منتهى الطلب من أشعار العرب/حسان بن ثابت

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

حسان بن ثابت

حسان بن ثابت - منتهى الطلب من أشعار العرب

حسان بن ثابت وقال حسانُ بنُ ثابتِ بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وهو تيمْ الله من الخزرج بن ثعلبة العنقاء بن عمرو ومزيقياء بن عامرٍ ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد. وأم حسان الفريعة بنت خنيس بن لوذان من الخزرج أيضاً، يقولها يوم فتح مكة: الوافر

عفتْ ذاتُ الأصابع فالجواءُ

إلى عذراءَ منزلُها خلاءُ

ديارٌ من بني الحسحاسِ قفْرٌ

تعفتها الروامِسُ والسماءُ

وكانتْ لا يزالُ بها أنيسٌ

خلالَ مروجها نعمٌ وشاءُ

فدعْ هذا ولكنْ منْ لطيفٍ

يؤرقنِي إذا ذهبَ العشاءُ

لشعثاءَ التي قدْ تيمتهُ

فليْسَ لقلبهِ منْها شفاءُ

كأنَّ خبيةً منْ بيتٍ رأسٍ

يكونُ مزاجَها عسَلٌ وماءُ

على أنيابها أوْ طعمُ غضٍّ

منَ التفاحِ هصرهُ اجتناءُ

إذا ما الأشرِباتُ ذكرنَ يوماً

فهنَّ لطيبِ الراحِ الفداءُ

نوليها الملامَةَ إنْ ألمْنا

إذا ما كانَ مغثٌ أو لحاءُ

ونشربُها فتتركنا ملوكاً

وأسداً ما ينهنهنا اللقاءُ

عدمنا خيلَنا إنْ لَمْ تروْها

تثيرُ النقْعَ موعدُها كداءُ

يبارِينَ الأسنةَ مصغياتٍ

على أكتافِها الأسلُ الظماءُ

تظلَّ جيادُنا متمطراتٍ

يلطمُهُنَّ بالخمرِ النساءُ

فإمّا تعرضُوا عنا اعتمرنا

وكانَ الفتحُ وانكشفَ الغطاءُ

وإلاَّ فاصبرُوا لجلادَ يومٍ

يعينُ الله فيهِ من يشاءُ

وقالَ اللهُ قدْ يسرتُ جنداً

همُ الأنصارُ عرضتُها اللقاءُ

لنا في كلِّ يومٍ منْ معدٍّ

قتالٌ أو سبابٌ أو هجاءُ

فنحكم بالقوافِي من هجانا

ونضربُ حينَ تختلطُ الدماءُ

وقال اللهُ قدْ أرْسلْتُ عبداً

يقولُ الحقَّ إنْ نفَعَ البلاءُ

شهدتُ بهِ وقومِي صدَّ قوهُ

فقلتم ما نجيبُ وما نشاءُ

وجبريلٌ أمينُ اللهِ فينا

وروحُ القدسِ ليس لهُ كفاءُ

ألا أبلغْ أبا سفيانَ عنِّي

فأنتَ مجَّوفٌ نخبٌ هواءُ

هجوتَ محمداً فأجبتُ عنهُ

وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ

أتهجُوهُ ولستَ لهُ بكفوءٍ

فشرُّكُما لخيركُما الفداءُ

فمَن يهجُو رسولَ اللهِ منكمْ

وينصرُهُ ويمدحُهُ سواءُ

فإنَّ أبي ووالداهُ وعرضِي

لعرضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ

فإما تثقفَنَّ بنِي لؤيٍّ

جذيمةُ إنَّ قتلَهُمُ شفاءُ

أولئكَ معشرٌ نصرُوا علينا

ففي أظفارِنا منهمْ دماءُ

وحلفُ الحارثِ بن أبي ضرارٍ

وحلفُ قريظةٍ منا براءُ

لسانِي صارِمٌ لا عيْبَ فيهِ

وبحرِي ما يُكدرُهُ الدلاءُ

وقال حسان أيضاً: الطويل

ألمْ تسألِ الربعَ الجديدَ التكلُّما

بمدفَع أشداخٍ فبرقةِ أظلَما

أبى رسمُ دارِ الحيِّ أنْ يتكلَّما

وهلْ ينطقُ المعروفَ مَنْ كانَ أبْكما

بقاعِ نقيعِ الجزع منْ بَطْنِ يلْيلٍ

تحملَ منهُ أهلُهُ فتتهَّما

ديارٌ لشعثاءِ الفؤادِ وتربها

لياليَ تحتلُّ المراضَ فتغلما

وإذْ هيَ حوراءُ المدامِعَ ترتعِي

بمندفِعِ الوادِي أراكاً منظما

أقامتْ بهِ بالصيفِ حتى بدا لها

نشاصٌ إذا هبتْ لهُ الريحُ أرزَما

فلما دنتْ أعضادُهُ ودَنا لهُ

منَ الأرْضِ دانٍ جوزُهُ فتحمحما

تحنُّ مطافيلُ الرباعِ خلالهُ

إذا استَنَّ في حافاتِهِ البرقُ أثجما

وكادَ بأكنافِ العقيقِ وئيدُهُ

يحطُّ منَ الجماءِ رُكناً ململما

فلما علا تربانَ وانهلَّ ودقُهُ

تداعَى وألقَى بركَهُ فتديَّما

وأصبح منهُ كلُّ مدفعِ تلعَةٍ

يكبُّ العضاهَ سيلُهُ ما تصرَّما

تنادَوا بليلٍ فاستقلَّتْ حمولُهمْ

وعالينَ أنماطَ الدِّرَقْلِ المرقَّما

عسجنَ بأعناقِ الظباءِ وأبرزتْ

حواشِي برودِ القطْرِ وشياً منمنما

فأنَّى تلاقِيها إذا حلَّ أهلُها

بوادٍ يمانٍ من غفارٍ وأسْلَما

تلاقٍ بعيدٌ واختلافٌ منْ النوَى

تلاقيكها حتى توافِيَ موسِما

سأهْدِي لها في كلِّ عامٍ قصيدَةً

وأقعدُ مكفيّاً بيثربَ مكرما

ألستُ بنعمَ الجار يؤلفُ بيتهُ

لدى العرفِ ذا مالٍ كثيرٍ ومعدما

وندْمانِ صدْقٍ تمطرُ الخيرَ كفُّهُ

إذا راحَ فياضَ العشياتِ خضْرما

وصلتُ بهِ ركنِي ووافَقَ شيمَتِي

ولمْ أكُ عضاً في الندامَى ملوَّما

وأبقَى لنا مرُّ الحروبِ ورزؤُها

سيوفاً وأدراعاً وجمعاً عرمرْما

إذا اغبرَّ آفاقُ السماءِ وأمحلَتْ

كأنَّ عليها ثوبَ عصبٍ مسهَّما

حسبتَ قدورَ الصادِ حولَ بيوتنا

قنابلَ دهماً في المحلةِ صيَّما

يظلَ لديْها الواغلُونَ كأنَّما

يوافُونَ بحراً منْ سميحةَ مفعما

لنا حاضرٌ فعمٌ وبادٍ كأنَّهُ

شماريخُ رضوَى عزةً وتكرُّما

متى ما تزنا من معدٍّ بعصبَةٍ

وغسانَ نمنعْ حوضَنا أن يُهَدَّما

بكلِّ فتًى عارِي الأشاجعِ لاحَهُ

قراعُ الكماةِ يرشَحُ المسكَ والدَّما

إذا استدبرتنا الشمسُ درتْ متوننا

كانَّ عروقَ الجوفِ ينضحنَ عندما

ولدْنا بني العنقاءِ وابنيْ محرقٍ

فأكرمْ بنا خالاً وأكرِمْ بنا ابْنَما

نسوِّدُ ذا المالِ القلِيلِ إذا بدتْ

مرؤتُهُ فينا وإنْ كانَ مُعدِما

وإنّا لنقرِي الضيفَ إنْ جاءَ طارِقاً

من الشحمِ ما أمْسَى صحيحاً مسلما

ألسنا نردُّ الكبْشَ عنْ طيةٍ الهوى

ونقلبُ نيرانَ الوشيج محطَّما

وكائنْ ترَى منْ سيدٍ ذي مهابةٍ

أبوهُ أبُونا وابنُ أختٍ ومحرما

لنا الجفناتُ الغرُّ يلمعنَ بالضُّحَى

وأسيافُنا يقطُرْنَ من نجدةٍ دَما

أبّى فعلُنا المعروفَ أنْ تنطقَ الخنا

وقائلنا بالعرْفِ إلا تكلُّما

فكلُّ معدٍّ قدْ جزيْنا بصنعهِ

فبؤسَى ببؤساها وبالنعمِ أنعما

وقال حسان: الطويل

لكِ الخيرُ غضِّي اللومَ عَنِّي فإنني

أحبُّ من الأخلاقِ ما كانَ أجملا

ذريني وعلمِي بالأمورِ وشيمتِي

فما طائري فيها عليكِ بأخيلا

فإنْ كنتِ لا منِّي ولا مِنْ خليقتِي

فمنكِ الذي أمْسَى عنِ الخيرِ أعزَلا

ألمْ تعلمِي أنِّي أرَى البخلَ سبَّةً

وأبغضُ ذا اللونيْنِ والمتنقلا

إذا انصرَفَتْ نفسِي عنِ الشيء مرَّةً

فلستُ إليهِ آخِرَ الدَّهرِ مقبلا

وإنِّي إذا ما الهمُّ ضافَ قريتُهُ

زماعاً ومرقالَ العشياتِ عيهلا

ململمةً خطارَةً لو حملْتُها

على السيفِ لمْ تعدِلُ عن السيفِ معدلا

إذا انبعثتْ من مبركٍ غادَرَتْ بهِ

قوائمَ أمثالِ الزبائبِ ذبَّلا

فإن بركتْ خوَّتْ على ثفناتها

كأنَّ على حيزومها حرفَ أعبَلا

مروعَةٌ لو خلفَها صرَّ جندَبٌ

رأيتَ لها من روعةِ القلبِ إفكلا

وإنّا لقومٌ ما نسودُ غادِراً

ولا ناكِلاً عندَ الحمالةِ زُملا

ولا مانعاً للمالِ فيما ينوبُهُ

ولا ناكلاً في الحربِ جبساً مغفلا

نسوِّدُ منا كلَّ أشيَبَ بارعٍ

أغرَّ تراهُ بالجلالِ مكلَّلا

إذا ما انتدَى أجْنَى الندَى وابْتَنَى العُلَى

وأُلفِيَ ذا طولٍ على منْ تطولا

فلستَ بلاقٍ ناشِئاً من شبابِنا

وإن كانَ أندَى منْ سوانا وأجزَلا

نطيعُ فعالَ الشيخِ منا إذا سما

لأمرٍ ولا نعيا إذا الأمرُ أعضَلا

لهُ إربَةٌ في حزمِهِ وفعالِهِ

وإنْ كانَ مِنّا حازِمَ الرّأي حوَّلا

وما ذاكَ إلاَّ أنَّنا جعَلَتْ لنا

أكابرُنا في أوَّلِ الخيرِ أولا

فنحنُ الذُّرَى منْ نسلِ آدَمَ والعُرَى

تربَّعَ فينا المجدُ ثمَّ تأثَّلا

بنى العزُّ بيتاً فاستقرَّتْ عمادُهُ

علينا فأعيَى الناسَ أنْ يتحوَّلا

وإنكَ لنْ تلقَى منَ الناسِ معشراً

أعزَّ منَ الأنصارِ عزّاً وأفضَلا

وأكثرَ أنْ تلْقَى إذا ما أتيتهُمْ

لهمْ سيِّداً ضخمَ الدسيعةِ جحفلا

وأشيَبَ ميمونَ النقيبةِ ينتفَى

بهِ الخطرُ الأغلَى وطفلاً مؤملا

وأمردَ مرتاحاً إذا ما ندبْتَهُ

تحملَ ما حملْتَهُ فتربلا

وعدّاً خطيباً لا يُطاقُ جوابُهُ

وذا إربَةٍ في شعرِهِ متنخلا

وأصْيَدَ نهاضاً إلى السيفِ ضارِباً

إذا ما دَعا داعٍ إلى الموتِ أرْقَلا

وأغيدَ مختالاً يجرُّ إزارهُ

كثيرَ الندَى طلقَ اليديْنِ معذَّلا

لنا حرَّةٌ مأطورَةٌ بجبالِها

بنَى المجدُ فيها بيتهُ فتأهَّلا

بها النخلُ والآطامُ يجرِي خلالَها

جداولُ قدْ تعلُوا رقاقاً وجرولا

إذا جدوَلٌ منها تصرَّمَ ماؤهُ

وصلْنا إليْهِ بالنواضِح جدولا

على كلِ مفهاقٍ خسيفٍ غروبُها

تفرَّغُ في حوضٍ من الصخرِ أنْجَلا

لهُ غللٌ في ظلِّ كلِّ حديقةٍ

يعارضُ يعبُوباً من الماءِ سلسَلا

إذا جئتَها ألفَيْتَ في حجراتِها

عناجيجَ قبّاً والسوامَ المؤبَّلا

جعلنا لها أسيافنا ورماحنا

منَ الجيشِ والأعْرابِ كهفاً ومعقِلا

إذا جمعوا جمعاً سمونا إليهمِ

بهنديَّةٍ تُسقَى الذُّعافَ المثمَّلا

نصرْنا بها خير البريَّة كلِّها

إماماً ووقَّرْنا الكتابَ المنزَّلا

نصرنا وآويْنا وقوَّمَ ضربُنا

لهُ بالسيُوفِ ميْلَ منْ كانَ أمْيَلا

وإنْكَ لنْ تلْقَى لنا من معنِّفٍ

ولا عائبٍ إلاَّ لئيماً مضلَّلا

وإلاَّ امْرَءاً قدْ نالَهُ من سُيُوفِنا

ذُبابٌ فأمْسَى مائِلَ الشَّقِ أعْزَلا

فمنَ يأتِنا أو يلقَنا عنْ جنابَةٍ

تجدْ عندَنا مثوًى كريماً وموئلا

نجيرُ فلا يخشَى البوادِرَ جارُنا

ولاقَى الغِنَى في دُورِنا فتموَّلا

وقال حسانٌ: الكامل

إنَّ النضيرةَ ربَّةَ الخدرِ

أسرَتْ إليكَ ولمْ تكنْ تسرِي

فوقفْتُ بالبيداءِ أسألُها

أنَّى اهْتديْتِ لمنزلِ السفرِ

والعيسُ قد رَفضتْ أزمتَها

ممّا ترونَ بها من الفترِ

وعلتْ مساوِيها محاسِنها

ممّا أضرَّ بِها منَ الضُّمْرِ

كُنّا إذا ركدَ النهارُ لنا

نغتالُهُ بنجائبٍ صعرِ

عوجٌ نواعجُ يغتلينَ بنا

يغنينَ دونَ النصِّ بالزجرِ

مستقبلاتٍ كلَّ هاجرةٍ

ينفخنَ في حلقٍ من الصفرِ

ومناخُها في كلِّ منزلةٍ

كمبيتِ جونِيّ القطا الكُدْرِ

وسما على عُودٍ فعارَضَنا

حرباؤُها أوْ هَبَّ بالخطْرِ

وتكلُّفِي اليومَ الطويلَ وقدْ

صرتْ جنادِبُهُ منَ الظهْرِ

والليْلَةَ الظلْماءَ أدْلجُها

بالقومِ في الديْمومةِ القفرِ

ينعى الصَّدَى فيها أخاهُ كما

ينعى المفجَّعُ صاحبَ القبرِ

وتحولُ دونَ الكفِّ ظلمتُها

حتى تشقَّ على الذي يسْرِي

ولقدْ أرَيْتُ الرَّكْبَ أهْلَهُمُ

وهديْتُهُمْ بمهامةٍ غبْرِ

وبذلتُ ذا رحلِي وكنتُ بهِ

سمحاً لهمْ في العسرِ واليُسْرِ

فإذا الحوادِثُ ما تضعضعُنِي

ولا يضيقُ بحاجَتِي صدرِي

يُعْيِي سقاطِي من يوازنُنِي

إنِّي لعمرُكَ لستُ بالهَذْرِ

إنِّي أكارِمُ من يكارِمُنِي

وعلى المكاشح ينتحِي ظُفْرِي

لا أسرِقُ الشُّعَراءَ ما نَطَقُوا

بلْ لا يوافِقُ شعرُهُمْ شعْرِي

إنِّي أبَى لِيَ ذاكَ لِي حَسَبِي

ومقالَةٌ كمقالِع الصَّخْرِ

وأخِي منَ الجنِّ البصِيرُ إذا

حاكَ الكلامَ بأحْسِن الحَبْرِ

أيصيرُ ما بينِي وبينكمُ صرْمٌ

وما أحدثْتُ من هجرِ

جودِي فإنَّ الجودَ مكرُمَةٌ

واجزِي الحُسامَ ببعضِ ما يفرِي

وحلَفْتُ لا أنْساكُمُ أبداً

ما رَدَّ طرْفَ العينِ ذو شُفْرِ

وحلفْتُ لا أنْسَى حديثَكِ ما

ذكر الغوِيُّ لذاذةَ الخمرِ

ولأنتِ أحْسَنُ إذْ برزْتِ لنا

يومَ الخروجِ بساحةِ القصرِ

من دُرَّةٍ أغلى الملُوكُ بها

مما ترببَ حائرُ البحرِ

ممكورةِ الساقيْنِ شبهُهُما

بردِيَّتا متحيِّرٍ غمرِ

تنمِي كما تنمِي أرومَتُها

بمحلِّ أهْلِ المجدِ والفخْرِ

يعتادُنِي شوقٌ فأذكُرها

من غَيْرِ ما نَسَبٍ ولا صِهْرِ

كتذَكُّرِ الصَّادِي ولَيْسَ لهُ

ماءٌ بقنَّةِ شاهِقٍ وعرِ

ولقدْ تخالسُنِي فيمنَعُنِي

ضيقُ الذِّراعِ وعلَّةُ الخفْرِ

قومِي بنُو النجارِ هديُهُمُ

حسَنٌ وهمْ لي حاضِرُو النصرِ

الموتُ دُونِي لستُ مهتضماً

وذوو المكارِمِ منْ بنِي عمرو

جرثومةٌ عزٌّ مناكبُها

كانتْ لنا في سالِف الدهْرِ

وقال حسان:

أولئكَ قومِي فإنْ تسألِي

كرامٌ إذا الضَّيْفُ يوماً ألَمْ

عظامُ القدورِ لأيْسارِهِمْ

يكبُّونَ فيها المسنَّ السنِمْ

يواسُونَ مولاهمُ في الغِنَى

ويحمونَ جارَهمُ إنْ ظلِمْ

وكانُوا ملوكاً بأرْضِيهِمِ

يبادونَ غضباً بأمرٍ غشِمْ

ملوكاً على الناسِ لمْ يملكُوا

منَ الدهرِ يوماً كحلِّ القسَمْ

فأنبوْا بعادٍ وأشياعهِمْ

ثمودَ وبعضِ بقايا إرَمْ

بيثرِبَ قدْ شيَّدُوا في النخيلِ

حصوناً ودجَّنَ فيها النعَمْ

نواضِحُ قدْ علمتْها ال

يهودُ علْ إليْكَ وقوْلاً هلُمّ

وفيما اشتهوا من عَصِيرِ القطافِ

وعيشٍ رَخِيٍّ على غيْرِ همّ

فسارُوا إليْهِمْ بأثقالِهِمْ

على كلِّ فحلٍ هجانٍ قطِمْ

جيادُ الخيولِ بأجنابِهِمْ

وقدْ جللُوها ثخانَ الأدَمْ

فلما أناخُوا بجنبَيْ ضِرارٍ

وشدُّوا السرُوجَ بليّ الحزُمْ

فما راعَهُمْ غَيْرُ معجِ الخيُو

لِ والزَّحْفُ منْ خلفِهِمْ قدْ دهَمْ

فطارُوا شلالاً وقدْ أفزِعُوا

وطِرنا إليهمْ كأسدِ الأجمْ

على كلِّ سلْهَبَةٍ في الصّيا

نِ لا يشتكينَ لطولِ السّأمْ

وكلِّ كميْتٍ مطارِ الفؤادِ

أمينِ الفصوصِ كمثلِ الزُّلَمْ

عليْها فوارِسُ قدْ عاوَدُوا

قراعَ الكُماةِ وضَرْبَ البُهَمْ

ليوثٌ إذا غضبُوا في الحرو

بِ لا ينكلُونَ ولكنْ قدُمْ

فأبْنا بسادَتِهمْ والنسا

ءِ قسراً وأموالُهُمْ تقتسمْ

ورثْنا مساكنَهُمْ بعدَهُمْ

فكنّا ملوكاً بها لمْ نرمْ

فلمّا أتانا رسُولُ المليكِ

بالنورِ والحقِّ بعدَ الظلمْ

ركنّا إليهِ ولمْ نعصهِ

غداةَ أتانا منَ أرْضِ الحرَمْ

وقلنا صدقْتَ رَسولَ المليكِ

هلُمَّ إلينا وفينا أقِمْ

فأشهدُ أنكَ عندَ المليكِ

أرسلْتَ نوراً بدِينٍ قيمْ

فنادِ بما كنتَ أخفيْتَهُ

نداءً جهاراً ولا تكتتِمْ

فإنّا وأولادَنا جنَّةٌ

نقيكَ وفي مالِنا فاحْتَكِمْ

فنحنُ ولاتُكَ إذْ كذبُو

كَ فنادِ نداءُ ولا تحتشمْ

فطارَ الغواةُ بأشياعِهِمْ

إليهِ يظنونَ أن يُختَرَمْ

فقمنا بأسيافِنا دونَهُ

نجالِدُ عنهُ بغاةَ الأمَمْ

بكلِّ صقيلٍ لهُ ميعةٌ

رقيقُ الذُّبابِ غمُوسٌ خذِمْ

إذا ما يُصادِفُ صمَّ العظا

مِ لمْ ينبُ عنها ولمْ ينثلِمْ

فذَلِكَ ما أوْرَثَتْنا القرُو

نُ مجداً تليداً وعزاً أمَمْ

إذا مرَّ قرنٌ كفَى نسلَهُ

وخلَّفَ قرْناً إذا ما انْقصَمْ

فما إنْ منَ الناسِ إلاَّ لَنا

عليهِ وإنْ خاسَ فضلُ النعمْ

وقال حسانٌ: الطويل

لمنْ منزلٌ عافٍ كأنَّ رسومَهُ

خياعلُ ريطٍ سابرِيٍّ مرسَّمِ

خلاءُ المبادِي ما بهِ غيرُ ركدٍ

ثلاثٍ كأمثالِ الحمائمِ جثمِ

وغيرُ شجيجٍ ماثلٍ حالفَ البِلَى

وغيْر بقايا كالسَّحِيقِ المنمنَمِ

يعلُّ رياح الصيْفِ بالِي هشيمهِ

على ماثلٍ كالحوضِ عافٍ مثلَّمِ

كستْهُ سرابيلَ البلَى بعدُ عهدِهِ

وجونٌ سرَى بالوابلِ المتهزمِ

وقدْ كانَ ذا أهْلٍ كثيرٍ وغبطَةٍ

إذا الحَبْلُ حبلُ الوصْلِ لمْ يتصرَّمِ

وإذْ نحنُ جيرانٌ كثيرٌ بغبطَةٍ

وإذْ ما مضَى منْ عيشنا لمْ يصرَّمِ

وكلُّ حثيثِ الودْقِ منبثقِ العُرَى

متى تزجهِ الريحُ اللواحقُ يسجمِ

ضعيفُ العرَى دانٍ منَ الأرضِ بركهُ

مسفٌّ كمثلِ الطودِ أكظَمَ أسحَمِ

فإن تكُ ليلَى قدْ نأتكَ ديارُها

وضنتْ بحاجاتِ الفؤادِ المتيمِ

وهمتْ بصرْمِ الحبلِ بَعدَ وصالهِ

وأصغَتْ لقول الكاشِحِ المتزعمِ

فما حبلُها بالرَّثِّ عندِي ولا الذي

يغيرُهُ نأيٌ ولوْ لمْ تكلَّمِ

وما حُبُّها لوْ وكَلَتْنِي بوَصْلِهِ

ولوْ صرَمَ الخلانُ بالمتصرَمِّ

لعمرُ أبيكِ الخيرِ ما ضاعَ سرُّكُمْ

لدَيّ فتجزِينِي بعاداً وتصرِمِي

ولا ضقْتُ ذرعاً بالهوى إذْ ضمنتهُ

ولا كظَّ صدْرِي بالحديثِ المكتمِ

ولا كانَ ممّا كانَ ممّا تقولُوا

عليَّ ونثُّوا غيرَ ظنٍّ مرجَّمِ

فإنْ كُنْتِ مما تجبُرِينا فسائِلِي

ذَوِي العلْمِ عنا كيْ تُنَبَّى فتعْلَمِي

متى تسألِي عنّا تنبَّى بأنَّنا

كِرامٌ وأنّا أهْلُ عزٍّ مقدَّمِ

وأنّا عرانِينٌ صقورٌ مصالتٌ

نهزُّ قناةً متنُها لمْ يُوَصَّمِ

لعمرُكَ ما المعتَرُّ يأتِي بلادَنا

لنمْنَعَهُ بالضائِعِ المتهضَّمِ

ولا ضيفنا عندَ القرَى بمدفَّعٍ

وما جارُنا في النائباتِ بمسْلَمِ

وما السيدُ الجبارُ حينَ يريدُنا

بكيدٍ على أرْماحنا بمحرَّمِ

نبيحُ حمَى ذِي العزِّ حينَ نكيدُهُ

ونحمِي حمانا بالوشيجِ المقومِ

ونحنُ إذا لمْ يبرمِ الناسُ أمرهُم

نكونُ على أمرٍ منْ الحقِّ مُبْرَمِ

ولوْ وزنَتْ رَضْوَى بحلْمِ سراتِنا

لمالَ برَضْوَى حِلْمُنا ويرَمْرمِ

ونحنُ إذا ما الحربُ حلَّ صرارُها

وجادَتْ على الحُلاَّبِ بالموتِ والدَّمِ

ولمْ يُرْجَ إلاَّ كلُّ أرْوَعَ ماجدٍ

شديدِ القوَى ذي عزةٍ وتكرُّمِ

نكونُ زِمامَ القائِدِينَ إلى الوَغَى

إذا الفشِلُ الرعديدُ لمْ يتقدَّمِ

فنحنُ كذاكَ الدهرَ ما هبَّتِ الصَّبا

نعودُ على جهالِهِمْ بالتحلُّمِ

فلوْ فهمُوا ووفقُوا رُشدَ أمرِهمْ

أخذْنا عليهمْ بعدَ بؤسى بأنعُمِ

فإنّا إذا ما الأفْقُ أمْسَى كأنَّما

على حافَتَيْهِ ممْسِياً لوْنُ عندَمِ

لنطعمُ في المشتى ونطعنُ بالقنا

إذا الحربُ عادتْ كالحريقِ المضرَّمِ

وتلقَى على أبياتِنا حينَ نجتَدَى

مجالسَ فيها كلُّ كهلٍ معمَّمِ

رفيع عمادِ البيتِ يسترُ عرضَهُ

منَ الذمِّ ميمونُ النقيبةِ خضرِمِ

جوادٍ على العلاتِ رحبٍ فناؤُهُ

متى يسألِ المعروفَ لا يتجهمِ

ضرُوبٍ بأعجازِ القداحِ إذا شتا

سريعٍ إلى داعِي الهياجِ مصمِّمِ

أشَمَّ طويلِ الساعدَيْنِ سميْدَعٍ

معيدِ قراعِ الدارِعينَ مكلَّمِ

وقال حسان في يوم أحد يرد على عبد الله بن الزبعرى قوله: الرمل

ليتَ أشياخِي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرج من وقعِ الأسلْ

ذهبتْ بابنِ الزبعرى وقعةٌ

كانَ منا الفضلُ لوْ كانَ عدلْ

ولقدْ نلتمْ ونلنا منكمُ

وكذاكَ الحربُ أحياناً دُولْ

إذ شددْنا شدَّةً صادِقَةً

فأجأناكمْ إلى سفحِ الجبلْ

إذْ تولُّونَ على أعقابكمْ

هرباً في الشعبِ أشباهَ الرسلْ

نضعُ الخطيَّ في أكتافكمْ

حيثُ نهوى عللاً بعدَ نهلْ

فشدخنا في مقامٍ واحدٍ

منكمُ سبعينَ غيرَ المنتحلْ

وأسرنا منكمُ أعدادهُمْ

فأنصرفتمْ مثلَ إفلاتِ الحجلْ

نخرجُ الأكدرَ منْ أستاهكمْ

مثلَ ذرقِ النيبِ يأكلنَ العصلْ

لمْ يقوتونا بشيءٍ ساعةً

غيرَ أنْ ولوا بجهدٍ وفشلْ

ضاقَ عنا الشِّعبُ إذْ نجزعهُ

وتلانا الفرطُ منهمْ والرجَلْ

برجالٍ لستمُ أمثالها

أيدوا جبريلَ نصراً فنزلْ

وعلونا يومَ بدرٍ بالتقَى

طاعةَ اللهِ وتصديق الرسلُ

وتركنا في قريشٍ عورةً

يومَ بدرٍ وأحاديث مثلْ

وتركنا من قريشٍ جمعهمْ

مثلَ ما جمعَ في الخصبِ الهملْ

فقتلْنا كلَّ رأس منهمُ

وقتلنا كلَّ جحجاحٍ رفلْ

كمْ قتلنا من كريمٍ سيدٍ

ماجدِ الجدينِ مقدامٍ بطلْ

وشريفٍ لشريفٍ ماجدٍ

لا نباليهِ لدى وقعِ الأسلْ

نحنُ لا أنتمْ بني أستاهها

نحنُ في البأسِ إذا البأسُ نزلْ

وقال حسان: الطويل

نشدتُ بني النجارِ أفعالَ والدي

إذا لمْ يجدْ عانٍ لهُ من يوازعهْ

وراثَ عليهِ الوافِدُونَ فما ترى

على النأي منهمْ ذا حفاظٍ يعاطلهْ

وسدَّ عليهِ كُلُّ أمرٍ يريدهُ

وزيدَ وثاقاً فاقفعلتْ أصابعهْ

إذا ذكرَ الحيُّ المقيمَ حلولهمْ

وأبصرَ ما يلقَى استهلتْ مدامعهْ

ألسنا ننصُّ العيسَ فيهِ على الوجَى

إذا نامَ مولاهُ ولذَّتْ مضاجعهْ

ولا ننتهِي حتى نفكَ كبولُهُ

بأموالِنا والخيرُ يحمدُ صانعُهْ

وأنشدكمْ والبغيُ يهلكُ أهلهُ

إذا ما شتاءُ المحلِ هبتْ زعازعهْ

إذا ما وليدُ الحيِّ لمْ يسقَ شربةً

وقدْ ضنَّ عنهُ بالصبوحِ مراضعُهْ

وراحتْ جلادُ الشولِ حدباً ظهورها

إلى مسرحٍ بالجوِّ جدبٍ مراتعهْ

ألسْنا نكبُّ الكومَ وسطَ رحالِنا

ونستصلحُ المولَى إذا قلَّ رافِعُهْ

فإنْ نابَهُ أمرٌ وقتهُ نفوسُنا

وما نالنا منْ صالحٍ فهوَ واسعُهْ

وأنشدُكمْ والبَغْيُ يهلِكُ أهلَهُ

إذا الكبشُ لمْ يوجدْ لهُ من يقارِعُهْ

ألسنا نوازِيهِ بجمعٍ كأنَّهُ

أتِيٌّ أعدتْهُ بلَيْلٍ دوافعهْ

فنكثرُكمْ فيه ونصلَى بحرهِ

ونمشِي إلى أبطالهِ فنماصِعُهْ

وأنشدكمْ والبغيُ يهلكُ أهلهُ

إذا الخصمُ لمْ يوجدْ لهُ من يدافعُهْ

ألسْنا نُصادِيهِ ونعدِلُ ميلَهُ

ولا ننتَهِي أوْ يُخلصُ الحقَّ ناصعُهْ

فلا تكفرُونا ما فعلنا إليكمُ

وأثنُوا بهِ والكُفْرُ بُورٌ صنائِعُهْ

كما لوْ فعلتمْ مثلَ ذاكَ إليهمُ

لأثْنَوا بهِ ما يأثرُ القولَ سامعهْ

وقال حسانٌ: الكامل

أسألتَ رسمَ الدارِ أمْ لَمْ تسألِ

بينَ الجوابِي فالبضيعِ فحومَلِ

فالمرجُ مرجُ الصفرينِ فجاسمٌ

فديارُ سلمى درساً لمْ تحلَلِ

دارٌ لقومٍ قدْ أراهمْ مرةً

فوقَ الأعزةِ عزهمْ لمْ ينقلِ

للهِ درُّ عصابَةٍ نادمتهمْ

يوماً بجلقَ في الزمانِ الأولِ

أولادُ جفنةَ حولَ قبرِ أبيهمِ

قَبْرِ ابْنِ مارِيَةَ الكريمِ المفْضِلِ

يغشونَ حتى ما تهرُّ كلابُهمْ

لا يسألونَ عنِ السوادِ المقبلِ

يسقونَ من وردَ البرِيصَ عليهمِ

بردى يصفقُ بالرحيقِ السلسلِ

يُسقونَ درياقَ المدامِ ولمْ تكنْ

تدعَى ولائدُهمْ لنقفِ الحنظلِ

بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهمْ

شمُّ الأنوفِ منَ الطرازِ الأوَّلِ

فلبثُ أزماناً طوالاً فيهمِ

ثمَّ ادكرتُ كأنني لمْ أفعَلِ

إما ترَيْ رأسِي تغيرَ لَوْنُهُ

شمطاً فأصبح كالثغامِ المحوِلِ

فلقدْ يرانِي موعديّ كأننِي

في قصرِ دومةَ أوْ سواءِ الهيكلِ

ولقدْ شربتُ الخمرَ في حانُوتِها

صهباءَ صافِيَةً كطعمِ الفلفلِ

يسعَى علَيَّ بكأسِها متنطفٌ

فيعلنِي منْها ولَوْ لمْ أنهلِ

إنَّ التي ناولتنِي فرددتُها

قتلتْ قُتلت فهاتِها لمْ تقتلِ

كلتاهُما حَلَبُ العصيرِ فعاطِنِي

بزجاجةٍ أرخاهُما للمفصَلِ

بزجاجةٍ رقصتْ بِما في قعرِها

رقصَ القلُوصِ براكبٍ مستعجلِ

نسبِي أصِيلٌ في الكرامِ ومذوَدِي

تكوِي مواسِمُهُ جنوبَ المصطَلِي

ولقدْ تقلدُنا العشيرةُ أمرَها

ونسودُ يومَ النائباتِ ونعتلِي

ويسودُ سيدنا جحاجحَ سادةً

ويصيبُ قائلُنا سواءَ المفصِلِ

وتزورُ أبوابَ الملوكِ ركابُنا

ومتى نحكمْ في البرِيةِ نعْدِلِ

وفتَى يحبُّ الحمدَ يجعلُ مالهُ

من دونِ والدِهِ وإنْ لمْ يسألِ

باكرتُ لذتهُ وما ماطلتُها

بزجاجةٍ من خيرِ كرمٍ أهدلِ

وقال حسانٌ: الطويل

أهاجكَ بالبيداءِ رسمُ المنازِلِ

نعم قد عفاها كلُّ أسحمَ هاطِلِ

وجرتْ عليها الرامِساتُ ذيولَها

فلمْ يبقَ منها غيرُ أشعثَ مائلِ

ديارُ التي راقَ الفؤادَ دلالُها

وعزَّ علينا أن تجودَ بنائلِ

لها عينُ كحلاءِ المدامِعُ مطفلٍ

تراعِي بغاماً يرتعِي بالخمائلِ

ديارُ التي كانتْ ونحنُ على منًى

تحلُّ بنا لولا نجاءُ الرواحِلِ

ألاَ أيُّها السَّاعِي ليدرِكَ مجدنا

نأتكَ العُلَى فاربعْ عليكَ فسائلِ

فهلْ يستوِي ماءانِ أخضرُ زاهرٌ

وحسيٌ ظنونٌ ماؤُهُ غيرُ فاضِلِ

فمَنْ يعدِلِ الأذنابِ ويحَكَ بالذُّرَى

قد اختلفا برٌّ يحقُّ بباطلِ

تناولْ سهيلاً في السماءِ فهاتِهِ

سيدرِكنا إنْ نلتَهُ بالأنامِلِ

ألَسنا بحلالينَ أرْضَ عدوِّنا

تأنَّ قليلاً سلْ بنا في القبائلِ

تجدْنا سبقْنا بالفعالِ وبالنَّدَى

وأمْرِ العَوالِي في الخُطوبِ الأوائِلِ

ونحنُ سبقْنا الناسَ مجداً وسؤدداً

تليداً وذكراً نامياً غيرَ خاملِ

ونحنُ سبقْنا الناسَ مجداً وسؤدداً

تليداً وذكراً نامياً غيرَ خاملِ

لنا جبلٌ يعلو الجبالَ مشرفٌ

فنحنُ بأعلى فرعهِ المتطاولِ

مساميحُ بالمعرُوفِ وسطَ رحالنا

وشبانُنا بالفحشِ أبخلُ باخلِ

ومنْ خيرِ حيٍّ تعلمونَ لسائلٍ

عفافاً وعانٍ موثَقٍ في السلاسِلِ

ومنْ خيْر حيٍّ يعلَمُونَ لجارهمْ

إذا اختارهمْ في الأمنِ أو فِي الزلازلِ

وفينا إذا ما شُبتِ الحربُ سادةٌ

كهولٌ وفتيانٌ طوالُ الحمائلِ

نصرنا وآوينا النبيَّ وصدقَتْ

أوائِلُنا بالحقِّ أولَ قائلِ

وكنا متى تغزُو النبيَّ قبيلةٌ

نصلْ حافتيهُ بالقنا والقنابلِ

ويومَ قريشٍ إذا أتونا بجمعهمْ

وطئنا العدوَّ وطأةَ المتثاقلِ

وفي أحدٍ يومٌ لهمْ كانَ هجرنا

نطاعنهُمْ بالسمهرِيّ الذوابلِ

ويومَ ثقيفٍ إذا أتينا ديارَهُمْ

كتائبَ نمشِي حولها بالمناصلِ

ففروا وشدَّ اللهُ ركنَ نبيهِ

بكلِّ فتَى حامِي الحقيقةِ باسلِ

ففرَّوا إلى حصنِ القصورِ وغلقُوا

وكائِنْ ترى من مشفقٍ غير وائلِ

وأعطُوا بأيْدِيهمْ صغاراً وبايعوا

فأولَى لكمْ أولَى حداةَ الزواملِ

وإنِّي لسهلٌ للصديقِ وإنني

لأعدلُ رأسَ الأصْعَرِ المتمايلِ

وأجعلُ مالِي دونَ عرضِي وقايةً

وأحجبهُ كيْ لا يطيبَ لآكلِ

وأيُّ جديدٍ ليسَ يدركهُ البلَى

وأيُّ نعيمٍ ليسَ يوماً بزائلِ

وقال حسان يرثي أهل مؤتة عليهم السلام: الطويل

تأوبنِي ليلُ بيثربَ أعسرُ

وهمٌّ إذا ما نومَ الناسُ مسهرُ

لذكرَى حبيبٍ هيجتْ ثمَّ عبرَةْ

سفوحاً وأسبابُ البكاءِ التذكرُ

بلاءٌ وفقدانُ الحبيبِ بليةٌ

وكمْ من كريمٍ يبتلَى ثم يصبرُ

رأيتُ خيارَ المؤمنينَ تواردُوا

شعوبَ وقدْ خلفتُ فيمنَ يؤخرُ

فلا يبعدنَّ اللهُ قتلَى تتابعُوا

بمؤتةَ منهمْ ذو الجناحينِ جعفرُ

وزيدٌ وعبدُ الله حينَ تتابعوا

جميعاً وأسبابُ المنيةِ تخطرُ

غداةَ غدوا بالمؤمنينَ يقودهمْ

إلى الموتِ ميمونُ النقيبةِ أزهرُ

أغرُّ كلونِ البدرِ من آلِ هاشمٍ

شجاعٌ إذا سيمَ الظلامَةَ مجسرُ

فطاعَنَ حتَّى مالَ غيرَ موسدٍ

بمعتركٍ فيهِ القنا يتكسرُ

فصارَ مع المستشهدينَ ثوابُهُ

جنانٌ وملتفُّ الحدائقِ أخضرُ

وكنا نرى في جعفرٍ من محمدٍ

وفاءً وأمراً حازماً حينَ يأمرُ

فما زالَ في الإسلامِ من آل هاشمٍ

دعائمُ عزٍّ لا يزولُ ومفخرُ

همُ جبلُ الإسلام والناسُ حولَهُ

رضامٌ إلى طودٍ يروقُ ويقهرُ

بهمْ تكشفُ اللأواءُ في كلِّ مأزقٍ

عماسٍ إذا ما ضاقَ بالقومِ مصدرُ

همُ أولياءُ الله أنزلَ حكمَهُ

عليهم وفيهمْ والكتابُ المطهرُ

بهاليلُ منهمْ جعفرٌ وابنُ عمهِ

عليٌّ وفيهمْ أحمدُ المتخيرُ

وحمزةُ والعباسُ منهمْ ومنهمُ

عقيلٌ ومنا العودُ من حيثُ يعصرُ

وقال حسان لما جاء بنو تميمٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاعرهم وخطيبهم: البسيط

إنَّ الذوائبَ من فهرٍ وإخوتهمْ

قدْ بينُوا سنةً للناسِ تتبعُ

يرضَى بها كلُّ من كانتْ سريرتُهُ

تقوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شرعْوا

قومٌ إذا حاربوا ضروا عدوهمُ

أوْ حاولوا النفعَ في أشياعهم نفعوا

سجيةٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدثةٍ

إنَّ الخلائقَ حقاً شرُّها البدَعُ

لا يرقَعُ الناسُ ما أوهَتْ أكفهمُ

عندَ الدفاعِ ولا يوهونَ ما رقعُوا

إنْ كانَ في الناسِ سباقونَ بعدهمُ

فكلُّ سبقٍ لأدنَى سبقهمْ تبعُ

ولا يضنونَ عنْ مولًى بفضلِهمُ

ولا يُصيبُهمُ في مطمعٍ طمعُ

لا يجهلُونَ وإنْ حاولتَ جهلهمُ

في فضلِ أحلامهمْ عن ذاك متسعُ

أعفةٌ ذكرتْ في الحيّ عفتهمْ

لا يطبعونَ ولا يرديهمِ الطبَعُ

كمْ من صديقٍ لهمْ نالوا كرامتهُ

ومن عدوٍّ عليهمْ جاهدٍ خدعُوا

أعطوا نبيَّ الهدَى والبرَّ طاعتهُمْ

فما ونَى قصرهمْ عنهُ وما نزعوا

إن قالَ سيرُوا أجدَّ السيرَ جهدهُمُ

أو قالَ عوجوا علينا ساعةً ربعوا

ما زالَ سيرهمُ حتى استقادَ لهمْ

أهلُ الصليبِ ومنَ كانتْ لهُ البيعُ

خذْ منهمُ ما أتوا عفواً إذا غضبوا

ولا يكُن همكَ الأمرَ الذي منعُوا

فإنَّ في حربهمْ فاترُكْ عداوتهُمْ

شراً يخاضُ عليهِ الصابُ والسلَعُ

نسمو إذا الحربُ نالتنا مخالبُها

إذا الزعانفُ من أظفارِها خشعوا

لا فرحٌ إنْ أصابُوا من عدوهمِ

وإنْ أصيبوا فلا خورٌ ولا جزعُ

كأنهمْ في الوغَى والموتُ مكتنعٌ

أسدٌ ببيشةَ في أرْساغِها فدَعُ

أكرمٍْ بقومٍ رسولُ اللهِ شيعتهمْ

إذا تفرقتِ الأهواءُ والشيعُ

أهدَى لهمْ مدحِي قلبٌ يؤازرُهُ

مما يحبُّ لسانٌ حائكٌ صنعُ

فإنهمْ أفضلُ الأحياءِ كلهمِ

إنْ جدَّ بالناسِ جدُّ القولِ أوْ سمعوا

وقال حسانٌ: السريع

ما هاجَ حسانَ رسومُ المقامْ

ومظعنُ الحيّ ومبنى الخيامْ

والنؤْيُ قدْ هدمَ أعضادَهُ

تقادمُ الدهرِ بوادٍ تهامْ

قدْ أدرَكَ الواشونَ ما حاولُوا

فالعهدُ من شعثاءَ رثُّ الرمامْ

جنيَّةٌ أرقنِي طيفُها

تذهبُ صبحاً وترى في المنامْ

هلْ هيَ إلا ظبيةُ مطفلٌ

مألفُها السدْرُ بنعفَيْ برامْ

تزجِي غزلاً فاتراً طرفُهُ

مقاربَ الخطوِ ضعيفَ البغامْ

كأنَّ فاها ثغبٌ بارِدٌ

في رصفٍ تحتَ ظلالِ الغمامْ

شجتْ بصهباءَ لها سورَةٌ

من بيتِ رأسٍ عتقتْ في الختامْ

عتقها الحانوتُ دهراً فقدْ

مرَّ عليها فرطُ عامٍ فعامْ

نشربُها صرفاً وممزوجةٌ

ثم نغني في بيوتِ الرخامْ

تدبُّ في الجسمِ دبيباً كما

دبَّ دباً وسطَ رقاقٍ هيامْ

منْ خمرِ بيسانَ تخيرْتُها

درياقَةً توشِكُ فترَ العظامْ

يسعَى بها أحمرُ ذو برنُسٍ

مختلقُ الذفْرَى شديدُ الحزامْ

أروَعُ للدَّعوةِ مستعجلٌ

لم يثنِهِ الشانُ خفيفُ القيامْ

دَعْ ذكرَها وانْمِ إلى جسرةٍ

جلذيَّةٍ ذاتِ مراحٍ عقامْ

دفقَّةِ المشيةِ زيافةٍ

تهوِي خنوفاً في فضولِ الزمامْ

تحسبُها مجنونةً تغتلِي

إذْ لفعَ الآلُ رؤوسَ الإكامْ

قومِي بنُو النجارِ إذْ أقبلَتْ

شهباءُ ترمِي أهلَها بالقتامْ

لا نخذلُ الجارَ ولا نسلمُ الموْ

لَى ولا نُخْصَمُ يومَ الخصامْ

منّا الذي يحمدُ معروفهُ

ويفرجُ اللزبةَ يومَ الزحامْ

وقال حسانٌ يومَ وفادة بني تميم: الطويل

هلْ المجدُ إلاَّ السؤددُ العودُ والندَى

وجاهُ الملوكِ واحتمالُ العظائمِ

نصرنا وآوينا النبيَّ محمداً

على أنفِ راضٍ منْ عدوٍ وراغمِ

بحَيٍّ حريرٍ أصلُهُ وذمارُهُ

بجابيةِ الجولانِ وسطَ الأعاجمِ

نصرناهُ لمّا حلَّ وسطَ رحالنا

بأسيافنا من كلِّ باغٍ وظالِمِ

جعلنا بنينا دونَهُ وبناتنا

وطبنا لهُ نفساً بفيءِ المغانِمِ

ونحنُ ضرَبْنا الناسَ حتى تتابَعُوا

على دينهِ بالمرهفاتِ الصوارِمِ

ونحنُ ولدنا من قريشٍ عظيمَها

ولدنا نبيَّ الخيرِ منْ آل هاشِمِ

لنا الملكُ في الإشراكِ والسبْقُ في الهدَى

ونصرُ النبيِّ وابْتِناءِ المكارِمِ

بنِي دارِمٍ لا تفخروا إنَّ فخركمْ

يعودُ وبالاً عندَ ذكرِ المكارِمِ

هبلتُمْ علينا تفخرونَ وأنتمُ

لنا خولٌ منْ بَينِ ظئرٍ وخادِمِ

فإنْ كنتمُ جئتمْ لحقنِ دمائكُمْ

وأموالِكُمْ أنْ يقسمُوا في المقاسِمِ

فلاَ تجعلُوا للهِ نداً وأسلِمُوا

ولا تلبُسُوا زياً كزِيِّ الأعاجِمِ

وإلاَّ أبحناكُمْ وسقنا نساءَكمْ

بصمِّ القنا والمقرباتِ الصلادِمِ

وأفضلُ ما نلتمْ منَ المجدِ والعُلَى

ردافتُنا عندَ احتضار المواسمِ

وقال يرثي النبيَّ صلى الله عليه وسلم: الكامل

ما بالُ عينِي لا تنامُ كأنما

كحلتْ مآقيها بكُحلِ الأرْمدِ

جزعاً على المهدِيِّ أصبحَ ثاوِياً

يا خيرَ منْ وطئَ الحصا لا تبعدِ

جنبِي يقيكَ التربَ لهفَى ليتنِي

غيبتُ قبلكَ في بقيعِ الغرقَدِ

أأقيمُ بعدَكَ بالمدينة بينهُمْ

يا لهفَ نفسي ليتني لم أولدِ

بأبي وأمِيّ منَ شهدتُ وفاتهُ

في يومِ الاثنينِ النبيّ المهتدِي

فظلِلْتُ بعدَ وفاتهِ متلدِّداً

يا ليتني أسقيتُ سمَّ الأسودِ

أوْ حلَّ أمرُ اللهِ فينا عاجلاً

من يومنا في روحةٍ أو في غدِ

فنقومُ ساعتنا فتلقَى طيباً

محضاً ضرائبُهُ كريمَ المحتدِ

يا بكرَ آمنةَ المبارَكُ ذكرهُ

ولدَتْكَ محصنةٌ بسعدِ الأسعُدِ

نورٌ أضاءَ على البريةِ كلها

من يهدَ للنورِ المباركِ يهتدِي

يا ربِّ فاجمعنا معاً ونبينا

في جنةٍ تنبِي عيونَ الحسدِ

في جنةِ الفردوسِ واكتبْها لنا

يا ذا الجلالِ وذا العلى والسؤددِ

واللهِ أسمعُ ما حييتُ بهالكٍ

إلاَّ بكيتُ على النبيِّ محمدِ

ضاقتْ بالأنْصارِ البلادُ فأصبَحُوا

سوداً وجوههمُ كلونِ الإثمدِ

ولقدْ ولدناهُ وفينا قبرُهُ

وفضولُ نعمتهِ بنا لمْ تجحدِ

صلَّى الإلهُ ومن يحفُّ بعرشهِ

والطيبونَ على المبارَكِ أحمدِ

فرحتْ نصارى يثربٍ ويهودُها

لمّا توارَى في الضريحِ المُلْحدِ

وقال حسان يرثي حمزة بن عبد المطلب: السريع

هلْ تعرفُ الدارَ عفا رسمَها

بعدكَ صوبُ المسبلِ الهاطِلِ

بينَ السرادِيحِ فأدْمانةٍ

فمدفَعِ الروحاءِ في حائلِ

سألتُها عنْ ذاكَ فاستعجمتْ

لمْ تدرِ ما مرْجوعَةُ السائلِ

دعْ عنكَ داراً قدْ عفا رسْمُها

وابْكِ على حمزةَ ذِي النائلِ

المالِئ الشيزَى إذا أعصفتْ

غبراءُ في ذي السنةِ الماحلِ

التارك القرنَ لدى قرنهِ

يعثرُ في ذي الخرصِ الذابلِ

واللابِسِ الخيلَ إذا أحجَمَتْ

كالليثِ في غاباتهِ الباسِلِ

أبيضَ في الذروةِ من هاشمٍ

لمْ يمرِ دونَ الحقِّ بالباطلِ

ما لشهيدٍ بينَ أرْحامِكُمْ

شلتْ يدا وحشِيِّ مِنْ قاتلِ

إنَّ امرءاً غودِرَ في ألَّةٍ

مطرورةٍ مارِنَةِ العامِلِ

أظلمتِ الأرضُ لفقدانهِ

واسودَّ نورُ القمرِ الناصلِ

صلى عليكَ اللهُ في جنةٍ

عاليةٍ مكرمةِ الداخلِ

كنا نرى حمزةَ حرزاً لنا

منْ كلِّ أمرٍ نائبٍ نازِلِ

وكانَ في الإسلامِ ذا تدرإٍ

لمْ يكُ بالوانِي ولا الخاذلِ

لا تفرحِي يا هندُ واستحلبِي

دمعاً وأذرِي عبرةَ الثاكلِ

وابكِي على عتبةَ إذْ قطهُ

بالسيفِ تحتَ الرهج الجائلِ

إذْ خرَّ في مشيخةٍ منكمُ

منْ كلِّ عاتٍ قلبُهُ جاهلِ

أرداهُمُ حمزةُ في أسرةٍ

يمشونَ تحتَ الحلقِ الذابلِ

غداةَ جبريلُ وزيرٌ لهُ

نعمَ وزيرُ الفارسِ الحاملِ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي