نهاية الأرب في فنون الأدب/آسية بنت مزاحم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

آسية بنت مزاحم

وزواج فرعون بهاقال: وكانت آسية بنة مزاحم من الصديقات، وهي مختلف في نبوئتها ولا خلاف أنها صديقة ؛ وكانت بارعة الجمال ؛ فبلغ فرعون خبرها وجمالها، فأرسل إلى أبيها مزاحم إن ابعث لي بآسية فإنها أمتي.فدخل على فرعون وقال: إن ابنتي صغيرة لا تصلح.فكذبه فرعون وقال: قد عرفت وقت ولادتها.فقال: أيها الملك، فاجعل لها مهراً.فغضب فرعون وقال: احملها إلي، فإن رضيتها أكرمتها، وإلا رددتها إليك.فقال له عمران: أيها الملك لا تفضحني في ابنة أخي، ولكن أكرمها بخلعة ومهر.فأجابه إلى ذلك ؛ فانصرف مزاحم وأخبر آسية بذلك وقال: إن امتنعت يكون ذلك هلاكي وهلاكك.قال فكيف تكون مؤمنة عند كافر ؟ فلم يزل بها حتى أجابت على كره منها ؛ وحمل إليها فرعون عشرة آلاف أوقية من الذهب، ومثل ذلك من الفضة، وجملة من أنواع الثياب والطرف ؛ وحملت إلى فرعون، فحماها الله منه حتى رضي منها بالنظر.وكان فرعون قد رأى قبل ذلك من الآيات ما دله على أن زوال ملكه يكون على يد فتى من بني إسرائيل ؛ فقال: ائتوني بعمران لأنه كبير فيهم لأصطنع إليه وإليهم معروفاً.فأتي به، فخلع عليه وتوجه، وجعله سيد وزرائه، حتى كان هامان وغيره يحسدونه. ذكر شيء من الآيات التي رآها فرعون قبل مولد موسى عليه السلامفمن ذلك أنه هتفت به الهواتف تقول: ويلك يا فرعون، قد قرب زوال ملكك على يد فتى من بني إسرائيل. ثم رأى الرؤى التي أزعجته وأفزعته ؛ فكان منها أنه رأى شاباً وقد دخل عليه وبيده عصا، فضربه بها على رأسه وقال: ويلك يا فرعون، ما أقل حياءك من خالق السموات، كلما رأيت آية ازددت كفراً.ونظر إلى آسية في المنام ولها جناحان تطير بهما بين السماء والأرض حتى دخلت السماء ؛ ورأى الأرض قد انفرجت وأدخلته جوفها ؛ فانتبه فزعاً، وقص رؤياه على أهل العبارة، فقالوا: إنها تدل على مولود يولد يسلبك ملكك، ويزعم أنه رسول إله السماء والأرض ويكون هلاكك وقومك على يديه. و كان فرعون قبل ذلك إذا عبر عليهم رؤيا يقولون: هذه أضغاث أحلام ويكتمونه على ما تدل عليه. ذكر خبر قيل الأطفالقال: فاستشار فرعون وزراءه وأهل مملكته ؛ فأشاروا عليه بقتل من يولد من الذكور ؛ فقيل اثنتي عشرة ألف امرأة وسبعين ألف طفل ؛ وكان يعذب الحوامل حتى يسقطن، حتى ضجت الملائكة إلى ربها ؛ فأوحى الله إليهم بأن له أجلاً وبشرهم بموسى ؛ وكان فرعون قد منع وزراءه وكبار أهل مملكته من الاجتماع بأهاليهم والخلوة بهن، لأنه كان قد بلغه أن المولود يكون من أقرب الناس إليه ؛ وكان عمران ممن منع ؛ وكان فرعون إذا نام لا يفارقه حتى يستيقظ ؛ فبينما عمران ذات ليلة على كرسيه عند رأس فرعون إذا هو بامرأته وقد حملت إليه على جناح ملك من الملائكة ؛ فلما نظر عمران إليها فزع وقال: ما حاجتك هاهنا ؟ فسكتت ؛ فقال له الملك: إن الله يأمرك يا عمران أن تأتي زوجتك على فراش فرعون ليكون ذلك هواناً له.فواقعها فحملت بموسى ؛ ثم اغتسلا في الحوض الذي في دار فرعون ؛ ثم حملها الملك وردها إلى منزلها ؛ وكان على باب فرعون ألف حاجب، والأبواب مغلقة، فلم يغن عنه ذلك ؛ ولما أصبح فرعون دخل عليه المنجمون وقالوا: إن الذي تخافه قد حملت به أمه وقد طلع نجمه.فأمر فرعون القوابل والحواضن أن يدرن على نساء بني إسرائيل ؛ ففعلن ذلك، ولم يعبرن بيت عمران لعلمهن بملازمته لفرعون ليلاً ونهاراً ؛ فلما تمت أيامها جاءها الطلق نصف الليل، وليس عندها إلا ابنتها، فوضعته ووجهه يتلألأ نوراً.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي