أبي السرايا وقتله
قال: ولما انحاز أبو السرايا إلى الكوفة حاصره بها هرثمة، وقاتله ولازم قتاله فخرج أبو السرايا من الكوفة في ثمانمائة فارس، ومعه محمد بن محمد بن زيد، ودخلها هرثمة فأمن أهلها ولم يعرض إليهم، وكان هرثمة في سادس عشر المحرم سنة مائتين فأتى القادسية، وسار منها إلى السوس بخوزستان، فلقي مالاً قد حمل من الأهواز فأخذه وقسمه بين أصحابه، فأتاه الحسن بن علي المأموني، فأمره بالخروج من عمله وكره قتاله، فأبى أبو السرايا إلا قتاله فقاتله، فهزمه المأموني وخرج وتفرق أصحابه، وسار هو ومحمد بن محمد وأبو الشوك نحو منزل أبي السرايا برأس عين، فلما انتهوا إلى جلولاء ظفر بهم حماد الكندغوش فأخذهم، وانتهى بهم إلى الحسن بن سهل وهو بالنهروان.فقتل أبا السرايا وبعث رأسه إلى المأمون، ونصب جثته على جسر بغداد.وسير محمد بن محمد إلى المأمون.وأما هرثمة فأقام بالكوفة يوماً واحداً وعاد منها، واستخلف بها غسان بن أبي الفرج، وسار علي بن أبي سعيد إلى البصرة فأخذها من العلويين، وكان بها زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وهو الذي يسمى زيد النار، وإنما سمي بذلك لما أحرق بالبصرة من دور العباسيين وأتباعهم، وكان إذا أتى برجل من المسودة أحرقه، وأخذ أموالاً كثيرة من التجار، فلما وصل علي إلى البصرة استأمنه زيد فأمنه، وبعث إلى مكة والمدينة جيشاً وأمرهم بمحاربة من بها من العلويين.وكان بين خروج عشرة أشهر.نعود لمساق السنين. ودخلت سنة مائتين. في هذه السنة كان ظهور إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد وكان بمكة، فلما بلغه خبر أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن، وبها إسحاق بن موسى بن عيسى عاملاً للمأمون، فلما بلغه قرب إبراهيم من صنعاء سار نحو مكة، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن وسبى وأخذ الأموال، ثم وجه رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس، فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد، وفيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان - وكان الحسن بن سهل قد استعمله على اليمن، فعلم العقيلي أنه لا يقوى لهم فأقام ببستان ابن عامر، فاجتازت قافلة من الحاج ومعهم كسوة الكعبة وطيبها، فأخذوا أموال التجار والكسوة والطيب، وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين، فاستشار المعتصم أصحابه فقال الجلودي: أنا أكفيك ذلك، فانتخب مائة رجل وسار بهم إلى العقيلي، وقاتلهم فانهزم أصحاب العقيلي وأسر أكثرهم، وأخذوا كسوة الكعبة وأموال التجار إلا ما كان مع من هرب، وضرب الأسرى كل واحد عشرة أسواط وأطلقهم.فرجعوا إلى اليمن يستطعمون الناس، فهلك أكثرهم في الطريق.
ذكر ما فعله الحسين بن الحسن الأفطس بمكة
ومبايعة محمد بن جعفر وما كان من أمره وخلعه لنفسهقد ذكرنا أن أبا السرايا كان قد بعث الحسين بن الحسن الأفطس إلى مكة في سنة تسع وتسعين ومائة لما ظهر أمره، فدخل مكة فلما كان في المحرم من هذه السنة نزع الحسين كسوة الكعبة، وكساها كسوة أخرى كان قد أنفذها أبو السرايا من الكوفة من القز.قال: وتتبع الحسين ودائع بني العباس وأخذ أموال الناس بحجة الودائع، فهرب الناس منه وتطرق أصحابه إلى قلع شبابيك الحرم، وأخذ ما على الأساطين من الذهب - وهو نزر حقير.وأخذ ما في خزانة الكعبة فقسمه مع كسوتها في أصحابه.فلما بلغه قتل أبي السرايا.ورأى تغير الناس عليه لسوء سيرته وسيرة أصحابه.فأتى هو وأصحابه إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، وكان شيخاً محبباً في الناس مفارقاً لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة.وكان يروى والعلم عن أبيه ويكتبه الناس عنه ويظهر الزهد.فلما أتوه قالوا: تعلم منزلتك من الناس فهلم نبايعك بالخلافة، فإن فعلت لم يختلف عليك رجلان، فامتنع من ذلك فلم يزل به ابنه علي وحسين بن الحسن الأفطس حتى غلباه على رأيه، فأجابهم فأقاموه في شهر ربيع الأول وبايعوه بالخلافة.وجمعوا له الناس فبايعوه طوعاً وكرهاً ونعتوه بأمير المؤمنين.فبقي شهوراً وليس له من الأمر شيء.وابنه علي وحسين بن حسن وجماعتهما أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلاً، فوثب حسين بن حسن على امرأة من بني فهر كانت جميلة، وأرادها على نفسها فامتنعت، وخاف زوجها وهو من بني مخزوم حتى توارى عنه، ثم كسر باب دارها وأخذها مدة ثم هربت منه، ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام أمرد - وهو ابن قاضي مكة اسمه إسحاق بن محمد، وكان جميلاً فأخذه قهراً، فاجتمع أهل مكة ومن بها من المجاورين فصاروا في جمع كبير، فأتوا محمد بن جعفر وقالوا: لنخلعنك ولنقتلنك أو لتردن علينا هذا الغلام، فأغلق بابه وكلمهم من شباك، وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ منه الغلام، وحلف أنه لم يعلم به، فأمنوه فركب إلى ابنه وأخذه منه ورده إلى أبيه، ولم يلبثوا إلا يسيراً حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن، فنزل المشاش فاجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفر وأعلموه ذلك، وحفروا خندقاً وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم، فقاتلهم إسحاق ثم كره القتال فسار نحو العراق، فلقيهم الجند الذين بعثهم هرثمة إلى مكة، ومعهم الجلودي ورجاء بن جميل فردوه معهم، فقاتلوا الطالبيين فهزموهم، فطلب محمد بن جعفر الأمان فأمنوه، ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة وتفرق الطالبيون من مكة.وأما محمد بن جعفر فسار نحو الحجفة، فأدركه بعض موالي بني العباس فأخذ جميع ما معه، وأعطاه دريهمات يتوصل بها، فسار نحو بلاد جهينة فجمع بها وقاتل هارون بن المسيب والي المدينة عند الشجرة وغيرها، عدة وقعات فانهزم محمد وفقئت عينه بسهم، وقتل من أصحابه بشر كثير ورجع إلى موضعه، فلما انقضى الموسم طلب الأمان من الجلودي ومن رجاء بن جميل - وهو ابن عم الفضل بن سهل فأمناه، وضمن له رجاء عن المأمون وعن الفضل الوفاء بالأمان، فقبل ذلك وأتى مكة لعشر بقين من ذى الحجة، فخطب الناس وقال إنني كان بلغني أن المأمون مات، وكانت له في عنقي بيعة، وكانت فتنة عمت الأرض، فبايعني الناس، ثم إنه صح عندي أن المأمون حي صحيح وأنا أستغفر الله من البيعة وقد خلعت نفسي من بيعتي التي بايعتموني عليها - كما خلعت خاتمي هذا من أصبعي، فلا بيعة لي في رقابكم. ثم سار في سنة إحدى ومائتين إلى العراق، فسيره الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو، فلما سار المأمون إلى العراق صحبه فمات بجرجان.