نهاية الأرب في فنون الأدب/آداب الأكل والمؤاكلة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

آداب الأكل والمؤاكلة

قال الله تعالى: 'يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون'.وروي أن داود عليه السلام أمر مناديه فنادى: أيها الناس، اجتمعوا لأعلمكم التقوى، فاجتمعوا فقام في محرابه، فبكى ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يأيها الناس، لا تدخلوا ها هنا إلا طيبا، ولا تخرجوا منه إلا طيبا، وأشار إلى فيه.قيل: أول آداب الأكل، معرفة الحلال من الحرام، والخبيث من الطيب. وأما الآداب في هيئة المؤاكلة وأفعالها، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'لا تشموا الطعام كما تشمه البهائم، من اشتهى شيئا فليأكل، ومن كره فليدع'.وقال أنس: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن عشر، ودخل دارنا، فحلبنا له شاةً، فشرب، وأبو بكر عن يساره، وأعرابي عن يمينه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أعط أبا بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 'الأيمن فالأيمن'.وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

صددت الكأس عنا أم عمروٍ

وكان الكأس مجراها اليمينا

وروي عن أنس: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم شرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، ثم شرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، ثم قطع الثالثة، ثم جرع مصا، حتى فرغ ثم حمد الله، وقد ندب إلى غسل اليد قبل الأكل فإنه ينفي الفقر، وينقي اللمم، ومن السنة: البداءة باسم الله، وحمده عند الانتهاء. روي عن عمر بن أبي سلمة أنه قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، فقال: 'اجلس يا بني وسم الله، وكل بيمينك مما يليك'. وقال بعض السلف: إذا جمع الطعام أربعا، فقد كمل كل شيء، إذا كان حلالا، وذكر اسم الله عليه، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يفرغ منه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'من قال عند مطعمه ومشربه بسم الله خير الأسماء رب الأرض والسماء لم يضره ما أكل وما شرب'.وفي حديث عائشة رضي الله عنها، عنه صلى الله عليه وسلم قال: 'إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي في أوله، فليقل بسم الله في أوله وآخره'.وقال صلى الله عليه وسلم: 'إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله'. وروي: أن المسيح عليه السلام كان إذا دعا أصحابه قام عليهم، ثم قال: هكذا فاصنعوا بالفقراء. ووصف شاعر قوما فقال:

جلوسٌ في مجالسهم رزانٌ

وإن ضيفٌ ألم بهم وقوف

قال سهل بن حصين: شهدت الحسن في وليمة، فطعم ثم قال، فقال: مد الله لكم في العافية، وأوسع عليكم في الرزق، واستعملكم بالشكر. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' تخللوا فإنه نظافة والنظافة من الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة'. وفي حديث عمر رضي الله عنه: عليكم بالخشبتين: يعني السواك والحلال. وكان بعضهم يقول لولده إذا رأى حرصه في الطعام: يا بني، عود نفسك الأثرة، ومجاهدة الشهوة، ولا تنهس نهس السباع، ولا تخضم خضم البراذين، فإن الله جعلك إنسانا، فلا تجعل نفسك بهيمةً. وحكي عن بعض الكتاب قال: تغديت مع المأمون فالتفت إلي وقال: خلال قبيحة عند الجلوس على الطعام: كثرة مسح اليد، والانكباب على الطعام، وكثرة أكل البقل، ومعنى ذمة هذه الخلال الثلاث: أنه إذا أكثر مسح اليد فإنما ذلك من غمسها في الطعام، والانكباب يدل على شدة الحرص وزيادة الشره والنهم.قال الشاعر:

لقد سترت منك الخوان عمامةٌ

دجوجية ظلماؤها ليس تقلع

وأما البقل، فإن الحاجة إلى البلغة منه، وفي الإكثار منه تشبهٌ بالبهائم، لأنه مرعاها. وقيل: الأكل ثلاثة: مع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، ومع أبناء الدنيا بالأدب. وقيل لبعض الحكماء: أي الأوقات أحمد للأكل ؟ فقال: أما من قدر فإذا اشتهى، وأما من لم يقدر فإذا وجد.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي