لهمْ إن تظاهروا

عليَّ بلومٍ أنتَ سدَّيتهِ ليا

فما زادني الواشون إلاّ صبابةً

ولا زادني النَّاهونَ إلاّ تماديا

إذا علمتْ وجدي بها وصبابتي

فإنَّ المنايا قاصداتٌ وشاتيا

وقال جميل أيضاً:

لقد أورثتْ قلبي وكان مصحَّحاً

بثينةُ صدعاً يومَ طارَ رداؤها

إذا خطرتْ من ذكرِ بثنةَ خطرةٌ

عصتني شؤونُ العينِ فانهلَّ ماؤها

فإنْ لم أزرها عادني الشَّوقُ والهوى

وعاودَ قلبي من بثينةَ داؤها

وكيفَ بنفسٍ أنتِ هيَّجتِ سُقمها

ويمنعُ منها يا بُتينُ شفاؤها

لقد كنتُ أرجو أن تجودي بنائلٍ

فأخلفَ نفسي من جداكِ رجاؤها

فلو أنَّ نفسي يا بثينُ تُطيعني

لقد طالَ عنكمْ صبرها وعزاؤها

ولكن عصتني واستبدَّتْ لإمرها

فأنتِ هواها يا بثينُ وشاؤها

فأحيي هداك الله نفساً مريضةً

طويلاً بكمْ تهيامها وعناؤها

وكمْ وعدتنا من مواعدَ لو وفتْ

بوأيٍ فلم تنجزْ قليلٍ غناؤها

وكم لي عليها من ديونٍ كثيرةٍ

طويلٌ تقاضيها بطيءٌ قضاؤها

تجودُ به في النَّومِ غيرِ مصرَّدٍ

ويحزنُ أيقاظاً عليها عطاؤها

إذا قلتُ قد جادتْ لنا بنوالها

أبتْ ثمَّ قالت خطَّةٌ لا أشاؤها

أعاذلتي فيها لكِ الويلُ أقصري

من اللَّومِ عنّي اليومَ أنتِ فداؤها

فما ظبيةٌ أدماءُ لاحقةٌ الحشا

بصحراءِ قوٍّ أفردتها ظباؤها

تراعي قليلاً ثمَّ تحنو إلى طلا

إذا ما دعتهُ والبغامُ دعاؤها

بأحسنَ منها مقلةً ومقلَّداً

إذا جليتْ لم يستطاعُ اجتلاؤها

وتبسمُ عن غُرٍّ عذابٍ كأنَّها

أقاحٍ حكتها يومَ دجنٍ سماؤها

إذا اندفعتْ تمشي الهوينى كأنَّها

قناةٌ تعلَّتْ لينها واستواؤها

إذا قعدتْ في البيتِ يشرقُ بيتها

وإن برزتْ يزدادُ حسناً فناؤها

قطوفٌ ألوفٌ للحجالِ يزينها

معَ الدَّلِّ منها جسمها وحياؤها

منعَّمةٌ ليستْ بسوداءَ سلفعٍ

طويلٌ لجيرانِ البيوتِ نداؤها

فدتكِ من النّسوانِ كلُّ شريرةٍ

صخوبٍ كثيرٍ فُحشها وبذاؤها

فهذا ثنائي إن نأتْ وإذا دنتْ

فكيفَ علينا ليتَ شعري ثناؤها

وقال جميل أيضاً:

وغرِّ الثَّنايا من ربيعةَ أعرضتْ

حروبُ معدٍّ دونهنَّ ودوني

تحمَّلنَ من ماءِ الثُّديِّ كأنَّما

تحمَّلنَ من مرسًى ثقالَ سفينِ

فلمَّا دخلنَ الخيمَ سدَّتْ فروجهُ

بكلِّ لبانٍ واضحٍ وجبينِ

وعالَينِ رقماً فوقَ كلِّ عذافرٍ

إذا حثَّ رخوُ الأخدعينِ ذقونِ

كأنَّ الخدورَ أولجتْ في ظلالها

ظباءُ الملا ليستْ بذاتِ قرونِ

إلى رجّحِ الأعجازِ حورٍ نمى بها

مع العتقِ والأحسابِ صالحُ دينِ

تبادرنَ أبوابَ الحجالِ كما مشى

حمامُ ضحًى في أيكةٍ وفنونِ

وقال خليلي طالعاتٌ من الصَّفا

فقلتُ تأمَّلْ ليسَ حيثُ تريني

قرضْنَ شمالاً ذا العشيرةِ كلَّهُ

وذاتَ اليمينِ البرْقَ برقَ هجينِ

فأصعدْنَ في سرَّاءَ حتَّى إذا انتحتْ

شمالاً نحا حاديهمُ ليمينِ

فلمَّا تعسَّفنَ الأداهمَ فُتْنني

وسمَّحَ للبينِ المشتِّ قريني

فألقتْ عصاها واستقرَّ بها النَّوى

على جنبِ نهيٍ ذي شرائعَ جونِ

أبيني لنا قبلَ الفراقِ أبيني

بثينةُ حقّاً صرمكمْ بيقينِ

فلو أرسلتْ يوماً بثينةُ تبتغي

يميني ولو عزَّتْ عليَّ يميني

لأعطيتها ما جاءَ يبغي رسولها

وقلتُ لها بعدَ اليمينِ سليني

سليني ما لي يا بثينَ فإنَّما

يبيِّنُ عندَ المالِ كلُّ ضنينِ

فما لكِ لمَّا خبَّرَ النَّاسُ أنَّني

أسأتُ بظهرِ الغيبِ لم تسليني

فأبليَ عذراً أو أجيءَ بشاهدٍ

من النَّاسِ عدلٍ أنَّهم ظلموني

ولستُ وإن عزَّتْ عليَّ بقائلٍ

لها بعدَ صرمٍ يا بثينَ صليني

لحى الله من لا ينفعُ الودُّ عندهُ

ومن حبلهُ إنْ مدَّ غيرُ متينِ

ومن هو إنْ تحدثُ له العينُ نظرةً

يقضّبْ لها أسبابَ كلِّ قرينِ

ومن هو ذو لونينِ ليسَ بدائمٍ

على خلقٍ خوَّانُ كلِّ أمينِ

فليتَ رجالاً فيكَ قد نذروا دمي

وهمُّوا بقتلي يا بثينَ لقوني

أرادوا لكيما يقتلوني ولا يدوا

دمي ثمَّ إنَّ الواقياتِ تقيني

إذا ما رأَوني مقبلاً من ثنيَّةٍ

يقولونَ من هذا وقد عرفوني

وكيفَ لا توفي دماؤهمْ دمي

ولا مالهمْ ذو كثرةٍ فيدوني

حلفتُ بربِّ الرّاقصاتِ إلى منًى

هويَّ القطا يجتزنَ بطنَ دفينِ

لأيقنَ هذا القلبُ أن ليسَ لاقياً

سُليمى ولا أمَّ الجُسيرِ لحينِ

من البيضِ لم تعقدْ نطاقاً بخصرها

ولم يرْخِ متنيها ارتكاضُ جنينِ

كأنَّ دموعَ العينِ إذ شطَّتِ النَّوى

ببثنةَ يسقيها رذاذُ معينِ

جلتْ برداً غرّاً ترفُّ غروبهُ

عِذابَ الثَّنايا لم تشبْ بأجونِ

وقال جميل أيضاً:

أمنْ آلِ ليلى تغتدي أم تروَّحُ

وللمغتدي أمضى هموماً وأسرحُ

ظللنا لدى ليلى وظلَّتْ ركابنا

بأكوارها محبوسةً ما تسرَّحُ

إذا أنتَ لم تظفرْ بشيءٍ طلبتهُ

فبعضُ التَّأنِّي في اللُّبانةِ أنجحُ

وقامتْ تراءى بعدما نامَ صحبتي

لنا وسوادُ اللَّيلِ قد كادَ يجلحُ

بذي أشرٍ كالأقحوانِ يزينهُ

ندى الطَّلِ إلاّ أنَّه هو أملحُ

كأنَّ خزامى عالجٍ في ثيابها

بعيدَ الكرى أو فأرَ مسكٍ تذبَّحُ

كأنَّ الذي يبتزُّها من ثيابها

على رملةٍ من عالجٍ متبطِّحُ

وبالمسكِ تأتيكَ الجنوبُ إذا جرتْ

لكَ الخيرُ أم ريّا بثينةَ تنفحُ

من الخفراتِ البيضِ خودٌ كأنَّها

إذا ما مشتْ شبراً من الأرضِ تُنزحُ

منعمةٌ لو يدرجُ الذَّرُ بينها

وبين حواشي ثوبها ظلَّ يجرحُ

إذا ضربتها الرِّيحُ في المرطِ أجفلتْ

مآكمها والرّيحُ في المرطِ أفضحُ

ترى الزُّلَّ يلعنَّ الرِّياحَ إذا جرتْ

وبثنةُ إن هبَّتْ لها الرِّيحُ تفرحُ

إذا الزُّلُّ حاذرنَ الرِّياحَ رأيتها

من العجبِ لولا خشيةُ الله تمرحُ

وإنّي وإنْ لم تسمعي لمقالتي

لأحمدُ نفسي في التَّنائي وأمدحُ

ويرتاحُ قلبي والتَّنوفةُ بيننا

لذكراكِ أو ينهلُّ دمعي فيسفحُ

وبثنةُ قد قالتْ وكلُّ حديثها

إلينا ولو قالتْ بسوءٍ مملَّحُ

تقولُ بني عمِّي عليكَ أظنَّةٌ

وأنتَ العدوُّ المسرفُ المتنطِّحُ

وقالتْ عيونٌ لا تزالُ مطلَّةً

علينا وحولي من عدوِّكَ كشَّحُ

إذا جئتنا فانظر بعينٍ جليَّةٍ

إلينا ولا يغرُركَ من يتنصَّحُ

رجالٌ ونسوانٌ يودّونَ أنَّني

وإيّاكَ نخزى يا بن عمّي ونفضحُ

وقالتْ تعلَّمْ أنَّ ما قلتَ باطلٌ

أيادي سبا منهنَّ إن كنتَ تمزحُ

وحولي نساءٌ إن ذكرتَ بريبةٍ

شمتنَ وما منهنَّ إلاّ سيفرحُ

ووالله ما يدري جميلُ بن معمرٍ

أليلى بقوٍّ أم بثينةُ أنزحُ

وكلتاهما أمستْ ومن دونِ أهلها

لعوجِ المطايا والقصائدِ مسبحُ

أمنْ أجلِ أن عجنا قليلاً ولم نقلْ

لليلى كلاماً لا أبا لك تكْلحُ

فمتْ كمداً أو عشْ ذميماً فإنَّها

جيوبٌ لليلى تحفظُ الغيبَ نصَّحُ

سلوا الواجدينَ المخبرينَ عن الهوى

وذو البثِّ أحياناً يبوحُ فيصرحُ

أتقرحُ أكبادُ المحبِّينَ كالذي

أرى كبدي من حبِّ بثنةَ يقرحُ

فوالله ثمَّ الله إنِّي لصادقٌ

لذكركِ في قلبي ألذُّ وأملحُ

من النّسوةِ السُّودِ اللَّواتي أمرْنني

بصرمكِ إنِّي من ورائكَ منفحُ

لقد قلنَ ما لا ينبغي أن يقلنهُ

وينضحنَ جلداً لم يكن فيكَ ينضحُ

بكى بعلُ ليلى أن رأى القومَ عرَّجوا

صدورَ المطايا وهي في السَّيرِ جنَّحُ

ووالله ما أدري أصرمٌ تريدهُ

بثينةُ أم كانتْ بذلكَ تمزحُ

عشيَّةَ قالتْ لا يكنْ لكَ حاجةٌ

رأيتكَ تأسو باللّسانِ وتجرحُ

فقلتُ أصرمٌ أم دلالٌ وإنْ يكنْ

دلالٌ فهذا منكِ شيءٌ مملَّحُ

إليَّ وإنْ حاولتِ صرمي وهجرتي

فما قبلي منْ جانبِ الأرضِ أفسحُ

ألمْ تعلمي وجدي إذا شطَّتِ النَّوى

وكنتُ إذا تدنو بك الدَّارُ أفرحُ

فإنِّي عرضتُ الودَّ حتَّى رددتهِ

وحتّى لحى فيكِ الصَّديقُ وكشَّحُ

فأشمتِّ أعدائي ووسيءَ بما رأى

صديقي ولا في مرجعٍ كنتُ أكدحُ

فهلاَّ سألتِ الرَّكبَ حينَ يلفُّني

وإيَّاهمُ خرقٌ من الأرضِ أفيحُ

أَأُكرمُ أصحابي وأبذلُ ذا يدي

وأعرضُ عن جهلِ الصَّديقِ وأصفحُ

وأُكثرُ قولاً والحبيبِ موكَّلٌ

سقى أهلَ جملٍ حيثُ أمسوا وأصبحوا

أجشُّ هزيمُ الرَّعدِ دانٍ ربابهُ

له هيدبٌ جمُّ العثاثينَ رجَّحُ

ذكرتكِ يومَ النَّحرِ يا بثنُ ذكرةً

على قرنٍ والعيسُ بالقومِ جنَّحُ

عواطفَ بالعينِ بينَ مسرَّةٍ

لقاحاً وأُخرى حائلٍ تتلقَّحُ

دهنَّ بأسقاطِ اللُّغامِ كأنَّهُ

إذا قطَّعتهُ الرِّيحُ قزٌّ مسرَّحُ

ويومَ وردْنا قرحَ هاجتْ ليَ البكا

من الورقِ حمَّاءُ العلاطينِ تصدحُ

ويومَ وردْنا الحجرَ يا بثنُ عادَني

لكِ الشَّوقُ حتَّى كدتُ باسمكِ أُفصحُ

وليلةَ بتْنا بالجنينةِ هاجَني

سنا بارقٍ منْ نحوِ أرضكِ يلمحُ

فعدتُ لهُ والقومُ صرعى كأنَّهمْ

لدى العيسِ بالأكوارِ خشبٌ مطرَّحُ

أراقبهُ حتَّى بدا متبلِّجٌ

منَ الصُّبحِ مشهورٌ وما كدتُ أُصبحُ

وليلةَ بتْنا ذاتَ حاجٍ ذكرتكمْ

هدواً وقدْ نامَ الخليُّ المصحَّحُ

وبتُّ كئيباً لادِّكاري وصحبَتي

على مشرعٍ فانهلَّتِ العينُ تسفحُ

ويومَ معانٍ قالَ لي فعصيتهُ

أفقْ عنْ بثينَ الكاشحُ المتنصِّحُ

ويومَ نزلْنا بالحبالِ عشيةً

وقد حُبستْ فينا الشَّراةُ وأذرحُ

ذكرتكمُ فانهلَّتْ العينُ إنَّها

إذا لمْ يكنْ صبرٌ أخفُّ وأروحُ

وليلةَ عرَّسنا بأوديةِ الغضا

ذكرتكِ إنَّ الحبَّ داءٌ مبرِّحُ

ويومَ تبوكٍ كدتُ منْ شدَّةِ الأسى

عليكِ بما أُخفي منَ الوجدِ أصرحُ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي