أخبار أبي نجاح بن فنا
النصراني الراهب وقتلهكان هذا الراهب من أهل أشموم طناح.وكان قد خدم والي الدولة يحنا بن أبي الليث، ثم اتصل بالخليفة الآمر بعد القبض على المأمون.وبذل في مصادرة قوم من النصارى مائة ألف دينار، فأطلق يده فيهم.وتسلسل الأمر إلى أن عم البلاء منه جميع رؤساء الديار المصرية وقضاتها وكتابها وغيرهم.ولم يبق أحد إلا ناله منه مكروه من الضرب والنهب وأخذ المال.وارتفع شأنه عند الآمر حتى كان يعمل له ملابس مخصوصة به بدمياط وتنيس من الصوف الأبيض المنسوج بالذهب، فكان يلبسها ويلبس من فوقها الغفافير الديباج.وكان يتطيب في كل يوم بعدة مثاقيل من المسك، وكان يركب الحمير بالسروج المحلاة بالذهب والفضة، ويجلس في قاعة الخطابة بالجامع العتيق بمصر ويستدعي الناس للمصادرة.فاستدعى في بعض الأيام رجلاً يعرف بابن الفرس، وكان من أكابر العدول ذوي الهيئات والديانة، والناس يعظمونه ويبجلونه - وأوقع به الإهانة والإخراق، فخرج من عنده ووقف في الجامع يوم الجمعة وقال: يا أهل مصر، انظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه هذا النصراني من المسلمين ! فارتج الناس لكلامه وكادت تكون فتنة، فدخل جماعة على الآمر وخوفوه العاقبة.وعرفوه ما حل بالمسلمين منه فاستدعاه، وكان في المجلس رجلٌ من الأشراف، فأنشد أبياتاً منها:
إن الذي شُرِّفت من أجله
يزعم هذا أنه كاذب
فقال له الآمر: ما تقول يا راهب ؟ فمسكت.فأمر به فقتل.وكان الذي تولى قتله الأمير مقداد والي مصر، وصلبه على الجسر.ثم أنزل وربط على خشبة ورمي في بحر النيل وخرجت الكتب إلى الأعمال البحرية أنه إذا ألقاه الماء إلى جهة أخرجوه عنها حتى ينتهي إلى البحر المالح. ولما قتل هذا الراهب وجدوا له مقطعاً فيه ثلاثمائة طراحة سامان محشوة، جدداً، لم تستعمل.هذا من هذا النوع، خلا ما وجد من الذهب والفضة والأقمشة والديباج.