من ملفات محاكم التفتيش

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة من ملفات محاكم التفتيش لـ نزار قباني

1
يطالبُني حكماءُ القبيلَهْ
أن أتركَ أشعاري على باب خَيْمتِكْ
وأدخلَ عليكِ، مجرّداً من السلاحْ
ماذا يبقى مني؟
إذا نزلتُ عن فَرَس العشقْ
ورهنتُ راياتي وأوسمتي
ومعطفَ الكلمات الجميلَهْ
الذي كنتُ أختالُ به
كفهدٍ إفريقيٍ مرقّطْ..

2
يطالبني عقلاءُ القبيلَهْ
حتى لا تشتعلَ الفتنَهْ
وحتى لا يتقاتلَ الرجالُ مع الرجالْ
من أجل حَفْنةِ كُحْلْ..
وحتى لا يسيلَ دمُ التاريخ من أجل غزالَهْ
أن أفكّ ارتباطي بعينيكِ السوداوينْ
وأحتكمَ إلى العقلْ..
ماذا يبقى من وطن الكحلْ؟
الذي أعطاني جنسيّتي، وجوازَ سفري
إذا قبلتُ التحكيمْ
وخرجتُ من عينيكِ السوداوينْ
تلبيةً لمقتضيات الأمن البدويِّ ....

3
يطالبني فقهاء القبيلهْ
باسم الوصايا العشْرِ التي لم أقرأها
وباسم دولة الذكور التي لا أعترف بها
وباسم المؤلفات التي ألَّفها الجرادُ الصحراويّ
وباسم شجرة العائلة
التي كسرتُها.. وتدفأتُ على حطبها
أن أتركَ عشقي لكِ في غمدهْ..
وأتخلى عن أجمل سيفٍ من الذَهَبْ
اقتنيتُهُ في حياتي ...

4
يحاكمني على حبّي بكِ..
قضاةٌ .. لم يقرأو نصاً واحداً من نصوص
العشقْ
ولم يسمعوا بـ (طَوْق الحمامة) لابن حَزْمْ..
وبـ (فنّ الحب) لأوفيد
ويطالبُ برأسي..
مثقفونَ يمارسون الحبَّ مع ذباب المقاهي
ولُوطيُّونْ..
لم يتشرفوا بالوقوف في حضرة امرأهْ
أو بقضاء العطلة الصيفية في عيني امرأهْ
أو بالسباحة في صوت امرأهْ ..

5
ينصحني شعراءُ القبيلَهْ
الذين رفضت الأميرةُ قصائدَهُمْ
وأمرت بشنقهم واحداً .. واحداً .. على شرفتها
لأنهم لم يفهموا لُعْبَة الأنوثَهْ
ولا لُعْبَةَ الشِعرْ..
وتلعثموا حين سألَتْهُمْ:
عن الفرق بين إيقاعات البحر الطويلْ
وإيقاعات شعرها الطويلْ
وعن الفرق بين خصائص شفتيْها
وخصائص النبيذ الفرنسيّْ
وعن الفرق بين النقطة في آخر السَطرْ
والشَامَة في أعلى الظهرْ ...

6
ينصحني مرتزقةُ البَلاطْ
أن أعودَ من حيثُ أَتيتْ
لأن الأميرةَ لا تفتحُ نافذتها
إلا لعصفور يزقزق جيداً ..
وأنني لو فشلتْ..
دفنتني في عتمة ضفائِرها..

7
أضعُ دمي على كفّي
وأرشُّ شراشفَ الأميرة بأشعاري
يستيقظُ النَهْدانِ الكَسُولان من نَوْمهما،
ويهربانِ معي ....

8
يجتمع حكماءُ القبيلة ومستشاروها في جلسةٍ طارئَهْ
ويدرسونَ مِلفّي ورقةً ورقهْ..
وأعمالي قصيدةً .. قصيدَهْ..
ويستعرضون حبيباتي إمرأةً.. إمرأهْ..
يأخذونَ بصمات يدي.. وبَصَمات فمي..
ويستمعون إلى إفادات شعراء من الدرجة العاشره
جاؤوا من كلِّ المدن العربية ليشهدوا ضدّي ...

9
يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه
وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ..
يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ
خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ
فأغادره...
وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ...

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي