نهاية الأرب في فنون الأدب/آفات الخمر وجناياتها

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

آفات الخمر وجناياتها

و كثيرة، لأنها أم الكبائر.وأول آفاتها أنها تذهب العقل، وأفضل ما في الإنسان عقله، وتحسن القبيح وتقبح الحسن.قال أبو نواس الحسن ابن هانئ عفا الله عنه ورحمه وغفر له ما أسلف:

اسقني حتى تراني

حسناً عندي القبيح

وقال أيضاً:

اسقني صرفاً حمياً

تترك الشيخ صبياً

وتريه الغي رشداً

وتريه الرشد غياً

وقال أبو الطيب:

رأيت المدامة غلابة

تهيج للمرء أشواقه

تسئ من المرء تأديبه

ولكن تحسن أخلاقه

وأنفس ما للفتى له

وذو اللب يكره إنفاقه

وقد مت أمس بها ميتة

وما يشتهي الموت من ذاقه

قالوا: وإنما قيل لمشارب الرجل نديم، من الندامة، لأن الرجل معاقر الكأس إذا سكر تكلم بما يندم عليه وفعل ما يندم عليه، فقيل لمن شاربه نادمه لأنه فعل مثل فعله فهو نديم له، كما يقال: جالسه فهو جليس له.والمعاقر: المدمن، كأنه لزم عقر الشيء أي فناءه.وقد شهر أصحاب الشراب بسوء العقد وقلة الحفاظ، وقالوا: صاحب الشراب صديقك ما استغنيت عنه حتى تفتقر، وما عوفيت حتى تنكب، وما غلت دنانك حتى تنزف، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك.قال بعض الشعراء عفا الله تعالى عنه:

أرى كل قوم يحفظون حريمهم

وليس لأصحاب النبيذ حريم

إذا جئتهم حيوك ألفا ورحبوا

وإن غبت عنهم ساعة فذميم

إخاؤهم ما دارت الكأس بينهم

وكلهم رث الوصال سئوم

فهذا بياني لم أقل بجهالة

ولكنني بالفاسقين عليم

قيل: سقى قوم أعرابية مسكراً، فقالت: أيشرب نساؤكم هذا الشراب ؟ قالوا: نعم.قالت: فما يدري أحدكم من أبوه.وقال قصي بن كلاب لبنيه: اجتنبوا الخمر فإنه يصلح الأبداء ويفسد الأذهان.وقيل لعدي بن حاتم: مالك لا تشرب النبيذ ؟ قال: معاذ الله ! أصبح حليم قوم وأمسي سفيههم.وقيل لأعرابي: مالك لا تشرب النبيذ ؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلي.وقيل لعثمان بن عفان: ما منعك من شرب الخمر في الجاهلية ولا حرج عليك ؟ قال: إني رأيتها تذهب العقل جملة وما رأيت شيئاً يذهب جملة ويعود جملة.وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح: هل لك فيما يثمر المحادثة ؟ يريد المنادمة، فقال: أصلح الله الأمير ! الشعر مفلفل واللون مرمد، ولم أقعد إليك بكرم عنصر ولا بحسن منظر، وإنما هو عقلي ولساني، فإن رأيت ألا تفرق بينهما فافعل.ودخل مصيب هذا على عبد الملك بن مروان فأنشده فاستحسن عبد الملك شعره فوصله، ثم دعا بالطعام فطعم معه.فقال له عبد الملك: هل لك أن تنادم عليه ؟ قال: يا أمير المؤمنين، تأملني.قال: قد أراك.قال: يا أمير المؤمنين، جلدي أسود وخلقي مشوه ووجهي قبيح ولست في منصب، وإنما بلغ بي مجالستك ومؤاكلتك عقلي، وأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه.فأعجبه كلامه وأعفاه. وقال الحسن: لو كان العقل عرضاً لتغالي الناس في ثمنه، فالعجب لمن يشتري بماله شيئاً ليشربه فيذهب عقله !. وقال الوليد بن عبد الملك للحجاج بن يوسف في وفدة وفدها عليه وقد أكلا: هل لك في الشراب ؟ قال: يا أمير المؤمنين، ليس بحرام ما أحللت، ولكن أمنع أهل عملي، وأكره أن أخالف قول العبد الصالح وهو قوله تعالى: ' وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه '. وقالوا: للنبيذ حدان، حد لا هم معه، وحد لا عقل معه، فعليك بالأول واتق الثاني. ومن آفات الخمر افتضاح شاربها بريحها عند من يحتشم منه ويتقيه ويخافه يثبت في الفم اليوم واليومين بعد تركها.فمن شربها ساعة وهو يحتشم من الناس أن يظهر ذل عليه احتجاج إلى الانقطاع في بيته بعد زوال السكر وأوبة العقل حتى تزول الرائحة.وقد تحايل الذي يشربون الخمر على قطع ريحها من الفم وعالجوا ذلك بأدوية صنعوها يستعملونها بعد شربها.فأجود ما صنعوه من هذه الأدوية أن يؤخذ من المؤ والبسباسة والسعد والجناح والقرنفل أجزاء متساوية وجزءان من الصمغ، ويدق ذلك ويجبل بماء الورد ويستعمل منه فإنه يقطع رائحة الخمر من الفم، كما زعموا.وقد نظم بعض الشعراء هذه المفردات في أربعة أبيات فقال:

مر وبسباسة وسعد

إلى جناح وماء ورد

ينظمها الصمغ إن تلاه

قرنفل الهند نظم عقد

أجزاؤها كلها سواء

والصمغ جزآن، لا تعدي

فيه لذي مرة شفاء

وصون عرض وحفظ ود

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي