نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار أهل الغدر وغدراتهم المشهورة

أعرف الناس في الغدر آل الأشعث بن قيس بن معد يكرب، وقد عدت لهم غدرات، فمنها: غدر قيس بن معد يكرب بمراد، وكان بينهم عهد أن لا يغزوهم إلى انقضاء شهر رجب، فوافاهم قبل الأمد بكندة، وجعل يحمل عليهم ويقول:

أقسمت لا أنزل حتى يهزموا

أنا ابن معد يكربٍ فاستسلموا

فارس هيجا ورئيسٌ مصدم

فقتل قيس بن معد يكرب وارتد الأشعث عن الإسلام.وغدر الأشعث ببني الحارث بن كعب، وكان قد غزاهم فأسروه، ففدى نفسه بمائتي بعير، فأعطاهم مائة وبقي عليه مائة، فلم يؤدها، وجاء الإسلام فهدم ما كان في الجاهلية. وغدر محمد بن الأشعث بن قيس بمسلم بن عقيل بن أبي طالب، وغدر أيضا بأهل طبرستان وكان عبيد الله بن زياد ولاه إياها، فصالح أهلها على أن لا يدخلها ورحل عنهم، ثم عاد إليهم غادرا، فأخذوا عليه الشعاب، وقتلوا ابنه أبا بكر. وغدر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بالحجاج لما ولاه خراسان، وخرج عليه وادعى الخلافة، وكان بينهم من الوقائع ما نذكره في التاريخ في أخبار الحجاج إن شاء الله تعالى، وكانت الدائرة على عبد الرحمن، وكلهم ورثوا الغدر عن معد يكرب، فإنه غدر مهرة، وكان بينه وبينهم عهد إلى أجل، فغزاهم ناقضا لعهدهم، فقتلوه وبقروا بطنه وملأوه بالحصا. وغدرت ابنة الضيزن بن معاوية بأبيها صاحب الحصن ودلت سابور على طريق فتحه، ففتحه وقتل أباها وتزوجها، ثم قتلها.وقد ذكرنا ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب في المباني.ومن ذلك ما فعله النعمان بسنمار، وقد ذكرناه أيضا في خبر بناء الخورنق. وممن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز: غدر الزبير بن العوام، وقتله بوادي السباع، ونذكر ذلك إن شاء الله تعالى في حرب الجمل. ومن الغدر الشنيع ما فعله عضل والقارة، روي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة، فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما وخيرا فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرءان، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة نفر من أصحابه، وهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن البكير حليف بني عدي ابن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف، وخبيب بن عدي أخو بني جحجبي بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنة أخو بني بياضة بن عامر، وعبد الله بن طارق، ومعتب بن عبيد أخو عبد الله لأمه، وأمر عليهم مرثد ابن أبي مرثد، وقيل أمر عليهم عاصما، فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع: ماء لهذيل غدروا بهم واستصرخوا عليهم هديلا، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال في أيديهم السيوف، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، فأما مرثد وخالد وعاصم ومعتب فقالوا: والله ما نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا، فقاتلوا حتى قتلوا، وأما زيد وخبيب وعبد الله فلانوا ورغبوا في الحياة، وأعطوا بأيديهم، فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بمر الظهران، انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، وقدموا بخبيب وزيد إلى مكة فباعوهما فابتاع خبيبا حجر بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ليقتله بالحارث، وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأمية بن خلف، وروي أن خبيبا لما حصل عند بنات الحارث استعار من إحداهن موسى يستحد بها فما راع المرأة إلا صبي لها يدرج، وخبيب قد أجلس الصبي على فخذه، والموسى في يده، فصاحت المرأة، فقال خبيب: أتحسبين أني أقتله ؟ إن الغدر ليس من شأننا، فقالت المرأة: ما رأيت بعد أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته وما بمكة من ثمرة، وإن في يده قطفا من عنب يأكله، إن كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا، ولما خرج لزدت، وما أبالي على أي شقي كان مصرعي، وهذه القصة نذكرها إن شاء الله تعالى بما هو أبسط من هذا في السيرة النبوية في سيرة مرثد إلى الرجيع. قيل: أغار خيثمة بن مالك الجعفي على حي من بني القين فاستاق منهم إبلا فلحقوه ليستنقذوها منه، فلم يطمعوا فيه، ثم ذكر يدا كانت لبعضهم عنده، فخلى عما كان في يده، وولي منصرفا، فنادوه وقالوا: إن المفازة أمامك، ولا ماء معك، وقد فعلت جميلا، فأنزل ولك الذمام والحباء، فنزل فلما اطمأن وسكن، واستمكنوا منه غدروا به فقتلوه، ففي ذلك تقول عمرة ابنته:

غدرتم بمن لو كان ساعة غدركم

بكفيه مفتوق الغرارين قاضب

أذادكم عنه بضربٍ كأنه

سهام المنايا كلهن صوائب

وتلاحي بنو مقرون بن عمرو بن محارب، وبنو جهم بن مرة بن محارب، على ماءٍ لهم فغلبتهم بنو مقرون فظهرت عليهم، وكان في بني جهم شيخٌ له تجربة وسن، فلما رأى ظهورهم، قال: يا بني مقرون، نحن بنو أب واحد، فلم نتفاني ؟ هلموا إلى الصلح، ولكم عهد الله تعالى وميثاقه آبائنا، أن لا نهيجكم أبدا ولا نزاحمكم في هذا الماء، فأجابتهم بنو مقرون إلى ذلك، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح عدا عليهم بنو جهم فنالوا منهم منالا عظيما، وقتلوا جماعة من أشرافهم، ففي ذلك يقول أبو ظفر الحارثي:

هلا غدرتم بمقرونٍ وأسرته

والبيض مصلتهٌ والحرب تستعر

لما اطمأنوا وشاموا في سيوفهم

ثرتم إليهم وعر الغدر مشتهر

غدرتموهم بأيمان مؤكدةٍ

والورد من بعده للغادر الصدر

هذا ما قيل في الغدر. وأما الخيانة، فقد نهى الله تعالى عنها فقال: 'يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون'. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له'. وقيل: من ضيع الأمانة، ورضي الخيانة، فقد بريء من الديانة. وقال حكيم: لو علم مضيع الأمانة، ما في النكث والخيانة، لقصر عنهما عنانه. وقالوا: من خان مان، ومن مان هان، وتبرأ من الإحسان. قيل دخل شهر بن حوشب وهو جلة القراء وأصحاب الحديث على معاوية، وبين يديه خرائط فيها مال، قد جمعت لتوضع في بيت المال، فقعد على خريطة منها، وأخذها، ومعاوية ينظر إليه، فلما رفعت الخرائط، فقد من عددها خريطة، فأعلم الخازن بذلك معاوية، فقال: هي محسوبة لك فلا تسأل عن آخذها، ففيه يقول بعض الشعراء:

لقد باع شهرٌ دينه بخريطةٍ

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر ؟

وقال المنصور لعامل بلغه عنه خيانته: يا عدو الله، وعدو أمير المؤمنين، وعدو المسلمين، أكلت مال الله، وخنت خليفة الله، فقال: يا أمير المؤمنين، نحن عيال الله، وأنت خليفة الله، والمال مال الله، فمن أين نأكل إذا، فضحك وأطلقه، وأمر أن لا يولي عملا بعدها. وسرق رجل في مجلس أنوشروان جاماً من ذهب وهو يراه، فتفقده الشرابي، فقال: والله لا يخرج أحد حتى يفتش، فقال له أنوشروان: لا تتعرض لأحد، فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه. وحكي أن بعض التجار أودع عند قاضٍ بمعرة النعمان وديعةً، وغاب مدةً، فلما رجع، طالب بها، فأنكرها القاضي، فتشفع إليه برؤساء بلده في ردها، فما زالوا به حتى أقر بها، وادعى أنها سرقت من حرزه، فاستحلفه المودع فخلف، فقال ابن الدويدة في ذلك:

لا يصدق القاضي الخؤن إذا ادعى

عدم الوديعة من حصين المودع

إن قال قد ضاعت فيصدق أنها

ضاعت ولكن منك يعني لو تعي

أو قال قد وقعت فيصدق أنها

وقعت ولكن منه أحسن موقع

وقال ابن الحجاج:

وأدعوهم إلى القاضي عساهم

إذا وقع اليمين يحلفوني

وأضيع ما يكون الحق عندي

إذ عزم الغريم على اليمين

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي