نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار أحمد بن صدقة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار أحمد بن صدقة

قال أبو الفرج الأصفهاني: هو أحمد بن صدقة بن أبي صدقة.كان أبوه حجازياً مغنياً، قدم على الرشيد وغنى له.وقد ذكرنا أخباره في النوادر من كتابنا هذا، فلا حاجة بنا إلى إعادتها.وكان أبو أحمد طنبورياً محسناً مقدماً حاذقاً حسن الغناء محكم الصنعة.قال: وله غناءٌ كثيرٌ في الأرمال والأهزاج وما يجري مجراها من غناء الطنبوريين.وكان ينزل الشام.ووصف للمتوكل فأمر بإحضاره، فقدم عليه فغناه، فاستحسن غناءه وأجزل صلته.واشتهاه الناس وكثر من يدعوه، فكسب بذلك أكثر مما كسبه مع المتوكل أضعافاً. وروى أبو الفرج عن أحمد بن صدقة قال: اجتزت بخالد بن يزيد الكاتب، فقلت له: أنشدني بيتين من شعرك حتى أغني فيهما.فقال: وأي حظٍ لي في ذلك ! تأخذ أنت الجائزة وأحصل أنا على الإثم ! فحلفت أني إن أخذت بشعره فائدةً جعلت له فيها حظاً، وأذكرت به الخليفة وسألته فيه.فقال: أما الحظ من جهتك فأنت أنذل من ذلك، ولكن عسى أن تفلح في مسئلة الخليفة، وأنشدني:

تقول سلا، فمن المدنف

ومن عينه أبداً تذرف !

ومن قلبه قلقٌ خافقٌ

عليك وأحشاؤه ترجف !

فلما جلس المأمون للشرب دعاني، وكان قد غضب على حظيةٍ له، فحضرت مع المغنين.فلما طابت نفسه وجهت إليه بتفاحةٍ من عنبرٍ عليها مكتوبٌ بالذهب: يا سيدي سلوت، وما علم الله أني عرفت شيئاً من خبرهما.وانتهى الدور إلي فغنيت البيتين، فاحمر وجه المأمون وانقلبت عيناه وقال: يا بن الفاعلة، لك علي وعلى حرمي صاحب خبرٍ ! فوثبت وقلت: يا سيدي، ما السبب ؟ قال: من أين عرفت قصتي مع جاريتي حتى غنيت في معنى ما بيننا ؟ فحلفت أني لم أعرف شيئاً من ذلك، وحدثته بحديثي مع خالد، فلما انتهيت إلى قوله: أنت أنذل من ذلك ضحك وقال: صدق، وعجب من هذا الاتفاق، وأمر لي بخمسة آلاف درهم ولخالدٍ بمثلها. وروى عنه أيضاً قال: دخلت على المأمون في يوم الشعانين وبين يديه عشرون وصيفةً جلبٌ ورومياتٌ مزنراتٌ قد تزين بالديباج الرومي، وعلقن في أعناقهن صلباناً من الذهب، وفي أيديهن الخوص والزيتون.فقال لي المأمون: ويلك يا أحمد ! قد قلت في هؤلاء أبياتاً فغن بها، ثم أنشدني:

ظباءٌ كالدنانير

ملاحٌ في المقاصير

جلاهن الشعانين

علينا في الزنانير

وقد زرفن أصداغاً

كأذناب الزرازير

وأقبلن بأوساطٍ

كأوساط الزنابير

فحفظته وغنيته، فلم يزل يشرب والوصائف يرقصن بين يديه بأنواع الرقص من الدستبندا إلى الإلي حتى سكر، وأمر لي بألف دينارٍ، وأمر بأن ينثر على الجواري ثلاثة آلاف دينارٍ، فقبضت الألف ونثرت ثلاثة آلاف الدينار فانتهبتها معهن. قال: ولم يزل أحمد بالعراق حتى بلغه موت بنيةً له بالشام، فشخص نحو منزله، وخرج عليه الأعراب فأخذوا ما معه وقتلوه.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي