من أنا في أمريكا

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة من أنا في أمريكا لـ نزار قباني

ـ 1 ـ
أعبر البحر إلى شاطئكم
باحثا عن خاتم الحب الذي ضيعته
منذ خمسين سنة
باحثا عن شَعْرِ بلقيس الذي ضيعته
منذ خمسين سنة
و سؤال واحد يقلقني
من أنا في أمريكا ؟
من أنا
في زمن الحاسوب ..و ( الروبوت ) ..
و القلب الصناعي .. و موسيقى ( مادونا ) ؟
من أنا في زمن ؟
يصنعون الحب فيه في عيادات الأطباء ..
فحب الأنابيب ..
و جنس الأنابيب..
و ثورات ٌ .. وضباطٌ ..
يجيئون إلى السلطة من جوف الأنابيب ..
فماذا سيغني شاعر الحب هنا ؟ ؟

ـ 2 ـ
يا رفاق الزمن الطيب في لبنان
إني جئتكم
حاملا من بحر بيروت ..
عصافير ، و أصدافا ، و منقوشة زعتر
حاملا جرح هوىً لا يتخثر ..
ما لشعري وطن أو وُجْهَةٌ
فلقد أقرؤه في أمريكا
ولقد أقرؤه في الصين ، أو في الهند ، أو في
السند ..
أو في جبال الهملايا ..
و لقد أتلوه في باريس
أو في الشام ، أو في مصر ، أو في ( زحلةٍ )
بين أحضان الدوالي .. و أغاني ( الميجنا )
إنني أحمل أوراقي ، و أقلامي ، و أحزاني عل ظهري
و أبني بحروفي مدنا .
فإذا ما صادروا شمس بلادي
فبشعري سوف أبني وطنا ..

ـ 3 ـ
يا أحبائي وراء البحر
هل يوجد وقت عندكم للشعر ؟
هل من أذن عاشقة تسمعني ؟
هل لديكم خبر عن كبرياء المتنبي ؟
و غرور المتنبي ..
و طموح المتنبي ..
أم نسيتم يا ترى هذا الملك الأعظما
رحم الله كلاما عربيا
لم نعد نشبهه ..
و لم يعد يشبهنا ..

ـ 4 ـ
أيها السادة : إني مستقيل
من صراخي ، و احتجاجي ، و جنوني
مستقيل من فهمي ، حتى
ومن لون عيوني
فاعذروني
لم أعد أومن أن الشعر ديوان العرب ..
عندما يصدر مرسوم
لمحو ذاكرة الناس
فماذا سوف يبقى للعرب ؟

ـ 5 ـ
عرب اليوم
أضاعوا اللغة الأم
و أضاعوا السيف في قرطبة
و صهيل الخيل في غرناطة
و أضاعونا جميعا
و أضاعوا الوطنا ...

ـ 6 ـ
عرب اليوم ..
يلمون فتافيت سلام
و فتافيت بلاد
و فتافيت كرامة
وينامون على الخوف ..
و يصبحون على الخوف..
فماذا فعلت أنظمة القمع بنا ؟ ..

ـ 7 ـ
من أنا في أمريكا ؟
طائر ينقر في الأسمنت عشا
غيمة تبحث عن نافذة
ولد يبحث عن حَلْمَةِ أمه ...

ـ 8 ـ
من أنا في أمريكا ؟
وردة طالعة من حجر
لغة مفصولة عن أصلها
رجل لم تعترف يوما به
أيُّ قبيلة ! !

ـ 9 ـ
من أنا في أمريكا ؟
رقم في زحمة الأرقام مفقود
فهل تعرفني ناطحات السحب ؟
مَنْ هنا يعرف أمي ؟
مَنْ هنا يعرف من كان أبي ؟
نشلوا ذاكرتي مني ..
و أسماء حبيباتي ..
و أحلامي الجميلة
نشلوا حريتي مني .. و فرشاتي .. و ألواني
و ألعاب الطفولة ..
من هو الشاعر إن هم أخذوا منه الطفولة ؟

ـ 10 ـ
خارج دوما عن النص أنا
خارج دوما على جلدي .. وعظمي
و شراييني أنا
سيِّد التغيير .. و التفجير ..
و التحريض .. و الرفض أنا ..
إنني حطمت بالشعر قوانين هولاكو ..
و تماثيل هولاكو ..
و سلالات هولاكو ..
و دفعت الثمنا ..

ـ 11 ـ
من أنا في أمريكا ؟
من أنا في أرض ، أو مكان ، أو زمان ؟
سيد العصيان في وجه أبي جهل ..
و أولاد أبي جهل
و أحفاد أبي جهل .. أنا ..
فلماذا أقرأ الشعر عليكم ؟
و لماذا أشعل المنبر نارا ؟
و أمريكا هي منفاكم .. وشعري
هو منفاي أنا ...

ـ 12 ـ
قادم من مدن الملح إليكم
وسؤال واحد يحرقني
ما الذي يحدث في تاريخنا ؟
سمك يبلع خلفي سمكا
شجر يأكل خلفي شجرا
تغلب تطعن خافي مضرا
خالد يذبح خلفي عمرا
نحن لم نُقْتَل بسيفٍ أجنبي
بل قتلنا كذئاب بعضنا ...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي