منتهى الطلب من أشعار العرب/نهشل بن حري

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

نهشل بن حرِّيّ

نهشل بن حرِّيّ - منتهى الطلب من أشعار العرب

نهشل بن حرِّيّ وقال نهشل بن حرِّيّ بن ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم:

يخالجنَ أشطانَ الهوى كلَّ وجهةٍ

بذي السِّدرِ حتَّى خفتَ أنْ لنْ تريَّما

غرائرُ لم يتركنَ للنَّفسِ إذ علَوا

على الصُّهبِ تُحدى السَّيرَ روحاً وأعظُما

سراةَ الضُّحى ثمَّ استمرَّ حداتهمْ

على كلِّ موَّارِ الملاطينِ أخزما

على كلِّ حرِّ اللَّونِ صافٍ نجارهُ

يواهقُ جوناً ذا عثانينَ مكرما

إذا اجتهدَ الرُّكبانُ ذلَّتْ وسامحتْ

وإنْ قصَّروا عاجُوا سماماً مخزَّما

كأنَّ ظباءَ السِّيِّ أو عينَ عالجٍ

على العيرِ أو أبهى بهاءً وأفخما

كأنَّ غمامَ الصَّيفِ تحتَ خدورِها

جلا البرقَ عنْ أعطافهِ فتبسَّما

تهادينَ يومَ البينِ كلَّ تحيَّةٍ

وكيفَ التَّهادي بالودادةِ بعدَما

تفرقنَ عنْ أهوالِ أرضٍ مريضةٍ

ترى لونَها منَ المخافةِ أقتَما

فأصبحَ جمعُ القومِ شتّى ولمْ يكنْ

يفرِّقُ إلاَّ ذا زهاءٍ عرمرما

كأنَّ بواديهم هلالَ بنَ عامرٍ

وإنْ لم يكنْ إلاَّ حميماً أو ابنَ ما

كما انشقَّ وادٍ شعبتينِ كلاهُما

يعارضُ عرنيناً من الرَّملِ أحزَما

تبيتُ لها الوجناءُ من رهبةِ الرَّدى

بأقتابِها والسَّابحُ الطَّرفُ ملجَما

رَذايا بَغايا مقشعرّاً جنوبُها

يغضُّونَ منْ أجراسِها أنْ تزغَّما

يغضُّونَ صوتَ العيسِ إلاَّ صريفَها

وصوتَ الصِّريحيَّاتِ إلاَّ تحمحُما

بني قطنٍ إنِّي عبدتُ بيوتكمْ

برهوةَ داراً أو أعزَّ وأكرَما

فلا تنزلُوا من رأسِ رهوةَ داركمْ

إلى خربٍ لا تمسكُ السَّيلَ أثلَما

أناسٌ إذ حلَّتْ بواٍد بيوتهمْ

نفى الطَّيرَ حتَّى لا ترى الطَّيرُ مجثَما

تظلِّلُ منْ شمسِ النَّهارِ رماحهمْ

إذا ركزَ القومُ الوشيجَ المقوَّما

ترى كلَّ لونِ الخيلِ وسطَ بيوتهمْ

أبابيلَ تعدُو بالمتانِ وهيَّما

وذي عزَّةٍ أنذرنهُ من أمامهِ

فلمَّا عصاني في المضاءِ تندَّما

فودَّ بضاحي جلدهِ لوْ أطاعني

إذا زلَّ واعروْرى بهِ الأمرُ معظَما

وفرَّقَ بينَ الحيِّ بعدَ اجتماعهمْ

مشائيمُ دقُّوا بينهمْ عطرَ منشِما

غواةٌ كنيرانِ الحريقِ تسوقهُ

شآميَّةٌ في حائلِ العربِ أصحَما

إذا ألهب من جانبٍ باخَ شرُّهُ

ذكا لهبٌ من جانبٍ فتضرَّما

وفي النَّاسِ أذرابٌ إذا ما نهيتهمْ

عنِ الشَّرِّ كالنُّشَّابِ ينزعُ مقدِما

جزى اللهُ قومي منْ شفيعٍ وطالبٍ

عنِ الأصلِ والجاني ربيعاً وأنعُما

ولوْ أنَّ قومي يقبَل المالُ منهمُ

لمدُّوا النَّدى سيلاً إلى المجدِ مفعَما

لما عدموا منْ نهشلٍ ذا حفيظةٍ

بصيراً بأخلاقِ امرئ الصِّدقِ خضرِما

حمولاً لأثقالِ العشيرَة بينَها

إذا أجشموهُ باعَ مجدٍ تجشَّما

ولكنْ أبى قومٌ أصيبَ أخوهمُ

رُقى النَّاس واختاروا على اللَّبنِ الدَّما

أرى قومَنا يبكونَ شجوَ نفوسهمْ

وقدْ بعثُوا منَّا كذلكَ مأتَما

على فاجعٍ هدَّ العشيرةَ فقدهُ

كرورٍ إذا ما فارسُ الشَّدِّ أحجَما

فإذا جلَّتِ الأحداثُ وانشقَّتِ العصا

فولَّى الإلهُ اللَّومَ منْ كانَ ألوما

وقال نهشل أيضاً:

أجدَّكَ شاقتكَ الرُّسومُ الدوارسُ

بجنبيْ قَساً قدْ غيَّرتْها الرَّوامِسُ

فلمْ يبقَ منها غيرُ نؤيٍ نباهُ

منَ السَّيلِ العذارَى العوانِسُ

وموقدُ نيرانٍ كأنَّ رسومَها

بحولينِ بالقاعِ الجديدِ الطّيالِسُ

لياليَ إذْ سلمى بها لك جارةٌ

وإذْ لمْ تخبِّرْ بالفراقِ العواطِسُ

لياليَ سلمى درَّةٌ عندَ غائصٍ

تضيءُ لكَ الظَّلماءَ واللَّيلُ دامِسُ

تناولَها في لجَّة البحرِ بعدَما

رأى الموتَ ثمَّ احتالَ حوتٌ مغامِسُ

فجاءَ بها يُعطي المنَى مِن ورائها

ويأبَى فيُغليها على منْ يماكِسُ

إذا صدَّ عنها تاجرٌ جاءَ تاجرٌ

مِن العجمِ مخشيٌّ عليهِ النَّقارِسُ

يسومونهُ خلدَ الحياةِ ودونَها

بروجُ الرُّخامِ والأسودُ الحوارِسُ

وما روضةٌ مِن بطنِ فلجٍ تعاونتْ

لها بالرَّبيعِ المدجِناتِ الرَّواجِسُ

حمتْها رماحُ الحربِ واعتمَّ نبتُها

وأعشبَ ميثُ الجانبينِ الرَّوائِسُ

بأحسنَ من سلمى غداةَ انبرَى لنا

بذاتِ الآزاءِ المرشقاتُ الأوانِسُ

نواعمُ لا يسألنَ حيّاً ببثِّهِ

عليهنَّ حليٌ كاملٌ وملابسُ

لنا إبلٌ لم نكتسبْها بغدرةٍ

ولمْ يغنَ مولاها السِّنونُ الأحامِسُ

نحلِّئها عنْ جارِنا وشرِيبنا

وإن صبَّحتنا وهي عوجٌ خوامِسُ

ويحبسُها في كلِّ يومِ كريهةٍ

وللحقِّ في مالِ الكريمِ محابِسُ

وحتَّى تريحَ الذَّمَّ والذَّمُّ يتَّقى

ويروى بذاتِ الجمَّةِ المتغامِسُ

فتصبحُ يومَ الوردِ غلباً كأنَّها

هضابُ شروْرى مسنفاتٌ قناعِسُ

تساقطُ شفَّانَ الصَّبا عنْ متونِها

لأكتافِها منَ الخميلِ برانِسُ

تلبَّطُ ما بينَ الثَّماني وقلهبٍ

بحيثُ تلاقى خمصهُ المتكاوِسُ

يصدُّ العدَى عنها فتوٌّ مساعرٌ

وتركبُ عوفٌ دونَها ومقاعِسُ

بكلِّ طوالِ السَّاعدينِ شمردلٍ

غلا جسمهُ واشتدَّ منهُ الأباخِسُ

بأيديهم في كلِّ يومٍ كريهةٍ

على الأعوجِياتِ الرِّماحُ المداعِسُ

وقال نهشل يرثي أخاه مالكاً، وهو المخوَّل:

ذكرتُ أخي المخوَّلَ بعدَ يأسٍ

فهاجَ عليَّ ذكراهُ اشتياقي

فلا أنْسى أخي ما دمتُ حيّاً

وإخواني بأقريةِ العناقِ

فوارسُنا بدار وذي قساءٍ

وأيسارَ الهريَّةِ والطِّراقِ

يجرُّونَ العضال إلى الندامى

بروض الحزن من كنفي أفاق

ويغلون السِّباءَ إذا لقوهُ

بربع الخيلِ والشَّولِ الحقاقِ

إذا اتَّصلوا وقالوا يالَ غرفٍ

وراحُوا في المحبَّرةِ الرِّقاقِ

أجابكَ كلُّ أروعَ شمّريٌّ

رخيُّ البالِ منطلقُ الخناقِ

أناسٌ صالحونَ نشأتُ فيهمْ

فأودَوا بعدَ إلفٍ واتِّساقِ

مضَوا لسبيلهمْ ولبثتُ عنهمْ

ولكنْ لا محالةَ مِن لحاقِ

كذي الأُلاَّفِ إذ أدلجنَ عنهُ

فحنَّ ولا يتوقُ إلى متاقِ

أرى الدُّنيا ونحنُ نعيثُ فيها

مولِّيةً تهيَّأُ لانطلاقِ

أعاذلَ قدْ بقيتُ بقاءَ نفسٍ

وما حيٌّ على الدُّنيا بباقِ

كأنَّ الشَّيبَ والأحداثَ تجري

إلى نفسِ الفتى فرسا سباقِ

فإمَّا الشَّيبُ يدركهُ وإمَّا

يُلاقي حتفهُ فيما يُلاقي

فإنْ تك لمَّتي بالشَّيبِ أمستْ

شميطَ اللَّونِ واضحةَ المشاقِ

فقدْ أغدو بداجيةٍ أُربِّي

بها المتطلِّعاتِ منَ الرِّواقِ

إليَّ كأنَّهنَّ ظباءُ قفرٍ

برهبَى أوْ بباعجتيْ فتاقِ

وقدْ تلهُو إليَّ منعَّماتٌ

سواجي الطَّرفِ بالنَّظرِ البراقِ

يُرامقنَ الجبالَ بغيرِ وصلٍ

وليسَ وصال حبلِي بالرِّماقِ

وعهدُ الغانياتِ كعهدِ قينٍ

ونتْ عنهُ الجعائلُ مستذاقِ

كجلبِ السَّوءِ يعجبُ مَن رآهُ

ولا يشفي الحوائمَ مِنْ لماقِ

فلا يبعدْ مضائي في الميامِي

وإشرافي العلايةَ وانْصفاقي

وغبراءَ القتامِ جلوتُ عنِّي

بعجْلى الطَّرفِ سالمةَ المآقي

وقد طوَّفتُ في الآفاقِ حتَّى

سئمتُ النَّصَّ بالقلصِ العتاقِ

هبطتُ السَّيلحينِ وذاتَ عرقٍ

وأوردتُ المطيَّ عُلى حذاقِ

وكمْ قاسيتُ من سنَةٍ جمادٍ

تعصُّ اللَّحمَ ما دونَ العُراقِ

إذا أفنيتُها بدِّلتُ أُخرى

أعدُّ شهورها عددَ الأواقي

فأفنتْني السّنون وليسَ تفنَى

وتعدادُ الأهلَّةِ والمحاقِ

وما سبقَ الحوادثَ ليثُ غابٍ

يجرُّ لعرسهِ جزرَ الرِّفاقِ

كميتٌ تعجزُ الحلفاءُ عنهُ

كبغلِ المرجِ حطَّ منَ الزِّناقِ

تنازعهُ الفريسةَ أمُّ شبلٍ

عبوسُ الوجهِ فاحشةُ العناقِ

ولا بطلٌ تفادَى الخيلَ منُ

فرارَ الطَّيرِ من بردٍ بعاقِ

كريمٌ مِن خزيمةَ أو تميمٍ

أغرُّ على مسافعةٍ مزاقِ

فذلكَ إنْ تخطأهُ المنايا

فكيفَ يقيهِ طولَ الدَّهرِ واقِ

وقال نهشل حين هرب إلى بني سعد بن زيد مناة لما جدعوا أذن نهيك بن الحارث بن نهيك:

سمتْ لكَ حاجةٌ منْ حبِّ سلمى

وصحبكَ بينَ عروَى والطُّواحِ

فبتُّ كذي اللَّذاذةِ خالستهُ

فراتُ المزجِ عاليةُ الرِّباحِ

سَباها تاجرٌ منْ أذرعاتٍ

بأغلاءِ العطيَّةِ والسَّماحِ

ولستَ بعازفٍ عن ذكرِ سلمى

وقلبكَ عن تماضرَ غيرُ صاحِ

تبسَّمُ عنْ حصَى بردٍ عذابٍ

أغرَّ كأنَّهُ نورُ الأقاحي

إذا ما ذقتهُ عسلٌ مصفَّى

جنتهُ النَّحلُ في علمٍ شناحِ

وقدْ قطعتْ تماضرُ بطنَ قوٍّ

يمانيةَ التَّهجُّرِ والرَّواحِ

كأنَّ حمولَها لمَّا استقلَّت

بذي الأحزابِ أسفلَ منْ نساحِ

خلايا زنبريٍّ عابراتٍ

عَدَوْلى عامداتٍ للقراحِ

كأنَّ منازلاً بالفأوِ منها

مدادُ معلّمٍ يتلوهُ واحي

وما يومٌ تحيِّيهِ سليمى

بخبراءِ البجادةِ أوْ صباحِ

بمسؤومٍ زيارتهُ طويلٍ

ولا نحسٍ منَ الأيَّامِ ضاحي

وما أدماءُ مولفةٌ سلاماً

وسدراً بينَ تنهيةٍ وراحِ

تضمَّنها مساربُ ذي قساءٍ

مكانَ النَّصلِ منْ بدنِ السِّلاحِ

بأحسنَ من تماضرَ يومَ قامتْ

تودِّعنا لبينٍ فانسراحِ

ألا أبلغْ بني قطنٍ رسولاً

كلامَ أخٍ يعاتبُ غير لاحِ

فما فارقتهمْ حتَّى أظنُّوا

وبيَّنَ منْ شواكلهمْ نواحي

وما تُخلى لكمْ إبلي إذا ما

رعتْ قطمانَ أو كنفيْ ركاحِ

ولمْ تحمُوا على نعمِ ابنِ سؤرٍ

صوامَ إلى أذيرعَ فاللِّياحِ

فما لهمُ بمرتعهِ مندًّى

ولا بحياضهِ أدنى نضاحِ

تشمَّسَ دونها عوفُ بن كعبٍ

ببيضِ المشرفيَّةِ والرِّماحِ

وآل مقاعسٍ لمْ يخذلُوها

على حربٍ أُريدَ ولا صلاحِ

وينصرُها منَ الأبناءِ جمعٌ

حماةُ الحربِ مكروهُو النّطاحِ

وبانِي المجد حمّانُ بنُ كعبٍ

وباني المجد وكِّلَ بالنَّجاحِ

وإنْ أدعُ الأجاربَ ينجدُوني

بجمعٍ لا يهدُّ منَ الصِّياحِ

أولئكَ والدي وعرفتُ منهمْ

مكاني غيرَ مؤتشبِ المراحِ

تقادُ وراءها بينَ الشَّماني

وبصوةَ كلُّ سلهبةٍ وقاحِ

وكلُّ طمرَّةٍ شنجٍ نساها

وعجلَى الشَّدِّ صادقة المراحِ

إذا اضطربَ الحزامُ على حشاها

منَ الأعمالِ مضطربَ الوشاحِ

وخِنذيذٍ تصيدُ الرُّبدَ عفواً

وقبَّ الأخدَريَّةِ في الصَّباحِ

كأنَّ مجالهنَّ ببطنِ رهبَى

إلى قطمانَ آثارُ السِّلاحِ

كأنَّ ورائدُ المهراتِ فيهمْ

جواري السِّندِ مرسلةَ السِّباحِ

كأنَّ الشَّاحجاتِ ببطنِ رهبَى

لدى قنَّاصها بدنُ الأضاحي

فمنْ يعملْ إلينا قرضَ صدقٍ

على حينِ التَّكشُّفِ والشِّياحِ

يجدهُ حينَ يكشفُ عنْ ثراهُ

كذخرِ السَّمنِ في الأدمِ الصّحاحِ

ومنْ يعملْ بغشٍّ لا يضرنا

وتأخذهُ الدَّوائرُ بالجناحِ

وقال نهشل أيضاً:

رأتْني ابنةُ الكلبيِّ أقصرَ باطلِي

وكادتْ ندامَى رائدِ الخيلِ تنزفُ

وأصبحَ أخدانِي كأنَّ رؤوسهمْ

حماطُ شتاءٍ بعدَ نبتٍ منصَّفُ

وقدْ كنتُ بالبيدِ القليلِ أنيسُها

أقوفُ وأمضي قبلَ منْ يتقوَّفُ

فأصبحتُ ممَّا يحدثُ الدَّهرُ للفتى

أقصُّ العلاماتِ التي كنتُ أعرفُ

إذا ما رأتْ يوماً مطيَّةَ راكبٍ

تبصِّرُ من جيرانِها أو تكوِّفُ

تقولُ ارتحلْ إنَّ المكاسبَ جمَّةٌ

فقلتُ لها إنِّي امرؤٌ أتعفَّفُ

وأرجو عطاءَ اللهِ من كلِّ جانبٍ

وينفعُني المالُ الذي أتسخَّفُ

وأبغضُ إرقاصاً إلى ربِّ دارهِ

لئيمٌ له كتَّانتانِ ومطرفُ

تجبَّرَ مالاً بعدَ لؤمٍ ودقَّةٍ

كما شدَّ بالشَّعبِ الإناءُ المكتَّفُ

كمستمسكٍ بالحبلِ لولا اعتصامهُ

إذنْ لتراماهُ من الجولِ نفنفُ

ينامُ الضُّحى حتَّى يطولَ رقادهُ

ويقصرُ ستراً دونَ منْ يتضيَّفُ

يكونُ على الدِّيوانِ عبئاً وباعهُ

قصيرٌ كإبهامِ النُّغاشيِّ أجدفُ

وإنْ أُنزلَ الخدَّامُ يوماً لضيعةٍ

يقالُ لهُ انزلْ عنْ حماركَ أقلفُ

وإنْ أيَّهُ القومُ الكرامُ أجابهُ

بجرجَيْهِ موشيُّ الأكارعِ موكفُ

على تكآتٍ من وسائدَ تحتَها

سريرٌ كأنقاءِ النَّعامةِ يرجفُ

فلأياً بلأيٍ ما يكلِّمُ ضيفهُ

لحينٍ ولا تلكَ المطيَّةِ تعلفُ

فيعطي قليلاً أو يكونُ عطاءهُ

مواعدَ بخلٍ دونَها البابُ يصرفُ

رصادَ سحوقِ النَّخلِ يرصدُ حجَّةً

ودونَ ثراها ليفُها المتليِّفُ

وإنَّ لنا من نعمةِ اللهِ هجمةً

يهدهدُ فيها ذو مناكبَ أكلفُ

طويلُ القرا خاظي البضيعِ كأنَّما

غذتهُ ديافٌ والقصيلُ المقطَّفُ

إذا بيَّتتهُ الرِّيحُ يُنبي سقيطَها

خبائرهُ كأنَّما هي قرطفُ

يمشِّي عليها يرفئيٌّ كأنَّهُ

ظليمٌ بصحراءِ الأباتمِ أصدفُ

ونجديَّةٌ حوٌّ كأنَّ ضروعَها

أداوى سقاها منْ جلاميدَ مخلفُ

وجرداءُ من آلِ الصِّريح كأنَّها

قناةٌ براها مستجيدٌ مثقِّفُ

وفتيانُ صدقٍ من عطيَّةِ ربِّنا

بمثلهمْ نأبى الظَّلامَ ونأنفُ

وجرثومةٌ من عزِّ غرفٍ ومالكٍ

يفاعُ إليها نستفيدُ ونسلفُ

ولكنْ ليالينا ببرقةِ بَرملٍ

وهضبِ شروْرى دونَنا لا تصدَّفُ

ليالِي ما لي غامرٌ لعيالها

وإذا أنا برَّاقُ العشيَّاتِ أهيفُ

إليها ولكنْ لا تدومُ خليقةٌ

لمنْ في ذراعيهِ وشومٌ وأوقفُ

وداويَّةٍ بينَ المياهِ وبينَها

مجالٌ عريضٌ للرِّياحِ وموقفُ

قطعتُ إلى معروفِها منكراتِها

بعيرانةٍ فيها هبابٌ وعجرفُ

هجانٌ تبزُّ العفرَ فيءَ ظلالِها

وتذعرُ أسرابَ القطا يتصيَّفُ

كأنِّي على طاوي الحشا باتَ بينهُ

وبينَ الصَّبا من رملِ خيفقَ أحقفُ

يشيمُ البروقَ اللاَّمعاتِ وفوقهُ

منَ الحاذِ والأرطى كناسٌ مجوَّفُ

ومرَّتْ عليهِ ليلةٌ رجبيَّةٌ

إذا مرَّ صوتٌ مرَّ آخرُ مردفُ

يكفُّ برَوقيهِ الغصونَ وينتحي

بظلفيهِ في هارِ النَّقا يتقصَّفُ

كما بحثَ الحسيَ الكلابيَّ منهلٌ

يثيرُ الحصى دونَ العيونِ ويغرفُ

كأنَّ جماناً ضيَّعتهُ سلوكهُ

رضابُ النَّدى في روقهِ يتزلَّفُ

إذا ناطفُ الأرطاةِ فوقَ جبينهِ

تحدَّرَ جلَّى أنجلُ العينِ أذلفُ

وأصبح موْليُّ النَّدى في مرادهِ

على ثمرِ البركانِ والحاذِ ينطفُ

فلمَّا بدتْ في متنهِ الشَّمسُ غدوةً

وأقلعَ دجنٌ ذو همائمَ أوطفُ

أظلَّتْ لهُ مسعورةً يبتغي بها

لحومَ الهوادي ابْنا بريدٍ وأعرفُ

سلوقيَّةٌ حصٌّ كأنَّ عيونَها

إذا حرِّبتْ جمرٌ بظلماءَ مسدفُ

تضرَّى بآذانِ الوحوشِ فكلُّها

حفيفٌ كمرِّيخِ المناضلِ أعجفُ

فكرَّ برَوقيهِ كميٌّ مناجدُ

يخلُّ صدورَ الهادياتِ ويخصفُ

فلمَّا رأى أربابَها قد دنَوا لهُ

وأزهفَها بعضُ الذي كانَ يزهفُ

أجدَّ ولم يعقبْ كما انقضَّ كوكبٌ

وذو الكربِ ينجو بعدَما يتكنفُ

وأصبح كالبرق اليماني ودونه

حقوف وأنقاء من الرمل تعزفُ

وليلة نجوَى مرجحنٍّ ظلامُها

حواملُها من خشيةِ الشَّرِّ دلَّفُ

مخوفٍ دواهيها يبيتُ نجيُّها

كأنَّ عميداً بينَ ظهريهِ مدنفُ

إذا القومُ قالُوا مَن سعيدٌ بهذهِ

غداةَ غدٍ أو مَن يلامُ ويصلفُ

هديتُ لمنجَى القومِ مِن غمزاتِها

نجاءَ المعلَّى يستبينُ ويعطفُ

وقومٍ تمنَّوا باطلاً فرددتُهمْ

وإنْ حرَّفوا أنيابهمْ وتلهَّفوا

إذا ما تمنَّوا منيةً كنتُ بينَهم

وبينَ المُنى مثلَ الشَّجا يتحرَّفُ

وقال نهشل:

أرقتُ لبرقٍ بالعراقِ وصُحبتي

بحجرٍ وما طيَّاتُ قومي مِن حجْرِ

وميضٍ كأنَّ الرَّيطَ في حجراتهِ

إذا انشقَّ في غرٍّ غواربهُ زهْرِ

كما رمحتْ بلْقاءُ تحمي فلوَّها

دجوجيَّةُ المتنينِ واضحةُ الخصْرِ

شموسٌ أتتْها الخيلُ من كلِّ جانبٍ

بمرجٍ فراتيٍّ تحومُ على مهْرِ

فإنِّي وقومي إن رجعتُ إليهم

كذي العلقِ آلى لا ينولُ ولا يشري

لويتُ لهمْ في الصّدرِ منِّي نصيحةً

وودّاً كما تُلوى اليدانِ إلى النحْرِ

ألا أيُّهذا المؤتَلي إنَّ نهشلاً

عصَوا قبلَ ما آليتُ ملكَ بني نصْرِ

فلمَّا غلبْنا الملكَ لا يقسِروننا

قسطْنا فأقبلنا منَ الهيلِ والبشْرِ

وصدَّ ابنُ ذي القرنينِ عنَّا ورهطهُ

نسيرُ بما بينَ المشارقِ والقهْرِ

وقدْ علمتْ أعداؤنا أنَّ نهشلاً

مصاليتُ حلالُو البيوتِ على الثَّغْرِ

نقيمُ على دارِ الحفاظِ بيوتَنا

وإنْ قيلَ مرحاها نصبِّحُ أو تسري

لنا هضبةٌ صمَّاءُ من ركنِ مالكٍ

وأسدُ كراءٍ لا توزّعُ بالزَّجْرِ

مداريهِ ما يُلقى بهِ أو مضيعةٍ

أخوهمْ ولا يغضونَ عيناً على وتْرِ

همُ القومُ يبنونَ الفعالَ وينتمي

إليهم مصابُ المالِ من عنتِ الدّهْرِ

ومنْ عدَّ مسعاةً فلا يكذبنَّها

ولا يكُ كالأعمى يقولُ ولا يدري

ومستلحمٍ قد أنقذتهُ رماحُنا

وقدْ كانَ منهُ الموتُ أقربَ من شبْرِ

دعانا فنجَّيناهُ في مشمخرَّةٍ

معادةِ جيرانٍ تقلَّصُ بالغفْرِ

وجارٍ منعناهُ من الضَّيمِ والخنا

وجيرانُ أقوامٍ بمدرجةِ الدَّهْرِ

إذا كنتَ جاراً لامرئٍ فارهبِ الخنا

على عرضهِ إنَّ الخنا طرفُ الغدْرِ

وذدْ عنْ حماهُ ما عقدتَ حبالهُ

بحبلكَ واسترهُ بما لكَ من ستْرِ

وخالي ابنُ جوَّاسٍ سعى سعيَ ماجدٍ

فأدَّى إلى حيَّيْ قضاعة من بكْرِ

لعمري لقدْ أعطى ابنُ ضمرةَ مالهُ

رفاقاً منَ الآفاقِ مختلفي النَّجْرِ

قرى مائةً أحمى لها ونفوسَها

على حين لا يعطي الكريمُ ولا يقري

ألا إنَّ قومي راكزونَ رماحهمْ

بما بينَ فلجٍ والمدينةِ من ثغْرِ

يذودونَ كلباً بالرِّماحِ وطيِّئاً

وتغلبَ والصِّيدَ النَّواظرَ من بكْرِ

ألا إنَّ قومي لا يجنُّ بيوتهمْ

مضيقٌ منَ الوادي إلى جبلٍ وعْرِ

ونحنُ منعْنا بالتَّناضبِ قومَنا

وبتْنا على نارٍ تحرَّقُ كالفجْرِ

تضيءُ على القومِ الكرامِ وجوههمْ

طوالُ الهوادي من واردٍ ومِن شقْرِ

نقائذَ أمثالَ القنا أعوجيَّةً

وجرداً تُداوى بالغريضِ وبالنَّقْرِ

نعوِّدها الأقدامَ في كلِّ غمرةٍ

وكرّاً بأيدٍ لا قصارٍ ولا عسْرِ

ويومٍ كأنَّ المصطلينَ بحرِّهِ

وإنْ لم تكنْ نارٌ قيامٌ على الجمْرِ

صبرْنا لهُ حتَّى يريحَ وإنَّما

تفرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصَّبْرِ

كأن رماح القوم في غمراته

نواشط فراط نواضح في بئرِ

ونحنُ فليْنا لابنِ طيبةَ رأسهُ

على مفرقِ الغالي بأبيضَ ذي أثْرِ

ونحنُ خضبْنا للخطيمِ قميصهُ

بداميةٍ نجلاءَ من واضحِ النَّحْرِ

وحيَّ سليطٍ قد صبحْنا ووائلاً

صبوحُ منايا غيرَ ماءٍ ولا خمْرِ

وليلةَ زيدِ الخيلِ نالتْ جيادُنا

مُناها وحظّاً مِن أُسارى ومن ثأرِ

ونحنُ ثأرْنا من سميٍّ ورهطهِ

وظبيانَ ما في حيِّ ظبيانَ من وتْرِ

وقاظَ ابنُ ذي الجدَّينِ وسط بيوتِنا

وكرشاءَ في الأغلالِ والحلقِ السُّمْرِ

ونحنُ حبسْنا الخيلَ أن يتأوَّبوا

على شجعاتٍ والجيادُ بنا تجري

حبسناهمْ حتَّى أقرُّوا بحكمِنا

وأُدِّي أثقالُ الخميسِ إلى صخْرِ

أبي فارسُ الجونينِ قدْ تعلمونهُ

ويومَ خفافٍ سارَ في لجبٍ مجْرِ

ونحنُ رأيْنا بينَ عمرٍو ومالكٍ

كما شدَّ أعضادُ المهيضةِ بالجبْرِ

مئينَ ثلاثاً بعدما انشقت العصا

وقد أُسلم الجاني وأتعبَ ذو الوفر

ولما رأى السَّاعونَ زلخاً مزلَّةٍ

وسدَّ الثَّنايا غير مطَّلعٍ وعْرِ

نهضْنا بأثقالِ المئينَ فأصبحتْ

عشيرتُنا ما مِن خبالٍ ولا كسْرِ

بعرجٍ يصمُّ الرَّاعيينَ حنينهُ

ويجهدُ يومَ الوردِ ثائبةَ الجفْرِ

ومنَّا الذي أدَّى منَ الملكِ مازناً

جميعاً فنجَّاها من القتلِ والأسْرِ

ونحنُ حويْنا بالقنا يومَ عانطٍ

طريفاً ومولاها طريفَ بني عمرِو

ومولًى تداركناهُ من سوءِ صرعةٍ

وقد قذفتْهُ الحربُ في لججٍ خضْرِ

كما انتاشَ مغموراً من الموتِ سابحٌ

بأسبابِ صدقٍ لا ضعافٍ ولا بتْرِ

لنا هضبةٌ صمَّاءُ من صلبِ مالكٍ

وأُسدُ فراءٍ لا توزَّعُ بالزَّجْرِ

إذا نهشلٌ ثابتْ إليَّ فما بنا

إلى أحدٍ إلاَّ إلى الله من فقْرِ

يعارضُ أرواحَ الشِّتآنِ جابرٌ

إذا أقبلتْ مِن نحوِ حورانَ أو مصْرِ

وقد علمتْ جمخُ القبائلِ أنَّني

إذا ما رميتُ القومَ أُسمعُ ذا الوقْرِ

برجمِ قوافٍ تخرجُ الخبءَ في الصَّفا

وتنزلُ بيضاتِ الأُنوقِ منَ الوكْرِ

وقال نهشل يرثي كثير بن الصَّلت الكندي، وكتبتها لجودتها، وهي قطعة ولم أدخلها في القصائد لأن شرطي القصائد:

حلفتُ فلمْ افجرْ بحيثُ ترقرقتْ

دماءُ الهدايا من منًى وثبيرِ

لنعمَ الفتى عالَى بنو الصَّلتِ نعشهُ

وأكفانهُ يخفقنَ فوقَ سريرِ

كأنَّكَ يا بنَ الصَّلتِ لم تحمِ مجحراً

مضافاً ولمْ تجبرْ فناءَ فقيرِ

ولمْ تقضِ حاجاتِ الوفودِ ولم تقلْ

لبيضٍ مصاليتَ ارحلُوا بهجيرِ

رأى في المطايا ذاتَ أشعبَ تامكٍ

فكاستْ برجلٍ في المناخِ عقيرِ

فظلَّتْ عتاقُ الطَّيرِ تعفو مناخةً

على سقطٍ من لحمِها وبقيرِ

فليتَ المطايا كنَّ عرِّينَ بعدهُ

ولمْ تُطلب الحاجاتُ بعدَ كثيرِ

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي