من يوميات شقة مفروشة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبيات قصيدة من يوميات شقة مفروشة لـ نزار قباني

1
هذي البلاد شقة مفروشة ..
يملكها شخص يسمى عنترة
يسكر طول الليل عند بابها
ويجمع الإيجار من سكانها
و يطلب الزواج من نسوانها
و يطلق النار على الأشجار ، والأطفال,
والعيون, والأثداء..
والضفائر المعطرة..

2
هذي البلاد كلها..
مزرعة شخصيةٌ لعنتره
سماؤها
هواؤها
نساؤها
حقولها المخضوضرة..

3
كل البنايات هنا
يسكن فيها عنتره
كل الشبابيك..
عليها صورةٌ لعنتره
كل الميادين هنا
تحمل إسم عنتره…

4
عنترة يقيم في ثيابها
في ربطة الخبز ،
وفي زجاجة الكولا ..
و في أحلامنا المحتضرة ..
في عربات الخسِّ ، و البطيخ
في الباصات ،
في محطة القطار ،
في جمارك المطار ،
في طوابع البريد
في ملاعب "الفوتبول" ،
و في مطاعم (البيتزا) ،
و في كل فئات العملة المزورة..

5
مدينة مهجورة.. مُهَجَّرَة..
لم يبق فيها فأرة أو نملة ..
أو جدول .. أو شجرة ..
لا شيء فيها يدهش السياح
إلا الصورة الرسمية المقررة
للجنرال عنترة ..
في غرفة الجلوس ..
في الحمام ..
في المرحاض ..
في ميلاده السعيد ..
في ختانه المجيد ..
في قصوره الشامخة..
البادخة ، المُسَوَّرَة..

6
ما من جديد
في حياة هذه المدينة المستعمرة
فحزننا مكرر .. و موتنا مكرر
و نكهة القهوة في شفاهنا مكررة
فمنذ أن ولدنا
ونحن محبوسون في زجاجة الثقافة المدورة..
و اللغة المدورة..
و منذ دخلنا المدرسة
و نحن لا ندرس إلا سيرةً ذاتيةً واحدة
تخبرنا عن عضلات عنترة ..
ومكرومات عنترة .. و معجزات عنترة ..
و لا نرى في كل دور السينما
إلا شريطا عربياً مُضْجِراً
يلعب فيه عنترة!!

7
لا شيء في إذاعة الصباح ، تهتم بهِ.
فالخبر الأول فيها ،
خبر عن عنترة
و الخبر الأخير فيها ،
خبر عن عنترة
لا شيء في البرنامج الثاني سوى :
عزف على القانون
من مؤلفات عنترة
ولوحة زيتية من خربشات عنترة
و باقة من أردأ الشعر بصوت عنترة

8
هذي بلاد
يمنح المثقفون صوتهم
لسيد المثقفين عنترة ..
يجملون قبحه ،
يؤرخون عصره ،
وينشرون فكره
و يقرعون الطبل في حروبه المظفرة ..

9
لا نجم فوق شاشة التلفاز
إلا عنترة
بقده المياس ، أو ضحكته المعبرة
يوماً, بزي الدوق و الأمير..
يوماً, بزي الكادح الفقير..
يوماً, بزي الواحد القدير..
يوماً, على طائرة سَمْتِيَّةٍ..
يوماً, على دبابة روسية..
يوما على مجنزرة..
يوما على أضلاعنا المكسرة ! ! ..

10
لا أحد يجرؤ أن يقول : ( لا )
للجنرال عنترة
لا أحد..
يجرؤ أن يسأل أهل العلم في المدينة
هل وجد الخالق قبل عنترة ؟
أم وجد الخالق بعد عنترة ؟
إن الخيارات هنا محدودة
بين دخول السجن ..
أو بين دخول المقبرة ! ! .

11
لا شيء في مدينة المليون تابوت
سوى تلاوة القرآن..
و السُرادق الكبير ،
و الجنائز المنتظرة
لا شيء ..
إلا رجل يبيع في حقيبة
تذاكر الدخول للقبر ..
يسمى عنترة ...

12
عنترة العبسي ..
لا يتركنا دقيقة واحدة
فمرة يأكل من طعامنا ..
و مرة .. يشرب من شرابنا
و مرة .. يندس في فراشنا
و مرة يزورنا مسلحاً
ليقبض الإيجار عن بلادنا المستأجرة ! ! .

11
هل ممكن ؟
هل ممكن ؟
أن يستقيل الله من سمائه
و أن تموت الشمس
و النجوم ..
و البحار ...
و الغابات ..
و الرسول .. و الملائكة ..
و لا يموت عنترة ؟ ؟

عن نزار قباني

نزار قباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) شاعر سوري معاصر من مواليد مدينة دمشق.

تعريفه من ويكيبيديا

نزار بن توفيق القباني (1342 - 1419 هـ / 1923 - 1998 م) دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 من أسرة عربية دمشقية عريقة. إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي. درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966؛ أصدر أولى دواوينه عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب "النكسة" مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه "شاعر الحب والمرأة" لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.—قال عنه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة : (نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا).

على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها مقتل زوجته بلقيس خلال تفجيرٍ انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت حيث كانت تعمل، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". عاش السنوات الأخيرة من حياته مقيمًا في لندن حيث مال أكثر نحو الشعر السياسي ومن أشهر قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟"، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي