منتهى الطلب من أشعار العرب/كثير بن عبد الرحمن

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

كثير بن عبد الرحمن

كثير بن عبد الرحمن - منتهى الطلب من أشعار العرب

كثير بن عبد الرحمن وهو حبي وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعيّ يمدح عبد الملك بن مروان:

خليليَّ إنْ أمُّ الحكيمِ تحمّلتْ

وأخلتْ لخيماتِ العذيبْ ظلالَها

فلا تسقِياني من تهامةَ بعدَها

بلالاً وإنْ صوبُ الرَّبيعِ أسالَها

وكنتمْ تزينونَ البلاطَ ففارقتْ

عشيّةَ بنتُمْ زينها وجمالها

فقد أصبحَ الرّاضون إذ أنتمُ بها

مسوسُ البلادِ يشتكونَ وبالها

فقد أصبحتْ شتّى تبثُكَ ما بها

ولا الأرضَ ما يشكو إليكَ احتلالها

إذا شاءَ أبكتْهُ منازلُ قد خلتْ

لعزَّةَ يوماً أو مناسبُ قالَها

فهل يصبحنْ يا عزُّ من قد قتلتهِ

منَ الهمِّ خلواً نفسهُ لا هوىً لها

وما أنسَ ملْ أشياء لا أنسَ ردَّها

غداةَ الشَّبا أجمالهَا واحتمالَها

وقد لقَّنا في أوَّلِ الدَّهرِ نعمةٌ

فعشنا زماناً آمنينَ انفتالَها

كآلفةٍ إلفاً إذا صدَّ وجهَةً

سوى وجههِ حنَّتْ لهُ فارعوى لها

فلستُ بناسيها ولستُ بتاركٍ

إذا أعرضَ الأدمُ الجوازي سؤالها

أأدرِكُ من أمِّ الحكيِّمِ غبطَةً

بها خبَّرتني الطّيرُ أم قد أنى لَها

أقولُ إذا ما الطّيرُ مرَّتْ سحيقةً

لعلّك يوماً فانتظرْ أنْ تنالَها

فإنْ تكُ في مصرٍ بدارِ إقامةٍ

مجاورةً في السّاكنينَ رمالَها

ستأتيكَ بالرُّكبان خوضٌ عوامدٌ

يعارضنَ مبراةً شددْتُ حبالها

عليهنَّ معتمُّون قد وهبُوا لَها

صحابتَهُمْ حتّى تجذّ وصالَها

متى أخشىَ عدوَى الدّار بيني وبينها

أصلْ بنواحِي النّاجياتِ حبالَها

على ظهرِ عاديٍّ تلوحُ متونُهُ

إذا العيسُ عالتهُ اسبطرَّ فعالها

وحافيةٍ منكوبةٍ قدْ وقيتُها

بنعلي ولم أعقدْ عليها قبالَها

لهنَّ منَ النَّعلِ الذي قدْ حذوْتُها

منَ الحقِّ لو دافعتُها مثلُ ما لها

إذا هبطتْ وعثاً من الخطّ دافعتْ

عليها رذايا قد كللْنَ كلالَها

إذا رحلَتْ منها قلوصٌ تبغمتْ

تبغُمَ أمِّ الخشفِ تبغي غزالَها

تذكّرِتُ أنَّ النَّفسَ لم تسلُ عنكُمُ

ولم تقضِ منْ حبِّي أميَّةَ بالها

وأنّي بذي دورانَ تلقَى بكَ النّوى

على بردى تظعانَها فاحتمالَها

أصاريمَ حلّتْ منهمُ سفْحَ راهطٍ

فأكنافَ تبنى مرجها فتلالَها

كأنَّ القيانَ الغرَّ وسطَ بيوتِهمْ

نعاجٌ بجوٍّ منْ رماحَ خلا لَها

لهمْ أندياتٌ بالعشِيِّ وبالضُّحَى

بهاليلُ يرجُو الرّاغبونَ نوالَها

كأنّهمُ قصراً مصابيحُ راهبٍ

بموزنَ روّى بالسّليط ذبالها

يجوسُونَ عرضَ العبقريَّةِ نحوَها

تمسُّ الحواشِي أو تلمَّ نعالَها

همُ أهلِ ألواحِ السَّرير ويمنَةٌ

قرابينُ أردافاً لها وشمالها

يحيّون بهلولاً به ردَّ ربَّهُ

إلى عبد شمسٍ عزَّها وجمالَها

مسائحُ فوديْ رأسهِ مسبغلّةٌ

جرَى مسكُ دارينَ الأحمُّ خلالها

أحاطتْ يداهُ بالخلافةِ بعدَما

أرادَ رجالٌ آخرونَ اغتيالَها

فما تركُوها عنوةً عنْ مودَّةٍ

ولكنْ بحدِّ المشرفيّ استقالَها

هو المرءُ يجزي بالمودَّة أهلها

ويحذُو بنعلِ المستثيبِ قبالَها

بلوهُ فأعطوهُ المقادةَ بعدَما

أدبَّ البلادَ سهلَها وجبالها

مقانبَ خيلٍ لا تزالُ مطلَّةً

عليهمْ فملُّوا كلَّ يومٍ قتالَها

دوافعَ بالرَّوحاءِ طوراً وتارَةً

مخارمَ رضْوى مرجَها فرمالَها

يقيِّلنَ بالبزواءِ والجيشُ واقفٌ

مزادَ الرَّوايا يصطببنَ فضالَها

وقدْ قابلتْ منها ثرىً مستثيلةً

مباضعَ في وجهِ الضُّحَى فثعالَها

يعاندنَ في الأرسانِ أجوازَ برزةٍ

عتاقَ المطايا مسنفاتٍ حبالَها

فغادرنَ عسبِ الوالقيّ وناصحٍ

تخصُّ به أمُّ الطَّريق عيالها

على كلِّ خنذيذِ الضُّحى متمطّرٍ

وخيفانةٍ قدْ هذَّبَ الجرْيُ آلَها

وخيلٍ بعاناتٍ فسنِّ سميرةٍ

لهُ لا يردُّ الذّائدونَ نهالَها

إذا قيلَ خيلُ الله يوماً ألا اركبي

رضيتُ بكفِّ الأردنيّ انسحالَها

إذا عرضتْ شهباءُ خطّارةُ القنا

تريكَ السّيوفَ هزَّها واستلالَها

رميتَ بأبناءِ الفقيميّةِ الوغَى

يؤمّونَ مشيَ المشبلاتِ ظلالها

كأنَّهمُ آسادُ حليةَ أصبحتْ

خوادرَ تحمِي الخلَّ ممّنْ دنا لَها

إذا أخذوا أدراعَهًم فتسربَلُوا

مقلّصَ مسرودَاتِها ومذالَها

رأيتَ المنايا شارعاتٍ فلا تكنْ

لها سنناً نصباً وخلِّ مجالَها

وحربٍ إذا الأعداءُ أنشتْ حياضَها

وقلّبَ أمراسُ السّوانِي محالَها

وردتَ على فرّاطِهمْ فدهمتهُمْ

بأخطارِ مَوتٍ يلتهِمنَ سجالَها

وقاريةٍ أحواضَ مجدِكَ دونَها

ذياداً يبيلُ الحاضِناتِ سِخالَها

وشهباءَ تردي السّلوقيّ فوقَها

سَنا بارِقاتٍ تكرَهُ العينُ خالَها

قصدتَ لها حتَّى إذا ما لقيتَها

ضربْتَ ببُصرِيّ الصّفيحِ قذالَها

وكنتَ إذا نابتْكَ يوماً ملمَّةٌ

نبلْتَ لها أبا الوليدِ نِبالَها

سموتَ فأدركتَ العلاءَ وإنّما

يلقّى عليّاتِ العلا من سَما لَها

وصلْتَ فنالتْ كفُّكَ المجدَ كلّهُ

ولمْ تبلُغِ الأيدي السَّوامي مصالَها

على ابن أبي العاصي دلاصٌ حصينةٌ

أجادَ المسدّي سردَها وأذالَها

يؤودُ ضعيفَ القومِ حملُ قتيرها

ويستضلعُ الطّرفَ الأشمَّ انشلالَها

وسوداءَ مطراقٍ إلى آمن الصّفا

أبيٍّ إذا الحاوي دنا فصدَا لَها

كففتَ يداً عنْها وأرضيتَ سمعَها

من القولِ حتّى صدّقتهُ وعالَها

وأشعرتَها نفْثاً بليغاً فلو ترَى

وقد جعلَتْ أنْ ترعِيَ النَّفسَ بالَها

تسلَّلتُها من حيثُ أدركَها الرُّقى

إلى الكفِّ لمَّا سالمَتْ وانسلالَها

وإنّي امرؤٌ قد كنتُ أحسنتُ مرّةً

وللمرءِ آلاءٌ عليَّ استطالَها

فأقسمُ ما منْ خلّةٍ قدْ خبرتُها

من النّاس إلاّ قدْ فضلتَ خلالَها

وما ظنّةٌ في جنبكَ اليومَ منهمُ

أزنُّ بها إلا اضطلَعتَ احتمالَها

وكانوا ذوي نعمَى فقدْ حالَ دونَها

ذوُو أنعُمٍ فيها مضى فاستحالَها

فلا تكفرُوا مروانَ آلاءَ فعلهِ

بني عبدَ شمسٍ واشكرُوهُ فعالَها

أبوكمْ تلافَي قبَّةَ الملكِ بعدَما

هوى سمكُها وغيَّر النّاسُ حالَها

إذا النَّاسُ سامُوها حياةً زهيدَةً

هي القتلُ والقتلُ الذي لا شوى لَها

أبى اللهُ للشّمِّ الآلاءِ كأنَّهمْ

سيوفٌ أجادَ القينُ يوماً صقالَها

فلله عيناً من رأى من عصابةٍ

تناضلُ عن أحسابِ قومٍ نضالها

وإنَّ أميرَ المؤمنينَ هوَ الذي

غزا كامناتِ النُّصحِ منّي فنالَها

وإنّي مدلٌّ أدَّعي أنَّ صحبةً

وأسبابَ عهدٍ لم أقطّعْ وصالَها

فلا تجعلنِّي في الأمورِ كعصبَةٍ

تبرّأتُ منها إذ رأيتُ ضلالَها

عدوٍّ ولا أحرَى صديقٍ ونصحُها

ضعيفٌ وبثُّ الحقِّ لمّا بدا لها

تبلّجَ لمّا جئتُ وأخضَرَّ عودُهُ

وبلَّ وسيلاتِي إليهِ بلالَها

وقال كثير أيضاً، وحكى أنه قال: هي خير قصائدي:

ألا يا لقومٍ للنَّوى وانفتالها

وللصّرمِ من أسماءَ ما لم تدالِها

على شيمةٍ ليست بجدِّ طليقةٍ

إلينا ولا مقلِيَّةٍ من شمِالها

هو الصَّفحُ منها خشيةً أن تلومها

وأسبابُ صرمٍ لم تقعْ بقبالها

ونحنُ على مثلٍ لأسماءَ لم نجزْ

إليها ولم تقطعْ قديمَ خلالِها

وشوقِي إذا استيقنتُ أن قدْ تخيَّلتْ

لبينِ نوى أسماءُ بعضَ اختيالِها

وأسماءُ لا مشنُوعةٌ بملامةٍ

إلينا ولا معذورةٌ باعتلالِها

وإنّي على سقمِي بأسماءَ والّذي

تراجعُ منِّي النِّفسُ بعدَ اندِمالها

لأرتاحُ من أسماءَ للذِّكرِ قدْ خلا

وللرَّبعِ من أسماءَ بعدَ احتمالها

وإنْ شحطتْ يوماً بكيتُ وإنْ دنَتْ

تذلّلْتُ واستكثرتُها باعتزالِها

وأجمعُ هجراناً لأسماءَ إنْ دنتْ

بها الدَّارُ لا من زهدةٍ في وصالِها

فما وصلَتنا خلّةٌ كوصالِها

ولا ما حلتْنا خلَّةٌ كمحالِها

فهل تجزينْ أسماءُ أورقَ عودُها

ودامَ الذي تثرَي به من جمالِها

حنيني إلى أسماءَ والخرقُ دونَها

وإكرامِيَ القومَ العدَى منْ جلالِها

هل أنتَ مطيعِي أيَّها القلبُ عنوةً

ولم تلحُ نفْساً لم تلَمْ في احتيالِها

فتجْعلَ أسماءَ الغداةَ كحاجَةٍ

أجمَّتْ فلمّا أخلفتْ لمْ تبالِها

وتجهلَ من أسماءَ عهدَ صبابَةٍ

وتحذُوَها مِن نعلِها بمثالِها

لعمرُ أبي أسماءَ مادام عهدُها

على قولَها ذاتَ الزُّمَين وحالِها

وما صرمَتْ إذ لم تكنْ مستثيبَةً

بعاقبةٍ حبلَ امرئٍ من حبالِها

فواعجباً من شوبها عذبَ مائِها

بملحٍ وما قد غيَّرتْ من مقالها

ومن نشرِها ما حمّلتْ من أمانةٍ

ومن وأيها بالوعدِ ثمَّ انتقالها

وكنّا نراها باديَ الرَّأي خلَّةً

صدُوقاً على ما أعطيتْ من دلالِها

وليلةِ شفَّانٍ يبلُّ ضريبُها

بنا صفحاتِ العِيسِ تحتَ رحالِها

سريتُ ولولا حبُّ أسماءَ لم أبتْ

تهزهزُ أثوابي فنونُ شمالِها

وقال كثير أيضاً:

ألا حيِّيا ليلى أجدَّ رحيلي

وآذنَ أصْحابي غداً بقفُولِ

تبدَّت لهُ ليلى لتغْلِبَ صبرَهُ

وهاجتكَ أمُّ الصَّلتِ بعدَ ذهولِ

أريد لأنسَى ذكرَها فكأنّما

تمثّل لي ليلى بكلِّ سبيلِ

إذا ذكرتْ ليلى تغشّتكَ عبرَةٌ تعلُّ بها العينانِ بعدَ نهولِ

وكم من خليلٍ قال لي لو سألتَها

فقلتُ نعم ليلى أضنُّ بخيلِ

وأبعدهُ نيلاً وأوشكُهُ قلىً

وإنْ سئلتْ عرفاً فشرُّ مسولِ

حلفتُ بربِّ الرّاقصاتِ إلى منىً

خلالَ الملا يمددنَ كلَّ جديلِ

تراها وِفاقاً بينهنَّ تفاوتٌ

ويمددنَ بالإهلالِ كلَّ أصيلِ

تواهقْنَ بالحجّاج منْ بطنِ نخلةٍ

ومن عزورٍ والخبتِ خبتِ طويلِ

بكلِّ حرامٍ خاشعٍ متوجِّهٍ

إلى اللهِ يدعوهُ بكلِّ نقيلِ

على كلِّ مذعانِ الرّواحِ معيدَةٍ

ومخشيّةٍ ألاّ تعيدَ هزيلِ

شوامذَ قدْ أرتجنَ دونَ أجنّةٍ

وهوجٍ تبارَى في الأزمَّةٍ حولِ

يمينَ امرئٍ مستغلطٍ بأليَّةٍ

ليكذبَ قيلاً قدْ ألحَّ بقيلِ

لقد كذبَ الواشونَ ما بحتُ عندهمْ

بليلى ولا أرسلتُهُمْ برسولِ

فإن جاءكِ الواشُون عنّي بكذبَةٍ

فروها ولم يأتوا لها بحويلِ

فلا تعجلِي يا ليلَ أنْ تتفَهَّمي

بنصحٍ أتى الواشونَ أم بحبولِ

وإنْ طبتِ نفساً بالعطاءِ فأجز لي

وخيرُ العطايا ليلَ كلُّ جزيل

وإلاَّ فإجمالٌ إليَّ فإنّني

أحبُّ من الأخلاقِ كلَّ جميلِ

فإنْ تبذلي لي منك يوماً مودّةً

فقدماً صنعتُ القرضَ عندَ بذولِ

وإنْ تبخلي يا ليلَ عنِّي فإنني

توكّلنِي نفسِي بكلِّ بخيلِ

ولستُ براضٍ من خليلي بنائلٍ

قليلٍ ولا راضٍ لهُ بقليلِ

وليس خليلي بالملول ولا الّذي

إذا غبتُ عنه باعني بخليلِ

ولكن خليلي منْ يدومُ وصالُهُ

ويحفظُ سرِّي عندَ كلِّ دخيلِ

ولم أرّ من ليلى نوالاً أعدُّهُ

ألا ربَّما طالبتَ غيرَ منيلِ

يلومكَ في ليلَى وعقلكَ عندَها

رجالٌ ولم تذهبْ لهمْ بعقولِ

يقولون ودِّعْ عنكَ ليلَى ولا تهِمْ

بقاطعةِ الأقرانِ ذاتِ حليلِ

فما نقعتْ نفسِي بما أمروا بهِ

ولا عجتُ من أقوالهِمُ بفتيلِ

تذكرتُ أترابَاً لعزَّةَ كالمَها

حبينَ بليطٍ ناعمٍ وقبولِ

وكنتُ إذا لاقيتُهُنَّ كأنني

مخالطةٌ عقلي سلافُ شمُولِ

تأطَّرنَ حتَّى قلتُ لسنَ بوارِحاً

رجاءَ الأمانِي أنْ يقلنَ مقيلِي

فلأياً بلأيٍ ما قضينَ لُبانةُ

من الدّارِ واستقللنَ بعدَ طويلِ

فلمّا رأى واستيقنَ البينَ صاحبي

دعا دعوةً يا حبتَرَ بنَ سلولِ

وقلتُ وأسررتُ النّدامةَ ليتني

وكنتُ امرأٌ أغتشُّ كلَّ عذولِ

سلكتُ سبيلَ الرّائحاتِ عشيَّةً

مخارمَ نصْعٍ أو سلكْنَ سبيلِي

فأسعدتُ نفساً بالهوَى قبل أنْ ترَى

عوادِيَ نأيٍ بينَنا وشغُولِ

ندمتُ على ما فاتِني يومَ بينِهمْ

فوا حسرَتا ألاَّ يرينَ عويلِ

كأنَّ دموعَ العينِ واهيةُ الكُلَى

وعتْ ماء غربٍ يومَ ذاكَ سجيلِ

تكنَّفَها خرقٌ تواكلنَ خرزَها

فأرخينَهُ والسيَّرُ غيرُ بجيلِ

أقيمي فإنَّ الغورَ يا عزَّ بعدَكمْ

إليَّ إذا ما بنتِ غيرُ جميلِ

كفَى حزناً للعينِ أنْ راءَ طرفُها

لعزَّةَ عيراً آذنت برحيلِ

وقالوا نأتْ فاخترْ من الصبَّرِ والبُكا

فقلتُ البُكا أشفَى إذن لغليلي

فولَّيتُ محزوناً وقلتُ لصاحبي

أقاتلتي ليلَى بغيرِ قتِيلِ

لعزَّةَ إذ يحتلُّ بالخيفِ أهلُها

فأوحشَ منها الخيفُ بعدَ حلولِ

وبدِّل منها بعدَ طولِ إقامةٍ

تبعُّتَ نكباء العشِيِّ جفولِ

لقدْ أكثرَ الواشونَ فينا وفيكمُ

ومالَ بنا الواشون كلَّ ممِيلِ

وما زلتُ في ليلَى لدُنْ طرَّ شاربي

إلى اليومِ كالمقصَى بكلِّ سبيلِ

وقال كثير يمدح عزة وكان يحبها:

خليلَيَّ هذا ربعُ عزَّةَ فاعقِلا

قلوصَيْكما ثمَّ أبكيا حيثُ حلَّتِ

وما كنْتُ أدرِي قبلَ عزَّةَ ما البُكا

ولا موجعاتِ القلبِ حتَّى تولَّتِ

وما أنصفَتْ أمّا النِّساءُ فبغّضتْ

إلينا وأمّا بالنَّوالِ فضنَّتِ

فقدْ حلفَتْ جُهداً بما نحرتُ لهُ

قريشُ غداةَ المأزمينَ وصلَّتِ

أنادِيك ما حجَّ الحجيجُ وكبَّرَتْ

بفيفاء آلٍ رفقةٌ وأهلَّتِ

وكانتْ لقطعِ الحبلِ بيني وبينها

كتاذرةٍ نذراً وفتْ فأحلَّتِ

فقلتُ لها يا عزَّ كلُّ مصيبةٍ

إذا وطِّنتْ يوماً لها النَّفس ذلَّتِ

ولم يلقَ إنسانٌ من الحبِّ ميعةً

تغمُّ ولا عمياءَ إلاَّ تجلَّتِ

فإنْ سألَ الواشُونَ فيمَ صرمتَها

فقلْ نفسُ حرٍّ سُلِّيتْ فتَسلتِ

كأنِّي أنادِي صخرةً حينَ أعرضتْ

منَ الصّمِّ لو تمشِي بها العصمُ زلّتِ

صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً

فمنْ ملَّ مِنها ذلكَ الوصلَ ملَّتِ

أباحتْ حمىً لم يرعَهُ النّاسُ قبلَها

وحلَّتَ تلاعاً لم تكنْ قبلُ حلَّتِ

فليتَ قلوصي عندَ عزَّةَ قيّدتْ

بحبلٍ ضعيفٍ عرَّ منها فضلّتِ

وغودرَ في الحيّ المقيمينَ رحلُها

وكانَ لها باغٍ سوايَ فبلَّتِ

وكنتُ كذيِ الظّلعِ لمّا تحاملتْ

على ظلْعها بعدَ العثارِ استقلّتِ

أريدُ الثّواءَ عندَها وأظُنّها

إذا ما أطلنا عندَها المكثَ ملَّتِ

يكلّفها الخنزيرُ شتمي وما بها

هوانِي ولكنْ للمليكِ استذلّتِ

هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ

لعزَّةَ من أعراضنا ما استحلَّتِ

واللهِ ما قاربتُ إلاَّ تباعدَتْ

بصرمٍ ولا أكثرتُ إلاَّ أقلَّتِ

ولي زفراتٌ لو يدمنَ قتلنني

توالي التي تأتي المنى قد تولَّتِ

فإنْ تكنِ العتَبى فأهلاً ومرحباً

وحقَّتْ لها العتبى لدينا وقلَّتِ

وإنْ تكنِ الأخرَى فإنَّ وراءَنا

بلاداً إذا كلّفتُها العيسَ كلَّتِ

خليليَّ إنَّ الحاجبيَّةَ طلَّحتْ

قلُوصيكُما وناقتِي قدْ أكلَّتِ

فلا يبعدنْ وصلٌ لعزَّةَ أصبحتْ

بعاقبةٍ أسبابُهُ قدْ تولَّتِ

أسيئي بنا أو أحسنِي لا ملومَةً

لدينا ولا مقليّةً إنْ تقلَّتِ

ولكنْ أنيلِي واذكُرِي من مودَّةٍ

لنا خلَّةً كانت لديكُم فضلَّتِ

وإنِّي وإنْ صدَّتْ لمُثنٍ وصادقٌ

عليها بما كانتْ لدينا أزلَّتِ

فما أنا بالدّاعي لعزَّةَ بالرَّدى

ولا شامتٍ إنْ نعلُ عزَّةَ زلَّتِ

فلا يحسبِ الواشونَ أنَّ صابتِي

بعزَّةَ كانتْ غمرةً فتجلَّتِ

فأصبحتُ قد أبللتُ من دنفٍ بها

كما أدنفتْ هيماءُ ثمَّ استبلّتِ

فواللهِ ثمَّ اللهِ لا حلَّ بعدها

ولا قبلها من خلَّةٍ حيثُ حلَّتِ

وما مرَّ منْ يومٍ عليَّ كيومها

وإنْ عظمتْ أيامُ أخرى وجلَّتِ

وحلَّتْ بأعلَى شاهقٍ من فؤادهِ

فلا القلبُ يسلاها ولا النَّفسُ ملَّتِ

فوا عجباً للقلبِ كيفَ اعترافُهُ

وللنّفسِ لمّا وطّنت فاطمأنّتِ

وإني وتهيامي بعزَّةَ بعدما

تخلّيتُ ممّا بيننا وتخلَّتِ

لكالمرتجي ظلَّ الغمامةٍ كلَّما

تبوّأ منها للمقيل اضمحلّتِ

كأنّي وإيّاها سحابةُ ممحلٍ

رجاها فلمّا جاوزتهُ استهلَّتِ

وقال كثير يمدح بشر بن مروان، وأمه قطية بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب:

ألمْ تربعْ فتخبرُكَ الطُّلولُ

ببينةَ رسمُها رسمٌ محيلُ

تحمَّلَ أهلُها وجرى عليها

رياحُ الصَّيفِ والسَّربُ الهطولُ

تحنُّ بها الدَّبورُ إذا أربَّتْ

كما حنَّتْ مولَّهةٌ عجولُ

تعلٌّقَ ناشئاً من حبِّ سلمى

هوىً سكنَ الفؤادَ فما يزولُ

سبتني إذْ شبابي لمْ يعقّبْ

وإذ لا يستبلُّ لها قتيلُ

فلم يمللْ مودَّتها غلاماُ

وقد ينسى ويطّرفُ الملولُ

فأدرككَ المشيبُ على هواها

فلا شيبٌ نهاكَ ولا ذهولُ

تصيدُ ولا تصادُ ومن أصابتْ

فلا قوداً وليسَ به حميلُ

هجانُ اللّونِ واضحةُ المحيّا

قطيعُ الصّوتِ آنسةٌ كسولُ

وتبسِمُ عن أغرَّ لهُ غروبٌ

فراتِ الرِّيقِ ليسَ بهِ فلولُ

كأنَّ صبيبَ غاديةٍ بلصبٍ

تشجُّ بهِ شآميةٌ شمولُ

على فيها إذا الجوزاءُ كانتْ

محلّقةً وأردفَها رعِيلُ

فدعْ ليلَى فقدْ بخلَتْ وصدَّتْ

وصدِّعَ بينَ شعبينا الشّكولُ

وأحكِمْ كلَّ قافيةٍ جديدٍ

تخبِّرُها غرائبَ ما تقولُ

لأبيضَ ماجدٍ تهدِي ثناءً

إليهِ والثَّناءُ له قليلُ

أبي مروانَ لا تعدِلْ سواهُ

به أحداً وأينَ بهِ عديلُ

بطاحيٌّ له نسبٌ مصفَّى

وأخلاقٌ لها عرضٌ وطولُ

فقدْ طلبَ المكارمَ فاحتواها

أغرُّ كأنَّهُ سيفٌ صقيلُ

تجنَّبَ كلَّ فاحشةٍ وعيبٍ

وصافي الحمدَ فهوَ لهُ خليلُ

إذا السّبعونَ لم تسكتْ وليداً

وأصبحَ في مباركها الفحولُ

وكانَ القطرُ أجلاباُ وصرّاً

تهبُّ به شآميةٌ بليلُ

فإنَّ بكفّهِ ما دامَ خيّاً

من المعروفِ أوديةٌ تسيلُ

تقولُ حليلتي لمّا رأتنِي

أرقتُ وضافني همٌّ دخيلُ

كأنَّك قدْ بدا لكَ بعدَ مكثٍ

وطولِ إقامةٍ فينا رحيلُ

فقلتُ أجلَ فبعضَ اللَومِ إنّي

قديماً لا يلائمني العذولُ

وأبيضَ ينعسُ السِّرحانُ فيهِ

كأنَّ بياضهُ ريطٌ غسيلُ

خدتْ فيهِ برحلِي ذاتُ لوثِ

منَ العيديّ ناجيةٌ ذمولُ

سلوكٌ حينَ تشتبهُ الفيافِي

ويخطِئُ قصدَ وجهتِه الدَّليلُ

إذا فضلَتْ معاقدُ نسعتيْها

وأصبحَ ضفرُها قلقاً يجولُ

على قرواءَ قد ضمرتْ ففيها

ولم تبلغْ سليقتَها ذبولُ

طوتْ طيَّ الرِّداءِ الخرقَ حتَّى

تقاربَ بعدَهُ سرحٌ نصولُ

منَ الكتُمِ الحوافظِ لا سقوطٌ

إذا سقطَ المطِيُّ ولا سؤولُ

تكادُ تطيرُ إفراطاً وسغباً

إذا زجرَتْ ومدَّ لها الجدِيلُ

إلى القرمِ الّذي فاتتْ يداهُ

بفعلِ الخيرِ بسطةَ منْ ينبلُ

إذا ما غاليَ الحمدِ اشتراهُ

فما إنْ يستقلُّ ولا يقيلُ

أمينُ الصّدرِ يحفظُ ما تولّى

كما يلفى القويُّ به النَّبيلُ

نقيٌّ طاهرُ الأثوابِ برٌّ

لكلِّ الخيرِ مصطنِعٌ محيلُ

أبا مروانَ أنتَ فتى قريشٍ

وكهلُهُمُ إذا عدَّ الكهولُ

تولّيه العشيرةُ ما عناها

فلا ضيقُ الذّراعِ ولا بخيلُ

إليكَ تشيرُ أيديهمُ إذا ما

رضُوا أو غالهُمْ أمرٌ جليلُ

كلا يوميهِ بالمعروفِ طلقٌ

وكلُّ فعالِهِ حسنٌ جميلُ

جوادٌ سابقٌ في اليسرِ بحرٌ

وفي العلاَّتِ وهّابٌ بذولُ

تأنَّسَ بالنّباتِ إذا أتاها

لرؤيةِ وجههِ الأرضُ المحولُ

لبهجةِ واضحٍ سهلٍ عليهِ

إذا رئيَ المهابةُ والقبولُ

لأهلِ الودّ والقربى عليهِ

صنائعُ بتّها برٌّ وصولُ

أيادٍ قد عرفنَ مظاهراتٍ

له فيها التّطاولُ والفضولُ

وعفوٌ عن مسيئهمِ وصفحٌ

يعودُ به إذا غلقَ الحجولُ

إذا هوَ لم تذكّرهُ نهاهُ

وقارَ الدّين والرّأيُ الأصيلُ

وللفقراء عائدةٌ ورحمٌ

ولا يقصَى الفقيرُ ولا يعيلُ

جنابٌ واسعُ الأكنافِ سهلٌ

وظلٌ في منادحِهِ ظليلُ

وكمْ من غارمٍ فرَّجتَ عنهُ

مغارمَ كلٌّ محمَلِها ثقيلُ

وذي لددٍ أريتَ الشّدّ حتّى

تبيّنَ واستبانَ لهُ السّبيلُ

وأمرٍ قد فرقتَ اللّبسَ منهُ

بحلمِ لا يجورُ ولا يميلُ

نمى بكَ في الذّؤابَةِ في قريشٍ

بناءُ العزٍّ والمجدُ الأثيلُ

أرومٌ ثابتٌ يهتزُّ فيهِ

بأكرَمِ منبتٍ فرعٌ أصيلُ

وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعيّ ومات سنة خمس ومائة يوم مات عكرمة مولى ابن عباس، وصلّي عليهما بعد الظهر:

لعزّةَ من أيّامِ ذي الغصن هاجنِي

بضاحي قرارِ الرّوضتينِ رسومُ

فروضةُ ألجامٍ تهيجُ لي البُكا

وروضاتُ شوطي عهدهنَّ قديمُ

هي الدّارُ وحشاً غيرَ أنْ قدْ يحلّها

ويغنى بها شخصٌ عليَّ كريمُ

فما برباعِ الدّارِ أنْ كنتُ عالماً

ولا بمحلِّ الغانياتِ أهِيمُ

سألتُ حكيماً أينَ صارتْ بها النَّوى

فخبَّرني ما لا أحبُّ حكيمُ

أجدُّوا فأمَّا آلُ عزَّةَ غدوةً

فبانوا وأمّا واسطٌ فمُقِيمُ

فما للنّوى لا باركَ اللهُ في النَّوى

وعهدُ النَّوى عندَ المحبِّ ذميمُ

لعمرِي لئنْ كانَ الفؤادُ من الهوَى

بغَى سقماً إنّي إذاً لسقيمُ

فإمَّا ترينِي اليومَ أبدي جلادةً

وإنّي لعمري تحتَ ذاكَ كليمُ

وما ظعنتْ طوعاً ولكن أزالها

زمانٌ بنا بالصّالحينَ مشومُ

فوا حزناً لمّا تفرَّقَ واسطٌ

وأهلُ التي أهذي بها وأحُومُ

وقالَ ليَ البلاَّغُ ويحكَ إنَّها

بغيركَ حقّاً يا كثيرُ تهيمُ

أتشخصُ والشَّخصُ الذي أنتَ عادلٌ

به الخلدَ بينَ العائداتِ سقيمُ

يذكّرنيها كلُّ ريحٍ مريضةٍ

لها بالتِّلاعِ القاوياتِ نسيمُ

تمرُّ السِّنونَ الماضياتُ ولا أرى

بصحنِ الشَّبا أطلالهُنَّ تريمُ

ولستُ ابنةَ الضّمريّ منكِ بناقمٍ

ذنوبَ العدى إنّي إذن لظلومُ

وإنِّي لذُو وجدٍ لئنْ عادَ وصلُها

وإنِّي على ربّي إذنْ لكرِيمُ

إذا برقتْ نحو البُويبِ سحابَةٌ

لعينيكَ منها لا تجفُّ سجُومُ

ولستُ براءٍ نحو مصرَ سحابةٌ

وإن بعدَتِ إلاَّ قعدتُّ أشيمُ

فقدْ يوجدُ النّكسُ الدّنيُّ عنِ الهوَى

عزُوماً ويصبُو المرءُ وهوَ كريمُ

وقالَ خليلي ما لها إذ لقيتها

غداةَ الشَّبا فيها عليكَ وجومُ

فقلتُ لهُ إنَّ المودَّةَ بيننا

على غيرَ فحشٍ والصّفاءُ قديمُ

وإنِّي وإنْ أعرضتُ عنها تجلُّداً

على العهدِ فيما بيننا لمقيمُ

وإنَّ زماناً فرّقَ الدَّهرُ بيننا

وبينكُمُ في صرفِهِ لمشُومُ

أفي الدِّينِ هذا إنَّ قلبَكِ سالمٌ

صحيحٌ وقلبي من هواكِ سقيمُ

وإنَّ بخوفي منكِ داءً مخامراً

وخوفُكِ ممّا بي عليكِ سليمُ

لعمُركِ ما أنصفتني في مودَّتِي

ولكنّني يا عزَّ عنكِ حلِيمُ

عليَّ دماءُ البدنِ إنْ كانَ حبُّها

على النّأي أو طولُ الزَّمانِ يريمُ

وأقسمُ ما استبدلتُ بعدَكِ خلُّةً

ولا لكِ عندي في الفؤادِ قسيمُ

وقال كثير يمدح يزيد بن عبد الملك:

لعزّةَ أطلالٌ أبتْ أنْ تكلَّما

تهيجُ مغانيها الطَّروبَ المتيّما

كأنَّ الرّياحَ الذّارياتِ عشِيَّةً

بأطلالِها ينسُجنَ ريطاً مسَهَّما

أبتْ وأبَى وجدِي بعزَّةَ إذْ نأتْ

على عدواءِ الدّارِ أنْ تيصرَّما

ولكنْ سقَى صوبُ الرَّبيعِ إذا أتى

على قلهيَّ الدّارِ والمتَخيَّما

بغادٍ منَ الوسمِيِّ لمّا تصوَّبتْ

عثانينُ واديهِ على القعرِ ديَّما

سقَى الكُدْرَ فاللّعباءَ فالبُرقَ فالحمىَ

فلوذَ الحصى منْ تغلمينِ فأظلما

فأروَى جنُوب الدّونكين فضاجعٍ

فدرٍّ فأبلَى صادقَ الودقِ أسحما

تثجُّ رواياه إذا الرَّعدُ زجَّها

بشابةَ فالقهبِ المزادَ المحذلِما

فأصبحَ منْ يرعَى الحمَى وجنوبَهُ

بذِي أفقٍ مكّاؤهُ قد ترنَّما

ديارٌ عفتْ من عزَّةَ الصَّيفَ بعدما

تجدُّ عليهنُّ الوشيعَ المنمنما

فإنْ أنجدتْ كان الهوى بكَ منجداً

وإنْ أتهمتْ يوماً بها الدّارُ أتْهما

أجدَّ الصِّبا واللِّهو أنْ يتصرَّما

وأن يعقِباكَ الشَّيبَ والحلمَ منهُما

لبستُ الصّبا واللهوَ حتّى إذا اتقضى

جديدُ الصّبا واللّهوِ أعرضتُ عنهُما

خليليَّ كانا صاحبيكَ فودَّعا

فخذْ منهما ما نوَّلاكَ ودَعهُما

على إنَّ في قلبي لعزَّةَ وقرَةً

منَ الحبِّ ما تزدادُ إلاَّ تيمُّما

يطالبُها مستَيقِناً لا تثيبُهُ

ولكنْ يسلِّي النَّفسَ كي لا يلوَّما

يهابُ الّذي لم يؤتَ حلماً كلامَها

وإنْ كانَ ذا حلمٍ لديها تحلّما

تروكٌ لسقطِ القولِ لا يهتدِي بهِ

ولا هيَ تستوشِي الحديثَ المكتَّما

ويحسَبُ نسوانٌ لهنَّ وسيلةً

من الحبِّ لا بلْ حبُّها كانَ أقدَما

وعلّقتُها وسطَ الجواري غريرةً

وما قلّدتْ إلاّ التَّميمَ المُنظّما

عيوفُ القذَى تأبَى فلا تعرفُ الخنَا

وترمِي بعينيها إلى منْ تكرَّما

إلى أنْ دعتْ بالدِّرعِ قبلَ لداتها

وعادتْ تُرى منهنَّ أبهَى وأفخَما

وغالَ فضولَ الدّرعِ ذي العرضِ خلقُها

وأتعبَتِ الحجلَينِ حتّى تقصّما

وكظّتْ سوارَيها فلا يألوانِها

لدنْ جاورا الكفّينِ أنْ يتقدَّما

وتدْنِي على المتنينِ وحفاً كأنَّه

عناقيدُ كرمٍ قد تدلّى فأنْعما

منَ الهيفِ لا تخزَى إذا الرِّيحُ الصقتْ

على متنها ذا الطُّرّتينِ المنمنما

وكنتُ إذا ما جئتُها بعدَ هجرةٍ

تقاصرَ يومئذٍ نهارِي وأغْيما

فأقسمتُ لا أنسَى لعزَّةَ نظرةً

لها كدتُ أبدي الوجدَ منّي المجمجما

عشيّةَ أومَتْ والعيونُ حواضرٌ

إليَّ برجعِ الكفِّ أنْ لا تكلَّما

فأعرضتُ عنها والفؤادُ كأنَّما

يرى لو تناديه بذلكَ مغنما

فإنَّكِ عمرِي هلْ أريكِ ظعائناً

بصحْنِ الشَّبا كالدَّومِ من بطنِ تريما

نظرتُ إليها وهيَ تنضُو وتكتسَي

من القفرِ آلاً كلَّما زالَ أقتَما

وقد جعلتْ أشجانَ بركٍ يمينها

وذاتَ الشِّمالِ منْ مريخةَ أشأما

مولّيةً أيسارَها قطنَ الحِمى

تواعدْنَ شِرباً منْ حمامةَ معلما

نظرْتُ إليها وهي تحدْى عشيّةً

فأتبعتهُمْ طرفيَّ حتىً تتمّما

تروعُ بأكنافِ الأفاهيدِ عيرُها

نعاماً وحقْباً بالفدافدِ صيَّما

ظعائنُ يشفِينَ السَّقيمَ منَ الجوَى

بهِ ويخبِّلنَ الصَّحيحَ المسلَّما

يهنَّ المنقىً عندهنَّ عنْ القذَى

ويكرِ من ذا القاذورةِ المتكرِّما

وكنتُ إذا ما جئتُ أجللنَ مجلسِي

وأظهرنَ منّي هيبةً لا تجهُّما

يحاذِرنَ منِّي غيرَةً قدْ علمنَها

قديماً فما يضحكنَ إلا تبسّما

يكلّلن حدَّ الطَّرفِ عن ذي مهابةٍ

أبانَ أولاتِ الدَّلِّ لمّا توسَّما

تراهنَّ إلاَّ أنْ يؤدِّينَ نظرَةً

بمؤخرِ عينٍ أو يقلّبنَ معصما

كواظمَ لا ينطِقنَ إلاَّ محورةً

رجيعةً قولٍ بعدَ أنْ يتفهَّما

وكنَّ إذا ما قلنَ شيئاً يسرُّهُ

أسرَّ الرِّضا في نفسهِ وتجرَّما

فأقصَرَ عنْ ذاكَ الهوَى غيرَ أنَّه

إذا ذكرتْ أسماءُ عاجَ مسلّما

وقال كثير:

عفتْ غيقةٌ من أهلِها فحريمها

فبرقةُ حسمَي قاعُها فصريمُها

وهاجتْكَ أطلالٌ لعزَّةَ باللِّوى

يلوحُ بأطرافِ البراقِ رسومُها

إلى المئبرِ الدّاني من الرَّملِ ذي الغضا

تراها وقد أقوتْ حديثاً قديمُها

وكانَ خليلي يومَ رُحنْا وفتّحتْ

من الصَّدرِ أشراجٌ وفضَّتْ ختومُها

أصابتْكَ نبلُ الحاجبيَّةِ إنَّها

إذا ما رمتْ لا يستبلُّ كليمُها

كأنَّك مردُوعٌ منَ الشَّمسِ مطرَدٌ

يقارفهُ من عقدةِ البقعِ هيمُها

أخو حيَّةٍ عطشَى بأرضٍ ظميَّةٍ

تجلَّلَ غشياً بعدَ غشيٍ سليمُها

إذا شحطتِ يوماً بعزَّةَ دارُها

عنْ الحيّ صفقاً فاستمرَّ مريرُها

فإنْ يمسِ قدْ شطَّت بعزَّةَ دارُها

ولمْ يستقمْ والعهدُ منها زعيمُها

فقدْ غادرَتْ في القلبِ منِّي زمانةً

وللعينِ عبراتٌ سريعاً سجومُها

فذوقي بما جشَّمتِ عيناً مشومةً

قذاها وقد يأتي على العينِ شومُها

فلا تجزعِي لمّا نأتْ وتزحزحَتْ

بعزَّة دوراتُ النَّوَى ورجُومُها

ولِي منْكِ أيّامٌ إذا شحطُ النَّوَى

طوالٌ وليلاتٌ تزولُ نجومُها

قضى كلُّ ذي دينٍ فوفّى غريمَهُ

وعزَّةُ ممطولٌ معنًّى غريمُها

إذا سمتُ نفسي هجرَها واجتنابَها

رأتْ غمراتِ الموتِ فيما أسُومُها

إذا بنتِ بانَ العُرفُ إلاَّ أقلَّهُ

منَ النَّاسِ واستعلى الحياةَ ذميمُها

وتخلِقُ أثوابَ الصِّبا وتنكَّرَتْ

نواحٍ من المعروفِ كانتْ تقيمُها

فهل تجزينِّي عزَّةُ القرضَ بالهوى

ثواباً لنفسٍ قد أصيبَ صميمُها

بأنّي لم تبلغْ لها ذا قرابةٍ

أذاتي ولم أقررْ لواشٍ يذيمُها

متى ما تنالا بي الأولى يقصِبُونها

إليَّ ولا يشْتَمْ لديَّ حميمُها

وقدْ علمتْ بالغيبِ أنْ لن أودَّها

إذا هي لم يكرَمْ عليَّ كريمها

فإنْ وصلتْنا أمُّ عمروٍ فإنَّنا

سنقبَلُ مِنها الودَّ أو لا نَلومُها

فلا تزجُرِ الغاوينَ عنْ تبعَ الصِّبا

وأنتَ غويُّ النَّفسِ قدْماً سقيمُها

بعزَّةَ متبولٌ إذا هي فارقتْ

معنىً بأسبابِ الهوى ما يريمُها

ولمَّا رأيتُ النَّفسَ نفساً مصابةً

تداعَى عليها بنُّها وهمومُها

عزمتُ عليها أمرهَا فصرَمتُهُ

وخيرُ بديعاتِ الأمورِ عزيمُها

وما جابَهُ المدرَى خذولٌ خلالَها

أراكٌ بذي الرّيان دانٍ صريمها

بأحسنَ منها سنّةً ومقلّداً

إذا ما بدتْ لبّاتُها ونظيمُها

وتفرُقُ بالمدرَى أثيثاً نباتُهُ

كجنَّةِ غربيبٍ تدلَّتْ كرومُها

إذا ضحكتْ لم تنتهزْ وتبسّمتْ

ثنايا لها كالمزْنِ غرٌّ ظلومُها

كأنَّ على أنيابها بعدَ رقدَةٍ

إذا انتبهتْ وهناً لمنْ يستنيمُها

مجاجةُ نحلٍ في أباريق صفقةٍ

بصهباءَ يجريَ في العظامِ هميمُها

ركودُ الحميّا وردةُ اللّونِ شابَها

بماءِ الغوادِي غيرَ رنقٍ مديمُها

فإنْ تصدُفي يا عزَّ عنِّي وتصرمِي

ولا تقبلِي منّي خلالاً أسُومُها

فقدْ أقطعُ الموماةَ يستنُّ آلُها

بها جيفُ الحسرَى يلوحُ هشيمُها

على ظهرِ حرجوجٍ يقطّع بالفتى

نعافَ الفيافي سبتُها ورسِيمها

وقدْ أزجرُ العوجاءَ أنقبَ خُفٌّها

مناسِمُها لا يستبلُّ رثيمُها

وقد غيبتْ سمراً كأنَّ حروفَها

مواثمُ مرضاخٍ يطيرُ جريمُها

وليلةِ إيجافٍ بأرضِ مخوفةٍ

تقتنِي بجوناتِ الظّلامِ جهومُها

فبتُّ أساري ليلَها وضريبَها

على ظهرِ حرجوجٍ نبيلٍ حزيمُها

تواهقُ أطلاحاً كأنَّ عيونَها

وقيعٌ تعادتْ عن نطافٍ هزُومِها

أضَرَّ بها الإدلاجُ حتّى كأنَّها

من الأينِ خرصانٌ نحاها مقيمُها

تنازعُ أشرافَ الإكامِ مطيّتي

من اللّيلِ سيجاناً شديداً فحومُها

بمشرفةِ الأجداثِ خاشعةِ الصّوَى

تداعَى إذا أمسَتْ صداها وبومُها

إذا استقبلتْها الرّيحُ حالَ رغامُها

وحالفَ جولانَ السَّرابِ أرُومُها

يمشّي بحزّانِ الإكامِ والرُّبا

كمستكبرٍ ذي موزجينِ ظليمُها

رأيتُ بها العوجَ اللَّهاميمَ تغتلِي

وقدْ صقلتْ صقلاً وتلّتْ جسومُها

تراكلُ الأكوارِ في كلِّ صيهَبٍ

منَ الحرِّ أثباجاً قليلاً لحومُها

ولو تسألينَ الرَّكبَ في كلِّ سربخٍ

إذا العيسُ لم ينبسْ بليلٍ بغومُها

من الحجرة القصوَى وراءَ رحالِها

إذا الأسدُ بالأكوارِ طافَ رزومُها

وجرَّبتُ إخوانَ الصَّفاءِ فمنهُمُ

حيمدُ الوصالِ عندنا وذميمُها

وأعلمُ أنّي لن أسربلَ جنّةً

منَ الموتِ معقوداً عليَّ تميمُها

ومن يبتدع ما ليسَ من سوسِ نفسِهِ

يدعهُ وبغلبهُ على النَّفسِ خيمُها

وقال كثير أيضاً:

أشاقكَ برقٌ آخرَ اللّيلَ واصبُ

تضمّنَهُ فرشُ الجبا فالمشاربُ

يجرُّ ويستأنِي نشاصاً كأنّهُ

بغيقة حادٍ جلجلَ الصّوتَ جالبُ

تألّقَ واحمومَي وخيّمَ بالرُّيا

أحمُّ الذُّرَى ذو هيدبٍ متراكبُ

إذا حرَّكتهُ الرِّيحُ أرزمَ جانبٌ

بلا هرقٍ منهُ وأومضَ جانبُ

كما أومضتْ بالعينِ ثمَّ تبسَّمَتْ

خريعٌ بدا منها جبينٌ وحاجبُ

يمجُّ النّدى لا يذكُرُ السّيرَ أهلَهُ

ولا يرجعُ الماشِي بهِ وهوَ جادِبُ

وهبتُ لسُعدَى ماءَهُ ونباتَهُ

وما كلَّ ودٍّ لمنْ ودَّ واهبُ

لتروى بهِ سعدَى ويروَى محلُّها

وتغدقَ أعدادٌ بهِ ومشارِبُ

تذكّرتُ سعدَى والمطِيُّ كأنَّهُ

بآكامِ ذي ريطٍ غطاطٌ قواربُ

فقدْ فتنَ ملْتجّاً كأنَّ نشيجهُ

سعالُ جوٍ أعيتْ عليهِ الطَّبائبُ

فقلتُ ولم أملكْ سوابقَ عبرَةٍ

سقى أهلَ بيسانَ الدُّجونُ الهواضبُ

وإنّي ولو صاحَ الوشاةُ وطرَّبوا

لمتَّخذٌ سعدى شباباً فناسبُ

يقولونَ أجمعْ من عزيزةَ سلوةً

وكيفَ وهل يسلُو اللّجوجُ المطالِبُ

أعزُّ أجدَّ الرَّكبُ أنْ يتزحزحوا

ولم يعتبِ الزّاري عليك المعاتبُ

فأحيي هداكِ اللهُ منْ قدْ قتلتهِ

وعاصِي كما يعصَى لديهِ الأقاربُ

وإن طلابي عانساً أمَّ ولدَةٍ

لممّا تمنّيني النُّفوسُ الكواذبُ

ألا ليتَ شعرِي هلْ تغيّرَ بعدَنا

أراكٌ فصرْما قادمِ فتناضبُ

فبرقُ الجبا أمْ لا فهنَّ كعهدنا

تنزَّى على آرامِهنَّ الثَّعالِبُ

تقي اللهَ فيه أمَّ عمروٍ ونوّلي

مودّتهُ لا يطلبنّكِ طالبُ

فمن لا يغمّض عينهُ عن صديقه

وعن بعضِ ما فيه يمتْ وهوَ عاتبُ

ومن يتتبّع جاهداً كلَّ عثرةٍ

يجدها ولا يسلمْ لهُ الدّهرَ صاحبُ

فلا تأمنيهِ أن يسرَّ شماتةً

فيظهرُها إنْ أعقبتْهُ العواقبُ

كأنْ لم أقل واللّيلُ ناجٍ بريدُهُ

وقد غالَ أميالَ الفجاجِ الرَّكائبُ

خليليَّ حثّا العيسَ نصبِحْ وقدْ بدتْ

لنا من جبالِ الرّامتينِ مناكبُ

فو الله ما أدري أآتٍ على قلىً

وبادِي هوانٍ منكمُ ومغاضبُ

سأملكُ نفسي عنكمُ إنْ ملكتُها

وهلْ أغلبَنْ إلاَّ الذي أنا غالبُ

حليلةُ قذّافِ الدّيارِ كأنّهُ

إذا ما تدانينا منَ الجيشِ هاربُ

إذا ما رأنِي بارِزاً حالَ دونَها

بمخبطةٍ يا حسنَ من هو ضاربُ

ولو تنقبُ الأضلاعُ أُلفيَ تحتَها

لسعدَى بأوساط الفؤادِ مطاربُ

بها نعمٌ من ماثلِ الحبِّ واضحٌ

بمجتمع الأشراجِ ناءٍ وقاربُ

تضمَّنَ داءً منذُ عشرينَ حجَّةُ

لكم ما تسليِّهِ السّنُونَ الكواذِبُ

وقال كثير:

عفا السَّفحُ من أمِّ الوليدِ فكبكبُ

فنعمانُ وحشٌ فالرَّكيُّ المثقَّبُ

خلاءٌ إلى الأحواضِ عافٍ وقدْ يرَى

سوامٌ بها فيه مراحٌ ومعزَبُ

على أنَّ بالأقوازِ أطلالَ دمنةٍ

تجدُّ بها هوجُ الرِّياحِ وتلعَبُ

لعزَّةَ إذْ حبلُ المودَّةِ دائمٌ

وإذ أنتَ متبولٌ بعزَّةَ معجَبُ

وإذ لا ترى في النّاسِ شيئاً يفوقُها

وفيهنَّ حسنٌ لو تأمّلتِ مجنبُ

هضيمُ الحشا رودُ المطا بختريَّةٌ

جميلٌ عليها الأتحميُّ المنشَّبُ

هي الحرَّةٌ الدَّلُّ الحصانُ ورهطُها

إذا ذكرَ الحيُّ الصَّريحُ المهذّبُ

رأيتُ وأصحابي بأيلةَ موهِناً

وقدْ لاحَ نجمُ الفرقدِ المتصوِّبُ

لعزَّةَ ناراً ما تبوخُ كأنَّها

إذا ما رمقناها من البعُدِ كوكبُ

تعجَّبَ أصحابي لها حينَ أوقدَتْ

وللمصطلُوها آخرَ اللّيلِ أعجَبُ

إذا ما خبتْ من آخرِ اللّيلِ خبوَةً

أعيدَ لها بالمندَليِّ فتثقبُ

وقفنا فشبَّتْ شبَّةً فبدا لنا

بأهضامِ واديها أراكٌ وتنضُبُ

ومنْ دونِ حيثُ استوقدَتْ منْ مجالخ

مراحٌ ومغدىً للمطِيِّ وسبسبُ

أتتنا بريّاها وللعيسِ تحتنا

وجيفٌ بصحراءِ الرّسيسِ مهذّبُ

جنوبٌ تسامي أوجُهَ الرّكبِ مسّها

لذيذٌ ومسراها منَ الأرضِ طيّبُ

فيا طولَ ما شوقي إذا حالَ دونَها

بصاقٌ ومن أعلام صندِدَ منكِبُ

كأنْ لم يوافقْ حجَّ عزَّةَ حجُّنا

ولم يلقَ ركباً بالمحصَبَّ أركُبُ

حلفتُ لها بالرَاقصاتِ إلى منىً

تغدُّ السّرَى كلبٌ بهنَّ وتغلِبُ

وربِّ الجيادِ السّابحاتِ عشيَّةً

مع العصرِ إذ مرّتْ على الحبلِ تلحَبُ

لعزّةَ همُّ النَّفسِ منهنَّ لو ترَى

إليها سبيلاً أو تلمُّ فتصقبُ

ألامُ على أمِّ الوليدِ وحبُّها

جوىً داخلٌ تحتَ الشَّراسيفِ ملهبُ

ولو بذلتْ أمُّ الوليدِ حديثَها

لعصمٍ برضوَى أصبحَتْ تتقرَّبُ

تهبَّطنَ من أكنافِ ضأسَ وأيلةٍ

علينا ولو أغرَى بهنَّ المكلّبُ

تلعَّبُ بالعزهاةِ لم يدرِ ما الصّبا

وييأسُ من أمِّ الوليدِ المجرِّبُ

ألا ليتنا يا عزَّ كنّا لذي غنىً

بعيرين نرعى في الخلاء ونعزبُ

كلانا به عرٌّ فمن يرنا يقلْ

على حسنِها جرباءَ تعدِي وأجربُ

إذا ما وردنا منهلاً صاحَ أهلُهُ

علينا فما ننفكُّ نرمَي ونضرَبُ

نكونُ بعيريْ ذي غنىً فيضعُنا

فلا هوَ يرعانا ولا نحنُ نطلبُ

يطرّدُنا الرِّعيانُ عنْ كلَّ تلعةٍ

ويمنعُ منّا أنْ نرَى فيهِ نشرَبُ

وددتُّ وبيتِ اللهِ أنَّكِ بكرَةٌ

هجانٌ وأنِّي مصعبٌ ثمَّ نهربُ

وقال كثير:

ألا طرقتْ بعدَ العشاءِ جنوبُ

وذلكَ منها إنْ عجبتَ عجيبُ

تسدَّتْ ومرٌّ دونَنا وأراكُهُ

ودونانُ أمسَى دونَها ونقيبُ

ونحنُ ببطحاءِ الحجُونِ كأنّنا

مراضٌ لهمْ وسطَ الرّحالِ نحيبُ

فحيَّتْ نياماً لم يردُّوا تحيّةً

إليها وفي بعضِ اللّمامِ شغوبُ

لقدْ طرقتنا في التّنائِي وإنّها

على القربِ علمي للسُّرَى لهيوبُ

أحبُّكِ ما حنَّتْ بغورِ تهامَةٍ

إلى البوِّ مقلاتُ النّتاجِ سلوبُ

وما سجعتْ من بطنِ وادٍ حمامةٌ

يجاوبُها صاتُ العشِيِّ طروبُ

وإنّي ليثنيني الحياءُ فأنثني

وأقعدُ والممشَى إليكِ قريبُ

وآتِي بيوتاً حولكُمْ لا أحبُّها

وأكثرُ هجرَ البيتِ وهو حبيبُ

وأغضي على أشياءَ منكِ تريبُنِي

وأدعَى إلى ما نابَكمْ فأجيبُ

وما زلتُ من ذكراكِ حتّى كأنني

أميمٌ بأكنافِ الدِّيار سليبُ

وحتّى كأنِّي من جوى الحبِّ منكمُ

سليبٌ بصحراءِ البريحِ غريبُ

أبثّكِ ما ألقَى وفي النَّفسِ حاجةٌ

لها بين جلدِي والعظامٍ دبيبُ

أراكمْ إذا ما زرتُكُمْ وزيارتِي

قليلٌ يرَى فيكُمْ إليَّ قطُوبُ

أبيني أتعويلٌ علينا بما أرَى

منَ الحبِّ أم عندي إليكِ ذنوبُ

أبينِي فأمّا مستحيرٌ بعلّةٍ

عليَّ وأمّا مذنبٌ فأتوبُ

حلفتُ وما بالصدِّقِ عيبٌ على امرئٍ

يراهُ وبعضُ الحالفينَ كذوبَ

بربِّ المطايا السّابحاتِ وما بنتْ

قريشٌ وأهدَتْ غافقٌ وتجيبُ

وملقَى الولايا من منىً حيثُ حلَّقَتْ

إيادٌ وحلَّتْ غامدٌ وعتيبُ

يمينَ امرئٍ لم يغشَ فيها أثيمةً

صدوقٍ وفوقَ الحالفينَ رقيبُ

لنعمَ أبو الأضياف يغشونَ نارهُ

وملقى رحالِ العيس وهيَ لغوبُ

ومختبطُ الجادي إذا ما تتابعتَ

على النّاسِ مثنى قرّةٍ وجدوبُ

وحامي ذمارِ القومِ فيما ينوبُهُمْ

إذا ما اعترتْ بعدَ الخطوبِ خطوبُ

على كلِّ حالٍ إنْ ألمّتْ ملمّةٌ

بنا عمرٌ والنّائباتُ تنوبُ

فتىً صمتُهُ حلمٌ وفصلٌ مقالُهُ

وفي البأسِ محمودُ الثّناء صليبُ

خطيبٌ إذا ما قالَ يوماً بحكمةٍ

من القولِ مغشِيُّ الّرواقِ مهيبُ

كثيرُ النّدَى يأتي النّدَى حيثُ ما أتى

وإنْ غابَ غابَ العرفُ حيثُ يغيبُ

كريمُ كرامٍ لا يرى في ذوي النّدَى

له في النّدى والمأثراتِ ضريبُ

أبيٌّ أبَى أنْ يعرفض الضّيمَ غالبٌ

لأعدائهِ شهمُ الفؤادِ أريبُ

يقلّبُ عيني أزرقٍ فوقَ مرقبٍ

يفاعٍ لهُ دونَ السَّماءِ لُصُوبُ

غدا في غداةٍ قرَّةٍ فانتحتْ لهُ

على إثر ورّادِ الحمامِ جنوبُ

جنا لأبي حفصٍ ذرَى المجدِ والدٌ

بنى دونَهُ للبانيينِ صعُوبُ

فهذا على بنيان هذاك يبتني

بناهُ وكلٌّ منجبٌ ونجيبُ

وجدُّ أبيهِ قد ينافي على البنا

بناهُ وكلٌّ شبَّ وهو أديبُ

فأنتَ على منهاجهمْ تقتدي بهمْ

أمامَكَ ما سدُّوا وأنتَ عقيبُ

فأصبحتَ تحذُو من أبيكَ كما حذا

أبوكَ أباهُ فعلهُ فتصيبُ

وأمسيتَ قلباً نابتاً في أرومةٍ

كما في الأرومِ النّابتاتِ قلوبُ

أبوكَ أبو العاصي فمنْ أنتَ جاعلٌ

إليهِ وبعضُ الوالدينِ نجيبُ

وأنتَ المنقّى منْ هنا ثمَّ منْ هنا

ومنْ هاهُنا والسَّعدُ حينَ تؤوبُ

أقمتَ بهلكَي مالكٍ حين عضَّهُم

زمانٌ يعرّ الواجدينَ عصيبُ

وأنتَ المرَجّى والمفدّى لمالكٍ

وأنتَ حليمٌ نافعٌ ومصيبُ

وليتَ فلمْ تغفلْ صديقاً ولم تدعْ

رفيقاً ولم يحرمْ لديكَ غريبُ

وأحييتَ من قدْ كان موّتَ مالهُ

فإنْ متَّ من يدعى له فيجيبُ

مضيتَ لسوراتِ العلَى فاحتويتَها

وأنتَ لسوراتِ العلاءِ كسُوبُ

وما النّاسُ أعطوكَ الخلافةَ والتّقى

ولا أنتَ فاشكرْهُ يثبكَ مثيبُ

ولكنّما أعطاكَ ذلكَ عالمٌ

بما فيك معطٍ للجزيلِ وهوبُ

وقال كثير:

أبائنةٌ سعدى نعمْ ستبينُ

كما انبتَّ من حبلِ القرينِ قرينُ

أأن زمَّ أجمالٌ وفارقَ جيرَةٌ

وصاحَ غرابُ البينِ أنتَ حزينُ

كأنّكَ لم تسمعْ ولم ترَ قبلَها

تفرُّقَ ألاّفٍ لهنَّ حنينُ

حنينٌ إلى ألاّفهنّ وقدْ بدا

لهنَّ من الشَّكِّ الغداةَ يقينُ

وهاجَ الهوى أظعانُ عزَّةَ عدَوةً

وقدْ جعلتْ أقرانُهُنَّ تبينُ

فلمّا استقلَّتْ عنْ مناخٍ جمالُها

وأسفرنَ بالأحمالِ قلتُ سفينُ

تأطّرنَ في الميثاءِ ثمَّ تركنَهُ

وقدْ لاحَ منْ أثقالهنَّ شحونُ

كأنّي وقدْ نكّبنَ برقةَ واسطٍ

وخلّفنَ أحواض النّجَيلٍ طعينُ

فأتبعتُهُمْ عينيَّ حتَّى تلاحمتْ

عليهم قنانٌ منْ خفينن جونُ

فقدْ حالَ من حزمِ الحماتينِ دونَهُم

وأعرضَ من وادِي البُليْدِ شجونُ

وفاتتكَ عير الحيِّ لمّا تقلّبتْ

ظهورٌ بهمْ من ينبعٍ وبطونُ

وقد حالَ من رضوَى وضيبر دونهم

شماريخُ للأروى بهنَّ حصونُ

على البختِ أو أشباهها غيرَ أنّها

صهابيّةٌ حمرُ الدُّفوفِ وجونُ

وأعرضَ ركبٌ من عباثرَ دونهُمْ

ومنْ خدِّ رضوَى المكفهِرِّ جبينُ

فأخلفنَ ميعادِي وخنَّ أمانتِي

وليسَ لمنْ خانَ الأمانةَ دينُ

وأورثنهُ نأياً فأضحَى كأنَّهُ

مخالطُهُ يومَ السّريرِ جنونُ

كذبنَ صفاءَ الودِّ يومَ شنوكةٍ

وأدرَكَنِي من عهدِهِنَّ وهونُ

وإنَّ خليلاً يحدِثُ الصّرمَ كلّما

نأيتَ وشطّتْ دارُهُ لظنُونُ

وطافَ خيالُ الحاجبيّةِ موهِناً

ومرٌّ وقرنٌ دونَها ورنينُ

وعاذلةٍ ترجو ليالي نجهتُها

بأنْ ليسَ عندِي للعواذلِ لينُ

تلومُ امرأً في عنفوانِ شبابِهِ

وللتَّرْكِ أشياعُ الصَّبابَةِ حينُ

وما شعرتْ أنّ الصّبا إذْ تلومُني

على عهدِ عادٍ للشَّبابِ خدينُ

وإنّي ولو داما لأعلمُ أنّني

لحفرَةِ موتٍ مرَّةً لدفينُ

وإنّي لم أعلَم ولم أجدِ الصِّبا

يلائمُهُ إلاَّ الشّبابَ قرينُ

وأنَّ بياضَ الرّأسِ يعقبُ بالنّهى

ولكنَّ أطلالَ الشبابِ تزينُ

لعمري لقدْ شقّتْ عليَّ مريرةٌ

ودارٌ أحلَّتْكِ البويبَ شطونُ

وقال كثير يرثي عمر بن عبد العزيز، وليست في المختار:

لقدْ كنتَ للمظلومِ عزاً وناصراً

إذا ما تعيّا في الأمورِ حصونُها

كما كانّ حصناً لا يرامُ ممنَّعاً

بأشبالِ أسدٍ لا يرامُ عرينُها

وليتَ فما شانتكَ فينا ولايةٌ

ولا أنتَ فيها كنتَ ممّنْ يشينها

فعفّتْ عن الأموالِ نفسكَ رغبةً

وأكرمْ بنفسٍ عندَ ذاكَ تصونُها

وعطلتَها من بعدِ ذلكِ كالّذي

نهى نفسه أنْ خالفتهُ يهينُها

كدحتَ لها كدحَ امرئٍ متحرِّجٍ

قد أيقنَ أنَّ اللهَ سوفَ يدينُها

فما عابَ من شيءٍ عليهِ فإنّهُ

قد استيقنتْ فيهِ نفوسٌ يقينُها

فعشتَ حميداً في البريَّةِ مقسطاً

تؤدِّي إليها حقَّها ما تخونُها

ومتَّ فقيداً فهي تبكي بعولةٍ

عليكَ وحزنٍ ما تجفُّ عيونُها

إذا ما بدا شجواً حمامٌ مغرِّدٌ

على أثلةٍ خضراءَ دانٍ غصونُها

بكتْ عمرَ الخيراتِ عيني بعبرةٍ

على إثرِ أخرَى تستهلُّ شؤونُها

تذكرتُ أيّاماً خلتْ وليالِياً

بها الأمنُ فيها العدلُ كانت تكونُها

فإنْ تصبحِ الدّنيا تغيّرَ صفوُها

فحالتْ وأمستْ وهي غثِّ سمينُها

فقدْ غنيتْ إذ كنتَ فيها رخيَّةُ

ولكنَّها قدماً كثيرٌ فنونُها

فلو كان ذاقَ الموتَ غيركَ لم تجدْ

سخياً بها ما عشتَ فيها يمونُها

فمن لليتامى والمساكِينِ بعدَهُ

وأرملةٍ باتتْ شديداً أنينُها

وليس بها سقمٌ سوى الجوعِ لم تجدْ

على جوعِها من بعدِها من يعينُها

وكنتَ لها غيثاً مريعاً ومرتَعاً

كما في غمارِ البحرِ أمرعَ نونُها

فإنْ كانَ للدُّنيا زوالٌ وأهلُها

لعدلٍ إذا ولَّى فقد حانَ حينُها

أقامتْ لكمْ دنيا وزالَ رخاؤها

فلا خيرَ في دنيا إذا زالَ لينُها

بكتهُ الضّواحي واقشعرَّتْ لفقدِهِ

بحزنٍ عليها سهْلُها وحزونُها

فكلُّ بلادٍ نالَها عدلُ حكمهِ

شديدٌ إليها شوقُها وحنينُها

فلمّا بكتْهُ الصّالحاتُ بعدلهِ

وما فاتَها منهُ بكتهُ بطونُها

ولمّا اقشعرَّت حينَ ولَّى وأيقنتْ

لقدْ زالَ منها أنسُها وأمينُها

وقالت لهُ أهلاً وسهلاً وأشرقَتْ

بنورٍ له مستشرقاتٍ بطونُها

فإن أشرقتْ منها بطونٌ وأبشرتْ

له إذ ثوى فيها مقيماً رهينُها

وقد زانَها زيناً لهُ وكرامةً

كما كان في ظهرِ البلادِ يزينُها

لقدْ ضمّنتهُ حفرةٌ طابَ نشُرها

وطابَ جنيناً ضمّنتهُ جنينُها

سقى ربُّنا من ديرِ سمعانَ حفرَةً

بها عمرُ الخيراتِ رهناً دفينُها

صوابحَ من مزنٍ ثقالٍ غوادياً

دوالحَ دُهماً ماخِضاتٍ دُجونها

وقال كثير:

لعزَّةَ هاجَ الشَّوقَ فالدّمعُ سافحُ

مغانٍ ورسمٌ قد تقادمَ ماصحُ

بذي المرخِ والمسروحِ غيّرَ رسمَها

ضروبُ النَّدى قد أعتقتْها البوارِحُ

لعينيكَ منها يومَ حزمِ مبرَّةٍ

شريجانِ من دمعٍ نزيعٌ وسايحُ

أتيٌّ ومفعومٌ حثيثٌ كأنَّهُ

غروبُ السواني أترعتها النواضحُ

إذا ماهرقْنَ الماءَ ثم استقينهُ

سقاهنَّ جمٌّ من سميحةَ طافحُ

لياليَ مِتها الواديانِ مظنَّةٌ

فبرقُ العنابِ دارُها فالأباطِحُ

ليالي لا أسماءُ قالٍ مودِّعٌ

ولا مرهنٌ يوماً لكَ البذلَ جارحُ

صديقٌ إذا لاقيتهُ عن جنابَةٍ

ألدُّ إذا ناشدتَهُ العهدَ بالحُ

وإذ يبرئُ القرحَى المراضَ حديثُها

وتسمُو بأسماءَ القلوبُ الصَّحائحُ

فأقسمُ لا أنسَى ولو حالَ دونَها

مع الصُّرمِ عرضُ السَّبسَبِ المتنازحُ

أمنّي صرمتِ الحبلَ لمّا رأيتنِي

طريدَ حروبٍ طرَّحتهُ الطّوارحُ

فأسحقَ برداةُ ومحَّ قميصهُ

فأثوابُهُ ليستْ لهنَّ مضارحُ

فأعرضتِ إنَّ الغدرَ منكنَّ شيمةٌ

وفجعُ الأمينِ بغتةً وهو ناصحُ

فلا تجبهيهِ ويبَ غيركِ إنَّهُ

فتى عن دنيَّاتِ الخلائقِ نازحُ

هو العسلُ الصّافي مراراً وتارَةً

هوَ السَّمُّ تستدمي عليه الذَّرارِحُ

لعلّكِ يوماً أنْ تريهِ بغبطةٍ

تودِّينَ لو يأتيكمُ وهو صافحُ

يروقُ العيونَ النَّاظراتِ كأنَّهُ

هرقليُّ وزنٍ أحمرُ التِّبرِ راجحُ

وآخرُ عهدٍ منكِ يا عزَّ إنَّهُ

بذي الرَّمثِ قولٌ قلتهِ وهوَ صالحُ

ملاحكِ بالبردِ اليَماني وقدْ بدا

من الصّرمِ أشراطٌ لهُ وهو رائحُ

ولم أدرِ أنَّ الوصلَ منكِ خلابةٌ

كجاري سرابٍ رقرقتهُ الصَّحاصحُ

أغرّكِ منّا أنَّ دلَّكِ عندنا

وأسجادَ عينيكِ الصَّيودينِ رابحُ

وأنْ قدْ أصبتِ القلبَ منّي بلغّةٍ

وحبٍّ لهُ في أسودِ القلبِ قادحُ

ولو أنَّ حبِّي أمَّ ذي الودعِ كلَّهُ

لأهلكِ مالٌ لم تسعهُ المسارحُ

يهيمُ إلى أسماءِ شوقاً وقدْ أتَى

لهُ دونَ أسماءَ الشّغُولُ السّوانحُ

وأقصرَ عن غربِ الشّبابِ لداتُهُ

بعاقبةٍ وأبيضَّ منه المسائحُ

ولكنّه من حبِّ عزّةَ مضمرٌ

خبالاً به قدْ بطّنتهُ الجوانحُ

تصرّدُنا أسماءُ دامَ جمالُها

ويمنحُها منّي المودّةَ مانحُ

خليليّ هل أبصرتُما يومَ غيقةٍ

لعزّةَ أظعاناً لهنَّ تمايحُ

ظعائنُ كالسَّلوى التي لا جوَى لَها

أو المنَّ إذ فاحت بهنَّ الفوائحُ

كأنَّ قنا المرّانِ تحتَ خدورِها

ظباءُ الملا نيطتْ عليها الوشائحُ

تحمَّلنَ في نحرِ الظَّهيرةِ بعدَما

توقّدَ من صحنِ السُّريرِ الصَّرادحُ

على كلِّ عيهامٍ يبلُّ جديلهُ

كحيلٌ بذفراهُ وبالِّيتِ ناتحُ

خليليَّ روحا وانظر ذا لبانَةٍ

به باطنٌ من حبِّ عزَّةَ فادحُ

سبتكَ بعينَيْ ظبيةٍ يستنيصُها

أغنُّ البغامِ أعيسُ اللَّونِ راشحُ

إلى أرُكٍ بالجزعِ من بطنٍ بيشَةٍ

عليهنَّ صيّفنَ الحمامُ النّوائحُ

كأنَّ القماريَّ الهواتفَ بالضّحَى

إذا أظهرَتْ قيناتُ شربٍ صوادحُ

وذي أشرٍ عذبِ الرُّضابِ كأنَّهُ

إذا غارَ أردافُ الثُّريّا السَّوابحُ

مجاجةُ نحلٍ في أباريقَ صفِّقَتْ

بصفوِ الغوادِي شعشعتهُ المجادحُ

تروقُ عيونَ اللائي لا يطمعونَها

ويروى برياها الضّجيعُ المكافِحُ

وغرّ تغادي ظلمَهُ ببنانِها

مع الفجرِ من نعمانَ أخضرُ مائحُ

قضى كلُّ ذي دينٍ وعزَّةُ خلَّةٌ

لهُ لم تنلهُ فهو عطشانُ قامحُ

وإنَّي لأكمِي النّاسَ ما تعديننِي

من البخلِ أنْ يثرِي بذلكَ كاشِحُ

وأرضى بغيرِ البذلِ منها لعلَّها

تفارقنا أسماءُ والودُّ صالحُ

وأصبحتُ ودَّعتُ الصبِّا غير أنني

لعزَّةَ مصفٍ بالمناسبِ مادحُ

أبائنةٌ يا عزَّ عدواً نواكمُ

سقتكِ الغوادِي خلفهً والرَّوائحُ

من الشّمِّ مشراقٌ ينيف بقرطها

أسيلٌ إذا ما قلّدَ الحليَ واضحُ

وقال كثير:

ألم يحزنكَ يومَ غدَت حدوجُ

لعزَّةَ إذ أجدَّ بها الخروجُ

بضاحِي النَّقبِ حينَ خرجنَ منهُ

وخلفَ متونِ ساقتِها الخليجُ

رأيتُ جمالَها تعلُو الثّنايا

كأنَّ ذرى هوادِجها البرُوجُ

وقد مرَّتْ على تربانَ تحدَى

لها بالنَّعفِ من مللٍ وسيجُ

رأيتُ حدوجَها فظللْتُ صبّا

تهيّجنِي مع الحزنَ الحدوجُ

إذا بصرتْ بها العينانِ لجَّتْ

بدمعِهما معَ النّظرِ اللّجوجُ

وبالسّرحاتِ من ودّانَ راحتْ

عليها الرّقمُ والبلقُ البهيجُ

وهاجتني بحزمِ عفارياتٍ

وقدْ يهتاجُ و الطّربِ المهيجُ

على فضلِ الرَّواحِ تضمّنتْها

خصيباتُ المعالفِ والمروجُ

يشجُّ بها ذؤابةَ كلِّ حزنٍ

سبوتٌ أو مواكبَةٌ دروجُ

وفي الأحداجِ حينَ دنونَ قصراً

بحزنِ سويقةٍ بقرٌ دموجُ

حسانُ السَّيرِ لا متواتِراتٌ

ولا ميلٌ هوادجُها تموجُ

فكدتُّ وقد تغيّبتِ التّوالي

وهنَّ خواضعُ الحكماتِ عوجُ

بذي جددٍ من الجوزاءِ موفٍ

كأنَّ ضبابهُ القطنُ النَّسيجُ

فقدْ جاوزنَ هضبَ قتايداتٍ

وعنَّ لهنَّ من رككٍ شروجُ

أموتُ ضمانةً وتجلَّلتنِي

وقدْ أتهمنَ مردمةً ثليجُ

كأنَّ دموعَ عيني يوم بانتْ

دلاةٌ بلّها فرطٌ مهيجُ

يريعُ بها غداةَ الوردِ ساقٍ

سريحُ المتحِ بكرَتُهُ مريجُ

فلو أبديت ودَّكِ أمَّ عمروٍ

لدى الإخوانِ ساءهمُ الوليجُ

لكانَ لحبَّكِ المكتومِ شأنٌ

على زمنٍ ونحنُ بهِ نعيجُ

تؤمِّلُ أنْ تلاقي أمَّ عمرٍو

بمكَّةَ حيثُ يجتمعُ الحجيجُ

وقال كثير يمدح أبا بكر بن عبد العزيز بن مروان:

ألا أنْ نأتْ سلمَى فأنتَ عميدُ

ولمَّا يفدْ منها الغداةَ مفيدُ

ولستَ بممسٍ ليلةً ما بقيتُها

ولا مصبحٍ إلاَّ صباكَ جديدُ

ديارٌ بأعناءِ السُّريرِ كأنَّما

عليهنَّ في أكنافِ غيقةَ شيدُ

تمرُّ السَّنونَ الخالياتُ ولا أرى

بصحنِ الشَّبا أطلالهنَّ تبيدُ

فغيقةُ فالأكفالُ ظبيةٍ

نظلَّ بها أدمُ الظّباءِ ترودُ

وخطباءَ تبكي شجوها فكأنَّها

لها بالتّلاعِ القاوياتِ فقيدُ

كما استعلبتْ رأد الضّحَى حميريَّةٌ

ضروبٌ بكفَّيها الشّراعَ سمودُ

لياليَ سعدَى في الشَّبابِ الذي مضَى

ونسوتُها بيضُ السَّوالفِ غيدُ

يباشرنَ فأرَ المسكِ في كلِّ مهجعٍ

ويشرقُ جاديٌّ بهنَّ مفيدُ

فدع عنكَ سلمَى إذْ أتَى النَّأيُ دونَها

وأنتَ امرؤٌ ماضٍ زعمتَ جليدُ

وسلِّ همومَ النَّفسِ إنَّ علاجَها

إذا المرءُ لم ينبلْ بهنَّ شديدُ

بعيساءَ في دأياتِها ودفوفِها

وحارِكها تحتَ الوليِّ نهودُ

وفي صدرها صبٌّ إذا ما تدافعَتْ

وفي شعبِ بينَ المنكبَينِ سنودُ

وتحتَ قتودِ الرَّحلِ عنسٌ حريزةٍ

علاةٌ يباريها سواهمُ قودُ

تراها إذا ما الرّكبُ أصبحَ ناهلاً

ورجّيَ وردُ الماءِ وهو بعيدُ

نزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتِها

مباهيةٌ طيَّ الوشاحِ ميودُ

إليكَ أبا بكرٍ تخبُّ براكبٍ

على الأينِ فتلاءُ اليدينِ وخودُ

يجوزُ ربا الأصرامِ أصرامِ غالبٍ

أقولُ إذا ما قيلَ أينَ تريدُ

أريدُ أبا بكرٍ ولو حال دونَهُ

أماعزُ تعتالُ المطِيَّ وبيدُ

لتعلمَ أنّي للمودَّةِ حافظٌ

وما لليدِ الحسنَى لديَّ كنودُ

وإنّكَ عندي في النّوالِ وغيرهِ

وفي كلِّ حالٍ ما بقيتَ حميدُ

فآلاءُ كفٍّ منكَ طلقٍ بنانُها

ببذلكَ إذ في بعضهِنَّ جمودُ

وآلاءُ منْ قدْ حال بينِي وبينَهُ

عدىً ونقاً للسَّافياتِ طريدُ

فلا تبعدنْ تحتَ الضّريحةِ أعظمٌ

رميمٌ وأثوابٌ هناكَ جرودُ

بما قدْ أرى عبد العزيزِ نجمهُ

إذا تلتقي طلقَ الطُّلُوعِ سعودُ

له من بنيهِ مجلسٌ وبنيهمُ

كرامٌ كأطرافِ السُّيوفِ قعودُ

فما لامرئٍ حيٍّ وإنْ طالَ عمرُهُ

ولا للجبالِ الرَّاسياتِ خلودُ

وأنتَ أبا بكرٍ صفيِّيَ بعدَهُ

تحنّى على ذي ودِّهِ وتعودُ

وأنتَ امرُؤ ألهمتَ صدْقاً ونائلاً

وأورثكَ المجدَ التّليدَ جدودُ

جدودٌ من الكعبينِ بيضٌ وجوهُها

لهم مأثراتٌ مجدهنَّ تليدُ

وقال كثير:

نظرتُ وأعلامُ الشَّربَّة دوننا

فهضبُ المروراةِ الدَّوانِي وسودُها

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم بتاريخ نهار الأحد عاشر جمادى الأول من شهور سنة 998

يا ناظراً فيه العينين تنظره

لا تنس صاحبه بالخير واذكره

وهبْ له دعوةً للّه خالصة

لعلّها في محل الضيق تنفعه

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي