منتهى الطلب من أشعار العرب/حميد بن ثور

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

حميد بن ثور

حميد بن ثور - منتهى الطلب من أشعار العرب

حميد بن ثور وقال حميد بن ثور بن حَزن بن عمرو بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة:

سَلا الربْعَ أنّي يمَّمتُ أمّ طارقٍ

وهلْ عادةٌ للربعِ أنْ يتكلّما

وقُولا لهُ يا ربْعُ باللهِ هلْ بدا

لها أو أرادَتْ بعدُ إلاّ تأيُّما

شهِدْتَ وأسمعتَ الفِراقَ وأشخصَتْ

بنا الدارُ بعدَ الإلفِ حَولاً مُجرّما

ولو نطقَ الرَّبْعانِ قبلي لبيَّنا

لصاحبِ هندٍ وامرئِ القيسِ مَنْسِما

هما سألا فوقَ السؤالِ وأفْضلا

على كلِّ باكٍ عَوْلةً وتَلوُّما

وزادا على قولِ الوشاةِ وأنشدا

من الشِّعرِ ما يُغوي الغوِيَّ المُلوَّما

أجِدَّكَ شاقَتْكَ الحُمولُ تيمَّمتْ

هِدانَيْنِ واجتازَتْ يميناً عَرَمْرما

على كلِّ مَشبوحٍ بنِيرَيْنِ كُلِّفَتْ

قُوى نِسْعَتَيْهِ مَحْزِماً غيرَ أهْضما

جِلادُ تَخاطَتْها الرِّعاءُ فأُهملَتْ

وألفَيْنَ رَجّافاً جُرازاً تَلَهْزَما

رعَيْنَ المُرارَ الجَونَ منْ كلِّ مِذنَبٍ

دَمِيثٍ جُمادى كلِّها والمحرَّما

من النِّيرِ واللَّعْباءِ حتى تبدَّلَتْ

مكانَ رَواغِيها الصَّريفَ المُسدَّما

وحتى تَعفَّى النضْوُ منها وجُرِّدَتْ

حَوالبُها من مَرْبَعٍ قد تَجرَّما

وعادَ مُدَمّاها كُمَيْتاً وشُبِّهتْ

كُلومُ كُلاهُنَّ الوِجارَ المُهدَّما

وخاضَتْ بأيديها النِّطافَ وذعْذَعتْ

بأقْيادِها إلاّ وظِيفاً مُخدّما

فجاءَ بها الرُّدادُ يحْجُزُ بينَها

سُدىً بينَ قَرْقارِ الهديرِ وأعْجما

ترى القرْمَ منها ذا الشقاشقِ واضحاً

نقيّاً كلونِ القُلْبِ والجَونِ أصْحَما

فقامَ العَذارى بالمَثاني فأُقْدِعَتْ

أكُفُّ العذارى عِزّةً أنْ تَخطَّما

فلمّا ارعوى للزَّجْرِ كلُّ مُلَبِّثٍ

كصُمِّ الصَّفا يتلو جِراناً مُقدَّما

إذا عزّةُ النفسِ التي كان يتَّقي بها

حبْلَهُ لم تُنسِهِ ما تَعلَّما

فما زِلنَ بالتمساحِ حتى كأنّما

أدَبَّتْ إليهِ في الخِزامةِ أرْقَما

وقرَّبْنَ مُقْورّاً كأنَّ وضِينَهُ

بنِيقٍ إذا ما رامَهُ الغَفْرُ أحْجَما

وَقُوراً لوَ انَّ الجِنَّ يعزِفْنَ حولَهُ

وضرْبَ المغَنِّي دُفَّهُ ما تَرَمْرما

رعى القَسْوَرَ الجَونيَّ من حولِ أشمُسٍ

ومنْ بطنِ سُقْمانَ الدُّعاعَ المُديَّما

تراهُ إذا استدبرَتْهُ مُدمَجَ القَرا

وفَعماً إذا أقبلْتَهُ العينَ سَلْجَما

بعيرُ حياً جاءَتْ بهِ أرحبيّةٌ

أطالَ بهِ عامَ النِّتاجِ وأعْظَما

فقامَتْ إليهِ خَدْلَةُ الساقِ أشخصَتْ

لهُ بالخلا كفّاً خَضيباً ومِعصَما

فألقى بلَحيَيْهِ فلاثَتْ برأسِهِ

زِماماً كشيطانِ الحَماطةِ مُحكَما

فلمّا أناخَتْهُ إلى جَنْبِ خِدرِها

عَجا شِدقَهُ أو هَمَّ أنْ يَتزعَّما

تراهُ إذا ما عجَّ يجلو عنِ الشَّبا

فما مثلَ حِنوِ الخَيْبرانيِّ لَهْجَما

تَنَخْنَخَ حتى ما تكادُ طويلةٌ

تنالُ بكفَّيْها الظِّعانَ المُسوَّما

وذا ذئبٍ جُوفٍ كأنَّ خُصورَهُ

خصورُ نِعالِ السبتِ لأماً مُوشَّما

قِمَطْرٌ يَبِينُ الوَدْعُ فوقَ سَراتِهِ

إذا أرزمَتْ من تحتهِ الريحُ أرزما

ضُبارِمُ طيِّ الحالبَيْنِ إذا خَدا

على الأُكْمِ ولاّها حذاءً مُلَكَّما

كأنَّ هوِيَّ الريحِ بينَ فروجِهِ

تَجاوُبُ جِنٍّ زُرنَ جِنّاً بجَيْهَما

فجئنَ بهِ لا جاسئاً ظَلِفاتُهُ

ولا سلِساً فيهِ المساميرُ أكزَما

شأى أثلاثَ المُنْحنى من صُعائدٍ

لهُ القَينُ عينيهِ وما قد تعلَّما

فشَذَّبَ عنهُ سُوقَ جلْسٍ عروقُها

معَ الماءِ ما أروى النباتَ وأنعما

برَتْهُ سَفافيرُ الحديدِ فجرَّدتْ

رفيعَ الأعالي كانَ في الصَّونِ مُكْرما

وجاءَ نساءُ الحيِّ بينَ صَنِيعِهِ

وبينَ التي جاءتْ لكَيْما تَعلَّما

يُطِفْنَ بمَخدورٍ أغرَّ وصائمٍ

صيامَ فُلُوِّ الخيلِ تَمَّ وأكرما

كما أوقدَ الطرْفَ الجوادُ بمَرْقَبٍ

فهَمْهَمَ لمّا آنسَ الخيلَ صُيَّما

يُطِفْنَ بهِ رأدَ الضحى ويَنُشْنَهُ

بأيدٍ ترى الأسوارَ فيهنَّ أعْجما

ترى من تباشيرِ الخِضابِ الذي بها

بأطرافِها لوناً غَبِيطاً وأَسْحما

سَراةَ الضحى ما رِمْنَ حتى تَحدَّرتْ

جباهُ العذارى زعْفراناً وعَنْدما

مَسحْنَ مُحَيّاهُ وقلَّدنَ جِيدَهُ

قلائدَ حتى هَمَّ أنْ يتكلَّما

وحتى لوَ انَّ العَودَ من حُسنِ شِيمةٍ

يُسلِّمُ أو يمشي مشى ثمَّ سلَّما

حملْنَ عليهِ من تَجافيفِ ناعتٍ

حصى الأرضَ حتى ما ترى العينُ مَنْسِما

وغشَّيْنَهُ بالرَّقْمِ حتى كأنّما

يُساقِينَهُ من جَوفِ مَعبوطةٍ دما

تَخيَّرْنَ أمّا أُرجواناً مُهدَّبا

وأمّا سِجِلاّطَ العراقِ المُختَّما

وشُبْنَ السوادَ بالبياضِ فلا ترى

منَ الخِدرِ إلاّ وارسَ اللونِ أرقما

من الشبَهِ السافي وحتى لوَ انَّهُ

يرى أعوجِيّاتٍ جرى أو تَحَمْحَما

فشاكَهْنَهُ بالخيلِ حتى لوَ انّهُ

يقُلنَ لهُ أقدِمْ هلا هلْ لأَقْدما

فلمّا قضيْنَ اللمَّ من كلِّ عقدةٍ

بثَثْنَ الوصايا والحديثَ المُكتَّما

تعاوَرنَ مرآةً جلِيّاً فلمْ تعِبْ

لراياتِها المرآةُ عيناً ولا فما

بعثْنَ إليها كيْ تجيءَ فلمْ تكدْ

تجيءُ تَهادى المشيَ إلاّ تَحشُّما

أتتْها نساءٌ من سُلَيْمٍ وعامرٍ

مشيْنَ إليها مأتماً ثمّ مأتما

تَهادَيْنَ جَمّاءَ العِظامِ خَريدةً

منَ النسوةِ اللائي يَرِدْنَ التكرُّما

فجَرْجَرَ لما كانَ في الخِدرِ نِصفُها

ونصفٌ على دأياتِهِ ما تَجرَّما

فلمّا علَتْ من فوقِهِ عضَّ نابَهُ

بمِقْلاقِ ما تحتَ الوشاحَيْنِ أهْضَما

فما ركبْتُ إلاّ نَبيثاً كأنّما

تُرفِّعُ بالأكفالِ رملاً مُسنَّما

فما كانَ جَونٌ أرجَبِيٌّ يُقِلُّها

بنَهضتِهِ حتى اكْلأنَّ وأعصما

وحتى تداعَتْ بالنَّقيضِ حبالُهُ

وهمَّتْ بَواني زفْرِهِ أنْ تَحطَّما

وبَصْبَصَ في صُمِّ الصَّفا ثَفِناتُهُ

ورامَ بحُبَّى أمرَهُ ثمَّ صَمَّما

فكبَّرْنَ واستدبرْنَهُ كيفَ أتوُهُ

بها رَبِذاً سهْوَ الأراجيحِ مِرْجَما

فلمّا استوَتْ في ظُلّةٍ لم تجدْ لها

تكاليفَ إلاّ أنْ يَعيلَ ويَعْسَما

وقُمنَ بأطرافِ البيوتِ عشيّةً

كما فيّأتْ ريحٌ يَراعاً وسَأْسَما

فلمّا تولّتْ قُلنَ يا أمَّ طارقٍ

على الشَّحْطِ حيّاكِ المَليكُ وسلَّما

وبادرْنَ أسباباً جعلْنَ فصولَها

مِلاكاً وأعناقَ النجائبِ سُلّما

فسُرْنَ انتِماءَ العُفْرِ للطلِّ أشفقَتْ

منَ الشمسِ لمّا كانتِ الشمسُ مِيسَما

فرُحنَ وقدْ زايلْنَ كلَّ ضغينةٍ

بهنَّ وسالَمْنَ السَّديلَ المُرقَّما

فقلتُ لأصحابي تراجعَ للصِّبا

فؤادي وعادَ اليومَ عودةَ أعصما

وقلتُ لعبدَيَّ اسْعَيا لي بناقَتي

فما لبِثا إلاّ قليلاً مُجرَّما

دعَوتُ جريرَيْنِ استحفَّا بناقتي

وقد هَمْهَمَ الحادي بهنَّ ودَوَّما

فجاءا بعَجْلى وهْيَ حرْفٌ كأنّها

كُداريّةٌ خافَتْ أظافيرَ عُرَّما

وجاءَتْ تَبُذُّ القائدَيْنِ ولمْ تدَعْ

نِعالَهما إلاّ سَريحاً مُخدَّما

أراها جَرِيّايَ الخَلا فتشَذَّرتْ

مِراحاً ولم تقرأْ جَنيناً ولا دما

فجاءا بشَوْشاةٍ مِراقٍ ترى بها

نُدوباً منَ الأنساعِ فذّاً وتوأَما

وجاءتْ ومنْ أخرى النهارِ بقيّةٌ

وقد وَدَّكَ الحادي السَّليلَ وخَشْرما

أطاعتْ لعِرفانِ الزِّمامِ وأضمرتْ

مكانَ خفيّ الجَرْسِ وحْفاً مُجَمْجما

فمارَتْ بضَبعَيْها رَجيعاً وكَلّفَتْ

بَعيرَيْ غلامِيَّ الرَّسيمَ فأَرْسما

وعزَّتْ بقاياهُنَّ كلُّ جُلالةٍ

يُنازعُ حَبْلاها أجَدَّ مُصرَّما

ترى العَيْهلَ الدَّفْقاءَ قدْ ماجَ غِرْضُها

تسومُ المطايا ما أذلَّ وأرغما

فلمّا أدركْناهنَّ لم يقضِ قائلٌ

مقالاً ولا ذو حاجةٍ ما تَجثَّما

فقلتُ لها عُوجي لنا أمَّ طارقٍ

نُتاجِ ونَحواكمْ شِفاءٌ لأَهْيَما

فعادَتْ علينا من خِدَبٍّ إذا سدى

سرى عن ذراعَيْهِ السَّديلَ المُرقّما

فكانَ اختلاساً من خَصاصٍ ورِقبةٍ

بنا العيسُ يَنثُرْنَ اللُّغامَ المُعمّما

وقالتْ لأترابٍ لها شبَهِ الدُّمى

ثلاثٍ يُنازعْنَ الحديثَ المُكتَّما

يُنازعْنَ خِيطانَ الأراكِ فأرجعَتْ لها

كفُّها منهنَّ لَدْناً مُقوَّما

فماحَتْ بهِ غرُّ الثنايا مُفلَّجاً

وسيماً جلَتْ عنهُ الطِّلالَ مُؤْشَّما

فواللهِ ما أدري أَوَصْلاً أرادَتا

بما قالتا أمْ أصبحَ الحبلُ أجْذَما

وما هاجَ هذا الشوقَ غيرُ حمامةٍ

دعَتْ ساقَ حرٍّ في حمامٍ تَرنَّما

إذا شئتُ غنَّتْني بأجزاعِ بِيشةٍ

أوالرِّزْنِ من تَثليثَ أو يَبْنَما

مُطوَّقةٌ ورْقاءُ تسجعُ كلمّا دنا

الصيفُ وانْجالَ الربيعُ فأنْجَما

مُحلاّةُ طوقٍ لمْ تكنْ من جَعيلةٍ

ولا ضربِ صَوّاغٍ بكفّيْهِ دِرهما

بنَتْ بِنْيَةَ الخرقاءِ وهْيَ رفيقةٌ

لها بيفاعٍ بينَ عُودَينِ سُلّما

منَ الوُرقِ حَمّاءِ العِلاطَينِ باكَرتْ

عَسيبَ أشاءٍ مطلِعَ الشمسِ أسْحما

إذا حرّكتْهُ الريحُ أو مالَ جانباً

تغنَّتْ عليهِ مائلاً ومُقوَّما

تغنَّى على فَرعِ الغصونِ وتَرْعَوي

إلى ابنِ ثلاثٍ بينَ عُودَينِ أعجما

تَقيَّضَ عنهُ غِرْقئ البَيضِ واكتسى

أنابيبَ من مستعجِلِ الريشِ حَمَّما

تُرَبِّبُ أحوى مُزْلَغِبّاً ترى لهُ

أنابيبَ من مُسْتَحْنِكِ الريشِ أقْتما

يمُدُّ إليها خشيةَ الموتِ جِيدَهُ

كهَزِّكَ بالكفِّ البريَّ المُقوَّما

كأنَّ على أشداقِهِ نَورَ حَنوَةٍ

إذا هوَ مَدَّ الجِيدَ منهُ ليُطعَما

فلمّا اكتسى الريشَ السُّخامَ ولمْ تجدْ

لها معهُ في جانبِ العُشِّ مَجْثِما

أُتيحَ لها صقرٌ مُسِفٌّ فلمْ يدعْ

لها ولداً إلاّ رماها وأعْظُما

تحُتُّ على ساقٍ ضُحيّاً فلمْ تدَعْ

لباكيةٍ في شجوِها مُتلَوَّما

فهاجَ حمامَ الأيكَتَيْنِ نَواحُها

كما هيّجَتْ ثَكلى على النَّوحِ مأتَما

إذا خرجَتْ من مَسكنِ الأرضِ راجعَتْ

لها مسكناً من منبِتِ العِيصِ مَعْلما

عجِبتُ لها أنّى يكونُ غناؤُها

فَصيحاً ولمْ تفغَرْ بمَنطقِها فما

ولمْ أرَ محقوراً لهُ مثلَ صوتِها

أحَنَّ وأحوى للحزينِ وأكْلَما

ولمْ أرَ مثلي شاقَهُ صوتُ مثلِها

ولا عربيّاً شاقَهُ صوتُ أعْجَما

خليلَيَّ هُبّا عَلِّلانيَ وانظُرا

إلى البرقِ ما يَفْري سَناً وتبسُّما

خَفا كاقتِذاءِ الطَّيرِ وهناً كأنّهُ

سراجٌ إذا ما يكشفُ الليلَ أظْلَما

عَروضٌ تدلَّتْ من تِهامةَ أُهديَتْ

لنجدٍ فساحَ البرقُ نجداً وأتْهَما

كأنَّ رماحاً أطلعَتْهُ ضعيفةً

معَ الليلِ يسعَرْنَ الأباءَ المُضرَّما

كنقضِ عتاقِ الطيرِ حتى تَوجَّهتْ

إليهنَّ أبصاراً وأيقظْنَ نُوَّما

وصوتٍ على فَوتٍ سمعتُ ونظرةٍ

تلافَيْتُها والليلُ قد عادَ أغْسَما

بحِدْثانِ عهدٍ من شبابٍ كأنّما

إذا قمتُ يَكسوني رداءً مُسَهَّما

أرى بصري قد رابَني بعدَ صحّةٍ

وحَسبُكَ داءً أن تَصِحَّ وتسْلَما

ولا يلبثُ العصرانِ يومٌ وليلةٌ

إذا اختلَفا أنْ يُدركا ما تَيمَّما

وقال حُميد أيضاً:

نأتْ أمُّ عمروٍ فالفؤادُ مَشوقُ

يحِنُّ إليها نازعاً ويَتُوقُ

لعَمْرةَ إذْ دانَتْ لكَ الدَّينَ بعدَما

تلفَّعَ من ضاحي القَذالِ فُروقُ

لطُولِ الليالي إذْ تطاولَ ما مضى

وفي الصُّلبِ والأحْناءِ منكَ حُنوقُ

أثَبْنَ بياضاً من سوادٍ سرقْنَهُ

وطولُ الليالي للشبابِ سَرُوقُ

ولمْ أرَها بعدَ المُحصَّبِ من مِنىً

وكلَّ مَتاقٍ للرحيلِ يَتوقُ

عُمَيرةٌ ما أدراكِ أنْ رُبَّ مهجَعٍ

تركْتُ ومن ليلِ التِّمامِ طَبيقُ

وقدْ غارَ نجمٌ بعدَ نجمٍ وقدْ دنَتْ

أواخرُ أُخرى واستقلَّ فريقُ

عفا الربيعُ بينَ الأخْرَجَيْنِ وأوزعَتْ

بهِ حَرْجَفٌ تُذْري الحصى وتَسوقُ

إذا يومُ نحسٍ هبَّ ريحاً كسوْنَهُ

ذُرى عَقِداتٍ تُرْبُهنَّ دقيقُ

وأسْحمَ دانٍ في نَشاصٍ خفا بهِ

لوامعُ في أعناقِهنَّ يَسوقُ

يَقُدنَ منَ الوسْمِيِّ جُوناً كأنّما

تُذَكّي على آثارِهنَّ حريقُ

لعِبْنَ بحَوْضَى والسِّبالِ كأنّما

يُنشِّرُ رَيطٌ بينهنَّ صَفيقُ

فغادرْنَ وحْياً من رمادٍ كأنّهُ

حصى إثْمدٍ بينَ الصَّلاءِ سَحيقُ

وسُفْعاً ثَوَيْنَ العامَ والعامَ قبلَهُ

على مَوقِدٍ ما بينهنَّ رقيقُ

ومن نَسْفِ أقدامِ الوليدَيْنِ بالضحى

سطورٌ تُرى عامِيَّةً فتَشوقُ

ألا طرقَتْ صَحْبي عُمَيرةُ إنّها

لنا بالمَرَوْراةِ المضِلِّ طَروقُ

بلَمّاعةٍ قفْرٍ تَرودُ نِعاجُها

أجارِعَ لمْ يُسمعْ بهنَّ نَعيقُ

فأعرضْتُ عنها في الزيادةِ إنّني

وذو اللبِّ بالتقوى هناكَ حَقيقُ

بمَثوى حرامٍ والمطِيُّ كأنّها

قَناً مُسْنَدٌ هبَّتْ لهنَّ خَريقُ

تَرودُ مدى أرسانِها ثمَّ تَرْعَوي

سَواهِمَ في أصلابِهنَّ عتيقُ

حُرِمْنَ القِرى إلاّ رَجيعاً تعلَّلَتْ

بهِ غَرِضاتٌ لحمُهنَّ مَشيقُ

أُنِخْنَ ثلاثاً بالمُحَصَّبِ من مِنىً

ولمّا يَبِنْ للناعجاتِ طريقُ

فلمّا قضَينَ النُّسكَ من كلِّ مَشْعَرٍ

وقدْ حانَ من شمسِ النهارِ خُفوقُ

رأتْني بنِسْعَيْها فردَّتْ مخافةً

إلى الصدرِ رَوعاءُ الفؤادِ فَروقُ

فخفَّضتُها حتى اطمأنتْ وراجعَتْ

هَماهِمَ صدرٍ بينهنَّ خُروقُ

فقلتُ لها أعطي فأعطَتْ برأسِها

غَشَمْشَمةٌ للقائدِينَ زَهوقُ

جَهولٌ وكانَ الجهلُ منها سجيّةً

إذا ضمَّها جَونُ الفلاةِ خَروقُ

فعُجْنا إلينا من سوالفَ ضُمَّرٍ

فرُحنَ عجالى وَقْعُهنَّ رشيقُ

وراحتْ كما راحتْ بسَرْحٍ مُوَقَّفٌ

منَ الدُّورِ بَدّاءُ اليدَينِ زَنيقُ

تَعادى يداها بالنِّجاءِ ورِجلُها

إذا ما اشتملَتْ باليدَينِ لَحوقُ

تُباري جُلالاً ذا جديلَينِ ينتَحي

أساهِيَّ منها هِزَّةٌ وعَنيقُ

إذا انبعثَتْ من مَبْرَكٍ ينبَري لها

مُشرَّفُ أطرافِ العِظامِ فَنيقُ

أرتْهُ حِياضَ الموتِ عجْلى كأنَّها

مُواشكةٌ رجْعَ الجناحِ خَفوقُ

منَ الكُدْرِ راحتْ عن ثلاثٍ فعجَّلَتْ

عليهِ قلوبُ المنكبَينِ ذَليقُ

إذا ضمَّ مَيْثاءُ الطريق عليهما

أضرَّتْ به مَرْخى الحبالِ زَهوقُ

مِراراً ويَشْآها إذا ما تعرَّضَتْ

لهُ سُبُلٌ مجهولةٌ وفُروقُ

لها عنُقٌ تهدي يداً مُشْمَعِلّةً

ورِجلٌ كمِخراقِ الغلامِ لَحوقُ

يداها كأوْبِ الماتِحينَ ورِجلُها

أبُوضُ النِّسا بالمَنْسِمَيْنِ خَسوقُ

ونحْضٍ كساقِ السُّوذَقانِيِّ نازعَتْ

بكَفّيَ جَشّاءُ البُغامِ دَفوقُ

إذا القومُ وِرْدُهنَّ ضُحى غدٍ

تَواهَقْنَ حتى سَيرُهنَّ طُروقُ

فما اطَّعَمَتْ بالنومِ حتى تَضمنَّتْ

سَوابقَها من شَمْطَتَيْنِ حُلوقُ

وأصبحْنَ يستأنِسْنَ من ذي بُوانةٍ

قَرىً دونَهُ هابِي الترابِ عميقُ

وأضحى تَعالى بالرحالِ كأنّها

سَعالٍ بجَنبَيْ نخلةٍ وسَلوقُ

وبَشَّتْ بعُلْوِيِّ الرياحِ كأنّها

أخو جَذْلَةٍ نالَ الإسارَ طَليقُ

برَيْتُ رَهيصَ الصُّلبِ عاريةَ القَرا

بها منمرادِ النِّسْعَتَيْنِ سُلوقُ

تقاتلُ عن دامي الكُلى حينَ جرَّدَتْ

منَ الطيرِ غِرْباناً لهنَّ نَغيقُ

وما لحقَ الغَيرانُ حتى تلاحقَتْ

جِمالٌ تسامى في البُرِينَ ونُوقُ

أقولُ لعبدِ اللهِ بيني وبينَهُ

لكَ الخيرُ أخبرْني وأنتَ صديقُ

لأنّي وإنْ علَّلْتُ صَحبي بسَرْحةٍ

منَ السَّرْحِ موجودٌ عليَّ طريقُ

سقى السَّرْحةَ المِحلالَ بالبُهْرةِ التي

بها السَّرْحُ دَجْنٌ دائمٌ وبُروقُ

بأجرعَ رابٍ كلَّ عامٍ يَعلُّهُ

منَ الغيثِ عَرّاضُ الغَمامِ دَفوقُ

أبى اللهُ إلاّ أنَّ سَرْحَةَ مالِكٍ

على كلِّ أفنانِ العِضاهِ تَروقُ

منَ النبْتِ حتى نالَ أفنانُها العُلا

وفي الماءِ أصلٌ ثابتٌ وعُروقُ

فما ذهبَتْ عرْضاً ولا فوقَ طولِها

منَ السَّرْحِ إلاّ عَشَّةٌ وسُجوقُ

تَورَّطَ فيها دُخَّلُ الصيفِ بالضحى

ذُرى لَبساتٍ فَرعُهنَّ ورِيقُ

فيا طِيبَ رَيّاها ويا بردَ ظلِّها

إذا حانَ من شمسِ النهارِ وَدُوقُ

حمى ظلَّها شكْسُ الخليقةِ خائفٌ

عليها عُرامُ الطائفِينَ شَفيقُ

فلا الظلُّ من بردِ الضحى تستطيعُهُ

ولا الفَيءُ من بردِ العشِيِّ تَذوقُ

وما وَجْدُ مُشتاقٍ أُصيبَ فؤادُهُ

أخي شهواتٍ بالعِناقِ لَبيقُ

بأكثرَ من وجْدي على ظلِّ سَرحةٍ

من السَّرحِ أو ضَحّى عليَّ رَفيقُ

ولولا وِصالٌ من عُمَيرةَ لمْ أكنْ

لأصرمَها إنّي إذنْ لمُطيقُ

وقال حميد بن ثور، وقال يمدح الوليد بن عبد الملك بن مروان، ويرثي عبد الملك:

أبصرْتُ ليلةَ مَنزلي بتَبالةٍ

والمرءُ تُسْهِرُهُ الهمومُ فيسهَرُ

ناراً لعَمْرَةَ بالرُّزونِ وأهلُنا

بالأدهمَيْنِ تَباعَدَ المُتنوِّرُ

للهِ صاحبِيَ الذي أوفى لها

ووقودُها ثَئِرٌ وكلٌّ ينظرُ

هبَّتْ لمَوقعِها جَنوبٌ رادَةٌ

طَوراً تُخفِّضُها الجَنوبُ وتظهرُ

لمْ ألقَ عَمْرَةَ بعدَ إذْ هيَ ناشئٌ

خرجَتْ مُعطَّفةً عليها مِئزرُ

برزَتْ عقيلةَ أربعٍ هادَيْنَها

بِيضُ الوجوهِ كأنّهن العَبقَرُ

ذهبَتْ بعقلِكَ رَيطةٌ مَطْويّةٌ

وهْيَ التي تَهذي بها لو تُنشَرُ

فهمَمْتُ أن أغشى إليها مَحْجراً

ولمثلِها يُؤتى إليهِ المَحجَرُ

أبلِغْ أميرَ المؤمنينَ فإنّهُ

فَطِنٌ يلومُ المُستَليمَ ويعْذِرُ

إنّي كبرْتُ وإنَّ كلَّ كبيرةٍ

ممّا يُظنُّ بهِ يَملُّ ويَفتُرُ

وفقدْتُ شِرّاتي التي أودى بها

زمنٌ يُطوِّحُ بالرجالِ وأعصُرُ

أنتمْ بجابِيَةِ الملوكِ وأهلُنا

بالجَوفِ جِيرتُنا صُداءُ وحِمْيَرُ

فلئِنْ بلغْتُ لأبلُغَنْ مُتكلِّفاً

ولئنْ قصَرتُ لكارهاً ما أُقصِرُ

أذِنَ الوليدُ لكمْ فسيروا سِيرةً

أمّا تُبلِّغُكمْ وأمّا تَحسَرُ

سيروا الظلامَ ولا تَحلُّوا عُقدةً

حتى يُجَلِّيَهُ النهارُ المُبصرُ

ويُرى الصباحُ كأنَّ فيهِ مُصْلِتاً

بالسيفِ يحملُهُ حصانٌ أشقرُ

لا يدركُ الحاجاتِ إلاّ مُزمِعٌ

والناجِياتُ من القِلاصِ الضُّمَّرُ

راحوا بساهمةِ العيونِ غُدوُّها

مُصْعَنْفِرٌ ورَواحُها مُسْحَنْفِرُ

منْ كلِّ ناجيَةٍ يظَلُّ زِمامُها

يسعى كما هربَ الشجاعُ المُنْفَرُ

قُلُصٌ إذا غَرِثَتْ فصولُ حبالِها

شبعَتْ بَراذِعُها ومَيسٌ أحمرُ

تغدو مُواشكةَ العَنيقِ وتارةً

يستعجلونَ عَنيقَها فتُشمِّرُ

تعلو بأذرُعِها إذا اسْتَنعى بها

خَرِقٌ يموتُ بهِ العَجاجُ الأكدرُ

تلقى إذا انْجرمَ الشتاءُ سِباعَها

ونَعامَها قِطَعاً بها لا تُذعرُ

سئموا الرِّحالَ بها فقالوا نَزْلَةً

فأقولُ ليسَ بما ترَونَ مُعصَّرُ

كائنْ حسَرْنا دونَكمْ منْ طالحٍ

رَوعاءُ يَنقُرُها الغرابُ الأعوَرُ

بسواءِ مَجمعَةٍ كأنَّ أمارَةً

منها إذا برزَتْ فَنيقٌ يَخطِرُ

ولقدْ أرانا نعتَلي برِحالِنا

زَهراءَ تَجتابُ الفَلاةَ وأزهَرُ

كعَجاجةِ الوادي يَراحُ شَلِيلَهُ

غَوجُ الجِرانِ غَدَوْدَنِيٌّ مِعْوَرُ

أجُدٌ مُداخَلَةٌ وآدمُ مُصْلَقٌ

كَبداءُ لاحقةُ الرَّحا وشَمَيْذَرُ

مثلُ الحجارةِ لحمُهُ وعِظامُهُ

مثلُ الحديدِ وجِلدُهُ يتمَرْمَرُ

تمشي العُجَيْلى من مخافةِ شَدْقَمٍ

يمشي الدِّفَفَّى والخَنِيفَ ويَضْبِرُ

وإذا تُبادرُهُ الطريقُ رأيْتها

زَوراءَ عنهُ وهْوَ عنها أزْوَرُ

وإذا تُراعُ رمَتْ بها رَوْعاتُها

حتى يميلَ بها النِّجادُ المُدْبِرُ

وإذا احْزألاّ في المناخِ رأيتَهُ

كالطودِ أفْردَهُ العَماءُ المُمطِرُ

حتى إذا طالَ السِّفارُ عليهما

زُجرَتْ وظلَّ مُصانِعاً لا يُزجَرُ

تَهوي بأشعثَ قدْ وهى سِربالُهُ

بَعثٍ تُؤرِّقُهُ الهمومُ فيسهَرُ

قدْ لاحَهُ عُقَبُ النهارِ فسيَّرَهُ

بالفَرقدَيْنِ كما يُلاحُ المِسعَرُ

نضعُ الزيارةَ حيثُ لا يُزري بنا

شرفُ الملوكِ ولا يَخيبُ الزُّوَّرُ

يا بنَ الخليفةِ ثمَّ أنتَ خليفةٌ

وخليفةٌ ما أنتَ إذْ تَتخيَّرُ

بَحرانِ تنتسبُ البحورُ إليهما

لا بحرَ بعدَهما يُهارُ ويُغمَرُ

أنتمْ أَسِدّةُ كلِّ ثغرٍ خائفٍ

وخلائفُ اللهِ التي تَتخيَّرُ

إنَّ المنيّةَ حينَ أُرسلَ سهمُها

لأبي الوليدِ قدَ انفذَتْ ما تُؤمَرُ

ويلُ الجبالِ ألا تبوحُ لفَقدِهِ

ولصخرِهنَّ الصمِّ لا تَتحدَّرُ

إنَّ الجبالَ ولوْ بكَيْنَ لهالِكٍ

يوماً رأيتَ صِلابَها تَستعْبِرُ

وقال حُميد بن ثور:

على طلَلَيْ جُمْلٍ وقفْتَ ابنَ عامرٍ

وقد كنتَ تُفْدى والمزارُ قريبُ

وقد عُجتَ في رَبعَينِ جرَّتْ عليهما

سِنونٌ وعادَتْ أمْرُعٌ وجُدوبُ

أرَبَّتْ رياحُ الأخرجَيْنِ عليهما

ومُستحلَبٌ من ذي البُراقِ غريبُ

دُقاقَ الحصى ممّا تُسَدِّي مُرِبَّةٌ

لها بنُسالِ الصِّلِّيانِ دَبيبُ

بمُختلَفٍ من رادَةٍ وصقالَها

بنَعْفٍ تُغاديها الصَّبا وتَؤوبُ

فلمْ يدَعِ العصْرانِ إلاّ بقيّةً

من الدارِ تبكي فيهِما وتَحوبُ

فحيِّ ربوعَ الجارتَينِ ولا أرى

مَغانيَ دارِ الجارتَينِ تُجيبُ

عفَتْ مثلَ ما يعفو الطَّلِيحُ فأصبحَتْ

بها كبرياءُ الصعْبِ وهْيَ رَكوبُ

كأنَّ الرِّعاثَ والنطافَ تصَلْصَلَتْ

لياليَ جُمْلٌ للرجالِ خَلوبُ

بوحشيّةٍ أمّا ضواحي مُتونِها

فمُلْسٌ وأمّا كَشْحُها فقَبيبُ

خلَتْ بالضواحي من أعالي لَجِيفةٍ

وليسَ بَبْرحٍ فالبُلَيُّ عَرِيبُ

ألثَّتْ عليها دِيمةٌ بعدَ وابلٍ

فلِلجزعِ من جَوحِ السيولِ قَسيبُ

فأخْلَسَ منها البقلَ لوناً كأنّهُ

عليلٌ بماءِ الزعفرانِ ذَهيبُ

منَ العالقاتِ المَرْدَ يعلو كِناسَها

حمامُ بلادٍ مُعْلَمٌ وغريبُ

فَفُوها خَضِيبٌ بالبَرِيرِ وسِنُّها

بهِ من تآشيرِ الغصونِ غُروبُ

تُراعي طَلاً من ليلتَينِ تلبَّسَتْ

بهِ النفسُ حتى للفؤادِ وجِيبُ

يَجُورُ بمَدْرِيَّتَيْنِ قد غاضَ منهما

شديدُ سوادِ المُقلتَينِ نَجيبُ

على مثلِ حُقِّ العاجِ تَهمي شِعابُهُ

بأسمرَ يحلَوْلِي لنا ويطيبُ

فلمّا غدَتْ قد قلَّصَتْ غيرَ حُشوةٍ

من الجوفِ منها عُلَّفٌ وخُضوبُ

رأتْ مُستَجيراً فاشرأَبَّتْ لشخصِهِ

بمَحْنيةٍ يبدو لها ويغيبُ

جُنِنْتَ بجُمْلٍ والنحيلةِ إذْ هما

كهَمِّكَ بِكرٌ عاتقٌ وسَلوبُ

وإذ قالَتا زَورٌ مُغِبٌّ زيارةً

وقدْ ظلَّ يومٌ للمَطِيِّ عَصيبُ

وقائلةٍ هذا حُمَيدٌ وإنْ ترى

بحَلْيَةَ أو وادي قناةَ عجيبُ

فلا تأمَنا أنْ يعدوا النأيُ منكما

ولا بُعدَ نأيٍ إنْ ألَمَّ حَبيبُ

تقولانِ طالَ النأيُ أو نُحصيَ الذي

نأيْناكَ إلاّ أنْ يَعُدَّ لَبيبُ

بلى فاذكُرا عامَ اجتَوَرْنا وأهلُنا

مَدافعَ دارا والجنابُ خَصيبُ

لياليَ أبصارُ الغواني وسَمعُها

إليَّ وإذْ رِيحي لهنَّ حَبيبُ

وإذْ ما يقولُ الناسُ شيء مُهوّنٌ

عليَّ وإذْ غصنُ الشبابَ رَطيبُ

وإذْ شَعَري ضافٍ ولونيَ مُذْهَبٌ

وإذْ ليَ من ألبابِهِنَّ نَصيبُ

فأضحى الغواني قد سئمْنَ هَزالَتي

وأجلَيْنَ لمّا راعَهُنَّ مَشيبُ

وقدْ كُنَّ بعضَ الدهرِ يَهوَيْنَ مَجلسي

وجِنِّي إلى جِنانِهِنَّ حَبيبُ

إذا الرأسُ غِرْبيبٌ أحَمٌّ سَوادُهُ

ومُذهَبُ ألوانٍ عليَّ مَجوبُ

فلا يُبعدُ اللهُ الشبابَ وقولَنا

إذا ما صبَونا صَبوةً سَنَتوبُ

جرَتْ يومَ رُحنا عَوْهَجٌ لا شَخاصةٌ

نَوارٌ ولا رَيّا الغزالِ لَحيبُ

منَ الأدْمِ أمّا خدُّها حينَ أتْلعَتْ

فصلْتٌ وأمّا خلْقُها فسَليبُ

مُوشَّحةُ الأقرابِ كالسيفِ صَقْلُها

بها منْ وِحامٍ لَوحةٌ وذُبوبُ

ذكرتُكِ لمّا أتلعَتْ من كِناسِها

وذِكرُكِ سبّاتٍ إليَّ عَجيبُ

فقلتُ على اللهِ لا يدعُوانِها

وقدْ أوَّلَتْ أنَّ اللقاءَ قريبُ

وأنَّ الذي مَنّاكَ أنْ تُسعِفَ النَّوى

بها يومَ رَعْنَيْ صارةٍ لَكَذوبُ

وما نَوَّلَتْ من طائلٍ غيرَ أنّها

جَوىً فالهوى يُلوي بنا ويُهيبُ

فأنتَ جَنيبٌ للهوى يومَ عاقلٍ

ويومَ نِضادِ النِّيرِ أنتَ جَنيبُ

أظلُّ كأنّي شاربٌ بمُدامةٍ

لها في عِظامِ الشاربينَ دَبيبُ

رَكودُ الحُميّا قهوةٍ شابَ ماؤُها

لها من عُقاراتِ الكُرومِ رَبيبُ

إذا استُوكِفَتْ باتَ الغَوِيُّ يَسوفُها

كما جَسَّ أحشاءَ السَّقيمِ طَبيبُ

وداوِيّةٍ ظلَّتْ بها الشمسُ حاسراً

كما لاحَ في رأسِ اليَفاعِ رَقيبُ

إذا صمَحَتْ رَكْباً ولو كانَ فوقَهمْ

عَمائمُ خَزٍّ سابعٍ وسُهوبُ

أناخَتْ بهمْ أو كادَ أنْ لم يُوايُلوا

إلى عُصَرٍ هامُ الرجالِ تَذُوبُ

ظَلِلْنا إلى كهفٍ وظلَّتْ رِكابُنا

إلى مُسْتَكِفّاتٍ لهنَّ غُروبُ

إلى شجرٍ ألْمى الظِّلالِ كأنّها

رَواهبُ أحرَمْنَ الشرابَ عُذوبُ

كَفاني بها دِرعٌ منَ الليلِ سابغٌ

وصهباءُ للحاجِ المُهِمِّ طَلوبُ

رِتاجُ الصَّلا مَعْرُشَةُ الزَّورِ تَغتَلي

لها عُسُبٌّ تعلو بها فتَصوبُ

إذا وُجِّهَتْ وجهاً أنابَتْ مُدِلّةً

كذاتِ الهوى بالمِشفرَينِ لَعوبُ

كما انقضَبَتْ كَدْراءُ تسقي فِراخَها

بشَمْظَةَ رِفْهاً والمياهُ شُعوبُ

غدَتْ لمْ تَصعَّدْ في السماءِ وتحتَها

إذا نظرَتْ أُهْوِيَّةٌ وصُبوبُ

قرينةُ سبْعٍ إنْ تواترْنَ مرّةً

ضربْنَ فصدَّتْ أرْؤُسٌ وجُنوبُ

ثمانٍ بأستارِينَ ما زِدنَ عِدّةً

غدَوْنَ قُراناً ما لهنَّ جَنيبُ

وقعْنَ بجُوفِ الماءِ ثُمَّتَ صوَّتَتْ

بهنَّ قَلْولاةُ الغُدوِّ ضَريبُ

على أحوذِيَّيْنِ استقلَّتْ عليهما

نجاةٌ تَبدّا تارةً وتَغيبُ

فجاءَتْ وما جاءَ القَطا ثمَّ شمَّرتْ

لمَفْحَصِها والوارداتُ تَلوبُ

فجاءَتْ ومَسقاها الذي وردَتْ بهِ

إلى الزَّورِ مِدودُ الوثاقِ كَتيبُ

تَغيثُ بهِ زُغْباً مساكينَ دونَها

مَلاً ما تخطّاهُ العيونُ رَغيبُ

جعلْنَ لها حزناً بأرضٍ تَنوفةٍ

فما هيَ إلاّ نهلةٌ فوُثوبُ

تَواطَنَّ تَوطينَ الرِّهانِ وقلَّصَتْ

بهنَّ سَرَنْداةُ الغُدوِّ سُروبُ

وقال حميد بن ثور:

وأغبرَ تُمسي العيسُ قبلَ تَمامِها

تَهادى بهِ التُّرْبَ الرياحُ الزَّعازعُ

يظلُّ بهِ فرْخُ القطاةِ كأنّهُ

يتيمٌ جفَتْ عنهُ المراضيعُ راضِعُ

ومُرْئِلَةٍ تهدي رِئالاً كأنّها

مُخرَّبَةٌ خُرْسٌ عليها المَدارِعُ

وأُمّاتِ أطلاءٍ صغارٍ كأنّها

دَماليجُ يجلوها تَشفُّقٌ بائعُ

وأزهَرَ يعتادُ الكِناسَ كأنّهُ

إذا لاحَ دَرِّيٌّ معَ الفجرِ طالعُ

تَعسَّفتْهُ بالقومِ فانتصبَتْ لهُ

بأعناقَهنَّ اليَعملاتُ الشَّعاشعُ

مَليعٌ ترى للآلِ فوقَ حِدابِهِ

سَبائبَ لم تنسجْ بهنَّ وشائعُ

نهَزْنَ بأيديهنَّ فانتصبَتْ بها

بَراطيلُ فانقادَتْ إليها الأخادعُ

إذا أصبحَتْ من ليلةِ الخِمْسِ عنَّسَتْ

مَراقيلُ ألْحَيْها لهنَّ قَعاقعُ

جزى اللهُ عنّا شَوْذَباً ما جزى بهِ

زميلاً وشلَّتْ من يدَيهِ الأصابعُ

ووثبةُ لا حانَتْ منَ الدهرِ ساعةً

بخيرٍ وصمَّتْ من أبيها المَسامعُ

ترى رَبّةَ البَهْمِ الفِرارِ عشيّةً

إذا ما غدا في بَهْمِها وهْوَ ضائعُ

تلومُ ولو كانَ ابْنها قنعَتْ بهِ

إذا هَبَّ أرواحُ الشتاءِ الزعازعُ

تظلُّ تُراعي الخُنْسَ حيثُ تيمَّمَتْ

منَ الأرضِ ما يطلُعْ لهُ فهْوَ طالعُ

رأتْهُ فشكَّتْ وهْوَ أطحلُ مائلٌ

إلى الأرضِ مَثْنِيٌّ إليهِ الأكارعُ

طوى البطنَ إلاّ من مصيرٍ يَبُلُّهُ

دمُ الجوفِ أو سُؤْرٌ من الحوضِ ناقعُ

ترى طرفَيهِ يَعسِلانِ كِلاهما

كما اهتزَّ عُودُ الساسَمِ المُتتابعُ

إذا خافَ جَوراً من عدوٍّ رمَتْ بهِ

قُصايَتُهُ والجانبُ المُتواسعُ

وإنْ باتَ وحْشاً ليلةً لم يضِقْ بها

ذراعاً ولمْ يصبحْ لها وهو خاشعُ

إذا احتلَّ حِضْناً بلدةٍ طُرَّ منهُما

لأخرى حَفِيُّ الشخصِ للريحِ تابعُ

وإنْ حذِرَتْ أرضٌ عليهِ فإنّهُ

بغرَّةِ أخرى طيِّبُ النفسِ قانعُ

ينامُ بإحدى مُقلتَيهِ ويتَّقي

المنايا بأخرى فهْوَ يقظانُ هاجعُ

إذا قامَ ألقى بُوعَهُ قَدْرَ طُولِهِ

ومدَّدَ منهُ صُلبَهُ وهْوَ بائعُ

وفكَّكَ لَحيَيهِ فلمّا تَعادَيا

صأى ثمّ أقعى والبلادُ بَلاقعُ

إذا ما غزا يوماً رأيتَ ظِلالةً

منَ الطيرِ ينظُرنَ الذي هوَ صانعُ

وهَمَّ بأمرٍ ثمَّ أزمعَ غيرَهُ

وإنْ ضاقَ رِزقٌ مرّةً فهْوَ واسعُ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي