نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار أبي الفهم

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار أبي الفهم

حسن بن نصرويه الخرسانيكان أبو الفهم رجلاً خراسانيّاً قدم في سنة ست وسبعين وثلاثمائة من مصر من قبل نزار داعياً.فأنزله يوسف بن عبد الله وأجري عليه جرايات جليلة.وأعطاه أموالاً سنية وبره وأكرمه.فطلب أبو الفهم الخروج إلى بلد كتامة يدعوهم وينتهي إلى ما أمره به نزار ووجهه إليه، فكاتب يوسف أباه.فكتب إليه عبد الله أن أعطه ما أراد واتركه يذهب حيث يشاء.فأعطاه يوسف ما طلب، وحمله على أفراس بسروج محلاة، وحمل بين يديه تخوت ثياب وبدر دراهم. وتوجه إلى بلد كتامة فوصل إليهم ودعاهم.ثم تزايدت أموره حتى صار يجمع العساكر ويركب الخيل.وعمل بنوداً وضرب سكة واجتمع إليه خلق نمكثير من كتامة، وكان هذا من الأسباب التي حقدها المنصور على عبد الله وابنه. ثم ورد من مصر رسولان من نزار إلى المنصور في سنة سبع وسبعين أحدهما رجل كتامي يعرف بأبي العزم، ورجل من عبيدهم يقال له محمد بن ميمون الززان، ومعهما سجلات إلى المنصور.فقيل: إنهما أمراه عن نزار ألا يعرض لأبي الفهم ولا لكتامة.فشتمهما المنصور وأسمعهما مكروهاً وقال: 'أبو الفهم وكتامة فعلوا وفعلوا'.وأغلظ لهما في القول ولمن أرسلهما. فأقاما عنده شعبان وشهر رمضان.ومنعهما من الخروج إلى كتامة وأبي الفهم.وقال: 'امضيا معي إليه حتى تريا ما يكون منه'.ثم تهيأ المنصور للخروج إلى كتامة وأبي الفهم، وقد تفاقهم أمره، وظهرت سكته، وصار حوله جيوش عظيمة.فسار المنصور حتى وصل إلى بلاد كتامة.وتثاقل في سيره حتى دخل سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.فلما قرب من ميلة عزم على قتل أهلها، فخرج إليه النساء والأطفال.فلما رآهم بكى وكف عنهم القتل.ونهبت العساكر كلّ ما فها.وأمر بهدم سورها فهدم.ونقل أهلها إلى باغاية، فاجتمعوا ومضوا إليها وقد سلم لبعضهم ما خف من عين وورق وغير ذلك.فلقيهم ما كسن بن زيري بعسكره فأخذ كل ما كان معهم. ثم رحل المنصور إلى داخل بلد كتامة، فجعل لا يمر للكتاميين بمنزل ولا بصر ولا دار إلا أمر بهدم ذلك وتحريقه بالنار، ومعه أبو العزم وابن ميمون ينظران إلى فعله، ويقول لهما: 'هؤلاء الذين زعمتما أنهم يمضون بي بحيل في عنقي إلا مولاكما'.وكانا قد خاطباه بذلك لما اجتمعا به. وسار حتى بلغ مدينة سطيف وبها جمعهم.فحاربهم وظفر بهم وهزمهم.وهرب أبو الفهم إلى جبل وعر.فأرسل إليه المنصور من أخذه وجاء به إليه.فأدخله إلى حرمه فضربنه ضرباً شديداً حتى أشرف على الموت.ثم أمر المنصور بإخراجه وقد بقيت فيه حشاشة من الروح فنحره وشق بطنه.وأخرجت كبده فشويت وأكلت.وشرّح عبيد المنصور لحمه وأكلوه حتى لم يبق إلا عظامه.وذلك في يوم الثلاثاء لثلاث خلون من صفر سنة ثمان وسبعين.وقتل جماعة من وجوه كتامة، وأنزل بهم الذل والهوان.وولي بلدهم أبا زعبل ابن مسلم وأولاده.وبقيت ميلة خراباً ثم عمرت بعد ذلك. ودخل المنصور إلى آشير.ورد أبا العزم وابن الوزان إلى مصر ليخبرا من أرسلهما.فأخبراه بما كان منه.وقالا: 'أتينا من عند شياطين يأكلون بني أدم، ليسوا من البشر في شيء'. وفي سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، ثار ثائر آخر ببلد كتامة، يقال له أبو الفرج.وقيل: إنه كان يهودياً.وقال لكتامة: إنه من أولاد الأمراء الذين كانوا بالمهدية، وإن أباه كان من لود القائم.فانضموا إليه وكثرت جموعه، واتخذ البنود والطبول.وزحف إلى عسكر أبي زعبل وقاتله فلم يقم بحربه.فكتب إلى المنصور فقدم بعساكره.والتقوا واقتتلوا، فهزمهم المنصور وقتل من كتامة مقتلة عظيمة.وهرب أبو الفرج واختفى في غار في جبل.فعمل عليه غلامان كانا له.فأخذاه وأتيا به إلى أبي زعبل.فأتي به إلى المنصور فقتله شر قتلة.وشحن بلد كتامة بالعمال والعساكر ورجع إلى آشير.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي