نهاية الأرب في فنون الأدب/أحمد بن محمد القشوري وقتله
أحمد بن محمد القشوري وقتله
وفي سنة إحدى ومائة في يوم الخميس رابع المحرم استدعى الحاكم الناس على طبقاتهم إلى القصر فركبوا معه إلى خارج باب الفتوح، ثم عاد إلى قصره وأمر من مكان بالموكب بالنزول إلى القصر، فنزلوا وحضروا في الإيوان، فخرج من عند الحاكم خادم فاخذ بيد أحمد بن محمد المعروف بالقشوري الكاتب وأخرجه من بين القوم، ثم عاد القشوري وقد خلع عليه وبيده سجل، فأخذه أبوعلي العباسي الخطيب وقرأه على الناس، فإذا هو يتضمن تقليده السفارة والوساطة بين الناس والحاكم، وتفويض الأمور إليه، وصرف ابن عبدون، وأقام القشوري إلى الثالث عشر من الشهر، فقبض عليه وقت الظهر وهو في مجلس ولايته، وضربت رقبته، ولف في حصير ورمي، فكانت ولايته عشرة أيام، وكان سبب ذلك إكرامه للقائد حسين بن جوهر وتعظيمه له وكثرة سؤاله الحاكم في معناه. وفوضت هذه الوظيفة في يوم الأحد رابع عشر الشهر لأبي الخير زرعة ابن عيسى بن نسطورس النصراني الكاتب، على عادة من تقدمه، ولم يخلع عليه إذ ذاك، ثم خلع عليه في سابع عشر شهر ربيع الآخر منها. وفي السادس والعشرين منه قرئ بجامع مصر سجل يتضمن النهي عن معارضة الحاكم فيما يفعله، وترك الخوض فيما لا يعني، وإعادة حي على خير العمل إلى الآذان، وإسقاط الصلاة خير من النوم، والنهي عن صلاة التراويح والضحى. وفي ثاني عشر شهر جمادى الآخرة دخل قائد القواد حسين بن جوهر، والقاضي عبد العزيز بن النعمان إلى القصر، وكان قد خلع عليهما في ثاني صفر، فلما أرادا الانصراف بعث إليهما زرعة بن نسطورس يقول إن الخليفة يريدكما لأمر يختاره، فجلسا حتى انصرف الناس، فقتلا وقتل معهما أبوعلي أخو الفضل بن صالح، ووقعت الحوطة على دارهم. وفي سنة إحدى وأربعمائة قامت دعوة الحاكم بالمدائن، وهي على نصف مرحلة من بغداد، وخطب له بمدينة الأنبار وقصر ابن هبيرة، من العراق بدخول مالك بن عقيل بن قراوش بن المقلد في طاعته وإظهار تشيعه، وذلك أيام الخليفة القادر العباسي ثم بلغ قراوش بن المقلد اختلال الحاكم وقتله أرباب الدولة وأن المانخوليا قد غلبت عليه، فأعاد الخطبة العباسية. وفيها قام بدعوة الحاكم بمدينة الجامعين وهي الحلة وما جاورها من العراق الأمير علي بن مزيد الأسدي، وكان قد هزم خفاجة واستولى على بلادهم وخطب فيها للحاكم. وفي سنة اثنتين وأربعمائة تاب الحاكم ونهى عن شرب الخمر وعن كل ما يعمل منه، كالزبيب والعسل، ونفى المغاني، وحرم الملوخية، ومنع أن تقبل الأرض بين يديه، وأن تقبل يده، وأن يخاطب مولانا، واقتصر على قولهم السلام على أمير المؤمنين. وفي سنة ثلاث وأربعمائة قطعت كروم العنب بأسرها ورميت إلى الأرض ودرست بالبقر، وجمع ما كان من الخمر بالمخازن وأريق في البحر، وفيها كسرت جرار العسل ؛ وأمر اليهود والنصارى بلبس العمائم السوداء إلا الحبابرة، ومنعوا أن يستخدموا المسلمين، وأن يركبوا مع المكاريه، وإذا دخل النصراني الحمام يكون الصليب في عنقه، واليهودي الجلجل، ثم أفرد بعد ذلك حمامات النصارى وحمامات اليهود، وأسلم جماعة من النصارى في شهر ربيع الأول. وفيها في شهر ربيع الآخر شدد الحاكم على النصارى واليهود في حمل الصلبان، وأن يكون الصليب في طول ذراع وزنته خمسة أرطال، فلما اضر ذلك بهم دخلوا في دين الإسلام. وفيها في شهر رمضان أمر الحاكم ببناء مصلى العيد بسفح المقطم وأحسن بناءه، وكان قبل ذلك ضيقاً صغيراً، فهدمه الحاكم وبناه على ما هو عليه الآن.