منتهى الطلب من أشعار العرب/عروة بن أذينة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

عروة بن أذينة

عروة بن أذينة - منتهى الطلب من أشعار العرب

عروة بن أذينة وقال عروة بن أذينة الكناني:

أعرصةُ الدارِ أم توهمها

هاجتكَ أم غلةٌ تجمجمها

من حبِّ سعدى شقت عليكَ وقد

شطت نواها وغارَ قيمها

وأصبحت لا تزارُ صارمةً

من غيرِ ذنبٍ من ليسِ يصرمها

حدت نبالي عنها وما نفعت

وألحقت بالفؤادِ أسهمها

يومَ تراءت كأنها أصلاً

مزنةُ بحرٍ يخفى تبسمها

حينَ توسمتها فأرمضني

بعدَ اندمالٍ مني توسمها

تجلو شتيتاً أغرَّ ريقته

معسولةٌ طيبٌ تنسمها

كأنَّ مستانها تلمُّ بهِ

لطايمُ المسكِ حينَ يلثمها

دوايةُ المقلتينِ مشرقةٌ

بالحسنِ يجري في مائها دمها

كفضةِ الكنزِ أشربت ذهباً

يكادُ طرفُ الجليسِ يكلمها

إذا بدت لم تزل لهُ عجباً

يونقهُ دلها وميسمها

نقدَ المها العينِ كلما ذكرت

بالدمعِ حتى يفيضَ أسجمها

لا تبعدن خلةٌ مساليةٌ

لم يبقَ منها إلا تزممها

إني كريمٌ آبى الهوانَ من الخ

لةِ قد رابني تجهمها

وأعدلُ النفسَ وهي آلفةٌ

عن الهوى للردى يقدمها

لمرةِ الحزمِ لا أفرطها

أنقضُ ما دونها وأبرمها

أهدى لها مخطئ الرشادِ كما

يهدي لأمِّ الطريقِ مخرمها

لا أجعلُ الجايرَ الملولَ وذا ال

شيمةِ لا يستقيمُ منسمها

كجلدةِ البوِّ لا تزالُ بهِ

مغرورةً أمهُ تشممها

يعرفها أنفها وتنكرها

بالعينِ منها فكيفَ ترأمها

إني امرؤٌ من عشيرةٍ صدقٍ

أصونُ أعراضها وأكرمها

وأتقي سخطها وأمنعها

ممن يزني بها ويشتمها

أحمي حماها ولن تصادفني

- في يومِ كربٍ ألمَّ - أسلمها

قد علمت أنني أخو ثقةٍ

أهينُ أعداءها وأكرمها

وأنني قرمها تقدمني

في العزِّ والمكرماتِ أكرمها

لنا منَ العزِّ القديمِ ومن

سرِّ بيوتِ الكرامِ أجسمها

وإننا في الوغى ذوو نقمٍ

وجمرةٌ يتقى تضرمها

يتبعنا الناسُ في الأمورِ كما

يتبعُ نظمَ الجوزاءِ مرزمها

ملوكنا في الملوكِ أعدلهم

حكماً وعندَ الفضالِ أعظمها

نحنُ العرانينُ من ذرى مضرٍ

أغزرها نائلاً وأحلمها

بيضٌ بهاليلُ صيدُ مملكةٍ

يرى شريفاً من قامَ يخدمها

تهضمُ أعداءها وما أحد

ممن تظلُّ السماءُ يهضمها

إنَّ قريشاً هم الذرى نسباً

وقائلُ الصدقِ من يفخمها

تعلمُ الناسَ كلما جهلوا

ولن ترى عالماً يعلمها

يمنعها اللهُ أن تذلَّ وما

قدمَ من فضلها ويعصمها

كلُّ معدٍّ وكلُّ ذي يمنٍ

نرمها ملكها ونخطمها

في عصبةٍ من بني خزيمة تن

في العارَ لا يرتجى تظلمها

موسرها ذو ندى يعاشُ بهِ

وكالغنيِّ السريِّ معدمها

منا النبيُّ الأميُّ سنتهُ

فاضلةٌ نافعٌ تعلمها

وأهلُ بدرٍ منا خيارهمُ

وأفهمُ العالمينَ أفهمها

يقضي لهُ اللهُ بالذي سبقت

وما وعاهُ الكتابُ محكمها

يأبى لي الذمَّ رأيُ ذي حسبٍ

وافٍ ونفسٍ باقٍ تكرمها

وشيمةٌ سهلةٌ مقدمةٌ

لم يكُ ذو عسرةٍ يوحمها

والأرضُ فيها عما كرهتُ إذن

منادحٌ واسعٌ ترغمها

نحنُ البقايا وكلُّ صالحةٍ

تهدي إلى الخيرِ حينَ نقسمها

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

يا ديارَ الحيِّ بالأجمة

لم تكلم سائلاً كلمةْ

أينَ من كنا نسرُّ بهِ

فيكِ والأهواءُ ملتئمةْ

إذ حرى شعبُ المشاشِ لنا

ومصيفٌ تلعةُ الرخمةْ

ومنَ البطحاءِ قد نزلوا

دارَ زيدٍ فوقها العجمةْ

ثمُّ حلوا حلةً لهمُ

بطنَ وادٍ قنةَ السلمةْ

وانتحوا بالفرشِ تتبعهم

منةٌ من نفسكَ السقمةْ

إنَّ للدينا وزهرتها

نعمةً لا بدَّ منصرمةْ

وكفى حزناً لنا ولهم

بعدَ وصلٍ عاقهُ الشأمةْ

إنَّ تبدلنا بهم بدلاً

ليسَ من ابدالهم بلمةْ

فكأني يومَ بينهمِ

جسدٌ ليست لهُ نسمةْ

لا بديعٌ صرمُ غانيهٍ

أصبحت بالصرمِ معتزمةْ

إننا قومٌ ذوو حسبٍ

عامرٌ منا وذوا الخدمةْ

والرئيسُ العدلُ إذ عرست

حربُ أعداءٍ لنا ضرمةْ

فهجمنا الموتَ فوقهمُ

بالطواغي ظاهرَ الأكمةْ

وقريناهمُ أسنتنا

وسيوفاً تقتلُ الحرمةْ

حلفوا لا يأتلون لنا

وتركنا الخطةَ الهشمةْ

وأبى رأيَ الضعيفِ لنا

مرةٌ جأواءُ معتزمةْ

فرجعنا بالقنا قصداً

وسيوفِ الهندِ منثلمةْ

وعتاقُ الطيرِ عاكفةٌ

وضباعُ الجزعِ متخمةْ

ورمينا الناسَ عن عرضٍ

وقدورُ الحربِ محتدمةْ

بمصاليتِ الوغا ثبتٍ

وعناجيجٍ لها نحمةْ

مصغياتٍ في أعنتها

تحملُ الأبطالَ مستلمةْ

وعلى شعبٍ هبطنَ بنا

أهلُ شعبٍ خطةً أضمةْ

غارةٌ أردت نساءهمُ

في طحونِ الوردِ ملتهمةْ

ربما منهم منعمةٌ

سافرٌ ليست بملتثمةْ

غودرت تنعى الملوكَ كما

غودرت في المعطنِ الحلمةْ

لم تعظمهم أسنتنا

إذ لهم من فوقهم عظمةْ

وكأنَّ الملكَ بينهمُ

إذ لقونا طاحَ عن نشمةْ

نكشفُ الغما إذا نزلت

كشفَ بدرٍ ليلةَ الظلمةْ

بأسودِ الغيلِ مخدرةً

تمنعُ الأشبالَ مستلمةْ

ونقي الأحسابَ وافرةً

بوجوهِ المالِ محتزمةْ

شيخنا القاضي قضيتهُ

في حطيمِ الكعبةِ الحرمةْ

في زمانِ الناسِ إذ حلفوا

كقرومِ القرةِ القطمةْ

حكموهُ في دمائهمِ

فاستبانَ الحجةَ الفهمةْ

وقضاءٌ لا يقالُ لهُ

فيمَ تقضي بيننا ولمةْ

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

أفي رسومِ محلٍّ غير مسكونِ

من ذي الأجارع كادَ الشوقُ يبكيني

قفرٍ عفا غيرَ أوتادٍ منبذةٍ

ومنحنٍ خطَّ دونَ السيلِ مدفونِ

وهامدٍ كسحيقِ الكحلِ ملتبدٍ

أكنافَ ملمومةٍ أثباجها جونِ

عوارفٌ ذللٌ أمست معطلةً

في منزلٍ ظلَّ فيهِ الدمعُ يعصيني

وبالسقا والى مثنى قراينهِ

رسمٌ بهِ كان عهدُ الربربِ العينِ

أيامَ سعدى هوى نفسي ونيقتها

من لامَ زينها عندي بتزيينِ

للظبيةِ البكرِ عيناها وتلعتها

في حسنِ مبتسمٍ منها وعرنينِ

تنوء منها إذا قامت بمردفةٍ

كأنها الغرُّ من أنقاءِ معرونِ

لا بعدُ سعدى مريحي من جوى سقمٍ

يوماً ولا قربها إن حمَّ يشفيني

أمست كأمنيةٍ سعدى ملاوذةً

كانت بها النفسُ أحياناً تمنيني

إذا الوشاة لحوا فيها عصيتهمُ

وخلتُ أن بسعدى اللومَ يغريني

وما اجننابكُ من تهوى تباعدهُ

ظلماً وتهجرهُ حيناً إلى حينِ

إني امرؤٌ لم يخن ودي مكاذبةٌ

ولا الغنى حفظَ أهلِ الودِّ ينسيني

وقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي

أنَّ الذي هو رزقي سوفَ يأتيني

أسعى لهُ فيعنيني تطلبهُ

ولو قعدتُ أتاني لا يعنيني

وأنَّ حظَّ امرئٍ غيري سيأخذهُ

لا بدَّ لا بدَّ أن يحتازهُ دوني

فلن أكلفَ نفسي فوقَ طاقتها

حرصاً أقيمُ بهِ في معطنِ الهونِ

أبيتُ ذلك رأياً لستُ قاربهُ

ولا معرضهُ عرضي ولا ديني

من كانَ من خدمِ الدنيا أشتَّ بهِ

حتى يقالَ صحيحٌ مثل مجنونِ

نعالج العيشَ أطوارَّ تقلبهُ

فيهِ أفانين تطوى عن أفانينِ

باليسرِ والعسرِ والأحداثُ معرضةٌ

لا بدَّ من شدةٍ فيها ومن لينِ

حتى تكلَّ وتلقى في تطردها

أطباقَ ملهىً بها حيرانَ مفتونِ

ولو تخفضَ لم ينقض تخفضهُ

مكتوبَ رزقٍ له ما عاشَ مضمونِ

فما امرؤٌ لم يضع ديناً ولا حسباً

بفضلِ مالٍ وقى عرضاً بمغبونِ

كم من فقيرٍ غنيّ النفسِ تعرفهُ

ومن غنيٍّ فقيرِ النفسِ مسكينِ

ومن مواخٍ طوى كشحاً فقلتُ لهُ

إنَّ انطواءك هذا عنكَ يطويني

لا تحسبنَّ مواخاتي مقصرةً

ولا رضاكَ وقد أذنبتَ يرضيني

لا خيرَ عندكَ في غيبٍ وفي حضرٍ

إلاَّ أهاويلُ من خلطٍ وتلوينِ

بأيِّ رأيكَ في أمرٍ عنيتُ بهِ

وفضلِ مالكَ يوماً كنتَ تكفيني

فليتَ شعري وما أدري فتخبرني

بأيّ قرضي منَ الأيامِ تجزيني

أبالذي كانَ مني مرةً حسناً

أم بالقبيحِ وما أقبحتُ ترميني

فما حفظتَ وما أحسنتَ رعيتهُ

سراً أمنتَ عليهِ غيرَ مأمونِ

عجزاً عن الخيرِ تلويهِ وتمطلهُ

بخلاً عليَّ بهِ والشرَّ تقضيني

ما كنتَ ممن تجاريني بديهتهُ

ولا منَ الأمدِ الأقصى يغاليني

منتكَ نفسك أمراً لا تولفهُ

حتى تولفَ بينَ الضبِّ والنونِ

النونُ يهلكُ في بيداءَ مقفرةٍ

والضبُّ يهلكُ بينَ الماءِ والطينِ

لا تغضبنَّ فإني غيرُ معتبهِ

من كنتُ أوليتهُ ما كانَ يوليني

وقال عروة بن أذينة:

أما قتلتَ ديارَ الحيِّ عرفانا

يومَ الكفايةِ بعدَ الحيِّ إذ بانا

إلاَّ توهمَ آياتٍ بمنزلةٍ

هاجت عليكَ لباناتٍ وأحزانا

قف ساعةً ثمَّ أما كنتَ مدكراً

وباكياً عبرةً يوماً فمل آنا

ولو بكيتُ الصبا يوماً وميعتهُ

إذن بكيتُ على ما فاتَ أزمانا

من شرةٍ من شبابٍ لستُ راجعهُ

حتى يزورَ ثبيراً صخرُ لبنانا

لم يعطَ قلبكَ عن سعدى ولو بخلت

صبراً ولم تسقِ عنها النفسَ سلوانا

فاقصد برأيكَ عنها قصدَ مجتنبِ

ما لا تطيقُ فقد دانتكَ أديانا

عهدي بها صلتةَ الخدين واضحةً

حوراءَ مثلَ مهاةِ الرملِ مبدانا

مقنعةً في اعتدالِ الخلقِ خرعبةً

تكسو الترائبَ ياقوتاً ومرجانا

يصفو لنا العيشُ والدنيا إذا رضيت

وقد تكدرُ ما لم ترضَ دنيانا

لولا الحياءُ طلبنا يوم ذي بقرٍ

ممن تغورَ قصدَ البيتِ أظعانا

بيضُ السوالفِ يورثنَ القلوبَ جوى

لا يستطيعُ لهُ الإنسانُ كتمانا

قالَ العواذلُ قد حاربتَ في فننٍ

منَ الصبا وشباب الغصنِ ريعانا

ومن يطعهنَّ يقرع سنهُ ندماً

ولا يكنَّ لهُ في الخيرِ أعوانا

لا يرضَ من سخطةٍ والحقُّ مغضبةٌ

من كانَ من فضلنا المعلومِ غضبانا

تلقى ذرى خندفٍ دوني وتغضبُ لي

إذا غضبتُ بنو قيس بن عيلانا

حياً حلالاً نفى الأعداءَ عزهمُ

حتى أطرنا بهم مثنى ووحدانا

أوفى معدٍّ وأولاهم بمكرمةٍ

وأعظمُ الناسِ أحلاماً وسلطانا

من شاءَ عدَّ ملوكاً لا كفاء لهم

منا ومن شاءَ منا عدَّ فرسانا

إذا الملوكُ اجرهدت غيرَ نازعةٍ

كانوا لها في احتدامِ الموتِ أقرانا

حتى تلينَ وما لانوا وقد لقيت

أعداؤنا حرباً منهم وليانا

فهم كذلك من كادوا فإنَّ لهُ

إن لم يمت منهمُ ذلاً وإثخاناً

لا ينكرُ الناسُ إنا من ورائهم

في الحربِ نرعاهمُ واللهُ يرعانا

أحياؤنا خيرُ أحياءٍ وأكرمهم

وخيرُ موتى من الأمواتِ موتانا

منا الرسولُ نخيرُ الناسَ كلهمُ

ولا نحاشي من الأقوامِ إنسانا

وذاكَ نورٌ هدى اللهُ العبادَ بهِ

من بعدِ خبطهم صماً وعميانا

فأبصروا فاستبانَ الرشدُ مشعرةً

بعدَ الضلالِ قلوبَ الناسِ إيمانا

فينا الخلافةُ والشورى وقادتها

فمن له عندَ أمرٍ مثلَ شورانا

أو مثلُ أولنا أو مثلُ آخرنا

أو مثلُ أنسابنا أو مثلُ مقرانا

وكلُّ حيٍّ لهُ قلبٌ يعيشُ بهِ

في الناسِ أصبحَ يرجونا ويخشانا

نبغي قريشاً ويأبى اللهُ ربهمُ

إلاَّ اصطناعهم نصراً وإحسانا

وما قريشٌ إذا عضت حروبهمُ

يوماً بأكلةِ جافي الدينِ غرثانا

وما أرادهمُ باغٍ يغشهمُ

يبغي الزيادةِ إلاَّ أزدادَ نقصانا

قومٌ إذا الحمدُ لم يوجد لهُ ثمنٌ

ألفيتَ عندهم للحمدِ أثمانا

قماقمُ العزِّ لا يغرى خطيبهمُ

ولا يقومُ إذا ما قامَ خزيانا

قد جربتهم حروبُ الناسِ واقتبست

منهم ثواقبُ نارِ الحربِ نيرانا

فلم يلينوا لهم في كلّ معجمةٍ

ولم يروا منهمُ في الحربِ إدهانا

إذا الشياطينُ رامتهم بأجمعهم

لم يبقِ منهم جنودُ اللهِ شيطانا

هم العرانينُ والأثرونَ قبصَ حصىً

وجوهرِ السرِّ والعيدانِ عيدانا

والأكرمونَ نصاباً في أرومتهم

والأثقلونَ على الأعداءِ أركانا

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

صرمت سعيدةُ ودها وخلالها

منا وأعجبها البعادُ فما لها

سمعت من الواشي البعيدِ بصرمنا

قولاً فأفسدها وغيرَ حالها

وإذا المودةُ لم تكن مصدوقةً

كرهَ اللبيبُ بعقلهِ استقبالها

ولقد بلوتُ وما ترى من لذةٍ

في العيشِ بعدكَ قربها ووصالها

عصرَ الشبابِ وما تجدُّ مودةً

للغانياتِ ولا هوىً إلاَّ لها

حتى رأينا للصريمةِ آيةً

مثلَ النهارِ وعددت أشغالها

وتجرمت عللَ الذنوبِ فأصبحت

قد زايلتكَ وزودتكَ خبالها

وطوت حبالاً من حبالكَ بعدما

وصلت بهِ أخرى الزمانِ حبالها

حوراءُ واضحةٌ تزالُ صبابةً

ما عشتَ تذكرُ حسنها وجمالها

وحديثها الحسنُ الجميلُ وعقلها

ذاكَ الأصيلُ إذا أردتَ محالها

ومقالها في الكاشحينَ فأوشكت

ما نسيت في الكاشحينَ مقالها

وغدايرٌ سودٌ لها ومقلدٌ

بيضٌ ترايبهُ ينيفُ شكالها

وأغرَّ مثلَ البدرِ زانَ أسالةً

منهُ محاسنُ لا تعدُّ خصالها

ومفلجٍ خصرِ الغروب ومضمرٍ

خلى لأثناءِ الوشاحِ مجالها

وعجيزةٌ نفخٌ وساقٌ خدلةٌ

بيضاءُ تفصمُ كظةً خلخالها

عشنا بها زمناً كظلِّ سحابةٍ

مرت ولم ينفعكَ شيمكَ خالها

وبلا ولا ولقد وحتى مرةً

تقريبها وبعادها ومطالها

تدنو فتطمعُ ثمَّ تصرفُ قولها

يأساً فيقطعُ صرمها إجلالها

تلقى بها عندَ الدنوِّ زمانةً

وتريكَ ما شحطَ المزارُ خيالها

طيفٌ إذا لم يدنُ منكَ رأيتهُ

في زيها متميلاً تمثالها

ويزيدها أيضاً عليَّ كرامةً

أني وربكَ لا أرى أمثالها

إن تمسِ ساليةً وليسَ بذكرها

كلفاً أخافُ بهجريَ استقالتها

فلقد بكتها العينُ حيناً كلما

ذكرت سعيدةَ راجعت تهمالها

معنيةً تذري الدموعَ صبابةً

بعدَ العزاءِ ترى البكا أشفى لها

واليأسُ أحسنُ من رجاءٍ كاذبٍ

إذ لم يكن وصلُ الصديقِ بدا لها

ويلُ أمها لولا التنقض خلةً

لو كانَ أقطعها البعادُ وهالها

كانت على رأيٍ فأصبحَ كاشحٌ

عن رأيها في الكاشحينَ أزالها

منهم لها دونَ الصديقِ بطانةٌ

نرجوهمُ ليعلوهم ما عالها

أنى وكيفَ لها بذلك بعدما

غالَ المودةَ عندها ما غالها

وأتت رضى أعدائها بصديقها

عمداً لتقطعَ ودها ودلالها

بل هل عرفتَ لها الديارَ بناعقٍ

معفوةً لبسَ البلى أطلالها

وتناءجت فيها البوارحُ كلما

راحت تحنُّ تعسفت أذيالها

تعفو الصبا ذيلَ الدبورِ وتارةً

يدعو لها نفسُ الجنوبِ شمالها

يسهكنَ أمثالَ الروائمِ ولهاً

فقدت فرجعتِ الحنينَ فصالها

في كلِّ منزلةٍ لعبنَ بدمنها

وخلصنَ إذ خفَّ الدقاقُ جلالها

ونخلنها نخلَ الطحينِ مقيمةً

كلُّ الرياحِ تعيرها غربالها

ثمَّ استعنَّ على الديارِ مخيلةٌ

حلت على عرصاتها أثقالها

دهماءُ واهيةُ الكلى بحريةٌ

نحرت بها المستمطراتُ هلالها

فإذا يمرُّ حبيٌّ زاخرٌ

بالدارِ جادَ بوبلهِ فأسالها

فتركنها صلدى العراصِ وطلقت

أدبارها ورواجعاً أقبالها

فتظلُّ تعرفُ ما عرفتَ توهماً

منها وتنكرُ واقفاً أبدالها

متبلداً بعدَ الأنيسِ ولا ترى

إلاَّ الوحوشَ يمينها وشمالها

عيناً مخدمةَ الشوا وكأنها

بلقُ السوابقِ كشفت أجلالها

وعواطفَ الأرآم تزجي خذلاً

فيهِ سواكنُ بالربا أطفالها

من كلِّ واضحةِ السراةِ فريدةٍ

في روضةٍ أنفٍ تمجُّ ظلالها

وجدايةٍ مثلِ السبيكةِ نومت

في عازب مرحِ النباتِ غزالها

وسنانَ خرَّ من النعاسِ كأنما

أسقي المدامةَ لا يردُّ فضالها

صهباءَ من زبدِ الكرومِ تبالغت

في عقلهِ متصرفاً جريالها

يرعينَ كلَّ خميلةٍ وسرارةٍ

رضعت بها خلفَ الربيعِ سخالها

وترى بها ربدَ النعامِ كأنها

جوفُ الخيامِ هوى الثمامُ خلالها

من كلِّ أزعرَ نقنقٍ ونعامةٍ

تقرو برعلتها الصغارِ رمالها

مثلِ الجهامةِ كلما خلفت لها

أرجُ العشيةِ راجعت إجفالها

زعرٌ مخرجةُ الزفوفِ وربها

في الرأيِ خفةَ حلمها وضلالها

والعونُ تنتجعُ الفلاةَ فأضمرت

منها البطونَ وأعرضت أكفالها

قبٌّ محملجةٌ طوى أقرابها

جريُ الفحول بها وهذبَ آلها

ينفي الجحاشَ ولا يقاربُ عوذها

إلا الشماعُ ويستحثُّ حيالها

فإذا أرنَ بها شنونٌ قارحٌ

تركت لشرتها الخفافُ ثقالها

وإذا أرادَ الوردَ هاجَ بلفهِ

عنفَ الأجيرِ على القلاصِ دنا لها

يضربنَ صفحةَ وجههِ وجبينهُ

في الروعِ قد وسقت لهُ أحمالها

إلا أوارنَ كلّ بكرٍ عايطٍ

تهدي لمستنِّ الرياح نسالها

ألقت عقيقةَ شتوةٍ عن لونها

قبلَ المصيفِ فخرقت سربالها

هذا ومهلكةٍ ترقصُ شمسها

كالرجعِ في رهجِ الوديقةِ آلها

غبراءُ ديمومٌ يحارُ بها القطا

عصباً يفرقُ بعدهُ أرسالها

جاوزتها بهبابِ ذاتِ برايةٍ

ضمت عرى عقدِ النسوعِ محالها

سرح إذا رميت بها مجهولةٌ

مرتُ المنازلِ فارقت أميالها

في كلِّ خاشعةِ الحزون مضلةٍ

كالترسِ يعسفُ سهلها وجبالها

تهدي مواعجَ قد أضرَّ بها الوجى

بعدَ المراحِ وأعملت أعمالها

يخبطنَ في الخرقِ البعيدِ إذا وهت

أخفافهنَّ منَ السريحِ نعالها

فإذا بدت أعلامُ أرضٍ جاوزت

أعلامها فرمت بها أهوالها

حتى رجعتُ بها وقد أكللتها

لاقى إرانَ مطردٍ أكلالها

مثل الشجارِ حشاشةً منهوكةً

قد كانَ ذلك قيدها وعقالها

إني امرؤٌ أقري الهمومَ صرامةً

وأقوتُ شحمَ ذرى المطيِّ رحالها

ولربَّ حيلةِ حازمٍ ذي هوةٍ

يسرتها ولحازمٌ ما احتالها

ومقالةٍ في موطنٍ ذي مأقطٍ

طبقتُ مفصلها ومرتُ عيالها

ولربَّ حجةِ خصمِ سوءٍ ظالمٍ

حنقٍ عليَّ منحتهُ إبطالها

فرجعتهُ قد عادَ بعدَ تخمطٍ

يقلي المشاغبةَ التي أجرى لها

ولربَّ عرفِ قد بذلتُ وخطةٍ

أسهلتُ حزنَ طريقها أسهالها

ومكارمٍ سمحٍ بذلتُ كرامةً

يوماً لهُ وقفيةً ما سالها

ومعالجِ الشحناءِ قد ألجمتهُ

نكلاً وأسرتهُ فكانَ نكالها

ولربَّ قافيةٍ تكادُ حذوتها

تلقى بخيرٍ سائلاً من قالها

أرسلتها مثلَ الشهابِ غريبةً

لا تستطيعُ رواتها إرسالها

ولئن سألتَ بي العشيرةَ مرةً

أحبارها العلماءَ أو أقيالها

لتنبئنكَ أنني ذو مأقطٍ

أني إذا اللحنُ الصليبُ دعا لها

وليثنينَّ عليَّ منهم صادقٌ

خيراً ومحمدةً تعدُّ فعالها

ولتلقيني لا ذكرتُ نساءها

ذكرَ اللئيمِ ولا شتمتُ رجالها

فلتجرِ بعدَ الحادثاتِ بما جرت

ولتجرينَّ كحالها أولى لها

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

بخلت رقاشِ بودها ونوالها

سقياً وإن بخلت لبخلِ رقاشا

ظفرت بودكَ إذ سبتكَ كأنها

وحشيةً لا تستطيعُ حواشا

والودُّ يمنحُ غير من يجزى بهِ

كالماءِ ضمنَ ناشحاً حشاشا

ولقد غشيتِ لنا رسومَ منازلٍ

بدلنَ بعدَ تأنسٍ إيحاشا

أحبب بأوديةِ العقيقِ لحبها

والعرصتينِ وبالمشاشِ مشاشا

لما وقفتُ بهنَّ بعدَ تأنسٍ

ذرفت دموعكَ في الرداءِ رشاشا

ولربَّ سالٍ قد تذكرَ مرةً

شجواً فأجهشَ أو بكى إجهاشا

أمسى إذا ذكرت يحادثُ نفسهُ

وإذا نأت لقي الهمومَ غشاشا

شوقاً تذكرهُ فحنَّ صبابةً

لما أرادَ عن الصبا إفراشا

وعلا بهِ الرأيُ الجسيمُ وزادهُ

حلماً فعيشَ بهِ كذاكَ وعاشا

تمت مروءتهُ وساورَ همهُ

غلباً وأتبعَ رأيهُ إكماشا

يبني مكارمَ ذاهبينَ جحاجحٍ

كانوا ثمالَ أراملٍ ورياشا

من سرِّ ليثٍ لا تطيشُ حلومهم

جهلاً إذا جهلَ اللئيمُ وطاشا

أصبحتُ أذكرُ من فناءِ عشيرتي

حزناً إذا بطنُ الجواشنِ جاشا

بذهابِ ساداتٍ وأهل مهابةٍ

حشدٍ إذا ما الدهرُ هاجَ جياشا

كانوا عتيقَ الطيرِ قبلُ فأصبحوا

في الناسِ تزدحمُ البلادُ خشاشا

ورثوا المكارمَ عن كرامٍ سادةٍ

لم يورثوا صلفاً ولا إفحاشا

وغبرتُ بعدهمُ ولستُ بخالدٍ

مثلُ الوقيعةِ تحذرُ النجاشا

في مثلِ فضلاتِ السيوفِ بقيةً

لم يخلقوا زمعاً ولا أوباشا

ولقد عرفتُ وإن حزنتُ عليهمِ

أن سوفَ أخفضُ للحوادثِ جاشا

وملكتُ من أبدالِ سوءٍ بعدهم

مثلَ الكلابِ تعادياً وهراشا

نعمَ الفوارسُ والثمالُ لأركبٍ

بعد الطوى نزلوا بهم أوحاشا

لا بدَّ أنهمُ إذا ما أهكعوا

سيعجلونَ قراهمُ نشناشا

ولقد عجبتُ لحاينٍ متعرضٍ

أبدت عداوتهُ لنا استغشاشا

عبدٌ أساءَ بسبهِ أربابهُ

منهم أصابَ مطاعماً ورياشا

تنعى الكرامَ ولستَ بالغَ مجدهم

حتى تحولَ بركهِ أكماشا

ولوَ أنهُ يوماً تكلفَ شأوهم

أبقى بهِ تعبُ السياقِ جراشا

أو كانَ أصعدَ في جبالِ قديمهم

لاقى لها رتباً وكابدَ ناشا

نعشوا مفاقرهُ فأصبح كافراً

حسنَ البلاءِ ولم يكن نعاشا

وكذاكَ كانَ أبوهُ يفعلُ قبلهُ

وكلاهما في الدهرِ كانَ قماشا

يحيى السنينَ بهم ويكفرُ كلما

وقعَ الربيعُ فمحضراً أكراشا

إني لأصبرُ في الحقوقِ إذا اعتزت

وأميشُ قبلَ سؤالهِ الممياشا

وإذا الهمومُ تضيفتني لم أكن

جلساً لطارقةِ الهمومِ فراشا

وقريتهنَّ زماعَ أمرٍ صارمٍ

والعيسُ يحرمها السرى الإنفاشا

من بعدِ إذ كانت سنوه مرةً

نعماً تساقطُ بالحمى الأعشاشا

فرجعتها بعدَ المراحِ خسيسةً

قد زال تامكُ نيها منحاشا

ولربَّ كبشِ كتيبةٍ ملمومةٍ

قدنا إليهِ كتائباً وكباشا

دسراً إذا حميَ الهياجُ بحدهِ

وجعلتَ تسمعُ للرماحِ قراشا

فتسارعت فيهِ السيوفُ بوقعها

نكباً وترعشُّ تحتها إرعاشا

وكذاكَ تصطادُ الكميَّ رماحنا

ونجرها المتناول المنتاشا

ونعضُّ هامَ المعلمينَ سيوفنا

بيضَ الظباتِ إلى الدماءِ عطاشا

وإذا المشاغبُ شاكَ منها شوكةً

طالَ الضمارُ وأعيتِ النقاشا

وقال عروة أيضاً:

يا حبذا الدارُّ بالروحاءِ من دارِ

وعهدُ أعصارها من بعدِ أعصارِ

هاجت عليَّ مغانيها وقد درست

ما يردعُ القلبُ من شوقٍ وإذكارِ

يا صاحبيَّ اربعا إنَّ انصرافكما

قبلَ الوقوفِ أراهُ غيرَ إعذارِ

فعرجا ساعةً نبكي الرسومَ بها

واستخبرا الدارَ إن جادت بأخبارِ

وكيفَ تخبرنا دارٌ معطلةٌ

قفرٌ وهابي رمادٍ بين أحجارِ

وعرصةٌ من عراصِ الأرضِ موحشةٌ

ما إن بها من أنيسٍ غيرُ آثارِ

تغدو الرياحَ وتسري في مغابنها

بمجلبٍ من غريبِ التربِ موارِ

فلا تزالُ من الأنواءِ صادقةٌ

بحريةُ الخالِ تعفوها بأمطارِ

مقيمةً لم ترم عهدَ الجميع بها

كأنما جعلت بواً لأظآرِ

إن تمسِ سعدى وقد حالت مودتها

وأقصرت لانصرافٍ أيَّ إقصارِ

فقد غنينا زماناً ودنا حسنٌ

على معاريضَ من لومٍ وإهجارِ

ومن مقالِ وشاةٍ حاسدينَ لها

أن يدركوا عندنا فيها بإكثارِ

كنا إذا ما زرت في الودِّ نعتبها

وآيةُ الصرمِ ألاَّ يعتبَ الزاري

إذ لذةُ العيشِ لم تذهب بشاشتها

وإذ بنا عهد سلمى غيرُ ختارِ

حتى متى لا مبينُ اليأسِ يصرمني

ولا تقضى من اللذاتِ أوطاري

من ضيعَ السرَّ يوماً أو أشادَ بهِ

فقد منعتُ من الواشين أسراري

عهدي بها قسمت نصفينِ أسفلها

مثلُ النقا من كثيبِ الرملةِ الهاري

وفوقَ ذاكَ عسيبٌ للوشاحِ بهِ

مجرىً لكشحِ ألوفٍ السترِ معطارِ

في ميعةٍ من شبابٍ غربهُ عجبٌ

لو كانَ يرجعُ غضاً بعدَ إدبارِ

هيهاتَ لا وصلَ إلاَّ أن تجددهُ

بذاتِ معجمةٍ مرداةِ أسفارِ

ملمومةٍ نحتت في حسنِ خلقتها

وأجفرت في تمامٍ أي إجفارِ

وأرغدت أشهراً بالقهبِ أربعةً

في سرِّ مستأسدِ القريانِ محبارِ

ترعى البقاعَ وفرعَ الجزعِ من مللٍ

مراتعَ العينِ من نقوى ومن دارِ

في فاخرِ النبتِ مجاجِ الثرى مرحٍ

يخايلُ الشمسَ أفواجاً بنوارِ

قربتها عرمساً للرحلِ عرضتها

أزواجَ لماعةِ الفودين مقفارِ

فلم تزل تطلبُ الحاجاتِ معرضةً

حتى اتقتني بمخٍّ باردٍ رارِ

قد غودرت حرجاً لا قيدَ يمسكها

وصلبها ناحلٌ محدودبٌ عاري

وقد برى اللحمَ عنها فهيَ قافلةٌ

كما برى متنَ قدحِ النبعةِ الباري

تهجري ورواحي لا يفارقها

رحلٌ وطولُ ادلاجي ثمَّ إبكاري

هذا وطارقِ ليلٍ جاء معتسفاً

يعشو إلى منزلي لما رأى ناري

يسري وتخفضهُ أرضٌ وترفعهُ

في قارسٍ من شفيفِ البردِ مرارِ

حتى أتى حينَ ضمَّ الليلُ جوشنهُ

وقلتُ هل هو منجابٌ بإسحارِ

فاستنبحَ الكلبَ منحازاً فقلتُ لهُ

حيٌّ كرامٌ وكلبٌ غيرُ هرارِ

أهلاً بمسراكَ أقبل غيرَ محتشمٍ

لا يذهبُ النومُ حقَّ الطارقِ الساري

هذا لهذا وإنا حينَ تنسبنا

من خندفٍ لسنامُ المحتدِ الواري

تغشى الطعانَ بنا جردٌ مسومةٌ

تؤذي الصريخَ بتقريبٍ وإحضارِ

قبل عوابسُ بالفرسانِ نعرضها

على المنايا بإقدامٍ وتكرارِ

منا الرسولُ وأهلُ الفضلِ أفضلهم

منا وصاحبهُ الصديقُ في الغارِ

من عدَّ خيراً عددنا فوقَ عدتهِ

من طيبينَ نسميهم وأبرارِ

منا الخلائف والمستمطرونَ ندىً

وقادةُ الناسِ في بدوٍ وأمصارِ

وكلُّ قرمٍ معدي الأرومِ لنا

منهُ المقدمُ من عزٍّ وأخطارِ

كم من رئيسٍ صدعنا عظم هامتهِ

ومن همامٍ عليهِ التاجُ جبارِ

ومن عدوٍّ صبحنا الخيلَ عاديةً

في جحفلٍ مثلِ جوزِ الليلِ جرارِ

قوداً مسانيفَ ترقى في أعنتها

مقورةً نقعها يعلو بإعصارِ

لا يخلصُ الظبيُ من هضاءِ جمعهم

ولا يفوتهمُ بالتبلِ ذو الثارِ

صيدُ القرومِ بنو حربٍ قراسيةٌ

من خندفٍ لحصانِ الحجرِ مذكارِ

عزُّ القديمِ وأيامُ الحديثِ لنا

لم نطعمِ الناسَ منا غيرَ أسآرِ

ألقت عليَّ بنو بكرٍ شراشرها

ومن أديمهم من قدَّ أسياري

قد يشتكيني رجالٌ ما أصابهمُ

مني أذى غيرَ أن أسمعتهم زاري

لا صبرَ للثعلبِ الضباحِ ليسَ لهُ

حرزٌ على عدواتِ المشبلِ الضاري

لا تستطيعُ الكدى الأثمادُ راشحةً

مدَّ البحورِ بأمواجٍ وتيارِ

وقال عروة بن أذينة:

أمن حبّ سعدى وتذكارها

حبستَ تبلدُ في دارها

مديماً ونفسكَ معنيةٌ

تكادُ تبوحُ بأسرارها

على اليأسِ من حاجةٍ أضمرت

فشقت عليكَ بأضمارها

وقد أورثت لكَ منها جوىً

نصيباً على بعدِ مزدارها

ألا حبذا كيفَ كانَ الهوى

سعادُ وسالفُ أعصارها

وشرخُ الشبابِ الذي فاتنا

ودنيا تولت بأدبارها

رأت وضحَ الشيبِ في لمتي

فهاجَ تقضيَ أوطارها

فجنت من الشيبِ واسترجعت

وأنفرها فوقَ إنفارها

مباعدةً بعدَ أزمانها

بملحاءِ ريمٍ وأمهارها

فبتت قوى الحبلِ مصبوبةً

على نقضها بعدَ إمرارها

وقد هاجَ شوقكَ بعدَ السلوِّ

مشبوبةٌ من سنا نارها

بثغرةَ يوقدها ربربٌ

كعينِ المها بينَ دوارها

حسانُ السوالفِ بيضُ الوجوهِ

منها الخطى قدرُ أشبارها

تكادُ إذا دامَ طرفُ الجليسِ

يكلمُ رقةَ أبشارها

يطفنَ بخودٍ لباخيةٍ

كشمسِ الضحى تحت أستارها

أجرتكَ حبلكَ في حبها

فطالَ العناءُ بأجرارها

وكم ليلةٍ لكَ أحييتها

قصيرٌ بها ليلُ سمارها

بعونٍ عليهنَّ من بهجةٍ

وحسنِ غضاضةِ أبكارها

خرجنَ إلينا على رقبةٍ

خروجَ السحابِ لأمطارها

بزيٍّ جميلٍ كزهرِ الرياضِ

أشرقَ زاهرُ نوارها

يعدنَ مواعدَ يلوينها

فلا بدَّ من بعدِ إنظارها

فلو معسراتٌ فيدفعننا

بعسرٍ عذرنا بأعسارها

ولكن يجدنَ فيمطلننا

بليِّ الديونِ وإنكارها

ألم تعنكَ الظعنُ الموجعاتُ

حبَّ القلوبِ بأبكارها

على كلِّ وهمٍ طويلِ القرى

وعيهلةٍ عبرِ أسفارها

عراهمُ مرغدةٌ كالصروحِ

قد عدلت بعدَ تهدارها

كأنَّ أزمتها في البرى

أراقمُ نيطت بأذرارها

تفوتُ العيونَ ببعدِ المدى

وتتبعها طرفَ أبصارها

وفتيانِ صدقٍ دعوا للصبى

فشدوا المطي بأكوارها

فهذا لهذا وقل مدحةً

تسيرُ غرائبُ أشعارها

محبرةً نسجها مترصٌ

على حسنها وشيُ أنيارها

لأهلِ الندى وبناةِ العلى

وصيدِ معدٍّ وأخيارها

كنانةُ من خندفٍ قادةٌ

لوردِ الأمورِ وإصدارها

لنا عزُّ بكرٍ وأيامها

ونصرُ قريشٍ وإنصارها

وما عزَّ من حانَ في حربهم

بضغمِ الأسودِ وتهصارها

غلبنا الملوكَ على ملكهم

وفتنا العداةَ بأوتارها

فضلنا العبادَ بكلِّ البلادِ

عزاً أخذنا بأقطارها

وخندفُ تخطرُ من دوننا

ومن ذا يقومُ لتخطارها

وقيسٌ وحيا نزارٍ معاً

بحورٌ تجيشُ بتيارها

أبرت على الناسِ أيامهم

فهم عارفونَ بأبرارها

تقرُّ القبائلُ من طولهم

بفضلٍ فما بعدَ إقرارها

وقال عروة أيضاً:

سرى لكَ طيفٌ زارَ من أمِّ عاصمِ

فأحبب بهِ من زورِ جافٍ مصارمِ

ألمَّ بنا والركبُ قد وضعتهمُ

نواجي السرى قودٌ بأغبرَ قاتمِ

أناخوا فناموا قد لووا بأكفهم

أزمةَ خوصٍ كالسمامِ سواهمِ

فبتُّ قريرَ العينِ ألهو بغادةٍ

طويلةِ غصنِ الجيدِ ريا المعاصمِ

رخيمةُ أعلى الصوتِ خودٌ كأنها

غزالٌ يراعي واشحاً بالصرائمِ

فيا لكَ حسناً من معرسِ راكبٍ

ولذتهِ لو كنتَ لستَ بحالمِ

فطرتُ مروعاً لا أرى غيرَ أينقٍ

وقعنَ بجوٍّ بينَ شعثِ المقادمِ

ثنى سيرهم دأبُ السرى فتجدلوا

عن العيسِ إذا ملوا عناقَ القوادمِ

فقلتُ وأنى من عصيمةَ فتيةٌ

أناخوا بخرقٍ لغباً كالنعائمِ

وقد رجمت شهراً يدورُ بها الكرى

ذوائبهم ميلُ الطلى والعمائمِ

كتمتُ لها الأسرارَ غير مثيبةٍ

ولا تصلحُ الأسرارُ إلاَّ بكاتمِ

فلم تجزني إلا البعادَ فليتني

بذلكَ من مكتومها غيرُ عالمِ

لقد علمت قيسٌ وخندفُ أننا

فسل كلَّ قومٍ علمهم بالمواسمِ

ضربنا معداً قاطبينَ على الهدى

بأسيافنا نذري شؤونَ الجماجمِ

وقمنا على الإسلامِ حتى تبينت

شرائعُ حقٍّ مستقيمِ المخارمِ

وقدنا الجيادَ المقرباتِ على الوجا

إلى كلِّ كلحاً في الشكائمِ

إذا صبحت حياً عليهم ضيافةٌ

بفرسانهم أعضضنهم بالأباهمِ

على كلِّ كردوسٍ يجالدُ حازمٌ

رئيسٌ لمعروفِ الرئاسةِ حازمِ

فوارسها تدعو كنانةَ فيهمِ

صناديدُ نزالونَ عندَ الملاحمِ

ونتبعُ أخراها كتائبَ مصدقٍ

تزيفُ بأولاها حماةُ البوازمِ

مصاليتُ ورادونَ في حمسِ الوغى

ردى الموتِ خواضونَ غبرَ العظائمِ

إذا قرعتنا الحادثاتُ سما لنا

بنوا الحربِ والكافونَ ثقلَ المغارمِ

نجومٌ أضأت في البلادِ بأهلها

وقام بها في الحقِ فيءُ المقاسمِ

ملوكٌ مناجيبُ الفحولِ خضارمٌ

بحورٌ وأبناءُ البحورِ الخضارمِ

بنى ليَ عزَّ المكرماتِ مقدماً

لنا المجدُ آباءٌ بناةُ المكارمِ

لهاميمُ من فرعي كنانةَ مجدهم

تليدٌ لهُ عزُّ الأمورِ الأقادمِ

غلبنا على الملكِ الذي نحنُ أهلهُ

معداً وفضضنا ملوكَ الأعاجمِ

وأنسابنا معروفةٌ خندفيةٌ

فأنى لها بالشتمِ ضرُّ المشاتمِ

سبقنا أضاميم الزمانِ فقد مضى

لنا السبقُ غاياتِ الذكورِ الصلادمِ

ونحنُ أكلنا الجاهليةَ أهلها

غواراً وشذبنا مجيرَ اللطايمِ

وكان لنا المرباعُ غيرَ تنحلٍ

وكل معدٍّ في جلودِ الأراقمِ

مضرينَ بالأعداءِ من كلِّ معشرٍ

نهينُ معاطيسَ الأنوفِ الرواغمِ

إذا رامنا عريضُ قومٍ بشغبةٍ

تذبذبَ عن مرداةِ مجدٍ قماقمِ

ونحنُ على الإسلامِ ضاربَ جمعنا

فأعطيَ فلجاً كلُّ جمعٍ مصادمِ

ونحنُ ولاةُ الأمرِ ما بعدَ أمرنا

مقالٌ ولا مغدىً لخصمٍ مخاصمِ

ورثنا رسولَ اللهِ إرثَ نبوةٍ

ومخلافَ ملكٍ تالدٍ غير دائمِ

وعلياءَ من بيتِ النبيِّ تكنفت

مناسبها حوماتِ أنسابِ هاشمِ

وملكاً خضماً سلَّ بالحقِّ سيفهُ

على الناسِ حتى حازَ نقشَ الدراهمِ

وقامَ بدينِ اللهِ يتلو كتابهُ

على الناسِ منا مرسلٌ جدُّ قائمِ

ففينا الندى والباعُ والحلمُ والنهى

وصولاتُ أيدٍ بادراتِ الجرائمِ

وعزٌّ كنانيٌّ يقودُ خطامهُ

معداً ولم يطمع بهِ حبلُ خاطمِ

لنا مقرمٌ سامٍ يهدُّ هديرهُ

مساماتِ صيدِ المقرباتِ الصلاقمِ

وما زالَ منا للأمورِ مدبرٌ

يقودُ الملوكَ ملكهُ بالخزايمِ

وراعٍ لأعقابِ العشيرةِ حافظٍ

يجودُ بمعروفٍ كثيرٍ لسايمِ

لعمركَ ما زلنا فروعَ دعامةٍ

لنا فضلها المعروفُ فوقَ الدعايمِ

وإني لطلاعُ النجادِ فواردٌ

على الحزمِ قوامٌ كرامُ المقاومِ

عطوفٌ على المولى وإن ساءَ نصرهُ

كسوبُ خلالَ الحمدِ عفُّ المطاعمِ

أبي إذا سيمَ الظلامةَ باسلٌ

عزيزٌ إذا أعيت وجوهُ المظالمِ

ونحنُ أناسٌ أهلُ عزٍّ وثروةٍ

ودفاعُ رجلٍ كالدبا المتراكمِ

مجالسُ فتيانٍ كرامٍ أعزةٍ

ونادي كهولٍ كالنسورِ القشاعمِ

إذا فزعوا يوماً لروعٍ توهست

جيادهمُ بالمعلمينَ الخلاجمِ

صبحناهمُ حرَّ الأسنةِ بالقنا

ضحىً ثمَّ وقعُ المرهفاتِ الصوارمِ

فكانوا خلى حربٍ لنا التهمتهمُ

ونحنُ بنو عصلِ الحروبِ الكواهمِ

وجارٍ منعناهُ فقرَّ جنابهُ

ونامَ وما جارُ الذليلِ بنائمِ

وكنا لهُ ترساً من الخوفِ يتقي

بنا شوكةَ الأعداءِ أهلِ النقايمِ

ومولى ثمالٍ كلُّ حقٍّ يربهُ

على مالهِ حتى تلادِ الكرائمِ

ومعتركٍ بالشرِّ ينظرُ نظرةً

ولا تنطقُ الأبطالُ غيرَ غماغمِ

بهِ قد شهدناهُ وفزنا بذكرهِ

وجئنا بأسلابٍ لهُ وغنائمِ

وأصيدَ ذي تاجٍ غللنا يمينهُ

إلى الجيدِ في يومٍ من الحربِ جاحمِ

فحثَّ حثيثَ الخيلِ يرجمُ عدوهُ

بهِ حثَّ مشبوبٍ من النقعِ هاجمِ

وضيفٍ سرى أرغى هدواً بعيرهُ

ليقرى فعجلنا القرى غيرَ عاتمِ

وكانت لنا دونَ العيالِ ذخيرةً

نخصُّ بها حتى غدا غيرَ لائمِ

وداعٍ لمعروفٍ فزعنا لصوتهِ

بلبيكَ في وجهٍ لهُ غيرِ واجمِ

فخيرتهُ مالاً طريفاً وتالداً

يصونُ بهِ عرضاً لهُ غيرَ نادمِ

وذي شنآنٍ طافَ بي فانتهزتهُ

بنابٍ حديدٍ حينَ يضغمُ كالمِ

فكيف يسامي ماجداً ذا حفيظةٍ

جموحاً على درءِ الألدِّ المراجمِ

لئيمٌ ربا واللؤمُ في بطنِ أمهِ

وقلدهُ في المهدِ قبلَ التمائمِ

أنا ابنُ حماةِ العالمينَ وراثةً

وأعظمهم جرثومةً في الجرائمِ

وأمنعهم داراً وأكثرهم حصىً

وأدفعهم عن جارهِ للمظالمِ

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

أهاجتكَ دارُ الحيِّ وحشاً جنابها

أبت لم تكلمنا وعيَّ جوابها

نعم ذكرتنا ما مضى وبشاشةً

إذا ذكرتها النفسُ طالَ انتحابها

وعيشاً بسعدى لانَ ثمَّ تقلبت

به حقبةٌ غالَ النفوسَ انقلابها

كأن لم يكن ما بيننا كانَ مرةً

ولم تغنَ في تلكَ العراصِ قبابها

ألا لن يعودَ الدهرُ خلةَ بيننا

ولكن إيابُ القارظينِ إيابها

وعهدي بها ذوابةُ الطرفِ تنتهي

إلى رملةٍ منها هيالٍ حقابها

وما فوقهُ لدنُ العسيبِ وشاحهُ

يغني الحشا أثناؤها واضطرابها

وتضحكُ عن حمشِ اللثاثِ كأنما

نشا المسكِ في ذوبِ النسيلِ رضابها

على قرقفٍ شجت بماءِ سحابةٍ

لشربٍ كرامٍ حينَ فتَّ قطابها

لها واردٌ دانٍ على جيد ظبيةٍ

بسائلةٍ ميثاء عفرٍ ذئابها

دعاها طلاً خافت عليهِ بجزعها

كواسبَ لحمٍ لا يمنُّ اكتسابها

إذا سمعت منهُ بغاماً تعطفت

وراعَ إليهِ لبها وانسلابها

ألمت بنا طيفاً تسدى ودونهُ

مخاريقُ حسمى قورها وهضابها

كأنَّ خزامى طلةً ضافها الندى

وفارةَ مسكٍ ضمنتها ثيابها

فكدتُّ لذكراها أطيرُ صبابةً

وغالبتُ نفساً زادَ شوقاً غلابها

إذا اقتربت سعدى لججتَ بهجرها

وإن تغترب يوماً يرعكَ اغترابها

ففي أيِّ هذا راحةٌ لكَ عندها

سواءٌ لعمري نأيها واقترابها

تباعدها عندَ الدنوِّ وربما

دنت ثمَّ لم ينفع وشدَّ حجابها

وفي النأي منها ما علمتَ إذا النوى

تجردَ ناويها وشدت ركابها

كفى حزناً ألاَّ تزالَ مريرةً

شطونٌ بها تهوي يصيحُ غرابها

يقولُ لي الواشونَ سعدى بخيلةٌ

عليكَ معنٍّ ودها وطلابها

فدعها ولا تكلف بها إذ تغيرت

فلم يبقَ إلاَّ هجرها واجتنابها

فقلتُ لهم سعدى عليَّ كريمةٌ

وكالموتِ بلهَ الصرمِ عندي عتابها

فكيفَ بما حاولتمُ إنَّ خطةً

عرضتم بها لم يبقَ نصحاً خلابها

وسعدى أحبُّ الناسِ شخصاً لو أنها

إذا أصقبت زيرت وأجدى صقابها

ولكن أتى من دونها كلمُ العدى

ورجمُ الظنونِ جورها ومصابها

فأمست وقد جذت قوى الحبلِ بغتةً

وهرت وكانت لا تهرُّ كلابها

وعادَ الهوى منها كظلِّ سحابةٍ

ألاحت ببرقٍ ثمَّ مرَّ سحابها

فلا يبعدن وصلٌ لها ذهبت بهِ

ليالٍ وأيامٌ عناناً ذهابها

ولا لذةُ العيش الذي لن يردهُ

على النفسِ يوماً حزناً واكتئابها

ولا عبراتٌ يترعُ العينَ فيضها

كما فاضَ من شكٍّ الصناع طبابها

إذا أغرقت إنسانها وسوادهُ

تداعى بملءِ الناظرين انسكابها

ومن حبِّ سعدى لا أقولُ قصيدةً

أرشحها إلاَّ لسعدى شبابها

لها مهلٌ من ودنا ومحلةٌ

من القلبِ لم تحلل عليها شعابها

فإن تكُ قد شطت بها غربةُ النوى

وشرفَ مزداراً عليكَ انتيابها

فقد كنتَ تلقاها وفي النفسِ حاجةٌ

على غيرِ عينٍ خالياً فتهابها

وتشفقُ من إحشامها بمقالةٍ

إذا حضرت ذا البثِّ غلقَ بابها

فلا وأبيها ما دعانا تهالكٌ

إلى صرمها إن عنَّ عنا ثوابها

وما زال يثنيني على حبِّ غيرها

وإكرامهِ إكرامها وحبابها

وقولي عسى أن تجزني الودَّ أو ترى

فتعتبَ يوماً كيفَ دأبي ودأبها

وكم كلفتنا من سرى حدِّ ليلةٍ

حبيبٌ إلى الساري المجدِّ انجيابها

كأن على الأشرافِ ضربَ جليدةٍ

ندائفَ برسٍ جللتهُ حدابها

ومن فورِ يومٍ ناجمٍ متضرمٍ

بأجوازِ موماةٍ تعاوى ذئابها

يظلُّ المها فيها إلى كلِّ مكنسٍ

دموحاً إذا ما الشمسُ سالَ لعابها

ووالى الصريرَ الجندبُ الجونُ وارتقت

حرابيُّ في العيدانِ حانَ انتصابها

تكادُ إذا فارت على الركبِ تلتظي

وديقتها يشوي الوجوهَ التهابها

قطعتُ بمجذامِ الرواحِ شملةٍ

إذا باخَ لوثُ العيسِ ناجٍ هيابها

سفينةُ برٍّ حينَ يستوقدُ الحصى

ويزدالُ في البيدِ الشخوصَ سرابها

وإني لمن جرثومةٍ تلتقي الحصى

عليها ومن أنسابِ بكرٍ لبابها

ومن مالكٍ آل القلمسِ فيهم

لنا سرُّ أعراقٍ كريمٍ نصابها

وعبدُ مناةَ الأكثرونَ لعزهم

بوادرُ يخشى حدها وذبابها

عرانينُ تنميها كنانةُ قصرةً

نصابُ قريشٍ في الأرومِ نصابها

وفرعُ قريشٍ فرعنا وانتسابنا

إلى والدٍ محضٍ إليهِ انتسابها

قرابتنا من بينِ كلِّ قرابةٍ

وليس بدعوى جلَّ عنها اجتلابها

ومكةُ من ينكر من الناسِ يلقنا

بمعرفةٍ بطحاؤها وخشابها

فنحنُ خيارُ الناسِ كلُّ قبيلةٍ

تذلُّ بما نقضي عليها رقابها

ورثنا رسولَ اللهِ بعدَ نبوةٍ

خلافةُ ملكٍ لا يرامُ اغتصابها

وعدلاً وحكماً تنتهي عندَ فضلهِ

ونخمدُ نارَ الحربِ يصرفُ نابها

وما جبلٌ إلاَّ لنا فوقَ فرعهِ

فروعُ جبالٍ مشمخرٌّ صعابها

وهل أحدٌ إلاَّ وطئنا بلادهُ

بملمومةِ الأركانِ ذاكٍ شهابها

كتائبُ قد كادت كراديسُ خيلها

يسدُّ استجاراً مطلعَ الشمس غابها

لو أنَّ جموعَ الجنِّ والإنسِ أجلبت

لنا صدها عما تريدُ ضرابها

لنا نسبٌ محضٌ وأحلامُ سادةٍ

بحورٌ لدى المعروفِ طامٍ عبابها

وألويةٌ يمشونَ للموتِ تحتها

إذا خفقت مشيَ الأسودِ عقابها

همُ يحلبون الحربَ أخلافَ درها

ويمرونها حتى يغيضَ حلابها

وهم خيرُ من هزَّ المطي وأقصرت

جمار منى يوماً ولفت حصابها

وأكرمُ من يمشي على الأرضِ صفيت

لهم طيبةٌ طابت وطابَ ترابها

ملوكٌ يدينونَ الملوكَ إذا أبوا

فلم يأذنوا لم يرجَ كرهاً خطابها

وما في يدٍ نلنا بها من ذا حميةٍ

وإن ذاقَ طعمَ الذلِّ إلا احتسابها

إذا ما رضوا كان الرضاءُ رضاءهم

وإن غضبوا أوهى الأديمَ غضابها

ولولاهمُ لم يهتدِ الناسُ دينهم

وضلوا ضلالَ النيبِ تعوي سقابها

ولم يهلكوا إلاَّ على جاهيلةٍ

عصاها عليهم ترتبٌ وعذابها

ولكن بها بعدَ الإلهِ تبينوا

شرائعَ حقٍّ كانَ نوراً صوابها

وما أخذت في أولِ الأمرِ عصبةٌ

لنا صفرت من نصحِ جيبٍ عيابها

ونحنُ وجوهُ المسلمينَ وخيرهم

نجاراً كما خيرُ الجيادِ عرابها

وقال عروة بن أذينة:

صرمتَ سعيدةَ صرماً نجاثا

ومنتكَ عاجلَ بذلٍ فراثا

وأصبحتَ كالمستبيثِ الجوادِ

فينا فأوجعهُ ما استباثا

كذي الكلمِ داملهُ ثمَّ خافَ

منهُ خلافَ الجفوفِ انتكاثا

وللصرمِ هولٌ على ذي الهوى

وإن لجَّ يدعو إليهِ احتثاثا

إذا ذاقهُ لم يجد راحةً

تعدى ولم يلقَ منهُ غياثا

وعهدي بسعدى لها بهجةٌ

كأمِّ الأديغمِ تقرو براثا

تنسسهُ وترى أنهُ

صغيرٌ وقد رشحتهُ ثلاثا

خلالَ ظلالِ أراكِ الأميلِ

يجني بريراً وطوراً كباثا

وما ذكرُ سعدى وقد باعدت

وعادَ قوى الحبلِ منها رماثا

لعمري لئن ربعُ سعدى عفا

بشوظى لقد ضمَّ بيضاً دماثا

فبنَّ وفيهنَّ ما لو أقامَ

أقللتُ عمن يبينُ اكتراثا

كأنَّ القلائدَ في جيدها

إلى حيثُ يعقدُ منها الرعاثا

منَ الدرِّ يحفلُ ياقوتهُ

كجمر الغضا يتلظى مجاثا

على ظبيةٍ مغزلٍ أشرفت

لخشفٍ لها لم يلحها ارتغاثا

وقد أضمنُ السرَّ مستودعاً

يسايلُ من سالَ عنهُ نقاثا

وأطوي الخليلَ على حالةٍ

إذا ضمنَ السرَّ إلا انقباثا

وضيفٍ خرجتُ إلى صوتهِ

أرحبُ لم ير مني التباثا

أناخَ فعجلتُ حقَّ القرى

وكنتُ بهِ لا أحبُّ اللباثا

ومولى مسيءٍ إلى نفسهِ

كحاثي التراب عليهِ انبثاثا

يضلُّ عن الرشدِ في رأيهِ

ويأبى إلى الغي إلاَّ انخثاثا

أقمتُ لهُ الزيغَ من رأيهِ

وبالخيرِ نحوي منَ الشرِّ لاثا

وقومٍ غضابِ ولم أشكهم

تغشونني حسداً وابتحاثا

ويهدونَ لي منهمُ غيبةً

يعضلُ دوني عوجاً رثاثا

أمرُّ فيغضونَ من ظنتي

كأنهمُ يكلحونَ الكراثا

وتعطي المحاولَ تحميلهم

خلائق منهم لئاماً خباثا

لهم مجلسٌ يهجرونَ التقى

وينتجثونَ القبيحَ انتجاثا

إذا أصبحوا لم يقولوا الخنا

ولم يأكلوا الناسَ أضحوا غراثا

تجاوزتُ عن جهلهم رغبةً

وهم يعرضونَ لحوماً غثاثا

ولو شئتُ نحيتُ عيدانهم

عن النبعِ لم يكُ صمَّ اعتلاثا

ولكن نرى الحلمَ فضلاً ولا

نحاولُ قطعَ الأصولِ اجتثاثا

ونزلتهم قدرَ أحسابهم

موالي كانوا لنا أو تراثا

نكون لهم خطراً مثلهم

ومن شاءَ خارَ بقولٍ وهاثا

إذا كانَ ليثُ الشرى ثعلباً

وأصبحَ صقرٌ عتيقٌ بغاثا

أعدُّ أسامةَ أو ذا الشياحِ

بلعاءَ في رهطهم أو قباثا

ألاكَ بنو الحربِ مشبوبةٍ

تجرُّ الدماءَ وتلغي المغاثا

صناديدُ غلبٌ كأسدِ الغريفِ

خضماً وهضماً وضغماً ضباثا

ولسنا كمن ينثني صدقهُ

كأنَّ العدوَّ بهِ الملحَ ماثا

تطيعُ إذا النصحُ يوماً بدا

وتأبى مراراً فتعصي حناثا

تم المختار من شعر عروة ابن أذينة الكناني الليثي^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي