أخباره وسيرته
كان المأمون ربعة أبيض طويل اللحية دقيقها قد وخطه الشيب، وقيل كان أسمر تعلوه صفرة أجنى أعين ضيق الجبهة بخده خال أسود، وهو أول من اتخذ الأتراك للخدمة وتغالى في أثمانهم، فكان يشتري الواحد منهم بمائة ألف ومائتي ألف درهم، وكان يحب سماع أخبار الناس، حتى جعل برسم الأخبار ببغداد ألف عجوز وسبعمائة عجوز، وكان كريماً وقع في يوم واحد بثلاثمائة ألف دينار، وكان يقول: لو علم الناس ما عندي من حلاوة العفو لما تقربوا إلي إلا بالذنوب.وقال العتبي صاحب إسحاق بن إبراهيم كنت مع المأمون بدمشق، وكان المأمون قد قل عنده المال حتى ضاق وشكى ذلك إلى المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، كأنك بالمال وقد وافاك بعد جمعة، وكان قد حمل إليه من خراج ما يتولاه ثلاثون ألف ألف ألف درهم، فلما ورد عليه المال قال ليحيى بن أكثم: اخرج بنا ننظر إلى هذا المال، فخرجا ينظرانه وكان قد هييء بأحسن هيئة وحليت أباعره، فنظر المأمون إليه واستكثره واستبشر به الناس، فقال المأمون: يا أبا محمد - ننصرف بالمال ويرجع أصحابنا خائبين ! ! إن هذا للؤم، ودعا محمد بن يزداد فقال له: وقع لآل فلان بألف ألف ولآل فلان بمثلها ولآل فلان بمثلها، فما زال كذلك حتى فرق أربعة وعشرين ألف ألف ألف - ورجله في الركاب، ثم قال: ادفع الباقي إلى المعلى يعطيه جندنا، قال: فقمت نصب عينيه فلما رآني وقع لي بخمسين ألفاً فقبضتها. وكان أمر المأمون نافذاً من أفريقية المغرب إلى أقصى خراسان وما وراء النهر وولاية السند، وقدم ملك التبت ومعه صنم من ذهب على سرير من ذهب مرصع بالجوهر فأسلم الملك، وأخذ المأمون الصنم وأرسله إلى الكعبة وكتب إليه ملك الهند مع هدية نفيسة أهداها إليه، من دهمى - ملك الهند وعظيم أركان المشرق، وصاحب بيت الذهب وأبواب الياقوت وفرش الدر - الذي قصره مبني من العود الذي يختم عليه، فيقبل الصورة قبول الشمع، والذي تؤخذ رائحة قصره من عشرة فراسخ - والذي يسجد أمام البد، الذي وزنه ألف ألف مثقال من ذهب، عليه مائة ألف حجر من الياقوت الأحمر والدر الأبيض - الذي كان يركب في ألف مركب وألف راية مكللة بالدر، تحت كل راية ألف فارس معلمين بالذهب والحرير - والذي في مربطه ألف فيل، حزائمها أعنة الذهب - والذي يأكل في صحاف الذهب على موائد الدر، والذي في خزانته ألف تاج وألف حلة جوهر لألف ملك من آبائه، والذي يستحيي من الله أن يراه خائناً في رعيته، إذ خصه بالأمانة عليهم والرياسة فيهم - إلى عبد الله ذي الشرف والرياسة على أهل مملكته، في كلام طويل في آخره - وقد افتتحنا إهدائك بأن وجهنا إليك كتاباً، ترجمته صفوة الأذهان، وكانت الهدية جم ياقوت أحمر، فتحه شبر في غلظ الأصبع مملوءًا دراً، وزن كل درة مثقال - والعدد مائة، وفراشاً من جلد حية بوادي الدهراج تبلغ الفيل، ووشي جلدها دارات سود كالدراهم، في أوساطها نقط بيض، لا يتخوف من جلس عليه مرض السل، وإن كان به سل وجلس عليه سبعة أيام بريء، وثلاث مصليات من جلد السمندل فراوزها در، ومائة مثقال من العود الهندي يختم عليه فيقبل الصورة، وثلاثة آلاف منّ من الكافور المحبب، كل حبة أكبر من اللوزة، وجارية طولها سبعة أذرع تسحب شعرها، طول كل شفر من أشفار عينيها أصبع، تبلغ إذا أطرقت نصف خدها، ناهداً لها ثمان عكن، في نهاية الحسن والجمال ونقاء البشرة، وكان الكتاب من لحاء شجر الكادي، لونه إلى الصفرة والخط باللازورد مفتح بالذهب.فأجابه المأمون من عبد الله الإمام أمير المؤمنين - الذي وهب الله له ولآبائه الشرف بابن عمه النبي المرسل صلى الله عليه وسلم وأعلى ذكره، والمصدق بالكتاب المنزل - إلى ملك الهند وعظيم من تحت يده من أركان المشرق، سلام عليك - وأهدى له هدية وهي فرس بفارسه، وجميع ما آلاته عقيق، ومائدة جزع فيها خطوط سود وحمر وخضر على أرض بيضاء، فتحها ثلاثة أشبار وغلظها أصبعان، قوائمها ذهب، وثمانية أصناف من بياض مصر وخز السوس ووشي اليمن وملحم خراسان، والديباج الخرسواني، وفرش سوسنجرد، ووشي تستر، من كل صنف مائة قطعة، ومائة طنفسه جنوية بوسائدها، وجام زجاج فرعوني فتحه شبر، في وسطه صورة أسد أمامه رجل قد برك على ركبتيه.وفوق السهم نحو الأسد في قوس، وكان الكتاب في طومار ذي وجهين. وكان للمأمون من الأولاد: محمد الأكبر وعبد الله ومحمد الأصغر والعباس وعلي والحسن وإسماعيل والفضل وموسى وإبراهيم ويعقوب والحسين وسليمان وجعفر وإسحاق وأحمد وعيسى وهارون وعشر بنات نقش خاتمه: سل الله يعطك وزراؤه: ذو الرئاستين الفضل بن سهل ثم أخوه الحسن بن سهل ثم أحمد بن أبي خالد الأحوال ثم أحمد بن يوسف وجماعة، قيل إنه ما استوزر بعد الفضل أحداً، وإنما كانوا كتاباً.حجابه: عبد الحميد بن شبث ثم محمد وعلي ابنا صالح مولى المنصور ثم إسماعيل بن محمد بن صالح.قضاته: محمد بن عمر الواقدي ثم محمد بن عبد الرحمن المخزومي ثم بشر بن الوليد ثم يحيى بن أكثم.الأمراء بمصر: عباد بن محمد البلخي ثم المطلب بن عبد الله بن مالك بن الهيثم ثم العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي ثم عاد المطلب ثم السري ثم الحكم مولى بني ضبة من أهل بلخ - باجتماع من الجند عليه - ثم سليمان بن غالب ثم السري بعهد من المأمون ثم مات فوليها أبو نصر محمد بن السري ثم مات فوليها أخوه عبيد الله بن السري - بايعه الجند - ثم عبد الله بن طاهر بن الحسين مضافة للشام وغيره، فلما سار إلى العراق استخلف عيسى بن يزيد الجلودي، ثم أبو إسحاق المعتصم مضافة إلى الشام فأقر الجلودي، ثم صرفه بعمير بن الوليد التميمي ثم أعاد الجلودي ثم عبدويه بن جبلة ثم عيسى بن منصور، فلما قدم المأمون مصر عزل عيسى وولى نصر بن عبد الله الصغدي ويعرف بكيدر.القضاة بها: لهيعة بن عيسى الحضرمي ثم الفضل بن غانم ثم عاد لهيعة ثم إبراهيم بن إسحاق القاري ثم إبراهيم بن الجراح ثم عيسى بن المنكدر ثم عاد إلى بغداد، ووصل المأمون إلى مصر وليس بها قاض، فأمر يحيى بن أكثم أن يحكم بين الناس إلى أن سار عنها، وولى هارون بن عبد الله من ولد عبد الرحمن بن عوف. ^