نهاية الأرب في فنون الأدب/أبو حفص عمر بن الأصغر الأندلسي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أبو حفص عمر بن الأصغر الأندلسي

فمن ذلك أمانٌ كتبه لمن عصى وعاود الطاعة:أما بعد: فإن الغلبة لنا والظهور عليك جلباك إلينا على قدمك، دون عهد ولا عقدٍ يمنعان من إراقة دمك ؛ ولكنا بما وهب الله لنا من الإشراف على سرائر الرياسة، والحفظ لشرائع السياسة ؛ تأملنا من ساس جهتك قبلنا فوجدنا يد سياسته خرقاء، وعين حراسته عوراء، وقدم مداراته شلاء، لأنه غاب عن ترغيبك فلم ترجه، وعن ترهيبك فلم تخشه ؛ فأدتك حاجتك إلى طلاب المطامع الدنية، وقلة مهابتك إلى التهالك على المعاصي الوبية ؛ وقد رأينا أن تظهر فضل سيرتنا فيك، وتعتبر بالنظر في أمرك، فمهدنا لك الترغيب لتأنس إليه، وظللنا لك الترهيب لتفرق منه، فإن سوّت الحالتان طبعك، وداوي الثقاف والنار عودك، فذلك بفضل الله عليك، وبإظهاره حسن السياسة فيك ؛ وأمان الله تعالى مبسوطٌ منا، ومواثيقه بالوفاء معقودةٌ علينا ؛ وأنت إلى جهتك مصروف، وبعفونا والعافية منا مكنوف، إلا أن تطيش الصنيعة عندك فتخلع الربقة، وتمرق من الطاعة، فلسنا بأول من بغى عليه، ولست بأول من تراءت لنا مقاتله من أشكالك إن بغيت، وانفتحت لنا أبواب استئصاله من أمثالك إن طلبت.

يعاتب بعض إخوانه:

أظلم لي جو صفائك، وتوعرت علي طرق إخائك ؛ وأراك جلد الضمير على العتاب، غير نافع الغلة من الجفاء ؛ فليت شعري ما الذي أقصى بهجة ذلك الود، وأذبل زهرة ذلك العهد ؛ عهدي بك وصلتنا تفرق من اسم القطيعة، وموديتنا تسأل عن صفة العتاب ونسبة الجفاء، واليوم هي آنس بذلك من الرضع بالثدي، والخليع بالكأس ؛ وهذه ثغرةٌ إن لم تحرسها المراجعة، وتذك فيها عيون الاستبصار توجهت منها الحيل على هدم ما بيننا، ونقض ما اقتنينا ؛ وتلك نائحة الصفاء، والصارخة بموت الإخاء ؛ لا أستند أعزك الله من الكتاب إليك - وإن رغم أنف القلم، وانزوت أحشاء القرطاس، وأجر فم الفكر، فلم يبق في أحدها إسعادٌ لي على مكاتبتك، ولا بشاشةٌ عند محاولة مخاطبتك - لقوارص عتابك، وقوارع ملامك التي أكلت أقلامك، وأغصت كتبك، وأضجرت رسلك، وضميري طاوٍ لم يطعم تجنياً عليك، ونفسي وادعةٌ لم تحرك ذنباً إليك، وعقدي مستحكمٌ لم يمسسه وهنٌ فيك ؛ وأنا الآن على طرف الإخاء معك، فإما أن تبهرني بحجة فأتنصل عندك، وإما أن تفي بحقيقةٍ فأستديم خلتك، وإما أن تأزم على يأسك فأقطع حبلي منك ؛ كثيراً ما يكون عتاب المتصافين حيلةً تسبر المودة بها، وتستثار دفائن الأخوة عنها، كما يعرض الذهب على اللهب، ويصفى المدام بالفدام، وقد يخلص الود على العتب خلوص الذهب على السبك، فأما إذا أعيد وأبدي وردد وتوالي فإنه يفسد غرس الإخاء، كما يفسد الزرع توالي الماء.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي