منتهى الطلب من أشعار العرب/مزاحم العقيلي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

مُزاحم العقيلي

مُزاحم العقيلي - منتهى الطلب من أشعار العرب

مُزاحم العقيلي وقال مُزاحم بن الحارث بن مُصرِّف بن الأعلم بن خُويلد بن عوف بن عامر بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وسُئل جَرير عن أشعر الناس، فقال غلامٌ بناصفة يأكل لحوم الوحش يعني مُزاحماً:

خليليَّ عُوجا بي على الرَّبْعِ نسألِ

متى عهدُهُ بالظاعنِ المُتحمِّلِ

فإنْ تُعْجِلاني بانصرافٍ أهجِكُما

على عَبْرَةٍ أو تَرْقئا عينَ مُعْوِلِ

فإنّكما إنْ تدعُوانِي لمثلِها

وطاوَعْتُماني في الذي قلتُ أفعَلِ

فعُجْتُ وعاجا فوقَ بيداءَ أصفقَتْ

بها الريحُ جَولانَ الترابِ المُنخَّلِ

وما هاجَهُ من دِمنةٍ بانَ أهلُها

وأمسَتْ قوىً بينَ الحصيرِ ومُحْبَلِ

كأنَّ حصاها من تقادُمِ عهدِها

صِعابُ الأعالي أُبَّدٌ لمْ تَحَلَّلِ

وهابٍ كجُثمانِ الحمامةِ أجفلَتْ

بهِ ريحُ تَرْجٍ والصَّبا كلَّ مُجْفَلِ

تكادُ مغانيَها تقولُ منَ البِلى

لسائلِها عن أهلِها لا تَعمَّلِ

وقفْتُ بها فانْهَلَّتِ العينُ بعدَما

قرَتْ حِقَباً أسبالها لم تَهلَّلِ

ذهاباً جرَتْ نفحَيْنِ جَوداً ودِيمةً

كما انهلَّ غرباً زارِع فوقَ جدولِ

عَزاءً على ما فاتَ من وصْلِ خُلّةٍ

ورَيْق شبابٍ شَلَّهُ الشيبُ مُنْجَلي

ألا لا تُذَكِّرْني أميمةَ إنّها

متى ما يُراجِعْ ذِكرُها القلبُ يجهلِ

سجنْتُ الهوى في الصدرِ حتى تطلَّعتْ

بناتُ الهوى يُعْوِلْنَ من كلِّ مِعوَلِ

ومثلُ ليالينا بخَطْمَةَ واللِّوى

بُكِينَ وأيامٍ قِصارٍ بمأْسَلِ

إذِ العيشُ لم ينكَدْ ولم يظهرِ الأذى

على أحدٍ والأرضُ لم تَتزلزَلِ

وإذْ أنا في رُودِ الشبابِ الذي مضى

أغرُّ كنصلِ السيفِ أحوى المُرَجَّلِ

حبيبٌ إلى البِيضِ الأوانسِ نازلٌ

ليَ الجاهُ من ألبابِها كلَّ منزِلِ

تَخطّى إليَّ الكاشحينَ عيونُها

إذا حضرَتْ دونَ الحديثِ المُفصَّلِ

تُطالعُني من خلِّ كلِّ خَصاصةٍ

وكُفَّةِ ديباجٍ وسِترٍ مُهوَّلِ

طِلاعَ المها الرَّقْديّ رِيعَ وفوقَهُ

أراكٌ وأرْطىً من قساءٍ وحَومَلِ

بنُجْلٍ كأعناقِ المها العِينِ أتلعَتْ

لِطافِ العيونِ لذّةِ المُتأمِّلِ

ترى في سنا الماذِيِّ في العصرِ والضحى

على غفَلاتِ الزَّينِ والمُتجمّلِ

وجوهاً لوَ انَّ المُدلجينَ اعْتَشَوا بها

صدَعْنَ الدُّجى حتى ترى الليلَ ينجلي

نواعمَ يركُلْنَ الذيولَ برَخْصةٍ

سِباطٍ وخَدْلاتٍ رِواءِ المُخلْخَلِ

ولُفَّ كأفخاذِ البَخاتِيّ ردَّها

إلى مَعْلَفٍ تَنْهاتهُ بابِ مُكْبَلِ

أباحَتْ لهنَّ المَشرفيّةُ والقَنا

أباطحَ نجْدٍ من فلاةٍ ومَنهَلِ

فهُنَّ يُصرِّفْنَ النَّوى بينَ عالجٍ

ونَجرانَ تصريفَ الأديبِ المُذلَّلِ

لهُنَّ على الريّانِ في كلِّ صَيفةٍ

فما ضمَّ ميْثُ الأزوَرَيْنِ فجُلْجُلِ

خيامٌ إذا خَبَّ السَّفا عرضَتْ لها

جوائزُ تُعْلى بالثُّمامِ المُظلِّلِ

مكانسُ بَيضٍ كلُّ بيضاءَ تلتقي

عليها رِواقا فارسيٍّ مُكلَّلِ

وبِيضٍ رغَبْتُ الوصلَ منها ومثلَها

تركْتُ سُدىً في مُحسنِ القولِ مجمِلِ

حِذاراً على نفسي هَوايَ وللفتى

مَتالفُ زَلاّتٌ إذا لم تأمَّلِ

ويومَ تلافَيْتُ الصِّبا أنْ يَفوتَني

بصهباءَ تطوي تَفْنَفَ البيدِ عَنْسَلِ

تُلاعبُ حاذَيْها وتَطَّرِحُ الشذى

بأصهبَ ضافٍ سابغِ المُتذَيِّلِ

تُنيفُ بهِ طَوراً وطَوراً تَخالُهُ

مَخاريقَ بالأقرابِ أو نفْحَ مِشْمَلِ

لها وَرِكٌ كالجَوبِ لُزَّ فَقارُهُ

نمَتْ صُعُداً في ناشزِ الخَلْقِ مُكمَلِ

وتُلحِقُها عَجْلى رَقوصٌ رمَتْ بها

على مارنٍ كالمِرضَخِ المتَبذِّلِ

كسبّاحةٍ في لُجّةِ البحرِ سَوَّمَتْ

بها الرومُ تزهاها أفنينُ شَمْأَلِ

مَفاصلُها السفلى ظِماءٌ ولحمُها

كِنازُ الأعالي من خَصيلٍ ودُخَّلِ

إذا ضمَرتْ لم يقلقِ النِّسْعُ واحْتبى

بهِ جَوزُ حدباءِ الحَصيرَينِ عَيْهَلِ

تظلُّ إذا ما أُسمعتْ عاجِ أو بدا

لها السوطُ غضْبى في الحديدِ المُسلسلِ

يُباري سَديساها إذا ما تَلمَّجتْ

شباً مثلَ إبزيمِ السلاحِ المُؤسَّلِ

تمدُّ ذراعَيْها دِلاثٌ شِمِلّةٌ

بمجرى صَفيحاتٍ من المَيسِ فُصَّلِ

وأتْلَعَ قادَ المَنكِبَيْنِ كأنّهُ

يَمانٍ نضا من ذي نِجادَيْنِ مُنْعَلِ

إذا بركَتْ خَوَّتْ على ثَفِناتِها

كجَلسةِ مَقرورٍ لدى النارِ مُصطَلي

ونَضّاخةُ الذِّفْرى رَجوفٌ كأنّها

عَلاةٌ أُنيخَتْ بينَ كِيرٍ ومِعوَلِ

يصيحُ سَديساها إذا ما تلمَّجَتْ

بِرُوقٍ حِدادٍ في مِراحٍ وأفْكِلِ

لها حُرَّتا وحشيّةٍ راعَ سمعَها

أنيسٌ مُهيبٌ بينَ سمْعٍ مُؤَلَّلِ

وكمْ دونَ جدوى من فلاةٍ كأنّها

إذا ضربَتْها الريحُ سَحْقٌ مُهَلْهَلُ

تموتُ الرياحُ الهُوجُ في حجراتِها

وأيْهاتَ من أقطارِها كلُّ مَنهَلِ

قطعْتُ بشَوشاةٍ كأنَّ قُتودَها

على خاضبٍ يعلو الأغرَّيْنِ مُجْفِلِ

كأنَّ عمودَيْ قامةٍ رجَفا بهِ

برَوقَيْهِما أفْنانُ بانٍ مُشعَّلِ

يخافُ على بَيضاتِهِ الليلَ قدْ دنا

وتَهْتانَ وكّافِ الجِنابَيْنِ مُخْضِبِ

أطافَ بهِ طَوفَيْنِ ثمَّ ثنى لهُ

نصيحةَ وُدٍّ من جِرانٍ وكَلكَلِ

فلمّا تجلّى ما تجلّى من الدُّجى

وشمَّرَ صعْلٌ كالخيالِ المُخيَّلِ

غدَوْنَ كبُهْمِ الخابِطينَ خِلافَها

وخَلفَ مُزَجٍّ يحسِرُ الكفَّ مُحْوِلِ

أذلكَ أم كُدْرِيَةٌ ظلَّ فرخُها

لقىً بشَرْوَرى كاليتيمِ المُعيَّلِ

كُداريّةٌ ليستْ بزَعْزاءَ حَمشَةٍ

ولا قُذَّتَيْ لغْبٍ على فُوقٍ مُغزِلِ

غدَتْ من عليها بعدَما تَمَّ ظِمئُها

تَصِرُّ وعنْ قَيضٍ بزِيزاءَ مَجهَلِ

غُدُوّاً طوى يومَينِ غيرَ انطلاقِها

كمِيلَيْنِ عن سَيرِ القَطا غيرَ مُؤتَلي

إذا عرضَتْ داوِيّةٌ صَيْخَدِيّةٌ

بها غمراتٌ من سرابٍ وإزْمِلِ

سمَتْ غيرَ إصعادٍ فيغتالُ شأوَها

سُمُوٌّ ولمْ تجنحْ بجِيدٍ وكَلكَلِ

تُقلِّبُ منها مَنكبَيْنِ كأنّما

خوافِيهما حُجْرِيَّةٌ لمْ تَفَلَّلِ

فجاءَتْ تَهادى من بعيدٍ كأنّها

دَلاةٌ هوَتْ من قَطْعِ رِمْثٍ مُوصَّلِ

إلى ناعمِ البَرْدِيِّ وسْطَ عيونِهِ

علاجيمُ جُونٌ بينَ صُدٍّ ومَحفِلِ

فلمّا دنَتْ للماءِ وانضمَّ ريشُها

إلى جَوزِها وحشيّةٌ لم تُهوَّلِ

إلى منهَلٍ خالي الجبا لمْ تجِدْ بهِ

أنيساً ولا إرصادَ شبْكٍ مُحبَّلِ

شفَتْ ما بها من لوحةٍ مُستكِنَّةٍ

وخلَّتْ لأفواجٍ توارَدْنَ نُهَّلِ

تَواقَعْنَ بالبطحاءِ يَحسُونَ ماءَها

كحَسوِ النصارى صِرفَ دَنٍّ مُفَلْفَلِ

فراحَتْ تُنادي باسمِها شِمَّرِيَّةٌ

سقَتْ في لطيفِ الطَّيِّ للماءِ محملِ

مُعرَّىً وثيقَ العقدِ كَفْتاً كأنّهُ

إلى المُنحنى من جِيدِها جِرْوُ حَنظَلِ

فقدْ علِمتْ إلاّ الأمانيَّ أنها

بجِدّاءَ إلاّ تسبِقِ الليلَ تثكَلِ

فزادَتْ على البَدءِ الذي استوردَتْ لهُ

أفانينَ من باقي الذخيرةِ مُفْضِلِ

فجاءَتْ ومن أخرى النهارِ بقيّةٌ

أضَرَّ بها سُلاّفُ أدعَجَ مُقبِلِ

فلمّا دنَتْ من عهدِهِ وتبيَّنتْ

معارفَ منهُ بينَ قُفٍّ وإرْمِلِ

دعَتْهُ فناداها وما اعوجَّ صدرُها

بمثلِ الذي قالتْ لهُ لمْ تبدَّلِ

فبَشَّتْ بهِ إذْ كانَ حقّاً وسبْقَها

دُجىً قد أظلَّتْها ولمّا تَجلَّلِ

فباتَتْ تُسَقِّيهِ بأرضٍ تَنُوفةٍ

كلَدِّ الشَّجى حتى ارتوى غيرَ مُعجَلِ

كما سجرَتْ ذااللَّهْدِ أمٌّ حَفِيّةٌ

بيُمنى يدَيْها من يدَيْها من نَدِيٍّ مُعَسَّلِ

وباتَتْ تُلقّيها لَهاةً كأنّما

بواطِنُها من جيّدِ الوَرْسِ تَطَّلي

وباتَتْ تُسقِّيهِ مَجاجاً كأنّهُ

إذا جاءَ من حيزومِها ماءُ مِفصَلِ

فأصبحَ جَحْناً مُزْلِغَبّاً وأصبحَتْ

تُراطِنُهُ في مُسْتَرادٍ ومَهْبَلِ

قَطاً لِقَطاً ما يُبتلى مُستقرُّهُ

مُتونُ الفلا عن ذي مَقيلٍ بمَعزلِ

ولم يلتمسْ فحلاً أبوها وإنّما

بناتُ أبيها كلُّ أرقطَ مُحْثَلِ

وقال مُزاحم أيضاً:

لصفراءَ هاجَتْكَ الغداةَ رسومُ

كأنَّ بقاياها الجُرودَ وشُومُ

تراها على طولِ القَواءِ جديدةً

وعهدُ المغاني بالحُلولِ قديمُ

منازلُ أمّا أهلُها فتحمَّلوا

فبانوا وأمّا خيمُها فمقيمُ

بكتْ دارُهم من بعدِهمْ وتَهلَّلتْ

دموعي فأيَّ الجازعينَ ألومُ

أَمُسْتَعْبِرٌ بالدارِ يبكي من الهوى

أم آخرُ يبكي شَجوَهُ ويَهيمُ

خليلَيَّ هلْ بادٍ بهِ الشيبُ إنْ بكى

وقدْ كانَ يُشكى بالعزاءِ مَلومُ

علَتْهُ غواشي عَبرةٍ ما يرُدُّها

لها من شجونِ المأقِيَيْنِ سُجومُ

وقدْ يفرِطُ الجهلُ الفتى ثمَّ تَرعوي

خِلافَ الصِّبا للجاهلينَ حُلومُ

وما ذاكَ إلاّ منْ جميعٍ تَفرَّقَتْ

بهمْ نِيّةٌ بعدَ الجوارِ قَسُومُ

تَؤمُّ بهِ الآفاقَ حتى تُبِينَهُ

مُعاودةٌ قَطْعَ الفِراقِ جَذُومُ

كما انشقَّ بُرْدُ العصْبِ منّي فأصبحوا

فمُحتملٌ ولَّى وباتَ مُقيمُ

فذلكَ دأبٌ للنَّوى ليسَ مُخلِفي

إذا كانَ لي جارٌ عليَّ كريمُ

فما للنَّوى لا بارَكَ اللهُ في النَّوى

وأمرٌ لها بعدَ الخِلاجِ عَرِيمُ

كأنَّ لها ذَحْلاً عليَّ فتَبْتغي

أذاتي وغَيظي إنّها لظلومُ

وفيمنْ تولّى حاجةٌ لكَ إنْ تمُتْ

فعلَّ وإنْ تُبْلِلْ يُبِلَّ سقيمُ

فسلِّ الهوى إنْ لم تُساعِفْكَ نِيّةٌ

بجدوى لأعناقِ المَطيِّ حَمومُ

بمائرةِ الضّبعَيْنِ أخلصَ مَتنَها

صَلاً كرِتاجِ الهاجرِيِّ عقيمُ

سِنادٍ أُمرَّتْ في اعتدالٍ وخَلقُها

مُضَبَّرُ أوساطِ العِظامِ جَريمُ

كأحقَبَ من وحشِ الغَميمِ بمَتنِهِ

وليتَيْهِ من عضِّ الحميرِ كُدومُ

أطاعَ لهُ بالمِذْنبَيْنِ وَكَتْنَةٍ

نَصِيٌّ وأحوى دُخَّلٍ وجَميمُ

فقدْ صارَ مَجدولاً أقَبَّ كأنّهُ

عِنانٌ خلَتْ فيهِ يدٌ وشَكيمُ

يَسُوفُ بأنفَيْهِ اليَفاعَ كأنّهُ

عنِ النفْلِ من فرْطِ النشاطِ كَعيمُ

شديدُ مُسَدّى البطنِ مُنكَفِتُ الحشا

لهُ بالقَواري رَنّةٌ ونَهيمُ

أُشِبَّ بمِشْحاجِ العَشيّاتِ ضَمْعَجٍ

فأفردَ عنها الجحشَ فهْوَ يتيمُ

لها ولَهُ دَورٌ بكلِّ قَرارةٍ

ونقْعٍ بمُستلقى الفضاءِ قَويمُ

ندى الصيفِ حتى جاوبَ العِشْرِقُ السَّفا

وهبَّتْ رياحٌ واستقلَّ نُجومُ

ولاحَهُما بعدَ النَّسيءِ ظَماءةٌ

ولمْ يكُ عن وِردِ المياهِ عُكومُ

فراحا كأعطالِ المنيحَيْنِ فيهما

ذبولٌ ولمّا يَصْمُلا وسُهومُ

نِجاداً يَرِدْنَ الماءَ حتى بدا لهُ

وقدْ حانَ من ذاتِ العِشاءِ غيومُ

أشاءٌ وبَردِيٌّ تَنازَعَ سُوقَهُ

برَبواءَ مأدُ الماءِ فهْوَ عَميمُ

فلمّا دنا خافَ الجِنانَ كما اتقى

على نفسِهِ خاشي العقابِ جَريمُ

وبالأُفقِ الغربيِّ والشمسُ حيّةٌ

سَبائبُ من أخرى النهارِ قُتومُ

وجاءَتْ تَقَدَّى في الدُّجى أخدرِيّةٌ

على هَولِ نفْرِ الواديَيْنِ تدومُ

وفي قُتَرِ الناموسِ تحتَ صَفيحةٍ

أخو قنَصٍ للهادياتِ كَلومُ

فلما دنَتْ دفْعُ اليدَيْنِ وأعرضَتْ

لهُ صفحةٌ من جَوزِها وصَميمُ

تنكَّبَ من زَوراءَ يلحقُ نبلَها

إلى الصيدِ عجزٌ في الشِّمالِ طَحومُ

بأخضرَ مَطرورِ الوَقيعةِ سَنَّهُ

وحشَّرَهُ بالأمسِ فهْوَ زَليمُ

فأخطأَها وانفلَّ عن ظهرِ خالدٍ

منَ الجَندِ مَردودُ الشَّباةِ رَثيمُ

فجالَتْ على وحشِيِّها بعدَ دَنْوَةٍ

منَ الموتِ واستولى أحَذُّ رَجومُ

وأصبحَ يَحويها كأنَّ صِفاقَهُ

منَ الترسِ في أولى الجيادِ لَطيمُ

بمَرْقَبةٍ عَلياءَ يرفعُ طرْفَهُ

بها علَمٌ دونَ السماءِ جَسيمُ

تكشَّفُ عن طاوي الغِرارِ كأنّهُ

فلافلُ جُونٌ عهدُهُنَّ قديمُ

كقَوسٍ منَ الشِّريانِ ليسَ بفَجوِها

فُطورٌ ولا بالطائفينَ وصومُ

أذلكَ أمْ كُدْرِيَّةٌ هاجَ وِردَها

منَ القَيظِ يومٌ صاخدٌ وسَمومُ

غدَتْ كنواةِ المُقْلِ لا مُضمحلّةٌ

وناةٌ ولا عَجلى الفُتورِ سَؤومُ

لتسقي زُغْباً بالتَّنوفةِ لم تكنْ

خِلافَ مُولاّها لهُنَّ حَميمُ

تَرابِكَ في الأرضِ الفلاةِ ومنْ يضَعْ

بمَوضِعِها الأولادَ فهْوَ مُليمُ

جُنوحاً بزِيزاةٍ كأنَّ متونَها

أفاني حَياً بعدَ النباتِ حَطيمُ

إذا استقبلَتْها الريحُ طَمَّتْ رفيعةً

وإنْ كسعَتْها الريحُ فهْيَ سَؤومُ

تُواشكُ رَجعَ المَنكبَيْنِ وترتمي

إلى كَلْكَلٍ للهادِياتِ قَدُومُ

فما انخفضَتْ حتى رأتْ ما يَسرُّها

وفيءُ الضحى قد آلَ فهْوَ ذَميمُ

أباطِحَ لم تنصَبْ على حيثُ تستقي

بها شَرَكٌ للوارِداتِ مُقيمُ

سقَتْها سُيولُ المُوشِماتِ فأصبحَتْ

علاجِمَ تجري مرّةً وتدومُ

فلما استقَتْ من باردِ الماءِ وانجلى

عنِ النفسِ منها لوعةً وهمومُ

دعَتْ باسمِها حتى استقَتْ واستقلَّها

قوادمُ حُجْنٌ ريشُهنَّ سليمُ

بجَوزٍ كحُقِّ الهاجريّةِ لَزَّهُ

بأطرافِ عودِ الفارسيِّ لَطيمُ

فغنَّتْ عُنوناً وهْيَ صَغواءُ ما بها

ولا بالخوافي الخافقاتِ حشومُ

على خطمِ جَونٍ قد بدا من ظلالِهِ

غطاءٌ يكُفُّ الناظرينَ بَهيمُ

رمى بالنهارِ الغَورَ فالطيرُ جُنَّحٌ

رفاقٌ بِعيدانِ العِضاهِ لزومُ

دعَتْهُنَّ عَجلى فاستجَبْنَ لصوتِها

بمَهوىً وهنَّ كالكراتِ جُثومُ

يَنُؤْنَ إلى النَّقْناقِ حيثُ سمِعْنَهُ

قِصار الخُطى ليستْ لهنَّ جُرومُ

تُراطِنُ وقْصاءَ القفا حَمْشةَ الشَّوى

بدعوى القطا لحنٌ لهنَّ قديمُ

تَنُوفيّةُ الأوطانِ كالدُّرْجِ زانَهُ

بأطرافِ عُودِ الفارسيِّ رُقومُ

فبِتْنَ قريراتِ العيونِ وقدْ جرى

عليهنَّ شِربٌ فاستقَيْنَ مُنيمُ

صَبيبَ سِقاءِ نِيطَ قدْ نزلتْ بهِ

مُعاوِدةٌ سِقْيَ الفراخِ رَؤومُ

فلمّا انجلَتْ عنها الدجى وتبيَّنتْ

منَ الأرضِ والأجلاءِ حيثُ تَحومُ

أصادِعةٌ شَعبانُ منها أديمُها

ونحنُ صِحاحٌ والأديمُ سليمُ

وأنتمْ بنو لُبنى ونحنُ فكُلُّنا

لهُ جانبٌ يختارُهُ وحَريمُ

وقال مُزاحم أيضاً:

أشاقَتْكَ بالغَرَّيْنِ دارٌ تأبَّدتْ

منَ الحيِّ واستَنَّتْ عليها العواصفُ

صَباً وشَمالاً نَيْرَجاً تَعْتَفِيها

عَثانينُ نَوباتِ الجَنوبِ الزَّفازِفُ

ورائحةٌ غُرٌّ وجُونٌ يقودُها

بأنجِيَةِ الماءِ الرّواءِ الدوالِفُ

وقفتُ بها لا قاضياً لي لُبانةً

ولا مُستمِرٌّ في سَريحٍ فصارِفُ

طليحةَ أسفارٍ تنقَّيْتُ طَرقَها

كما يتنقَّى جِدّةَ الغِلِّ طائفُ

سَراةَ الضحى حتى ألاذَ بخُفِّها

بقيةُ منقوصٍ من الظلِّ صائفُ

وقفتُ بها حتى تعالَتْ ليَ الضحى

ومَلَّ الوقوفَ المُبرياتُ العوارفُ

وقال زميلي بعدَ طولِ مُناخِنا

إلى أيِّ حينٍ أنتَ في الدارِ واقفُ

فقلتُ حَلٍ طالَ الوقوفُ وسامحَتْ

قرينةُ من عاتبْتُ والقلبُ آلِفُ

وما جَونةُ المِدْرى خَذولٌ دَنا لها

بقُرىً مُلاحِيٌّ من المَرْدِ ناطِفُ

أصيبَ طَلاها وهْيَ قَبّاءُ لاحَها

تَلمُّسُ حولِ العهدِ ما لا تصادفُ

طَليحٌ كجَفنِ السيفِ لم يشْفِ لُبَّها

إهابٌ مُشَكَّىً في كُراعَيْنِ شاسِفُ

جرَتْ حزَناً حتى إذا ارتدَّ لُبُّها

إليها وأعيَتْها البُغى والمَطارفُ

تَضمَّنَها أعطانُ وادٍ وغَيْضَةٌ

وظِلُّ كِناسٍ لاذَ بالساقِ جائفُ

بأحسنَ من جدوى ولا ضوءُ مُزنةٍ

تَكشَّفُ في داني الغَمامةِ صايفُ

ووجْدي بها وجْدُ المُضِلِّ بعيرَهُ

بمكّةَ لم تعطِفْ عليهِ العواطفُ

رأى من رفيقَيْهِ جَفاءً وفاتَهُ

بفُرقَتِها المُستعجِلاتُ الخوانِفُ

وقالوا تعرَّفْها المنازلَ من مِنىً

وما كلُّ من وافى مِنىً أنا عارفُ

ولم أنسَ منها ليلةَ الجِزعِ إذْ مشتْ

إليَّ وأصحابي مُنِيخٌ وواقفُ

فمدَّتْ بَناناً للصِّفاحِ كأنّهُ

بناتُ النَّقا مالَتْ بهنَّ الأحاقفُ

تُذكِّرُني جدوى على النأيِ والعِدى

طِوالُ الليالي والحَمامُ الهواتفُ

وإلفانِ رِيعا بالفِراقِ فمنهُما

مُجِدٌّ ومقصورٌ لهُ القَيدُ راسِفُ

فقدْ باكرَ الغادي معَ القومِ سائقٌ

عنيفٌ وللتالي معَ القيدِ واقفُ

ومنْ يرَ جدوى كالذي قد رأيتُها

يشُقْهُ ويجهَدُهُ إليها التكاليفُ

كصَعدَةِ مُرّانٍ جرى تحتَ ظِلِّها

خليجٌ أمَّرَتْهُ البحورُ الزَّعارفُ

ولو بذلَتْ أنْساً لأعصَمَ عاقلٍ

برأسِ الشَّرى قدْ حوَّذَتْهُ المخاوِفُ

لظلَّ رهيناً خاشعَ الطرْفِ حطَهُ

تَحلُّبُ جدوى والكلامُ الطرائفُ

وما عنبٌ جَونٌ بأعلى تَبالةٍ

خَضيدٌ أمالَتْهُ الأكُفُّ القواطفُ

بأطيبَ من فيها وما ذقتُ طعمَهُ

ولكنّني بالطيرِ والناسِ عارفُ

فما طِيبُها وَيْ أنْ يكونَ خيالُها

عليَّ وأمثالُ الرواةِ القذائفُ

وتَغْلِقُ دوني بابَ صُرْمٍ وراءَهُ

لغيري كَراماتُ المُحبِّ اللطائفُ

أبِيني أتَغويلٌ علينا فتُعْتِبي

صدودُكِ هذا أم لعينِكِ طارفُ

وما زالَ عنّا الناسُ حتى ارتَووا بنا

وحتى قلوبٌ عن قلوبٍ صَوادفُ

وحتى رأيْنا أحسنَ الوُدِّ بينَنا

مُساكتةً لا يَقرُفُ الشرَّ قارِفُ

ركْبٍ عِجالٍ قد تَضمَّنتُ سَيرَهمْ

بمَهلكَةٍ تمتدُّ فيها التنائفُ

فلاةِ فلاً لَمّاعةٍ من يَجُرْ بها

عنِ القَزْدِ تجحفْهُ المنايا الجواحفُ

تناديهمْ والليلُ داجٍ وقدْ مضتْ

برُكبانِهنَّ المُعْجِلاتُ الخَوانفُ

بحَيِّ هلا يتْبَعْنَ حرفاً زوى

أمامَ المطايا سدْوُها المتقاذِفُ

تَقاذُفُ رَوْحاوَيْنِ يطَّرِدانِها

تُباريهما حتى يَسَلَّ المُسالِفُ

تُحاذرُ أنَّى دارَ سَوْطِي بمُقلةٍ

مُسيّرةٍ خوفٍ طَرفُها مُتشادِفُ

كقارورةِ العطّارِ في مُطمئِنِّها

بقيّةُ أحوى صفَّقَ الماءَ ناصِفُ

دموعُ المآقي في خشاشٍ مُذكّرٍ

لمُفتَرَعِ اللحْيَيْنِ فيها نَفانفُ

صُهابِيّةٌ ما بينَ مَقْبِصها إليَّ

للمُستوي منها مَرَدٌ نفاِفُ

وقال مُزاحم أيضاً:

نظرْتُ وصُحبَتي بقصورِ حَجْرٍ

برَيّا الطرْفِ غائرةَ الحِجاجِ

إلى ظُعُنِ الفُضَيلةِ طالعاتٍ

خصورَ الرملِ واردةَ الهَماجِ

وتحتي من بناتِ العيدِ نِقْصٌ

أضَرَّ بنَيِّهِ سَيرٌ هَجاجِ

إذا ما السوطُ شمَّرَ حالبَيْهِ

وقلَّصَ بدْنَهُ بعدَ انحِضاجِ

رأيتَ دَسيعةً للرَّحلِ منهُ

على دَحَمٍ مُخَوِّيةِ الفِجاجِ

ومَوماةٍ كظهرِ الترسِ تحمي

تَماحُلَ بِيدِها خُدْلُ النعاجِ

بها يقعُ السحابُ بغيرٍ أُنسٍ

ويُلْقحُ وحشَها بعدَ النتاجِ

قطعْتُ إذا القوارعُ أرَّقتْني

بسَدْوِ مُقدِّمِ الضبعَيْنِ ناجِ

خَروجِ المنكِبَيْنِ منَ المطايا

إذا ما قيلَ للشُّجُعاتِ عاجِ

كأنَّ زِمامَهُ يُثنى إلينا

قناةُ رُدَيْنةٍ ذاتُ اعوجاجِ

كأنَّ ندى نوابعِ أخدعَيْهِ

عصيرُ صنوبرٍ ذَفِرِ المُجاجِ

تَحدَّرَ من مُرَيْئِشةٍ تراها

كعِفْرِيَةِ الغَيورِ من الدجاجِ

تقدَّمَ سَدْوَ لاحقةٍ أبُوضٍ

تأطَّرَ خلفَها غيرَ انشِناجِ

إلى حاذٍ ألفَّ ترى صلاهُ

وفَقْرَتَهُ كمَضْبورِ الرِّتاجِ

يمُدُّ جَديلَهُ المثني حتى

يصيرَ مُورَّداً بعدَ انضِراجِ

وجَوزٌ جَهْضَمٌ جنحَتْ إليهِ

زوافرُ فاعتدلْنَ على انتفاجِ

وقال مزاحم أيضاً:

يا للرجالِ لهَمٍّ باتَ يسلبُني

لُبِّي ويَحلُبُ عيني دِرّةً هَمَلا

ألمْ ترَ الشيبَ في رأسي فيُعقِبُني

من منزلٍ كنتُ من رَوعاتِهِ وَجِلا

من دِمْنَةٍ قدْ أحالَتْ بعدَ ساكنِها

حولَيْنِ واستبدلَتْ من أهلِها بدلا

رُبْدَ النِّعامِ وآراماً تَريعُ بها

مثلَ الهجائنِ في أوطانِها همَلا

إنَّ الديارِ التي حِيلتْ بذي سلَمٍ

هاجَتْ عليكَ رَجيعَ الشوقِ مُختَبِلا

وما يهيجُكَ من سُفْعٍ برابيةٍ

ودارسٍ مثلِ مُلقى الطَّوقِ قد نحلا

حكَّتْ به نَبْرَجٌ هوجاءُ كَلْكَلَها

حتى تغيَّرَ واستنَّتْ به بلَلا

تهدي له من ترابِ الأرضِ مُعتَصِباً

طوعَ السِّياقِ إذا حنَّتْ له جفَلا

قد قلتُ يومَ اللِّوى منْ بطنِ ذي عُشَرٍ

لصاحبيَّ وقدْ أسمعتُ لو فعلا

لأريحيَّيْنِ كالسيفَيْنِ قد مرَدا

على العواذلِ حتى شيَّبا العذلا

عُوجا عليَّ صدورَ العيسِ ويْحَكُما

حتى نُحيِّ من كلثومةَ الطَّللا

فعوَّجا ضَمْعجاً في سيرِها دفَقٌ

ومِرْجَماً كشَسِيبِ النبعِ مُبتَذلا

نِضوَيْنِ قد طالَ ما عنَّاهُما طرَبي

أيامَ أتَّبِعُ الأهواءَ والغزلا

وعُجْتُ عارفةً للحبسِ ناجيةً

تحتَ القتودِ تَبُذُّ الأيْنُقَ الرِّحَلا

حرفاً ترى في ذراعَيها إذا سنحَتْ

والمِرفقَيْنِ إذا استعرضتها فتلا

طالَتْ مذارِعُها واشتدَّ مَحْزِمُها

وموضعُ الرَّحلِ منها تَمَّ واعتدلا

تُلوي بأصهبَ ذَيّالٍ إذا ضمرَتْ

يوماً وقلَّصَ حادي القومِ واعتدلا

وفي الخِشاشةِ منها طامحٌ أنِفٌ

ونابُها فاطرٌ لمْ يعْدُ أن بَقَلا

ثَبْجاءُ مائرةُ الضَّبعَيْنِ تحسِبُها

منَ الخلاءِ إذا ما أونِسَتْ جملا

أتِيكَ أمْ ناهزٌ في السيرِ مُضْطَلِعٌ

مشيَ الرِّكابِ إذا استجهلَتهُ جَهِلا

بمثلِهِ تُطلبُ الحاجاتُ إنْ شحطَتْ

دارٌ بهِ أو أُسَلِّي الهمَّ إنْ نزلا

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي