نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار أبي سعيد الجنابي

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار أبي سعيد الجنابي

وظهوره بالبحرينهو أبو سعيد بن برام من أهل جنابة، وأصله من الفرس وكان يعمل الفراء، وسبب دخوله في هذه الدعوة وظهوره، أنه سافر إلى سواد الكوفة، فذكر أنه تزوج بقرية من سواد الكوفة، إلى قوم يقال لهم بنو القصار، وكانوا أصولا في هذه الدعوة الخبيثة فأخذها عنهم، وقيل بل أخذ الدعوة عن نفسه، وقد وقيل أنه تلقاها عن حمدان قرمط، وسار داعية من قبله فنزل القطيف، وهي حينئذ مدينة عظيمة، فجلس بها يبيع الدقيق ولزم الوفاء والصدق، ودعا الناس، فكان أول من أجابه الحسين وعلى حمدان بنو سنبر، وقوم ضعفاء ما بين قصاب وحمال وأمثال هؤلاء. قال الشريف أبو الحسين: فلما دعا بتلك الناحية وقويت يده واستجاب له الناس وجد بناحيته داعيا يقال له أبو زكريا الصمامي كان عبدان الداعي أنفذه قبل أبي سعيد إلى القطيف وما والاه، فلما تبين أمره أبو سعيد الجنابي عظم عليه أن يكون داع غيره، فقبض عليه وحبسه في بيت حتى مات هزلا.قال: وقد ذكر أن هذا الداعي أخذ على بني سنبر قبل أبي سعيد، وكان في أنفسهم حقد عليه لقتله أبا زكريا. وحكى ابن الأثير الجزري في تاريخه الكامل ابتداء أمر القرامطة بناحية البحرين: أن رجلا يعرف بيحيى بن المهدي قصد القطيف، ونزل على رجل يعرف بعلي بن المعلى بن حمدان، وكان متغاليا في التشيع، فأظهر له يحيى أنه رسول المهدي، وذلك في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وذكر أنه خرج إلى شيعته يدعوهم لأمره، وأن خروجه قد قرب، فجمع على بن المعلى الشيعة من أهل القطيف، وأوقفهم على الكتاب الذي أحضره يحيى بن المهدي من المهدي إليهم، فأجابوه: إنهم خارجون معه إذا ظهر أمره، وأجاب سائر قرى البحرين بمثل ذلك، فكان فيمن أجابه أبو سعيد الجنابي، ثم غاب يحيى بن المهدي مدة، ورجع بكتاب يزعم أنه من المهدي إلى شيعته، وفيه: قد عرفني رسول يحيى بن المهدي مسارعتكم إلى أمري، فليدفع إليه كل رجل منكم ستة دنانير وثلثي دينار، ففعلوا ذلك ثم غاب وعاد بكتاب، فيه ادفعوا إلى يحيى خمس أموالكم، فدفعوا إليه الخمس. قال: وحكى يحيى بن المهدي جاء إلى منزل أبي سعيد الجنائي فأكل طعاماً، وخرج أبو سعيد من البيت وأمر امرأته أن تدخل إلى يحيى، وأن لا تمنعه إذا أرادها، فانتهى الخبر إلى الوالي فضرب يحيى حلق رأسه ولحيته، وهرب أبو سعيد إلى جنابه، وصار يحيى إلى بني كلاب وعقيل والحريش، فاجتمعوا معه ومع أبي سعيد فعظم أمر أبي سعيد، واشتدت وطأته وظهر أمره، قال: وكان ظهوره بالبحرين في سنة ست وثمانين ومائتين.

استيلاء أبي سعيد الجنابي على هجر

وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعهقال الشريف أبو الحسين: كان من الاتفاق لأبي سعيد أن البلد الذي قصده بلد واسع كثير الناس، ولهم عادة بالحروب، ورجال شداد جهال غفل القلوب، بعيدون من علم شريعة الإسلام ومعرفة نبوة أو حلال أو حرام، فظفر بدعوته في تلك الناحية، ولم يناوئه مناويء، فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته جداً، وكان لا يظفر بكريه إلا قتل أهلها ونهبها، فهابه الناس وأجابه كثير منهم طلباً للسلم، ورحل من البلد خلق كثير إلى نواحي مختلفة وبلدان شتى، خوفاً من شره، ولم يمتنع عليه إلا هجر، وهي مدينة البحرين ومنزل سلطانها والتجار والوجوه، فنازلها شهوراً يقاتل أهلها، فلما طال عليه أمرها وكل بها جل أصحابه من أهل النجدة، ثم ارتفع الأحساء وبينها وبين هجر ميلان، فابتنى بها داراً وجعلها منزلاً، وتقدم في زراعة الأرض وعمارتها، وكان يركب في الأيام إلى هجر هو ومن يحاصرها، ويعقب من أصحابه في كل أيام قوما، ثم دعا العرب فأجابه أول الناس، بنو الأضبط من كلاب، لأن عشيرتهم كانوا أصابوا فيهم دماً، فساروا إليه بحرمهم وأموالهم فنزلوا الأحساء، وأطمعوه من بني كلاب وسائر من يقرب منه من العرب، وطلبوا منه أن يضم إليهم رجالاً ففعل ذلك، فلقوا بهم عشيرتهم فاقتتلوا فهزمتهم القرامطة فأكثروا فيهم القتل، وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة نحو الأحساء، فاضطر المغلوبين إلى أن دخلوا في طاعته وصاروا تحت أمره، ثم وجه أبو سعيد بجيش آخر إلى بني عقيل فظفر بهم، فقصدوه ودخلوا في طاعته، فملك تلك الفلاة، وتجنب قتاله كل أحد إلا بني ضبة، فإنها ناصبته الحرب، فلما اجتمع إليه من اجتمع من العرب وغيرهم خوفهم ومناهم ملك الأرض كلها، فاستجاب بعضهم إلى دعوته فرد إليهم ما أخذ منهم أهل وولد، وأجاب آخرون رغبة في دعوته، ولم يرد على أحد إبلاء ولا عبداً ولا أمة وأنزل الجميع معه الأحساء، وأبي قوم دعوته عليهم حرمهم ومن لم يبلغ من أولادهم أربع سنين وشيئاً من الإبل يحملون عليه، وحبس ما سوى ذلك كله، وجمع الصبيان في دور وأقام عليهم قواما، وأجرى عليهم ما يحتاجون إليه، ووسم جميعهم على الخدود لئلا يختلطوا بغيرهم، وعرف عليهم عرفاء، وعلم من صلح لركوب الخيل والطعان فنشأوا لا يعرفون غيره، وصارت دعوته طبعاً لهم، وقبض كل مال من البلد والثمار والحنطة والشعير، وأنفذ الرعاة في الإبل والغنم، وقوماً للنزول معها لحفظها والتنقل معها على نوب معروفة، وأجرى على أصحابه جرايات فلم يكن يصل أحد إلى غير ما يطمعه، وهو لا يغفل مع ذلك عن هجر، فلما أضجروه وطال أمرهم وقد كان بلغ منهم الحصار كل غاية، وأكلوا السنانير والكلاب وكان حصارهم يزيد عل عشرين شهراً، ثم جمع أصحابه وحشد لهم وعمل الدبابات، ومشى بها الرجال إلى السور، فاقتتلوا أشد قتال لم يقتتلوا مثله قبل ذلك، ودام القتال عامة النهار، وكل منتصف من الآخر، وكثرت بينهم القتلى، ثم رجع إلى الأحساء، ثم باكرهم فناوشوه فانصرف، فلما قرب من الأحساء أمر الرجالة ومن جرح أن ينصرف، وعادوا في خيل فدار حول هجر، وفكر فيما يكيدهم به، وإذا لهجر عين عظيمة كثيرة الماء، يخرج من نشز من الأرض غير بعيد منها، ثم يجتمع ماؤها في نهر ويقتسم حتى بجانب هجر ملاصقاً، ثم ينزل إلى النخيل فيسقيها، فكانوا لا يفقدون الماء في حصارهم، فلما تبين له أمر العين انصرف إلى الأحساء، وثم غدا فأوقف على باب المدينة عسكراً، ثم رجع إلى الأحساء وجمع الناس كلهم وسار في آخر الليل فورد العين بكرة بالمعاول والرمل وأوقار الثياب الخلقان ووبر وصوف وأمر قوماً بجمع الحجارة وآخرين ينفذون بها إلى العين، وأعد الرمل والحصى والتراب، فلما اجتمع أمر أن يطرح الوبر والصوف وأوقار الثياب في العين، وأن يطرح فوقها الرمل والحصى والتراب والحجارة ففعل ذلك، فقذفته العين ولم يغن ما فعلوه شيئاً، فانصرف إلى الأحساء هو ومن معه، وغدا في خيل فضرب في البر، وسأل عن منتهى العين فقبل له إنها تتصل بساحل البحر، وأنها تنخفض كلما نزلت، فرد جميع من كان معه وانحدر على النهر نحوا من ميلين ثم أمر بحفر نهر هناك، ثم أقبل هو وجمعه يأتون في كل يوم، والعمال يعملون حتى حفره إلى السباخ، ومضى الماء كله عنهم فصب في البحر، فلما تم له ذلك نزل على هجر وقد انقطع الماء عمن بها، فأيقنوا بالهلاك فهرب بعضهم نحو البحر، فركبوه إلى جزيرة أدالي وسيراف وغيرهما، ودخل قوم منهم في دعوته، وخرجوا إليه فنقلهم إلى الأحساء، وبقيت طائفة لم يقدروا على الهرب ولم يدخلوا في دعوته، فقتلهم وأخذ ما في المدينة ثم أخربها، وصارت الأحساء مدينة البحرين.

الحرب بين القرامطة أصحاب أبي سعيد وأهل عمان

قال: ولما استولى على هجر وخربها أنفذ سرية من أصحابه ستمائة فارس إلى عمان، فوردت على غفلة فقتلوا ونهبوا وأسروا في عمل عمان وأنفذ أهل عمان سرية إليهم في ستمائة رجل من أهل النجدة فأدركوهم فجعلت القرامطة ما غنموه وراء ظهورهم، وأقبلوا نحو أهل عمان فاقتتلوا، حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف وتعانقوا، وتكادموا وتراضخوا بالحجارة، فلم تغرب الشمس حتى تفانوا، فبقي من أهل عمان خمسة نفر لا حراك بهم، ومن القرامطة ستة نفر مجرحين إلا أنهم أحسن حالاً من العمانية، فركب القرامطة ست رواحل وعادوا إلى أبي سعيد، فأخبروه الخبر واعتذروا إليه، فلم يقبل عذرهم وأمر بهم فقتلوا، فأنزلت بهم ما كانوا له أهلاً، وتطير بهلاك السرية وأمسك عن أهل عمان.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي