أبي العباس السفاح
قال: كان عبد الملك بن مروان قد منع محمد بن علي على أباه من زواج أمه، وهي ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، ثم منعه الوليد وسليمان بعده لأنهم كانوا يرون أن ملكهم يزول على يد رجل من بني العباس يقال له ابن الحارثية، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكى محمد بن علي ذلك، وسأله ألا يمنعه من زواجها وكانت بنت خاله، فقال له عمر: تزوج من شئت فتزوجها، فولدت له أبا العباس السفاح في شهر ربيع الآخر سنة أربع ومائة، ووصل إلى أبيه محمد بن علي أبو محمد الصادق من خراسان في عدة من أصحابه، فأخرج إليهم أبا العباس في خرقة وله خمسة عشر يوماً، وقال لهم هذا صاحبكم الذي يتم الأمر على يديه، فقبلوا أطرافه، وقال لهم: والله ليتمن هذا الأمر حتى تدركوا ثأركم من عدوكم. وفي سنة خمس ومائة: قدم بكير بن ماهان من السند وكان بها مع الجنيد بن عبد الرحمن، فلما عزل الجنيد قدم بكير إلى الكوفة، ومعه أربع لبنات من فضة ولبنة من ذهب، فلقي أبا عكرمة الصادق، وميسرة، ومحمد بن خنيس، وسالم الأعين، وأبا يحيى مولى بني مسلمة، فذكروا له أمر دعوة بني هاشم فقبل ذلك، وأنفق ما معه عليهم ودخل إلى محمد بن علي، فأقامه مقامه. وفي سنة سبع ومائة: وجه بكير بن ماهان أبا عكرمة ومحمد بن خنيس وعمار العبادي وزيادا - خال الوليد بن الأزرق - في عدة من شيعتهم دعاة إلى خراسان، فجاء رجل من كندة إلى أسد بن عبد الله القسري وهو أمير خراسان، فوشى بهم فأتى بأبي عكرمة ومحمد بن خنيس وعامة أصحابه، ونجا عمار، فقطع أسد أيدي من ظفر به منهم وصلبه، وأقبل عمار إلى بكير ابن ماهان فأخرجه، فكتب إلى محمد بن علي بذلك، فأجابه: الحمد لله الذي صدق دعوتكم ومقالتكم، وقد بقيت منكم قتلى ستقتل.وقيل إن أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان. وفي سنة تسع ومائة: بعثه محمد بن علي وقال له: انزل اليمن والطف مضر، ونهاه عن رجل من نيسابور يقال له غالب، فلما قدم دعا إلى بني العباس وذكر سيرة بني أمية وظلمهم، وأطعم الناس الطعام، وقدم عليه غالب وتناظرا في تفضيل آل علي وآل العباس، وافترقا وأقام زياد بمرو شتوة يختلف إليه من أهلها يحيى بن عقيل الخزاعي وغيره، فأخبر به أسد فدعاه وقال له: ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال: الباطل، إنما قدمت في تجارة وقد فرقت مالي على الناس، فإذا اجتمع خرجت، فقال له أسد: اخرج عن بلادي، فانصرف وعاد إلى أمره، فرفع أمره إلى أسد وخوف جانبه، فأحضره وقتله وقتل معه عشرة من أهل الكوفة، ولم ينج منهم إلا غلامان استصغرهما وقيل - أمر بزياد أن يوسط بالسيف، فضربوه فلم يعمل السيف فيه فكبر الناس، فقال أسد: ما هذا ؟ فقالوا نبا السيف عنه، ثم ضرب مرة أخرى فنبا عنه، ثم ضرب الثالثة فقطعه باثنتين، وعرض البراءة منه على أصحابه، فمن تبرأ خلى سبيله، فتبرأ اثنان فتركا، وأبى البراءة ثمانية فقتلوا، فلما كان الغد أقبل أحدهما إلى أسد، فقال أسألك أن تلحقني بأصحابي فقتله، وذلك قبل الأضحى بأربعة أيام من سنة تسع ومائة، ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يسمى كثيرا، فنزل على أبي النجم وكان يأتيه الذين لقوا زياداً، فكان على ذلك سنة أو سنتين وكان أمياً، فقدم عليه خداش واسمه عمارة، فغلب كثيراً على أمره.ويقال إن أول من أتى خراسان بكتاب محمد بن علي حرب بن عثمان مولى بني قيس بن ثعلبة، من أهل بلخ والله تعالى أعلم. وفي سنة ثماني عشرة ومائة: وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد الخزاعي إلى خراسان والياً على شيعة بني العباس، فنزل مرو وغير اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى محمد بن علي فسارع إليه الناس وأطاعوه، ثم غير ما دعاهم إليه وأظهر دين الخرمية، ورخص لبعضهم في نساء بعض، وقال لهم إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج، وأن تأويل الصوم أن يصام عن ذكر الإمام فلا يباح باسمه، والصلاة الدعاء له، والحج القصد إليه وكان يتأول من القرآن قوله تعالى 'ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات'، قال وكان خداش نصرانياً بالكوفة فأسلم ولحق بخراسان، وكان ممن اتبعه على مقالته: مالك بن الهيثم، والحريش بن سليم الأعجمي وغيرهما، وأخبرهم أن محمد بن علي أمره بذلك، فبلغ خبره أسد بن عبد الله فظفر به، فأغلظ القول لأسد فقطع لسانه وسمل عينيه، وأمر يحيى بن نعيم الشيباني فقتله وصلبه بآمل. وفيها مات علي بن عبد الله بن عباس بالحميمية من أرض الشراة بالشام، وهو ابن ثمان أو سبع وسبعين، وهو والد محمد الإمام، وقيل إنه ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فسماه علياً، وقال سميته باسم أحب الناس إلي، وكناه بأبي الحسن، فلما قدم على عبد الملك بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره، وسأله عن اسمه وكنيته فأخبره، فقال: لا يجتمع هذا الاسم والكنية لأحد في عسكري، وسأله: هل لك ولد ؟ قال: نعم وقد سميته محمداً، قال: فأنت أبو محمد.وقيل إنه خلف اثنين وعشرين ولداً. وفي سنة عشرين ومائة: وجهت الشيعة بخراسان إلى محمد الإمام سليمان بن كثير، ليعلمه أمرهم وما هم عليه، وكان محمد قد ترك مكاتبتهم ومراسلتهم، لطاعتهم لخداش وقبولهم منه ما رواه عنه من الكذب، فقدم سليمان على محمد فعنفه محمد في ذلك، ثم صرفه إلى خراسان ومعه كتاب مختوم، فلم يجدوا فيه إلا البسملة، فعلموا مخالفة خداش لأمره، ثم وجه محمد إليهم بكير بن ماهان بعد عود سليمان من عنده، وكتب إليهم يعلمهم كذب خداش فلم يصدقوه واستخفوا به، فانصرف بكير إلى محمد، فبعث معه بعصى مضببة بعضها بحديد وبعضها بنحاس، فجمع بكير النقباء والشيعة ودفع إلى كل واحد منهم عصى، فتابوا ورجعوا.