آية لإبراهيم
قال: وكان إبراهيم يسلي أهل السجن، ويذكرهم بالجنة والنار ؛ فقام إليه رجل وقال: يا إبراهيم، أنا من ملوك العرب، وأنا من ملكهم، وكنا أربع إخوة فغضب الملك علينا فحبسنى هاهنا، وحبس الآخر بالمشرق، والآخر بالمغرب والرابع باليمن، فهل يقدر ربك أن يجمع بيننا ؟ قال: نعم.ودعا إبراهيم ربه، فإذا بالأخوين وقد انقضا من المشرق والمغرب.فبلغ ذلك نمروذ، فأحضرهم وقال: من جمع بينكم ؟ قالوا: إلهنا بدعاء إبراهيم.فأحضر إبراهيم وقال: ائتنا بالأخ الرابع من اليمن.فقال: إنه قد مات ودفن.فقال نمروذ: ادع ربك حتى يأتينا بقبره. فدعا إبراهيم، فأمر الله الملك الموكل بالأرض أن يخترق بالقبر إلى إبراهيم ؛ فخرج القبر من تحت الأرض إلى دار نمروذ، فقال إبراهيم للثلاثة: هذا قبر أخيكم.فقالوا: أيها الملك، إن كان حقاً ما يقول فليدع ربه ليحييه وينظر إليه ويكلمه. فصلى إبراهيم ركعتين، وسأل الله أن يحييه ؛ فانشق القبر، وخرج الرجل منه وهو يشتعل ناراً ويقول: هذا جزاء من عبد الأصنام ورغب عن دين الله. فقال بهرام الخازن ونزع ما كان عليه من لباس نمروذ، وآمن بالله وبإبراهيم.فقال له نمروذ: لقد عمل سحره فيك.وأمر بهم نمروذ فشدت أيديهم وأرجلهم ووضعت عليهم أساطين، فلم يؤلمهم ثقلها ؛ فبهت نمروذ ثم قال: عودوا لطاعتي فأنا الذي خففت عنكم ثقل هذه.فقال خازنه: قم حتى نضع عليك واحدة منها وخففها عن نفسك. فغضب نمروذ وأحرقهم بالنار حتى صاروا رماداً ؛ فرد الله عليهم أرواحهم فقاموا على أرجلهم يقرون بعظمة الله ؛ فعجب الناس، ولم يدر نمروذ ما يفعل ؛ فأمر بهم فألقوا في الحبس بين حيات وعقارب، فبقوا في أربعين يوماً، ولم يطعموا شيئاً، فجاءت أم إبراهيم إلى نمروذ وسألته في إطلاقه، فأمر بإخراجه هو ومن آمن به، وفي ظنه أنهم قد ماتوا ؛ فأخرجهم فإذا هم في أحسن صورة ؛ فعجب وقال: يا إبراهيم، من أطعمك وسقاك ؟ قال: ربي أطعمني وسقاني، فآمن به يا نمروذ، فقد رأيت آياته وعظمته. فغضب نمروذ ثم أقبل على تارح وقال له: قد كنت أتخوف من ابنك، لأني كنت أظن له شوكة من الجنود، والآن فليس عنده إلا السحر، وقد وهبته لك.فأخذه أبوه وأخرج من دار نمروذ، وقال له: يا بني، امش حتى أدخلك عبادة هذه الأصنام لعلك تميل إليها.فقال إبراهيم: سوءة لك أيها الشيخ.ثم قال: ' أتعبدون ما تنحتون ؟ ' ثم قال: يا قوم قولوا: لا إله إلا الله وإني إبراهيم رسول الله تفلحوا.فكذبوه، فقال له أبوه: يا بني ما تخشى سطوة الملك.فقال: يا أبت إن الله يعصمني من مكايده. قال: ثم ابتلاهم الله - عز وجل - بالقحط، وقلت عندهم الأقوات ؛ وكان بظاهر المدينة كثيب من الرمل، فتعبد إبراهيم فيه، ودعا ربه أن يحوله طعاماً فحوله الله، فكان المؤمنون ينالون منه ما يريدون، والكفار يسجدون لنمروذ ويأخذون منه القوت. وكان قد جمع الأقوات في سراديب عند، فأطعمهم حتى نفذ أكثرها ولم يبق إلا قوت أهله وعشيرته ؛ فشرع الناس يؤمنون ويزيدون كل يوم ؛ فشق ذلك على نمروذ، وطلب إبراهيم وقال له: اخرج من بلدي فقد أفسدت قومي بسحرك.فقال إبراهيم: لم أخرج وأنا أحق منك ؟ وخرج من عنده فأحضر نمروذ تارح وقال له: إن ابنك قد آذاني في أهل مملكتي، ولولا منزلتك عندي لبطشت به.فقال: إنني قد هجرته، ولست راضياً بصنعه، فافعل به ما بدا لك.