نهاية الأرب في فنون الأدب/أخبار الأكلة

من موسوعة الأدب العربي
اذهب إلى:تصفح، ابحث

أخبار الأكلة

قد نسب ذلك إلى جماعة من الأكابر وذوي الهمم، فمن ذلك ما حكاه الحمدوني في تذكرته: أن معاوية بن أبي سفيان أتى بعجل مشوي، فأكل معه دستا من الخبز السميد، وأربع فراني، وجدياً حاراً، وجدياً باردا، سوى الألوان، ووضع بين يديه مائة رطل من الباقلاء الرطب، فأتى عليه، وقيل: إنه كان يأكل كل يوم أربع أكلات آخرهن أشدهن، ثم يقول: يا غلام، ارفع، فوالله ما شبعت، ولكني مللت. ومنهم عبيد الله بن زياد، كان يأكل في اليوم خمس أكلات آخرها جنبة بغل، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ من الطعام عناق أو جدي فيأتي عليه وحده. ومنهم الحجاج بن يوسف، قال سالم بن قتيبة: كنت في دار الحجاج مع ولده، وأنا غلام، فقالوا جاء الأمير، فدخل الحجاج وأمر بتنور، فنصب، وأمر رجلا يخبز خبز الماء ودعا بسمك، فأكل حتى أتى على ثمانين جاما من السمك بثمانين رغيفا من خبز الماء. ومنهم سليمان بن عبد الملك، روي أنه شوى له أربعة وثمانون خروفا، فمد يده إلى كل واحد منها فأكل شحم أليته ونصف بطنه، مع أربعة وثمانين رغيفا، ثم أذن للناس، وقدم الطعام، فأكل معهم أكل من لم يذق شيئا. وقال الشمردل وكيل عمرو بن العاص: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز، فجاء حتى ألقى صدره إلى غصن، ثم قال: يا شمردل، ما عندك شيء تطعمني ؟ قلت عندي جذعٌ تغدو عليه حافل وتروح أخرى، قال: عجل به، فأتيته به كأنه عكة سمن، فجعل يأكل وهو لا يدعو عمر، حتى بقي منه فخذ، قال: يا أبا حفص، هلم، قال: إني صائم، فأتى عليه، ثم قال: يا شمردل ويلك ! ما عندك شيء ؟ قلت: دجاجات ست، كأنهن رئلان النعام، فأتيته بهن فأتى عليهن، ثم قال: ويلك يا شمردل ! ما عندك ؟ قلت: سويق كأنه قراضة الذهب، فأتيته بعس يغيب فيه الرأس، فشربه، فلما فرغ تجشأ كأنه صارخ في جب، ثم قال: يا غلام ! أفرغت من غدائنا ؟ قال: نعم، قال: ما هو ؟ قال: نيف وثمانون قدرا، قال: فأت بقدر قدر، وبقناع عليه رقاق، فأكل من كل قدر ثلاث لقم، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، فوضع الخوان، وقعد يأكل مع الناس. ومن المشهورين بالأكل، هلال بن الأسعر المازني، قال المعتمر بن سليمان: سألته عن أكله فقال: جعت مرة ومعي بعيرٌ لي فنحرته وأكلته إلا ما حملت منه على ظهري، فلما كان الليل راودت امة لي فلم أصل إليها، فقالت كيف تصل إلي وبيني وبينك جمل ؟ فقلت له: كم بلغتك هذه الأكلة ؟ فقال: أربع أيام.وحكي أبو سعيد منصور بن الحسن الأبي في كتابه المترجم بنثر الدر: أن هلالا هذا أكل بعيرا، وأكلت امرأته فصيلا وجامعها، فلم يتمكن منها، فقالت له: كيف تصل إلي وبيني وبينك بعيران ؟ وله حكايات ذكرها الحمدوني في التذكرة، والأبي في نثر الدر تركناها اختصارا. ومنهم محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ذكر الجاحظ: أنه أكل يوما جنبي بكر شواء بعد طعام كثير. ومن المشهورين بالنهم، أحمد بن أبي خالد الأحول وزير المأمون، وكان المأمون إذا وجهه في حاجة، أمره أن يتغدى ويمضي فرفع إلى المأمون في المظالم: إن رأى أمير المؤمنين أن يجري على ابن أبي خالد نزلا، فإن فيه كلبية، إلا أن الكلب يحرس المنزل بكسرة، وابن أبي خالد يقتل المظلوم، ويعين الظالم بأكلة، فأجرى عليه المأمون في كل يوم ألف درهم لمائدته، وكان مع ذلك يشره إلى طعام الناس.ولما انصرف دينار بن عبد الله من الجبل، قال المأمون لأحمد بن أبي خالد: امض إلى هذا الرجل وحاسبه وتقدم إليه يحمل ما يحصل لنا عليه وأنفذ معه خادما ينهي إليه ما يكون منه، وقال: إن أكل أحمد عند دينار عاد إلينا بما نكره، ولما اتصل خبر أحمد بدينار، قال للطباخ: إن أحمد أشره من نفخ فيه الروح، فإذا رأيته فقل له: ما الذي تأمر أن يتخذ لك ؟ ففعل الطباخ، فقال أحمد: فراريج كسكرية بماء الرمان تقدم مع خبز الماء بالسميد، ثم هات بعدها ما شئت، فابتدأ الطباخ بما أمر، وأخذ أحمد يكلم دينارا، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين: إن لنا قبلك مالا قد حبسته علينا، فقال: الذي لكم ثمانية آلاف ألف، قال فاحملها، قال: نعم، وجاء الطباخ فاستأذن في نصب المائدة، فقال أحمد: عجل بها فإني أجوع من كلب، فقدمت وعليها ما اقترح، وقدم الدجاج وعشرين فروجا كسكرية فأكل أكل جائع نهم، ما ترك شيئا مما قدم، فلما فرغ وقدر الطباخ أنه قد شبع، لوح بطيفورية فيها خمس سمكات شبابيط كأنها سبائك الفضة، فأنكر أحمد عليه إلا قدمها ؟ وقال: هاتها، وأعاد أحمد الخطاب، فقال دينار: أليس قد عرفتك إن الباقي لكم عندي سبعة آلاف ألف ؟ قال أحسبك اعترفت بأكثر منها، فقال: ما اعترفت إلا بها، فقال: هات خطك بما اعترفت به، فكتب بستة آلاف ألف فقال أحمد: سبحان الله ! أليس قد اعترفت بأكثر من هذا ؟ قال: ما لكم قبلي إلا هذا المقدار، فأخذ خطه بها وتقدم الخادم، فأخبر المأمون بما جرى، فلما ورد أحمد ناوله الخط، فقال: قد عرفنا ما كان من الألف ألف بتناول الغداء، فما بال الألف ألف الأخرى، فكان المأمون بعد ذلك يقول: ما أعلم غداء قام على أحد بألفي ألف إلا غداء دينار، واقتصر على الخط ولم يتعقبه كرما ونبلا. ومنهم أبو العالية، حكي أن امرأة حملت فحلفت إن ولدت غلاما لأشبعن أبا العالية خبيصا، فولدت غلاما، فأطعمته، فأكل سبع جفان، فقيل له: إنها حلفت أن تشبعك خبيصا، فقال: والله لو علمت لما شبعت إلى الليل. ومنهم أبو الحسن بن أبي بكر العلاف الشاعر دخل يوما على الوزير المهلبي ببغداد، فأنفذ الوزير من أخذ حماره الذي كان يركبه من غلامه، وأدخل المطبخ وذبح وطبخ لحمه بماء وملح، وقدم بين يديه، فأكله كله وهو يظن أنه لحم بقر، فلما خرج طلب الحمار، قيل له: قد أكلته، وعوضه الوزير عنه ووصله، فهذا كافٍ في .

شارك هذه الصفحة:

تابع موسوعة الأدب العربي على شبكات التواصل الإجتماعي