أبي حمزة المختار
ابن عوف الأزدي البصري مع طالب الحق عبد الله بن محمد ابن يحيى الحضرميكان المختار من الخوارج الأباضية، وكان يوافي مكة في كل سنة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد، فلم يزل كذلك حتى وافى عبد الله بن محمد بن يحيى الحضرمي المعروف بطالب الحق في آخر سنة 1ثمان وعشرين ومائة، فقال له: يا رجل، أسمع كلاما حسنا، وأراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإني رجلٌ مطاعٌ في قومي، فخرج حتى ورد حضرموت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة، ودعا إلى خلاف مروان، وقد كان أبو حمزة اجتاز مرة بمعدن بني سليم، والعامل عليه كثير بن عبد الله، فسمع كلام أبي حمزة فجلده أربعين سوطاً، فلما ملك أبو حمزة المدينة على ما نذكره تغيب كثير. وفي هذه السنة قدم أبو حمزة إلى الحج من قبل عبدالله بن محمد طالب الحق، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليه أعلامٌ وعمائم سود على رؤوس الرماح، وهم سبعمائة، ففزع الناس، وسألوهم عن حالهم، فأخبروهم بخلافهم مروان وآله، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ على مكة والمدينة، وطلب منهم الهدنة أيام الحج، فقالوا: نحن بحجنا أضن وعليه أشح، فصالحهم على أنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتى تنفر الناس النفر الأخير، فوقفوا بعرفة على حدة، ودفع بالناس عبد الواحد، ونزل بمنزل السلطان بمنى، ونزل أبو حمزة بقرين الثعالب.فلما كان النفر الأول نفر عبد الواحد وأخلى مكة فدخلها أبو حمزة بغير قتال، فقال بعضهم في عبد الواحد:
زار الحجيج عصابةٌ قد خالفوا
دين الإله ففرّ عبد الواحد
ترك الحلائل والإمارة هارباً
ومضى يخبّط كالبعير الشارد
ومضى عبد الواحد حتى دخل المدينة، وزاد أهلها في العطاء عشرة عشرة، واستعمل عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فخرجوا حتى وصلوا العقيق، وأتتهم رسل أبي حمزة يقولون: إننا والله مالنا بقتالكم من حاجة، دعونا نمضي إلى عدونا. فأتى أهل المدينة وساروا حتى نزلوا قديداً، وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب، فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من الغياض فقتلوهم.وكانت المقتلة في قريش، فأصيب منهم عددٌ كثير، وقدم المنهزمون المدينة، فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها، ومعها النساء فتأتيهم الأخبار عن رجالهم، فيخرجن امرأةً امرأةً كل واحدة تذهب لقتل رجلها فلا يبقى عندها امرأة، وذلك لكثرة من قتل. قيل: كان عدد القتلى سبعمائة، وكانت هذه الوقعة لسبع مضين من صفر سنة ثلاثين ومائة.والله أعلم. ذكر دخول أبي حمزة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلامقال: ودخل أبو حمزة المدينة في ثالث عشر صفر، ومضى عبد الواحد إلى الشام. ولما دخل أبو حمزة رقي المنبر فخطب، وقال: يأهل المدينة، مررت زمان الأحول - يعني هشام بن عبد الملك - وقد أصاب ثماركم عاهةٌ، فكتبتم إليه تسألونه أ، يضع عنكم خرصكم.ففعل فزاد الغني غنىً والفقير فقراً، فقلتم له: جزاك الله خيراً، فلا جزاكم الله خيراً، ولا جزاه.واعلموا يأهل المدينة أنا لم نخرج من ديارنا أشراً ولا بطراً، ولا عبثاً ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه ولا لثأر قديم نيل منا، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت، وعنف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط - ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعياً يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعي الله، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجزٍ في الأرض ؛ فأقبلنا من قبائل شتى، ونحن قليلون مستضعفون في الأرض، فآوانا وأيدنا بنصره، فأصبحنا بنعمته إخوانا. ثم لقينا رجالكم فدعوناهم إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن، فدعونا إلى طاعة الشيطان وحكم بني مروان، فشتان - لعمر الله - ما بين الغي والرشد.ثم أقبلوا يهرعون قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه، وغلت بدمائهم مراجله، وصدق عليهم ظنه، وأقبل أنصار الله تعالى كتائب بكل مهندٍ ذي رونق، فدارت رحانا، واستدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون. وأنتم يأهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، ويشف صدور قومٍ مؤمنين. يأهل المدينة ؛ أولكم خير أول، وآخركم شر آخر، يأهل المدينة، أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله تعالى في كتابه على القوي والضعيف، فجاء تاسعٌ ليس له فيها سهمٌ، فأخذها لنفسه مكابراً محاربا ربه. يأهل المدينة، بلغني أنكم تنتقصون أصحابي، قلتم: شبابٌ أحداث، وأعرابٌ جفاة، ويحكم وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً أحداثاً، شباب والله إنهم مكتهلون في شبابهم، غضةٌ عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الحق أقدامهم. قال: وأحسن لاسرة مع أهل المدينة، واستمال الناس حتى سمعوه يقول: من زنى فهو كافر، من سرق فهو كافر، ومن شك في كفرهما فهو كافر. وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر، ثم ودعهم، وقال: يأهل المدينة، إنا خارجون إلى مروان، فإن نظفر نعدل في أحكامكم ونحملكم على سنة نبيكم، وإن يكن ما تتمنون فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.