نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار ابن جامع

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار ابن جامع

هو أبو القاسم إسماعيل بن جامع بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة أبن صبيرة بن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤي.قالوا: وكان أبن جامع من أحفظ خلق الله لكتاب الله تعالى، كان يخرج من منزله مع الفجر يوم الجمعة فيصلي الصبح ثم يصف قدميه حتى تطلع الشمس، فلا يصلي الناس الجمعة حتى يختم القرآن ثم ينصرف إلى منزله.وكان حسن السمت، كثير الصلاة.وكان يعتم بعمامة سوداء على قلنسوة ويلبس لباس الفقهاء ويركب حماراً مريسياً في زي أهل الحجاز.وروي عنه أنه قال: لولا أن القمار وحب الكلاب قد شغلاني لتركت المغنين لا يأكلون الخبز.قال أبن جامع: أخذت من الرشيد بيتين غنيته إياهما عشرة آلاف دينار.قالوا: وكان إبراهيم بن المهدي يفضل أبن جامع فلا يقدم عليه أحدا.قال: وكان أبن جامع منقطعاً إلى موسى الهادي في أيام أبيه، فضربه المهدي وطرده.فلما مات المهدي بعث الفضل بن الربيع إلى مكة فأحضر أبن جامع في قبة ولم يعلم به أحدا.فذكره موسى الهادي ذات ليلةٍ فقال لجلسائه: أما فيكم أحدٌ يرسل إلى أبن جامع وقد عرفتم موقعه مني ؟ فقال الفضل بن الربيع: هو والله عندي يا أمير المؤمنين وأحضره إليه.فوصل الفضل في تلك الليلة بعشرة آلاف دينار وولاه حجابته. وحكى أنه دخل على الهادي فغناه فلم يعجبه ؛ فقال له الفضل: تركت الخفيف وغنيت الثقيل.قال: فأدخلني عليه أخرى فأدخله ؛ فغناه الخفيف، فأعطاه ثلاثين ألف دينار.قال أحمد بن يحيى المكي: كان أبن جامع أحسن ما يكون غناءً إذا حزن.وأحب الرشيد أن يسمع ذلك، فقال للفضل بن الربيع: ابعث بخريطة فيها نعى أم أبن جامع وكان براً بأمه ففعل.فقال الرشيد: يا أبن جامع، في هذه الخريطة نعى أمك ؛ فأندفع أبن جامع يغني بتلك الحرقة والحزن الذي في قلبه:

كم بالدروب وأرض السّند من قدم

ومن جماجم صرعى ما بها قبروا

بقدنرهار ومن تكتب منيّته

بقندهار يرجّم دونه الخبر

قال: فوالله ما ملكنا أنفسنا، ورأيت الغلمان يضربون برءوسهم الحيطان والأساطين، وأمر له الرشيد بعشرة آلاف دينار. وروى أبو الفرج بسنده إلى عبد الله بن علي بن عيسى بن ماهان قال: سمعت يزيد يحدث عن أم جعفر أنه بلغها أن الرشيد جالسٌ وحده وليس معه أحد من الندماء ولا المسامرين، فأرسلت إليه: يا أمير المؤمنين، إني لم أرك منذ ثلاث وهذا اليوم الرابع.فأرسل إليها: عندي أبن جامع.فأرسلت إليه: أنت تعلم أني لا أتهنأ بشرب ولا سماعٍ ولا غيرهما إلا أن تشركني فيه، ما كان عليك أن أشركك في هذا الذي أنت فيه ! فأرسل إليها: إني صائرٌ إليك الساعة.ثم قام وأخذ بيد أبن جامع وقال للخادم: امض إليها وأعلمها أني قد جئت.وأقبل الرشيد ؛ فلما نظر إلى الخدم والوصائف قد أستقبلوه علم أنها قد قامت تستقبله ؛ فوجه إليها: إن معي أبن جامع، فعدلت إلى بعض المقاصير.وجاء الرشيد وصير أبن جامع في بعض المواضع التي يسمع منه فيها، ثم أمر أبن جامع فأندفع يغني:

ما رعدت رعدةً ولا برقت

لكنها أنشئت لنا خلقه

الماء يجري ولا نظام له

لو يجد الماء مخرقاً خرقه

بتنا وباتت على نمارقها

حتى بدا الصبح عينها أرقه

أن قيل إن الرحيل بعد غدٍ

والدّار بعد الجميع مفترقه

فقالت أم جعفر للرشيد: ما أحسن ما أشتهيت والله يا أمير المؤمنين ! ثم قالت لمسلم خادمها: ادفع إلى أبن جامع بكل بيت مائة ألف درهم.فقال الرشيد: غلبتينا يا أبنة أبي الفضل وسبقتينا إلى بر ضيفنا وجليسنا.فلما خرج حمل الرشيد إليها مكان كل درهم دينارا.

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي