منتهى الطلب من أشعار العرب/هدبة بن الخشرم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

هدبة بن الخشرم

هدبة بن الخشرم - منتهى الطلب من أشعار العرب

هدبة بن الخشرم وقال هدبة بن الخشرم بن كرز بن حجير بن أسحم بن عامر يرد على زيادة:

تذكَّرتُ شجواً من شجاعةَ مُنصبا

تليداً ومنتاباً منَ الشَّوقِ محلِبا

تذكَّرتُ حيّاً كانَ في ميعةِ الصِّبا

ووجداً بها بعَد المشيبِ معقِّبا

إذا كانَ ينساها تردَّدَ حبُّها

فيالكَ قدْ عنَّى الفؤادَ وعذَّبا

طنًى منْ هواها مستكنٌّ كأنَّهُ

خليعُ قداحٍ لمْ يجدْ متنشَّبا

فأصبحَ باقي الودّ بيني وبينَها

رجاءً على يأسٍ وظنّاً مغيّبا

ويومَ عرفتُ الدَّارَ منها ببيشةٍ

فخلتُ طلولَ الدَّارِ في الأرضِ مذهبا

تبيَّنتُ منْ عهدِ العراصِ وأهلِها

مرادَ جواري بالصَّفيحِ وملعبا

وأجنفَ مأطورِ القَرى كانَ جنَّةً

منَ السَّيلِ عالتهُ الوليدةُ أحدبا

بعينيكَ زالَ الحيُّ منها لنيَّةٍ

قذوفٍ تشوقُ الآلفَ المتطرِّبا

فزمُّوا بليلٍ كلَّ وجناءَ حرَّةٍ

ذقونٍ إذا ما سائقُ الرَّكبِ أهذبا

وأعيسَ نضّاخِ المقذِّ تخالهُ

إذا ما تدانى بالظَّعينةِ أنكبا

ظعائنَ مُتباعِ الهوى قذفِ النَّوى

فرودٍ إذا خافَ الجميعُ تنكَّبا

فقدْ طالَ ما علِّقتْ ليلى مغمَّراً

وليداً إلى أنْ صارَ رأسكَ أشيبا

فلا أنا أُرضي اليومَ منْ كانَ ساخطاً

تجنُّبَ ليلى إنْ أرادَ تجنُّبا

رأيتكَ منْ ليلى كذي الدَّاءِ لمْ يجدْ

طبيباً يداوي ما بهِ فتطبَّبا

فلمَّا اشتفى ممَّا بهِ علَّ طبَّهُ

على نفسهِ ممَّا بهِ كانَ جرَّبا

فدعْ عنكَ أمراً قدْ تولَّى لشأنهِ

وقضِّ لباناتِ الهوى إذْ تقضَّبا

بشهمٍ جديليٍّ كأنَّ صريفهُ

إذا اصطكَّ ناباهُ تغرُّدُ أخطبا

برى أُسَّهُ عنه السِّفارَ فردَّهُ

إلى خالصٍ منْ ناصعِ اللَّونِ أصهبا

بهِ أجتدي الهمَّ البعيدَ وأجتزي

إذا وقدَ اليومُ المليعَ المذبذَبا

ألا أيُّهذا المحتدينا بشتمهِ

كفى بيَ عن أعراضِ قومي مرهبا

وجاريتَ منِّي غيرَ ذي مثنويَّةٍ

على الدّفعةِ الأولى مبرّاً مجرَّبا

لزازَ حضارٍ يسبقُ الخيلَ عفوهُ

وساطٍ إذا ضمَّ المحاضر معقِبا

يجول أمام الخيل ثاني عطفه

إذا صدره بعد التناظر صوبا

تعالَوا إذا ضمَّ المنازلُ منْ منًى

ومكَّةُ من كلِّ القبائلِ منكِبا

نواضعكمْ أبناءنا عنْ بنيكمُ

على خيرِنا في النَّاسِ فرعاً ومنصِبا

وخيرٍ لجارٍ من موالٍ وغيرهمْ

إذا بادرَ القومُ الكنيفَ المنصَّبا

وأسرعَ في المِقرى وفي دعوةِ النَّدى

إذا رائدٌ للقومِ رادَ فأجدبا

وأقْولَنا للضَّيفِ ينزلُ طارقاً

إذا كرهَ الأضيافُ أهلاً ومرحبا

وأصبرَ في يومِ الطِّعانِ إذا غدتْ

رعالاً يبارينَ الوشيجَ المذرَّبا

هنالكَ يُعطي الحقَّ منْ كانَ أهلهُ

ويغلبُ أهلُ الصِّدقِ منْ كانَ أكذبا

وإنْ تسأموا منْ رحلةٍ أوْ تعجِّلوا

أنَى الحجِّ أخبركمْ حديثاً مطنّبا

أنا المرءُ لا يخشاكمُ إنْ غضبتمُ

ولا يتوقَّى سخطكمْ إنْ تغضَّبا

أنا ابنُ الذي فاداكمُ قدْ علمتمُ

ببطنِ معانٍ والقيادَ المجنَّبا

وجدِّي الذي كنتمْ تطلُّونَ سجّداً

لهُ رغبةً في ملكهِ وتحوُّبا

ونحنُ رددنا قيسَ عيلانَ عنكمُ

ومنْ سارَ منْ أقطارها وتألَّبا

بشهباءَ إذْ شبَّتْ لحربٍ شبوبُها

وغسَّانَ إذْ زافوا جميعاً وتغلبا

بنقعاءَ أظللنا لكمْ منْ ورائهمْ

بمنخرقِ النَّقعاءِ يوماً عصبصبا

فأُبنا جدالاً سالمينَ وغودِروا

قتيلاً ومشدود اليدينِ مكلَّبا

ألمْ تعلموا أنَّا نذبِّبُ عنكمُ

إذا المرءُ عنْ مولاهُ في الرَّوعِ ذبَّبا

وإنَّا نزكِّيكم ونحملُ كلَّكمْ

ونجبرُ منكمْ ذا العيالِ المعصَّبا

وإنَّا بإذنِ اللهِ دوَّخَ ضربُنا

لكمْ مشرقاً منْ كلِّ أرضٍ ومغربا

علينا إذا جدَّتْ معدٌّ قديمها

ليومِ النّجادِ ميعةً وتغلُّبا

وإنَّا أناسٌ لا نرى الحلمَ ذلَّةً

ولا العجزَ حينَ الجدُّ حلماً مورَّبا

ونحنُ إذا عدَّتْ معدٌّ قديمها

يعدُّ لنا عدّاً على النَّاسِ ترتَبا

سبقنا إذا عدَّتْ معدٌّ قديمها

ليومِ حفاظٍ ميعةً وتقلُّبا

وإنَّا لقومٌ لا نرى الحلمَ ذلَّةً

ولا نبسلُ المجدَ المنى والتَّجلُّبا

وإنَّا نرى منْ أُعدمَ الحلمَ معدماً

وإنْ كانَ مدثوراً منَ المالِ متربا

وذو الوفرِ مستغنٍ وينفعُ وفرهُ

وليسَ يبيتُ الحلمُ عنَّا معزِّبا

ولا نخذلُ المولى ولا نرفعُ العصا

عليهِ ولا نزجي إلى الجارِ عقربا

فهذي مساعينا فجيئوا بمثلِها

وهذا أبونا فابتغُوا مثلهُ أبا

وكانَ فلا تودُوا عنِ الحقِّ بالمنى

أفكَّ وأولى بالعلاءِ وأوهبا

لمثنى المئين والأُسارى لأهلِها

وحمل الضِّباعِ لا يرى ذاكَ مُتعبا

وخيراً لأدنى أصلهِ من أبيكمُ

وللمُجتدي الأقصى إذا ما تثوَّبا

وقال هدبة يرد على زيادة، وقيل قالها في الحبس بعد قتله زيادة:

عفا ذو الغضا منْ أمِّ عمرٍو فأقفرا

وغيَّرهُ بعدي البلى فتغيَّرا

وبدِّلَ أهلاً غيرها وتبدَّلتْ

بهِ بدلاً مبدًى سواهُ ومحضَرا

إلى عصرٍ ثمَّ استمرَّتْ نواهمُ

لصرفٍ مضى عنْ ذاتِ نفسكَ أعسَرا

وكانَ اجتماعُ الحيِّ حتَّى تفرَّقوا

قليلاً وكانوا بالتَّفرُّقِ أجدرا

بلِ الزَّائرُ المنْئابُ منْ بعدِ شقَّةٍ

وطولِ تناءٍ هاجَ شوقاً وذكَّرا

خيالٌ سرى منْ أمِّ عمرٍو ودونَها

تنائفُ تُردي ذا الهبابِ الميسَّرا

طروقاً وأعقابُ النُّجومِ كأنَّها

توالي هجانٍ نحوَ ماءٍ تغوَّرا

فقلتُ لها أُوبي فقدْ فاتنا الصِّبا

وآذنَ ريعانُ الشَّبابِ فأدبَرا

وحالتْ خطوبٌ بعدَ عهدكِ دوننا

وعدَّى عنِ اللَّهوِ العداءُ فأقصَرا

أمورٌ وأبناءٌ وحالٌ تقلَّبتْ

بنا أبطناً يا أمَّ عمرٍو وأظهُرا

أُصبنا بما لوْ أنَّ رضوى أصابَها

لسهَّلَ مِن أركانها ما توعَّرا

فكمْ وجدتْ منْ آمنٍ فهوَ خائفٌ

وذي نعمةٍ معروفةٍ فتنكَّرا

بأبيضَ يستسقى الغمامُ بوجههِ

إذا اختيرَ قالوا لمْ يقِلْ مَن تخيَّرا

ثمالِ اليتامى يبرئُ القرحَ مسُّهُ

وشهمٍ إذا سيمَ الدَّنيَّةِ أنكَرا

صبورٍ على مكروهِ ما يجشمُ الفتى

ومرٍّ إذا يُبغى المرارةُ ممقِرا

منَ الرَّافعينَ الهم للذّكرِ والعُلا

إذا لم ينؤْ إلاَّ الكريمُ ليُذكَرا

وريقٍ إذا ما الخابطونَ تعالموا

مكانَ بقايا الخيرِ أنْ يتأثَّرا

رُزينا فلمْ نعثرْ لوقعتهِ بنا

ولو كانَ منْ حيٍّ سوانا لأعثَرا

وما دهرُنا ألاّ يكونَ أصابنا

بثقلٍ ولكنَّا رُزينا لنصبرا

فزالَ وفينا حاضروهُ فلمْ يجدْ

لدفعِ المنايا حاضرٌ متأخَّرا

كأنْ لمْ يكنْ منَّا ولمْ نستعنْ بهِ

على نائباتِ الدَّهرِ إلاَّ تذكُّرا

وإنَّا على غمزِ المنونِ قناتنا

وجدِّكَ حامُو فرعِها أنْ يهصَّرا

بجرثومةٍ في فجوةٍ حيلَ دونها

سيولُ الأعادي خيفةً أنْ تنمَّرا

أبى ذمَّنا إنَّا إذا قالَ قومُنا

بأحسابِنا أثنَوا ثناءً محبَّرا

وإنَّا إذا ما النَّاسُ جاءت قرومهمْ

أتيْنا بقرمٍ يفرعُ النَّاسَ أزهَرا

ترى كلَّ قرمٍ يتَّقيهِ مخافةً

كما تتَّقي العجمُ العزيزَ المسوَّرا

ومعضلةٍ يدعى لها منْ يزيلُها

إذا ذكرتْ كانتْ سناءً ومفخَرا

دفعتُ وقدْ عيَّ الرِّجالُ بدفعِها

وأصبحَ منِّي مدرهُ القومِ أوجَرا

أخذنا بأيدينا فعادَ كريهُها

مخفّاً ومولًى قدْ أجبْنا لننصُرا

بغيرِ يدٍ منهُ ولا ظلمِ ظالمٍ

نصرناهُ لمَّا قامَ نصراً مؤزَّرا

فإنْ ننجُ منْ أهوالِ ما خافَ قومُنا

علينا فإنَّ اللهَ ما شاءَ يسَّرا

فإنْ غالنا دهرٌ فقد غالَ قبلَنا

ملوكُ بني نصرٍ وكسرى وقيصَرا

وآباؤنا ما نحنُ إلاَّ بنوهمُ

سنلقى الذي لاقَوا حماماً مقدَّرا

وعوراءَ منْ قولِ امرئٍ ذي قرابةٍ

تصاممتُها ولوْ أساءَ وأهجَرا

كرامةَ حيٍّ غيرةً واصطناعةً

لدابرةٍ إنْ دهرُنا عادَ أزوَرا

وذي نيربٍ قدْ عابَني لينالَني

فأعيى مداهُ عنْ مدايَ فأقصَرا

وكذَّبَ عيبَ العائبينَ سماحَتي

وصبري إذا ما الأمرُ عضَّ فأضجَرا

وإنِّي إذا ما الموتُ لمْ يكُ دونهُ

مدى الشِّبرِ أحمي الأنفَ أنْ أتأخَّرا

وأمرٍ كنصلِ السَّيفِ صلتاً حذوتهُ

إذا الأمرُ أعيى موردَ الأمرِ مصدرا

فإنْ يكُ دهرٌ نابَني فأصابَني

بريبٍ فما تُشوي الحوادثُ معشَرا

فلا خاشعٌ للنَّكبِ منهُ كآبةً

ولا جازعٌ إنْ صرفُ دهرٍ تغيَّرا

وقدْ أبقتِ الأيَّامُ منِّي حفيظةً

على جلِّ ما لاقيتُ واسماً مشهَّرا

فلستُ إذا الضَّرَّاءُ نابتْ بجُبَّأ

ولا قصفٍ إنْ كانَ دهرٌ تنكَّرا

وقال هدبة أيضاً وهو في سجن المدينة:

أبى القلبُ إلاَّ أُمَّ عمرٍو وما أرى

نواها وإنْ طالَ التَّذكُّرُ تسعفُ

وجرَّتْ صروفُ الدَّهرِ حتَّى تقطَّعتْ

وقد يخلقُ النَّأيُ الوصالَ فيضعفُ

وقدْ كنتُ لا حبٌّ كحبِّي مضمرٌ

يعدُّ ولا إلفٌ كما كنتُ آلفُ

منَ البيضِ لا يسلي الهمومَ طلابُها

فهلْ للصِّبا إذْ جاوزَ الهمَّ موقفُ

رداحٌ كأنَّ المرطَ منها برملةٍ

هيامٍ وما ضمَّ الوشاحانِ أهيفُ

أسيلةُ مجرى الدَّمعِ يرضى بوصلِها

مطالبُها ذو النِّيقةِ المتطرِّفُ

كأنَّ ثناياها وبردَ لثاتِها

بُعيدَ الكرى يجري عليهنَّ قرقفُ

شمولٌ كأنَّ المسكَ خالطَ ريحها

وضمِّنها جونُ المناكبِ أكلفُ

تشابُ بماءِ المزنِ في ظلِّ صخرةٍ

تقيها منَ الأقذاءِ نكباءُ حرجفُ

وما مغزلٌ أدماءُ تُضحي أنيقةً

بأسفلَ وادٍ سيلهُ متعطِّفُ

بأحسنَ منها يومَ قامتْ وعينُها

بعبرتِها منْ لوعةِ البينِ تذرفُ

وليلٍ لألقى أمَّ عمرٍو سرَيتهُ

يهابُ سراهُ المدلجُ المتعسِّفُ

ومنشقِّ أعطافِ القميصِ كأنَّهُ

صقيلٌ بدا منْ خلَّةِ الجفنِ مرهفُ

نصبتُ وقدْ لذَّ الرُّقادُ بعينهِ

لذكراك والحبُّ المتيَّمُ يشعفُ

وداويَّةٍ قفرٍ يحارُ بها القطا

بها منْ رذايا العيسِ حسرَى وزحَّفُ

عسفتُ بُعيدَ النَّومِ حتَّى تقطَّعتْ

تنائفُها والكورُ بالكورِ مردفُ

إذا نفنفٌ بادي المياهِ قطعنهُ

نواشطَ بالموماةِ أعرضَ نفنفُ

بعيدٌ كأنَّ الآلَ فيهِ إذا جرى

على مستوى الحزَّانِ ريطٌ مفوَّفُ

لعمري لئنْ أمسيتُ في السِّجنِ عانياً

عليَّ رقيبٌ حارسٌ متقوِّفُ

إذا سبَّني أغضيتُ بعدَ حميَّةٍ

وقدْ يصبرُ المرءُ الكريمُ فيعرفُ

لقدْ كنتُ صعباً ما ترامُ مقادَتي

إذا معشرٌ سِيموا الهوانَ فأخنفوا

وقال هدبة أيضاً في السجن:

أتنكرُ رسمَ الدّارِ أمْ أنتَ عارفُ

ألا لا بلِ العرفانُ فالدَّمعُ ذارفُ

رشاشاً كما انهلَّتْ شعيبٌ أسافها

عنيفٌ بخرزِ السَّيرِ أو متعانفُ

بمنخرقِ التَّقعينِ غيَّر رسمها

مرابعُ مرَّتْ بعدنا ومصايفُ

كلفتُ بها لا حبَّ من كان قبلها

وكلُّ محبٍّ لا محالةَ آلفُ

إذِ النَّاسُ ناسٌ والبلادُ بغرَّةٍ

وإذ أمُّ عمَّارٍ صديقٌ مساعفُ

وإذ نحنُ أمّا من مشى بمودَّةٍ

فنرضى وأمّا من مشى فنخالفُ

إذا نزواتُ الحبِّ أحدثنَ بيننا

عتاباً تراضينا وعادَ العواطفُ

وكلُّ حديثِ النَّفسِ ما لم ألاقها

رجيعٌ ومما حدَّثتكَ طرائفُ

وإنِّي لأخلي للفتاة فراشها

وأُكثرُ هجرَ البيتِ والقلبُ آلفُ

حذارَ الرَّدى أو خشيةً أن تجرَّني

إلى موبقٍ أرمي به أو أقاذفُ

وإني بما بينَ الضُّلوعِ من امرئٍ

إذا ما تنازعنا الحديثَ لعارفُ

ذكرتُ هواها ذكرةً فكأنَّما

أصابَ بها إنسانَ عينيَّ طارفُ

ولم ترَ عيني مثلَ سربٍ رأيتهُ

خرجنَ علينا من زقاقِ ابنِ واقفُ

خرجنَ بأعناقِ الظِّباءِ وأعينِ ال

جآذرِ وارتجَّتْ بهنَّ الرَّوادفُ

طلعنَ علينا بينَ بكرٍ غريرةٍ

وبينَ عوانٍ كالغمامةِ ناصفُ

خرجنَ علينا لا غُشينَ بهوبةٍ

ولا وشوشيَّاتُ الحجالِ الزَّعانفُ

تضمَّخنَ بالجاديِّ حتَّى كأنَّما

الأنوفُ إذا استعرضتهنَّ رواعفُ

كشفنَ شنوفاً عن شنوفٍ وأعرضتْ

خدودٌ ومالتْ بالفروعِ السَّوالفُ

يدافعنَ أفخاذاً لهنَّ كأنَّها

من البُدنِ أفخاذُ الهجانِ العلائفُ

عليهنَّ من صنعِ المدينةِ حليةٌ

جمانٌ كأعناقِ الدَّبا ورفارفُ

إذا خرقتْ أقدامهنَّ بمشيةٍ

تناهينَ وانباعتْ لهنَّ النَّواصفُ

ينؤنَ بأكفالٍ ثقالٍ وأسوقٍ

خدالٍ وأعضادٍ كستها المطارفُ

ويكسرنُ أوساطَ الأحاديثِ بالمنى

كما كسرَ البرديَّ في الماءِ غارفُ

وأدْنينني حتَّى إذا ما جعلنني

لدى الخصر أو أدنى استقلَّكَ راجفُ

فإنْ شئتِ والله انصرفتِ وإنَّني

من أن لا تريني بعد هذا لخائفُ

رأتْ ساعديْ غولٍ وتحتَ ثيابهِ

جناجنُ يدمى حدَّها وقراقفُ

وقد شأزتْ أمُّ الصَّبيَّينِ أن رأتْ

أسيراً بساقيهِ ندوبٌ نواسفُ

فإنْ تنكري صوتَ الحديدِ ومشيةً

فإنِّي بما يأتي به الله عارفُ

وإن كنتِ من خوفٍ رجعتِ فإنَّني

من الله والسُّلطانِ والإثمِ راجفُ

وقد زعمتْ أمُّ الصَّبيَّينِ أنَّني

أقرَّ فؤادي وازدهتني المخاوفُ

وقد علمتْ أمُّ الصَّبيَّينِ أنَّني

صبورٌ على ما جرَّفتني الجوارفُ

وإنِّي لعطَّافٌ إذا قيلَ من فتى

ولم يكُ إلاَّ صالحُ القومِ عاطفُ

وأوشكُ لفَّ القومِ بالقومِ للتي

يخافُ المرجَّى والحرونُ المخالفُ

وإنِّي لأرجي المرءَ أعرفُ غشَّهُ

وأعرضُ عن أشياءَ فيها مقاذفُ

فلا تعجبي أمُّ الصَّبيَّينِ قد تُرى

بنا غبطةٌ والدَّهرُ فيه عجارفُ

عسى آمناً في حربنا أن تصيبهُ

عواقبُ أيامٍ ويأمنَ خائفُ

فيبكينَ من أمسى بنا اليومَ شامتاً

ويعقبننا إنَّ الأمورَ صرائفُ

وإن يكُ أمرٌ غيرَ ذاكَ فإنَّني

لراضٍ بقدرِ الله للحقِّ عارفُ

وإنِّي إذا أغضى الفتى عن ذمارهِ

لذو شفقٍ على الذِّمارِ مشارفُ

وينفخُ أقوامٌ عليَّ بحورهمْ

وعيداً كما تهوي الرِّياحُ العواصفُ

وأطرقُ إطراقَ الشُّجاعِ وإنني

شهابٌ لدى الهيجا ونابٌ مقاصفُ

وداويَّةٍ سيرُ القطا من فلاتها

إلى مائها خمسٌ لها متقاذفُ

بطونٌ من الموماةِ بعَّدَ بينها

ظهورٌ بعيدٌ تيهها وأطائفُ

يحارُ بها الهادي ويغتالُ ركبها

تنائفُ في أطرافهنَّ تنائفُ

هواجرُ لو يُشوى بها النَّيُّ أنضجتْ

متونَ المها من طبخهنَّ شواسفُ

ترى ورقَ الفتيانِ فيها كأنَّها

دارهم منها جائزاتٌ وزائفُ

يظلُّ بها عيرُ الفلاةِ كأنَّهُ

من الحرِّ مرثومُ الخياشيمِ راعفُ

إذا ما أتاها القومُ هوَّلَ سيرهمْ

تجاوبُ جنّانٍ بها وعوارفُ

ويومٍ من الجوزاءِ يلجأ وحشهُ

إلى الظِّلِّ حتَّى اللَّيلَ هنَّ حواقفُ

يظلُّ بها الهادي يقلِّبُ طرفهُ

من الهولِ يدعو لهفهُ وهو واقفُ

قطعتُ بأطلاحٍ تخوَّنها السُّرى

فدقَّ الهوادي والعيونُ ذوارفُ

ملكتُ بها الإدلاجَ حتَّى تخدَّدتْ

عرائكها ولان منها السَّوالفُ

وحتَّى التقتْ أحقابها وغروضها

إذا لم يقدَّم للغروضِ السَّنائفُ

نفى السَّيرُ عنها كلَّ ذاتِ ذمامةٍ

فلم يبقَ إلاَّ المشرفاتُ العلائفُ

من العيسِ أو جلسٍ وراءَ سديسهِ

له بازلٌ مثلُ الجمانةِ رادفُ

معي صاحبٌ لا يشتكي الصّاحبُ العدى

صحابتهم ولا الخليطُ الموالفُ

سراةٌ إذا آبوا ليوثٌ إذا دعوا

هداةٌ إذا أعيى الظَّنونُ المصادفُ

إذا قيلَ للمعيى به وزميلهِ

تروَّحْ فلم يسطعْ وراحَ المسالفُ

رأوا شركةً فيهنَّ حقّاً وكلَّفوا

أولاتِ البقايا ما أكلَّ الضَّعائفُ

أولاتِ المراحِ الخانفاتِ على الوجى

إذا قاربَ الشَّدَّ القصارُ الكواتفُ

فبلَّغنَ حاجاتٍ وقضَّينَ حاجةً

وفي الحيِّ حاجاتٌ لنا وتكالفُ

ونعمَ الفتى ولا يودَّعُ هالكاً

ولا كذباً أبو سليمانَ عاطفُ

لجارتهِ الدُّنيا وللجانبِ العدى

إذا الشَّولُ راحتْ وهي حدبٌ شواسفُ

وبادرها قصرَ العشيَّةِ قرمها

ذرى البيتِ يغشاهُ من القُرِّ آزفُ

ينفِّضُ عن أضيافهِ ما يرى بهمْ

رحيمانِ ساعٍ بالطَّعامِ ولاحفُ

كأنَّ لم يجد بؤساً ولا جوعَ ليلةٍ

وفي الخيرِ والمعروفِ للضُّرِّ كاشفُ

يبيتُ عن الجيرانِ معزبُ جهلهِ

مريح حواشي الحلم للخير واصفُ

إذا القومُ هشُّوا للطِّعانِ وأشرعوا

صدورَ القنا منها مزجٍّ وخاطفُ

مضى قدماً ينمي الحياةَ عناؤهُ

ويدعو الوفاةَ الخلد ثبتٌ مواقفُ

هو الطاعنُ النَّجلاءَ منفذُ نصلِها

كمبدئها منها مرشٌّ وواكفُ

وما كان مما نالَ فيها كلالةً

ولا خارجّاً أنفذتهُ التَّكالفُ

وقال هدبة أيضاً:

ألا علِّلاني والمعلِّلُ أروحُ

وينطقُ ما شاءَ اللِّسانُ المسرَّحُ

بأجَّانةٍ لو أنَّها خرَّ بازلٌ

منَ البختِ فيها ظلَّ للشِّقِّ يسبحُ

وقاقزَّةٍ تجري على متنِ صفوةٍ

تمرُّ لنا مرّاً سنيحاً وتبرحُ

رفعتُ بها كفِّي ونادَمني بها

أغرُّ كصدرِ الهُندوانيِّ شرمحُ

متى يرَ منِّي نبوةً لا يُشدْ بها

وما يرَ منْ أخلاقيَ الصِّدقَ يفرحُ

أغادٍ عدوّاً أنتَ أمْ متروِّحُ

لعلَّ الأنى حتَّى غدٍ هوَ أروحُ

لعلَّ الذي حاولتَه في تئِيَّةٍ

يواتيكَ والأمرَ الذي خفتَ ينزحُ

وللدَّهرِ في أهلِ الفتى وتلادهِ

نصيبٌ كقسمِ اللَّحمِ أو هوَ أبرحُ

وحبَّ إلى الإنسانِ ما طالَ عمرهُ

وإن كانَ يشقى في الحياةِ ويقبحُ

تغرُّهمُ الدُّنيا وتأميلُ عيشِها

ألا إنَّما الدُّنيا غرورٌ مترِّحُ

وآخرُ ما شيءٍ يعولكَ والذي

تقادمَ تنساهُ وإنْ كانَ يفرحُ

ويومٍ منَ الشِّعرى تظلُّ ظباؤهُ

بسوقِ العضاهِ عوَّذاً ما تبرَّحُ

شديدِ اللَّظى حامي الوديقةِ ريحهُ

أشدُّ لظًى منْ شمسهِ حينَ يصمحُ

تنصَّبَ حتَّى قلَّصَ الظِّلُّ بعدما

تطاولَ حتَّى كادَ في الأرضِ يمصحُ

أزيزَ المطايا ثمَّ قلتُ لصُحبتي

ولمْ ينزِلوا أبردتمُ فتروَّحوا

فراحوا سراعاً ثمَّ أمسَوا فأدلجوا

فهيهاتَ من ممساهمُ حيثُ أصبحوا

وخرقٍ كأنَّ الرَّيطَ تخفقُ فوقهُ

مع الشَّمسِ لا بلْ قبلَها يتضحضحُ

على حين يُثني القومُ خيراً على السُّرى

ويظهرُ معروفٌ منَ الصُّبحِ أفصحُ

نفى الطَّيرَ عنهُ والأنيسَ فما يُرى

به شبحٌ ولا منَ الطَّيرِ أجنحُ

قطعتُ بمرجاعٍ يكونُ جنينُها

دماً قطعاً في بولها حينَ تلقحُ

يداها يدا نوّاحةٍ مستعانةٍ

على بعلِها غيرَى فقامتْ تنوَّحُ

تجودُ يداها فضلَ ما ضنَّ دمعُها

عليهِ فتاراتٍ ترنُّ وتصدحُ

لها مقلتا غيرَى أُتيحَ لبعلِها

إلى صهرِها صهرٌ سنيٌّ ومنكحُ

فلمَّا أتاها ما تلبَّسَ بعدها

بصاحبَها كادتْ منَ الوجدِ تنبحُ

فقامتْ قذورَ النَّفسِ ذاتَ شكيمةٍ

لها قدمٌ في قومِها وتبحبحُ

يخفِّضها جاراتُها وهيَ طامحُ

الفؤادِ وعيناها من الشَّرِّ أطمحُ

فدعْ ذا ولكنْ هلْ ترى ضوءَ بارقٍ

قعدتُ لهُ من آخرِ اللَّيلِ يلمحُ

يضيءُ صبيراً منْ سحابٍ كأنَّه

جبالٌ علاها الثَّلجُ أوْ هو أوضحُ

فلمَّا تلافتهُ الصَّبا قرقرتْ بهِ

وألقى بأرواقٍ عزاليهِ تسفحُ

طوالٌ ذراهُ في البحورِ كأنَّه

إذا سارَ مجذوذُ القوائمِ مكبحُ

سقى أمَّ عمرٍو والسَّلامُ تحيَّةٌ

لها منكَ والنَّائي يودُّ وينصحُ

سجالٌ يسحُّ الماءُ حتَّى تهالكتْ

بطونُ روابيهِ منَ الماءِ دلَّحُ

أجشُّ إذا حنَّتْ تواليهِ أرزمتْ

مطافيلهُ تلقاءَ ما كادَ يرشحُ

فلم يبقَ ممَّا بينَنا غيرَ أنَّني

محبٌّ وأنِّي إنْ نأتْ سوفَ أمدحُ

وإنَّ حراماً كلُّ مالٍ منعتهُ

تريدينهُ ممَّا نريحُ ونسرحُ

وعهدي بها والحيُّ يدعونَ غرَّةً

لها أنْ يراها النَّاظرُ المتصفحُ

منَ الخفراتِ البيضِ تحسبُ أنَّها

إذا حاولتْ مشياً نزيفٌ مرنحُ

وفيما مضَى منْ سالفِ الدَّهرِ للفتى

بلاءٌ وفيما بعدهُ متمنَّحُ

قليلٌ منَ الفتيانِ منْ هوَ صابرٌ

مثيبٌ بحقِّ الدَّهرِ فيما يروِّحُ

على أنَّ عرفاناً إذا لم يكنْ لهمْ

يدانِ بما لمْ يملِكوا أنْ يُزحزحوا

^

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي